عرض مشاركة واحدة
قديم 03-16-2010, 01:12 AM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: تقرير : التعلم لمادة علم النفس العام



التفكير

المقدمة :
التفكير سمة من السمات التي تميز الإنسان عن غيره من الكائنات الأخرى، وهو مفهوم تعددت أبعاده واختلفت حوله الآراء مما يعكس تعقد العقل البشري وتشعب عملياته، ويتم التفكير من خلال سلسلة من النشاطات العقلية التي يقوم بها الدماغ عندما يتعرض لمثير يتم استقباله من خلال واحدة أو أكثر من الحواس الخمس المعروفة ، ويتضمن التفكير البحث عن معنى ، ويتطلب التوصل إليه تأملاً وإمعان النظر في مكونات الموقف أو الخبرة التي يمر بها الفرد.
ومن خلال التفكير يتعامل الإنسان مع الأشياء التي تحيط به في بيئته ، كما أنه في الوقت ذاته يعالج المواقف التي تواجهه بدون إجراء فعل ظاهري، فالتفكير سلوك يستخدم الأفكار والتمثيلات الرمزية للأشياء والأحداث غير الحاضرة أي التي يمكن تذكرها أو تصورها أو تخيلها.
ويستخدم الإنسان عملية التفكير عندما يواجه سؤال أو يشعر بوجود مشكلة تصادفه، والعلاقة بين التفكير والمشكلة متداخله حيث أنهما وجهان لعملة واحدة، فالتفكير لا يحدث إلاّ إذا كانت توجد مشكلة يشعر بها الفرد وتؤثر فيه وتحتاج إلى تقديم حل لها لاستكمال النقص أو إزالة التعارض والتناقض مما يؤدي في النهاية إلى غلق ما هو ناقص في الموقف وحل أو تسوية المشكلة.
والتفكير فريضة أرسى أسسها الإسلام ورسخ مهاراتها في عقول أبنائه، فليس هناك دين أعطى العقل والتفكير مساحة كبيرة من الاهتمام مثل الدين الإسلامي وعندما يخاطب القرآن الكريم الإنسان المسلم فإنه يركز على عقله ووعيه وتفكيره، ولأهمية التفكير للإنسان المسلم وردت كلمة تفكير أو مرادافاتها (يتفكرون – يبصرون – يعقلون – يتذكرون.. إلخ ) مرات عديدة في القرآن الكريم.
ويمكن تصنيف مهارات التفكير إلى فئتين رئيسيتين هما : مهارات التفكير الدنيا والتي تعني الاستخدام المحدود للعمليات العقلية كالحفظ والاستظهار والتذكر، وهي عمليات من الضروري تعلمها قبل الانتقال إلى مستويات التفكير العليا. ومهارات التفكير العليا والتي تعني الاستخدام الواسع للعمليات العقلية، ويحدث ذلك عندما يقوم الفرد بتفسير وتحليل المعلومات ومعالجتها بعيداً عن الحلول أو الصياغات البسيطة للإجابة على سؤال أو حل مشكلة لا يمكن حلها من خلال الاستخدام الروتيني للعمليات العقلية الدنيا، هذا ويقع ضمن هذه الفئة مجموعة من أنواع التفكير ، كالتفكير الإبداعي والتفكير الناقد.
الفصل الاول :
معنى التفكير الناقد :
التفكير الناقد في أبسط معانيه هو القدرة على تقدير الحقيقة ومن ثم الوصول إلى القرارات في ضوء تقييم المعلومات وفحص الآراء المتاحة والأخذ بعين الاعتبار وجهات النظر المختلفة، وينطوي التفكير الناقد على مجموعة من مهارات التفكير التي يمكن تعلمها والتدريب عليها وإجادتها، ويمكن تصنيف هذه المهارات ضمن فئات أربع هي الاستقراء والاستنباط و التحليل و التقييم، كما تتضمن قدرة التفكير الناقد تعلم كيف نسأل، ومتى، وما الأسئلة التي تطرح، وكيف نعلل ومتى، وما طرق التعليل التي نستخدمها، ذلك أن الفرد يستطيع أن يفكر تفكيراً ناقداً إذا كان قادراً على فحص الخبرة وتقويم المعرفة والأفكار والحجج من أجل الوصول إلى أحكام متوازنة، حيث أن الممارسة الموجودة منذ أمد بعيد لا تعني أنها الأكثر ملائمة لكل الأزمنة، أو حتى هذه اللحظة ، وقبول فكرة من قبل الجميع لا تعني الاعتقاد بحقيقتها الأزلية دون التأكد أولاً من مدى انسجامها مع الحقيقة كما نجربها.
وتشير الدراسات إلى وجود علاقة بين القدرة على اكتساب مهارات التعليم الناقد وبعض سمات الشخصية كالانفتاح العقلي والمرونة والاستقلالية في اتخاذ القرار وتقدير الذات المرتفع والثقة في النفس، ولكي يكون الفرد ناقداً فإن ذلك يتطلب منه نبذ الأحكام المسبقة، كما يستلزم ذلك قدراً من الشك التأملي تجاه الافتراضات القائمة، وقدره على تحري التحيز والتحامل وتحديد مصداقية مصدر المعلومات والتعرف على المغالطات، ومهاره في التمييز بين الفرضيات والتعميمات وبين الحقائق والادعاءات، ومن خصائص المفكر الناقد أيضاً أنه :
- يحاول فصل التفكير العاطف عن التفكير المنطقي.
- لا يجادل في أمر ما عندما لا يعرف عنه شيئاً.
- يعرف متى يحتاج إلى معلومات أكثر حول شيء ما.
- يستفسر عن أي شيء يبدو غير معقول أو مفهوم.
- يبحث عن الأسباب والبدائل.
- يأخذ جميع جوانب الموقف بنفس الأهمية.
- يتعامل مع مكونات الموقف المعقد بطريقة منظمة.
الفصل الثاني :
تعليم التفكير الناقد :
يتضمن تعليم التفكير الناقد توسيع العمليات الفكرية للفرد بالانطلاق إلى رحاب أوسع من المواقف والمفاهيم الموجودة غريزياً، والابتعاد عن الخبرات الحسية البسيطة، وتكتسب مهارات التفكير الناقد من خلال تعليم منظم يبدأ بمهارات التفكير الأساسية ويتدرج إلى عمليات التفكير العليا، وكل طالب يستطيع أن يفكر تفكيراً ناقداً إذا أتيحت له فرص التدريب والتطبيق والممارسة الفعلية.
وهناك أكثر من رأي أو اتجاه فيما يتعلق بكيفية تعليم التفكير الناقد أو التدريب عليه، إلاّ أن هذه الآراء تكاد تتمحور حول طريقتين رئيسيتين هما :
1- تعليم التفكير الناقد كمادة مستقلة كغيره من المواد وذلك من خلال برامج ومقررات يتم تحديدها على شكل أنشطة وتمارين لا ترتبط بالمواد الدراسية، وقد طورت العديد من البرامج المتخصصة لتنمية مهارات هذا النوع من التفكير، وعادة ما يقوم مدرب متخصص بتدريب الطلبة عليها، ومن مميزات هذه الطريقة أنها تجعل المتعلمين يدركون أهمية الموضوع الذي يدرسونه ويشعرون بالعمليات التفكيرية التي يقومون بها، كما تجعل عملية قياس وتقييم التفكير الناقد أدق.
2- تعليم التفكير الناقد ضمن محتوى المواد الدراسية المختلفة، وهذا يستدعي وجود معلمين مؤهلين ووقت كاف للقيام بالنشاط التفكيري، ومن مميزات هذه الطريقة أنها تنشط العملية التعليمية باستمرار، وتحفز المتعلمين على استخدام عمليات التفكير في مختلف المواد ، وتوفر فهماً أعمق للمحتوى المعرفي لهذه المواد وقدره أفضل على استيعابها وتطبيقها.
وقد برزت اتجاهات حديثة حاولت الجمع بين الطريقتين في تعليم التفكير الناقد بهدف الاستفادة من مميزات وإيجابيات كل منهما.
ومن خصائص المناخات الصفية التي تعزز تعليم مهارات التفكير الناقد أنها :
1- تهيئ الفرص للتعامل مع حالات ومواقف من الحياة الحقيقية أو تطرح مواقف واقعية.
2- يكون فيها التعليم متمركزاً حول المتعلم، أي أن المتعلم هو محور النشاط.
3- تحفز على التعاون والتفاعل بين المتعلمين والمعلمين.
4- تتيح الفرص للمتعلمين للتعبير عن آرائهم والدفاع عنها واحترام آراء الآخرين.
5- تشجع الاكتشاف والاستقصاء وحب المعرفة وتعزز مسؤولية المتعلم عما يتعلمه.
كما يعد المعلم من أهم عوامل نجاح برامج تعليم التفكير الناقد ، حيث أن أي تطبيق لخطة تعليم التفكير إنما يتوقف على نوعية التعليم الذي يمارسه المعلم داخل غرفة الصف، ومن أهم الخصائص التي ينبغي أن يتصف بها المعلمون من أجل توفير بيئة صفية مهيئة لنجاح عملية تعليم التفكير وتعلمه ما يلي : الحرص على الاستماع للمتعلمين، وإعطائهم وقت كاف للتأمل والتفكير، وتهيئة الفرص لهم للمناقشة والتعبير ، وتشجيعهم على التعلم النشط الذي يقوم على توليد الأفكار وذلك من خلال توجيه أسئلة لهم تتعامل مع مهارات التفكير العليا، وكذلك تقبل آرائهم وتتمين أفكارهم واحترام ما بينهم من فروق ومحاولة تنمية ثقتهم بأنفسهم وتزويدهم بتغذية راجعة مناسبة.
الفصل الثالث:
أهمية التفكير الناقد :
يعد التفكير الناقد من المسائل التربوية التي بدأ التربويون وعلماء النفس يولونها اهتماماً كبيراً في العقود الأخيرة، وذلك باعتباره أحد المفاتيح الهامة لضمان التطور المعرفي الفعال الذي يسمح للفرد باستخدام أقصى طاقاته العقلية للتفاعل بشكل ايجابي مع بيئته، ومواجهة ظروف الحياة التي تتشابك فيها المصالح وتزداد المطالب، وتحقيق النجاح والتكيف مع مستجدات هذه الحياة.
ومهارات التفكير الناقد مهارات يحتاج إليها كل فرد من أفراد المجتمع، ولقد أظهرت معظم الدراسات التجريبية والتي تم من خلالها استخدام برامج وخبرات لتنمية مهارات هذا النوع من التفكير، أن هذه المهارات تعود بالفائدة على المتعلمين من عدة أوجه، حيث وجد أنها :
1- تؤدي إلى فهم أعمق للمحتوى المعرفي المتعلم.
2- تقود المتعلم إلى الاستقلالية في تفكير وتحرره من التبعية والتمحور حول الذات.
3- تشجع روح التساؤل والبحث وعدم التسليم بالحقائق دون تحر كاف.
4- تجعل من الخبرات المدرسية ذات معنى وتعزز من سعي المتعلم لتطبيقها وممارستها.
5- ترفع من المستوى التحصيلي للمتعلم.
6- تجعل المتعلم أكثر إيجابية وتفاعلاً ومشاركة في عملية التعلم.
7- تعزز من قدرة المتعلم على تلمس الحلول لمشكلاته واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها.
8- تزيد من ثقة المتعلم في نفسه وترفع من مستوى تقديره لذاته.
9- تتيح للمتعلم فرص النمو والتطور والإبداع.
وباختصار يمكن القول بأن تنمية مهارات التعليم الناقد باتت مهمة وضرورية في عالمنا هذا السريع التغير، لأنها تساعد على المشاركة الفعالة في المجتمع، وتكسب المتعلمين التجارب المختلفة التي تعدهم للتكيف مع مقتضيات الحياة الآنية وتهيؤهم للنجاح في المستقبل، وإذا كان التعليم يهدف إلى إعداد مواطنين لديهم القدرة على اتخاذ القرارات واختيار ما يريدون بناء على حقهم في الاختيار الحر، فإن هذا يستدعي من التربويين الاهتمام بتنمية هذا النوع من التفكير.
تجربة سنغافورة في مجال تعليم التفكير الناقد :
أصبح تعليم مهارات التفكير الناقد غاية أساسية لمعظم السياسات التربوية لدول العالم وهدفاً رئيسياً تسعى مناهجها لتحقيقه، وذلك لما حققه من نتائج إيجابية ثبت أثرها سواء على حياة الفرد أو المجتمع، وقد تبلور الاهتمام بتعليم التفكير الناقد في الولايات المتحدة الأمريكية مع بداية السبعينات من هذا القرن، حيث أوصى المعهد الأمريكي للتربية بضرورة إعطاء مهارات التفكير الناقد أولوية خاصة في المناهج الدراسية، وما زال الاهتمام بهذا النوع من التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية قائماً حتى وقتنا الحاضر، كما أبدت بعض الدول العربية اهتماماً بتعلم التفكير الناقد، حيث أعدت وزارة التربية والتعليم في المملكة الأردنية الهاشمية خطة لتدريب المعلمين امتدت من عام 1991 حتى عام 1998، وكان أحد أهداف هذه الخطة توجيه التدريس لتنمية التفكير الناقد لدى الطلبة، وفي هذا السياق جاء افتتاح مدرسة اليوبيل للطلبة الموهوبين في مطلع العام الدراسي 93 /94 في عمان لتقدم نموذجاً في التعليم يركز على تنمية مهارات التفكير الناقد والتفكير الإبداعي كما يعتبر البرنامج الذي بدء تطبيقه بمدارس الملك فيصل بالرياض خلال العام الدراسي 2001 – 2002 أول برنامج لتعليم وتنمية مهارات التفكير العليا من خلال المواد الدراسية يطبق في المملكة العربية السعودية، وقد تم البدء بتدريب المعلمين على هذه المهارات، وذلك على اعتبار أن المعلم يشكل العنصر الرئيسي لنجاح أي برنامج ، كما بدأت جمهورية مصر العربية عام 2001 ، وبدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مشروعاً تجريبياً هدفه تطوير جميع مكونات العملية التعليمية ، وشمل 245 مدرسة ، وقد ركز المشروع على تنمية مهارات التلاميذ على الحوار وحل المشكلات والتفكير الناقد.
وتعد تجربة سنغافورة* في مجال تنمية مهارات التفكير الناقد نموذجاً ينبغي التوقف عنده، حيث أصبح تعليم التفكير ركيزة أساسية لإصلاح التعليم وتطويره وهدفاً أساسياً من أهدافه، وقد استفادت سنغافورة في وضع خطط هذا النوع من التعليم مما تبلور
من اتجاهات تربوية وتم استحداثه من استراتيجيات تعليمية في مجال تعليم التفكير الناقد وتنمية مهاراته.
يعود اهتمام سنغافورة بهذا النوع من التعليم إلى عام 1997، وهو العام الذي عقد فيه المؤتمر الدولي السابع للتفكير في سنغافورة وحضره 2400 ممثل لحوالي 42 دولة من مختلف بقاع العالم.
في هذا المؤتمر طرح رئيس الوزراء السنغافوري جوه شوك تونغ مبادرته لتطوير التعليم في سنغافورة تحت شعار "مدرسة تفكر... وطن يتعلم" وطالب من خلال كلمته في هذا المؤتمر المسئولين عن التربية في بلاده أن يعيدوا النظر في دور المؤسسات التربوية ودور المعلمين إزاء الطلبة المتعلمين، وأن ينتقلوا بمفهوم التربية من التلقين المعتمد على قدرات التذكر والحفظ إلى تعليم الطلبة مهارات التفكير والاتجاه نحو التعلم والتقصي الذاتي، مبيناً أن تقدم الوطن إنما هو مرهون بتقدم المواطن، وتقدم المواطن لا يتحدد بمدى ما حصله من معارف أو نجح فيه، وإنما بمدى تمسكه بمواصلته التعلم وقدرته على التفكير لاتخاذ القرارات المناسبة في التعامل مع ما يواجهه من عوائق ومشكلات في حياته اليومية، والمواطن ليس مطالباً فقط بالتكيف مع الأحداث المحيطة به، بل عليه صنع وتشكيل و صياغة مستقبل بلاد أيضاً بما يتواكب مع التطورات العلمية والاقتصادية العالمية ، ولكي يعد المواطن لذلك، لابد أن يتعلم مهارات التفكير لكي تساعده وتعضده في تحقيق هذا الهدف.
الهوامش:
*سنغافورة دولة آسيوية تقع مابين المحيط الهندي غرباً وبحر الصين شرقاً، يبلغ عدد سكانها حوالي 2,886 مليون حسب إحصائيات 2002 ،وقد حققت هذه الدولة نجاحات ملحوظة في المجالين الاقتصادي والصناعي في السنوات الأخيرة، ويعد النظام التعليمي في سنغافورة من أفضل النظم التعليمية على مستوى العالم، كما حقق طلابها أكثر من مره مراكز متقدمة في مسابقات (أولومبياد) العلوم والرياضيات العالمية.
وقد كان لهذا النداء وقعه وصداه، حيث أبدت الأوساط التربوية في سنغافورة اهتماماً كبيراً به، وتولد عن هذا الاهتمام اتجاهاً لتطوير مناهج التعليم وتوجيهها للارتقاء بمهارات التفكير لدى المتعلمين من خلال ما يلي :
1- تقليص المواد الدراسية والتخفيف من أعباء المعلم التدريسية لإتاحة فرصة أكبر لممارسة الأنشطة الصفية التفاعلية مع الاهتمام بتعليم الأساسيات في المراحل الأولى من التعليم والتركيز على التخصص في المراحل المتأخرة.
2- الاهتمام بتوفير مناخات مدرسية ميسرة للتعلم وجاذبة للمتعلمين ومعززه لعادة مواصلة التعليم.
3- التركيز على تنمية مهارات التفكير وقدرات التواصل الفعال والعمل الجماعي من خلال ما يقدم من مناهج وأنشطة صفية ولا صفية.
4- توظيف تكنولوجيا التعلم والاستفادة منها بقدر المستطاع في مختلف أوجه العملية التعليمية.
5- إعادة تصميم وسائل القياس والتقييم لتقيس مدى قدرة المتعلم على استيعاب وتطبيق وتطوير ما تعلمه، لا على قدرته على الحفظ والتذكر والاستظهار كما كان يحدث في السابق .
وفي إطار هذه المحاولات المستمرة للارتقاء بنوعية التعليم أخذ الاهتمام التفكير الناقد يشغل حيزاً متنامياً في خطط التطوير، ولعل ما عضد هذا التوجه وأدى إلى الاستمرار فيه ، ما توصلت إليه الدراسات العلمية من نتائج مفادها :
1- أن تعليم التفكير لا يشكل مشكلة بل هو أمر ممكن التحقيق.
2- أن أنواع التفكير يمكن تدريسها بفاعلية.
3- أن جميع الموضوعات مناسبة للتفكير إذا قدمت ضمن سياق مناسب.
4- أن كل المتعلمين وبصرف النظر عن خلفياتهم وقدراتهم الاستيعابية قادرون على تعلم التفكير.
وبدى الاهتمام بتعليم التفكير الناقد واضحاً فيما بذل من جهد لتطوير محتوى التعليم ومناهجه وطرائقه وأساليبه وأدواته وتحديث التقنيات التربوية والوسائط المتعلقة بإدارة ذهن المتعلم واستغلال أقصى قدراته.
ونظراً لأن التفكير الناقد لا ينمو من فراغ، إذ انه لابد من توفر المناخ الذي يؤدي إلى اكتسابه وتنميته ثم ممارسته، كانت الدعوة له بالتدريب من خلال مواقف حياته تفاعلية، ووجهت المدارس لتبني استراتيجيات تستثير التفكير وتساعد على تنمية مهاراته، وتهيئ الأجواء لممارسة أنشطة وتدريبات تتحدى فكر المتعلم وتستدعي استخدام عمليات عقلية كالتحليل والتركيب والنقد والمقارنة بهدف الارتقاء بتفكيره إلى مستوى يعلو عن مستوى ممارسة الأنشطة الدنيا للتفكير كالحفظ والتذكر، وتم إدخال هذا المنحى عبر وسائط محددة مثل المواد والأنشطة الصفية واللاصفية بغية أن يصبح التفكير موضوعاً معايشاً وخبرة مألوفة يمارسها المتعلم في كل موقف يواجهه، وأصبح تعليم التفكير الناقد تبعاً لذلك هدفاً مصاغاً تتبناه السياسات التربوية ويدفع إلى تحقيقه المعلمون ويشجع على ممارسته المتعلمون ، كما عدلت الجامعات السنغافورية منذ عام 2004 من شروط قبولها، وأصبح من ضمن هذه الشروط ضرورة اجتياز المتقدمين لدخول الجامعة لاختبارات تقيس قدراتهم ومهاراتهم على التفكير والاستنتاج والتحليل.
ويتم تعليم مهارات التفكير الناقد لكل الطلاب وبصرف النظر عن مستوياتهم الاستيعابية وذلك من منطلق الاعتقاد بأن لكل فرد استعداداته الفردية القابلة للتطور، وبحيث تنمو هذه المهارات بشكل متدرج يتناسب مع النمو في جوانب الشخصية الأخرى، وعادة ما يتم تعليم المحتوى المعرفي ومهارات التفكير في وقت واحد من خلال ما يعرف بالأسلوب التكاملي في تعليم التفكير، بحيث تمثل مهارات التفكير المراد تعليمها جزءاً من الحصة الدراسية المعتادة ويصمم المعلم درسه وفق المنهج المقرر ويضمنه المهارة التي تتناسب مع محتوى الدرس.
ويحدث التعلم في بيئة تعليمية غنية بمصادر التعلم، تتمركز حول الطالب وتثير التفاعل وتحفز على التفكير والمحاكمة، ويستخدم المعلم في الصف استراتيجيات في التدريس بعيدة عن الأطر التقليدية المتعارف عليها، حيث يلجأ إلى تنظيم جلوس الطلاب في الصف وتقسيمهم على شكل مجموعات للنقاش والحوار حول إنجاز مشروع أو حل مشكلة، كما يقوم بتوجيه أسئلة مفتوحة استفسارية تستثير ذهن المتعلم وتستدعي التحليل والمقارنة والاستنتاج، والمعلم هنا لا يحتكر وقت الحصة ولا يعطي أحكاماً كابحة للتفكير بل يحث المتعلمين على التأمل ويشجع المشاركة والتفاعل الصفي.
وبالرغم من أن جهد المعلم لا يشكل إلاّ جزءاً من كل في العملية التعليمية، فالمعلم كما هو معروف لا يستطيع تنفيذ كل ما يطلب منه إلاّ إذا توفر له المناخ المؤازر والإمكانات الداعمة والوقت الكافي، إلاّ أنه وبالرغم من كل ذلك يظل هو الوسيط الرئيسي والمهم في تزويد الطلاب بالمعارف والخبرات والمهارات المطلوبة، حيث أن مدى فهم الطلاب لما يتعلمونه واستيعابهم له وقدرتهم على تطبيقه إنما هو مرهون بما يبذله المعلم من جهد وما يستخدمه من أساليب واستراتيجيات في حجرة الصف، ومن منطلق أن فاقد الشيء لا يعطيه، وأن معلم السياقة على حد قول أحد الباحثين لا يمكن أن يدرب غيره على السياقة قبل أن يتعلم هو هذه المهارة ، فقد وجد أن نقطة البداية إنما تكمن في تنمية المعلم ذاته وذلك من خلال تهيئته وتزويده بالمعارف والمهارات والاستراتيجيات الضرورية لتعليم التفكير الناقد، وقبل ذلك تنمية ميول واتجاهات إيجابية لديه نحو تعلم وتعليم هذا النوع من التفكير، مما يسهم في صقل مهاراته والارتقاء بقدراته في التحول في أساليبه التدريسية من الطرق التقليدية المعتمدة على الحفظ أو التلقين إلى طرق أكثر حداثة ذات منحنى توجيهي تطبيقي تعزز قدرة المتعلم الذاتية على الاستكشاف والتحليل ومواصلة الاطلاع في إطار من التعاون والتنسيق والتفاعل مع الآخرين .
وبناءً عليه فقد عدلت خطط إعداد المعلم لتواكب هذا النهج، كما صممت في هذا الإطار برامج تقدم على شكل دورات ذات مدد محددة لتنمية مهارات التفكير الناقد لدى المعلمين، وكان من ضمن أهداف هذه البرامج :
1- تعريف المتعلمين بأهمية التفكير الناقد في الحياة المعاصرة.
2- تزويد المتعلمين بمعلومات عن طبيعة التفكير الناقد ووظائفه ومراحل نموه.
3- تنمية توجهات إيجابية لدى المتعلمين نحو تعلم وتعليم التفكير الناقد.
4- إكساب المتعلمين قدرات ومهارات التفكير الناقد.
5- تطوير قدرات المتعلمين لتدريس التفكير الناقد وتضمينه طرق تدريسهم.
6- إكساب المعلمين القدرة على قياس وتقييم مهارات التفكير الناقد لدى تلاميذهم.
ويقوم بإعداد وتدريس هذه البرامج مجموعة من المتخصصين المؤهلين بالتعاون مع مدرسين متعاونين من العاملين في مجال التعليم، وعادة ما تدرس مثل هذه البرامج من خلال مجموعات صغيرة وتستخدم فيها أساليب تدريسية توازن بين التعليم الذاتي والتعلم التعاوني التفاعلي، كما يتخلل هذه البرامج عقد ندوات متخصصة تتيح المجال لعرض الخبرات في مجال إعداد المشروعات والوحدات التعليمية وتبادل المناقشات وتحليل القضايا والمشكلات ، وكذلك تقديم ورش عمل ذات طبيعة تطبيقية يتبادل فيها المتعلمون الأدوار في بيئة تعليمية محفزة تستثير التساؤل والبحث والاستفهام والتفكير ،كما يدرب المتعلمون من خلال هذه البرامج على كيفية تعليم مهارات التفكير الناقد وكيفية تقييمها من خلال المواد المختلفة، و يوجهون لإعداد وحدات تعليمية مبنية على إدخال مهارات التفكير الناقد ضمن هذه المواد.
وعادة ما يتم التقييم من خلال أفلام فيديو يتم تصويرها أثناء الممارسات التعليمية، حيث يستطيع المتعلم بعد مشاهدتها تقييم نموه ومدى التقدم الذي أحرزه في اكتساب مهارات التدريس، كما يتم التقييم كذلك في ضوء ملاحظات المشرفين والمعلمين المتعاونين والزملاء، والتقييم هنا لا يقتصر على ما حصله المتعلم من معارف ومعلومات وإنما على ما اكتسبه من مهارات وقام به من أنشطة ميدانية ومعملية وقدمه وناقشه من مشروعات من خلال السمينارات والحلقات الدراسية.
وقد تعزز الاهتمام بتعليم التفكير الناقد في المدارس السنغافورية بإنشاء مركز سنغافورة لتعليم التفكير، والذي تم تأسيسه عام 1998 بمبادرة وإشراف من المعهد الوطني للتعليم في سنغافورة وبدعم من الحكومة السنغافورية بالتعاون مع المركز الوطني لتعليم التفكير في مدينة بوسطن بولاية ماستشيوس الأمريكية، وتحددت مهام المركز في ثلاث وظائف رئيسية في مجال تعليم التفكير هي :
1- التدريس / التدريب.
2- تطوير البرامج والمواد المساعدة.
3- القيام بالدراسات ونشر البحوث.
ويقدم المركز من خلال دوراته المتخصصة ، والتي يعدها ويقدمها متخصصون وأصحاب خبرة وكفاءة يستضيفهم المركز من مختلف بقاع العالم ، مجموعة من المواد مثل مهارات التفكير الناقد وكيفية تعليمه، فن التدريب المعرفي، أساليب تدريس التفكير بشكل مستقل، أساليب تدريس التفكير ضمن محتوى المواد الدراسية وكيفية قياس وتقييم التفكير.
كما توجد بالمركز قاعدة معلوماتية كبيرة تحتوي على العديد من نتائج الدراسات في مجال تعليم وتنمية وتطوير مهارات التفكير، وهي معلومات متاحة لجميع أهل الاختصاص من مربين ومعلمين وباحثين وأولياء أمور.
ويعد هذا المركز بما يمتلكه من خبرات مؤهلة ومصادر تعليمية متنوعة في مجال تعليم وتنمية مهارات التفكير رافداً مهماً تستفيد منه جميع مؤسسات المجتمع وبالأخص المدارس والجامعات ومؤسسات إعداد المعلم في تصميم وتنفيذ برامجها، كما يقوم المركز وفي إطار سعيه الدؤوب للارتقاء بنوعية التعليم في سنغافورة بتقديم العديد من الخدمات البحثية والاستشارية لهذه المؤسسات بهدف دعم جهودها لتعليم مهارات التفكير وتضمينه في مناهجها والارتقاء بطرق وأساليب تدريسه وتدريبه.
خلاصة .. ودروس مستفادة :
أولت سنغافورة اهتماماً كبيراً لتعليم التفكير الناقد وتنمية مهاراته في مدارسها ضمن جهودها نحو تحسين عمليات التعليم والتعلم، وذلك بغية إعداد مواطنيها للتعايش مع روح العصر واستيعاب متغيراته، وصيغت تبعاً لذلك الأهداف وصممت الخطط وبذلت الجهود لضمان نجاح هذه التجربة وتحقيق أهدافها، وقد استندت تجربة سنغافورة في تعليم مهارات التعليم الناقد في استقرارها واستمرارها إلى مقومات عديدة لعل من أهمها
1- الغطاء السياسي والذي تمثل في حماس ودعم الحكومة لهذا النوع من التعليم.
2- القناعة التامة لدى المسؤولين عن التعليم بأهمية التفكير الناقد ودوره في بناء المواطن المتوافق مع متطلبات العصر ومتغيراته.
3- سعي المسؤولين عن التعليم للاستفادة من خبرات الدول المتقدمة في هذا المجال مع محاولة تطويع هذه الخبرات لتتوائم مع الواقع والثقافة السائدة.
4- المبادرة أولاً وقبل كل شيء بإعداد المعلم القادر على تعليم مهارات التفكير الناقد وتهيئة المناخات المناسبة لتعليم هذا النوع من التفكير وممارسته.
ولا شك أن المتتبع لهذه التجربة يدرك تماماً أنها لم تنبع من فراغ، وإنما من اعتقاد راسخ بأن التعليم يمكن أن يؤدي دوراً إيجابياً وفاعلاً في التنمية وتطوير المواطن متى ما أحسن إعداد أهدافه ورسم خططه ووفرت لهذه الخطط مقومات النجاح وإمكانيات التنفيذ.
وأن المتأمل لحال تعليمنا سواء من حيث الأهداف أو المضمون يجد أنه بالرغم من كل الجهود التي بذلت لتطويره، والوقت والمال والإمكانات التي استنفذتها جهود التطوير.. إلاّ أن هذا التعليم ظل عاجزاً عن تزويد المتعلم بمدخلات تثير ذهنه وتحفز فكره، فمناهج التعليم إن ركزت فأنما تركز على تهذيب سلوك المتعلم وزيادة معلوماته من خلال معرفة حفظيه لفظية سماعية تقف حائلاً دون ظهور مخرجات التعليم في صورة أداء عمل يستوعبه المتعلم ويمارسه، أما ثقافة التفكير واشغال العقل فهي أمر منسي في مناهجنا التعليمية، إن لم يكن بعيد التحقيق والمنال.
إن التربية بمعناها التقليدي والمتمحور حول ثقافة التلقين والحفظ والتذكر والتي كانت قادرة على مقابلة احتياجات المجتمع في فترات سابقة، لم تعد لها هذه القدرة الآن في مواجهة الاحتياجات المتجددة والمتزايدة لمجتمع اليوم السريع التغير، حيث أن المعلومات ومع تسارعها وتزايدها وتنوعها لم تعد تمثل أهمية في عصرنا الحاضر إلاّ بقدر أعمال الفكر فيها واستخلاص الجديد والمفيد منها، وبناءً عليه فإنه على تعليمنا ألا يتوقف في أهدافه ومراميه عند توسيع مدارك المتعلم وزيادة معلوماته، وإنما ينبغي أن تطور هذه الأهداف لتشمل تنشيط عقل المتعلم واستثارة ذهنه وتحفيز تفكيره، فالتفكير هو جوهر التعلم، وتوظيف التفكير في التعلم يحول عملية اكتساب المعرفة من عملية خاملة إلى نشاط عقلي تأملي يفضي إلى إتقان أعمق للمحتوى المعرفي، وإلى ربط أفضل لعناصره ومحتوياته وقدره على ممارسته وتطبيقه، وبالتفكير المتأمل يعايش الإنسان ظروف عصره ويستوعب متغيراته ويتعامل بفاعلية واقتدار مع قضاياه ومشكلاته.
وإننا إذا كنا نسعى بالفعل لتطوير تعليمنا وتحديثه بما يواكب متغيرات العصر في أهدافه ومضمونه ومحتواه، فحرى بنا أن نستفيد من خبرات وتجارب الآخرين في هذا المجال ، وأن نعمل بقدر الإمكان على تكييف هذه الخبرات والتجارب وفقاً لمقتضيات واقعنا وثقافتنا وفي إطار يلبي احتياجاتنا ويحقق أهدافنا ويخدم مصالحنا، وتجربة سنغافورة في مجال تعليم وتنمية مهارات التفكير الناقد وإن كانت لا زالت تعد فتيه مقارنة بتجارب عالمية أخرى كثيرة في هذا المجال، إلاّ أنها تظل بالنسبة لنا تجربة جديرة بالتأمل والنظر والاهتمام ، وبخاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار أن مجتمعنا يشهد في هذه الأيام، وفي إطار المحاولات المستمرة لإصلاح حال التعليم وتطوير محتواه اهتماماً غير مسبوق بإعادة صياغة أدوار المدارس وأدوار المعلمين وتغيير محتوى المناهج وطرائق التدريس ونوعية أدوات القياس والتقويم المستخدمة في مختلف مراحل التعليم.
المراجع :
1) ا.د محمد مهران ، د مصطفى النشار ، محفوظ فرعلي ، كتاب التفكير المنطقي ، طبعة تجريبية 1998م ــ 1999م ، ادارة المناهج والكتب .
2) ابراهيم 1985 ، الكناني ، كتاب علم النفس العام ,,
3) د. خليفة السويدي، د. احمد ابو النور ، ا.د. شاكر عبدالحميد ، كتاب مهارات التفكير ، طبعة 2003/2004م ، جامعة الامارات العربية المتحدة ..


الفهرس
المقدمة ......................... ......................... ...3.
الفصل الاول ( معنى التفكير الناقد ) ......................... .4
الفصل الثاني (تعليم التفكير الناقد ) ......................5.. .6
الفصل الثالث ( اهمية التفكير الناقد ) ...................7...13
الخلاصة ودروس مستفادة ......................... ....14...15
المراجع ......................... ......................... ...16



1- تقرير التفكير وحل المشكلات


( 14 ) المقدمة :تحتل مسألة التفكير في علم النفس وفي علوم أخرى وفي الحياة بوجه عام مكانة رئيسية لأن مهمة التفكير تكمن في إيجاد حلول مناسبة للمشكلات النظرية والعملية الملحة التي يواجهها الإنسان في الطبيعة والمجتمع وتتجدد باستمرار مما يدفعه للبحث دوماً عن طرائق وأساليب جديدة تمكنه من تجاوز الصعوبات والعقبات التي تبرز والتي يحتمل بروزها في المستقبل ويتيح له ذلك فرصاً للتقدم والارتقاء. يعد التفكير كعملية معرفية عنصراً أساسيا في البناء العقلي - المعرفي الذي يمتلكه الإنسان ويتميز بطابعه الاجتماعي وبعمله المنظومي الذي يجعله يتبادل التأثير مع عناصر البناء المؤلف منها أي يؤثر ويتأثر ببقية العمليات المعرفية الأخرى كالادراك، والتصور، والذاكرة... الخ ويؤثر ويتأثر بجوانب الشخصية العاطفية، الانفعالية والاجتماعية... الخ ويتميز التفكير عن سائر العمليات المعرفية بأنه أكثرها رقياً واشدها تعقيداً وأقدرها على النفاذ إلى عمق الأشياء والظواهر والمواقف والاحاطة بها مما يمكنه من معالجة المعلومات وإنتاج واعادة إنتاج معارف ومعلومات جديدة، موضوعية دقيقة وشاملة، مختصرة ومرمزة. الموضوع:تعريف التفكير: إن كلمة التفكير، كما يشير كثير من الباحثين يعوزها التحديد سواء في لغة الحياة اليومية أو في لغة علم النفس فقد تشير إلى كثير من أنماط السلوك المختلفة والى أنواع متباينة من المواقف. لذا من الصعوبة بمكان تعريف التفكير أو اختيار تعريف معين له تتمثل فيه طبيعة التفكير ومهامه ووسائله ونتاجاته وتحديد المظاهر التي يتجلى فيها. لذلك سنعمد إلى عرض نماذج متنوعة من التعريفات نوردها على النحو التالي: 1) تعريف التفكير بمعناه العام: أ. التفكير بمعناه العام، هو نشاط ذهني أو عقلي يختلف عن الإحساس والادراك ويتجاوز الاثنين معاً إلى الأفكار المجردة. وبمعناه الضيق والمحدد هو كل تدفق أو مجرى من الأفكار، تحركه أو تستثيره مشكلة أو مسألة تتطلب الحل كما انه يقود إلى دراسة المعطيات وتقليبها وتفحصها بقصد التحقق من صحتها، ومعرفة القوانين التي تتحكم بها والآليات التي تعمل بموجبها. ب. التفكير عملية نفسية ذات طبيعة اجتماعية تتصل اتصالاً وثيقاً بالكلام وتستهدف التنقيب والكشف عما هو جوهري في الأشياء والظواهر أي هو الانعكاس غير المباشر والمعمم للواقع من خلال تحليله وتركيبه. ج. التفكير هو الانعكاس الواعي للواقع من حيث الخصائص والروابط والعلاقات الموضوعية التي يتجلى فيها، أي انعكاس لتلك الموضوعات التي لا يطالها الإدراك الحسي المباشر. د. التفكير نشاط وتحري واستقصاء واستنتاج منطقي نتوصل عن طريقه إلى العديد من النتائج التي تبين مدى الصحة والخطأ لأية معطيات كانت. هـ. التفكير تمثل داخلي للأهداف والوقائع والأشياء الخارجية. 2) تعريف التفكير كسلوك: أ. التفكير سلوك منظم مضبوط وموجه، له وسائله الخاصة في المستوى الرمزي وله طرائقه في تقصي الحلول والحقائق في حال عدم وجود حل جاهز لها. ب. التفكير سلوك عقلي يخضع لعملية الضبط والتوجيه في انتخاب العناصر والرموز في مجال الفكرة وضبط هذه الرموز والعناصر المفيدة ذات العلاقة بالمشكلة، أي انه سلوك أو نشاط عقلي يتولد وينشط بسبب وجود مشكلة فشلت الأنماط السلوكية المعتادة والمكتسبات السابقة في إيجاد حل لها. ولكي يكون التفكير مضبوطاً شأنه شأن أية فعالية فلابد من أن يأخذ شكل مخطط ذهني - معرفي داخلي. ولكي يكون موجهاً يجب أن يدرج الهدف في هذا المخطط والذي سيتحقق من جراء وضع المخطط موضع التنفيذ. والتنفيذ بدوره يستلزم تحديد الأدوات والوسائل اللازمة وانتقاء طرائق للحصول عليها للمضي قدماً باتجاه العثور على الحل أو تحقيق الهدف. 3) التفكير كعملية عقلية: أ. التفكير هو إحدى العمليات العقلية (mentaloperations) التي يستخدمها الفرد في التعامل مع المعلومات، وهو على نوعين: التفكير التقاربي convergent thinking والتفكير التباعدي divergent thinking. ب. أما بياجيه فيعرفه من خلال تعريفه للفكر بأنه تنسيق العمليات والعملية تشبه القاعدة التي تعد نوعاً من الصيغ الفكرية ومن ميزاتها أنها قابلة للعكس تماماً، كعملية تربيع الرقم (8)2=64 ومن ثم عكس العملية جذر الرقم 64=8. 4) تعريف التفكير من خلال علاقته بالذاكرة: أ. عرّف إدوارد بوهو Edward Boho في كتابه (آلية العقل 1969) التفكير بأنه تدفق للنشاط من منطقة إلى أخرى على سطح الذاكرة، وهو تدفق مجهول بشكل كامل ويتبع حدود سطح الذاكرة. وعلى الرغم من أن هذا التدفق مجهول تماماً فان أنماطاً ذات تنظيم معين تؤثر في اتجاه التدفق ويمكنها أن تصبح راسخة. ب. التفكير قد يكون تدفقاً أو توارداً غير منتظم احياناً من الأفكار والصور والذكريات والانطباعات العالقة في الذهن وتدور حول مسألة ما من اجل حلها. الخصائص العامة للتفكير الإنساني يتميز التفكير الإنساني بصورة عامة بالخصائص التالية: 1) التفكير واللغة يؤلفان وحدة معقدة لا تنفصم. فاللغة واسطة التعبير عن التفكير بل هي الواقع المباشر له وهي تضفي عليه طابعاً تعميمياً. فمهما يكن الموضوع الذي يفكر فيه الإنسان ومهما تكن المسألة التي يعمل لحلها فانه يفكر دوماً بوساطة اللغة أي انه يفكر بشكل معمم. وقد أشار بافلوف إلى العلاقة بين اللغة والتفكير حين عرف الكلمة بأنها إشارة متميزة من اشارات الواقع ومؤشر خاص يحمل طابعاً تعميمياً، كما كتب عن الاشارات الكلامية قائلاً (إنها تعد تجريداً للواقع وتسمح بالتعميم). 2) يتسم التفكير بالإشكالية: أي أن التفكير يتخذ من المشكلات موضوعاً له؛ ولهذا يختصر العلاقات وكيفية انتظامها في حالة مشخصة أو في أية ظاهرة تؤلف موضوع المعرفة أو يبدأ التقصي عادة بالاستجابة إلى الإشارة الكلامية، ويعد السؤال الذي تبدأ به عملية التفكير هو تلك الإشارة ففي السؤال تصاغ مسألة التفكير، والسؤال هو اكثر الأشكال التي تبرهن على وحدة التفكير واللغة، وما التفكير سوى مسألة محددة صيغت في قالب سؤال. والبحث عن اجابة السؤال المطروح يكسب عملية التفكير طابعاً منظماً وهادفاً. 3) يعد التفكير محوراً لكل نشاط عقلي يقوم به الإنسان وهذا ما يميز الناحية الكيفية - العملية الذهنية حتى عند طفل في الثانية من عمره، إذ ما يزال يتعلم اللغة - عن الاشكال البدائية للتحليل والتركيب التي تتمكن الحيوانات الراقية من القيام بها. 4) تقوم عملية التفكير على أساس الخبرة التي جمعها الإنسان وعلى أساس ما يحمله من تصورات ومفاهيم وقدرات وطرائق في النشاط العقلي مما يشير إلى العلاقة الوثيقة بين الذاكرة والتفكير من جهة والى العلاقة بين التفكير والمعارف من جهة أخرى. 5) للتفكير مستويات عديدة فقد يتحقق في مستوى الأفعال العملية أو في مستوى استخدام التصورات أو الكلمات أي على شكل مخطط داخلي ويشتمل التفكير على عدد من العمليات التي تتصدى لمعالجة المعلومات بطرائق متنوعة مثل (التركيب، التحليل، التصنيف، المقارنة، التجريد، التعميم... الخ) ولكي يتمكن الإنسان بوساطتها من حل المسائل المختلفة التي يواجهها نظرية كانت أم عملية، عليه أن يوظف المنظومة الكاملة لهذه العمليات تبعاً لشروط ولدرجة استيعابه لها. 6) التفكير لا ينفصل عن طبيعة الشخصية أي أن التفكير ليس عملية مستقلة وإنما هو عنصر هام من مكونات الشخصية يعمل في إطار منظومتها الديناميكية. ولا وجود له خارج هذا الإطار. الخصائص الفردية المميزة للتفكير إن الملاحظة اليومية لسلوك الناس من حولنا وخاصة في التعليم تشير إلى مدى اختلافهم في خصائص تفكيرهم فبعضهم يتميز بسرعة التفكير وأصالته ومرونته وعمقه وبعضهم الآخر يتميز ببطء التفكير وعدم القدرة على تجاوز الاطر والقوالب التي حفظها وبالتالي يعجز عن إدراك العلاقات الجوهرية في ظواهر متشابهة مع إنها ترتبط فيما بينها بعلاقات مشتركة. إذن هناك خصائص كثيرة للتفكير تتعلق بالفروق الفردية بين الناس سنكتفي بذكر أهمها: 1) الأصالة: إن الأصالة في التفكير تتجلى اكثر ما تتجلى في القدرة على رؤية المشكلة وتحديدها وطرحها على شكل مسألة والقدرة على إيجاد حل ملائم وجديد ومبتكر لها اعتماداً على قواه، وقد أشار جيلفورد إلى أن أصالة التفكير تعني إنتاج ما هو غير مألوف، ما هو بعيد المدى، ما هو ذكي وحاذق من الاستجابات(1). 2) المرونة: مرونة التفكير تعني القدرة على إجراء تغيير من نوع ما: تغيير في المعنى أو التفسير أو الاستعمال أو فهم المسألة أو استراتيجية العمل أو تغيير في اتجاه التفكير بحيث يؤدي هذا التغيير إلى العثور على الحل الملائم لشروط المسألة موضوع التفكير. وقد ميز جيلفورد نوعين من المرونة في التفكير: المرونة التلقائية Flexifility spenleneous، والمرونة التكيفية Adaptire blexifility. 3) السرعة (الطلاقة): تبدو السرعة في التفكير لازمة عندما يكون من الضروري اتخاذ قرارات هامة خلال وقت قصير جداً أثناء الحروب والكوارث، والمفاجآت المختلفة والمواقف المشكلة التي تتطلب حلولاً عاجلة وبسرعة خاطفة وهذه الحالة غالباً ما يواجهها التلميذ - المتعلم في الصف وخارجه كما إن هذه المواقف هي التي يتعامل معها عمال مراكز التوجيه ولوحات التحكم وقادة وسائط النقل الاسرع من الصوت... الخ. وتتأثر السرعة في التفكير بعوامل عديدة وبالعوامل الانفعالية بشكل خاص لكن تأثير الانفعالات والتوتر والقلق متفاوت للغاية، فقد تؤدي إلى نتائج سلبية تعيق جريان التفكير وتكون سبباً في بطئه وضعف نتاجه وقد تنشطه وتزيد من مردوده. إن العلامة المميزة لأي تفكير - بغض النظر عن خصائصه الفردية - هي القدرة على تمييز ما هو جوهري والتوصل إلى تعميمات جديدة. فالتفكير لا يقف عند تقرير وجود هذه الظاهرة أو تلك مهما كانت براقة وممتعة وجديدة ومفاجئة. الدافعية والتفكير ينطلق التفكير بوجه عام مثله مثل أي نشاط آخر للإنسان من حاجات ودوافع الشخصية فإذا لم توجد حاجة ودافع للتفكير، لا يمكن أن نفكر.. إن علم النفس يدرس الحاجات والدوافع باعتبارها القوى التي تدفع الإنسان إلى الانخراط في نشاط عقلي ويدرس الشروط التي يجب توافرها لتبرز الحاجة إلى التحليل والتركيب والتجريد والتعميم... الخ والعلاقة الوثيقة بين النشاط العقلي والحاجات والدوافع تظهر بوضوح في حقيقة أن التفكير هو دائماً تفكير الشخصية ودوافع التفكير التي يتصدى لها علم النفس تنتمي إلى نوعين من الدوافع: 1) دوافع معرفية خاصة بالتفكير: في هذه الحالة تكون الدوافع والرغبات والاهتمامات هي المثيرات والقوى المحركة والمحفزة على القيام بالنشاط العقلي مثل: حب الاستطلاع لدى الأطفال. 2) الدوافع المعرفية الخارجة عن التفكير: تكون دوافع التفكير خارجية عندما تبدأ عملية التفكير تحت تأثير عوامل خارجية وليس تحت تأثير اهتمامات معرفية بحتة. أنواع التفكير هناك تصنيفات كثيرة لانواع التفكير. بعض العلماء اعتمد في تصنيفه للتفكير على نوعين: التفكير الحسي - العملي، والتفكير المجرد - النظري، وبعضهم الآخر مثل بياجيه صنف أنواع التفكير في ضوء مراحل نموه الخاصة: حسي حركي، حدسي (ما قبل العمليات) العمليات الحسية - الملموسة، العمليات الشكلية (التفكير الفرضي المجرد)، كما صنف برونر التفكير إلى: حسي - حركي، ايقوني، رمزي، أما ألكونين فقد ذكر الأنواع التالية: حسي - حركي، حسي - صوري، نظري مجرد. وفيما يلي شرح موجز لكل نوع من الأنواع الثلاثة الأخيرة: 1) التفكير الحسي - العملي وهو شكل التفكير السائد عند الأطفال في السنوات الثلاث الأولى بعد الولادة حيث يلجأون إلى معالجة الأشياء والتعرف عليها من خلال ما يقومون به من حركات وأفعال ومن هذه الأفعال المادية الحسية يستخلصون معارفهم. وهذا يعني أن النشاط الحسي - الحركي هو النشاط الأول والأساس الذي يستند إليه التفكير النظري. وهكذا نلاحظ أن التفكير للطفل ولا سيما في سني حياته الأولى يأخذ شكلاً عملياً وفي إطار هذا النشاط ينمو تفكيره وكل العمليات المعرفية الأخرى لديه. 2) التفكير الحسي - الصوري إن الشكل الابسط للتفكير الحسي - الصوري أول ما يظهر لدى الأطفال في سن ما قبل المدرسة أي في الفترة بين (3-6) سنوات علماً بان صلة التفكير بالأفعال العملية تظل قائمة لديهم لكنها لا تظل وثيقة الصلة بها بشكل مباشر كما كانت عليه في السابق. إذن يفكر الطفل في السن المذكور اعتماداً على الصور الحسية لأنه لا يمتلك المفاهيم بعد. 3) التفكير المجرد إن الأطفال في المدرسة الابتدائية لاسيما في الصفوف الأولى منها، تنمو لديهم وعلى أساس الخبرة العملية أشكال بسيطة جداً من التفكير المجرد. فبالإضافة إلى التفكير الحسي - الحركي والتفكير الحسي - الصوري يبرز شكل جديد من التفكير يعتمد على المفاهيم والأحكام المجردة فهو بالطبع حس أولي وبسيط. امتلاك الأطفال للمفاهيم في سياق استيعابهم لأسس العلوم المختلفة كالرياضيات، والفيزياء، التاريخ، النمو... الخ له أهمية عظيمة في نموهم العقلي اللاحق. إن التفكير المجرد كما أشرنا إلى ذلك في تعريف التفكير يتجاوز حدود المعرفة الحسية لكنه على الرغم من ذلك لا يمكنه ابداً أن ينقطع عن اصله ومنشئه أي عن الاحساسات والادراكات والتصورات. الوحدات الأساسية للتفكير أو البنى العقلية إن الشرط الضروري لتعلم واكتساب أية معلومات جديدة يكمن في توفر عدد من البنى العقلية التي تقوم بمعالجة واعداد المادة الأساسية للتفكير والتي يقوم التفكير بدوره بتوحيدها في نسيج متماسك على شكل خبرة شاملة معقدة متنوعة ومتعددة المستويات - موضوعات ومناهج ونتاجات. وتتكون هذه البنى العقلية - المعرفية من هياكل الصور الأولية، والصور المتفاوتة الدقة والشمول، والرموز، والمفاهيم والقواعد والمبادئ والقوانين والنظريات. 1) مخططات أو هياكل الصور الأولية: تؤلف هذه الوحدات المكونات الرئيسية لقاعدة الهرم المعرفي لدى الإنسان والبنية العقلية الأولية التي يكتسبها في سياق عملية التعلم الممتدة على امتداد حياة الفرد. فالمخطط الأولي هو نتاج تمثل الجهاز المعرفي الأولي للسمات والخصائص الرئيسة والهامة لحدث أو ظاهرة أو شيء معين. انه كما يقول (ويسبرغ) في كتابه (الذاكرة والتفكير والسلوك 1980) ليس صورة فوتوغرافية للحدث أو الظاهرة أو الشيء وإنما هو (نمط عقلي مجرد) فقد تكون السمة اللازمة للمخطط الأولي للمعلم مثلاً: هي المسطرة أو العصا التي يحملها أو الصرامة التي يتصف بها، أما السمات الأخرى فغير هامة وبعبارة أخرى فإن مخططات الصور الأولية أشبه بالكاريكاتير الذي يبالغ في إبراز بعض سمات الشخص ويضخمها، إنها الهياكل الأساسية للأشياء والظواهر والناس التي تنتج عن عمل الادراكات وتبقى كآثار لها. 2) الصور: الصور هي صور الأشياء المادية التي تنطبع وتسجل، وان كل صورة حسية هي عبارة عن عدد كبير من العناصر التي توجد في علاقة محددة من التشابه والاتساق (وتتميز بعمومية مبدأ انتظامها الزمني والمكاني) (2) (وتظهر في وعي الفرد كموضوعات للمعرفة... ) )(3). والصورة مركبة ومعقدة تتكون في مستوى ما من مستويات تطور المخطط الأولي أو الهيكلي، وهي اسهل للتناول والاستخدام والمعالجة. 3) الرموز: هي أسماء مقررة تعرف بها الأشياء والظواهر والعمليات كأسماء الأشياء والأرقام. الفرق بين المخطط الأولي والرمز هو أن الأول غير محدد بشكل مسبق إذ يمثل مشهداً ما أو صوتاً معيناً عن طريق الاحتفاظ بالعلاقات المادية التي كانت جزءاً من الخبرة في حين أن الرمز طريقة اصطنعها الإنسان لتحل إشارة ما محل حدث أو واقعة وتستخدم الرموز في عملية تكوين المفاهيم. 4) المفاهيم: المفهوم اكثر ثراءاً وشمولاً من الرمز فهو يحل محل جملة من الصفات المشتركة لفئة من المخططات الأولية أو الصور بينما يحل الرمز محل شيء أو حدث ما أي أن المفهوم صفة أو صفات تشترك فيها عدة أشياء أو ظواهر، ويمتلك بالتالي تلك الخصائص والصفات التي تشترك فيها مجموعة من الخبرات أو الأشياء: الشجرة، النهر، الديمقراطية، الشجاعة.. الخ وتقوم المفاهيم على أبعاد مشتقة من رموز أو صور أو مخططات أولية أو مشاعر مثل اشتقاق الرقم - 5 - من الدائرة واشتقاق مفهوم الخوف من مشاعر الخوف من حيوان ما وللمفاهيم عديد من الصفات نذكر منها: (1) درجة التجريد: كلب، صداقة، عدالة (2) درجة التعقيد: وتتوقف على عدد الأبعاد أو الصفات وتباين مستوى تمثلها أو استدخالها، وعلى العلاقات القائمة بينها. (3) درجة التمايز: وهي الدرجة التي يمكن فيها للمجموعة الأساسية من الصفات المشتركة التي تمثلها هذه المفاهيم أو تلك التي تتمثل في الاشكال المختلفة والمتشابهة التي تحدد النماذج المتباينة للمفهوم. مثال: مفهوم المنزل متمايز إلى حد كبير لأنه يتجلى في أشكال عديدة متنوعة: كوخ، قصر، فيلا، بناء. بينما المفاهيم المتعلقة بصفات الأشياء متفاوتة التمايز (جذاب، باهت، جميل، قبيح) أما مفهوم أملس فهو قليل التمايز، ومفهوم المعلم متفاوت التمايز: معلم ابتدائي، ثانوي، جامعي، معلم حرفة... الخ. (4) مركزية الأبعاد: أي أن الصفة أو الصفات، الخاصية أو الخصائص المسيطرة أو الرئيسية بين الخصائص والأبعاد الأخرى تؤلف قطب الرحى في المفهوم والمرتكزات الأساسية له. فمفهوم الطفل الرضيع يقوم على خاصية العمر أو بعد العمر، ومفهوم الحيوان يقوم على أبعاد التكاثر وهضم الطعام وطرح الفضلات... الخ وظائف التفكير تتعدد وظائف التفكير لدينا كبشر بتعدد المهمات والمسائل الحيوية التي نجابهها في حياتنا اليومية وتتطلب اجابات وحلولاً مناسبة لها فالتفكير في الأشياء والظواهر والناس والمواقف يؤدي إلى نتائج مختلفة تبعاً لطبيعة المعلومات وكميتها ونوعيتها وللقدرات العقلية والعملية التي يمتلكها الفرد وطبقاً للأهداف المتوخاة من هذه المعالجة ولهذا سننصرف عن مجموعة من الوظائف التي يؤديها التفكير ونقتصر على وظيفتين اساسيتين هما إنشاء المعاني، والاستدلال. 1) إنشاء المعاني: يعرف المعنى بأنه الفكرة الكلية العامة التي تدل على فئة من الأشياء يشترك افرادها بصفات معينة مميزة متشابهة. ويتم تكوين المعاني بالاعتماد على الادراكات الحسية والخبرات المباشرة أو باستخدام القدرة التمييزية والاعتماد على عمليتي التجريد والتعميم أي بادراك صفة الثبات (التشابه) والتمايز (الاختلاف) في الأشياء... ومع مرور الزمن والتمكن من استخدام اللغة تصبح العملية معتمدة على الرموز أي أن تكون المعاني والمفاهيم تتم بالتدريج وطبقاً لنوع المعاني: حسية مباشرة، شبه حسية وغير مباشرة، عقلية مجردة. ومما يساعد على تكوين المعاني صياغتها بقالب رمزي أو كلامي مما يحررها بالتالي من الواقع الحي ومن الزمان والمكان. 2) الاستدلال: الاستدلال نوع من المحاكمة (إصدار حكم) أي إقامة علاقة بين حدثين أو ظاهرتين أو مفهومين أحدهما معروف والآخر مجهول. ويعتمد الاستدلال في جوهره على الطبيعة المجردة للعمليات العقلية وهو على نوعين: أ) استدلال مباشر أي مستند إلى دليل مادي مباشر وشواهد وقرائن وإمارات مادية حسية. ب) استدلال غير مباشر ويستخدم في حال عدم ملائمة الاستدلال المباشر لعدم توفر قرائن وأدلة حسية، كما يحدث عند محاولة حل مشاكل معينة لا تقود فيها الترابطات أو الأحكام إلى الوصول للحل المطلوب عندئذ نلجأ للفروض التي تمتحن ويتم التثبت من صحتها من خلال التجربة الفعلية وفي حال التثبت منها تصبح قانوناً يمكن تعميمه. على سبيل المثال: تكون استدلالات الطفل في سن ما قبل المدرسة (من 3-6 سنوات) سببية احيائية نفعية كي تلائم ذاته أو عالمه الذاتي وهي ليست كذلك عند الإنسان الراشد حيث يصبح الاستدلال موضوعياً أو يأخذ هذا المنحى. والتفكير في تصديه للمشكلات وإيجاد الحلول لها وتوليد المعاني والاستدلالات في سياق ذلك يستغرق زمناً ويقوم بسلسلة من الخطوات ريثما يعثر على الحل ويسد الفجوة بين ما هو معلوم ومجهول وهذه الخطوات لها تعاقب منطقي وتسلسل منتظم، ومما يعوق إنشاء المعاني والأفكار أمور عديدة نذكر منها: 1- عدم وجود تفسير سابق للأشكال أو الموقف المشكل. 2- عدم وجود معلومات وقواعد كافية. 3- وجود قاعدة أو قواعد ثابتة وراسخة يصعب تغييرها. 4- الخوف من الخطأ والنقد والتقويم. 5- تقويم المعاني والأفكار أي إدراك مدى قيمتها وإدراك الجماعة وتقبلها لهذه الأفكار. وكذلك إدراك مدى مخالفتها للمعايير. التفكير وطريقة حل المشكلات هناك علاقة وثيقة بين التفكير وحل المشكلات؛ ذلك لان حل المشكلات يتحقق حصراً بواسطة التفكير بأنماطه المختلفة، ولا يمكن تحققه عن أي طريق آخر، وان التفكير وطرائقه وأساليبه ونتاجاته تتكون على أفضل وجه في سياق حل المشكلات، أي عندما يصطدم المتعلم باعتباره حلالاً للمشاكل أو المسائل والمهام التعليمية، بالمشكلات والمسائل التي تتناسب مع مستوى نموه العقلي، ويتمكن من التوجه في معطياتها، وصياغتها، ومعرفة حدودها، والحصول على البيانات والمعلومات المتصلة بها، وايجاد حلول لها. العوامل المعرقلة لطريقة حل المشكلات.. توجد عوامل عديدة تعرقل الوصول إلى الحل المناسب للمشكلة وتؤدي إلى استجابات غير ملائمة ولعل من أهمها العوامل التالية: 1- التهيؤ العقلي: وهو التهيؤ الذي يجعل الفرد يستجيب بطريقة معينة ويحد من مدى الفرضيات المقترحة ويؤدي إلى التعلق بحلول غير ملائمة على الرغم من عدم صلاحيتها. 2- التثبت الوظيفي: ويشير إلى إصرار الفرد على التمسك بالحلول السائدة. 3- التنفيذ: وذلك بتطبيق الحلول التي تم التثبت من صحتها. طرائق إنشاء المعاني والاستدلالات تتعدد الطرائق والأساليب التي يستخدمها التفكير في إنشاء المعاني وتكوين المفاهيم والاستدلالات والمحاكمات، لكننا سنكتفي بذكر الطريقتين الرئيسيتين وهما: أ. طريقة الاستنتاج: هو رد الجزئي إلى الكلي أي تطبيق قاعدة على حالة جزئية خاصة ومعرفة وفهم الأشياء والأفكار الخاصة استناداً أو انطلاقاً من القاعدة العامة. ب. طريقة الاستقراء: هو جملة الاجراءات التي نقوم بها عند معالجة الحالات الجزئية المتعددة للوصول منها إلى القاعدة العامة والمعاني والعلاقات الكلية. ويتنقل التفكير خلال نشاطه دوماً من الاستنتاج إلى الاستقراء ومن الاستقراء إلى الاستنتاج وهكذا. بمعنى أن كل واحدة من كلا الطريقتين تعتمد على الأخرى وتستفيد منها وتغنيها وتتكامل معها. والالتزام باستخدام الأساليب والأدوات المألوفة والتقليدية في التفكير يقلل من احتمال وصوله إلى حل المشكلة في الوقت المناسب. ج. الافتراضات الكامنة التي يفترضها الفرد عن المشكلة أو ما يؤلف أساساً وخلفية لهذه الفروض مثل الاتجاهات والمعتقدات... الخ. الخاتمه:لقد ازداد الاهتمام في السنوات الأخيرة بحل المشكلات في إطار سيكولوجية التفكير، والتفكير الابتكاري بصورة خاصة، وفي إطار التربية بصورة عامة، وتتجلى أهمية طريقة حل المشكلات كإحدى أهم طرائق تنمية التفكير في أن المتعلم في شروط المواقف الاشكالية يكتشف عناصر جديدة وينمي أساليب غير مألوفة ويختبر فرضيات وتوقعات من صنعه هو، وبفضل ذلك ونتيجة له يصبح قادراً على تجاوز قدر اكبر من الصعوبات التي تواجهه، وعلى اتخاذ قرارات اكثر دقة وملاءمة. المصادر: 1) أبو خوفا، مراحل النمو، جامعة موسكو، 1972. 2) تيخامَيروف، ك: سيكولوجية التفكير، جامعة موسكو، 1984. 3) عبد الستار إبراهيم: أصالة التفكير، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة، 1979. 4) سيد محمد غنيم: سيكولوجية الشخصية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1978. 5) الشبكة العنكبوتية.




(علم النفس) الفهرس :- المقدمة ....................... ( 1 ) - الموضوع ......................... ........... . ( 1 ) - تعريف التفكير .................. ( 1 ) - الخصائص العامة للتفكير الإنساني................. ........................ ( 3 ) - الخصائص الفردية المميزة للتفكير............. .. ( 5 ) - الدافعية والتفكير................. ......................... ................ ( 6 ) - أنواع التفكير.................. ......................... ...................... ( 7 ) - الوحدات الأساسية للتفكير أو البنى العقلية ......................... . ( 8 ) - وظائف التفكير.................. ....... ( 10 ) - التفكير وطريقة حل المشكلات ......................... ........ ( 12 ) - طرائق إنشاء المعاني والاستدلالات............. ........................ ( 13 ) - الخاتمة ......................... ......................... ............. ( 13 ) المصادر ......................... ......................... .....................


رد مع اقتباس