عرض مشاركة واحدة
قديم 11-08-2008, 01:47 AM   رقم المشاركة : 5
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: البداية والنهاية الجزء الاول

*2* فصل ثم الملائكة عليهم السلام بالنسبة إلى ما هيأهم الله له أقسام
@ فمنهم حملة العرش كما تقدم ذكرهم ومنهم الكروبيون الذين هم حول العرش وهم أشرف الملائكة مع حملة العرش وهم الملائكة المقربون كما قال تعالى لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومنهم جبريل وميكائيل عليهما السلام وقد ذكر الله عنهم أنه يستغفرون للمؤمنين بظهر الغيب كما قال تعالى ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم
ولما كانت سجاياهم هذه السجية الطاهرة كانوا يحبون من اتصف بهذه الصفة فثبت في الحديث عن الصادق المصدوق أنه قال إذا دعا العبد لأخيه بظهر الغيب قال الملك آمين ولك بمثل
ومنهم سكان السموات السبع يعمرونها عبادة دائبة ليلا ونهارا صباحا ومساء كما قال يسبحون
الليل والنهار لا يفترون فمنهم الراكع دائما والقائم دائما والساجد دائما ومنهم الذين يتعاقبون زمرة بعد زمرة إلى البيت المعمور كل يوم سبعون ألفا لا يعودون إليه آخر ما عليهم ومنهم الموكلون بالجنان وإعداد الكرامة لأهلها وتهيئة الضيافة لساكنيها من ملابس ومصاغ ومساكن ومآكل ومشارب وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
وخازن الجنة ملك يقال له رضوان جاء مصرحا به في بعض الأحاديث ومنهم الموكلون بالنار وهم الزبانية ومقدموهم تسعة عشر وخازنها مالك وهو مقدم على جميع الخزنة وهم المذكورون في قوله تعالى وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب الآية وقال تعالى ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال انكم ماكثون لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون وقال تعالى عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وقال تعالى عليها تسعة عشر وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو
وهم الموكلون بحفظ بني آدم كما قال تعالى سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظون من أمر الله أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وماله من دونه من وال
قال الوالبي عن ابن عباس له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله وهي الملائكة وقال عكرمة عن ابن عباس يحفظونه من أمر الله قال ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه فإذا جاء قدر الله خلوا عنه وقال مجاهد ما من عبد الا وملك موكل بحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام وليس شيء يأتيه يريده إلا قال وراءك الا شيء يأذن الله فيه فيصيبه وقال أبو أسامة ما من آدمي إلا ومعه ملك يذود عنه حتى يسلمه للذي قدر له وقال أبو مجلز جاء رجل إلى علي فقال إن نفرا من مراد يريدون قتلك فقال إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه إن الأجل جنة حصينة
ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد كما قال تعالى عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد وقال تعالى وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون قال الحافظ أبو محمد
عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي في تفسيره حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا وكيع حدثنا سفيان ومسعر عن علقمة بن يزيد عن مجاهد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرموا الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى حالتين الجنابة والغائط فإذا اغتسل أحدكم فليستتر بجذم حائط أو بعيره أو يستره أخوه هذا مرسل من هذا الوجه وقد وصله البزار في مسنده من طريق جعفر بن سليمان وفيه كلام عن علقمة عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ينهاكم عن التعري فاستحيوا من الله والذين معكم الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حالات الغائط والجنابة والغسل فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستر بثوبه أو بجذم حائط أو بعيره ومعنى اكرامهم أن يستحي منهم فلا يملي عليهم الأعمال القبيحة التي يكتبونها فإن الله خلقهم كراما في خلقهم وأخلاقهم ومن كرمهم أنه قد ثبت في الحديث المروي في الصحاح والسنن والمسانيد من حديث جماعة من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب وفي رواية عن عاصم بن ضمرة عن علي ولا بول وفي رواية رافع عن أبي سعيد مرفوعا لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولاتمثال وفي رواية مجاهد عن أبي هريرة مرفوعا لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو تمثال وفي رواية ذكوان أبي صالح السماك عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصحب الملائكة رفقة معهم كلب أو جرس ورواه زرارة بن أوفى عنه لاتصحب الملائكة رفقة معهم جرس
وقال البزار حدثنا إسحاق بن سليمان البغدادي المعروف بالقلوس حدثنا بيان بن حمران حدثنا سلام عن منصور بن زاذان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ملائكة الله يعرفون بني آدم وأحسبه قال ويعرفون أعمالهم فإذا نظروا إلى عبد يعمل بطاعة الله ذكروه بينهم وسموه وقالوا أفلح الليلة فلان نجا الليلة فلان وإذا نظروا إلى عبد يعمل بمعصية الله ذكروه بينهم وسموه وقالوا هلك فلان الليلة ثم قال سلام أحسبه سلام المدائني وهو لين الحديث وقد قال البخاري حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الملائكة يتعاقبون ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم فيقول كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون هذا اللفظ في كتاب بدء الخلق بهذا السياق وهذا اللفظ تفرد به دون مسلم من هذا الوجه وقد أخرجاه في الصحيحين في البدء من حديث مالك عن أبي الزناد به وقال البزار حدثنا زياد بن أيوب حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي حدثنا تمام بن نجيح عن الحسن يعني البصري عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من حافظين يرفعان إلى الله عز وجل ما حفظا في يوم فيرى في أول الصحيفة وفي آخرها استغفارا إلا قال الله غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة ثم قال تفرد بن تمام بن نجيح
وهو صالح الحديث قلت وقد وثقه ابن معين وضعفه البخاري وأبو حاتم وأبو زرعة والنسائي وابن عدي ورماه ابن حبان بالوضع وقال الإمام أحمد لا أعرف حقيقة أمره والمقصود أن كل إنسان له حافظان ملكان اثنان واحد من بين يديه وآخر من خلفه يحفظانه من أمر الله بأمر الله عز وجل وملكان كاتبان عن يمينه وعن شماله وكاتب اليمين أمير على كاتب الشمال كما ذكرنا ذلك عند قوله تعالى عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد حدثنا أسود ابن عامر حدثنا سفيان حدثنا منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن عبدالله هو ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم من أحد الا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قالوا وإياك يا رسول الله قال وإياي
ولكن الله أعانني عليه فلا يأمرني إلا بخير انفرد بإخراجه مسلم من حديث منصور به فيحتمل أن هذا القرين من الملائكة غير القرين بحفظ الإنسان وإنما هو موكل به ليهديه ويرشده بإذن ربه إلى سبيل الخير وطريق الرشاد كما أنه قد وكل به القرين من الشياطين لا يألوه جهدا في الخبال والإضلال والمعصوم من عصمه الله عز وجل وبالله المستعان
وقال البخاري حدثنا أحمد بن يونس حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبدالرحمن والأغر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاؤا يسمعون الذكر وهكذا رواه منفردا به من هذا الوجه وهو في الصحيحين من وجه آخر وقد قال الله تعالى وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا وقال الإمام أحمد حدثنا أسباط حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وحدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا قال تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أسباط وقال الترمذي حسن صحيح قلت وهو منقطع
وقال البخاري حدثنا عبدالله بن محمد حدثنا عبدالرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فضل صلاة الجمع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة ويجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر يقول أبو هريرة اقرؤا ان شئتم وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا وقال البخاري حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح تابعه شعبة وأبو حمزة وأبو داود وأبو معاوية عن
الأعمش وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أمن الإمام فأمنوا فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه وفي صحيح البخاري حدثنا إسماعيل بلفظ إذا قال الإمام آمين فإن الملائكة تقول في السماء آمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه وفي صحيح البخاري حدثنا إسماعيل حدثني مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ورواه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من حديث مالك وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد هو شك يعني الأعمش قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله ملائكة سياحين في الأرض فضلا عن كتاب الناس فإذا وجدوا أقواما يذكرون الله فنادوا هلموا إلى بغيتكم فيجيئون بهم إلى السماء الدنيا فيقول الله أي شيء تركتم عبادي يصنعون فيقولون تركناهم يحمدونك ويمجدونك ويذكرونك فيقول وهل رأوني فيقولون لا فيقول كيف لو رأوني فيقولون لو رأوك لكانوا أشد تحميدا وتمجيدا وذكرا قال فيقول فأي شيء يطلبون فيقولون يطلبون الجنة فيقول وهل رأوها فيقولون لا فيقول وكيف لو رأوها فيقولون لو رأوها لكانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا قال فيقول من أي يتعوذون فيقولون من النار فيقول وهل رأوها فيقولون لا فيقول فكيف لو رأوها فيقولون لو رأوها كانوا أشد منها هربا وأشد منها خوفا قال فيقول أشهدكم أني قد غفرت لهم قال فيقول إن فيهم فلانا الخطاء لم يردهم إنما جاء لحاجة فيقول هم القوم لا يشقى بهم جليسهم


وهكذا رواه البخاري عن قتيبة عن جرير بن عبدالحميد عن الأعمش به وقال رواه شعبة عن الأعمش ولم يرفعه ورفعه سهيل عن أبيه وقد رواه أحمد عن عفان عن وهيب عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه كما ذكره البخاري معلقا عن سهيل ورواه مسلم عن محمد بن حاتم عن بهز بن أسد عن وهب به وقد رواه الإمام أحمد أيضا عن غندر عن شعبة عن سليمان هو الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة كما أشار إليه البخاري رحمه الله وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش وابن نمير أخبرنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقا يلتمس به علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه وكذا رواه مسلم من حديث أبي معاوية وقال الإمام أحمد حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم عن
أبي هريرة وأبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما اجتمع قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده وكذا رواه أيضا من حديث إسرائيل وسفيان الثوري وشعبة عن أبي إسحاق به نحوه ورواه مسلم من حديث شعبة والترمذي من حديث الثوري وقال حسن صحيح ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يحيى بن آدم عن عمار بن زريق عن أبي إسحاق بإسناد نحوه وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة وفي مسند الإمام أحمد والسنن عن أبي الدرداء مرفوعا وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع أي تتواضع له كما قال تعالى واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقال تعالى واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع عن سفيان عن عبدالله بن السائب عن زاذان عن عبدالله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لله ملائكة سياحين في الأرض ليبلغوني عن أمتي السلام وهكذا رواه النسائي من حديث سفيان الثوري وسليمان الأعمش كلاهما عن عبدالله بن السائب به وقال الإمام أحمد حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم وهكذا رواه مسلم عن محمد بن رافع وعبدة بن حميد كلاهما عن عبدالرزاق به والأحاديث في ذكر الملائكة كثيرة جدا وقد ذكرنا ما يسره الله تعالى وله الحمد
*2* فصل وقد اختلف الناس في تفضيل الملائكة على البشر على أقوال
@ فأكثر ما توجد هذه المسئلة في كتب المتكلمين والخلاف فيها مع المعتزلة ومن وافقهم وأقدم كلام رأيته في هذه المسئلة ما ذكره الحافظ بن عساكر في تاريخه في ترجمة أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص أنه حضر مجلسا لعمر بن عبدالعزيز وعنده جماعة فقال عمر ما أحد أكرم على الله من كريم بني آدم واستدل بقوله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ووافقه على ذلك أمية بن عمرو بن سعيد فقال عراك بن مالك ما أحد أكرم على الله من ملائكته هم خدمة داريه ورسله إلى أنبيائه واستدل بقوله تعالى ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين فقال عمر بن عبدالعزيز لمحمد بن كعب القرظي ما تقول أنت يا أبا حمزة فقال قد أكرم الله آدم فخلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة وجعل من ذريته الأنبياء والرسل ومن يزوره الملائكة فوافق عمر بن عبدالعزيز في الحكم واستدل بغير دليله وأضعف دلالة ما صرح به من الآية وهو قوله إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات مضمونة أنها ليست بخاصة بالبشر فإن الله قد وصف الملائكة بالإيمان في
قوله ويؤمنون به وكذلك الجان وانا لما سمعنا الهدي آمنا به وانا منا المسلمون قلت وأحسن ما يستدل به في هذه المسئلة ما رواه عثمان بن سعيد الدارمي عن عبدالله بن عمرو مرفوعا وهو أصح قال لما خلق الله الجنة قالت الملائكة يا ربنا اجعل لنا هذه نأكل منها ونشرب فإنك خلقت الدنيا لبني آدم فقال الله لن أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان
*2* باب خلق الجان وقصة الشيطان
@ قال الله تعالى خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار فبأي آلاء ربكما تكذبان وقال تعالى ولقد خلقناالإنسان من صلصال من حمأ مسنون والجان خلقناه من قبل من نار السموم وقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن وغير واحد من مارج من نار قالوا من طرف اللهب وفي رواية من خالصه وأحسنه وقد ذكرنا آنفا من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من نار وخلق آدم مما وصف لكم رواه مسلم قال كثير من علماء التفسير خلقت الجن قبل آدم عليه السلام وكان قبلهم في الأرض الحن والبن فسلط الله الجن عليهم فقتلوهم وأجلوهم عنها وأبادوهم منها وسكنوها بعدهم وذكر السدي في تفسيره عن أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ الله من خلق ما أحب استوى على العرش فجعل إبليس على ملك الدنيا وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن وإنما سموا الجن لأنهم خزان الجنة وكان إبليس مع ملكه خازنا فوقع في صدره إنما أعطاني الله هذا لمزية لي على الملائكة وذكر الضحاك عن ابن عباس أن الجن لما أفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء بعث الله إليهم إبليس ومعه جند من الملائكة فقتلوهم وأجلوهم عن الأرض إلى جزائر البحور
وقال محمد بن إسحاق عن خلاد عن عطاء عن طاوس عن ابن عباس كان اسم إبليس قبل أن يرتكب المعصية عزازيل وكان من سكان الأرض ومن أشد الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما وكان من حي يقال لهم الجن وروى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عنه كان اسمه عزازيل وكان من أشرف الملائكة من أولى الأجنحة الأربعة وقد أسند عن حجاج عن ابن جريج قال ابن عباس كان إبليس من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلة وكان خازنا على الجنان وكان له سلطان سماء الدنيا وكان له سلطان الأرض وقال صالح مولى التوأمة عن ابن عباس كان يسوس ما بين السماء والأرض رواه ابن جرير وقال قتادة عن سعيد بن المسيب كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا وقال الحسن البصري لم يكن من الملائكة طرفة عين وانه لأصل الجن كما أن آدم أصل البشر وقال شهر ابن حوشب وغيره كان ابليس من الجن الذين طردوهم الملائكة فأسره بعضهم وذهب به إلى السماء رواه ابن جرير قالوا فلما
أراد الله خلق آدم ليكون في الأرض هو وذريته من بعده وصور جثته منها جعل إبليس وهو رئيس الجان وأكثرهم عبادة إذ ذاك وكان اسمه عزازيل يطيف به فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك وقال أما لئن سلطت عليك لأهلكنك ولئن سلطت علي لأعصينك فلما أن نفخ الله في آدم من روحه كما سيأتي وأمر الملائكة بالسجود له دخل ابليس منه حسد عظيم وامتنع من السجود له وقال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين فخالف الأمر واعترض على الرب عز وجل وأخطأ في قوله وابتعد من رحمة ربه وأنزل من مرتبته التي كان قد نالها بعبادته وكان قد تشبه بالملائكة ولم يكن من جنسهم لأنه مخلوق من نار وهم من نور فخانه طبعه في أحوج ما كان إليه ورجع إلى أصله النار فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين وقال تعالى وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا ابليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا
فأهبط إبليس من الملأ الأعلى وحرم عليه قدر أن يسكنه فنزل إلى الأرض حقيرا ذليلا مذؤما مدحورا متوعدا بالنار هو ومن اتبعه من الجن والإنس إلا أنه مع ذلك جاهد كل الجهد على اضلال بني آدم بكل طريق وبكل مرصد كما قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لاحتنكن ذريته إلا قليلا قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا
وسنذكر القصة مستفاضة عند ذكر خلق آدم عليه السلام والمقصود أن الجان خلقوا من النار وهم كبني آدم يأكلون ويشربون ويتناسلون ومنهم المؤمنون ومنهم الكافرون كما أخبر تعالى عنهم في صورة الجن في قوله تعالى وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين وقال تعالى قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وإنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأن ظننا أنا لن تقول الإنس والجن على الله كذبا وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملائت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا
رصدا وانا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجنهم حطبا وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا وقد ذكرنا تفسير هذه السورة وتمام القصة في آخر سورة الأحقاف وذكرنا الأحاديث المتعلقة بذلك هنالك وأن هؤلاء النفر كانوا من جن نصيبين وفي بعض الآثار من جن بصرى وأنهم مروا برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي بأصحابه ببطن نخلة من أرض مكة فوقفوا فاستمعوا لقراءته ثم اجتمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة كاملة فسألوه عن أشياء أمرهم بها ونهاهم عنها وسألوه الزاد فقال لهم كل عظم ذكر اسم الله عليه تجدونه أوفر ما يكون لحما وكل روثة علف لدوابكم ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستنجي بهما وقال إنهما زاد إخوانكم الجن ونهى عن البول في السرب لأنها مساكن الجن وقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن فما جعل يمر فيها بآية فبأي آلاء ربكما تكذبان الا قالوا ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وقد أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لما قرأ هذه السورة على الناس فسكتوا فقال الجن كانوا أحسن منكم ردا ما قرأت عليم فبأي آلاء ربكما تكذبان الا قالوا ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد رواه الترمذي عن جبير وابن جرير والبزار عن ابن عمر
وقد اختلف في مؤمني الجن هل يدخلون الجنة أو يكون جزاء طائعهم أن لا يعذب بالنار فقط على قولين الصحيح أنهم يدخلون الجنة لعموم القرآن ولعموم قوله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان فامتن تعالى عليهم بذلك فلولا أنهم ينالونه لما ذكره وعده عليهم من النعم وهذا وحده دليل مستقل كاف في المسئلة وحده والله أعلم


رد مع اقتباس