عرض مشاركة واحدة
قديم 10-08-2012, 11:49 AM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


حقوق الانسان في الاسلام: كيف تعامل الإسلام مع قضية الرق؟

حقوق الانسان في الاسلام: كيف تعامل الإسلام مع قضية الرق؟

الإسلام والرق - محمد قطب

ربما كانت هذه الشبهة أخبث ما يلعب به الشيوعيون لزلزلة عقائد الشباب!.. لو كان‎ ‎الإسلام ‏صالحاً لكل عصر – كما يقول دعاته – لما أباح الرق.. وإن إباحته للرق.. وإن‎ ‎إباحته للرق ‏لدليل قاطع على أن الإسلام قد جاء لفترة محدودة، وأنه أدى مهمته وأصبح‎ ‎في ذمة التاريخ‎!

وإن الشباب المؤمن ذاته لتساوره بعض الشكوك! كيف أباح‎ ‎الإسلام الرق؟ هذا الدين الذي لا شك ‏في نزوله من عند الله، ولا شك في صدقه، وفي أنه‎ ‎جاء لخير البشرية كلها في جميع أجيالها.. ‏كيف أباح الرق؟ الدين الذي قام على‎ ‎المساواة الكاملة. الذي رد الناس جميعاً إلى أصل واحد، ‏وعاملهم على أساس هذه‎ ‎المساواة في الأصل المشترك.. كيف جعل الرق جزءاً من نظامه وشرع ‏له؟ أَوَ يريد الله‎ ‎للناس أن ينقسموا أبداً إلى سادة وعبيد؟ أَوَ تلك مشيئته في الأرض؟ أَوَ يرضى الله‎ ‎للمخلوق الذي أكرمه إذ قال: " ولقد كرمنا بني آدم " أن يصير طائفة منه سلعة تباع‎ ‎وتشترى كما ‏كان الحال مع الرقيق؟ وإذا كان الله لا يرضى بذلك، فلماذا لم ينص كتابه‎ ‎الكريم صراحة على ‏إلغاء الرق كما نص على تحريم الخمر والميسر والربا وغيرها مما‎ ‎كرهه الإسلام؟‎

وإن الشباب المؤمن ليعلم أن الإسلام دين الحق، ولكنه‎ ‎كإبراهيم: " قال: أولم تؤمن؟ قال بلى، ‏ولكن ليطمئن قلبي‎! ".

أما الشباب الذي‎ ‎أفسد الاستعمار عقله وعقائده، فإنه لا يتلبث حتى يتبين حقيقة الأمر، وإنما يميل ‏به‎ ‎الهوى فيقرر دون مناقشة أن الإسلام نظام عتيق قد استنفد أغراضه‎!

وأما‎ ‎الشيوعيون خاصة فأصحاب دعاوى " علمية " مزيفة، يتلقونها من سادتهم هناك، فينتفشون‎ ‎بها عجبا ً، ويحسبون أنهم وقعوا على الحقيقة الأبدية الخالدة التي لا مراء فيها ولا‎ ‎جدال، وهي ‏المادية الجدلية، التي تقسم الحياة البشرية إلى مراحل اقتصادية معينة لا‎ ‎معدى عنها ولا محيص. ‏وهي الشيوعية الأولى، والرق، والإقطاع، والرأسمالية، والشيوعية‎ ‎الثانية (وهي نهاية العالم!) ‏وأن كل ما عرفته البشرية من عقائد ونظم وأفكار، إنما‎ ‎كانت انعكاساً للحالة الاقتصادية، أو ‏للطور الاقتصادي القائم حينئذ، وأنها صالحة‎ ‎له، متلائمة مع ظروفه، ولكنها لا تصلح للمرحلة ‏التالية التي تقوم على أساس اقتصادي‎ ‎جديد. وأنه – من ثم – لا يوجد نظام واحد يمكن أن يصلح ‏لكل الأجيال. وإذا كان‎ ‎الإسلام قد جاء والعالم نهاية فترة الرق ومبادئ فترة الإقطاع، فقد جاءت ‏تشريعاته‎ ‎وعقائده ونظمه ملائمة لهذا القدر من التطور، فاعترفت بالرق، وأباحت الإقطاع [11‏‎]! ‎ولم يكن في طوق الإسلام أن يسبق التطور الاقتصادي، أو يبشر بنظام جديد لم تتهيأ بعد‎ ‎إمكانياته ‏الاقتصادية! لأن كارل ماركس قال إن هذا مستحيل‎!

ونريد هنا أن نضع‎ ‎المسألة في حقيقتها التاريخية والاجتماعية والنفسية، بعيداً عن الغبار الذي ‏يثيره‎ ‎هؤلاء وأولئك، فإذا حصلنا على حقيقة موضوعية فلا علينا حينئذ من دعاوي المنحرفين، و‎ ‎‎" ‎العلماء " المزيفين‎!

نحن ننظر اليوم إلى الرق في ظروف القرن العشرين،‎ ‎وننظر إله في ضوء الشناعات التي ‏ارتكبت في عالم النخاسة، والمعاملة الوحشية البشعة‎ ‎التي سجلها التاريخ في العالم الروماني ‏خاصة، فنستفظع الرق، ولا تطيق مشاعرنا أن‎ ‎يكون هذا اللون من المعاملة أمراً مشروعاً يقره ‏دين أو نظام. ثم تغلب علينا‎ ‎انفعالات الاستبشاع والاستنكار فنعجب كيف أباح الإسلام الرق، وكل ‏توجيهاته‎ ‎وتشريعاته كانت ترمي إلى تحرير البشر من العبودية في جميع ألوانها وأشكالها، ‏ونتمنى‎ ‎في حرارة الانفعال أن لو كان الإسلام قد أراح قلوبنا وعقولنا فنص على تحريمه بالقول‎ ‎الصريح‎.

وهنا وقفة عند حقائق التاريخ. ففظائع الرق الروماني في العالم‎ ‎القديم لم يعرفها قط تاريخ ‏الإسلام، ومراجعة بسيطة للحالة التي كان يعيش عليها‎ ‎الأرقاء في الإمبراطورية الرومانية، كفيلة ‏بأن ترينا النقلة الهائلة التي نقلها‎ ‎الإسلام للرقيق، حتى لو لم يكن عمل على تحريره – وهذا غير ‏صحيح‎!

كان الرقيق‎ ‎في عرف الرومان " شيئا " لا بشرا. شيئا لا حقوق له البتة، وإن كان عليه كل ثقيل ‏من‎ ‎الواجبات. ولنعلم أولا من أين كان يأتي هذا الرقيق. كان يأتي من طريق الغزو. ولم‎ ‎يكن هذا ‏الغزو لفكرة ولا لمبدأ‏‎.

وإنما كان سببه الوحيد شهوة استعباد الآخرين‎ ‎وتسخيرهم لمصلحة الرومان‎.

فلكي يعيش الروماني عيشة البذخ والترف، يستمتع‎ ‎بالحمامات الباردة والساخنة، والثياب الفاخرة، ‏وأطايب الطعام من كل لون، ويغرف في‎ ‎المتاع الفاجر من خمر ونساء ورقص وحفلات ‏ومهرجانات، كان لا بد لكل هذا من استعباد‎ ‎الشعوب الأخرى وامتصاص دمائها. ومصر مثل ‏لذلك حين كانت في قبضة الرومان، قبل أن‎ ‎يخلصها من نيرهم الإسلام. إذ كانت حقل قمح ‏للإمبراطورية، وموردا للأموال‎.

في‎ ‎سبيل هذه الشهوة الفاجرة كان الاستعمار الروماني، وكان الرق الذي نشأ من ذلك‏‎ ‎الاستعمار. ‏أما الرقيق فقد كانوا – كما ذكرنا – أشياء ليس لها كيان البشر ولا حقوق‏‎ ‎البشر. كانوا يعملون في ‏الحقول وهم مصفدون في الأغلال الثقيلة التي تكفي لمنعهم من‎ ‎الفرار. ولم يكونوا يُطْعَمون إلا ‏إبقاء على وجودهم ليعملوا، لا لأن من حقهم – حتى‏‎ ‎كالبهائم والأشجار – أن يأخذوا حاجتهم من ‏الغذاء. وكانوا – في أثناء العمل – يساقون‏‎ ‎بالسوط، لغير شيء إلا اللذة الفاجرة التي يحسها السيد ‏أو وكيله في تعذيب هذه‎ ‎المخلوقات. ثم كانوا ينامون في " زنزانات " مظلمة كريهة الرائحة تعيث ‏فيها الحشرات‎ ‎والفئران، فيلقون فيها عشرات عشرات قد يبلغون خمسين في الزانزانة الواحدة‎ – ‎بأصفادهم – فلا يتاح لهم حتى الفراغ الذي يتاح بين بقرة وبقرة في حظيرة‏‎ ‎الحيوانات‎.

ولكن الشناعة الكبرى كانت شيئاً أفظع من كل ذلك، وأدل على‎ ‎الطبيعة الوحشية التي ينطوي ‏عليها ذلك الروماني القديم، والتي ورثها عنه الأوربي‎ ‎الحديث في وسائل الاستعمار والاستغلال‎.

تلك كانت حلقات المبارزة بالسيف‎ ‎والرمح، وكانت من أحب المهرجانات إليهم، فيجتمع إليها ‏السادة وعلى رأسهم الإمبراطور‎ ‎أحياناً، ليشاهدوا الرقيق يتبارزون مبارزة حقيقية، توجه فيها ‏طعنات السيوف والرماح‎ ‎إلى أي مكان في الجسم بلا تحرز ولا احتياط من القتل. بل كان المرح ‏يصل إلى أقصاه،‎ ‎وترتفع الحناجر بالهتاف والأكف بالتصفيق، وتنطلق الضحكات السعيدة العميقة ‏الخالصة‎ ‎حين يقضي أحد المتبارزين على زميله قضاء كاملاً، فيلقيه طريحاً على الأرض فاقد‎ ‎الحياة‎!

ذلك كان الرقيق في العالم الروماني. ولا نحتاج أن نقول شيئاً عن‏‎ ‎الوضع القانوني للرقيق عندئذ، ‏وعن حق السيد المطلق في قتله وتعذيبه واستغلاله دون‎ ‎أن يكون له حق الشكوى، ودون أن تكون ‏هناك جهة تنظر في هذه الشكوى أو تعترف بها،‎ ‎فذلك لغو بعد كل الذي سردناه‎.

ولم تكن معاملة الرقيق في فارس والهند‎ ‎وغيرها، تختلف كثيراً عما ذكرنا من حيث إهدار إنسانية ‏الرقيق إهداراً كاملا ً،‎ ‎وتحميله بأثقل الواجبات دون إعطائه حقاً مقابلها، وإن كانت تختلف فيما ‏بينها قليلاً‎ ‎أو كثيراً في مدى قسوتها وبشاعتها‎.

ثم جاء الإسلام‎ …‎
جاء ليرد لهؤلاء البشر إنسانيتهم.جاء ليقول للسادة عن الرقيق‎:

‎" ‎بعضكم من‎ ‎بعض " [12] جاء ليقول: " من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه، ومن ‏أخصى عبده‎ ‎أخصيناه " [13] جاء ليقرر وحدة الأصل والمنشأ والمصير: " أنتم بنو آدم وآدم من ‏تراب‎ " [14]‎، وأنه لا فضل لسيد على عبد لمجرد أن هذا سيد وهذا عبد. وإنما الفضل للتقوى‎: ‎‎" ‎ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا أحمر‎ ‎على أسود إلا بالتقوى " [15‏‎].


جاء ليأمر السادة أمراً أن يحسنوا معاملتهم‎ ‎للرقيق: " وبالوالدين إحساناً، وبذي القربى واليتامى ‏والمساكين والجار ذي القربى،‎ ‎والجار الجنب، والصاحب بالجنب، وابن السبيل، وما ملكت ‏أيمانكم إن الله لا يحب من‎ ‎كان مختالاً فخوراً " [16] وليقرر أن العلاقة بين السادة والرقيق ليست ‏علاقة‎ ‎الاستعلاء والاستعباد، أو التسخير أو التحقير، وإنما هي علاقة القربى والأخوة‎. ‎فالسادة " ‏أهل " الجارية يُستأذنون في زواجها: " فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم‎ ‎المؤمنات والله أعلم ‏بإيمانكم. بعضكم من بعض، فانكحوهن بإذن أهلهن، وآتوهن أجورهن‎ ‎بالمعروف " [17]، وهم ‏إخوة للسادة: " إخوانكم خولكم.. فمن كان " أخوه " تحت يده‎ ‎فليطعمه مما يطعم، وليلبسه مما ‏يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم‎ " [18] ‎وزيادة في رعاية مشاعر الرقيق ‏يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم‎: " ‎لايقل أحدكم: هذا عبدي وهذه أمتي، وليقل: فتاي ‏وفتاتي " [19] ويستند على ذلك أبو‎ ‎هريرة فيقول لرجل ركب وخلفه عبده يجري: " احمله خلفك، ‏فإنه أخوك، وروحه مثل روحك‎ ".

ولم يكن ذلك كل شئ. ولكن ينبغي قبل أن ننتقل إلى الخطوة التالية أن نسجل‎ ‎القفزة الهائلة التي ‏قفزها الإسلام بالرقيق في هذه المرحلة‎.

لم يعد الرقيق‎ " ‎شيئاً ". وإنما صار بشراً له روح كروح السادة. وقد كانت الأمم الأخرى كلها‎ ‎تعتبرالرقيق جنساً آخر غير جنس السادة، خلق ليستعبد ويستذل، ومن هنا لم تكن ضمائرهم‎ ‎تتأثم ‏من قتله وتعذيبه وكيه بالنار وتسخيره في الأعمال القذرة والأعمال الشاقة [20‏‎] ‎ومن هنالك رفعه ‏الإسلام إلى مستوى الأخوة الكريمة، لا في عالم المثل والأحلام، بل‎ ‎في عالم الواقع. ويشهد ‏التاريخ - الذي لم ينكره أحد، حتى المتعصبون من كتاب أوربا‎ - ‎بأن معاملة الرقيق في صدر ‏الإسلام بلغت حداً من الإنسانية الرفيعة لم تبلغه في أي‎ ‎مكان آخر. حداً جعل الرقيق المحررين ‏يأبون مغادرة سادتهم السابقين - مع أنهم يملكون‏‎ ‎ذلك بعد أن تحرروا اقتصادياً وتعودوا على ‏تحمل تبعات أنفسهم - لأنهم يعتبرونهم‏‎ ‎أهلاً لهم، يربطهم بهم ما يشبه روابط الدم! وأصبح الرقيق ‏كائناً إنسانياً له كرامة‎ ‎يحميها القانون، ولا يجوز الاعتداء عليها بالقول ولا بالفعل. فأما القول فقد ‏نهى‎ ‎صلى الله عليه وسلم السادة عن تذكير أرقائهم بأنهم أرقاء. وأمرهم أن يخاطبوهم بما‎ ‎يشعرهم بمودة الأهل وينفي عنهم صفة العبودية، وقال لهم في معرض هذا التوجيه: " إن‎ ‎الله ‏ملككم إياهم ولو شاء لملكهم إياكم " [21] فهي إذن مجرد ملابسات عارضة جعلت‎ ‎هؤلاء رقيقاً، ‏وكان من الممكن أن يكونوا سادة لمن هم اليوم سادة! وبذلك يغض من‎ ‎كبرياء هؤلاء، ويردهم إلى ‏الآصرة البشرية التي تربطهم جميعاً، والمودة التي ينبغي‎ ‎أن تسود علاقات بعضهم ببعض. وأما ‏الاعتداء الجسدي فعقوبته الصريحة هي المعاملة‎ ‎بالمثل: " ومن قتل عبده قتلناه.. " وهو مبدأ ‏صريح الدلالة على المساواة الإنسانية‎ ‎بين الرقيق والسادة، وصريح في بيان الضمانات التي يحيط ‏بها حياة هذه الطائفة من‎ ‎البشر - التي لا يخرجها وضعها العارض عن صفتها البشرية الأصيلة ‏‏- وهي ضمانات كاملة‏‎ ‎ووافية، تبلغ حداً عجيباً لم يصل إليه قط تشريع آخرمن تشريعات الرقيق ‏في التاريخ‎ ‎كله، لا قبل الإسلام ولا بعده، إذ جعل مجرد لطم العبد في غير تأديب (وللتأديب حدود‎ ‎مرسومة لا يتعداها ولا يتجاوز على أي حال ما يؤدب به السيد أبناءه) مبرراً شرعياً‎ ‎لتحرير ‏الرقيق‎.‎


رد مع اقتباس