عرض مشاركة واحدة
قديم 03-13-2010, 02:30 PM   رقم المشاركة : 18
الكاتب

fateemah

الاعضاء

fateemah غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









fateemah غير متواجد حالياً


رد: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح بن قيم الجوزية

قال ابن مسعود في هذه الآية ليأتين يوم على جهنم زمان و ليس فيها أحد و ذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا وعن أبي هريرة مثله حكاه البغوي عنهما ثم قال ومعناه عند أهل السنة أن ثبت انه لا يبقى فيها أحد من أهل الإيمان قالوا قد ثبت ذلك عن أبي هريرة و ابن مسعود وعبد الله بن عمر وقد سال حرب اسحق بن راهويه عن هذه الآية فقال سالت إسحاق قلت قول الله تعالى خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك فقال أتت هذه الآية على كل وعيد في القران حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا معتمر بن سليمان قال قال أبي حدثنا أبو نضرة عن جابر أو أبي سعيد أو بعض أصحاب النبي قال هذه الآية تأتي على القران كله إلا ما شاء ربك أن ربك فعال لما يريد قال المعتمر قال أتى على كل وعيد في القران حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن أبي بلخ سمع عمرو بن ميمون يحدث عن عبد الله بن عمرو قال ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا حدثنا عبيد الله حدثنا أبي حدثنا شعبة عن يحيى بن أيوب عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال ما أنا بالذي لا أقول انه سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد وقرا قوله فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير و شهيق الآية قال عبيد الله كان أصحابنا يقولون يعني به الموحدين حدثنا أبو معن حدثنا وهب بن جرير حدثنا شعبة عن سليمان التيمي عن أبي نضرة عن جابر ابن عبد الله أو بعض أصحابه في قوله خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك قال هذه الآية تأتي على القران كله و قد حكى ابن جرير هذا القول في تفسيره عن جماعة من السلف فقال وقال آخرون عنى بذلك أهل النار و كل من دخلها ذكر من قال ذلك ثم ذكر الآثار التي نذكرها و قال عبد الرزاق أنبانا ابن التيمي عن أبيه عن أبي نضرة عن جابر أو أبي سعيد أو عن رجل من أصحاب رسول الله في قوله إلا ما شاء ربك أن ربك فعال لما يريد قال هذه الآية تأتي على القران كله يقول حيث كان في القران خالدين فيها تأتي عليه قال و سمعت أبا مجلز يقول جزاؤه فان شاء الله تجاوز عن عذابه و قال ابن جرير حدثنا الحسن بن يحيى أنبانا عبد الرزاق فذكره و قال وحدثت عن المسيب عمن ذكره عن ابن عباس خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك قال لا يموتون وما هم منها بمخرجين ما دامت السماوات و الأرض

إلا ما شاء ربك قال استثنى الله قال أمر الله النار أن تاكلهم قال و قال ابن مسعود ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد بعد ما يلبثون فيها أحقابا حدثنا ابن حميد حدثنا جرير عن بيان عن الشعبي قال جهنم أسرع الدارين عمرانا و أسرعهما خرابا و حكى ابن جرير في ذلك قولا آخر فقال و قال آخرون اخبرنا الله عز و جل بمشيئته لأهل الجنة فعرفنا معنى ثنياه بقوله عطاء غير مجذوذ وأنها لفي الزيادة على مقدار مدة السماوات و الأرض قالوا و لم يخبرنا بمشيئته في أهل النار و جائز أن يكون مشيئته في الزيادة و جائز أن تكون في النقصان حدثني يونس أنبانا ابن وهب قال اقل ابن زيد في قوله تعالى خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك فقرا حتى بلغ عطاء غير مجذوذ فقال اخبرنا بالذي يشاء لأهل الجنة فقال عطاء غير مجذوذ و لم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار و قال ابن مردويه في تفسيره حدثنا سليمان بن احمد حدثنا جبير بن عرفة حدثنا يزيد بن مروان الخلال حدثنا أبو خليد حدثنا سفيان يعني الثوري عن عمرو بن دينار عن جابر قال قرا رسول الله فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير و شهيق خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك قال رسول الله أن شاء الله أن يخرج أناسا من الذين شقوا من النار فيدخلهم الجنة فعل و هذا الحديث يدل على أن الاستثناء إنما هو للخروج من النار بعد دخولها خلافا لمن زعم انه لما قبل الدخول و لكن إنما يدل على إخراج بعضهم من النار و هذا حق بلا ريب و هو لا ينفي انقطاعها و فناء عذابها وآكلها لمن فيها و انهم يعذبون فيها دائما ما دامت كذلك و ما هم منها بمخرجين فالحديث دل على آمرين أحدهما أن بعض الأشقياء أن شاء الله أن يخرجهم من النار و هي نار فعل و أن الاستثناء إنما هو فيما بعد دخولها لا فيما قبله و على هذا فيكون معنى الاستثناء ما شاء ربك من الأشقياء فانهم لا يخلدون فيها و يكون الأشقياء نوعين نوعا يخرجون منها النار و نوعا يخلدون فيها فيكونون من الذين شقوا أولا ثم يصيرون من الذين سعدوا فتجتمع لهم الشقاوة و السعادة في وقتين قالوا و قد قال تعالى أن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا لا يذوقون فيها بردا و لا شرابا إلا حميما و غساقا جزاء وفاقا انهم كانوا لا يرجون حسابا و كذبوا بآياتنا كذابا فهذا صريح في وعيد الكفار المكذبين بآياته ولا يقدر إلا بدي بهذه الأحقاب و لا غيرها كما لا يقدر به القديم و لهذا

قال عبد الله بن عمرو فيما رواه شعبة عن أبي بلخ سمع عمرو بن ميمون يحدث عنه ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد و ذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا فصل و الذين قطعوا بدوام النار لهم ست طرق أحدها اعتقاد الإجماع فكثير من الناس يعتقدون أن هذا مجمع عليه بين الصحابة و التابعين لا يختلفون فيه و أن الاختلاف فيه حادث و هو من أقوال أهل البدع الطريق الثاني أن القران دل على ذلك دلالة قطعية فانه سبحانه و تعالى اخبر انه عذاب مقيم و انه لا يفتر عنهم وأنه لن يزيدهم إلا عذابا و انهم خالدين فيها أبدا و ما هم بخارجين منها أي من النار و ما هم منها بمخرجين و أن الله حرم الجنة على الكافرين وانهم لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط و انهم لا يقضي عليهم فيموتوا و لا يخفف عنهم من عذابها و أن عذابها كان غراما أي مقيما لازما قالوا وهذا يفيد القطع بدوامه و استمراره الطريق الثالث أن السنة المستفيضة أخبرت بخروج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان دون الكفار و أحاديث الشفاعة من أولها إلى آخرها صريحة بخروج عصاة الموحدين من النار و أن هذا حكم مختص بهم فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم و لم يختص الخروج بأهل الإيمان الطريق الرابع أن الرسول وقفنا على ذلك و علمناه من دينه بالضرورة من غير حاجة بنا إلى نقل معين كما علمنا من دينه دوام الجنة و عدم فنائها الطريق الخامس أن عقائد السلف و أهل السنة مصرحة بان الجنة و النار مخلوقتان و انهما لا يفنيان بل هما دائمتان و إنما يذكرون فناءهما عن أهل البدع الطريق السادس أن العقل يقضي بخلود الكفار في النار و هذا مبني على قاعدة و هي أن المعاد و ثواب النفوس المطيعة و عقوبة النفوس الفاجرة هل هو مما يعلم بالعقل أو لا يعلم إلا بالسمع فيه طريقتان لنظار المسلمين و كثير منهم يذهب إلى أن ذلك يعلم بالعقل مع السمع كما دل عليه القران في غير موضع كإنكاره سبحانه على من زعم انه يسوى بن الأبرار و الفجار في المحيا و الممات و على من زعم انه خلق خلقه عبثا و انهم إليها لا يرجعون و انه يتركهم سدى أي لا يثيبهم و لا يعاقبهم و ذلك يقدح في حكمته و كماله و انه نسبه إلى ما لا يليق به و ربما قرروه بان النفوس البشرية باقية و اعتقاداتها و صفاتها لازمة لها لا تفارقها و أن ندمت عليها لما رأت العذاب فلم تندم عليها لقبحها أو كراهة ربها لها بل لو فارقها العذاب رجعت كما كانت أولا قال تعالى و لو ترى إذ وقفوا على النار

فقالوا يا ليتنا نرد و لا نكذب بآيات ربنا و نكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه و انهم لكاذبون فهؤلاء قد ذاقوا العذاب و باشروه و لم يزل سببه و مقتضيه من نفوسهم بل خبثها و كفرها قائم بها لم يفارقها بحيث لو ردوا لعادوا كفارا كما كانوا و هذا يدل على أن دوام تعذيبهم يقضى به العقل كما جاء به السمع قال أصحاب الفناء الكلام على هذه الطرق يبين الصواب في هذه المسالة فأما الطريق الأول فالإجماع الذي ادعيتموه غير معلوم و إنما يظن الإجماع في هذه المسالة من لم يعرف النزاع و قد عرف النزاع فيها قديما و حديثا بل لو كلف مدعي الإجماع أن ينقل عن عشرة من الصحابة فما دونهم إلى الواحد انه قال إن النار لا تفنى أبدا لم يجد إلى ذلك سبيلا و نحن قد نقلنا عنهم التصريح بخلاف ذلك فما وجدنا عن واحد منهم خلاف ذلك بل التابعون حكوا عنهم هذا و هذا قالوا و الإجماع المعتد به نوعان متفق عليهما و نوع ثالث مختلف فيه و لم يوجد واحد منها في هذه المسالة النوع الأول ما يكون معلوما من ضرورة الدين كوجوب أركان الإسلام و تحريم المحرمات الظاهرة الثاني ما ينقل عن أهل الاجتهاد التصريح بحكمه والثالث أن يقول بعضهم القول و ينشر في الأمة و لا ينكره أحد فأين معكم واحد من هذه الأنواع ولو أن قائلا ادعى الإجماع من هذه الطرق و احتج بان الصحابة صح عنهم و لم ينكر أحد منهم عليه لكان اسعد بالإجماع منكم قالوا و أما الطريق الثاني و هو دلالة القران على بقاء النار و عدم فنائها فأين في القران دليل واحد يدل على ذلك نعم الذي دل عليه القران أن الكفار خالدين في النار ابدا وانهم غير خارجين منها وانه لا يفتر عنهم عذابها وانهم لا يموتون فيها و أن عذابهم فيها مقيم و انه غرام لازم لهم و هذا كله مما لا نزاع فيه بين الصحابة و التابعين و أئمة المسلمين و ليس هذا مورد النزاع و إنما النزاع في أمر آخر و هو انه هل النار أبدية أو مما كتب الله عليه الفناء و أما كون الكفار لا يخرجون منها و لا يفتر عنهم من عذابها و لا يقضى عليهم فيموتوا و لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط فلم يختلف في ذلك الصحابة و لا التابعون و لا أهل السنة و إنما خالف في ذلك من قد حكينا أقوالهم من اليهود و الاتحادية وبعض أهل البدع و هذه النصوص و أمثالها تقتضي خلودهم في دار العذاب ما دامت باقية و لا يخرجون منها مع بقائها البتة كما يخرج أهل التوحيد منها مع بقائها فالفرق بين من يخرج من الحبس و هو حبس على حاله و بين من يبطل جنسه بخراب الحبس و انتقاضه قالوا و أما الطريق الثالث و هو مجيء

السنة المستفيضة بخروج أهل الكبائر من النار دون أهل الشرك فهي حق لا شك فيه و هي إنما تدل على ما قلناه من خروج الموحدين منها و هي دار العذاب لم تفن و يبقى المشركون فيها ما دامت باقية و النصوص دلت على هذا وعلى هذا قالوا و أما الطريق الرابع وهو أن رسول الله و قفنا على ذلك ضرورة فلا ريب انه من المعلوم من دينه بالضرورة و أما كونها أبدية لا انتهاء لها و لا تفنى كالجنة فأين من القران و السنة دليل واحد يدل على ذلك قالوا و أما الطريق الخامس و هو أن في عقائد أهل السنة أن الجنة و النار مخلوقتان لا يفنيان أبدا فلا ريب أن القول بفنائهما قول أهل البدع من الجهمية و المعتزلة و هذا القول لم يقله أحد من الصحابة و لا التابعين و لا أحد من أئمة المسلمين و أما فناء النار وحدها فقد أوجدنا كم من قال به من الصحابة و تفريقهم بين الجنة و النار فكيف يكون القول به من أقوال أهل البدع مع انه لا يعرف عن أحد من أهل البدع التفريق بين الدارين فقولكم انه من أقوال أهل البدع كلام من لا خبرة له بمقالات بني آدم و آرائهم و اختلافهم قالوا و القول الذي يعد من أقوال أهل البدع ما خالف كتاب الله و سنة رسوله و إجماع الأمة أما الصحابة أو من بعدهم و أما قول يوافق الكتاب و السنة و أقوال الصحابة فلا يعد من أقوال أهل البدع و أن دانوا به و اعتقدوه فالحق يجب قبوله ممن قاله و الباطل يجب رده على من قاله و كان معاذ بن جبل يقول الله حكم قسط هلك المرتابون أن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال و يفتح فيها القران حتى يقرؤه المؤمن والمنافق والمرآة والصبي والأسود والأحمر فيوشك أحدهم أن يقول قد قرأت القران فما أظن أن يتبعوني حتى ابتدع بدلهم غيره فإياكم و ما ابتدع فان كل بدعة ضلالة و إياكم و زيغة الحكيم فان الشيطان قد يتكلم على لسان الحكيم بكلمة الضلالة و أن المنافق قد يقول كلمة الحق فتلقوا الحق عمن جاء به فان على الحق نورا قالوا و كيف زيغة الحكيم قال هي الكلمة تروعكم و تنكرونها و تقولون ما هذه فاحذروا زيغته و لا تصدنكم عنه فانه يوشك أن يفيء و أن يراجع الحق و أن العلم و الإيمان مكانهما إلى يوم القيامة و الذي اخبر به أهل السنة في عقائدهم هو الذي دل عليه الكتاب و السنة و اجمع عليه السلف أن الجنة و النار مخلوقتان و أن أهل النار لا يخرجون منها و لا يخفف عنهم من عذابها العذاب و لا يفتر عنهم و انهم خالدون فيها و من ذكر منهم أن النار لا تفنى

أبدا فإنما قاله لظنه أن بعض أهل البدع قال بفنائها و لم يبلغه تلك الآثار التي تقدم ذكرها قالوا و أما حكم العقل بتخليد أهل النار فيها فأخبار عن العقل بما ليس عنده فان المسالة من المسائل التي لا تعلم إلا بخبر الصادق و أما اصل الثواب و العقاب فهل يعلم بالعقل مع السمع أول لا يعلم إلا بالسمع وحده ففيه قولان لنظار المسلمين من اتباع الأئمة الأربعة و غيرهم و الصحيح أن العقل دل على المعاد و الثواب و العقاب إجمالا و أما تفصيله فلا يعلم إلا بالسمع و دوام الثواب و العقاب مما لا يدل عليه العقل بمجرده وأنما علم بالسمع و قد دل السمع دلالة قاطعة على دوام ثواب المطيعين و أما عقاب العصاة فقد دل السمع أيضا دلالة قاطعة على انقطاعه في حق الموحدين و أما دوامه و انقطاعه في حق الكفار فهذا معترك النزال فمن كان السمع من جانبه فهو اسعد بالصواب وبالله التوفيق فصل و نحن نذكر الفرق بين دوام الجنة و النار شرعا و عقلا و ذلك يظهر من وجوه أحدها أن الله سبحانه و تعالى اخبر ببقاء نعيم اهل الجنة ودوامه و انه لا نفاد له و لا انقطاع و انه غير مجذوذ و أما النار فلم يخبر عنها بأكثر من خلود أهلها فيها و عدم خروجهم منها و انهم لا يموتون فيها و لا يحيون و إنها مؤصدة عليهم و انهم كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها و أن عذابها لازم لهم و انه مقيم عليهم لا يفتر عنهم و الفرق بين الخبرين ظاهر الوجه الثاني أن النار قد اخبر سبحانه و تعالى في ثلاث آيات عنها بما يدل على عدم أبديتها الأولى قوله سبحانه و تعالى قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله أن ربك حكيم عليم و الثانية قوله خالدين فيها ما دامت السموات و الأرض إلا ما شاء ربك أن ربك فعال لما يريد الثالثة قوله ^ لابثين فيها أحقابا ^ و لولا الأدلة القطعية الدالة على أبدية الجنة و دوامها لكان حكم الاستثنائين في الموضعين واحدا كيف وفي الايتين من السياق ما يفرق بين الاستثنائين فانه قال في أهل النار ^ أن ربك فعال لما يريد ^ فعلمنا أنه الله سبحانه و تعالى يريد أن يفعل فعلا لم يخبرنا به و قال في أهل الجنة عطاء غير مجذوذ فعلمنا أن هذا العطاء و النعيم غير مقطوع عنهم أبدا فالعذاب موقت معلق و النعيم ليس بموقت و لا معلق الوجه الثالث انه قد ثبت أن الجنة لم يدخلها من لم يعمل خيرا قط من المعذبين الذين يخرجهم الله من النار و أما النار فلم يدخلها من لم يعمل سوءا قط و لا يعذب إلا من عصاه الوجه الرابع انه قد ثبت أن الله سبحانه و تعالى ينشئ للجنة خلقا آخر يوم

القيامة يسكنهم إياها و لا يفعل ذلك بالنار و أما الحديث الذي قد ورد في صحيح البخاري من قوله و أما النار فينشئ الله لها خلقا آخرين فغلط وقع من بعض الرواة انقلب عليه الحديث و إنما هو ما ساقه البخاري في الباب نفسه و أما الجنة فينشئ الله لها خلقا آخرين ذكره البخاري رحمه الله مبينا أن الحديث انقلب لفظه على من رواه بخلاف هذا و هذا والمقصود انه لا تقاس النار بالجنة في التأبيد مع هذه الفروق يوضحه الوجه الخامس أن الجنة من موجب رحمته و رضاه و النار من غضبه و سخطه و رحمته سبحانه تغلب غضبه و تسبقه كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة عنه انه قال لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده موضوع على العرش أن رحمتي تغلب غضبي و إذا كان رضاه قد سبق غضبه وهو يغلبه كان التسوية بين ما هو من موجب رضاه و ما هو من موجب غضبه ممتنعا يوضحه الوجه السادس أن ما كان بالرحمة و للرحمة فهو مقصود لذاته قصد الغايات و ما كان من موجب الغضب و السخط فهو مقصود لغيره قصد الوسائل فهو مسبوق مغلوب مراد لغيره و ما كان بالرحمة فغالب سابق مراد لنفسه يوضحه الوجه السابع و هو انه سبحانه و تعالى قال للجنة أنت رحمتي ارحم بك من أشاء و قال للنار أنت عذابي أعذب بك من أشاء و عذابه مفعول منفصل و هو ناشئ عن غضبه و رحمته ههنا هي الجنة وهي رحمة مخلوقة ناشئة عن الرحمة التي هي صفة الرحمن فههنا أربعة أمور رحمة هي وصفه سبحانه وثواب منفصل هو ناشىء عن رحمه وغضب يقوم به سبحانه و عقاب منفصل ينشا عنه فإذا غلبت صفة الرحمة صفة الغضب فلان يغلب ما كان بالرحمة لما كان بالغضب أولى و أحرى فلا تقاوم النار التي نشأت عن الغضب الجنة التي نشأت عن الرحمة يوضحه الوجه الثامن أن النار خلقت تخويفا للمؤمنين و تطهيرا للخاطئين و المجرمين فهي طهرة من الخبث الذي اكتسبته النفس في هذا العالم فان تطهرت ههنا بالتوبة النصوح و الحسنات الماحية و المصائب المكفرة لم يحتج إلى تطهير هناك و قيل لها مع جملة الطيبين سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين و أن لم ننطهر في هذه الدار و وافت الدار الأخرى بدرنها و نجاستها و خبثها أدخلت النار طهرة لها و يكون مكثها في النار بحسب زوال ذلك الدرن و الخبث و النجاسة التي لا يغسلها الماء فإذا تطهرت الطهر التام أخرجت من النار و الله سبحانه خلق عباده حنفاء و هي فطرة الله التي فطر الناس عليها فلو خلوا و فطرهم لما

نشؤا إلا على التوحيد و لكن عرض لا كثر الفطر ما غيرها و لهذا كان نصيب النار اكثر من نصيب الجنة و كان هذا التغيير مراتب لا يحصيها إلا الله فأرسل الله رسله و انزل كتبه يذكر عباده بفطرته التي فطرهم عليها فعرف الموفقون الذين سبقت لهم من الله الحسنى صحة ما جاءت به الرسل و نزلت به الكتب بالفطرة الأولى فتوافق عندهم شرع الله و دينه الذي أرسل به رسله و فطرته التي فطرهم عليها فمنعتهم الشرعة المنزلة و الفطرة المكملة أن تكتسب نفوسهم خبثا و نجاسة و درنا يعلق بها و لا يفارقها بل كلما ألم بهم شيء من ذلك و مسهم طائف من الشيطان اغاروا عليه بالشرعة و الفطرة فأزالوا موجبه و أثره و كمل لهم الرب تعالى ذلك باقضية يقضيها لهم مما يحبون أو يكرهون تمحص عنهم تلك الآثار التي شوشت الفطرة فجاء مقتضى الرحمة فصادف مكانا قابلا مستعدا لها ليس فيه شيء يدافعه فقال ههنا أمرت و ليس لله سبحانه غرض في تعذيب عباده بغير موجب كما قال تعالى ما يفعل الله بعذابكم أن شكرتم و آمنتم و كان الله شاكرا عليما و استمر الأشقياء مع تغيير الفطرة و نقلها مما خلقت عليه إلى ضده حتى استحكم الفساد و تم التغيير فاحتاجوا في ازالة ذلك إلى تغيير آخر و تطهير ينقلهم إلى الصحة حيث لم تنقلهم آيات الله المتلوة و المخلوقة و أقداره المحبوبة و المكروهة في هذه الدار فأتاح لهم آيات آخر وأقضية و عقوبات فوق التي كانت في الدنيا تستخرج ذلك الخبث و النجاسة التي لا تزول بغير النار فإذا زال موجب العذاب و سببه زال العذاب و بقي مقتضى الرحمة لا معارض له فان قيل هذا حق و لكن سبب التعذيب لا يزول إلا إذا كان السبب عارضا كمعاصي الموحدين أما إذا كان لازما كالكفر و الشرك فان أثره لا يزول كما لا يزول السبب و قد أشار سبحانه إلى هذه المعنى بعينه في مواضع من كتابه منها قوله تعالى و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فهذا إخبار بان نفوسهم و طبائعهم لا تقتضي غير الكفر و الشرك و إنها غير قابلة للإيمان أصلا ومنها قوله تعالى و من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى و أضل سبيلا فاخبر سبحانه أن ضلالهم و عماهم عن الهدى دائم لا يزول حتى مع معاينة الحقائق التي أخبرت بها الرسل و إذا كان العمى و الضلال لا يفارقهم فان موجبه وأثره و مقتضاه لا يفارقهم ومنها قوله تعالى و لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم و لو اسمعهم لتولوا و هم معرضون و هذا يدل على انه ليس فيهم خير

يقتضي الرحمة و لو كان فيهم خير لما ضيع عليهم أثره و يدل على انهم لا خير فيهم هناك أيضا قوله اخرجوا من النار من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من خير فلو كان عند هؤلاء أدنى ادنى مثقال ذرة من خير لخرجوا منها مع الخارجين قيل لعمر الله أن هذا لمن أقوى ما يتمسك به في المسئلة و أن الأمر لكما قلتم و أن العذاب يدوم بدوام موجبه و سببه و لا ريب انهم في الآخرة في عمى و ضلال كما كانوا في الدنيا و وبواطنهم خبيثة كما كانت في الدنيا و العذاب مستمر عليهم دائم ما داموا كذلك و لكن هل هذا الكفر والتكذيب و الخبث أمر ذاتي لهم زواله مستحيل أم هو امر عارض طارئ على الفطرة قابل للزوال هذا حرف المسئلة و ليس بأيديكم ما يدل على استحالة زواله و انه أمر ذاتي و قد اخبر سبحانه و تعالى انه فطر عباده على الحنيفية و أن الشياطين اجتالتهم عنها فلم يفطرهم سبحانه على الكفر و التكذيب كما فطر الحيوان البهيم على طبيعته و إنما فطرهم على الإقرار بخالقهم و محبته و توحيده فإذا كان هذا الحق الذي قد فطروا عليه وقد خلقوا عليه قد أمكن زواله بالكفر و الشرك الباطل فإمكان زوال الكفر و الشرك الباطل بضده من الحق أولى و أحرى و لا ريب انهم لو ردوا على تلك الحال التي هم عليها لعادوا لما نهوا عنه و لكن من أين لكم أن تلك الحال لا تزول و لا تتبدل بنشأة أخرى ينشئهم فيها تبارك و تعالى إذا أخذت النار مأخذها منهم و حصلت الحكمة المطلوبة من عذابهم فان العذاب لم يكن سدى و إنما كان لحكمة مطلوبة فإذا حصلت تلك الحكمة لم يبق في التعذيب أمر يطلب و لا غرض يقصد و الله سبحانه ليس يشتفي بعذاب عباده كما يشتفى المظلوم من ظالمه و هو لا يعذب عبده لهذا الغرض و إنما يعذبه طهرة له و رحمة به فعذابه مصلحة له و أن تألم به غاية الألم كما أن عذابه بالحدود في الدنيا مصلحة لأربابها و قد سمى الله سبحانه و تعالى الحد عذابا و قد اقتضت حكمته سبحانه أن جعل لكل داء دواء يناسبه و دواء الضال يكون من اشق الأدوية و الطبيب الشفيق يكون المريض بالنار كيا بعد كي ليخرج منه المادة الرديئة الطارئة على الطبيعة المستقيمة و أن رأى قطع العضو اصلح للعليل قطعه و أذاقه اشد الألم فهذا قضاء الرب و قدره في إزالة مادة غريبة طرأت على الطبيعة المستقيمة بغير اختيار العبد فكيف إذا طرا على الفطرة السليمة مواد فاسدة باختيار العبد و اراداته و إذا تأمل اللبيب شرع الله تبارك و تعالى و قدره في الدنيا و ثوابه و عقابه

في الآخرة وجد ذلك في غاية التناسب و التوافق و ارتباط ذلك ببعضه البعض فان مصدر الجميع عن علم تام وحكمة بالغة و رحمة سابغة و هو سبحانه و الملك الحق المبين و ملكه ملك رحمة و إحسان و عدل الوجه التاسع أن عقوبته للعبد ليست لحاجته إلى عقوبته لا لمنفعة تعود إليه و لا لدفع مضرة و ألم يزول عنه بالعقوبة بل يتعالى عن ذلك و يتنزه كما يتعالى عن سائر العيوب و النقائص و لا هي عبث محض خال عن الحكمة و الغاية الحميدة فانه أيضا يتنزه عن ذلك و تعالى عنه فأما أن يكون من تمام نيعم أوليائه و أحبابه و أما أن يكون من مصلحة الأشقياء و مداواتهم أو لهذا ولهذا و على التقادير الثلاث فالتعذيب أمر مقصود لغيره قصد الوسائل لا قصد الغايات و المراد أن الوسيلة إذا حصل على الوجه المطلوب زال حكمها و نعيم أوليائه ليس متوقفا في اصله و لا في كماله على استمرار عذاب أعدائه و دوامه مصلحة الأشقياء ليست في الدوام و الاستمرار و أن كان في اصل التعذيب مصلحة لهم الوجه العاشر أن رضى الرب تبارك و تعالى و رحمته صفتان ذاتيتان له فلا منتهى لرضاه بل كما قال أعلم الخلق به سبحان الله وبحمده عدد خلقه و رضى نفسه و زنة عرشه و مداد كلماته فإذا كانت رحمته غلبت غضبه فان رضى نفسه أعلى و اعظم فان رضوانه اكثر من الجنات و نعيمها و كل ما فيها و قد اخبر أهل الجنة انه يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبدا و أما غضبه تبارك و تعالى و سخطه فليس من صفاته الذاتية التي يستحيل انفكاكه عنها بحيث لم يزل و لا يزال غضبان و الناس لهم في صفة الغضب قولان أحدهما انه من صفاته الفعلية القائمة به كسائر أفعاله و الثاني انه صفة فعل منفصل عنه غير قائم به وعلى القوانين فليس كالحياة و العلم و القدرة التي يستحيل مفارقتها له و العذاب إنما ينشا من صفة غضبه وما سعرت النار إلا بغضبه و قد جاء في اثر مرفوع أن الله خلق خلقا من غضبه و أسكنهم بالمشرق و ينتقم بهم ممن عصاه فمخلوقاته سبحانه نوعان نوع مخلوق من الرحمة و بالرحمة و نوع مخلوق من الغضب وبالغضب فانه سبحانه له الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي يتنزه عن تقدير خلافه و منها انه يرضى و يغضب و يثيب و يعاقب و يعطي و يمنع و يعز و يذل و ينتقم و يعفو بل هذا موجب ملكه الحق و حقيقة الملك المقرون بالحكمة و الرحمة و الحمد فإذا زال غضبه سبحانه و تعالى و تبدل برضاه زالت عقوبته و تبدلت برحمته فانقلبت العقوبة إلى رحمة بل لم تزل رحمة و أن تنوعت صفتها و صورتها كما كان

عقوبة العصاة رحمة و إخراجهم من النار رحمة فتقلبوا في رحمته في الدنيا و تقلبوا فيها في الآخرة لكن تلك الرحمة يحبونها و توافق طبائعهم و هذه رحمة يكرهونها و تشق عليهم كرحمة الطبيب الذي يضع لحم المريض و يلقي عليه المكاوي ليستخرج منه المواد الرديئة الفاسدة فان قيل هذا اعتبار غير صحيح فان الطبيب يفعل ذلك بالعليل و هو يحبه و هو راض عنه و لم ينشا فعله به عن غضبه بغضبه عليه و لهذا لا يسمى عقوبة و أما عذاب هؤلاء فانه إنما حصل بغضبه سبحانه عليهم و هو عقوبة محضة قيل هذا حق و لكن لا ينافي كونه رحمة بهم و أن كان عقوبة لهم و هذا كإقامة الحدود عليهم في الدنيا فانه عقوبة و رحمة و تخفيف و طهرة فالحدود طهرة لأهلها و عقوبة و هم لما أغضبوا الرب تعالى و قابلوه بما لا يليق أن يقابل به و عاملوه اقبح المعاملة و كذبوه و كذبوا رسله و جعلوا اقل خلقه و اخبثهم و امقتهم له ندا له و إلهة معه و اثروا رضاهم على رضاه و طاعتهم على طاعته و هو ولي الإنعام عليهم و هو خالقهم و رازقهم و مولاهم الحق اشتد مقته لهم و غضبه عليهم و ذلك يوجب كمال أسمائه و صفاته التي يستحيل عيله تقدير خلافها و يستحيل عليه تخلف آثارها و مقتضاها عنها بل ذلك تعطيل لأحكامها كما أن نفيها عنه تعطيل لحقائقها و كلا التعطيلين محال عليه سبحانه و تعالى فالمعطلون نوعان أحدهما عطل صفاته والثاني عطل أحكامها و موجباتها و كان هذا العذاب عقوبة لهم من هذا الوجه و دواء لهم من جهة الرحمة السابقة للغضب فاجتمع فيه الأمران فإذا زال الغضب بزوال المادة الفاسدة بتغيير الطبيعة المقتضية لها في الجحيم بمرور الاحقاب عليها وحصلت الحكمة التي اوجبت العقوبة عملت الرحمة عملها و طلبت أثرها من غير معارض يوضحه الوجه الحادي عشر و هو أن العفو احب إليه سبحانه من الانتقام و الرحمة احب إليه من العقوبة و الرضا احب إليه من الغضب و الفضل احب إليه من العدل و لهذا ظهرت آثار هذه المحبة في شرعه و قدره و يظهر كل الظهور لعباده في ثوابه و عقابه و إذا كان ذلك احب الأمرين إليه و له خلق الخلق و انزل الكتب و شرع الشرائع و قدرته سبحانه صالحة لكل شيء لا قصور فيها بوجه ما وتلك المواد الردية الفاسدة مرض من الأمراض و بيده سبحانه و تعالى الشفاء التام و الأدوية الموافقة لكل داء و له القدرة التامة و الرحمة السابغة و الغنى المطلق بالعبد اعظم حاجة

إلى من يداوي علته التي بلغت به غاية الضرر و المشقة و قد عرف العبد انه عليل و أن دواءه بيد الغني الحميد فتضرع إليه و دخل به عليه و استكان له و انكسر قلبه بين يديه و ذل لعزته و عرف أن الحمد كله له و أن الحق كله له و انه هو الظلوم الجهول وان ربه تبارك و تعالى عامله بكل عدله لا ببعض عدله و أن له غاية الحمد فيما فعل به و أن حمده هو الذي أقامه في هذا المقام و أوصله إليه و انه لا خير عنده من نفسه بوجه من الوجوه بل ذلك محض فضل الله و صدقته عليه و انه لا نجاة له مما هو فيه إلا بمجرد العفو و التجاوز عن حقه فنفسه أولى بكل ذم و عيب و نقص و ربه تعالى أولى بكل حمد و كمال و مدح فلو أن أهل الجحيم شهدوا نعمته سبحانه و رحمته و كماله و حمده الذي أوجب لهم ذلك فطلبوا مرضاته و لو بدوامهم في تلك الحال و قالوا أن كان ما نحن فيه رضاك فرضاك الذي نريد وما اوضان الى هذه الحال الا طلب مالا يرضيك فأما إذا أرضاك هذا منا فرضاك غاية ما نقصده و ما لجرح إذا أرضاك من ألم و أنت ارحم بنا من أنفسنا و اعلم بمصالحنا و لك الحمد كله عاقبت أو عفوت لانقلبت النار عليهم بردا و سلاما و قد روى الإمام احمد في مسنده من حديث الأسود بن سريع أن النبي قال يأتي أربعة يوم القيامة رجل أصم لا يسمع شيئا و رجل أحمق و رجل هرم و رجل مات في فترة فأما الأصم فيقول رب لقد جاء الإسلام و ما اسمع شيئا و أما الأحمق فيقول رب لقد جاء الإسلام والضبيان يحذفوني بالبعر واما الهرم فيقول ربى لقد جاء الاسلام و ما اعقل شيئا و أما الذي مات في الفترة فيقول رب ما أتاني لك من رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار قال فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا و سلاما و في المسند أيضا من حديث قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة مثله و قال فمن دخلها كانت عليه بردا و سلاما و من لم يدخلها يسحب إليها فهؤلاء لما رضوا بتعذيبهم و بادروا إليه لما علموا أن فيه رضى ربهم و موافقة أمره و محبته انقلب في حقهم نعيما و مثل هذا ما رواه عبد الله بن المبارك حدثني رشدين قال حدثني ابن انعم عن أبي عثمان انه حدثه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله قال أن رجلين ممن دخلا النار يشتد صياحهما فقال الرب جل جلاله أخرجوهما فإذا أخرجا فقال لهما لاي شيء اشتد صياحكما قال فعلنا ذلك لترحمنا قال رحمتي لكما أن تنطلقا

فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار قال فينطلقان فيلقي أحدهما نفسه فيجعلها الله سبحانه عليه بردا و سلاما و يقوم الآخر فلا يلقي فيقول له الرب تبارك و تعالى ما منعك أن تلقي نفسك كما القى صاحبك فيقول رب إني أرجوك أن لا تعيدني فيها بعدما أخرجتني منها فيقول الرب و تعالى لك رجاؤك فيدخلان الجنة جميعا برحمة الله و ذكر الاوزاعي عن بلال بن سعد قال يؤمر بإخراج رجلين من النار فإذا خرجا و وقفا قال الله لهما كيف وجدتما مقيلكما و سوء مصيركما فيقولان شر مقيل و أسوا مصير صار إليه العبد فيقول لهما بما قدمت ايديكما و ما أنا بظلام للعبيد قال فيؤمر بصرفهما إلى النار فأما أحدهما فيغدوا في أغلاله و سلاسله حتى يقتحمها و أما الآخر فيتلكا فيؤمر بردهما فيقول للذي غدا في أغلاله و سلاسله حتى اقتحمها ما حملك على ما صنعت و قد خرجت منها فيقول إني خبرت من وبال معصيتك و ما لم اكن أتعرض لسخطك ثانيا و يقول للذي تلكأ ما حملك على ما صنعت فيقول حسن ظني بك حين أخرجتني منها أن لا تردني إليها فيرحمهما جميعا و يأمر بهما إلى الجنة الوجه الثاني عشر أن النعيم و الثواب من مقتضى رحمته و مغفرته وبره كرمه و لذلك يضيف ذلك إلى نفسه و أما العذاب و العقوبة فإنما هو من مخلوقاته و لذلك لا يسمى بالمعاقب و المعذب بل يفرق بينهما فيجعل ذلك من أوصافه و هذا من مفعولاته حتى في الآية الواحدة كقوله تعالى ^ نبئ عبادي إني أنا الغفور الرحيم وان عذابي هو العذاب الأليم ^ و قال تعالى اعلموا ان الله شديد العقاب وان الله غفور رحيم إن ربك لسريع العقاب و انه لغفور رحيم و مثلها في آخر الأنعام فما كان مقتضى أسمائه و صفاته فانه يدوم بدوامها و لا سيما إذا كان محبوبا له و هو غاية مطلوبة في نفسها و أما الشر الذي هو العذاب فلا يدخل في أسمائه و صفاته إن ادخل في مفعولاته لحكمة إذا حصلت زال وفنني بخلاف الخير فانه سبحانه و تعالى دائم المعروف لا ينقطع معروفه أبدا و هو قديم الإحسان ابدي الإحسان فلم يزل و لا يزال معاقبا على الدوام غضبان على الدوام منتقما على الدوام فتأمل هذا الوجه تأمل ففيه في باب أسماء الله و صفاته يفتح لك باب من أبواب معرفته و محبته يوضحه الوجه الثالث عشر و هو قول اعلم خلقه به و اعرفهم بأسمائه و صفاته و الشر ليس إليك و لم يقف على

المعنى المقصود من قال الشر لا يتقرب به إليك بل الشر لا يضاف إليه سبحانه بوجه لا في ذاته و لا في صفاته و لا في أفعاله و لا في أسمائه فان ذاته لها الكمال المطلق من جميع الوجوه و صفاته كلها صفات كمال و يحمد عليها و يثنى عليه بها و أفعاله كلها خير و رحمة و عدل و حكمة لا شر فيها بوجه ما و أسماؤه كلها حسنى فكيف يضاف الشر إليه بل الشر في مفعولاته و مخلوقاته و هو منفصل عنه إذ فعله غير مفعول ففعله خير كله و أما المخلوق المفعول ففيه الخير و الشر و إذا كان الشر مخلوقا منفصلا غير قائم بالرب سبحانه فهو لا يضاف إليه و هو لم يقل أنت لا تخلق الشر حتى يطلب تأويل قوله و إنما نفى إضافته إليه وصفا و فعلا و أسماء و إذا عرف هذا فالشر ليس إلا الذنوب و موجباتها و أما الآخر فهو الإيمان و الطاعات و موجباتها و الإيمان و الطاعات متعلقة به سبحانه و لاجلها خلق الله خلقه و أرسل رسله و انزل كتبه و هي ثناء على الرب تبارك و تعالى و إجلاله و تعظيمه و عبوديته و هذه لها آثار تطلبها و تقتضيها فتدوم آثارها بدوام متعلقها و أما الشرور فليس مقصودة لذاتها و لا هي الغاية التي خلق لها الخلق فهي مفعولات قدرت لامر محبوب و جعلت وسيلة إليه فإذا حصل ما قدرت له اضمحلت و تلاشت و عاد الأمر إلى الخير المحض الوجه الرابع عشر انه سبحانه و تعالى اخبر إن رحمته وسعت كل شيء فليس شيء من الأشياء إلا و فيه رحمته ولا ينافي هذا انت ترحم العبد بمات يشق عليه ويؤلمه وتشتد كراهته له فان ذلك من أيضا كما تقدم و قد ذكرنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه آنفا و قوله تعالى لذينك الرجلين رحمتي لكما إن تنطلقا فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار و قد جاء في بعض الآثار إن العبد إذا دعى لمبتلى قد اشتد بلاؤه و قال اللهم ارحمه يقول الرب تبارك و تعالى كيف ارحمه من شيء به ارحمه فالابتلاء رحمة منه لعباده و في اثر الهي يقول الله تعالى أهل ذكر أهل مجالستي و أهل طاعتي أهل كرامتي و أهل شكري أهل زيادتي و أهل معصيتي لاقنطهم من رحمتي إن تابوا فأنا حبيبهم و إن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ابتليهم بالمصايب لاطهرهم من المعايب فالبلاء و العقوبة قدرته لإزالة أدواء لا تزول إلا بها و النار هي الدواء الأكبر فمن تداوى في الدنيا أغناه ذلك عن الدواء في الآخرة و إلا فلا بدله من الدواء بحسب دائه و من عرف الرب تبارك و تعالى بصفات جلاله



و نعوت كماله من حكمته و رحمته وبره و إحسانه و غناه و جوده و تحببه إلى عباده و إرادة الأنعام عليهم و سبق رحمته لهم يبادر لا إنكار ذلك إن لم يبادر إلى قبوله يوضحه الوجه الخامس عشر إن أفعاله سبحانه لا تخرج عن الحكمة و الرحمة و المصلحة و العدل فلا يفعل عبثا و لا جورا و لا باطلا بل هو المنزه عن ذلك كما ينزه عن سائر العيوب و النقائص و إذا ثبت ذلك فتعذيبهم إن كان رحمة بهم حتى يزول ذلك الخبث و تكمل الطهارة فظاهر و إن كان لحكمة فإذا حصلت تلك الحكمة المطلوبة زال العذاب و ليس في الحكمة دوام العذاب أبدا الآباد بحيث يكون دائما بدوام الرب تبارك و تعالى و إن كان لمصلحة تعود إلى أوليائه فان ذلك اكمل في نعيمهم فهذا لا يقتضي تأبيد العذاب و ليس نعيم أوليائه و كماله موقوفا على بقاء آبائهم و أبنائهم و أزواجهم في العذاب السرمد فان قلتم إن ذلك موجب الرحمة و الحكمة و المصلحة قلتم ما لا يعقل و إن قلتم إن ذلك عائد إلى محض المشيئة و لا تطلب له حكمة و لا غاية فجوابه من وجهين أحدهما إن ذلك محال على احكم الحاكمين و اعلم العالمين إن تكون أفعاله معطلة عن الحكم و المصالح و الغايات المحمودة و القرآن و السنة و أدلة العقول و الفطر و الآيات المشهودة شاهدة ببطلان ذلك و الثاني انه لو كان الأمر كذلك لكان بقاؤهم في العذاب و انقطاعه عنهم بالنسبة إلى مشيئته سواء و لم يكن في انقضائه ما ينافي كماله و هو سبحانه لم يخبر بأبدية العذاب و انه لا نهاية له و غاية الأمر على هذا التقدير إن يكون من الجائزات الممكنات الموقوف على حكمها على خبر الصادق فان سلكت طريق التعليل بالحكمة و الرحمة و المصلحة لم يقتض الدوام و إن سلكت طريق المشيئة المحضة التي لا تعلل لم تقتضه أيضا و إن وقف الأمر على مجرد السمع فليس فيه متن يقتضيه الوجه السادس عشر ان رحمته سبحانه سبقت غضبه في المعذبين فانه أنشأهم برحمته و رباهم برحمته و رزقهم و عافاهم برحمته و أرسل إليهم الرسل برحمته و أسباب النقمة و العذاب متأخر عن أسباب الرحمة طارئة عليها فرحمته سبقت غضبه فيهم و خلقهم على خلقة تكون رحمته إليهم اقرب من غضبه و عقوبته و لهذا ترى الأطفال الكفار قد آلت عليهم رحمته فمن رآهم رحمهم و لهذا نهى عن قتلهم فرحمته سبقت

غضبه فيهم فكانت هي السابقة إليهم ففي كل حال هم في رحمته في حال معافاتهم و ابتلائهم و إذا كانت الرحمة هي السابقة فيهم لم يبطل أثرها بالكلية وان عارضها اثر الغضب و السخط فذلك لسبب منهم و أما اثر الرحمة فسببه منه سبحانه و تعالى فما منه يقتضي رحمتهم و ما منهم يقتض عقوبتهم و الذي منه سابق و غالب و إذا كانت رحمته تغلب غضبه فلان يغلب اثر الرحمة اثر الغضب أولى و أحرى الوجه السابع عشر انه سبحانه و تعالى يخبر عن العذاب انه عذاب يوم عقيم و عذاب يوم عظيم و عذاب يوم اليم و لا يخبر عن النعيم انه نعيم يوم و لا في موضع واحد و قد ثبت في الصحيح تقدير يوم القيامة بخمسين ألف سنة و المعذبون متفاوتون في مدة لبثهم في العذاب بحسب جرائمهم و الله سبحانه جعل العذاب على ما كان في الدنيا و أسبابها و ما أريد به الدنيا ولم ولك يرد به الله فالعذاب على ذلك و أما إن كان للآخرة و أريد به وجه الله فلا عذاب و الدنيا قد جعل لها اجل تنتهي إليه فما انتقل منها إلى تلك الدار مما ليس لله فهو المعذب به و أما ما أريد به وجه الله و الدار الآخرة فقد أريد به ما لا يفنى و لا يزول فيدوم بدوام المراد به فان الغاية المطلوبة إذا كانت دائمة لا تزول ما لم يزل ما تعلق بها بخلاف الغاية المضمحلة الفانية فما أريد به غير الله يضمحل و يزول بزوال مراده و مطلوبه وما أريد به وجه الله يبقى ببقاء المطلوب المراد فإذا اضمحلت الدنيا و انقطعت أسبابها و انتقل ما كان فيها لغير الله من الأعمال و الذوات و انقلب عذابا و آلاما لم يكن له متعلق يدوم بدوامه بخلاف النعيم الوجه الثامن عشر انه ليس في حكمة احكم الحاكمين إن يخلق خلقا يعذبهم ابد الآباد عذابا سرمدا لا نهاية له و لا انقطاع أبدا و قد دلت الأدلة السمعية و العقلية و الفطرية على انه سبحانه و تعالى حكيم و انه احكم الحاكمين فإذا عذب خلقه عذبهم بحكمة كما يوجد التعذيب و العقوبة في الدنيا في شرعه و قدره فان فيه من الحكم و المصالح و تطهير العبد ومداواته و إخراج المواد الردية عنه بتلك الآلام ما تشهده العقول الصحيحة و في ذلك من تزكية النفوس و صلاحها و زجرها و ردع نظائرها و توقيفها على فقرها و ضرورتها الى ربها و غير ذلك من الحكم و الغايات الحميدة ما لا يعلمه إلا الله و لا ريب إن الجنة طيبة لا يدخلها إلا طيب و لهذا يحاسبون إذا قطعوا الصراط على قنطرة بين الجنة و النار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم

في الدنيا حتى إذا ذهبوا و نفوا أذن لهم في دخول الجنة و معلوم إن النفوس الشريرة الخبيثة المظلمة التي لو ردت إلى الدنيا قبل العذاب لعادت لما نهيت عنه لا يصلح إن تسكن دار السلام في جوار رب العالمين فإذا عذبوا في النار عذابا تخلص نفوسهم من ذلك الخبث و الوسخ و الدرن كان ذلك من حكمة احكم الحاكمين و رحمته و لا يتنافى الحكمة خلق نفوس فيها شر يزول بالبلاء الطويل و النار كما يزول بها خبث الذهب و الفضة و الحديد فهذا معقول في الحكمة و هو من لوازم العالم المخلوق على هذه الصفة أما خلق نفوس لا يزول شرها أبدا و عذابها لا انتهاء له فلا يظهر في الحكمة و الرحمة و في وجود مثل هذا النوع نزاع بين العقلاء أعنى ذواتا هي شر من كل وجه ليس فيها شيء من خير أصلا و على تقدير دخوله في الوجود فالرب تبارك و تعالى قادر على قلب الأعيان و إحالتها و إحالة صفاتها فإذا وجدت الحكمة المطلوبة من خلق هذه النفوس و الحكمة المطلوبة من تعذيبها فالله سبحانه قادر إن ينشئها نشأة أخرى غير تلك النشأة و يرحمها في النشأة الثانية نوعا آخر من الرحمة يوضحه الوجه التاسع عشر و هو انه قد ثبت إن الله سبحانه و تعالى ينشئ للجنة خلقا آخر يسكنهم إياها و لم يعملوا خيرا قط تكون الجنة جزاء لهم عليه فإذا اخذ العذاب من هذه النفوس مأخذه و بلغت العقوبة مبلغها فانكسرت تلك النفوس و خضعت و ذلت و اعترفت لربها و فاطرها بالحمد و انه عدل فيها كل العدل و إنها في هذه الحال كانت في تخفيف منه و لو شاء إن يكون عذابهم اشد من ذلك لفعل و شاء كتب العقوبة طلبا لموافقة رضاه و محبته و علم إن العذاب أولى بها و انه لا يليق بها سواه و لا تصلح إلا له فذابت منها تلك الخبائث كلها و تلاشت و تبدلت بذل و انكسار و حمد و ثناء الرب تبارك و تعالى لم يكن في حكمته إن يستمر بها في العذاب بعد ذلك إذ قد تبدل شرها بخيرها و شركها بتوحيدها و كبرها بخضوعها و ذلها و لا ينتقض هذا بقول الله عز و جل و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فان هذا قبل مباشرة العذاب الذي يزيل تلك الخبائث و إنما هو عند المعاينة قبل الدخول فانه سبحانه و تعالى قال و لو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد و لا نكذب بآيات ربنا و نكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه و انهم لكاذبون فهذا إنما قالوه قبل إن يستخرج العذاب منهم تلك الخبائث فأما إذا لبثوا في العذاب أحقابا و الحقب

كما رواه الطبراني في معجمه من حديث أبي امامة رضي الله عنه عن النبي انه قال الحقب خمسون ألف سنة فانه من الممتع إن يبقى ذا الكبر و الشرك و الخبث بعد هذه المدد المتطاولة في العذاب الوجه العشرون انه قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري في حديث الشفاعة فيقول عز وجل شفعت الملائكة و شفع النبيون و شفع المؤمنون و لم يبق إلا ارحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيها في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل فيقول الله الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه و لا خير قدموه فهؤلاء أحرقتهم النار جميعهم فلم يبق في بدن أحدهم موضع لم تمسه النار بحيث صاروا حمما و هو الفحم المحترق بالنار و ظاهر السياق انه لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير فان لفظ الحديث هكذا فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا فيقول الله عز و جل شفعت الملائكة و شفع النبيون و شفع المؤمنون و لم يبق إلا ارحم الراحمين فيقبض الله قبضة من نار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط فهذا السياق يدل على إن هؤلاء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير و مع هذا فأخرجتهم الرحمة و من هذا رحمته سبحانه و تعالى للذي أوصى أهله إن يحرقوه بالنار و يذروه في البر و البحر زعما منه بأنه يفوت الله سبحانه و تعالى فهذا قد شك في المعاد و القدرة و لم يعمل خيرا قط و مع هذا فقال له ما حملك على ما صنعت قال خشيتك و أنت تعلم فما تلافاه إن رحمه الله فلله سبحانه و تعالى في خلقه حكم لا تبلغه عقول البشر و قد ثبت في حديث انس رضي الله عنه إن رسول الله قال يقول الله عز و جل اخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام قالوا و من ذا الذي في مدة عمره كلها من أولها إلى آخرها لم يذكر به يوما واحدا و لا خافه ساعة واحدة و لا ريب إن رحمته سبحانه و تعالى إذا أخرجت من النار من ذكره وقتا أو خافه في مقام ما فغير بدع إن تنفى النار و لكن هؤلاء خرجوا منها و هي نار الوجه الحادي و العشرون إن اعتراف العبد بذنبه حقيقة الاعتراف المتضمن لنسبة السواء و الظلم و اللوم إليه من كل وجه و نسبة و عدل و الحمد و الرحمة و الكمال المطلق إلى ربه من كل وجه يستعطف ربه تبارك و تعالى عليه و يستدعي رحمته

له و إذا أراد إن يرحم عبده ألقى ذلك في قلبه و الرحمة معه و لا سيما إذا اقترن بذلك جزم العبد على ترك المعاودة لما يسخط ربه عليه و علم الله إن ذلك داخل في قلبه و سويدائه فانه لا تتخلف عنه الرحمة مع ذلك و في معجم الطبراني من حديث يزيد بن سنان الرهاوي عن سليمان بن عامر عن أبي امامة رضي الله عنه قال قال رسول الله إن آخر رجل يدخل الجنة رجل يتقلب على الصراط ظهرا لبطن كالغلام يضربه أبوه و هو يفر منه يعجز عنه عمله إن يسعى فيقول يا رب بلغ بي الجنة و نجني من النار فيوحي الله تبارك و تعالى اليه عبدي إن أنا نجيتك من النار و أدخلتك الجنة أتعترف لي بذنوبك و خطاياك فيقول العبد نعم يا رب و عزتك و جلالك إن نجيتني من النار لاعترفن لك بذنوبي و خطاياي فيجوز الجسر فيقول العبد فيما بينه و بين نفسه لئن اعترفت له بذنوبي و خطاياي ليردني إلى النار فيوحي الله إليه عبدي اعترف لي بذنوبك و خطاياك اغفرها لك و أدخلك الجنة فيقول العبد لا و عزتك و جلالك ما أذنبت ذنبا قط و لا أخطأت خطيئة قط فيوحي الله إليه عبدي إن لي عليك بينة فيلتفت العبد يمينا و شمالا فلا يرى أحدا فيقول أي رب ارني بينتك فينطق الله تعالى جلده بالمحقرات فإذا رأى ذلك العبد يقول يا رب عندي و عزتك العظائم فيوحي الله إليه عبدي أنا اعرف بها منك اعترف لي بها اغفرها لك و أدخلك الجنة فيعترف العبد بذنوبه فيدخل الجنة ثم ضحك رسول الله حتى بدت نواجذه يقول هذا أدنى أهل الجنة منزلة فكيف بالذي فوقه فالرب تبارك و تعالى يريد من عبده الاعتراف و الانكسار بين يديه و الخضوع و الذلة له و العزم على مرضاته فما دام أهل النار فاقدين لهذه الروح لروح فهم فاقدون الرحمة فإذا أراد عز و جل إن يرحمهم أو من يشاء منهم جعل في قلبه ذلك فتدركه الرحمة و قدرة الرب تبارك و تعالى غير قاصرة عن ذلك و ليس فيه ما يناقض موجب أسمائه و صفاته و قد اخبر انه فعال لما يريد الوجه الثاني و العشرون انه سبحانه و تعالى أوجب الخلود على معاصي الكبائر و قيده بالتأبيد و لم يناف ذلك انقطاعه و انتهاؤه فمنها قوله تعالى و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه و اعد له عذابا عظيما و منها قول النبي من قتل نفسا بحديدة فحديدته في يده يتوجا بها في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا و هو حديث صحيح و كذلك

قوله في الحديث الآخر في قاتل نفسه فيقول الله تبارك و تعالى بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة و ابلغ من هذا قوله تعالى و من يعص الله و رسوله فان له نار جهنم خالدا فيها أبدا فهذا وعيد مقيد بالخلود و التأبيد مع انقطاعه قطعا بسبب العبد و هو التوحيد فكذلك الوعيد العام لأهل النار لا يمتنع انقطاعه بسبب ممن كتب على نفسه الرحمة و غلبت رحمته غضبه فلو يعلم الكافر بكل ما عنده من الرحمة لما يئس من رحمته كما في صحيح البخاري عنه خلق الله الرحمة يوم خلقها مائة رحمة و قال في آخره فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم يياس من الجنة و لو يعلم المسلم بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار الوجه الثالث و العشرون انه لو جاء الخبر منه سبحانه و تعالى صريحا بان عذاب النار لا انتهاء له و انه ابدي لا انقطاع له لكان ذلك وعيدا منه سبحانه و تعالى و الله تعالى لا يخلف وعده و أما الوعيد فمذهب اهل السنة كلهم إن إخلافه كرم و عفو و تجاوز يمدح الحرب تبارك و تعالى به و يثنى عليه به فانه حق له إن شاء تركه و إن شاء استوفاه و الكريم لا يستوفي حقه فكيف بأكرم الاكرمين و قد صرح سبحانه و تعالى في كتابه في غير موضع بأنه لا يخلف وعده و لم يقل في موضع واحد لا يخلف وعيده و قد روى أبو يعلى الموصلي ثنا هدبة بن خالد حدثنا سهيل بن أبي حزم ثنا ثابت البنائي عن انس بن مالك رضي الله عنه إن رسول الله قال من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجزه و من واعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار و قال أبو الشيخ الاصبهاني ثنا محمد بن حمزة ثنا احمد بن الخليل ثنا الأصمعي قال جاء عمرو بن عبيد إلى أبي عمرو بن العلاء فقال يا أبا عمرو يخلف الله ما وعده قال لا قال افرايت من اوعده الله على عمله عقابا أيخلف الله وعده عليه فقال أبو عمرو بن العلاء من العجمة أتيت يا أبا عثمان إن الوعد غير الوعيد إن العرب لا تعد عارا و لا خلفا إن تعد شرا ثم لا تفعله ترى ذلك كرما و فضلا و إنما الخلف إن تعد خيرا ثم لا تفعله قال فاوجدني هذا في كلام العرب قال نعم أما سمعت إلى قول الأول و لا يرهب ابن العم ما عشت سطوتي % و لا اختشي من صولة المتهدد % و إني و إن اوعدته أو وعدته % لمخلف ايعادي و منجز موعدي % قال أبو الشيخ و قال يحيى بن معاذ الوعد و الوعيد حق فالوعد حق العباد على الله ضمن لهم إذا فعلوا كذا و إن يعطيهم كذا و من أولى بالوفاء من الله و الوعيد

حقه على العباد قال لا تفعلوا كذا فأعذبكم ففعلوا فان شاء عفا و إن شاء اخذ لان حقه و أولاهما بربنا تبارك و تعالى العفو و الكرم انه غفور رحيم و مما يدل على ذلك و يؤيده خبر كعب بن زهير حين اوعده رسول الله فقال نبئت إن رسول الله اوعدني % و العفو عند رسول الله مأمول % فإذا كان هذا في وعيد مطلق فكيف بوعيد مقرون باستثناء معقب بقوله إن ربك فعال لما يريد و هذا أخبار منه انه يفعل ما يريد عقيب قوله إلا ما شاء ربك فهو عائد اليه ولا بد ولا يجوز ان يرجع الى المستثنى منه وحده بل اما ان يختص بالمستثنى او يعود اليهما وغير خاف ان تعلقه بقوله الا ما شاء ربك أولى من تعلقه بقوله خالدين بخالدين فيها و ذلك ظاهر للمتأمل و هو الذي فهمه الصحابة فقالوا أتت هذه الآية في وعيد القران و لم يريدوا بذلك الاستثناء وحده فان الاستثناء مذكور في الأنعام أيضا و إنما أرادوا انه عقب الاستثناء بقوله إن ربك فعال لما يريد و هذا التعقيب نظير قوله في الأنعام خالدين فيها إلا ما شاء ربك إن ربك حكيم عليم فاخبر إن عذابهم في جميع الأوقات و رفعه عنهم في وقت يشاؤه صادر عن كمال علمه و حكمته لا عن مشيئة مجردة عن الحكمة و المصلحة و الرحمة و العدل اذ يستحيل تجرد مشيئته عن ذلك الوجه الرابع و العشرون إن جانب الرحمة اغلب في هذه الدار من الباطلة الفانية الزائلة عن قرب من جانب العقوبة و الغضب و لولا ذلك لما عمرت و لا قام لها وجود كما قال تعالى و لو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا بظلمهم ما ترك عليها من دابة و قال و لو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة فلولا سعة رحمته و مغفرته و عفوه لما قام العالم و مع هذا فالذي أظهره من الرحمة في هذه الدار وانزله بين الخلائق جزء من مائة جزء من الرحمة فإذا كان جانب الرحمة قد غلب في هذه الدار و نالت البر و الفاجر و المؤمن و الكافر مع قيام مقتضى العقوبة به و مباشرته له و تمكنه من إغضاب ربه و السعي في مساخطته فكيف لا يغلب جانب الرحمة في دار تكون الرحمة فيها مضاعفة على ما في هذه الدار تسعة و تسعين ضعفا و قد اخذ العذاب من الكفار مأخذه و انكسرت تلك النفوس و نهكها العذاب و أذاب منها خبثا و شرا لم يكن يحول بينها و بين رحمته لها في الدنيا بل كان يرحمها مع قيام مقتضى العقوبة و الغضب بها فكيف إذا زال مقتضى الغضب و العقوبة و قوى جانب

الرحمة أضعاف اضعاف الرحمة في هذه الدار و اضمحل الشر و الخبث الذي فيها فأذابته النار و أكلته و سر الامر إن أسماء الرحمة والإحسان اغلب و اظهر و اكثر من أسماء الانتقام و فعل الرحمة اكثر من فعل الانتقام و ظهور آثار الرحمة اعظم من ظهور آثار الانتقام و الرحمة احب إليه من الانتقام و بالرحمة خلق خلقه و لها خلقهم و هي التي سبقت غضبه و غلبته و كتبها على نفسه و وسعت كل شيء وما خلق بها فمطلوب لذاته وما خلق بالغضب فمراد لغيره كما تقدم تقرير ذلك و العقوبة تأديب و تطهير و الرحمة إحسان و كرم و جود و العقوبة مداواة و الرحمة عطاء و بذل الوجه الخامس و العشرون انه سبحانه و تعالى لا بد إن يظهر لخلقه جميعهم يوم القيامة صدقه و صدق رسله و إن أعداؤه كانوا هم الكاذبين المفترين و يظهر لهم حكمه الذي هو اعدل حكم في أعدائه و انه حكم فيهم حكما يحمدونه هم عليه فضلا عن أوليائه و ملائكته و رسله بحيث ينطق الكون كله بالحمد لله رب العالمين و لذلك قال تعالى و قضى بينهم بالحق و قيل الحمد لله رب العالمين فحذف فاعل القول لإرادة الإطلاق وان ذلك جار على لسان كل ناطق و قلبه قال الحسن لقد دخلوا النار و إن قلوبهم لممتلئة من حمده ما وجدوا عليه سبيلا و هذا هو الذي حسن حذف الفاعل من قوله ^ قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها ^ حتى كان الكون كله قائل ذلك لهم إذ هو حكمه العدل فيهم و مقتضى حكمته و حمده و أما أهل الجنة فقال تعالى و قال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين فهم لم يستحقوها بأعمالهم و إنما استحقوها بعفوه و رحمته و فضله فإذا اشهد سبحانه وتعالى ملائكته و خلقه كلهم حكمه العدل و حكمته الباهرة و ضعه العقوبة حيث تشهد العقول و الفطر و الخليقة انه أولى المواضع و أحقها بها و إن ذلك من كمال حمده الذي هو مقتضى أسمائه و صفاته و إن هذه النفوس الخبيثة الظالمة الفاجرة لا يليق بها غير ذلك و لا يحسن بها سواه بحيث تعترف بها هي من ذواتها بأنها اهل ذلك و إنها أولى به حصلت الحكمة التي لاجلها وجد الشر و موجباته في هذه الدار و تلك الدار و ليس في الحكمة الإلهية إن الشرور تبقى دائما لا نهاية لها و لا انقطاع أبدا فتكون هي و الخيرات في ذلك على حد سواء فهذا نهاية أقدام الفريقين في هذه المسئلة و لعلك لا تظفر به في غير هذا الكتاب فان قيل فإلي أين أنهى قدمكم في هذه المسئلة العظيمة

الشأن التي هي اكبر من الدنيا بأضعاف مضاعفة قيل إلى قوله تبارك و تعالى ^ إن ربك فعال لما يريد ^ و إلى هنا قدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيها حيث ذكر دخول الجنة الجنة و أهل النار النار و ما يلقاه هؤلاء و هؤلاء و قال ثم يفعل الله بعد ذلك ما يشاء بل و إلى هنا ههنا انتهت أقدام الخلائق و ما ذكرنا في هذه المسئلة بل في الكتاب كله من صواب فمن الله سبحانه و تعالى و هو المان به وما كان من خطا فمني و من الشيطان و الله ورسوله بريء منه و هو عند لسان كل قائل و قلبه و
الباب الثامن و الستون
قصده و الله اعلم في ذكر آخر اهل الجنة دخولا اليها في الصحيحين من حيث أبي منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها و آخر أهل الجنة دخولا الجنة رجلا يخرج من النار حبوا فيقول الله له اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه إنها ملاى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملاى فيقول الله له اذهب فادخل الجنة قال فيأتيها فيخيل إليه إنها ملاى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملاى فيقول الله له اذهب فادخل الجنة فان لك مثل الدنيا و عشرة أمثالها أو أن لك عشرة أمثال الدنيا قال فيقول أتسخر بي و تضحك بي و أنت الملك قال لقد رأيت رسول الله يضحك حتى بدت نواجذه قال فكان يقول ذلك أدنى أهل الجنة منزلة و في صحيح مسلم من حديث الأعمش عن العمرو بن سويد عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة و آخر أهل النار خروجا منها رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه و ارفعوا عنه كبارها فيعرض عليه صغار ذنوبه فيقال عملت يوم كذا و كذا و كذا و كذا و عملت يوم كذا وكذا و كذا و كذا فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر و هو مشفق من كبار ذنوبه إن تعرض عليه فيقال له فان لك مكان كل سيئة حسنة فيقول رب قد عملت أشياء لا أراها ههنا فلقد رأيت رسول الله

275 ضحك حتى بدت نواجذه و قال الطبراني حدثنا عبد الله بن سعد بن يحيى الزرقي حدثنا أبو فروة يزيد بن محمد بن سنان الرهاوي قال حدثني أبي عن أبيه قال حدثني أبو يحيى الكلاعي عن أبي امامة رضي الله عنه قال قال رسول الله إن آخر رجل رجل يدخل الحنة رجل يتقلب على الصراط ظهرا لبلعن كالغلام يضربه أبوه و هو يفر منه يعجز عنه عمله أن يسعى فيقول يا رب بلغ بي الجنة و نجني من النار فيوحي الله تبارك و تعالى إليه عبدي إن أنا نجيتك من النار و أدخلتك الجنة أتعترف لي بذنوبك و خطاياك فيقول العبد نعم يا رب و عزتك و جلالك لئن نجيتني من النار لاعترفن لك بذنوبي و خطاياي فيجوز الجسر فيقول العبد فيما بينه و بين نفسه لئن اعترفت له بذنوبي و خطاياي ليردني إلى النار فيوحي الله إليه عبدي اعترف لي بذنوبك و خطاياك اغفرها لك و أدخلك الجنة فيقول العبد لا و عزتك و جلالك ما أذنبت ذنبا قط و لا أخطأت خطيئة قط فيوحي الله إليه عبدي إن لي عليك بينة فيلتفت العبد يمينا و شمالا فلا يرى أحدا فيقول يا رب ارني بينتك فيستنطق الله جلده بالمحقرات فإذا رأى ذلك العبد فيقول يا ربي عندي و عزتك العظائم فيوحي الله إليه عبدي أنا اعرف بها منك اعترف لي بها اغفرها لك و أدخلك الجنة فيعترف العبد بذنوبه فيدخل الجنة ثم ضحك رسول الله حتى بدت نواجذه يقول هذا أدنى أهل الجنة منزلة فكيف بالذي فوقه ورواه ابن أبي شيبة عن هاشم بن القاسم ثنا أبو عقيل عبد الله بن عقيل الثقفي عن يزيد بن سنان به و في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله قال آخر من يدخل الحنة رجل فهو يمشي على الصراط مرة و يكبو مرة و تسعفه النار مرة فإذا جاوزها التفت إليها فقال تبارك الله الذي نجاني منك لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين و الآخرين فترتفع له شجرة فيقول أي رب أدنني من هذه الشجرة استظل بظلها و اشرب من مائها فيقول الله تبارك و تعالى يا ابن آدم لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها فيقول لا يا رب و يعاهده إن لا يسأله شيئا غيرها و ربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظل بظلها و يشرب من مائها ثم ترتفع له شجرة هي احسن من الأولى فيقول يا رب أدنني من هذه لاشرب من مائها و استظل بظلها لا اسالك غيرها فيقول يا ابن آدم ألم تعاهدني انك لا تسألني غيرها فيقول لعلي إن أدنيتك منها إن

تسألني غيرها فيعاهده إن لا يسأله غيرها و ربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظل بظلها و يشرب من مائها ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي احسن من الأوليين فيقول أي رب أدنني من هذه الشجرة لاستظل بظلها و اشرب من مائها لا اسالك غيرها فيقول يا ابن آدم ألم تعاهدني إن لا تسألني غيرها قال بلى يا رب هذه لا اسالك غيرها و ربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فإذا أدناه منها سمع أصوات أهل الجنة فيقول يا رب ادخلنيها فيقول يا ابن آدم ما يرضيك مني أيرضيك أنى أعطيتك الدنيا و مثلها معها قال يا رب أتستهزئ مني و أنت رب العالمين فضحك ابن مسعود فقال ألا تسألونني مم اضحك قالوا مم تضحك قال ضحك رسول الله فقالوا مم تضحك يا رسول الله قال من ضحك رب العالمين حين قال أتستهزئ بي و أنت رب العالمين فيقول لا استهزئ بك و لكن على ما أشاء قادر وفي صحيح البرقاني عن أبي سعيد البرقاني من حديث أبي سعيد الخدري نحو هذه القصة و نحن نسوقه بتمامه من عنده و هو بإسناد مسلم سواء قال قال رسول الله إن أدنى أهل النار عذابا منتعل بنعلين من نار يغلي دماغه من حرارة نعليه و إن أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار قبل الجنة و مثل له شجرة ذات ظل فقال أي رب قدمني إلى هذه الشجرة لاكون في ظلها فقال الله عز و جل هل عسيت إن فعلت إن تسألني غيره قال لا و عزتك فقدمه الله إليها و مثل له شجرة ذات ظل و ثمر أخرى فقال أي رب قدمني إلى هذه الشجرة استظل بظلها و آكل من ثمرها قال فقال هل عسيت إن أعطيتك ذلك إن تسألني غيره قال لا و عزتك فيقدمه الله إليها فيمثل الله له شجرة أخرى ذات ظل و ثمر و ماء فيقول أي رب قدمني إلى هذه الشجرة فاكون في ظلها وآكل من ثمرها و اشرب من مائها فيقول هل عسيت إن فعلت ذلك إن تسألني غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره فيقدمه الله إليها فتبرز له الجنة فيقول أي رب قدمني إلى باب الجنة فاكون نجاف الجنة و في رواية تحت نجاف الجنة انظر إلى أهلها فيقدمه الله إليها فيرى أهل الجنة و ما فيها فيقول أي رب أدخلني الجنة فيدخله الجنة فإذا دخل الجنة قال هذا لي فيقول الله له تمن قال فيتمنى و يذكره الله سل كذا و كذا فإذا انقطعت به الأماني قال الله هو لك و عشرة أمثاله قال ثم يدخل بيته و يدخل


رد مع اقتباس