عرض مشاركة واحدة
قديم 10-08-2012, 11:54 AM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


رد: حقوق الانسان في الاسلام: كيف تعامل الإسلام مع قضية الرق؟


وذلك ما صنعه الإسلام‎.

فقد بدأ أولا بالمعاملة الحسنة للرقيق. ولا‎ ‎شيء كحسن المعاملة يعيد توازن النفس المنحرفة، ويرد ‏إليها اعتبارها، فتشعر بكيانها‎ ‎الإنساني، وكرامتها الذاتية، وحين ذلك تحس طعم الحرية فتتذوقه، ‏ولا تنفر منه كما‎ ‎نفر عبيد أمريكا المحررون‎.

وقد وصل الإسلام في حسن المعاملة ورد الاعتبار‎ ‎الإنساني للرقيق إلى درجة عجيبة ضربنا ‏أمثلة منها من قبل في آيات القرآن وأحاديث‎ ‎الرسول، ونسرد هنا أمثلة أخرى في التطبيق ‏الواقعي‎.

كان الرسول صلى الله عليه‎ ‎وسلم يؤاخي بين بعض الموالي وبعض الأحرار من سادة العرب. ‏فآخى بين بلال بن رباح‎ ‎وخالد بن رويحة الخثعمي، وبين مولاه زيد وعمه حمزة، وبين خارجة ‏بن زيد وأبي بكر،‎ ‎وكانت هذه المؤاخاة صلة حقيقية تعدل رابطة الدم وتصل إلى حد الاشتراك ‏في‎ ‎الميراث‎!

ولم يكتف بهذا الحد‎ …

فقد زوج بنت عمته زينب بنت جحش من‎ ‎مولاه زيد. والزواج مسألة حساسة جداً وخاصة من ‏جانب المرأة، فهي تقبل أن تتزوج من‎ ‎يفضلها مقاماً ولكنها تأبى أن يكون زوجها دونها في ‏الحسب والنسب والثروة، وتحس أن‎ ‎هذا يحط من شأنها ويغض من كبريائها. ولكن الرسول صلى ‏الله عليه وسلم كان يهدف إلى‎ ‎معنى أسمى من كل ذلك وهو رفع الرقيق من الوهدة التي دفعته ‏إليها البشرية الظالمة‎ ‎إلى مستوى أعظم سادة العرب من قريش‎.

ولم يكتف كذلك بهذا الحد‏‎.

فقد‎ ‎أرسل مولاه زيداً على رأس جيش فيه الأنصار والمهاجرون من سادات العرب، فلما قتل ولى‎ ‎ابنه أسامة بن زيد قيادة الجيش، وفيه أبو بكر وعمر وزيرا الرسول وخليفتاه من بعده،‎ ‎فلم يعط ‏المولى بذلك مجرد المساواة الإنسانية، بل أعطاه حق القيادة والرئاسة على‏‎ " ‎الأحرار ". ووصل ‏في ذلك إلى أن يقول: " اسمعوا وأطيعوا ولو استعمل عليكم عبد حبشي‎ ‎كأن رأسه زبيبة، ما أقام ‏فيكم كتاب الله تبارك وتعالى [28]". فأعطى الموالي بذلك‎ ‎الحق في أرفع مناصب الدولة، وهو ‏ولاية أمر المسلمين. وقد قال عمر وهو يستخلف: " لو‎ ‎كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لوليته " ‏فيسير على نفس المبدأ الذي سنه الرسول صلى‎ ‎الله عليه وسلم. ويضرب عمر مثلاً آخر من ‏الأمثلة الرائعة على احترام الموالي ؛ إذ‎ ‎يعارضه بلال بن رباح في مسألة الفيء فيشتد في ‏معارضته، فلا يجد سبيلاً في رده إلا‎ ‎أن يقول: " اللهم اكفني بلالاً وأصحابه "! ذلك وهو الخليفة ‏الذي كان يملك - لو أراد‏‎ - ‎أن يأمر فيطاع‎!


هذه النماذج التي وضعها الإسلام كان المقصود بها تحرير‎ ‎الرقيق من الداخل - كما قلنا في مبدأ ‏هذا الفصل - لكي يحس بكيانه فيطلب الحرية،‏‎ ‎وهذا هو الضمان الحقيقي للتحرير‎.

وصحيح أنه شجع على العتق وحث عليه بكل‎ ‎الوسائل، ولكن هذا نفسه كان جزءاً من التربية ‏النفسية للرقيق، لكي يشعروا أن في‎ ‎إمكانهم أن يحصلوا على الحرية ويتمتعوا بكل ما يتمتع به ‏السادة من حقوق، فتزداد‎ ‎رغبتهم في الحرية ويتقبلوا احتمال التبعات في سبيلها، وهنا يسارع في ‏منحها لهم،‎ ‎لأنهم حينئذ مستحقون لها، قادرون على صيانتها‎.

وفرق كبير بين النظام الذي‎ ‎يشجع الناس على طلب الحرية ويهيء لها الوسائل، ثم يعطيها لهم ‏في اللحظة التي‎ ‎يطلبونها بأنفسهم، وبين النظم التي تدع الأمور تتعقد وتتحرج، حتى تقوم الثورات‎ ‎الاقتصادية والاجتماعية وتزهق الأرواح بالمئات والألوف، ثم لا تعطي الحرية لطلابها‎ ‎إلا مجبرة ‏كارهة‎.

وقد كان من فضائل الإسلام الكبرى في مسألة الرقيق، أنه قد‎ ‎حرص على التحرير الحقيقي له من ‏الداخل والخارج، فلم يكتف بالنية الطيبة كما فعل‎ ‎لنكولن بإصدار تشريع لا رصيد له في داخل ‏النفوس ؛ مما يثبت عمق إدراك الإسلام‎ ‎للطبيعة البشرية، وفطنته إلى خير الوسائل لمعالجتها. ‏وهذا إلى جانب تطوعه بإعطاء‎ ‎الحقوق لأصحابها، مع تربيتهم على التمسك بها واحتمال تبعاتها ‏‏- على أساس الحب‏‎ ‎والمودة بين جميع طوائف المجتمع - قبل أن يتصارعوا من أجل هذه ‏الحقوق، كما حدث في‎ ‎أوربا، ذلك الصراع البغيض الذي يجفف المشاعر ويورث الأحقاد. فيفسد ‏كل ما يمكن أن‎ ‎تصيبه البشرية من الخير في أثناء الطريق‎.

والآن نتحدث عن العامل الأكبر الذي‎ ‎جعل الإسلام يضع الأساس لتحرير الرقيق ثم يدعه يعمل ‏عمله من خلال‎ ‎الأجيال‎.

لقد جفف الإسلام منابع الرق القديمة كلها، فيما عدا منبعاً واحداً‏‎ ‎لم يكن يمكن أن يجففه، وهو رق ‏الحرب. ولنأخذ في شيء من التفصيل‎.

كان العرف‎ ‎السائد يومئذ هو استرقاق أسرى الحرب أو قتلهم [29] وكان هذا العرف قديماً جداً،‎ ‎موغلاً في ظلمات التاريخ، يكاد يرجع إلى الإنسان الأول، ولكنه ظل ملازماً للإنسانية‎ ‎في شتى ‏أطوارها‎.

وجاء الإسلام والناس على هذا الحال. ووقعت بينه وبين أعداءه‎ ‎الحروب، فكان الأسرى ‏المسلمون يسترقون عند أعداء الإسلام، فتسلب حرياتهم، ويعامل‎ ‎الرجال منهم بالعسف والظلم ‏الذي كان يجري يومئذ على الرقيق، وتنتهك أعراض النساء‎ ‎لكل طالب، يشترك في المرأة ‏الواحدة الرجل وأولاده وأصدقاؤه من يبغي الاستمتاع منهم،‎ ‎بلا ضابط ولا نظام، ولا احترام ‏لإنسانية أولئك النساء أبكاراً كن أم غير أبكار. أما‎ ‎الأطفال – إن وقعوا أسرى – فكانوا ينشأون ‏في ذل العبودية البغيض‎.


عندئذ لم‎ ‎يكن جديراً بالمسلمين أن يطلقوا سراح من يقع في أيديهم من أسرى الأعداء. فليس من‎ ‎حسن السياسة أن تشجع عدوك عليك بإطلاق أسراه، بينما أهلك وعشيرتك وأتباع دينك‎ ‎يسامون ‏الخسف والعذاب عند هؤلاء الأعداء. والمعاملة بالمثل هنا هي أعدل قانون‎ ‎تستطيع استخدامه، أو ‏هي القانون الوحيد. ومع ذلك فينبغي أن نلاحظ فروقاً عميقة بين‎ ‎الإسلام وغيره من النظم في ‏شأن الحرب وأسرى الحرب‎.

كانت الحروب – وما تزال‏‎ – ‎في غير العالم الإسلامي لا يقصد بها إلا الغزو والفتك والاستعباد. ‏كانت تقوم على‎ ‎رغبة أمة في قهر غيرها من الأمم، وتوسيع رقعتها على حسابها، أو لاستغلال ‏مواردها‎ ‎وحرمان أهلها منها ؛ أو لشهوة شخصية تقوم في نفس ملك أو قائد حربي، ليرضي ‏غروره‎ ‎الشخصي وينتفش كبراً وخيلاء، أو لشهوة الانتقام.. أو ما إلى ذلك من الأهداف الأرضية‎ ‎الهابطة. وكان الأسرى الذين يسترقون، لا يسترقون لخلاف في عقيدة، ولا لأنهم في‎ ‎مستواهم ‏الخلقي أو النفسي أو الفكري أقل من آسريهم، ولكن فقط لأنهم غلبوا في‎ ‎الحرب‎.

وكذلك لم تكن لهذه الحرب تقاليد تمنع من هتك الأعراض أو تخريب المدن‎ ‎المسالمة، أو قتل ‏النساء والأطفال والشيوخ، وذلك منطقي مع قيامها لغير عقيدة ولا‎ ‎مبدأ ولا هدف رفيع‎.

فلما جاء الإسلام أبطل ذلك كله، وحرم الحروب كلها. إلا‎ ‎أن تكون جهاداً في سبيل الله.. جهاداً ‏لدفع اعتداء عن المسلمين، أو لتحطيم القوى‎ ‎الباغية التي تفتن الناس عن دينهم بالقهر والعنف. أو ‏لإزالة القوى الضالة التي تقف‎ ‎في سبيل الدعوة وإبلاغها للناس ليروا الحق ويسمعوه‎.

‎(‎وقاتلوا في سبيل الله‎ ‎الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) [30] (وقاتلوهم حتى ‏لا تكون‎ ‎فتنة ويكون الدين كله لله) [31‏‎].

فهي دعوة سلمية لا تكره أحداً: (لا إكراه‎ ‎في الدين قد تبين الرشد من الغي) [32] وبقاء اليهود ‏والمسيحيين في العالم الإسلامي‎ ‎على دينهم حتى اللحظة برهان قاطع لا يقبل الجدل ولا المماحكة، ‏يثبت أن الإسلام لم‎ ‎يكره غيره على اعتناقه بقوة السيف [33‏‎].

فاذا قبل الناس الإسلام، واهتدوا‎ ‎إلى دين الحق، فلا حرب ولا خصومة ولا خضوع من أمة لأمة، ‏ولا تمييز بين مسلم ومسلم‎ ‎على وجه الأرض، ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى‎.

فمن أبى الإسلام وأراد‎ ‎أن يحتفظ بعقيدته في ظل النظام الإسلامي – مع إيمان الإسلام بأنه خير ‏من هذه‎ ‎العقيدة وأقوم سبيلاً – فله ذلك دون إكراه ولا ضغط، على أن يدفع الجزية مقابل حماية‏‎ ‎الإسلام له، بحيث تسقط الجزية أو ترد إن عجز المسلمون عن حمايته [34] فإن أبوا‎ ‎الإسلام ‏والجزية فهم إذن معاندون متبجحون، لا يريدون للدعوة السلمية أن تأخذ‎ ‎طريقها، وإنما يريدون ‏أن يقفوا بالقوة المادية في طريق النور الجديد يحجبونه عن‎ ‎عيون قوم ربما اهتدوا لو خلي بينهم ‏وبين النور‎.

عند ذلك فقط يقوم القتال،‎ ‎ولكنه لا يقوم بغير إنذار أو إعلان، لإعطاء فرصة أخيرة لحقن الدماء ‏ونشر السلم في‎ ‎ربوع الأرض: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله) [35‏‎].

تلك هي الحرب‎ ‎الإسلامية، لا تقوم على شهوة الفتح ولا رغبة الاستغلال، ولا دخل فيها لغرور ‏قائد‎ ‎حربي أو ملك مستبد، فهي حرب في سبيل الله وفي سبيل هداية البشرية، حين تخفق الوسائل‎ ‎السلمية كلها في هداية الناس‎.

ولها مع ذلك تقاليد ؛ يقول الرسول صلى الله‎ ‎عليه وسلم في وصيته: "اغزوا باسم الله في سبيل ‏الله. قاتلوا من كفر بالله. اغزوا‎ ‎ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا" [36‏‎].

فلا قتل لغير المحارب الذي‎ ‎يقف بالسلاح يقاتل المسلمين، ولا تخريب ولا تدمير ولا هتك ‏للأعراض، ولا إطلاق لشهوة‎ ‎الشر والإفساد: (إن الله لا يحب المفسدين‎).

وقد راعى المسلمون تقاليدهم‎ ‎النبيلة هذه في كل حروبهم، حتى في الحروب الصليبية الغادرة، ‏حين انتصروا على عدوهم‎ ‎الذي كان في جولة سابقة قد انتهك الحرمات واعتدى على المسجد ‏الأقصى فهاجم المحتمين‎ ‎فيه بحمى الله – رب الجميع – وأسال دماءهم فيه أنهاراً، فلم ينتقموا ‏لأنفسهم حين‎ ‎جاءهم النصر، وهم يملكون الإذن من الدين ذاته بالمعاملة بالمثل: (فمن اعتدى ‏عليكم‎ ‎فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) [37]. ولكنهم ضربوا المثل الأعلى الذي يعجز عنه‎ ‎غير المسلمين في كل الأرض حتى العصر الحديث‎.

ذلك فارق أساسي في أهداف الحرب‎ ‎وتقاليدها بين المسلمين وغير المسلمين. وقد كان الإسلام ‏يملك لو أراد – والحق يسنده‏‎ ‎في ذلك – أن يعتبر من يقع في يديه من الأسرى – ممن يعاندون ‏الهدى ويصرون على‎ ‎وثنيتهم الهابطة وشركهم المخرف – قوماً ناقصي الآدمية، ويسترقهم بهذا ‏المعنى وحده‎. ‎فما يصر بشر على هذه الخرافة – بعد إذ يرى النور – إلا أن يكون في نفسه ‏هبوط أو في‎ ‎عقله انحراف، فهو ناقص في كيانه البشري، غير جدير بكرامة الآدميين، وحرية ‏الأحرار‎ ‎من بني الإنسان‎.

ومع ذلك فإن الإسلام لم يسترق الأسرى لمجرد اعتبار أنهم‎ ‎ناقصون في آدميتهم، وإنما لأنهم – ‏وهذه حالهم – قد جاءوا يعتدون على حمى الإسلام،‏‎ ‎أو وقفوا بالقوة المسلحة يحولون بين الهدى ‏الرباني وبين قلوب الناس‎.

وحتى مع‎ ‎ذلك فلم يكن تقليد الإسلام الدائم هو استرقاق الأسرى. فقد أطلق الرسول صلى الله‎ ‎عليه ‏وسلم بعض أسرى بدر من المشركين منًّا بغير فداء، وأطلق بعضهم لقاء فدية، وأخذ‎ ‎من نصارى ‏نجران جزية ورد إليهم أسراهم، ليضرب بذلك المثل لما يريد أن تهتدي إليه‎ ‎البشرية في مستقبلها‎.

ومما هو جدير بالإشارة هنا أن الآية الوحيدة التي‎ ‎تعرضت لأسرى الحرب: (فإما منّا بعد وإما ‏فداء حتى تضع الحرب أوزارها) [38] لم تذكر‎ ‎الاسترقاق للأسرى، وإنما ذكرت الفداء وإطلاق ‏السراح دون مقابل، حتى لا يكون‎ ‎الاسترقاق تشريعاً دائماً للبشرية ولا ضربة لازب، إنما هو أمر ‏يلجأ إليه الجيش‎ ‎الإسلامي المحارب إذا اقتضته الظروف والملابسات‎.

يضاف إلى ذلك أن الأسرى‎ ‎الذين كانوا يقعون في يد الإسلام كانوا يعاملون تلك المعاملة الكريمة ‏التي وصفناها‎ ‎من قبل، ولا يلقون الهوان والتعذيب، وكان يفتح أمامهم باب التحرر حين تسعى ‏نفوسهم‎ ‎إليه وتحتمل تبعاته، وإن كان معظمهم في الواقع لم يكن حراً قبل أسره، إنما كان من‎ ‎الرقيق الذي استرقه الفرس والرومان ودفعوه إلى قتال المسلمين‎.

فكأن الأمر في‎ ‎الحقيقة لم يكن استرقاقاً من أجل الاسترقاق. ولا كان الرق أصلاً دائماً يهدف‎ ‎الإسلام إلى المحافظة عليه، فاتجاه الإسلام إلى تحرير الرقيق هو الاتجاه البارز‎ ‎الذي تشير كل ‏الدلائل إليه‎.

وإنما هو وضع موقوت يؤدي في النهاية إلى‎ ‎التحرير‎.

تقوم الحرب بين المسلمين وأعداء الإسلام فيقع بعض الأسرى من الكفار‎ ‎في يد المسلمين، ‏فيصبحون – في بعض الحالات، لا في كل الحالات ولا بصورة حتمية‏‎ – ‎رقيق حرب، فيعيشون ‏فترة من الزمن في جو المجتمع الإسلامي، يبصرون عن كثب صورة العدل‎ ‎الرباني مطبقاً في ‏واقع الأرض، وتشملهم روح الإسلام الرحيمة بحسن معاملتها‎ ‎واعتباراتها الإنسانية، فتتشرب ‏أرواحهم بشاشة الإسلام، وتتفتح بصائرهم للنور‎.. ‎وعندئذ يحررهم الإسلام بالعتق في بعض ‏الأحيان، أو بالمكاتبة إن تاقت نفوسهم إلى‎ ‎الحرية وسعوا إليها‎.

وبذلك تصبح الفترة التي يقضونها في الرق في الحقيقة‎ ‎فترة علاج نفسي وروحي، قوامه إحسان ‏المعاملة لهم، وإشعارهم بآدميتهم المهدرة،‎ ‎وتوجيه أرواحهم إلى النور الرباني بغير إكراه.. ثم في ‏النهاية يكون‎ ‎التحرير‎..

وذلك كله في حالة الاسترقاق. وليست هي السبيل الوحيد الذي يسلكه‎ ‎الإسلام، كما يتضح من آية ‏التشريع، ومن السلوك العملي للرسول صلى الله عليه وسلم في‎ ‎مختلف الغزوات‎.

أما النساء فقد كرمهن - حتى في رقهن - عما كن يلقين في غير‏‎ ‎بلاد الإسلام. فلم تعد أعراضهن ‏نهباً مباحاً لكل طالب على طريقة البغاء (وكان هذا‎ ‎هو مصير أسيرات الحروب في أغلب ‏الأحيان) وإنما جعلهن ملكاً لصاحبهن وحده، لا يدخل‎ ‎عليهن أحد غيره، وجعل من حقهن نيل ‏الحرية بالمكاتبة، كما كانت تحرر من ولدت لسيدها‎ ‎ولداً ويحرر معها ولدها، وكن يلقين من حسن ‏المعاملة ما أوصى به الإسلام‎.‎
‎* * *‎

تلك قصة الرق في‎ ‎الإسلام: صفحة مشرفة في تاريخ البشرية. فالإسلام لم يجعل الرق أصلاً من ‏أصوله،‎ ‎بدليل أنه سعى إلى تحريره بشتى الوسائل، وجفف منابعه كلها لكي لا يتجدد، فيما عدا‎ ‎المنبع الواحد الذي ذكرناه وهو رق الحرب المعلنة للجهاد في سبيل الله. وقد رأينا أن‎ ‎الرق فيها ‏ليس ضربة لازب، وأنه – إن حدث – فلفترة موقوتة تؤدي في النهاية إلى‏‎ ‎التحرير‎..

أما ما حدث في بعض العهود الإسلامية من الرق في غير أسرى الحروب‎ ‎الدينية، ومن نخاسة ‏واختطاف وشراء لمسلمين لا يجوز استرقاقهم أصلاً، فإن نسبته إلى‎ ‎الإسلام ليست أصدق ولا ‏أعدل من نسبة حكام المسلمين اليوم إلى الإسلام بما يرتكبونه‎ ‎من موبقات وآثام‎!

وينبغي أن نجعل بالنا إلى عدة أمور في هذا الموضوع‎.

الأول: هو تعدد منابع الرق عند الدول الأخرى بغير ضرورة ملجئة سوى شهوة‎ ‎الاستعباد، من ‏استرقاق أمة لأمة، وجنس لجنس، واسترقاق للفقر. واسترقاق بالوراثة من‎ ‎الميلاد في طبقة ‏معينة، واسترقاق بسبب العمل في الأرض إلخ، وإلغاء هذه المنابع كلها‎ ‎في الإسلام، فيما عدا ‏المنبع الوحيد الذي شرحنا ظروفه من قبل‎.

والثاني: أن‎ ‎أوربا مع تعدد موارد الرق فيها بغير ضرورة، لم تلغ الرق حين ألغته متطوعة، ‏وكتابهم‎ ‎يعترفون بأن الرق ألغي حين ضعف إنتاج الرقيق – لسوء أحوالهم المعيشية وفقدان ‏الرغبة‎ ‎أو القدرة على العمل – بحيث أصبحت تكاليف العبد من إعاشة وحراسة أكثر من إنتاجه‏‎!! ‎فهي إذن حسبة اقتصادية لا غير، يحسب فيها المكسب والخسارة، ولا ظل فيها لأي معنى من‎ ‎المعاني الإنسانية التي تشعر بكرامة الجنس البشري، فتمنح الرقيق حريته من أجلها‎! ‎هذا بالإضافة ‏إلى الثورات المتتابعة التي قام بها الرقيق فاستحال معها دوام‎ ‎استرقاقه‎.

ومع ذلك فإن أوربا حينئذ لم تمنحه الحرية. ولكنها حولته من رقيق‎ ‎للسيد إلى رقيق للأرض، يباع ‏معها ويشترى، ويخدم فيها، ولا يجوز له أن يغادرها، وإلا‏‎ ‎اعتبر آبقاً وأعيد إليها بقوة القانون ‏مكبلاً بالسلاسل مكوياً بالنار. وهذا اللون‎ ‎من الرق هو الذي بقي حتى حرمته الثورة الفرنسية في ‏القرن الثامن عشر، أي بعد أن قرر‎ ‎الإسلام مبدأ التحرير بما يزيد على ألف ومائة عام‎.

والأمر الثالث: أنه لا‎ ‎يجوز أن تخدعنا الأسماء. فقد ألغت الثورة الفرنسية الرق في أوربا، وألغى ‏لنكولن‎ ‎الرق في أمريكا، ثم اتفق العالم على إبطال الرق.. كل ذلك من الظاهر. وإلا فأين هو‎ ‎الرق الذي ألغي؟ وما اسم ما يحدث اليوم في كل أنحاء العالم؟ وما اسم الذي كانت‎ ‎تصنعه فرنسا ‏في المغرب الإسلامي؟ وما اسم الذي تصنعه أمريكا في الزنوج، وانجلترا في‎ ‎الملونين في جنوب ‏افريقيا؟‎

أليس الرق في حقيقته هو تبعية قوم لقوم آخرين،‎ ‎وحرمان طائفة من البشر من الحقوق المباحة ‏للآخرين؟ أم هو شيء غير ذلك؟ وماذا يعني‎ ‎أن يكون هذا تحت عنوان الرق، أو تحت عنوان ‏الحرية والإخاء والمساواة؟ ماذا تجدي‎ ‎العناوين البراقة إذا كانت الحقائق التي وراءها هي أخبث ‏ما عرفته البشرية من‎ ‎الحقائق في تاريخها الطويل؟‎

لقد كان الإسلام صريحاً مع نفسه ومع الناس فقال‎: ‎هذا رق، وسببه الوحيد هو كذا، والطريق إلى ‏التحرر منه مفتوح‎.

أما الحضارة‎ ‎الزائفة التي نعيش اليوم في أحضانها، فلا تجد في نفسها هذه الصراحة، فهي ‏تصرف‎ ‎براعتها في تزييف الحقائق وطلاء اللافتات البراقة. فقتل مئات الألوف في تونس‎ ‎والجزائر والمغرب لغير شيء سوى أنهم يطالبون بالحرية والكرامة الإنسانية: حريتهم في‎ ‎أن ‏يعيشوا في بلادهم بلا دخيل، وأن يتكلموا لغتهم، ويعتقدوا عقيدتهم، ولا يخدموا‎ ‎إلا أنفسهم. ‏وحريتهم في التعامل المباشر مع العالم في السياسة والاقتصاد... قتل‎ ‎هؤلاء الأبرياء وحبسهم في ‏السجون القذرة بلا طعام ولا ماء، وانتهاك أعراضهم والسطو‎ ‎على نسائهم، وقتلهن بلا مبرر ‏وشق بطونهن للتراهن على نوع الجنين.. هذا اسمه في‎ ‎القرن العشرين حضارة ومدنية ونشر ‏لمبادئ الحرية والإخاء والمساواة. أما المعاملة‎ ‎المثالية الكريمة التي كان يمنحها الإسلام للرقيق ‏قبل ثلاثة عشر قرناً، تطوعاً منه‎ ‎وإكراماً للجنس البشري في جميع حالاته، مع إعلانه العملي بأن ‏الرق وضع مؤقت وليس‏‎ ‎حالة دائمة، فهذا اسمه تأخر وانحطاط وهمجية‎.

وحين يضع الأمريكان على فنادقهم‎ ‎ونواديهم لافتات تقول: " للبيض فقط " أو تقول في وقاحة ‏كريهة: " ممنوع دخول السود‎ ‎والكلاب "، وحين يفتك جماعة من البيض " المتحضرين " بواحد ‏من الملونين، فيطرحونه‎ ‎أرضاً ويضربونه بأحذيتهم حتى يسلم الروح، ورجل الشرطة واقف لا ‏يتحرك ولا يتدخل، ولا‎ ‎يهم لنجدة أخيه في الوطن وفي الدين واللغة فضلاً عن الأخوة في ‏البشرية، كل ذلك لأنه‎ – ‎وهو ملون – تجرأ فمشى إلى جانب فتاة أمريكية بيضاء لا عرض لها – ‏وبإذنها لا كرها‎ ‎عنها – يكون هذا هو أقصى ما وصل إليه القرن العشرون من التحضر‏‎ ‎والارتفاع‎.

أما حين يتهدد العبد المجوسي عمر بالقتل، ويفهم عنه عمر ذلك، ثم‎ ‎لا يحبسه ولا ينفيه من ‏الأرض، ولا نقول يقتله، وهو مخلوق ناقص الآدمية حقا لأنه‎ ‎يعبد النار ويصر على عبادتها ‏تعصباً منه للباطل بعد أن رأى الحق بعينيه، فما أشد‎ ‎همجية عمر، وما أشد ازدراءه لكرامة ‏الجنس البشري لأنه قال: " تهددني العبد "! ثم‎ ‎تركه حراً حتى ارتكب جريمته فقتل خليفة ‏المسلمين، لأنه لم يكن يملك عليه سلطاناً‎ ‎قبل أن يقترف الجريمة‎.

وقصة الملونين في أفريقيا، وحرمانهم من حقوقهم‎ ‎البشرية وقتلهم أو " اصطيادهم " حسب تعبير ‏الجرائد الإنجليزية الوقحة، لأنهم تجرأوا‎ ‎فأحسوا بكرامتهم وطالبوا بحريتهم، هذا هو العدل ‏البريطاني في قمته، والحضارة‎ ‎الإنسانية في أوجها، والمبادئ السامية التي تجيز لأوربا الوصاية ‏على العالم. أما‎ ‎الإسلام فهو همجي جداً لأنه لم يتعلم " اصطياد " البشر، والتلهي بقتلهم لأنهم سود‎ ‎البشرة. بل وصل توغله في التأخر والانحطاط أن يقول: " اسمعوا وأطيعوا ولو استعمل‎ ‎عليكم ‏عبد حبشي كأن رأسه زبيبة‎.. "‎

أما المرأة فلها حساب آخر‎.

كان الإسلام قد أباح للسيد أن يكون عنده عدد من‎ ‎الجواري من سبى الحرب [39] يستمتع بهن ‏وحده، ويتزوج منهن أحياناً إذا شاء. وأوربا‎ ‎تستنكر هذا اليوم وتتعفف عن هذه الحيوانية البشعة ‏التي تعتبر الجواري متاعاً‎ ‎مباحاً، وأجساداً لا حرمة لها ولا كرامة، كل مهمتها في الحياة إشباع ‏لذة بهيمية‎ ‎بغيضة، لرجل لا يرتفع عن مستوى الحيوان‎.



هدانا الله وإياكم لما يحب ويرضى

منقوووووول
Cant See Links


رد مع اقتباس