عرض مشاركة واحدة
قديم 08-04-2012, 11:17 PM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


رد: أرض "بدر" تحتفظ بعبق التاريخ رغم تعاقب الزمان



غزوة بدر


سعد الشمراني

في هذا الشهر المبارك نصر الله المسلمين في غزوة بدر الكبرى على أعدائهم المشركين وسمّى ذلك اليوم يوم الفرقان ، لأنه سبحانه فرق فيه بين الحق والباطل وبنصر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين وخذل الكفار المشركين. كان ذلك في شهر رمضان المبارك من السنة الثانية من الهجرة ، وكان سبب هذه الغزوة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلغه أن أبا سفيان قد توجه من الشام إلى مكة بعير قريش ، فدعا أصحابه إلى الخروج إليه لأخذ العِيْر ، لأن قريشاً حربُ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ليس بينه وبينهم عهد ، وقد أخرجوهم من ديارهم وأموالهم وقاموا ضد دعوتهم دعوة الحق ، فكانوا مستحقين لما أراد النبي وأصحابه بعيرهم.

فخرج صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابُه في ثلثمائةٍ وبضعة عشر رجلاً على فرسين وسبعين بعيراً يعتقبونها منهم سبعون رجلاً من المهاجرين ، والباقون من الأنصار ، يقصدون العير لا يريدون الحرب ، ولكن الله جمع بيهم وبين عدوهم على عير ميعاد ليقضي الله أمراً كان مفعولاَ ويتم ما أراد.

علم بهم أبا سفيان فبعث صارخاً إلى قريش يستنجدهم ليحموا غيرهم ، وترك الطريق المعتادة وسلك ساحل البحر فنجا. أما قريش فإنه لما جاءهم الصارخ خرجوا بأشرافهم عن بكرة أبيهم في نحو ألف رجل معهم مئةُ فرس وسبعمائة بعير( بطراً ورئَاءَ الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط ) ومعهم القيان يغنين بهجاء المسلمين ، فلما علم أبوسفيان بخروجهم بعث إليهم يخبرهم بنجاته ، ويشير عليهم بالرجوع وعدم الحرب ، فأبوا ذلك وقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نبلغ بدراً ونقيم فيه ثلاثاً ، ننحر الجزور ، ونطعم الطعام ، ونسقي الخمر ، وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبداً.

أما رسول الله صلى الله عليه آله وسلم فإنه لما علم بخروج قريش جمع من معه من الصحابة فاستشارهم وقال: إن الله قد وعدني إحدى الطائفتين إما العير أو الجيش ، فقام المقداد بن الأسود وكان من المهاجرين وقال: يا رسول الله امض لما أمرك الله عز وجل فوالله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ) ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك ، وقام سعد بن معاذ الأنصاري سيد الأوس فقال: يا رسول الله لعلّك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقاً عليها أن لا تنصرك إلا في ديارهم وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم فاظعن حيث شئت ، وصل حبل من شئت ، واقطع حبل من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، وأعطنا ما شئت ، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت ، وما أمرت فيه من أمر فأمرنا فيه تبع لأمرك ، فوالله لئن سرت بنا حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك ، ولئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لنخوضنه معك ، وما نكره أن تكون تلقى العدو بنا غدا ، إننا لصبر عند الحرب ، صدق عند اللقاء ، ولعل الله يريك منا ما تقر به عين.

فسر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما سمع من كلام المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم وقال: سيروا وأبشروا فوالله لكأني أنظر إلى مصارع القوم ، فسار النبي بجنود الرحمن حتى نزلوا أدنى ماءٍ من مياه بدر ، فقال له الحباب بن المنذر بن عمرو بن الجموح: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل؟ أمنزل أنزله الله ليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: بل هو الرأي والحرب والمكيدة ، فقال: يا رسول الله إن هذا ليس بمنزل، فانهض بنا حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ونغور ما وراءه من القلب ثم نبني عليه حوضاً فنملأه فنشرب ولا يشربون ، فأستحسن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا الرأي ونهض. فنزل بالعُدوةِ الدنيا مما يلي المدينة وقريش بالعدوة القصوى مما يلي مكة ، وأنزل الله تلك الليلة مطراً على المشركين وابلاً شديداً ووحلاً زلقاً يمنعهم من التقدم ، وكان على المسلمين طلاً طهرهم ووطأ لهم الأرض وشد الرمل ومهد المنزل وثبت الأقدام.

وبنى المسلمون لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه عريشاً على تل مشرف على ميدان الحرب ثم نزل النبي من العريش فسوّى صفوف أصحابه ، ومشى في موضع المعركة ، وجعل يشير بيده إلى مصارع المشركين ، ومحلات قتلهم يقول: هذا مصرع فلان إن شاء الله ، هذا مصرع فلان ، فما جاوز أحد منهم موضع إشارته ، ثم نظر صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه وإلى قريش فقال: الله هذه قريش جاءت بمفخرها وخيلها تحادك وتكذب رسولك اللهم نصرك الذي وعدتني ، اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إن شئت لم تُعْبد ، اللهم إن تلك هذه العصابة اليوم لا تعبد ، واستنصر المسلمين ربهم واستغاثوه فاستجاب لهم }إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ذلك فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار{. ثم تقابل الجمعان ، وحمي الوطيس واستدارت رحى الحرب ، ورسول الله في العريش ، ومعه أبو برك وسعد بن معاذ يحرسانه ، فما زال صلوات الله وسلامه عليه يناشد ربه ويستنصره ويستغيثه ، فأغفى إغفاءة ثم خرج يقول: "سيهزم الجمع ويولون الدبر" وحرّض أصحابه على القتال وقال: والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة. فقال عمير بن الحمام الأنصاري وبيده تمرات يأكلهن فقال: يا رسول الله جنةً عرضها السموات والأرض ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: نعم ، قال: بخ بخ يا رسول الله ما بين وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ، لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة ، ثم ألقى التمرات وقاتل حتى قتل رضي الله عنه.


وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفاً من تراب أو حصاً فرمى بها القوم فأصابت أعينهم فما منهم واحد إلا ملأت عينه ، وشغلوا بالتراب في أعينهم آية من آيات الله عز وجل ، فهُزم جمع المشركين ، وولوا الأدبار ، وأتبعهم المسلمين يقتلون ويأسرون. قتلوا سبعين رجلاً وأسروا سبعين. أما القتلى فالقي منهم أربعة وعشرون رجلاً ومن صناديدهم في قليب من قلبان بدر ، منهم أبو جهل وشيبة بن ربيعة وأخوه عتبة وابنه الوليد بن عتبة ، وفي صحيح البخاري: عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استقبل الكعبة فدعا على هؤلاء الأربعة قال: فأشهد بالله لقد رأيتهم صرعى قد غيرتهم الشمس وكان يوماً حاراً ، وفيه أيضاً عن أبي طلحة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر يوم بدر باربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش فقذفوا في طويً من أطواء بدر خبيث مخبث ، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليالٍ ، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليه ثم مشى واتبعه أصحابه حتى قام على شفة الركي فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أيَسُرُكُم أنكم أطعتم الله ورسوله ، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ قال عمر: يا رسول الله ما تلكم من أجساد لا أرواح لها؟ قال رسول الله: "والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم".

وأما الأسرى فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استشار الصحابة فيهم ، وكان سعد ابن معاذ قد ساءه أمرهم وقال: كانت أول وقعةٍ أوقعها الله في المشركين وكان الإثخان في الحرب أحب إلي من استبقاء الرجال. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم فتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكنني من فلان يعني قريباً له فأضرب عنقه ، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها.

وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: هم بنو العم والعشيرة ، وأرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار ، فعسى الله أن يهديهم للإسلام ، فأخذ النبي الفدية ، فكان أكثرهم يفتدى بالمال من أربعة آلاف درهم إلى ألف درهم ، ومنهم من افتدى بتعليم صبيان أهل المدينة الكتابة والقراءة ، ومنهم من كان فداؤه إطلاق مأسور عند قريش من المسلمين ، ومنهم من قتله النبي صلى الله عليه وآله وسلم صبراً لشدة أذيته ، ومنهم منْ مَنّ عليه بدون فداء للمصلحة.


هذه غزوة بدر انتصرت فيها فئة قليلة على فئة كثيرة ( فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة) انتصرت الفئة القليلة لأنها قائمة بدين الله تقاتل لإعلاء كلمته والدفاع عن دينه ، فنصرها الله عز وجل.


رد مع اقتباس