عرض مشاركة واحدة
قديم 06-12-2010, 10:30 AM   رقم المشاركة : 10
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: ٍاصول الفقه في سؤال وجواب


الاختلاف في هذا العصر، ومن أمثلة اجتهادات الصحابة في درء التعارض هو التعارض في
آيتي العدة للمتوفى عنها زوجها وهي حامل، ٧٣ وذهب ابن مسعود وابن عباس وعلي
رضي الله عنهم إلى الجمع، وذهب أبو سعيد الخدري رضي الله عنه إلى النسخ. ٧٤
وفي عصر التابعين أصبحت قضية التعارض بين النصوص ترعرعت وأخذت لونا
جديدا في مناهجها ومسالكها، وفي بداية هذا العصر اتخذت هذه القضية كموضوع من
طياة الحديث عن التوفيق بين مختلف الحديث، ثم ط  ورت في الأدب الأصولي عند تعرضه
لتعارض الدلالات بين النصوص الشرعية ووضعت عقبها مناهج أصولية التي تتسنى لها
معالجة التعارض الظاهري. وقد تأثر علم أصول الفقه بما جرى من قبل في منهج درء
التعارض بين النصوص، واتضح هذا التأثير في أن التركيز على الطرف الثاني من النصوص
الشرعية أي الحديث أكثر بل أغلب في دراسام من القرآن، وكأم توقفوا على أن
التعارض في الأحاديث فحسب، ٧٥ ونرى أم تصدوا للكلام عن التعارض بين الآيات
القرآنية عند مبحث مراتب دلالات ألفاظ الكتاب على أحكامه ومعانيه، وأشاروا إلى
كيفية دفع التعارض الواقع بين أقسام الدلالات. ونتيجة من ذلك، أم قسموا دلالات
الألفاظ إلى أقسام التي رتبت حسب القوة عند التعارض، وهذه القوة آيلة إلى وضوح
٧٣ الآية الأولى تقول بأن المرأة المتوفى عنها زوجها تعتد بأربعة أشهر وعشر أيام (البقرة: ٢٣٤ ) والآية الثاني تقول
بأن المرأة المطلقة وهي حامل تعتد بوضع حملها (الطلاق: ٤) ووجه التعارض هو في أن الأولى تدل على عدة المرأة
المتوفى عنها زوجها سواء كانت حامل أم غير حامل، وأما الثانية تدل على عدة المرأة الحامل سواء كان طلاقها
بالوفاة أم بغير الوفاة، فتعارضت في حكم المطلقة بالوفاة وهي حامل، والجمع في هذه المسألة يؤدي إلى الأخذ بأبعد
الأجلين، والنسخ فيها يؤدي إلى الأخذ بالوضع والولادة.
٧٤ محمد بن إسماعيل الأمير اليمني الصنعاني، سبل السلام شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام، تحقيق: خليل
مأمون شيحا (بيروت: دار المعرفة، ط- ١٩٩٨ ،٤ م) ج ٣ ص ٣٠٨ |محمد بن أحمد بن محمد بن رشد القرطبي،
بداية اتهد واية المقتصد، تصحيح: محمد الأمد (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط- ١٩٩٦ ،١ م) ج ٢ ص
٩٤ وما بعدها
٧٥ بدأوا حديثهم عن الترجيح بكيفية الترجيح بين الأخبار من حيث السند ومن حيث المتن ومن حيث الأمور
الخارجية التي تعضد أحد المتعارضين، ولم يبدأوا بكيفية الترجيح بين الآيات، انظر: الغزالي، المستصفى، المصدر
السابق، ج ٢ ص ٢٠٧ |فخر الرازي، المحصول، المصدر السابق، ج ٢ ص ٣٩٧ |الآمدي، الإحكام، المصدر
السابق، ج ٤ ص ٢٥١ | وغيرها من المصادر الأصولية.
٢٧
المعنى وخفائه، ٧٦ فالأوضح يرجح على الواضح، والخفي يرجح على الأخفى، وهكذا
دواليك.
وكثيرا ما نرى، أن دراسات أصولية في النصوص المتعارضة تتوقف على ما انتهجه
السابقون، أي أن نصوص القرآن تتعارض في دلالتها دون ثبوا لأن القرآن كله ثابت
بالقطع، وأن نصوص الحديث تتعارض في دلالتها وثبوا ولكن التعارض في ثبوت الحديث
آيل إلى سند الآحاد التي ثبتت بالظن، وصورة التعارض التي تتمحور حول هذه نواحي
النصوص تجعل عملية الترجيح التي هي وليدة التعارض تنحصر فيها كذلك، بل وهي
إحدى طرق معالجة التعارض بين النصوص، وفيه تضييق لتوظيف الترجيح بين النصوص
المتعارضة.
حصيلة الباب: وبعد مرورنا بمصطلحي الترجيح المقاصدي والنصوص المتعارضة
ومفهوميهما في هذا الباب، تمكننا صياغة دلالة مو  حدة بينهما إشارًة إلى إفادة كلمة "بين"
في عنوان الدراسة، ونقول بأن عملية تقديم أحد المتعارضين المعتمدة على المزية المعتبرة عند
مقاصد الشرع تدور في نطاق النصوص الشرعية التي تتطلب هذه العملية، وأن هذه
القضية الاجتهادية تتصور عندما لاحظ اتهد التعارض في دلالات النصوص ولا يتمكن
من درئه بجمعها، فآوى إلى الأخذ بالبحث عن فضل أو مزية في أحد النصين المتعارضين،
وهذا النظر البحثي يراعي مضامين مقاصد الشرع وقواعدها، ويعمد إلى الترجيح بناء على
أنه أحق بالتقديم وأولى في النظر المقاصدي، والمر  جح يتحلى بالمزية التي اعتبرا المقاصد
أعلى وأكبر وأكثر، وأما المر  جح عليه يتحلى بالمزية التي اعتبرا أدنى وأصغر وأقل.
٧٦ وإذا تصفحنا كتب علم الأصول سنقف على أن الأصوليين قسموا دلالات الألفاظ إلى قسمين أساسين وهما
ينبنيان على وضوح دلالة اللفظ على المعنى وخفائها. وفي وضوح الدلالة مراتب وأدناها الظاهر ثم النص ثم المفسر ثم
المحكم، وأساس وضع هذه الرتبة التصاعدية هو وضوح الدلالة على المعنى بحيث لا يحتمل التأويل، وتقدم أعلى
المرتبة على أدناها في حالة تعارض دلالتيهما. وفي خفاء الدلالة مراتب وأدناها الخفي ثم المشكل ثم امل ثم المتشابه،
وأساس وضع هذه الرتبة التصاعدية هو خفاء الدلالة على المعنى بحيث تقدم أدنى المتربة على أعلاها عند التعارض.
(راجع: الدريني، المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي، المرجع السابق، ص ٥٩ وما بعدها)
٢٨
الباب الثاني
الترجيح المقاصدي بين النصوص المتعارضة
عمد الباب الثاني من هذه الدراسة إلى تنزيل النظرية في الواقع، وأن وظيفة هذا الباب
تتراءى في إجراء الترجيح المقاصدي في ميدان النصوص الشرعية التي ظهر تعارضها، وكأ ّ ن
الحديث عن موضوع الدراسة في الصفحات السالفة يلتبس عليه الغموض لعدم إرجاعه إلى
البعد العملي، وهو كذلك كلام يرى أنه لا يقوم على السطح الملموس أو الفضاء المحسوس
لإطلاقه من قيود التطبيقات التوضيحية، وصياغة هذا الباب عقب هذه الحالة ملائمة في
إبراز النظرية والمفهوم والمنهج المستنتج في المنحى الفقهي بحيث يسير على مسيرة تدرك
فيها آثارها وثمراا، ونرى أن ثمة ضرورة الإشارة إلى فكرتين اللتين تعيناننا في فهم عملية
هذا التنزيل، وهما يمثلان مبحثين في هذا الباب، فالمبحث الأول يعالج فضية العلاقة بين
الترجيح والمقاصد حيث به نتعرف على أن عملية الترجيح تراعي مقاصد الشرع،
والمبحث الثاني يعتني بأوجه التراجيح المقاصدية في النصوص آخذا بأعلى عنصر المقاصد
وهو جلب المنافع ودرء المفاسد فأدناها فأدناها، والباب يهدف بمبحثيه إلى توظيف
الترجيح المقاصدي في النصوص الشرعية المتعارضة.
٢٩
المبحث الأول:
الترجيح ومقاصد الشرع
إن القصد من وضع هذا المبحث هو إيضاح التداخل والتشابك بين الترجيح ومقاصد
الشرع، وهو نقطة مررنا ا أثناء حديثنا عن التعريف بمصطلح الترجيح المقاصدي مرورا
كراما ولم نكن مهتمين ا لعدم التناسب بين المقال والمقام، ونعمد الآن إلى التماسها نظرا
لأهميتها في تنزيل الترجيح المقاصدي على النصوص المتعارضة، والغاية التي ترجي ورائه
هي علم بالترجيح والمقاصد يلتقيان في بعض الحالات، وأن الإقدام على عملية الترجيح
بين النصوص لها حظ في اعتبار مقاصد الشرع.
وقد يطرح السؤال عن مدى صلاحية فكرة الترجيح المقاصدي في درء التعارض
بين النصوص، ويبدو أن الترجيح والمقاصد موضوعان متباينان بحيث لا يمكن التوافق
والتلاؤم بينهما، لأن الترجيح يعمل في الجانب الخارجي للنصوص وأما المقاصد تعمل في
الجانب المعنوي لها، وتكون الفكرة التي هي أساس هذه الدراسة لم تع  د معتبرة عند فن
أصول الفقه ولا هي موجودة، وكأن الجهد الذي يبذل في تأسيسها وتأطيرها وتوسيعها
تافه ولا يؤول إلى الجدوى، ولأا جمع بين الض  دين فهو محال عقلا وشرعا. وهذا السؤال
الصادر ممن يستعجل نظره في هذه الفكرة سنجيبه بحول الله تعالى في صفحات آتية.
المقارنة بين الترجيح ومقاصد الشرع:
الأمر الأول الذي سنجعله ما يتسنى لإجابة السؤال الذي أثير من قبل هو دراسة المقارنة
بين الترجيح والمقاصد من حيث ا نتعرف على جوانب التساوي وجوانب التغاير بينهما،
ولأن بجوانب التساوي بينهما ندرك الحالات والمواقع التي فيها يلتقي مفهوم الترجيح مع
مفهوم المقاصد، وننطلق من هذه الإدراك إلى وضع ما يراعي هذا الالتقاء من عمليات
ونظريات، ومن ضمنها فكرة الترجيح المقاصدي الذي بين أيدينا، وبجوانب التغاير بينهما
نعلم الحالات والمواقع التي فيها يتصادم مفهوم الترجيح مع مفهوم المقاصد، وننطلق من
هذا العلم إلى صياغة ما يراعي هذا التصادم بحيث لا يتكن فيه من الجمع بينهما ويكون
السعي إليه مصيره إلى عبث وسدى.
٣٠
ومعيارنا في اعتبار التساوي والتغاير بين الترجيح والمقاصد هو مفهوماهما اللذان
أخذنا ما في الباب السابق، ولا نقف على مفردات التعريف لهما لأن فيه تضييق لآفاقهما
وتضئيل لوظيفتهما، ولأن التعريف قضية لفظية لغوية التي دف إلى تعبير ما يفهم في
عموم نظريته ومفهومه إلى ما يفهم في خصوص كلماته ومفرداته، ١ وبالمفهوم اتسع اال
للخوض في هذا العمل.
جوانب التساوي بين الترجيح والمقاصد:
ولع ّ ل يسأل سائل عن سبب تقديم جوانب التساوي على جوانب التغاير في دراستنا هذه،
ونجيب بأن موضوع هذه الدراسة تقتضي ذلك أي قولنا بالترجيح المقاصدي يومئ إلى أن
هناك ترادفا وطيدا بينهما وإلا لما يصلح إطلاق هذا المصطلح على أن يكون مصطلحا
علميا، وذلك يتطلب تقديمه على جوانب التباين بينهما، ولأن العكس يقضي عليه.
ومن أجل توضيح المراد نعرض هذه الجوانب في التقسيم بحيث ندرس كل واحد
منها جانبا تلو آخر، وهي كما يأتي:
١) العمل ما معتبر عند الجمهور – وقد ذهب جمهور الأصوليين والفقهاء والمحدثين من )
المذاهب الأربعة وغيرها إلى العمل بالترجيح والمقاصد في أصلهما إلا أن الخلاف بينهم
يظهر في التفاصيل، وأم اتفقوا على أن الأخذ بالترجيح مشروعا عند وجود التعارض في
النصوص، مع أم اختلفوا في رتبة الترجيح من بين مسالك درء التعارض، والأكثرية
ذهبوا إلى وضع الترجيح في الرتبة الثانية بعد الجمع، ٢ والحنفية ذهبوا إلى وضعه في الرتبة
الثانية كذلك بعد النسخ، ٣ والمحدثون ذهبوا إلى وضعه في الرتبة الثالثة بعد الجمع والنسخ. ٤
١ نق ً لا من البحث الذي كتبه الباحث مع باحث آخر لتكميل متطلبات المادة الدراسية مقاصد الشريعة والاجتهاد في
الجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا، سنة ٢٠٠١ م، وعنوانه "نظرية المقاصد عند الإمام الآمدي، دراسة في المنهج
التطبيقي للمقاصد"، وهو محفوظ عند الباحث، ص ٢١
٢ الزركشي، تشنيف المسامع، المصدر السابق، ج ٣ ص ٤٩٥ وما بعدها| إسماعيل، ذيب شرح الإسنوي،
المرجع السابق، ج ٣ ص ٢١٤ | ولي الدين أبو زرعة العراقي، الغيث الهامع شرح جمع الجوامع، تحقيق: مكتبة
قرطبة (القاهرة: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، ط- ٢٠٠٠ ،١ م) ج ٣ ص ٨٣٦
٣ راجع: السرخسي، أصول السرخسي، المصدر السابق، ج ٢ ص ١٤ وما بعدها
٤ محمد عجاج الخطيب، أصول الحديث علومه ومصطلحه، (بيروت: دار الفكر، ١٩٨٩ م) ص ٢٨٨
٣١
وأم كذلك اتفقوا على اعتبار المقاصد في الشرع، وذلك يستنبط من تصريحام الأصولية
ومن تطبيقام الفقهية، وهو ظاهر عند المذاهب الثلاثة وعلى رأسهم المالكية، وتداولهم
بالمقاصد أصولا وفروعا شهدت عليه مؤلفام، والأحناف مع أم برعوا في الاستحسان
والتعليل وسعة التعامل مع الفروع لم يكونوا على هذا الوضوح في الموقف ٥ إلا متأخرهم
من بعد الشاطبي رحمه الله كصاحب "التحرير" الذي أشار فيه إلى مراتب المقاصد الثلاث
والضروريات الخمس، ٦ وهذا لا يعني أن متقدمي الأحناف أهملوا مفهوم المقاصد في
تطبيقام الفقهية. وبالجملة أن جمهور العلماء اعتبروا العمل بالترجيح والمقاصد.
٢) وأما يعالجان العنصر الداخلي للنص – وأن الترجيح من كيفياته النظر في داخل )
النصوص من دلالاا على المعاني وكيفيات هذه الدلالة، وهو كما رأينا سابقا بأن تعارض
الآيات القرآنية يقع في دلالات ألفاظها على المعاني وهذا الذي اهتم به الأصوليين كثيرا
عندما تعرضوا لمبحث الدلالة في الكتاب، وبدءا من تقسيمهم لدرجات الدلالة قصدوا منه
ترجيح ما هو أعلاها على أدناها، والدلالة جانب داخلي للنص. ٧ ومقاصد الشرع تكون
عنصرا داخليا للنص في كوا المعاني وا  لح َ كم، ٨ والمعنى جانب داخلي للنص كذلك.
٣) وأما عملية اجتهادية التي تقوم على أدوات وآلات – والترجيح تقديم دليل على )
دليل لوجود مزية في المق  دم، والنظر الاجتهادي ٩ فيه يكمن في التقديم نفسه بحيث إنه

٥ الريسوني، نظرية المقاصد، المرجع السابق، ص ٤٩
٦ ابن أمير الحاج الحلبي، التقرير والتحبير على التحرير في أصول الفقه، ضبط: عبد الله محمود محمد عمر (بيروت:
دار الكتب العلمية، ط- ١٩٩٩ ،١ م) ج ٣ ص ١٨٣
٧ والدلالة في المنطق تعني فهم أمر من أمر كفهمنا الجرم المعهود من لفظ السماء، فلفظ السماء يسمى دالا والجرم
المعهود مدلولا، انظر: أحمد الدمنهوري، إيضاح المبهم من معاني السلم شرح سلم المنطق، ويليه شرح العلامة
الأخضر على سلم المنطق، (سنقافورا: مكاتب سليمان مرعي، د.ت) ص ٦، أي وهي المعنى الذي يوصل الدال إلى
المدلول، وكونه معنى للفظ أو النص يجعله داخلا فيه.
٨ وتكون عنصرا خارجيا للنص عند اعتبارها الأهداف والغايات، انظر: يوسف حامد العالم، المقاصد العامة
للشريعة الإسلامية، (هيرندن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط- ١٩٩١ ،١ م) ص ٧٩
٩ ونعني بالنظر الاجتهادي هنا أن اتهد يرى التعارض في أمر ما والآخر لا يرى ذلك، وهذا لأن اختلف منهجهما
في الاجتهاد، ويكون التعارض عندهما نسبي اجتهادي، ومثل هذا قول الحنفية بحصول التعارض بين العام والخاص
لقطعية دلالتهما، والجمهور لا يقول بذلك، راجع: مصطفى سعيد الخن، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في
اختلاف الفقهاء (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط- ٢٠٠٠ ،٢ م) ص ٢١٥ وما بعدها
٣٢
يلاحظ ما يقتضيه من التعارض، وكذلك في البحث عن المزية أو الفضل في أحد
المتعارضين، واتهد يتمسك بما وضعه من قواعد وضوابط في اعتبار مزية من المزايا.
والمقاصد التي هي معاني النصوص و  ح َ كمها لا تستغني من الاجتهاد كذلك، وهو
الاستقراء والتتبع والتقصي، ١٠ وإذا كانت عامة أا تستخلص من النظر الاستقرائي لجميع
النصوص، وإذا كانت خاصة أا تستنبط من مفهوم نص واحد أو نصوص متعددة في
موضوع واحد. فإذًا، أن الترجيح والمقاصد يدخل إليهما الاجتهاد، ولكن الاجتهاد فيهما
لا يستلزم النسبية إطلاقًا، بل حالات دون حالات أخرى ومواضع دون مواضع أخرى.
وهذا مما توصلنا إليه من جوانب التساوي بين الترجيح والمقاصد، ويبدو في
النقطتين الأخيرتين منها مقتضى الفكرة الذي تبنى عليه هذه الدراسة في الترجيح
المقاصدي، وما ازداد الوضوح في مرادنا ذا المصطلح الأساس.
جوانب التغاير بين الترجيح والمقاصد:
وابتغاءً لتوازن هذه المقارنة نذكر هنا جوانب التغاير بين الترجيح والمقاصد بعد أن لفتنا
النظر في جوانب التساوي بينهما، والحديث عنها واسع ذو امتداد مط  ول لظهور الفرق
والخلاف، ونقتطف منه بعض الجوانب التي نتمكن به من القول بتغايرهما، ونجعلها في
النقاط الآتية:
١) التباين في سبب الوجود – وذهب جمهور الأصوليين إلى أن التعارض سبب لوجود )
الترجيح، ١١ ويفهم منه بأن الترجيح من آثار التعارض وهو سبب له، وحكم وجود
الترجيح تعلقًا بغيره، لأن القول بالترجيح بين الأدلة لكوا متعارضة، واللجوء إلى الترجيح
من أجل درء هذا التعارض. وأما المقاصد فخلاف ذلك، لأن وجودها متوقف على ما د ّ ل
عليه النص والخطاب مما يصلح اعتباره عند المعرفة بحدود الشرع وآفاقه. وإذا كان صلة
الترجيح بالتعارض تتمثل في مفهوم الأثر، فصلة المقاصد بالنصوص تتمثل في مفهوم المعنى
والحكمة والمصلحة.
١٠ ابن عاشور، مقاصد الشريعة، المصدر السابق، ص ١٢٥ | الشاطبي، الموافقات، المصدر السابق، ج ١ ص ١٦
١١ اتفاقهم على هذا مستنبط من تعريفام للترجيح حيث ذكروا فيها قيد التعارض، وقد ر  جح البرزنجي رحمه الله
هذا الرأي بعد الدراسة والمناقشة، راجع: البرزنجي، التعارض والترجيح، المرجع السابق، ج ١ ص ٩٧ وما بعدها
٣٣
٢) التباين في موضع الإعمال – إن الترجيح كما يعمل في دفع التعارض بين النصوص )
الشرعية كذلك في الاجتهادات والأقوال، وقد ثبت عند الأصوليين الأخذ بالترجيح عندما
تصدوا للتعارض بين الأقوال من مجتهد واحد التي لا يمكن جمعها، وهو إما بترجيح المتأخر
من الأقوال إن علم التاريخ، وإما بجمعها إن لم يعلم بأن يريد التخيير، وإما أن يقترن أحد
قوليه ما يرجحه على الآخر أو غيرها. ١٢ وأما المقاصد لا تعمل إلا في النصوص الشرعية
من الكتاب والسنة، وهذا بفهم مدلولاا استقراءً واستدلا ً لا، وهي بكوا صادرة من
الشارع الحكيم الخبير لا يسوغ اتصافها بالعبث والسدى في دلالتها على الحكم ودلالتها
على المعنى، ١٣ وليس كذلك كلام البشر مهما بلغ من العلم والاجتهاد.
٣) التباين في إفادة الحكم – والترجيح بين المتعارضين يفيد تقسيمهما إلى الراجح )
والمرجوح، ويكون العمل بالراجح واجب عند القائم بترجيحه ١٤ ويحرم عليه العمل
بالمرجوح إلا أن تعين له ما يقتضي تغيير اجتهاده. والمقاصد التي تجري في النصوص لا
تفيد حكما شرعيا من حيث إا دالة على ذلك، بل واعتبارها مفهوما شرعيا الذي يتعامل
مع المعاني في جهة ومع الغايات في جهة أخرى، وشتان.
فهذه النقاط الثلاثة ١٥ أومأت إلى بعض المناحي التي فيها يتميز الترجيح من
المقاصد، وهي تو ّ طد ما جرى من حديثنا عن دراسة المقارنة بينهما في هذا اال.
١٢ الزركشي، بدر الدين محمد بن ادر بن عبد الله، البحر المحيط في أصول الفقه، تحقيق: لجنة من علماء الأزهر،
(مصر: دار الكتبى، ط- ١٩٩٤ ،١ م) ج ٨ ص ١٣١ وما بعدها| فخر الرازي، المحصول، المصدر السابق، ج ٢
ص ٣٨٥ وما بعدها| البرزنجي، التعارض والترجيح، المرجع السابق، ج ٢ ص ٣٢٤ وما بعدها| الحفناوي،
التعارض والترجيح، المرجع السابق، ص ٨٢ وما بعدها
١٣ لأن النصوص تنص على الحكم بطريقي المباني والمعاني، وفي المباني النظر في ألفاظها وعباراا وفي المعاني النظر في
دلالاا وإشاراا، ولذلك وضع الشاطبي رحمه الله ما يعتني باللغة العربية في فهم المقاصد، راجع: الشاطبي،
الموافقات، ج ٢ ص ٤٩ وما بعدها| الريسوني، نظرية المقاصد، ص ١٢٩ |ابن عاشور، مقاصد الشريعة، ص
١٣٥ ، والاجتهادات لا تكون في مثل هذه الدرجة من الاعتبار والاتعاظ.
| ١٤ الآمدي، الإحكام، المصدر السابق، ج ٤ ص ٢٤٦ |الشوكاني، إرشاد الفحول، المصدر السابق، ص ٤٥٤
البرزنجي، التعارض والترجيح، المرجح السابق، ج ٢ ص ١٥٠
١٥ وهناك جوانب أخرى التي يخالف فيها الترجيح المقاصد نحو مدى احتياج اتهد إليهما والقطع والظن فيهما
وتفاوت النظر في الأدلة فيهما وغيرها، ونكتفي ذه الثلاثة لتمثيل صورة التباين بين الترجيح والمقاصد.
٣٤
القيم المقاصدية في إعمال الترجيح:
وما سبقنا من كلام على توصيل الترجيح إلى الإطار المقاصدي يفتقر إلى إيضاح بعض
القيم التي تعتبرها مقاصد الشرع في إعمال الترجيح عند الوقوف على التعارض، فنرى أن
هذا المقام لائق للحديث عنها وهو على إثر دراسة المقارنة بين الترجيح والمقاصد.
وإذًا، ّ همنا هنا سرد كل ما يتعلق بالترجيح مع ذكر قيمة من القيم المقاصدية التي
يمكن فهمها فيه، وهي تتمثل عمومًا في المصالح المعتبرة عند الشرع وما يقصده الشارع من
خطاباته ونصوصه وأحكامه، وذلك في ما يأتي:
أولا: درء التعارض: ونعلم بأن الترجيح مسبوق بحصول التعارض وهو يكون
دارئا له، ويتبين لنا ضرورة الإقدام على إزالة التعارض بكل طريقة والترجيح من ضمنها.
وعين الاعتبار تلاحظ طرفا من مفهوم مقاصد الشرع في هذا، ولأن وقوع التعارض في
الأدلة تكّلف على المكلفين وهم مخاطبون بأحكام من هذه الأدلة المتعارضة، بل وتجعلهم
مكلفين بمحال وبما لا يطاق بحيث لا يقدرون على القيام باقتضائها، ومعنى التكلف
بمحال هنا عدم جواز اللجوء إلى أي مبر  ر منه، ففي العمل بكلها محال لعجز الجمع بين
الأضداد، وفي العمل بإحداها محال لاحتياجه إلى حجة، وفي العدول عنها محال لإثبات
السدى. وهذا من الأمور التي تراعيها مقاصد الشرع، ١٦ وحفظًا لهذا المعنى المقاصدي
وضع العلماء مسالك درء التعارض والترجيح منها، فالترجيح يتجه إلى محافظة على مقصد
من مقاصد الشرع.
ثانيا: الترجيح وإعمال الدليل: والوحي السماوي الذي يتمثل في النصوص أنزله
الشارع من أجل العمل بمقتضياا والطاعة على أحكامها، ١٧ وفي التعارض الذي يحتاج إلى
١٦ وقد ذكر الشاطبي رحمه الله في النوع الثالث من تقسيمه لقصد الشارع، وتحدث فيه عن أن شرط التكليف أو
سببه القدرة على المكلف به، راجع: الشاطبي، الموافقات، المصدر السابق، ج ٢ ص ٨٢ ، وبناء على هذا أن
التكليف عند التعارض ينافي هذا القصد، لأنه تكليف بما لا يطاق.
١٧ من مقاصد الوحي العمل به لأنه ينزل من عند الله تعالى لهداية البشر، وكونه مقصدا من مقاصد الشرع أنه
منبع أساس للدين ويكون الحفاظ عليه حفاظ على الدين، وحفظ الدين من الضروريات الخمس التي اعتبره الشرع،
انظر: الشاطبي، الموافقات، المصدر السابق، ج ٢ ص ٨| يوسف العالم، المقاصد العامة، المرجع السابق، ص ٢٢٦
٣٥
ما يدفعه إبطال لهذا القصد من إنزال الوحي. وللترجيح الذي يأتي بعد الجمع وقبل النسخ
أثر في مراعاة هذا المقصد، وإذا كان التعارض يمكن درئه بالجمع فبه يؤخذ، لأن فيه العمل
بجميع المتعارضين، وتحقيق مقصد النص فيه كامل بدون التغافل عن أحد منها، ١٨ وإذا لم
يمكن الجمع فيه فيدفع بالترجيح، وفيه تقديم أحد منها لوجود ما يميزه من غيره، وفيه
العمل بالراجح وإهمال المرجوح، وتحقيق مقصد النص فيه غير كامل لهذا الإهمال ومع
جواز اعتبار المرجوح والعمل به، ١٩ وإذا لم يمكن الترجيح فيه فيدرأ بالنسخ شريطة العلم
بتاريخ النص، ويكون تحقيق مقصد النص فيه ناقصا لإبطال نص بتأ  خر غيره. وإن اعتبار
العمل بالنص في الترجيح أوفر من النسخ مع أما يفيدان الأخذ بنص واحد راجحا أو
ناسخا، ولكن مراعاة مقصد النص في الترجيح أبين وأسلم من النسخ نظرا لإمكانية العمل
ببقية النصوص المرجوحة دون المنسوخة.
ثالثا: الترجيح والنظر الكلي: يتطلب القيام بالترجيح إلى النظر الكلي في كل ما
يدل على دلالة التي أفادت التعارض، أي أن اتهد لم يجرؤ إلى التحكيم بالنص بدون
اعتبار ما يعارضه من النصوص الأخرى التي يعلمها هو أو يشير إليها مخالفه، ونظره في
جميع هذه النصوص المتعارضة دلالة أو ثبوتا كليًا بحيث تتسع له الفرصة لجمعها أو
ترجيحها أو نسخها أو إسقاطها وفق منهجه في الترتيب. والنظر الكلي يراعي مفهوم
مقاصد الشرع الذي ينتهج مسلك الاستقراء وتتبع الجزئيات ٢٠ للوصول إلى أمر كلي
الذي يجمع معاني تلك الجزئيات، وهو في الترجيح يكمن في أنه تقصي النصوص المتعارضة
باحثا عن ترادف المعاني وتفاوا، ويبني على هذا التفاوت تقديم نص على آخر.
١٨ أي لا يهمل أحد من النصوص المتعارضة من حيث دلالته الكلية وقد يهمل من حيث دلالته الجزئية، لأن في
الجمع يلجأ اتهد إلى التأويل، وفي التأويل صرف المعنى دون اللفظ، وفي صرف المعنى إهمال لدلالته الجزئية مع إبقاء
| دلالته الكلية في اللفظ، راجع تعريف التأويل ومفهومه في: الغزالي، المستصفى، المصدر السابق، ج ١ ص ٢٤٥
الآمدي، الإحكام، المصدر السابق، ج ٣ ص ٥٩ | الدريني، المناهج الأصولية، المرجع السابق، ص ١٦٧ ، العمل
بجميع دلالات المتعارضين في الجمع يكون في المعنى الجامع لها كليا.
١٩ وقد ذكر الآمدي رحمه الله جواز العمل بالدليل المرجوح، انظر: الآمدي، الإحكام، المصدر السابق، ج ٤ ص
٢٤٧ | البرزنجي، التعارض والترجيح، المرجع السابق، ج ١ ص ٩٦ ، وقد يقصد منه التفريق بين المرجوح
والمنسوخ بحيث للمرجوح قابلية للاعتبار والنظر حينا لاحقا بعد الترجيح بخلاف المنسوخ.
٢٠ ابن عاشور، مقاصد الشريعة، المصدر السابق، ص ١٢٥
٣٦
المبحث الثاني:
وجوه الترجيح المقاصدي بين النصوص المتعارضة
وهذا المبحث يمثل محورا تطبيقيا لدراستنا في ترجيح النص على النص المبني على مفهوم
مقاصد الشرع الإسلامي، وهو يأتي بعد الخوض في أبجديات هذه العملية وأساسياا وبعد
فهم آفاقها ومداراا في المباحث الماضية.
والحديث عن موضوع الترجيح لا يتجلى واضحًا في الأذهان لتوقفه على تأطيره
إطارًا نظريا خاليا من الجانب التنزيلي، ونرى ثمة حاجة لهذه الدراسة إلى إلقائها في
الميدان الفقهي العملي بغية إيضاحها أكثر وضوحا، وهذا الذي يدفعنا إلى صياغة هذه
المبحث في اية الدراسة، وشأنه كشأن متتم لما سبق ومكمله لنقصانه من ناحية العلم به.
وقولنا بأن الترجيح المقاصدي له وجوه في درء التعارض الظاهر بين النصوص
يومئ إلى أنه مفهوم واسع بحيث تع  دد فيه مسالكه وطرقه، بل وجوه الترجيح القائم على
المقاصد عبارة عن جزء صغير من أوجه التراجيح الأخرى، وهذا يشير إلى سعة الجهد
المبذول من قبل اتهدين في إيجاد ما يدفع التعارض في الشرع. ونحن في هذا الجزء من
الوجوه سنقوم بدراستها وجها بعد وجه مع ذكر لكل منها مثال تطبيقي فقهي، ويكون
اهتمامنا أوفر بإجراء الترجيح المقاصدي على النصوص المتعارضة التي تتخذ كسبب من
أسباب الخلاف بين المذاهب الفقهية.
والأصوليون أقروا ذا حين تعرضوا لإعمال المقاصد في دفع التعارض بين
النصوص، ورأوا أن التفاوت في معاني النصوص يقتضي صلاحية الترجيح بينها حسب هذا
التفاوت، وقد مرت بنا الإشارة إلى تناولهم بالترجيح ٢١ في معاني النصوص، وهو يدور
حول المناسبات والعلل والحكم والمصالح، وما هذه كلها إلا من معاني النصوص. ولذا،
تقسيمنا هنا في وجوه الترجيح المقاصدي منحصر في هذا الجانب وهو مما أخذ به العلماء
سلفا وخلفا بأسماء متغايرة.
٢١ انظر إلى صفحة ١٣ وما بعدها
٣٧
وكاد أن يتفق العلماء على أن مقاصد الشرع متوقف على أمور ثلاثة، وهي:
جلب المصلحة ودفع المفسدة، ومراتب المصالح الثلاث من الضروريات والحاجيات
والتحسينيات، والضروريات الخمس من حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل، إلا
أن ابن عاشور رحمه الله زاد عليها بأمور أخرى كالفطرة والسماحة والمساواة والرخصة
والحرية، ٢٢ ونسلك على اعتبار تلك الثلاثة التي ّ تم الاتفاق عليه.
أ  و ً لا: جلب المنفعة ودفع المفسدة
وهو رمز أساسي في مقاصد الشرع الإسلامي بحيث إن أحكام الشرع كلها تؤول
إلى جلب المنافع ودفع المفاسد، ٢٣ والمصلحة عبارة عن الأثر المترتب على الفعل بمقتضى
الضوابط الشرعية التي ترمي إلى تحقيق مقصود الشارع من التشريع جلبا لسعادة
الدارين، ٢٤ والمفسدة خلاف ذلك وهي عبارة عن عبارة عن الأثر المترتب على الفعل
بمقتضى الضوابط الشرعية التي ترمي إلى تفويت مقصود الشارع من التشريع دفعا لسعادة
الدارين، ووجوه الترجيح في هذا العنصر المقاصدي كالآتي: ٢٥
١) إذا تعارض نصان وأحدهما يفيد جلب المنفعة والثاني يفيد دفع المفسدة، فير  جح النص )
الدافع عن المفسدة على النص الجالب للمصلحة، ٢٦
٢) إذا تعرضان نصان وكلاهما يفيدان جلب المصلحة أو دفع المفسدة إلا أن الأول )
مصلحته أو مفسدته أعلى وأكبر من الثاني فيرجح الأول على الثاني،
٢٢ ابن عاشور، مقاصد الشريعة، المصدر السابق، ص ١٧٧ وما بعدها
٢٣ العز، قواعد الأحكام، المصدر السابق، ج ١ ص ١١
٢٤ يوسف حامد العالم، المقاصد العامة، المرجع السابق، ص ١٤٠
٢٥ الغزالي، المستصفى، المصدر السابق، ج ١ ص ٢٢٢ | العز، قواعد الأحكام، المصدر السابق، ج ١ ص ٥ و ٤٢
وما بعدها |الزركشي، البحر المحيط، المصدر السابق، ج ٨ ص ٢١٨ | ابن الحاجب، منتهى الوصول والأمل،
المصدر السابق، ص ٢٢٧ |شعبان محمد إسماعيل، ذيب شرح الأسنوي، المصدر السابق، ج ٣ ص ٢٣٩
٢٦ ترجيح المفسدة على المصلحة عند الأصوليين لم يكن معتبرا بإطلاقه، والشاطبي رحمه الله جعل قيدا لهذا الترجيح
وهو أن يكون حصول التعارض بين المصلحة والمفسدة في حكم الاعتياد، (راجع: الشاطبي، الموافقات، المصدر
( السابق، ج ٢ ص ٢١ )، و(راجع كذلك: العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام، المصدر السابق، ج ١ ص ٥
٣٨
٣) إذا تعارض نصان وأحدهما يفيد جلب المنفعة الدنيوية والثاني يفيد جلب المنفعة )
الأخروية ٢٧ فيرجح الثاني على الأول، وإذا تعارض نصان وأحدهما يفيد دفع المفسدة
الدنيوية والثاني يفيد دفع المفسدة الأخروية فيرجح الثاني على الأول، وإذا تعارض نصان
وأحدهما يفيد جلب المنفعة الدنيوية والثاني يفيد دفع المفسدة الأخروية فيرجح الثاني على
الأول، وإذا تعارض نصان وأحدهما دفع المفسدة الدنيوية والثاني يفيد جلب المنفعة
الأخروية فيرجح الثاني على الأول،
٤) إذا تعارض نصان وكلاهما يفيدان جلب المصلحة أو دفع المفسدة إلا أن الأول )
مصلحته أو مفسدته عامة والثاني مصلحته أو مفسدته خاصة فيرجح الأول على الثاني،
٥) إذا تعارض نصان وأحدهما يفيد جلب المصلحة الآجلة أو دفع المفسدة الآجلة والثاني )
يفيد جلب المصلحة العاجلة أو دفع المفسدة العاجلة فيرجح الثاني على الأول،
أنموذج تطبيقي فقهي:
ونقتطف زهرة من بستان الخلاف الفقهي بين الفقهاء لنطبق قاعدة من هذه القواعد
المقاصدية عليها، ولنرى مدى صلاحية توظيف المقاصد في ترجيح النصوص الشرعية التي
تتخذ مثيرا لتغاير الأنظار والآراء، وهي مسألة التي لم يزل الحديث عنها عند الإشارة إلى
الخلاف الفقهي بين الفقهاء.
وقضية الولاية في النكاح قديمة قدم التأريخ الفقهي، ومنذ أن تعرف المسلمون على
مفهوم التعارض بين النصوص الشرعية وقفوا على هذه المسألة، وتفرقوا إلى موقفين؛ بين
القول بوجوا وبين القول بعدم وجوا، وكل فريق بنى وجهات نظرهم على أساس
الخلاف وهو تعارض النصوص في هذه المسألة، وإليك موجز الكلام على إمكانية مفهوم
المقاصد في حل هذه المشكلة وفق المنظور السليم المسّلم.
٢٧ وأن المنفعة أو المصلحة قد تكون إما دنيوية وإما أخروية، وقد تكون كذلك دنيوية وأخروية في الوقت نفسه،
وهذا النوع يراد به المصالح التي يحصل ا منفعة للناس في دنياهم وآخرم معًا، مثال ذلك: إيجاب الكفارات، فهي
محصلة للرجز عن الأفعال التي وجبت الكفارة من أجلها، مع أن فيها تكفيرًا للذنوب وتلافيا للتقصير الذي حصل
من المكلف نتيجة لتلك الأفعال، عبد الحكيم عبد الرحمن أسعد السعدي، مباحث العلة في القياس عند الأصوليين،
( (بيروت: دار البشائر الإسلامية، ط- ٢٠٠٠ ،٢ م) ص ٣١٨
٣٩
ومن ضمن أدلتهم هناك حديثان متعارضان بحيث احتج بواحد منهما كل فريق
فيحصل الخلاف الناشئ من هذا التعارض، والحديث الأول هو "أيما امرأة نكحت بغير
إذن وليها فنكاحها باطل"، ٢٨ واستدل به الجمهور القائلون بوجوب الولاية في النكاح،
والحديث الثاني هو "الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر في نفسها وإذا
سكوا"، ٢٩ واستدل به الحنفية القائلون بعدم وجوب الولاية في النكاح، ٣٠ ومحل التعارض
في هذين الحديثين هو حكم اشتراط إذن الولي في نكاح المرأة البالغة العاقلة، بحيث يدل
الأول على وجوب هذا الشرط ويدل الثاني على عدم وجوبه، لأن الأول يفيد بصريح
الدلالة على بطلان النكاح بغير إذن وليها دون تخصيص أو تمييز، ٣١ وأما الثاني يفيد أن
للمرأة من الحق في أمر تزويج نفسها فوق ما لوليها من ذلك الحق. ٣٢
وقد عمد كلا الفريقين إلى إعمال مسالك درء هذا التعارض في هذه القضية، وقد
لجئوا إلى الجمع تارة ٣٣ والى الترجيح تارة أخرى ٣٤ بعد العجز من الجمع، ولكن الواقع
الفقهي يشهد بأن هذين الرأيين لم يزالا معمولين ما حيث إن الرأي الأول يمثل مذهب
الجمهور ومن وافقهم والرأي الثاني يمثل مذهب الحنفية ومن وافقهم، ومهمتنا في هذا
٢٨ أخرجه الأربعة إلا النسائي، وصححه أبو عوانة وابن حبان والحاكم، (انظر: الصنعاني، سبل السلام، المصدر
( السابق، ج ٣ ص ١٨٦
( ٢٩ رواه مسلم، (انظر: المصدر نفسه، ج ٣ ص ١٨٨
٣٠ ابن رشد، بداية اتهد، المصدر السابق، ج ٢ ص ١١ |محمد عقلة، دراسات في الفقه المقارن، (عمان: مكتبة
الرسالة الحديثة، ط- ١٩٨٣ ،١ م) ص ١٣٨ |علي حسب الله، الزواج في الشريعة الإسلامية، (مصر: دار ر
النيل للطباعة، د.ت) ص ١٢٨ وما بعدها
٣١ محمد عقلة، دراسات في الفقه المقارن، المرجع السابق، ص ١٤٥
٣٢ المرجع نفسه، ص ١٤١
٣٣ وقد جمع الإمام أبو حنيفة رحمه الله وأصحابه بين الحديثين بحمل امرأة في الأول على الأمة فيكون المعنى أن نكاح
الأمة نفسها باطل ونكاح الحرة نفسها جائز، ولم يقبل الجمهور هذا الجمع، وقد رد الغزالي رحمه الله على هذا
( التأويل البعيد، (راجع: البرزنجي، التعارض والترجيح، ج ١ ص ٢٣٠
٣٤ وقد درئ هذا التعارض بمسلك الترجيح بكون اللفظ مؤكدا، حيث يرجح أحد الخبرين المتعارضين على معارضه
إذا كان لفظه مؤكدا لعدم احتمال التأويل فيه، وفي رواية أخرى أن الحديث الأول ورد مؤكدا بتكرار لفظ
فنكاحها باطل ثلاث مرات، فيرجح على الثاني، (انظر: البرزنجي، المصدر نفسه، ج ٢ ص ١٩٩ وما بعدها)
٤٠
المقام إعمال إحدى القواعد المقاصدية المبنية على جلب المصلحة ودفع المفسدة الآنفة
الذكر، ولم نجرؤ إلى الجمع بينهما لورطة التأويل وبعده.
وإذا لفتنا النظر المقاصدي إلى هذين الحديثين نجد أن في أحدهما جلب المصلحة
وفي الآخر دفع المفسدة، ففي الحديث الأول الذي يشترط إذن الولي دفع المفسدة، وهي
سوء اختيار الزوج لأن المرأة قليلة الاختبار سريعة التأثر والانخداع ويغريها الثناء وزخرف
القول ويغلبها الهوى والرغبة في المتعة العاجلة فتخضع لحكم العاطفة ولا يمتد نظرها إلى
المستقبل، وهي تحتاج إلى من يعرف أحوال الرجال لكيلا تقع في هذه المفسدة، وفي
الحديث الثاني الذي لم يشترط إذن الولي جلب المصلحة، وهي الحرية في التصرف لأن
المرأة كما هي حرة في التصرف في مالها وكذلك في التصرف في نفسها، وعدم منع هذا
الحق مصلحة لها، وهي كذلك تختص بما يترتب على زواجها من منافع كالمهر
والاستمتاع، وهي لا تحتاج إلى الولي في هذه الحالة. ٣٥
وقد مرت بنا القاعدة الأولى من زمرة القواعد المقاصدية السابقة التي تومئ إلى أن
النص الدافع عن المفسدة مقدم على النص الجالب للمصلحة لأن الشرع يعتني أكثر
بالمنهيات التي تفيد دفع المفسدة من المأمورات التي تفيد جلب المصلحة، وأن في دفع
المفسدة جلب المصلحة وليس العكس، فإذا، أن الحكم بوجوب اشتراط الولاية في النكاح
أرجح من الحكم بعدم وجوبه بناء على هذه القاعدة. والله أعلم.
ثانيًا: مراتب المصالح الثلاث
وهذا يندرج تحت الرمز الأساس لمقاصد الشرع في أحد عنصريها وهو جلب المصالح،
ويراد ذه المراتب الثلاث تقسيم المصالح إلى الضروريات والحاجيات والتحسينيات. ٣٦
ومعنى الضروريات هو ما لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت
لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وارج وفوت الحياة، وفي الأخرى فوت
٣٥ علي حسب الله، الزواج في الشريعة الإسلامية، المرجع السابق، ص ١٢٩ |محمد عقلة، دراسات في الفقه
المقارن، المرجع السابق، ص ١٤٢ و ١٤٦
٣٦ وقد يعتبر الجويني رحمه الله أول من أتى ذه الأقسام الثلاثة، وهو أشار إليها عند حديثه عن تقسيمه الخماسي
للعلل والمقاصد الشرعية، (انظر: الريسوني، نظرية المقاصد، المرجع السابق، ص ٣٤ وما بعدها)
٤١
النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين، فالحاجيات أا مفتقر إليها من حيث التوسعة
ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بقوت المطلوب، وأما
التحسينات فمعناها الأخذ بما يليق من محاسن العادات، وتجنب الأحوال المدنسات التي
تأنفها العقول الراجحات، ولكل مرتبة مكملات أو متممات التي إذا فقدت لم تخل
بحكمتها الأصلية، ٣٧ ووجوه الترجيح في هذا العنصر المقاصدي كالآتي: ٣٨
١) إذا تعارض نصان وأحدهما يفيد الحكم الضروري والثاني يفيد الحكم الحاجي أو )
الحكم التحسيني فيرجح الأول على الثاني،
٢) إذا تعارض نصان وأحدهما يفيد الحكم الحاجي والثاني يفيد الحكم التحسيني فيرجح )
الأول على الثاني،
٣) إذا تعارض نصان وأحدهما يفيد الحكم لمكمل الضروري والثاني يفيد الحكم الحاجي )

أو مكمله فيرجح الأول على الثاني،
٤) إذا تعارض نصان وأحدهما يفيد الحكم لمكمل الحاجي والثاني يفيد الحكم التحسيني )
أو مكمله فيرجح الأول على الثاني،
أنموذج تطبيقي فقهي:
والقضية الفقهية التي نجعلها نموذجا تطبيقيا في هذه الزمرة من القواعد المقاصدية هي مسألة
عدة الحامل المتوفى عنها، وقد تفرق كلام الفقهاء قديما وحديثا في هذه المسألة إلى قولين،
والذين  : ولكل قول ما يعضده من مسلك درء التعارض الحاصل بين الآيتين الكريمتين
( البقرة: ٢٣٤ )  يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا
.( الطلاق: ٤ )  وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن  و
٣٧ الشاطبي، الموافقات، المصدر نفسه، ج ٢ ص ٧ وما بعدها
٣٨ فخر الرازي، المحصول، المصدر السابق، ج ٢ ص ٤٢٠ |الآمدي، الإحكام، المصدر السابق، ج ٤ ص ٢٨٦
|ابن الحاجب، منتهى الوصول، المصدر السابق، ص ٢٢٧ |شعبان محمد إسماعيل، ذيب شرح الأسنوي،
المصدر السابق، ج ٣ ص ٢٣٨ وما بعده| الباحث، نظرية المقاصد عن الإمام الآمدي، البحث السابق، ص ٢٩
٤٢
القول الأول الذي يذهب إلى أن عدة المرأة الحامل المتوفى عنها هي أبعد
الأجلين يتمسك بمسلك الجمع بين الآيتين، لأن الآية الأولى تفيد بصريح الدلالة أن
المتوفى عنها حاملا كانت أم غير حامل عدا أربعة أشهر وعشرا، والآية الثانية تفيد
بصريح الدلالة أن المرأة الحامل مطلقة بالوفاة أم مطلقة يغيرها عدا الوضع، فتعارضتا
في عدة الحامل المتوفى عنها بين أن تكون أربعة أشهر وعشرا أو الوضع، وهذا الرأي
القائل بالجمع بينهما يرى أن عدا أبعد الأجلين لأن فيه إعمال لكلي الدليلين، وإذا
كانت المرأة وضعت قبل مضي أربعة أشهر وعشرا فهي تتربص حتى أن تكمل هذه
العدة، وإذا كانت المرأة لم تضع بعد مضي هذه العدة فهي تتربص حتى أن تلد، وفي
كلتي الحالتين عمل للدليلين، وهذا مذهب ابن عباس وعلي رضي الله عنهم. ٣٩
القول الثاني الذي يذهب إلى أن عدة المرأة الحامل المتوفى عنها هي الوضع
يتمسك بمسلك النسخ في إحدى الآيتين، وأن الآية الأولى التي في سورة البقرة
نسخت بالآية الثانية التي في سورة الطلاق، ٤٠ وتكون العدة للحامل المتوفى عنها
الوضع وليست أبعد الأجلين، وهذا مذهب الجمهور وجميع فقهاء الأمصار. ٤١
ونحن نريد أن نلفت النظر المقاصدي في هذه المسألة ونحكم ذا النظر على
مدى مراعاة هذين التوجيهين لمفهوم مقاصد الشرع، وأولا، نتحدث عن إمكانية
الترجيح المقاصدي في هذه المسألة، وثانيا، ننطلق من هذا الترجيح إلى الكلام على
هذين القولين في صلاحيتهما في مراعاة مقاصد الشرع.
النظر المتمعن في الآية الأولى التي تقتضي من المرأة المتوفى عنها زوجها حاملا
كانت أم غير حامل التربص لمدة أربعة أشهر وعشرا تفيد معنى آخر غير براءة الرحم،
لأن إذا قلنا أا تفيد براءة الرحم فقد خالفنا الآية الأخرى التي تنص على أن عدة
٣٩ ابن رشد، بداية اتهد، المصدر السابق، ج ٢ ص ٩٥ |الصنعاني، سبل السلام، المصدر السابق، ج ٣ ص
٣٠٨ وما بعدها
٤٠ سميت سورة الطلاق بسورة النساء القصرى، وذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه: نسخت سورة النساء
القصرى كل عدة وهو يقصد هذه الآية في سورة الطلاق، راجع: الصنعاني، المصدر نفسه، الصفحة نفسها
٤١ ابن رشد، بداية اتهد، المصدر السابق، ج ٢ ص ٩٤
٤٣
المطلقات ثلاثة قروء (البقرة: ٢٢٨ )، إذن، المعنى في هذه الآية هو الوفاء للزوج، وقد
يدخل في هذا المعنى إحداد الزوجة على الزوج الذي أوجبه الشرع، وفي هذا الإحداد
ما يشير إلى أن المراد هنا الوفاء أو الرثاء على الزوج، ٤٢ وهذا يندرج تحت المرتبة
الثالثة في المصالح أي مرتبة التحسينيات لكوا خصلة من خصال محمودة.
والنظر المتفحص في الآية الثانية التي تقتضي من المرأة الحامل المطلقة بالوفاة أم
بغيرها أن تعتد حتى الوضع أو الولادة تفيد معنى استبراء الرحم، لأن الوضع يدل على
أن رحمها بريء من بذور زوجها المتوفى، وقد تحققت فيه علة العدة وهي براءة
الرحم، وهذا كما تعتد المطلقات لثلاثة قروء، وهذا يندرج تحت المرتبة الأولى من
المصالح وهي مرتبة الضروريات التي من ضمنها حفظ النسل.
وبناء على القاعدة الأولى السابقة، نرجح ما يدل على الحكم الضروري على
ما يدل على الحكم التحسيني، فأن القول الثاني في هذه المسألة يرجح على القول
الأول تبعا لهذا الترجيح المقاصدي. وذا نقول أن إعمال مسلك الجمع في هذه
المسألة قد لا يقبل لمصادمته مع هذا المفهوم المقاصدي، وكذلك اللجوء إلى النسخ في
هذه المسألة أمر غير مسلم لإمكانية درء التعارض ذا الترجيح المقاصدي، ومع ذلك
لكلي القولين حظ في إصابة الحق هنا لأن الأول قد عمد إلى الجمع وهو أولى من
الترجيح، وأن الثاني قد استدل بأدلة أخرى قوية في تعضيد رأيه. والله أعلم.
ثالثًا: الضروريات الخمس
وهو يندرج تحت أعلى المراتب الماضية وهي مرتبة الضروريات، ولذا تعرف بالضروريات
الخمس عند الناس وقد تعرف بالأصول الخمس أو المقاصد الخمس، وهي تتصور في خمسة
أمور وهي: الدين والنفس والعقل والنسل والمال، ٤٣ ويكون مفهوم مقاصد الشرع فيها
٤٢ وقد ورد الحديث في هذا الحكم، انظر: الصنعاني، السبل السلام، ج ٣ ص ٣١٢
( ٤٣ وهذا الترتيب على ما وضعه الغزالي رحمه الله، (راجع: الغزالي، المستصفى، المصدر السابق، ج ١ ص ٢١٧
٤٤
بحفظها، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه
الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة. ٤٤
وفي الحفاظ على هذه الضروريات الخمس تقسيم ثنائي وهو: جانب الوجود
وجانب العدم، ويراد بحفظها في جانب الوجود مراعاة ما يقيم أركاا ويثبت قواعدها،
ويراد بحفظها في جانب العدم مراعاة ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، ٤٥
ويكون جانب الوجود حفظها بالمسلك الإيجابي، ويكون جانب العدم حفظها بالمسلك
السلبي، ووجوه الترجيح في هذا العنصر المقاصدي كالآتي: ٤٦
١) إذا تعارض نصان وأحدهما يفيد حفظ الدين والثاني يفيد حفظ النفس فيرجح الأول )
على الثاني، وهكذا في بقية الضروريات الخمس أن الترتيب فيها يقتضي الرجحان عند
حصول التعارض، فالأقدم أرجح،
٢) إذا تعارض نصان وأحدهما يفيد حفظ مكمل الدين والثاني يفيد حفظ النفس فيرجح )
الأول على الثاني، وهكذا في بقية الضروريات أن الأقدم ومكمله راجح على ما يليه،
٣) إذا تعارض نصان وأحدهما يفيد حفظ هذه الضروريات الخمس من جانب الوجود )
والثاني يفيد حفظها من جانب العدم فيرجح الأول على الثاني،
أنموذج تطبيقي فقهي:
ولهذه الزمرة من قواعد الترجيح المقاصدي نموذج فقهي كذلك، وهو قضية خلافية رائدة
عند المذاهب الفقهية حيث توّلد فيه رأيان اللذان يمثلان طرفين من الموقف الفقهي، وقد لا
نستغرب وقوع تع  دد أنظار فقهائنا في مسألة نكاح المحرم إلى قولين؛ بين أن يحكموه بجوازه
وبين أن يحكموه بعدم جوازه.
٤٤ الغزالي، المستصفى، المصدر نفسه، ج ١ ص ٢١٧
٤٥ الشاطبي، الموافقات، المصدر السابق، ج ٢ ص ٧ |ابن عاشور، مقاصد الشريعة، المصدر السابق، ص ٢١١
٤٦ الآمدي، الإحكام، المصدر السابق، ج ٤ ص ٢٨٦ وما بعدها |فخر الرازي، المحصول، المصدر السابق، ج ٢
ص ٤٢٠ |شعبان محمد إسماعيل، ذيب شرح الأسنوي، المصدر السابق، ج ٣ ص ٢٣٩ |يوسف حامد العالم،
المقاصد العامة، المرجع السابق، ص ١٨٩ |الزحيلي، أصول الفقه، المرجع السابق، ج ٢ ص ١٢٣٤
٤٥
والخلاف آيل إلى أم وقفوا أمام التعارض بين النصوص الشرعية التي تدل على
الدلالتين المتعارضتين حيث إنه يفضي إلى التعارض بين الأحكام المبنية عليهما، وكثيرا ما
لا" : نرى في استدلالام أم اعتمدوا على الحديثين المتعارضين دلالة، وأولهما قوله
 ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب"، والثاني ما رواه ابن عباس رضي الله عنه أن النبي
تزوج ميمونة بنت الحرث وهو محرم، ٤٧ وبدا من هذين الحديثين أن دلالة الأول على تحريم
نكاح المحرم لنفسه أو لغيره وخطبته، وأن دلالة الثاني على جواز نكاح المحرم لفعل النبي
والتعارض بينهما ظاهر وواضح. ،
والقول الذي يرى بعدم جواز نكاح المحرم استدل بالحديث الأول الذي ينص في
صريح الدلالة على تحريمه ولم يقبل الحديث الثاني، وق  وى أصحاب هذا القول رأيهم بأدلة
أخرى التي تدل على ما ينقض دلالة الحديث الثاني كما رواه أبى رافع رضي الله عنه في أن
تزوج ميمونة حلالا، ٤٨ وهذا ما ذهب إليه الأئمة الثلاثة والأوزعي رحمهم الله، ٤٩  النبي
والقول الذي يرى بجواز نكاح المحرم احتج بالحديث الثاني الذي ينص في صريح الدلالة
على جوازه ولم يستدل بالحديث الأول، واحتجوا بأن الحديث الأول ثبتت صحته وقد
خرجه أهل الصحاح، ٥٠ وهذا ما ذهب إليه أبو حنيفة والثوري. ٥١
وقد قام كلا الفريقين بترجيح رأيهم اعتمادا على قواعد الترجيح، فالمذهب الأول
تزوج ا وهو حلال، ورواية  رجح دليلهم برواية صاحبة القصة ميمونة أن الرسول
صاحبة القصة أولى بالقبول، وكذلك برواية أبي رافع الذي كان سفيرا بينهما، ورواية
السفير أولى لأنه أخبر وأعرف ا، ورجح المذهب الثاني دليلهم بكون الراوي فيه وهو ابن
عباس رضي الله عنه فقيها وعالما، وهو أرجح من روية أبي رافع، ٥٢ وقد حاول ابن رشد
٤٧ الصعناني، السبل السلام، المصدر السابق، ج ٢ ص ٣٠٧ وما بعدها
٤٨ المصدر نفسه، الصفحة نفسها
٤٩ ابن رشد، بداية اتهد، المصدر السابق، ج ١ ص ٣٣٤ |مصطفى الخن، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية،
المرجع السابق، ص ٩٧
٥٠ ابن رشد، المصدر نفسه، ج ١ ص ٣٣٥
٥١ المصدر نفسه، ج ١ ص ٣٣٤ |مصطفى الخن، المرجع نفسه، ص ٩٧
٥٢ مصطفى الخن، المرجع نفسه، ص ٩٨
٤٦
رحمه الله الجمع بين الحديثين بحمل النهي في الحديث الأول على الكراهية والفعل في
الحديث الثاني على الجواز، ٥٣ وهذا جهد يستحق الثناء عليه إلا أن اللجوء إلى المعنى
اازي في النهي خلاف الأصل وهو بحاجة إلى قرينة ودليل، وصرفه إلى الكراهية من
التحريم لم يكن سالما بدون التأكد من وجود ما يعضده.
ووظيفتنا تجاه هذه المسألة – ونحن في صدد الحديث عن مقاصد الشرع – جعلها
تجرى على النظر المقاصدي حيث نعيدها إلى ما يراعي مقاصد الشرع، ونقيم الترجيح بين
هذين الدليلين على مفهوم مقاصد الشرع وهو في هذا المقام الضروريات الخمس، وإذا
لاحظنا إلى المعنى المقاصدي الذي يستفاد من الحديث الأول نجد أنه يندرج تحت مكملات
حفظ الدين، لأن الحج من ضمن حفظ الدين في جانب الوجود، ٥٤ والنهي عن النكاح
والخطبة في أثناء القيام بأعمال الحج يشير إلى وجوب التركيز على هذه العبادة والتفرغ لها
والاجتناب عما يلهيه من الأمور الدنيوية، والنكاح في هذا الوقت يشغله من تحقيق هذا
المقصد من الحج، وإذا نظرنا إلى المعنى المقاصدي المستفاد من الحديث الثاني نجد أنه يدخل
في حفظ النسل، لأن النكاح أو الزواج من ضمن حفظ النسل في جانب الوجود، ٥٥ وفعل
فيه يدل على جوازه ولا على وجوبه، وأن المقصد من الزواج هو مواصلة النسل  النبي
والذرية في الأرض لتعميرها.
والقاعدة الثانية السابقة تقول بأن إذا تعارض نصان وأحدهما يفيد حفظ مكمل
الدين والثاني يفيد حفظ النفس فيرجح الأول على الثاني، وهكذا في بقية الضروريات أن
الأقدم ومكمله راجح على ما يليه، فالحديث الأول الذي يراعي مكمل حفظ الدين يرجح
على الحديث الثاني الذي يراعي حفظ النسل، ولذا، القول بعدم جواز النكاح للمحرم في
الحج أرجح من القول بجوازه بناء على هذه القاعدة المقاصدية. والله أعلم.
٥٣ ابن رشد، بداية اتهد، المصدر السابق، ج ١ ص ٣٣٥
٥٤ يوسف حامد العالم، المقاصد العامة، المرجع السابق، ص ٢٤٤
٥٥ المرجع نفسه، ص ٣٩٩
٤٧
خاتمة البحث
ومما يجدر بالذكر في هذا الطرف الأخير من الدراسة هو نتائجها، وقد لا تدرك تلك
النتائج أثناء ما تعرضنا له في الصفحات السالفة لغموض ما يعبر عنها ولظهور ما لا يعبر
عنها، ونظرا لأهمية العلم بتلك النتائج نسردها في هذا المقام مرّقمة وم  برزة، وهي تتمثل في
ما يأتي:
١. إن الترجيح عمل اجتهادي يقدم عليه اتهد لدرء التعارض الحاصل في نظره بين
الأدلة الشرعية بعد أن يعجز من محاولة الجمع بينها، والترجيح ذا المفهوم أمر نسبي،
قد يلاحظ مجتهد حصول التعارض الذي يقتضي الترجيح وقد يلاحظ آخر عدم ذلك،
٢. توظيف مقاصد الشرع في الترجيح بين النصوص والأدلة يكمن في مفهوم الترجيح
المقاصدي، وهو إجراء عملية تقديم أحد المتعارضين المعتمدة على المزية المعتبرة عند
مقاصد الشرع في نطاق النصوص الشرعية التي تتطلبها،
٣. وفي الإقدام على هذا التوظيف لوحظت جوانب التساوي بين الترجيح والمقاصد
حيث إا تجعلهما متآلفتين، وقد لوحظت كذلك جوانب التغاير بينهما حيث إا
تجعلهما متخالفتين،
٤. وعند السير مع هذا التوظيف اكتشفت بعض القيم المقاصدية في العمل بالترجيح وهي
تتصور في كونه دارئا للتعارض بين النصوص الشرعية، وفي كونه محافظا على إعمال
النص والدليل، وفي كونه محققا للنظر الكلي في الجزئيات،
٥. اتضح الحديث عن وجوه الترجيح المقاصدي في تقعيدها لوضوح إمكانية تنزيلها
إلى الميدان الفقهي، وقد ظهر لنا نجاح القواعد المقاصدية في تضييق فجوة الخلاف بح ّ ل
المسائل الفقهية التي أ  سست على التعارض،
٦. الترجيح المقاصدي يضطر اتهد إلى الخوض في مراعاة أهداف الشارع وغاياته من
وضع الأحكام، والعمل به يراعي المعنى الأسمى في الشرع بحيث لم يجرؤ إلى التحكم في
هذا الأمر لعظم شأنه،
وأخيرا، نختتم هذه الدراسة المتواضعة راجين العفو من رب العاملين لزلل الأقلام وخلل
الأفهام، وراجين أن نكون قد خدمنا المسلمين ذا الجهد الحقير، والله خير المقصد.
٤٩
المصادر والمراجع
- إسماعيل، شعبان محمد، ذيب شرح الأسنوي على منهاج الوصول إلى علم
الأصول للقاضي البيضاوي، القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، ١٩٧٦ م.
- الآمدي، علي بن محمد، الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق: سيد الجميلي، بيروت،
دار الكتاب العربي، ط- ١٩٩٨ ،٣ م.
- ابن الحاجب، أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر، منتهى الوصول والأمل في
علمي الأصول والجدل، بيروت، دار الكتب العلمية، ط- ١٩٨٥ ،١ م.
- ابن رشد، محمد بن أحمد بن محمد القرطبي، بداية اتهد واية المقتصد، تصحيح:
محمد الأمد، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط- ١٩٩٦ ،١ م.
- ابن عاشور، محمد الطاهر، مقاصد الشريعة الإسلامية، تحقيق: محمد الطاهر
الميساوي، كوالا لمبور، البصائر للإنتاج العلمي، ط- ١٩٩٨ ،١ م.
- ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، بيروت، دار
صادر، ط- ١٩٩٠ ،١ م.
- البرزنجي، عبد اللطيف عبد الله عزيز، التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية، بحث
أصولي مقارن بالمذاهب الإسلامية المختلفة، بيروت، دار الكتب العلمية، ١٩٩٦ م.
- التمرتاشي، محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد الخطيب، الوصول إلى قواعد
الأصول، تحقيق: محمد شريف مصطفى أحمد سليمان، بيروت، دار الكتب العلمية،
ط- ٢٠٠٠ ،١ م.
- التهانوي، محمد بن علي، موسوعة كشف اصطلاحات الفنون والعلوم، مراجعة:
رفيق العجم، بيروت، مكتبة لبنان ناشرون، ط- ١٩٩٦ ،١ م.
- حسب الله، علي، الزواج في الشريعة الإسلامية، مصر، دار ر النيل للطباعة،
د.ت.
- الحفناوي، محمد إبراهيم محمد، التعارض والترجيح عند الأصوليين وأثرهما في الفقه
الإسلامي، المنصورة، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، ط- ١٩٨٧ ،٢ م.
٥٠
- الحلبي، ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير على التحرير في أصول الفقه، ضبط: عبد
الله محمود محمد عمر، بيروت، دار الكتب العلمية، ط- ١٩٩٩ ،١ م.
- الخطيب، محمد عجاج، أصول الحديث، علومه ومصطلحه، بيروت، دار الفكر،
١٩٨٩ م.
- الخن، مصطفى سعيد، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء،
بيروت، مؤسسة الرسالة، ط- ٢٠٠٠ ،٢ م.
- الدريني، محمد فتحي، المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي،
بيروت، مؤسسة الرسالة، ط- ١٩٩٧ ،٣ م.
- الدمنهوري، أحمد، إيضاح المبهم من معاني السلم شرح سلم المنطق، ويليه شرح
العلامة الأخضر على سلم المنطق، سنقافورا، مكاتب سليمان مرعي، د.ت.
- الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر، مختار الصحاح، مصر، مطبعة مصطفى
الحلبي وأولاده، ١٩٥٠ م.
- الريسوني، أحمد، نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي،
الرياض، الدار العالمية للكتاب الإسلامي، ط- ١٩٩٢ ،٢ م.
، - الزحيلي، وهبة، أصول الفقه الإسلامي، بيروت، دار الفكر المعاصر، ط- ٢
٢٠٠١ م.
- الزركشي، بدر الدين محمد بن ادر بن عبد الله، البحر المحيط في أصول الفقه،
تحقيق: لجنة من علماء الأزهر، مصر، دار الكتبى، ط- ١٩٩٤ ،١ م.
- __________، تشنيف المسامع بجمع الجوامع لتاج الدين السبكي، دراسة
وتحقيق: سيد عبد العزيز وعبد الله ربيع، القاهرة، مكتبة قرطبة، ط- ١٩٩٩ ،٣ م.
- الزنجاني، إبراهيم بن عبد الوهاب، متن البناء ومتن التصريف العزى، مصر، مطبعة
دار إحياء الكتب العربية، ١٢٧٦ ه.
- زيدان، عبد الكريم، المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، بيروت، مؤسسة الرسالة،
ط- ١٩٨٩ ،١١ م.
٥١
، - __________، الوجيز في أصول القفه، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط- ٧
١٩٩٩ م.
- السرخسي، أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل، أصول السرخسي، تحقيق: رفيق
العجم، بيروت، دار المعرفة، ط- ١٩٩٧ ،١ م.
- السعدي، عبد الحكيم عبد الرحمن أسعد، مباحث العلة في القياس عند الأصوليين،
بيروت، دار البشائر الإسلامية، ط- ٢٠٠٠ ،٢ م.
- السلمي، أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح
الأنام، مراجعة: طه عبد الرؤوف سعد، القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، ١٩٦٨ م.
- الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى، الموافقات في أصول الشريعة، شرح: عبد
الله دراز، بيروت، دار الكتب العلمية، د.ت.
- شلبي، محمد مصطفى، أصول الفقه الإسلامي، بيروت، دار النهضة العربية،
١٩٨٦ م.
- شمس الدين، مصطفى محمد جبري (بالاشتراك)، نظرية المقاصد عند الإمام الآمدي،
دراسة في المنهج التطبيقي للمقاصد، بحث غير منشور، ٢٠٠١ م.
- الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، تحقيق:
أبو مصعب محمد سعيد البدري، بيروت، مؤسسة الكتب الثقافية، ط- ١٩٩٥ ،٦ م.
- صالح، محمد أديب، تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، دراسة مقارنة لمناهج
العلماء في استنباط الأحكام من نصوص الكتاب والسنة، بيروت، المكتب
الإسلامي، ط- ١٩٩٣ ،٤ م.
- الصنعاني، محمد بن إسماعيل الأمير اليمني، سبل السلام شرح بلوغ المرام من جمع
أدلة الأحكام، تحقيق: خليل مأمون شيحا، بيروت، دار المعرفة، ط- ١٩٩٨ ،٤ م.
- العالم، يوسف حامد، المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، هيرندن، الولايات المتحدة
الأمريكية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط- ١٩٩١ ،١ م.
- العراقي، ولي الدين أبو زرعة أحمد، الغيث الهامع شرح جمع الجوامع، تحقيق: مكتبة
قرطبة، القاهرة، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، ط- ٢٠٠٠ ،١ م.
٥٢
، - عقلة، محمد، دراسات في الفقه المقارن، عمان، مكتبة الرسالة الحديثة، ط- ١
١٩٨٣ م.
- الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد بن محمد، المستصفى من علم الأصول، تصحيح:
نجوى ض  و، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط- ١٩٩٧ ،١ م.
- فخر الدين الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين، المحصول في علم
، الأصول، تعليق: محمد عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، ط- ١
١٩٩٩ م.
- القرافي، شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس، شرح تنقيح الفصول في اختصار
المحصول في الأصول، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، القاهرة، مكتبة الكليات
الأزهرية، ط- ١٩٩٣ ،٢ م.


رد مع اقتباس