عرض مشاركة واحدة
قديم 09-01-2006, 11:24 PM   رقم المشاركة : 14
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر


*3* الشيخ نجم الدين القباني الحموي
@ عبد الرحمن بن الحسن بن يحيى اللخمي القباني قرية من قرى اشمون الرمان أقام بحماة في زاوية بزار ويلتمس دعاؤه كان عابدا ورعا زاهدا آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر حسن الطريقة إلى أن توفي بها آخر نهار الاثنين رابع عشر رجب عن ست وستين سنة وكانت جنازته حافلة هائلة جدا ودفن شمالي حماة كان عنده فضيلة واشتغل على مذهب الامام احمد بن حنبل وله كلام حسن يؤثر عنه رحمه الله
*3* الشيخ فتح الدين بن سيد الناس
@ الحافظ العلامة البارع فتح الدين بن أبي الفتح محمد بن الامام ابي عمرو محمد بن الامام الحافظ الخطيب ابي بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيد الناس الربعي اليعمري الاندلسي الاشبيلي ثم المصري ولد في العشر الاول من ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وستمائة وسمع الكثير وأجاز له الرواية عنهم جماعات من المشايخ ودخل دمشق سنة تسعين فسمع من الكندي وغيره واشتغل بالعلم فبرع وساد أقرانه في علوم شتى من الحديث والفقه والنحو من العربية وعلم السير والتواريخ وغير ذلك من الفنون وقد جمع سيرة حسنة في مجلدين وشرح قطعة حسنة من أول جامع الترمذي رأيت منها مجلدا بخطه الحسن وقد حرر وحبر وافاد وأجاد ولم يسلم من بعض الانتقاد وله الشعر الرائق الفائق والنثر الموافق والبلاغة التامة وحسن الترصيف والتصنيف وجودة البديهة وحسن الطوية وله العقيدة السلفية الموضوعة على الاي والاخبار ولااثار والاقتفاء بالاثار النبوية ويذكر عنه سوء أدب في أشياء أخر سامحه الله فيها وله مدائح في رسو الله صلى الله عليه وسلم حسان وكان شيخ الحديث بالظاهرية بمصر وخطب بجامع الخندق ولم يكن في مصر في مجموعة مثله في حفظ الاسانيد والمتون والعلل والفقه والملح والاشعار والحكايات توفي فجأة يوم السبت حادي عشر شعبان وصلى عليه من الغد وكانت جنازته حافلة ودفن عند ابن أبي جمرة رحمه الله
*3* القاضي مجد الدين بن حرمي
@ ابن قاسم بن يوسف العامري الفاقوسي الشافعي وكيل بيت المال ومدرس الشافعي وغيره كانت له همة ونهضة وعلت سنه وهو مع ذلك يحفظ ويشغل ويشتغل ويلقي الدروس من حفظه إلى ان توفي ثاني ذي الحجة وولى تدريس الشافعي بعده شمس الدين ابن القماح والقطبية بهاء الدين ابن عقيل والوكلة نجم الدين الاسعردي المحتسب
وهو كان وكيل بيت الظاهر
*2* ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها وناظر الجامع عز الدين ابن المنجا والمحتسب عماد الدين الشيرازي وغيرهم وفي مستهل المحرم يوم الخميس درس بأم الصالح الشيخ خطيب تبرور عوضا عن قاضي القضاة شهاب الدين ابن المجد وحضر عنده القضاة والاعيان وفي سادس المحرم رجع مهنا بن عيسى من عند السلطان فتلقاه النائب والجيش وعاد إلى أهله في عز وعافية وفيه أمر السلطان بعمارة جامع القلعة وتوسيعه وعمارة جامع مصر العتيق وقدم إلى دمشق القاضي جمال الدين محمد بن عماد الدين ابن الاثير كاتب سربها عوضا عن ابن الشهاب محمود ووقع في هذا الشهر والذي بعده موت كثير في الناس بالخانوق
وفي ربيع الاول مسك الامير نجم الدين بن الزيبق مشد الدواوين وصودر وبيعت خيوله وحوصاله وتولاه بعده سيف الدين ثمر مملوك بكتمر الحاجب وهو مشد الزكاة وفيه كملت عمارة حمام الامير شمس الدين حمزه الذي تمكن عند تنكز بعد ناصر الدين الدوادار ثم وقعت الشناعة عليه بسبب ظلمه في عمارة هذا الحمام فقابله النائب على ذلك وانتصف للناس منه وضربه بين يديه وضربه بالبندق بيده في وجهه وسائر جسده ثم أودعه القلعة ثم نقله إلى بحيرة طبرية فغرقه فيها وعزل الامير جمال الدين نائب الكرك عن نيابة طرابلس حسب سؤاله في ذلك وراح إليها طيغال وقد نائب الكرك إلى دمشق وقد رسم له بالاقامة في سلخد فلما تلقاه نائب السلطنة والجيش نزل في دار السعادة واخذ سيفه بها ونقل إلى القلعة ثم نقل إلى صفت ثم إلى الاسكندرية ثم كان آخر العهد به وفي جمادي الاولى احتيط على دار الامير بكتمر الحاجب الحسامي بالقاهرة ونبشت وأخذ منها شيء كثير جدا وكان جد أولاده نائب الكرك المذكور وفي يوم السبت تاسع جمادي الاخرة باشر حسام الدين أبو بكر ابن الأمير عز الدين أيبك التجيبي شد الاوقاف عوضا عن ابن بكتاش اعتقل وخلع على المتولي وهنأه الناس وفي منتصف هذا الشهر علق الستر الجديد على خزانة المصحف العثماني وهو من خز طوله ثمانية أذرع وعرضه أربعة أذرع ونصف غرم عليه أربعة آلاف وخمسمائة وعمل في مدة سنة ونصف
وخرج الركب الشامي يوم الخميس تاسع شوال وأميره علاء الدين المرسي وقاضيه شهاب الدين الظاهري وفيه رجع جيش حلب إليها وكانوا عشرة آلاف سوى من تبعهم من التركمان وكانوا في بلاد أذنة وطرسوس وإياس وقد خربوا وقتلوا خلقا كثيرا ولم يعدم منهم سوى رجل واحد غرق بنهر جاهان ولكن كان قتل الكفار من كان عندهم من المسلمين نحوا من ألف رجل يوم عيد الفطر فانا لله وإنا إليه راجعون
وفيه وقع حريق عظيم بحماة فاحترق منه أسواق كثيرة وأملاك وأوقاف وهلكت أموال لاتحصر وكذلك احترق أكثر مدينة أنطاكية فتألم المسلمون لذلك وفي ذي الحجة خرب المسجد الذي كان في الطريق بين باب النصر وبين باب الجابية عن حكم القضاة بأمر نائب السلطنة وبني غريبة مسجد حسن أحسن وأنفع من الاول وتوفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ الصالح المعمر رئيس المؤذنين بجامع دمشق
@ برهان الدين إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمد الواني ولد سنة ثلاث وأربعين وستمائة وسمع الحديث وروى وكان حسن الصوت والشكل محببا إلى العوام توفي يوم الخميس سادس صفر ودفن بباب الصغير وقام من بعده في الرياسة ولده أمين الدين محمد الواني المحدث المفيد وتوفي بعده ببضع وأربعين يوما رحمهما الله
*3* الكاتب المطبق المجود المحرر
@ بهاء الدين محمود ابن خطيب بعلبك محيي الدين محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب السلمي ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة واعتني بهذه الصناعة فبرع فيها وتقدم على أهل زمانه قاطبة في النسخ وبقية الأقلام وكان سحن الشكل طيب الاخلاق طيب الصوت حسن التودد توفي في سلخ ربيع الاول ودفن بتربة الشيخ ابي عمر رحمه الله
*3* علاء الدين السنجاري
@ واقف دار القرآن عند باب الناطفانيين شمالي الاموي بدمشق علي بن إسماعيل بن محمود كان احد التجار الصدق الاخيار ذوي اليسار المسارعين إلى الخيرات توفي بالقاهرة ليلة الخميس ثالث عشر جمادي الاخرة ودفن عند قبر القاضي شمس الدين بن الحريري
*3* العدل نجم الدين التاجر
@ عبد الرحيم بن أبي القاسم عبد الرحمن الرحبي باني التربة المشهورة بالمزة وقد جعل لها مسجدا ووقف عليها أوقافا دارة وصدقات هناك وكان من أخيار أبناء جنسه عدل مرضى عند جميع الحكام وترك اولادا وأموالا جمة ودارا هائلة وبساتين بالمزة وكان وفاته يوم الاربعاء سابع عشرين جمادي الاخرة ودفن بتربته المذكورة بالمزة رحمه الله
*3* الشيخ الامام الحافظ قطب الدين
@ ابو محمد عبدالكريم بن عبدالنور بن منير بن عبدالكريم بن علي بن عبدالحق بن عبدالصمد بن عبدالنور الحلبي الاصل ثم المصري أحد مشاهير المحدثين بها والقائمين بحفظ الحديث وروايته وتدوينه وشرحه والكلام عليه ولد سنة اربع وستين وستمائة بحلب وقرأ القرآن بالروايات وسمع الحديث وقرأ الشاطبية والألفية وبرع في فن الحديث وكان حنفي المذهب وكتب كثيرا وصنف شرحا لأكثر البخاري وجمع تاريخا لمصر ولم يكملهما وتكلم على السيرة التي جمعها الحافظ عبد الغني وخرج لنفسه أربعين حديثا متبانة الاسناد وكان حسن الاخلاق مطرحا للكلفة طاهر اللسان كثير المطالعة والاشتغال إلى أن توفي يوم الأحد سلخ رجب ودفن من الغد مستهل شعبان عند خاله نصر المنبجي وخلف تسعة أولاد رحمه الله
*3* القاضي الامام زين الدين أبو محمد
@ عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف السبكي قاضي المحلة ووالده العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي سمع من ابن الانماطي وابن خطيب المزة وحدث وتوفي تاسع شعبان وتبعته زوجته ناصرية بنت القاضي جمال الدين إبراهيم بن الحسين السبكي ودفنت بالقرافة وقد سمعت من ابن الصابوني شيئا من سنن النسائي وكذلك ابنتها محمدية وقد توفيت قبلها
*3* تاج الدين علي بن إبراهيم
@ ابن عبد الكريم المصري ويعرف بكاتب قطلبك وهو والد العلامة فخر الدين شيخ الشافعية ومدرسهم في عدة مدارس ووالده هذا لم يزل في الخدمة والكتابة إلى أن توفي عنده بالعادلية الصغيرة ليلة الثلاثاء ثالث عشر شعبان وصلى عليه من الغد بالجامع ودفن بباب الصغير
*3* الشيخ الصالح عبد الكافي
@ ويعرف بعبيد ابن أبي الرجال بن حسين بن سلطان بن خليفة المنيني ويعرف بابن أبي الازرق مولده في سنة أربع وأربعين وستمائة بقريته من بلاد بعلبك ثم أقام بقرية منين وكان مشهورا بالصلاح وقرئ عليه شيء من الحديث وجاوز التسعين
*3* الشيخ محمد بن عبدالحق
@ ابن شعبان بن علي الأنصاري المعروف بالسياح له زاوية بسفح قاسيون بالوادي الشمالي مشهورة به كان قد بلغ التسعين وسمع الحديث وأسمعه كانت له معرفة بالامور وعنده بعض مكاشفة وهو رجل حسن توفي أواخر شوال من هذه السنة
*3* الامير سلطان العرب
@ حسام الدين مهنا بن عيسى بن مهنا أمير العرب بالشام وهم يزعمون أنهم من سلالة جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي من ذرية الولد الذي جاء من العباسة اخت الرشيد فالله أعلم
وقد كان كبير القدر محترما عند الملوك كلهم بالشام ومصر والعراق وكان دينا خيرا متحيزا للحق وخلف أولادا وورثة وأموالا كثيرة وقد بلغ سنا عالية وكان يحب الشيخ تقي الدين بن تيمية حبا زائدا هو وذريته وعربه وله عندهم منزلة وحرمة وإكرام يسمعون قوله ويمتثلونه وهو الذي نهاهم أن يغير بعضهم على بعض وعرفهم أن ذلك حرام وله في ذلك مصنف جليل
وكان وفاة مهنا هذا ببلاد سلمية في ثامن عشر ذي القعدة ودفن هناك رحمه الله
*3* الشيخ الزاهد فضل العلجوني
@ فضل بن عيسى بن قنديل العجلوني الحبنلي المقيم بالمسمارية أصله من بلاد حبراحي كان متقللا من الدنيا يلبس ثيابا طوالا وعمامة هائلة وهي بأرخص الاثمان وكان يعرف تعبير الرؤيا ويقصد لذلك وكان لا يقبل من أحد شيئا وقد عرضت عليه وظائف بجوامك كثيرة فلم يقبلها بل رضي بالرغيد الهني من العيش الخشن إلى ان توفي في ذي الحجة وله تحو تسعين سنة ودفن بالقرب من قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهما الله وكانت جنازته حافلة جدا
*2* ثم دخلت سنة ست وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الجمعة والحكام هم المذكورون في التي قبلها وفي أول يوم منها ركب تنكز إلى قلعة جعبر ومعه الجيش والمناجنيق فغابوا شهرا وخمسة ايام وعادوا سالمين وفي ثامن صفر فتحت الخانقاه التي أنشأها سيف الدين قوصون الناصري خارج باب القرافة وتولى مشيختها الشيخ شمس الدين الأصبهاني المتكلم وفي عاشر صفر خرج ابن جملة من السجن بالقلعة وجاءت الاخبار بموت ملك التتار أبي سعيد بن خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكوبن تولى بن جنكزخان في يوم الخميس ثاني عشر ربيع الاخر بدار السلطنة بقراباغ وهي منزلهم في الشتاء ثم نقل إلى تربته بمدينته التي أنشاها قريبا من السلطانية مدينة أبيه وقد كان من خيار ملوك التتار واحسنهم طريقة واثبتهم على السنة واقومهم بها وقد عز اهل السنة بزمانه وذلت الرافضة بخلاف دولة أبيه ثم من بعده لم يقم للتتار قائمة بل اختلفوا فتفرقوا شذر مذر إلى زماننا هذا وكان القائم من بعده بالأمر ارتكاوون من ذرية أبغا ولم يستمر له الأمر إلا قليلا
وفي يوم الاربعاء عاشر جمادي الأولى درس بالناصرية الجوانية بدر الدين الأردبيلي عوضا عن كمال الدين ابن الشيرازي توفي وحضر عنده القضاة وفيه درس بالظاهرية البرانية الشيخ الامام المقري سيف الدين أبو بكر الحريري عوضا عن بدر الدين الأردبيلي تركها لما حصلت له الناصرية الجوانية وبعده بيوم درس بالنجيبية كاتبه إسماعيل ابن كثير عوضا عن الشيخ جمال الدين ابن قاضي الزبداني تركها حين تعين له تدريس الظاهرية الجوانية وحضر عنده القضاة والاعيان كان درسا حافلا أثنى عليه الحاضرون وتعجبوا من جمعه وترتيبه وكان ذلك في تفسير قوله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء وإنساق الكلام إلى مسألة ربا الفضل وفي يوم الاحد رابع عشرة ذكر الدرس بالظاهرية المذكورة ابن قاضي الزبداني عوضا عن علاء الدين ابن القلانسي توفي وحضر عنده القضاة والأعيان وكان يوما مطيرا
وفي أول جمادي الاخرة وقع غلاء شديد بديار مصر واشتد ذلك إلى شهر رمضان وتوجه خلق كثير في رجب إلى مكة نحوا من ألفين وخمسمائة منهم عز الدين ابن جماعة وفخر الدين النويري وحسن السلامي وأبو الفتح السلامي وخلق وفي رجب كملت عمارة جسر باب الفرج وعمل عليه باسورة ورسم باستمرار فتحه إلى بعد العشاء الآخرة كبقية سائر الأبواب وكان قبل ذلك يغلق من المغرب وفي سلخ رجب أقيمت الجمعة بالجامع الذي أنشاه نجم الدين ابن خيلخان تجاه باب كيسان من القبلة وخطب فيه الشيخ الامام العلامة شمس الدين ابن قيم الجوزية وفي ثاني شعبان باشر كتابة السر بدمشق القاضي علم الدين محمد بن قطب الدين أحمد بن مفضل عوضا عن كمال الدين ابن الأثير عزل وراح إلى مصر وفي يوم الأربعاء رابع رمضان ذكر الدرس بالأمينية الشيخ بهاء الدين ابن إمام المشهد عوضا عن علاء الدين بن القلانسي وفي العشرين منه خلع على الصدر نجم الدين بن أبي الطيب بنظر الخزانة مضافا إلىما بيده من وكالة بيت المال بعد وفاة ابن القلانسي بشهور وخرج الركب الشامي يوم الاثنين ثامن شوال واميره قطلودمر الخليلي وممن حج فيه قاضي طرابلس محيي الدين بن جهبل والفخر المصري وأبن قاضي الزبداني وابن العز الحنفي وابن غانم والسخاوي وابن قيم الجوزية وناصر الدين بن البربوه الحنفي وجاءت الأخبار بوقعة جرت بين التتار قتل فيها خلق كثير منهم وانتصر على باشا وسلطانه الذي كان قد أقامه وهو موسى كاوون على اربا كاوون وأصحابه فقتل هو ووزيره ابن رشيد الدولة وجرت خطوب كثيرة طويلة وضربت البشائر بدمشق
وفي ذي القعدة خلع على ناظر الجامع الشيخ عز الدين بن المنجا بسب إكماله البطائن في الرواق الشمالي والغربي والشرقي ولم يكن قبل ذلك له بطائن وفي يوم الاربعاء سابع الحجة ذكر الدرس بالشبلية القاضي نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الطرسوسي الحنفي وهو ابن سبع عشرة سنة وحضر عنده القضاة والأعيان وشكروا من فضله ونباهته وفرحوا لأبيه فيه وفيها عزل ابن النقيب عن قضاء حلب ووليها ابن خطيب جسرين وولى الحسبة بالقاهرة ضياء الدين يوسف بن أبي بكر بن محمد خطيب بيت الأبار خلع عليه السطان وفي ذي القعدة رسم السلطان باعتقال الخليفة المستكفي وأهله وأن يمنعوا من الاجتماع فآل أمرهم كما كان أيام الظاهر والمنصور وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* السلطان أبو سعيد ابن خربندا
@ وكان اخر من اجتمع شمل التتار عليه ثم تفرقوا من بعده
*3* الشيخ البندنيجي
@ شمس الدين علي بن محمد بن ممدود بن عيسى البندنيجي الصوفي قدم علينا من بغداد شيخنا كبيرا راويا لأشياء كثيرة فيها صحيح مسلم والترمذي وغير ذلك وعنده فوائد ولد سنة اربع وأربعين وستمائة وكان والده محدثا فأسمعه أشياء كثيرة على مشايخ عدة وكان موته بدمشق رابع المحرم
*3* قاضي قضاة بغداد
@ قطب الدين أبو الفضائل محمد بن عمر بن الفضل التبريزي الشافعي المعروف بالأحوس سمع شيئا من الحديث واشتغل بالفقه والأصول والمنطق والعربية والمعاني والبيان كان بارعا في فنون كثيرة ودرس بالمستنصرية بعد العاقولي وفي مدارس كبار وكان حسن الخلق كثير الخير على الفقراء والضعفاء متواضعا يكتب حسنا أيضا توفي في آخر المحرم ودفن بتربة له عند داره ببغداد رحمه الله
*3* الامير صارم الدين
@ ابراهيم بن محمد بن أبي القاسم بن أبي الزهر المعروف بالمغزال كانت له مطالعة وعنده شيء من التاريخ ويحاضر جيدا ولما توفي يوم الجمعة وقت الصلاة السادس والعشرين من المحرم دفن بتربة له عند حمام العديم
*3* الامير علاء الدين مغلطاي الخازن
@ نائب القلعة وصاحب التربة تجاه الجامع المظفري من الغرب كان رجلا جيدا له أوقاف وبر وصدقات توفي يوم الجمعة بكرة عاشر صفر ودفن بتربته المذكورة
*3* القاضي كمال الدين
@ أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن هبة الله بن الشيرازي الدمشقي ولد سنة سبعين وسمع الحديث وتفقه على الشيخ تاج الدين الفزاري الشيخ زين الدين الفارقي وحفظ مختصر المزني ودرس في وقت بالبادرائية وفي وقت بالشامية البرانية ثم ولي تدريس الناصرية الجوانية مدة سنين إلى حين وفاته وكان صدرا كبيرا ذكر لقضاء قضاة دمشق غير مرة وكان حسن المباشرة والشكل توفي في ثالث صفر ودفن بتربتهم بسفح قاسيون رحمه الله
*3* الامير ناصر الدين
@ محمد بن الملك المسعود جلال الدين عبد الله بن الملك الصالح إسماعيل بن العادل كان شيخا مسنا قد اعتنى بصحيح البخاري يختصره وله فهم جيد ولديه فضيلة وكان يسكن المزة وبها توفي ليلة السبت خامس عشرين صفر وله أربع وسبعون سنة ودفن بتربتهم بالمزة رحمه الله
*3* علاء الدين
@ علي بن شرف الدين محمد بن القلانسي قاضي العسكر ووكيل بيت المال وموقع الدست ومدرس الامينية والظاهرية وغير ذلك من المناصب ثم سلبها كلها سوى التدريسين وبقي معزولا إلى حين أن توفي بكرة السبت خامس وعشرين صفر ودفن بتربتهم
*3* عز الدين أحمد بن الشيخ زين الدين
@ محمد بن أحمد بن محمود العقيلي ويعرف بابن القلانسي محتسب دمشق وناظر الخزانة كان محمود المباشرة ثم عزل الحسبة واستمر بالخزانة إلى أن توفي يوم الاثنين تاسع عشر جمادي الاولى ودفن بقاسيون
*3* الشيخ علي بن أبي المجد بن شرف بن أحمد الحمصي
@ ثم الدمشقي مؤذن البربوة خمسا وأربعين سنة وله ديوان شعروتعاليق وأشياء كثيرة مما ينكر أمرها وكان محلولا في دينه توفي جمادي الاولى أيضا
*3* الامير شهاب الدين بن برق
@ متولي دمشق شهد جنازته خلق كثير توفي ثاني شعبان ودفن بالصالحية واثنى عليه الناس
*3* الأمير فخر الدين ابن الشمس لؤلؤ
@ متولى البر كان مشكورا أيضا توفي رابع شعبان وكان شيخا كبيرا توفي ببستانه ببيت لهيا ودفن بتربته هناك وترك ذرية كثيرة رحمه الله
*3* عماد الدين إسماعيل
@ ابن شرف الدين محمد بن الوزير فتح الدين عبد الله بن محمد بن أحمد بن خالد بن صغير بن القيسراني أحد كتاب الدست وكان من خيار الناس محببا إلى الفقراء والصالحين وفيه مروءة كثيرة وكتب بمصر ثم صار إلى حلب كاتب سرها ثم انتقل إلى دمشق فأقام بها إلى أن مات ليلة الاحد ثالث عشر القعدة وصلى عليه من الغد بجامع دمشق ودفن بالصوفية عن خمس وستين سنة وقد سمع شيئا من الحديث على الابرقوهي وغيره
وفي ذي القعدة توفي شهاب الدين ابن القديسة المحدث بطريق الحجاز الشريف وفي ذي الحجة توفي الشمس محمد المؤذن المعروف بالنجار ويعرف بالبتي وكان يتكلم ونشد في المحافل والله سبحانه أعلم
*2* ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الجمعة والخليفة المستكفي بالله قد اعتقله السلطان الملك الناصر ومنعه من الاجتماع بالناس ونائب الشام تنكز بن عبد الله الناصري والقضاة والمباشرون هم المذكورون في التي قبلها سوى كاتب السر فإنه علم الدين بن القطب ووالي البر الأمير بدر الدين بن قطلوبك ابن شنشنكير ووالي المدينة حسام الدين طرقطاي الجوكنداري
وفي أول يوم منها يوم الجمعة وصلت الاخبار بأن على باشا كسر جيشه وقيل إنه قتل ووصلت كتب الحجاج في الثاني والعشرين من المحرم تصف مشقة كثيرة حصلت للحجاج من موت الجمال وإلقاء الأحمال ومشى كثير من النساء والرجال فإنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله على كل حال
وفي آخر المحرم قدم إلى دمشق القاضي حسام الدين حسن بن محمد الغوري قاضي بغداد وكان والوزير نجم الدين محمود بن علي بن شروان الكردي وشرف الدين عثمان بن حسن البلدي فأقاموا ثلاثة أيام ثم توجهوا إلى مصر فحصل لهم قبول تام من السلطان فاستقضى الاول على الحنفية كما سيأتي واستوزر الثاني وأمر الثالث وفي يوم عاشوراء احضر شمس الدين محمد بن الشيخ شهاب الدين بن اللبان الفقيه الشافعي إلى مجلس الحكم الجلالي وحضر معه شهاب الدين بن فضل الله مجد الدين الاقصرائي شيخ الشيوخ وشهاب الدين الأصبهاني فادعى عليه بأشياء منكرة من الحلول والاتحاد والغلو في القرمطة وغير ذلك فأقر ببعضها فحكم عليه بحقن دمه ثم توسط في أمره وأبقيت عليه جهاته ومنع من الكلام على الناس وقام في صفه جماعة من الأمراء والأعيان وفي صفر احترق بقصر حجاج حريق عظيم أتلف دورا ودكاكين عديدة وفي ربيع الاول ولد للسلطان ولد فدقت البشائر وزينت البلد أياما وفي منتصف ربيع الاخر أمر الامير صارم الدين إبراهيم الحاجب الساكن تجاه جامع كريم الدين طبلخاناه وهو من كبار أصحاب الشيخ تقي الدين رحمه الله وله مقاصد حسنة صالحة وهو في نفسه رجل جيد وفيه أفرج عن الخليفة المستكفي وأطلق من البرج في حادي عشرين ربيع الاخر ولزم بيته وفي يوم الجمعة عشرين جمادي الاخرة اقيمت الجمعة في جامعين بمصر أحدهما أنشاه الأمير عز الدين أيدمر بن عبد الله الخطيري مات بعد ذلك باثني عشر يوما رحمه الله والثاني أنشأته امرأة يقال لها الست حدق دادة السلطان الناصر عند قنطرة السباع وفي شعبان سافر القاضي شهاب الدين أحمد بن شرف بن منصور النائب في الحكم بدمشق إلى قضاء طرابلس وناب بعده الشيخ شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي وفيه خلع على عز الدين بن جماعة بوكالة بيت المال بمصر وعلى ضياء الدين ابن خطيب بيت الابار بالحسبة بالقاهرة مع ما بيده من نظر الاوقاف وغيره وفيه أمر الأمير ناظر القدس بطبلخاناه ثم عاد إلى القدس

وفي عاشر رمضان قدمت من مصر مقدمتان ألفان إلى دمشق سائرة إلى بلاد سيس وفيهم علاء الدين فاجتمع به أهل العلم وهو من افاضل الحنفية وله مصنفات في الحديث وغيره
وخرج الركب الشامي يوم الاثنين عاشر شوال وأميره بهادر قبجق وقاضية محيي الدين الطرابلسي مدرس الحمصية وفي الركب تقي الدين شيخ الشيوخ وعماد الدين ابن الشيرازي ونجم الدين الطرسوسي وجمال الدين المرداوي وصاحبه شمس الدين ابن مفلح والصدر المالكي والشرف ابن القيسراني والشيخ خالد المقيم عند دار الطعم وجمال الدين بن الشهاب محمود
وفي ذي القعدة وصلت الاخبار بان الجيش تسلموا من بلاد سيس سبع قلاع وحصل لهم خير كثير ولله الحمد وفرح المسلمون بذلك وفيه كانت وقعة هائلة بين التتار انتصر فيها الشيخ وذووه وفيها نفي السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون الخليفة وأهله وذويه وكانوا قريبا من مائة نفس إلى بلاد قوص ورتب لهم هناك ما يقوم بمصالحهم فإنا لله وإنا إليه راجعون وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ علاء الدين بن غانم
@ أبو الحسن علي بن محمد بن سليمان بن حمائل بن علي المقدسي أحد الكبار المشهورين بالفضائل وحسن الترسل وكثرة الادب والاشعار والمروءة التامة مولده سنة إحدى وخمسين وستمائة وسمع الحديث الكثير وحفظ القرآن والتنبيه وباشر الجهات وقصده الناس في الامور المهات وكان كثير الاحسان إلى الخاص والعام توفي مرجعه في الحج في منزلة تبوك يوم الخميس ثالث عشر المحرم ودفن هناك رحمه الله ثم تبعه أخوه شهاب الدين أحمد في شهر رمضان وكان اصغر منه سنا بسنة وكان فاضلا أيضا بارعا كثير الدعابة
*3* الشرف محمود الحريري
@ المؤذن بالجامع الموي بنى حماما بالنيرب ومات في آخر المحرم
*3* الشيخ الصالح العابد
@ ناصر الدين بن الشيخ إبراهيم بن معضاد بن شداد بن ماجد بن مالك الجعبري ثم المصري ولد سنة خمسين وستمائة بقلعة جعبر وسمع صحيح مسلم وغيره وكان يتكلم على الناس ويعظهم ويستحضر أشياء كثيرة من التفسير وغيره كان فيه صلاح وعبادة توفي في الرابع والعشرين من المحرم ودفن بزاويتهم عند والده خارج باب النصر
*3* الشيخ شهاب الدين عبدا لحق الحنفي
@ أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن يوسف بن قاضي ! الحنفيين ويعرف بابن عبدالحق الحنفي شيخ المذهب ومدرس الحنفية وغيرها وكان بارعا فاضلا دينا توفي في ربيع الاول
*3* الشيخ عماد الدين
@ إبراهيم بن علي بن عبدالرحمن بن عبدالمنعم بن نعمة المقدسي النابلسي الحنبلي الامام العالم العابد شيخ الحنابلة بها وفقيههم من مدة طويلة توفي في ربيع الاول
*3* الشيخ الامام العابد الناسك
@ محب الدين عبد الله بن احمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم بن أحمد بن عبدالرحمن بن إسماعيل بن منصور المقدسي الحنبلي سمع الكثير وقرأ بنفسه وكتب الطباق وانتفع الناس به وكانت له مجالس وعظ من الكتاب والسنة في الجامع الاموي وغيره وله صوت طيب بالقراءة جدا وعليه روح وسكينة ووقار وكانت مواعيده مفيدة ينتفع بها الناس وكان شيخ الاسلام تقي الدين ابن تيمية يحبه ويحب قراءته توفي يوم الاثنين سابع ربيع الاول وكانت جنازته حافلة ودفن بقاسيون وشهد الناس له بخير رحمه الله تعالى وبلغ خمسا وخسمين سنة
*3* المحدث البارع المحصل المفيد المخرج المجيد
@ ناصر الدين محمد بن طغربل بن عبد الله الصيرفي أبوه الخوارزمي الاصل سمع الكثير وقرأ بنفسه وكان سريع القراءة وقرأ الكتب الكبار والصغار وجمع وخرج شيئا كثيرا وكان بارعا في هذا الشأن رحل فأدركته منيته بحماة يوم السبت ثاني ربيع الاول ودفن من الغد بمقابر طيبة رحمه الله
*3* شيخنا الامام العالم العابد
@ شمس الدين أبو محمد عبد الله بن العفيف محمد بن الشيخ تقي الدين يوسف بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي النابلسي الحنبلي إمام مسجد الحنابلة بها ولد سنة سبع واربعين وستمائة وسمع الكثير وكان كثير العبادة حسن الصوت عليه البهاء والوقار وسحن الشكل والسمت قرأت عليه عام ثلاث وثلاثين وسبعمائة مرجعنا من القدس كثيرا من الأجزاء والفوائد وهو والد صاحبنا الشيخ جمال الدين يوسف أحد مفتية الحنابلة وغيرهم والمشهورين بالخير والصلاح توفي يوم الخميس ثاني عشرين ربيع الاخر ودفن هناك رحمه الله
*3* الشيخ محمد بن عبد الله بن المجد
@ إبراهيم المرشدي المقيم بمنية مرشد يقصده الناس للزيارة ويضيف الناس على حسب مراتبهم وينفق نفقات كثيرة جدا ولم يكن يأخذ من أحد شيئا فيما يبدو للناس والله أعلم بحاله وأصله من قرية دهروط وأقام بالقاهرة مدة واشتغل بها ويقال إنه قرأ التنبيه في الفقه ثم انقطع بمنية مرشد واشتهر أمره في الناس وحج مرات وكان إذا دخل القاهرة يزدحم عليه الناس ثم كانت وفاته يوم الخميس ثامن رمضان ودفن بزاويته وصلى عليه بالقاهرة ودمشق وغيرها
*3* الامير أسد الدين
@ عبد القادر بن المغيث عبدالعزيز بن الملك المعظم عيسى بن العادل ولد سنة ثنتين وأربعين وستمائة وسمع الكثير وأسمع وكان يأتي كل سنة من مصر إلى دمشق ويكرم أهل الحديث ولم يبق من بعده من بني أيوب أعلا سنا منه توفي بالرملة في سلخ رمضان رحمه الله
*3* الشيخ الصالح الفاضل
@ حسن بن إبراهيم بن حسن الحاكي الحكري إمام مسجده هناك ومذكر الناس في كل جمعة ولديه فضائل وفي كلامه نفع كثير إلى أن توفي في العشرين من شوال ولم ير الناس مثل جنازته بديار مصر رحمه الله تعالى
*2* ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الاربعاء والخليفة المستكفي منفي ببلاد قوص ومعه أهله وذووه ومن يلوذ به وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن الملك المنصور ولا نائب بديار مصر ولا وزير ونائبه بدمشق تنكز وقضاة البلاد ونوابها ومباشروها هم المذكورون في التي قبلها وفي ثالث ربيع الاول رسم السلطان بتسفير علي ومحمد ابني داود بن سليمان بن داود بن العاضد آخر خلفاء الفاطميين إلى الفيوم يقيمون به وفي يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر عزل القاضي علم الدين بن القطب عن كتابة السر وضرب وصودر ونكب بسببه القاضي فخر الدين المصري وعزل عن مدرسته الدولعية وأخذها ابن جملة والعادلية الصغيرة باشرها ابن النقيب ورسم عليه بالعذراوية مائة يوم وأخذ شيء من ماله
وفي ليلة الاحد ثالث عشرين ربيع الاول بعدالمغرب هبت ريح شديدة بمصر وأعقبها رعد وبرق وبرد بقدر الجوز وهذا شيء لم يشاهدوا مثله من أعصار متطاولة بتلك البلاد وفي عاشر جمادي الاولى استهل الغيث بمكة من أول الليل فلما انتصف الليل جاء سيل عظيم هائل لم ير مثله من دهر طويل فخرب دورا كثيرة نحوا من ثلاثين أو أكثر وغرق جماعة وكسر أبواب المسجد ودخل الكعبة وارتفع فيها نحوا من ذراع أو أكثر وجرى أمر عظيم حكاه الشيخ عفيف الدين الطبري وفي سابع عشرين من جمادي الاولى عزل القاضي جلال الدين عن قضاء مصر واتفق وصلو خبر موت قاضي الشام ابن المجد بعد أن عزل بيسير فولاه السلطان قضاء الشام فسار إليها راجعا عودا على بدء ثم عزل السلطان برهان الدين بن عبدالحق قاضي الحنفية وعزل قاضي الحنابلة تقي الدين ورسم على ولده صدر الدين بأداء ديون الناس إليهم وكانت قريبا من ثلاثمائة ألف فلما كان يوم الاثنين تاسع عشر جمادي الاخرة بعد سفر جلال الدين بخمسة أيام طلب السلطان أعيان الفقهاء إلى بين يديه فسألهم عن من يصلح للقضاء بمصر فوقع الاختيار على القاضي عز الدين ابن جماعة فولاه في الساعة الراهنة وولى قضاء الحنفية لحسام الدين حسن بن محمد الغوري قاضي بغداد وخرجا من بين يديه إلى المدرسة الصالحية وعليهما الخلع ونزل عز الدين بن جماعة من دار الحديث الكاملية لصاحبه الشيخ عماد الدين الدمياطي فدرس فيها واورد حديث إنما الاعمال النيات بسنده وتكلم عليه وعزل أكثر نواب الحكم واستمر بعضهم واستمر بالمنادي الذي أشار بتوليته ولما كان يوم خامس عشرين منه ولى قضاء الحنابلة الامام العالم موفق الدين ابو محمد عبدالله بن محمد بن عبد الملك المقدسي عوضا عن المعزول ولم يبق من القضاة سوى الاخنائي المالكي
وفي رمضان فتحت الصبابية التي أنشأها شمس الدين بن تقي الدين بان الصباب التاجر دار قرآن ودار حديث وقد كانت خربة شنيعة قبل ذلك وفي رمضان باشر علاء الدين علي ابن القاضي محيي الدين بن فضل الله كتابة السر بمصر بعد وفاة أبيه كما سيأتي ترجمته وخلع عليه وعلى أخيه بدر الدين ورسم لهما أن يحضرا مجلس السلطان وذهب أخوه شهاب الدين إلى الحج
وفي هذا الشهر سقط بالجانب الغربي من مصر بردكا لبيض وكالرمان فأتلف شيئا كثيرا ذكر ذلك البرزالي ونقله من كتاب الشهاب الدمياطي وفي ثالث عشرين رمضان درس بالقبة المنصورية بمشيخة الحديث شهاب الدين العسجدي عوضا عن زين الدين الكنائي توفي فأرود حديثا من مسند الشافعي بروايته عن الجاولي بسنده ثم صرف عنها بالحجة بالشيخ اثير الدين أبي حيان فساق حديثا عن شخيه ابن الزبير ودعا للسلطان وحضر عنده القضاة والاعيان وكان مجلسا حافلا وفي ذي القعدة حضر تدريس الشامية البرانية قاضي القضاة شمس الدين ابن النقيب عوضا عن القاضي جمال الدين ابن جملة توفي وحضر خلق كثير من الفقهاء والاعيان وكان مجلسا حافلا وفي ثاني ذي الحجة درس بالعادلية الصغيرة تاج الدين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة جلال الدين القزويني عوضا عن الشيخ شمس الدين بن النقيب بحكم ولايته الشامية البرانية وحضر عنده القضاة والاعيان وفي هذا الشهر درس القاضي صدر الدين بن القاضي جلال الدين بالاتابكية وأخوه الخطيب بدر الدين بالغزالية والعادلية نيابة عن أبيه انتهى والله اعلم وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الامير الكبير بدر الدين محمد بن فخر الدين عيسى بن التركماني
@ باني جامع المقياس بديار مصر في ايام وزارته بها ثم عزل أميرا إلى الشام ثم رجع إلى مصر إلى أن توفي بها في خامس ربيع الاخر وتوفي بالحسينية وكان مشكورا رحمه الله انتهى
*3* قاضي القضاة شهاب الدين
@ محمد بن المجد بن عبد الله بن الحسين بن علي الرازي الاربلي الاصل ثم الدمشقي الشافعي قاضي الشفاعية بدمشق ولد سنة ثنتين وستين وستمائة واشتغل وبرع وحصل وأفتى سنة ثلاث وتسعين ودرس بالاقبالية ثم الرواحية وتربة أم الصالح وولى وكلة بيت المال ثم صار قاضي قضاة الشام إلى أن توفي بمستهل جمادي الاولى بالمدرسة العادلية ودفن بمقابر باب الصغير رحمه الله
*3* الشيخ الامام العالم بن المرحل
@ زين الدين محمد بن عبد الله ابن الشيخ زين الدين عمر بن مكي بن عبدالصمد بن المرسل مدرس الشامية البرانية والعذراوية بدمشق وكان قبل ذلك بمشهد الحسين وكان فاضلا بارعا فقيها أصوليا مناظرا حسن الشكل طيب الاخلاق دينا صينا وناب في وقت بدمشق عن علم الدين الاخنائي فحمدت سيرته كانت وفاته ليلة الاربعاء تاسع عشر رجب ودفن من الغد عند مسجد الديان في تربة لهم هناك وحضر جنازته القاضي جلال الدين وكان قد قدم من الديار المصرية له يومان فقط وقدم بعده القاضي برهان الدين عبدالحق بخمسة أيام هو وأهله وأولاده أيضا وباشر بعده تدريس الشامية البرانية قاضي القضاة جمال الدين ابن جملة ثم كانت وفاته بعده بشهور وذلك يوم الخميس رابع عشر ذي القعدة وهذه ترجمته في تاريخ الشيخ علم الدين البرزالي
*3* قاضي القضاة جمال الدين الصالحي
@ جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن إبراهيم بن جملة بن مسلم بن همام بن حسين بن يوسف الصالحي الشافعي المحجي ! والده بالمدرسة السرورية وصلى عليه عقيب الظهر يوم الخميس رابع عشر ذي الحجة ودفن بسفح قاسيون ومولده في أوائل سنة ثنتين وثمانين وستمائة وسمع من ابن البخاري وغيره وحدث وكان رجلا فاضلا في فنون اشتغل وحصل وأفتى وأعاد ودرس وله فضائل جمة ومباحث وفوائد وهمة عالية وحرمة وافرة وفيه تودد وإحسان وقضاء للحقوق وولى القضاء بدمشق نيابة واستقلالا ودرس بمدارس كبار ومات هو مدرس الشامية البرانية وحضر جنازته خلق كثير من الاعيان رحمه الله
*3* شيخ الاسلام قاضي القضاة ابن البارري
@ شرف الدين أبو القاسم هبة الله ابن قاضي القضاة نجم الدين عبد الرحيم بن القاضي شمس الدين ابي الطاهر إبراهيم بن هبة الله بن مسلم بن هبة الله الجهيني الحموي المعرو بابن البارزي قاضي القضاة بحماة صاحب التصانيف الكثيرة المفيدة في الفنون العديدة ولد في خامس رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة وسمع الكثير وحصل فنونا كثيرة وصنف كتبا جما كثيرة وكان حسن الأخلاق كثير المحاضرة حسن الاعتقاد في الصالحين وكان معظما عند الناس وأذن لجماعة من البلد في الافتاء وعمى في آخر عمره وهو يحكم مع ذلك مدة ثم نزل عن المنصب لحفيده نجم الدين عبدالرحيم بن إبراهيم وهو في ذلك لا يقطع نظره عن المنصب وكانت وفاته ليلة الاربعاء العشرين من ذي القعدة بعد أن صلى العشاء والوتر فلم تفته فريضة ولا نافلة وصلى عليه من الغد ودفن بعقبة نقيرين وله من العمر ثلاث وتسعون سنة
*3* الشيخ الامام العالم
@ شهاب الدين أحمد بن البرهان شيخ الحنفية بحلب شارح الجامع الكبير وكان رجلا صالحا منقطعا عن الناس وانتفع الناس به وكانت وفاته ليلة الجمعة الثامن والعشرين من رجب وكانت له معرفة بالعربية والقراءات ومشاركات في علوم أخر رحمه الله والله اعلم
*3* القاضي محيي الدين بن فضل الله كاتب السر
@ هو ابو المعالي يحيى بن فضل الله بن المحلي بن دعجان بن خلف العدوى العمري ولد في حادي عشر شوال سنة خمس وأربعين وستمائة بالكرك وسمع الحديث وأسمعه وكان صدرا كبيرا معظما في الدولة في حياة أخيه شرف الدين وبعده وكتب السر بالشام وبالديار المصرية وكانت وفاته ليلة الاربعاء تاسع رمضان بديار مصر ودفن من الغد بالقرافة وتولى المنصب بعده ولده علاء الدين وهو أصغر أولاده الثلاثة المعينين لهذا المنصب
*3* الشيخ الأمام العلامة ابن الكتاني
@ زين الدين ابن الكتاني شيخ الشافعية بديار مصر وهو أبو حفص عمر بن أبي الحزم بن عبدالرحمن بن يونس الدمشقي الأصل ولد بالقاهرة في حدود سنة ثلاث خمسين وستمائة واشتغل بدمشق ثم رحل إلى مصر واستوطنها وتولى بها بعض الأقضية بالحكر ثم ناب عن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد فحمدت سيرته ودرس بمدارس كبار ولى ميشخة دار الحديث بالقبة المنصورية وكان بارعا فاضلا عنده فوائد كثيرة جدا غير أنه كان سيء الأخلاق منقبضا عن الناس لم يتزوج قط وكان حسن الشكل بهي المنظر ياكل الطيبات ويلبس اللين من الثياب وله فوائد وفوائد وزوائد على الروضة وغيرها وكان فيه استهتار لبعض العلماء فالله يسامحه وكانت وفاته يوم الثلاثاء المنتصف من رمضان ودفن بالقرافة رحمه الله انتهى
*3* الشيخ الامام العلامة ابن القويع
@ ركن الدين بن القريع أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبدالرحمن بن عبد الجليل الوسي الهاشمي الجعفري التونسي المالكي المعروف بابن القويع كان من اعيان الفضلاء وسادة الاذكياء ممن جمع الفنون الكثيرة والعلوم الاخروية الدينية الشرعية الطيبة وكان مدرسا بالمنكود مرية وله وظيفة في المارستان المنصوري وبها توفي في بكرة السابع عشر من ذي الحجة وترك مالا وأثاثا ورثه بيت المال
وهذا آخر ما أرخه شيخنا الحافظ علم الدين البرزالي في كتابه الذي ذيل به على تاريخ الشيخ شهاب الدين ابي شامة المقدسي وقد ذيلت على تاريخه إلى زماننا هذا وكان فراغي من الانتقاء من تاريخه في يوم الاربعاء العشرين من جمادي الاخرة من سنة إحدى وخمسين وسبعمائة احسن الله خاتمتها آمين وإلى هنا انتهى ما كتبته من لدن خلق آدم إلى زماننا هذا ولله الحمد والمنة وما أحسن ما قال الحريري
وإن تجد عيبا فسد الخللا * فجل من لا عيب فيه وعلا
كتبه إسماعيل بن كثير بن صنو القرشي الشافعي عفا الله تعالى عنه آمين
*2* ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت وسلطان الاسلام والمسلمين بالديار المصرية وما والاها والديار الشامية وما والاها والحرمين الشريفين الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون ولا نائب له ولا وزير أيضا بمصر وقاضة مصر أما الشافعي فقاضي القضاة عز الدين ابن قاضي القشاة صدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة وأما الحنفي فقاضي القضاة حسام الدين الغوري حسن بن محمد وأما المالكي فتقي الدين الاخنائي وأما الحنبلي فموفق الدين بن نجا المقدسي ونائب الشام الامير سيف الدين تنكز وقضاته جلال الدين القزويني الشافعي المعزول عن الديار المصرية والحنفي عماد الدين الطرسوسي والمالكي شرف الدين الهمداني والحنبلي علاء الدين بن المنجا التنوخي
ومما حدث في هذه السنة إكمال دار الحديث السكرية وباشر مشيخة الحديث بها الشيخ الامام الحافظ مؤرخ الاسلام محمد بن شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي وقرر فيها ثلاثون محدثا لكل منهم جراية وجامكية كل شهر سبعة دراهم ونصف رطل خبز وقرر للشيخ ثلاثون رطل خبز وقرر فيها ثلاثون نفرا يقرؤون القرآن لكل عشرة شيخ ولكل واحد من القراء نظير ما للمحدثين ورتب لها إمام وقارئ حديث ونواب ولقارئ الحديث عشرون درهما وثمان أواق خبز وجاءت في غاية الحسن في شكالاتها وبنائها وهي نجاه دار الذهب التي أنشأها الواقف الأمير تنكز ووقف عليها عدة أماكن منها سوق القشاشيين بباب الفرج طوله عشرون ذراعا شرقا وغربا سماه في كتاب الوقف وبندر زيدين وحمام بحمص وهو الحمام القديم ووقف عليها حصصا في قرايا أخر ولكنه تغلب على ما عدا القشاشيين وبندر زيدين وحمام حمص
وفيها قدم القاضي تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي من الديار المصرية حاكما على دمشق وأعمالها وفرح الناس به ودخل الناس يسلمون عليه لعلمه وديانته وأمانته ونزل بالعادلية الكبيرة على عادة من تقدمه ودرس بالغزالية والاتابكية واستناب ابن عمه القاضي بهاء الدين أبو البقاء ثم استناب ابن عمه أبا الفتح وكانت ولايته الشام بعد وفاة قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحيم القزويني الشافعي على ما سيأتي بيانه في الوفيات من هذه السنة
وممن توفي فيها من الاعيان في المحرم سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
*3* العلامة قاضي القضاة فخر الدين
@ عثمان بن الزين علي بن عثمان الحلبي ابن خطيب جسرين الشافعي ولي قضاء حلب وكان إماما صنف شرح مختصر ابن الحاجب في الفقه وشرح البديع لابن الساعاتي وله فوائد غزيرة ومصنفات جليلة تولى حلب بعد عزل الشيخ ابن النقيب ثم طلبه السلطان فمات هو وولده الكمال وله بضع وسبعون سنة وممن توفي فيها
*3* قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن
@ القزويني الشافعي قدم هو وأخوه أيام التتر من بلادهم إلى دمشق وهما فاضلان بعدالتسعين وستمائة فدرس إمام الدين في تربة أم الصالح وأعاد جلال الدين بالبادرائية عند الشيخ برهان الدين ابن الشيخ تاج الدين شيخ الشافعية ثم تقلبت بهم الاحوال إلى أن ولي إمام الدين قضاء الشفاعية بدمشق انتزع له من يد القاضي بدر الدين ابن جماعة ثم هرب سنة قازان إلى الديار المصرية مع الناس فمات هنالك وأعيد ابن جماعة إلى القضاء وخلت خطابة البلد سنة ثلاث وسبعمائة فوليها جلال الدين المذكور ثم ولي القضاء بدمشق سنة خمس وعشرين مع الخطابة ثم انتقل إلى الديار المصرية سنة سبع وعشرين بعد أن عجز قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة بسبب الضرر في عينيه فلما كان في سنة ثمان وثلاثين تعصب عليه السلطان اللمك الناصر بسبب أمور يطول شرحها ونفاه إلى الشام واتفق موت قاضي القضاة شهاب الدين بن المجد عبد الله كما تقدم فولاه السلطان قضاء الشام عودا على بدء فاستناب ولده بدر الدين على نيابة القضاء الذي هو خطيب دمشق كانت وفاته في أواخر هذه السنة ودفن بالصوفية وكانت له يد طولى في المعاني والبيان ويفتى كثيرا وله مصنفات في المعاني مصنف مشهور اسمه للتخليص اختصر فيه المفتاح للسكاكي وكان مجموع الفضائل مات وكان عمره قريبا من السبعين أو جاوزها وممن توفي فيها رابع الحجة يوم الاحد
*3* الشيخ الأمام الحافظ ابن البرزالي
@ علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد بن البرزالي مؤرخ الشام الشافعي ولد سنة وفاة الشيخ ابن أبي شامة سنة خمس وستين وستمائة وقد كتب تاريخا ذيل به على الشيخ شهاب الدين من حين وفاته ومولد البرزالي إلى أن توفي في هذه السنة وهو محرم فغسل وكفن ولم يستر رأسه وحمله الناس على نعشه وهم يبكون حوله وكان يوما مشهودا وسمع الكثير أزيد من ألف شيخ وخرج له المحدث شمس الدين ابن سعد مشيخة لم يكملها وقرأ شيئا كثيرا وأسمع شيئا كثيرا وكان له خط حسن وخلق حسن وهو مشكور عند القضاة ومشايخه أهل العلم سمعت العلامة ابن تيمية يقول نقل البرزالي نقر في حجر وكان أصحابه من كل الطوائف يحبونه ويكرمونه وكان له أولاد ماتوا قبله وكتبت ابنته فاطمة البخاري في ثلاثة عشر مجلدا فقابله لها كان يقرأ فيه على الحافظ المزي تحت القبة حتى صارت نسختها أصلا معتمدا يكتب منها الناس وكان شيخ حديث بالنورية
وفيها وقف كتبه بدار الحديث السنية وبدار الحديث القوصية وفي الجامع وغيره وعلى كراسي الحديث وكان متواضعا محببا إلى الناس متوددا إليهم توفي عن اربع وسبعين سنة رحمه الله
*3* المؤرخ شمس الدين
@ محمد بن إبراهيم الجوزي جمع تاريخا حافلا كتب فيه أشياء يستفيد منها الحافظ كالمزي والذهبي والبرزالي يكتبون عنه ويعتمدون على نقله وكان شيخا قد جاوز الثمانين وثقل سمعه وضعف خطه وهو والد الشيخ ناصر الدين محمد واخوه مجد الدين
*2* ثم دخلت سنة أربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين الملك الناصر وولاته وقضاته المذكورون في التي قبلها إلا الشافعي بالشام فتوفي القزويني وتولى العلامة السبكي ومما وقع الحوادث العظيمة الهائلة أن جماعة من رؤس النصارى اجتمعوا في كنيستهم وجمعوا من بيتهم مالا جزيلا فدفعوه إلى راهبين قدما عليها من بلاد الروم يحسنان صنعة النفط اسم أحدهما ملاني والاخر عازر فعملا كحطا من نفط وتلطفا حتى عملاه لا يظهر تأثيره لا بعد أربع ساعات وأكثر من ذلك فوضعا في شقوق دكاكين التجار في سوق الرجال عند الدهشة في عدة دكاكين من آخر النهار بحيث لا يشعر أحد بهما وهما في زي المسلمين فلما كان في أثناء الليل لم يشعر الناس إلا والنار قد عملت في تلك الدكاكين حتى تعلقت في دباربزينات المأذنة الشرقية المتجهة للسوق المذكور وأحرقت درابزينات وجاء نائب السلطنة تنكز والأمراء أمراء الألوف وصعدوا المنارة وهي تشعل نارا واحترسوا عن الجامع فلم ينله شيء من الحريق ولله الحمد والمنة وأما المأذنة فإنها تفجرت احجارها واحترقت السقالات التي تدل السلالم فهدمت وأعيد بناؤها بحجارة جدد وهي المنارة الشرقية التي جاء في الحديث أنه ينزل عليها عيسى ابن مريم كما سيأتي الكلام عليه في نزول عيسى عليه السلام والبلد محاصر بالدجال
والمقصود أن النصارى بعد ليال عمدوا إلىناحية الجامع من المغرب إلى القيسارية بكمالها وبما فيها من الأقواس والعدد فإنا لله وإنا إليه راجعون وتطاير شرر النار إلى ما حول القيسارية من الدور والمساكن والمدارس واحترق جانب من المدرسة الأمينية إلى جانب المدرسة المذكور وما كان مقصودهم الا وصول النار إلى معبد المسلمين فحال الله بينهم وبين ما يرومون وجاء نائب السلطنة والأمراء وحالوا بين الحريق والمسجد جزاهم الله خيرا ولما تحقق نائب السلطنة أن هذا من فعلهم أمر بمسك رؤس النصارى فأمسك منهم نحوا من ستين رجلا فأخذوا بالمصادرات والضرب والعقوبات وأنواع المثلات ثم بعد ذلك صلب منهم أزيد من عشرة على الجمال وطاف بهم في أرجاء البلاد وجعلوا يتماوتون واحدا بعد واحد ثم أحرقوا بالنار حتى صاروا رمادا لعنهم الله انتهى والله أعلم
*3* سبب مسك تنكز
@ لما كان يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من ذي الحجة جاء الامير طشتمر من صغد مسرعا وركب جيش دمشق ملبسا ودخل نائب السلطنة من قصره مسرعا إلى دار السعادة وجاء الجيش فوقفوا على باب النصر وكان أراد أن يلبس ويقابل فعذلوه في ذلك وقالوا المصلحة الخروج إلى السلطان سامعا مطيعا فخرج بلا سلاح فلما برز إلى ظاهر البلد التف عليه الفخري وغيره وأخذوه وذهبوا به إلى ناحية الكسوة فلما كان عند قبة يلبغا نزلوا وقيدوه وخصاياه من قصره ثم ركب البريد وهو مقيد وساروا به إلى السلطان فلما وصل أمر بمسيره إلى الاسكندرية وسألوا عن ودائعه فأقر ببعض ثم عوقب حتى أقر بالباقي ثم قتلوه ودفنوه بالاسكندرية ثم نقلوه إلى تربته بدمشق رحمه الله وقد جاوز الستين وكان عادلا مهيبا عفيف الفرج واليد والناس في أيامه في غاية الرخص والأمن والصيانة فرحمه الله وبل بالرحمة ثراه
وله أوقاف كثيرة من ذلك مرستان بصغد وجامع بنابلس وعجلون وجامع بدمشق ودار حديث بالقدس ودمشق ومدرسة وخانقاه بالقدس ورباط وسوق موقوف على المسجد الاقصى وفتح شباكا في المسجد انتهى والله تعالى أعلم وممن توفي فيها من الاعيان:
*3* أمير المؤمنين المستكفي بالله
@ أبو الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله بن العباس أحمد بن أبي علي الحسن بن أبي بكر بن علي ابن أمير المؤمنين المسترشد بالله الهاشمي العباسي البغدادي الأصل والمولد مولده سنة ثلاث وثمانين وستمائة أو في التي قبلها وقرأ واشتغل قليلا وعهد إليه أبوه بالأمر وخطب له عند وفاة والده سنة إحدى وسبعمائة وفوض جميع ما يتعلق به من الحل والعقد إلى السلطان الملك الناصر وسار إلى غزو التتر فشهد مصاف شقحب ودخل دمشق في شعبان سنة اثنتين وسبعمائة وهو راكب مع السلطان وجميع كبراء الجيش مشاة ولما أعرض السلطان عن الامر وانعزل بالكرك النمس الأمراء من المستكفي أن يسلطن من ينهض بالملك فقلد الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير وعقد له اللواء وألبسه خلعة السلطنة ثم عاد الناصر إلى مصر وعذر الخليفة في فعله ثم غضب عليه وسيره إلى قوص فتوفى في هذه السنة في قوص في مستهل شعبان
*2* ثم دخلت سنة إحدى واربعين وسبعمائة
@ استهلت يوم الاربعاء وسلطان المسلمين الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وقضاته بمصر هم المذكورون في التي قبلها وليس في دمشق نائب سلطنة وإنما الذي يسد الامور الامير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر الذي جاء بالقبض على الأمير سيف الدين تنكز ثم جاء المرسوم بالرجوع إلى صغد فركب من آخر النهار وتوجه إلى بلده وحواصل الأمير تنكز تحت الحوطة كما هي
وفي صبيحة يوم السبت رابع المحرم من السنة المذكورة قدم من الديار المصرية خمسة امراء الامير سيف الدين بشتك الناصري ومعه برصبغا الحاجب وطاشار الدويدار وبنعراوبطا فنزل بشتاك بالقصر الابلق والميادين وليس معه من مماليكه إلا القليل وإنما جاء لتجديد البيعة إلى السلطان لما توهموا من ممالأة بعض الأمراء لنائب الشام المنفصل وللحوطة على حواصل الأمير سيف الدين تنكز المنفصل عن نيابة الشام وتجهيزها للديار المصرية وفي صبيحة يوم الاثنين سادسه دخل الامير علاء الدين الطنبغا إلى دمشق نائبا وتلقاه الناس وبشتك والأمراء المصريون ونزلوا إلى عتبته فقبلوا العتبة الشريفة ورجعوا معه إلى دار السعادة وقرئ تقليده وفي يوم الاثنين ثالث عشرة مسك من الأمراء المقدمين أميران كبيران الجي بغا العادلي وطنبغا الحجي ورفعا إلى القعلة المنصورة واحتيط على حواصلهما وفي يوم الثلاثاء تحملوا بيت ملك الأمراء سيف الدين تنكز وأهله وأولاده إلى الديار المصرية وفي يوم الأربعاء خامس عشرة ركب نائب السلطنة الامير علاء الدين طنبغا ومعه الأمير سيف الدين بشتك الناصري والحاجة رقطية وسيف الدين قطلوبغا الفخري
وجماعة من الأمراء المقدمين واجتمعوا بسوق الخيل واستدعوا بمملوكي الأمير سيف الدين تنكز وهما جغاي وطغاي فأمر بتوسيطهما فوسطا وعلقا على الخشب ونودي عليهما هذا جزاء من تجاسر على السلطان الناصر
وفي يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من هذا الشهر كانت وفاة الامير سيف الدين تنكز نائب الشام بقلعة اسكندرية قيل مخنوقا وقيل مسموما وهو الأصح وقيل غير ذلك وتأسف الناس عليه كثيرا وطال حزنهم عليه وفي كل وقت يتذكرون ما كان منه من الهيبة والصيانة والغيرة على حريم المسلمين ومحارم الاسلام ومن إقامته على ذوي الحاجات وغيرهم ويشتد تأسفهم عليه رحمه الله وقد أخبر القاضي أمين الدين ابن القلانسي رحمه الله شيخنا الحافظ العلامة عماد الدين ابن كثير رحمه الله أن الامير سيف الدين تنكز مسك يوم الثلاثاء ودخل مصر يوم الثلاثاء ودخل الاسكندرية يوم الثلاثاء وتوفي يوم الثلاثاء وصلى عبيه بالاسكندرية ودفن بمقبرتها في الثالث والعشرين من المحرم بالقرب من قبر القباري وكانت له جنازة جيدة
وفي يوم الخميس سابع شهر صفر قدم الامير سيف الدين طشتمر الذي مسك تنكز إلى دمشق فنزل بوطأة برزة بجيشه ومن معه ثم توجه إلى حلب المحروسة نائبا بها عوضا عن الطنبغا المنفصل عنها وفي صبيحة يوم الخميس ثالث عشر ربيع الاول نودي في البلد بجنازة الشيخ الصالح العابد الناسك القدوة الشيخ محمد بن تمام توفي بالصالحية فذهب الناس إلى جنازته إلى الجامع المظفري واجتمع الناس على صلاة الظهر فضاق الجامع المذكور عن أن يسعهم وصلى الناس في الطرقات وأرجاء الصالحية وكان الجمع كثيرا جدا لم يشهد الناس جنازة بعد جنازة الشيخ تقي الدين بن تيمية مثلها لكثرة من حضرها من الناس رجالا ونساء وفيهم القضاة والاعيان والأمراء وجمهور الناس يقاربون عشرين ألفا وانتظر الناس نائب السلطنة فاشتغل بكتاب ورد عليه من الديار المصرية فصلى عليه الشيخ بعد صلاة الظهر بالجامع المظفري ودفن عند اخيه
في تربة بين تربة الموفق وبين تربة الشيخ ابي عمر رحمهم الله وإيانا وفي أول شهر جمادي الاولى توفيت الشيخة العابدة الصالحة العالمة قارئة القرآن أم فاطمة عائشة بنت إبراهيم بن صديق زوجة شيخنا الحافظ جمال الدين المزي عشية يوم الثلاثاء مستهل هذا الشهر وصلى عليها بالجامع صبيحة يوم الاربعاء ودفنت بمقابر الصوفية غربي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهم الله كانت عديمة النظير في نساء زمانها لكثرة عبادتها وتلاوتها وإقرائها القرآن العظيم بفصاحة وبلاغة وأداء صحيح يعجز كثير من الرجال عن تجويده وختمت نساء كثيرا وقرأ عليها من النساء خلق وانتفعن بها وبصلاحها ودينها وزهدها في الدنيا وتقللها منها مع طول العمر بلغت ثمانين سنة أنفقتها في طاعة الله صلاة وتلاوة وكان الشيخ محسنا إليها مطيعا لا يكاد يخالفها لحبه لها طبعا وشرعا فرحمها الله وقدس روحها ونور مضجها بالرحمة آمين
وفي يوم الاربعاء الحادي والعشرين منه درس بمدرسة الشيخ أبي عمر بسفح قاسيون الشيخ الامام شمس الدين محمد بن أحمد بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي في التدريس البكتمري عوضا عن القاضي برهان الدين الزرعي وحضر عنده المقادسة وكبار الحنابلة ولم يتمكن أهل المدينة من الحضور لكثرة المطر والوحل يومئذ وتكامل عمارة المنارة الشرقية في الجامع الأموي في العشر الاخير من رمضان واستحسن الناس بناءها وإتقانها وذكر بعضهم أنه لم يبن في الاسلام منارة مثلها ولله الحمد ووقع لكثير من الناس في غالب ظنونهم أنها المنارة البيضاء الشرقية التي ذكرت في حديث النواس بن سمعان في نزول عيسى ابن مريم على المنارة البيضاء في شرقي دمشق فلعل لفظ الحديث انقلب على بعض الرواة وإنما كان على المنارة الشرقية بدمشق وهذه المنارة مشهورة بالشرقية بمقابلتها أختها الغربية والله سبحانه وتعالى أعلم
وفي يوم الثلاثاء سلخ شهر شوال عقد مجلس في دار العدل بدار السعادة وحضرته يومئذ واجتمع القضاة والاعيان على العادة وأحضر يومئذ عثمان الدكاكي قبحه الله تعالى وادعى عليه بعظائم من القول لم يؤثر مثلها عن الحلاج ولا عن ابن أبي الغدافر السلقماني وقامت عليه البينة بدعوى الآلهية
لعنه الله وأشياء أخر من التنقيص بالانبياء ومخالطته أرباب الريب نم الباجريقية وغيرهم من الاتحادية عليهم لعائن الله ووقع منه في المجلس من إساءة الأدب على القاضي الحنبلي وتضمن ذلك تكفيره من المالكية أيضا فادعى أن له دوافع وقوادح في بعض الشهود فرد إلى السجن مقيدا مغلولا مقبوحا أمكن الله منه بقوته وتأييده ثم لما كان يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من ذي القعدة أحضر عثمان الدكاكي المذكور إلى دار السعادة واقيم إلى بين يدي الامراء والقضاة وسئل عن القوادح في الشهود فعجز فلم يقدر وعجز عن ذلك فتوجه عليه الحكم فسئل القاضي المالكي الحكم عليه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم حكم باراقة دمه وإن تاب فأخذ المذكور فضربت رقبته بدمشق بسوق الخيل ونودي عليه هذا جزءا من يكون على مذهب الاتحادية وكان يوما مشهودا بدار السعادة حضر خلق من الاعيان والمشايخ وحضر شيخنا جمال الدين المزي الحافظ وشيخنا الحافظ شمس الدين الذهبي وتكلما وحرضا في القضية جدا وشهدا بزندقة المذكور بالاستفاضة وكذا الشيخ زين الدين أخو الشيخ تقي الدين بن تيمية وخرجا القضاة الثلاثة المالكي والحنفي والحنبلي وهم نفذوا حكمه في المجلس فحضورا قتل المذكور وكنت مباشرا لجميع ذلك من أوله إلى آخره
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين من ذي القعدة أفرج عن الاميرين العقيلين بالقلعة وهما طنبغا حجا والجي بغا وكذلك افرج عن خزاندارية تنكز الذين تأخروا بالقلعة وفرح الناس بذلك
*3* ذكر وفاة الملك الناصر محمد بن قلاوون
@ في صبيحة يوم الاربعاء السابع والعشرين من ذي الحجة قدم إلى دمشق الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري فخرج نائب السلطنة وعامة الأمراء لتلقيه وكان قدومه على خيل البريد فأخبر بوفاة السلطان الملك الناصر كانت وفاته يوم الاربعاء آخره وأنه صلى عليه ليلة الجمعة بعد العشاء ودفن مع ابيه الملك المنصور على ولده ! اتوك وكان قبل موته أخذ العهد لابنه سيف الدين ابي بكر ولقبه بالملك المنصور فلما دفن السلطان يلية الجمعة حضره من الأمراء قليل وكان قد ولى عليه الأمير علم الدين الجاولي ورجل آخر منسوب إلى الصلاح يقال له الشيخ عمر بن محمد بن إبراهيم الجعبري وشخص آخر من الجبارية ودفن كما ذكرنا ولم يحضر ولده ولي عهده دفنه ولم يخرج من القلعة ليلتئذ عن مشورة الأمراء لئلا يتخبط الناس وصلى عليه القاضي عز الدين بن جماعة إماما والجاولي وايدغمش وأمير آخر والقاضي بهاء الدين بن حامد بن قاضي دمشق السبكي وجلس الملك المنصور سيف الدنيا والدين ابو المعالي أبو بكر على سرير المملكة وفي صبيحة يوم الخميس الحادي والعشرين من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة بايعه
الجيش المصري وقدم الفخري لأخذ البيعة من الشاميين ونزل بالقصر الابلق وبايع الناس للملك المنصور بن الناصر بن المنصور ودقت البشائر بالقلعة المنصورة بدمشق صبيحة يوم الخميس الثامن والعشرين منه وفرح الناس بالملك الجديد وترحموا على الملك ودعوا له وتاسفوا عليه رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة إثنتين وأربعين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الاحد وسلطان الاسلام بالديار المصرية والبلاد الشامية وما والاها الملك المنصور سيف الدين أبو بكر بن الملك السلطان الناصر ناصر الدين محمد بن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي ونائب الشام الامير علاء الدين طنبغا وقضاة الشام ومصرهم المذكورون في التي قبلها وكذا المباشرون سوى الولاة شهر الله المحرم
*3* ولاية الخليفة الحاكم بأمر الله
@ وفي هذا اليوم بويع بالخلافة أمير المؤمنين أبو القاسم أحمد بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان العباسي ولبس السواد وجلس مع الملك المنصور على سرير المملكة وألبسه خلعة سوداء أيضا فجلسا وعليهما السواد وخطب الخليفة يومئذ خطبة بليغة فصيحة مشتملة على أشياء من المواعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخلع يومئذ على جماعة من الأمراء والاعيان وكان يوما مشهودا وكان أبو القاسم هذا قد عهد إليه أبوه بالخلافة ولكن لم يمكنه الناصر من ذلك وولى أبا إسحاق إبراهيم ابن أخي أبي الربيع ولقبه الواثق بالله وخطب له بالقاهرة جمعة واحدة فعزله المنصور وقرر أبا القاسم هذا وأمضى العهد ولقبه المستنصر بالله كما ذكرنا
وفي يوم الاحد ثامن المحرم مسك الامير سيف الدين بشتك الناصري آخر النهار وكان قد كتب تقليده بنيابة الشام وخلع عليه بذلك وبرز ثقله ثم دخل على الملك المنصور ليودعه فرحب به واجلسه واحضر طعاما وأكلا ونأسف الملك على فراقه وقال تذهب وتتركني وحدي ثم قام لتوديعه وذهب بشتك من بين يديه ثماني خطوات أو نحوها ثم تقدم إليه ثلاثة نفر فقطع أحدهم سيفه من سوطه بسكين ووضع الاخر يده على فمه وكتفه الاخر وقيدوه وذلك كله بحضرة السلطان ثم غيب ولم يدر أحد إلى أين صار ثم قالوا لمماليكه اذهبوا انتتم فائتوا بمركوب الامير غدا فهو بائت عند السلطان وأصبح السلطان وجلس على سرير المملكة وأمر بمسك جماعة من الأمراء وتسعة من الكبار واحتاطوا على حواصله وأمواله وأملاكه فيقال إنه وجد عنده من الذهب ألف ألف دينار وسبعمائة الف دينار
*3* وفاة شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي
@ تمرض أياما يسيرة مرضا لا يشغله عن شهود الجماعة وحضور الدروس وإسماع الحديث فلما كان يوم الجمعة حادي عشر صفر أسمع الحديث إلى قريب وقت الصلاة ثم دخل منزله ليتوضأ ويذهب للصلاة فاعترضه في باطنه مغص عظيم ظن أنه قولنج وما كان إلا طاعون فلم يقدر على حضور الصلاة فلما فرغنا من الصلاة أخبرت بانه منقطع فذهبت إليه فدخلت عليه فإذا هويرتعد رعدة شديدة من قوة الالم الذي هو فيه فسألته عن حاله فجعل يكرر الحمد الله ثم أخبرني بما حصل له من المرض الشديد وصلى الظهر بنفسه ودخل إلى الطهارة وتوضأ على البركة وهو في قوة الوجع ثم اتصل به هذا الحال إلى الغد من يوم السبت فلما كان وقت الظهر لم أكن حاضره إذ ذاك لكن أخبرتنا بنته زينب زوجتي أنه لما أذن الظهر تغير ذهنه قليلا فقالت يا أبة أذن الظهر فذكر الله وقال اريد أن اصلي فتيمم وصلى ثم اضطجع فجعل يقرأ آية الكرسي حتى جعل لا يفيض بها لسانه ثم قبضت روحه بين الصلاتين رحمه الله يوم السبت ثاني عشر صفر فلم يمكن تجهيزه تلك الليلة فلما كان من الغد يوم الاحد ثالث عشر صفر صبيحة ذلك اليوم غسل وكفن وصلى عليه بالجامع الاموي وحضر القضاة والاعيان وخلائق لا يحصون كثرة وخرج بجنازته من باب النصر وخرج نائب السلطنة الامير علاء الدين طنبغا ومعه ديوان السلطان والصاحب وكاتب السر وغيرهم من الامراء فصلوا علي خارج باب النصر أمهم عليه القاضي تقي الدين السبكي الشافعي وهو الذي صلى عليه بالجامع الاموي ثم ذهب به إلى مقابر الصوفية فدفن هناك إلى جانب زوجته المرأة الصالحة الحافظة لكتاب الله عائشة بن إبراهيم بن صديق غربي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهم الله أجمعين
*3* كائنة غريبة جدا
@ قدم يوم الاربعاء الثلاثين من صفر أمير من الديار المصرية ومعه البيعة للملك الاشرف علاء الدين كحك بن الملك الناصر وذلك بعد عزل أخيه المنصور لما صدر عنه من الافعال التي ذكر أنه تعاطاها من شرب المسكر وغشيان المنكرات وتعاطى ما لا يليق به ومعاشرة الخاصكية من المردان وغيرهم فتمالأ على خلعه كبار الأمراء لما رأوا الأمر تفاقم إلى الفساد العريض فأحضروا الخليفة الحاكم بأمر الله أبي الربيع سليمان فأثبت بين يديه ما نسب إلى الملك المنصور المذكور من الامور فحينئذ خلعه وخلعه الأمراء الكبار وغيرهم واستبدلوا مكانه اخاه هذا المذكور وسيروه إذ ذاك إلى قوص مضيقا عليه ومع إخوة له ثلاثة وقيل أكثر وأجلسوا الملك الأشرف هذا على السرير وناب له الأمير سيف الدين قوصون الناصري واستمرت الامور على السداد وجاءت إلى الشام فبايعه الأمراء يوم الأربعاء المذكور وضربت البشائر عشية الخميس مستهل ربيع الاو وخطب له بدمشق يوم الجمعة بحضرة نائب السلطنة والقضاة والامراء
وفي يوم الاربعاء سابع عشر ربيع الاول حضر بدار الحديث الاشرفية قاضي القضاة تقي الدين السبكي عوضا عن شيخنا الحافظ جمال الدين المزي ومشيخة دار الحديث النورية عوضا عن ابنه رحمه الله وفي شهر جمادي الاولى اشتهر أن نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر قائم في نصرة ابن السلطان الامير أحمد الذي بالكرك وأنه يستخدم لذلك ويجمع الجموع فالله أعلم وفي العشر الثاني منه وصلت الجيوش صحبة الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري إلى الكرك في طلب ابن السلطان الامير أحمد وفي هذا الشهر كثر الكلام في امر الأمير أحمد بن الناصر الذي بالكرك بسبب محاصرة الجيش الذي صحبة الفخري له واشتهر أن نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر قائم بجنب اولاد السلطان الذين أخرجوا من الديار المصرية إلى الصعيد وفي القيام بالمدافعة عن الأمير أحمد ليصرف عنه الجيش وترك حصاره وعزم بالذهاب إلى الكرك لنصرة أحمد ابن استاذه وتهيأ له نائب الشام بدمشق ونادى في الجيش لملتقاه ومدافعته عما يريد من إقامة الفتنة وشق العصا واهتم الجند لذلك وتأهبوا واستعدوا ولحقهم في ذلك كلفة كثيرة وانزعج الناس بسبب ذلك وتخوفوا ان تكون فتنة وحسبوا إن وقع قتال بينهم أن تقوم العشيرات في الجبال وحوران وتتعطل مصالح الزراعات وغير ذلك ثم قدم من حلب صاحب السلطان في الرسلية إلى نائب دمشق الامير علاء الدين الطنبغا ومع مشافهة فاستمع لها فبعث معه صاحب الميسرة أمان الساقي فذهبا إلى حلب ثم رجعا في أواخر جمادي الآخرة وتوجها إلى الديار المصرية واشتهر أن الأمر على ما هو عليه حتى توافق على ما ذكر من رجوع أولاد الملك الناصر إلى مصر ما عدا المنصور وأن يخلى عن محاصرة الكرك
وفي العشر الأخير من جمادي الاولى توفي مظفر الدين موسى بن مهنا ملك العرب ودف بتدمر وفي صبيحة يوم الثلاثاء ثاني جمادي الاخرة عند طلوع الشمس توفي الخطيب بدر الدين محمد بن القاضي جلال الدين القزويني بدار الخطابة بعد رجوعه من الديار المصرية كما قدمنا فخطب جمعة واحدة وصلى بالناس إلى ليلة الجمعة الأخرى ثم مرض فخطب عنه أخوه تاج الدين عبدالرحيم على العادة ثلاثة جمع وهو مريض إلى أن توفي يومئذ وتأسف الناس عليه لحسن شكله وصباحة وجهه وحسن ملتقاه وتواضعه واجتمع الناس للصلاة عليه للظهر فتأخر تجهيزه إلى العصر فصلى عليه بالجامع قاضي القضاة تقي الدين السبكي وخرج به الناس إلى الصوفية وكانت جنازته حافلة جدا فدفن عند أبيه بالتربة التي أنشأها الخطيب بدر الدين هناك رحمه الله
وفي يوم الجمعة خامس الشهر بعد الصلاة خرج نائب السلطنة الأمير علاء الدين الطنبغا وجميع الجيش قاصدين للبلاد الحلبية للقبض على نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر لأجل ما أظهر من القيام مع ابن السلطان الأمير أحمد الذي في الكرك وخرج الناس في يوم شديد المطر كثير الوحل وكان يوما مشهدا عصيبا أحسن الله العقابة وأمر القاضي تقي الدين السبكي الخطيب المؤذنين بزيادة أذكار على الذي كان سنه فيهم الخطيب بدر الدين من التسبيح والتحميد والتهليل الكثير ثلاثا وثلاثين فزادهم السبكي قبل ذلك استغفر الله العظيم ثلاثا اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والاكرام ثم أثبت ما في صحيح مسلم بعد صلاتي الصبح والمغرب اللهم اجرنا من النار سبعا اعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثا وكانوا قبل تلك السنوات قد زادوا بعد التأذين الآية ليلة الجمعة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدئ الرئيس منفردا ثم يعيد عليه الجماعة بطريقة حسنة وصار ذلك سببا لاجتماع الناس في صحن الجامع لاستماع ذلك وكلما كان المتبدىء حسن الصوت كانت الجماعة أكثر اجتماعا ولكن طال بسبب ذلك الفصل وتأخرت الصلاة عن أول وقتها انتهى
*3* كائنة غريبة جدا
@ وفي ليلة الاحد عشية السبت نزل الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري بظاهر دمشق بين الجسورة وميدان الحصى بالاطلاب الذين جاءوا معه من البلاد المصرية لمحاصرة الكرك للقبض على ابن السلطان الأمير احمد بن الناصر فمكثوا على الثنية محاصرين مضيقين عليه إلى ان توجه نائب الشام إلى حلب ومضت هذه الأيام المذكورة فما درى الناس إلا وقد جاء الفخري وجموعه وقد بايعوا الأمير أحمد وسموه الناصر بن النصار وخلعوا بيعة أخيه الملك الأشرف علاء الدين كجك واعتلوا بصغره وذكروا إن أتابكة الامير سيف الدين قوصون الناصري قد عدى على ابني السلطان فقتلهما خنقا ببلاد الصعيد جهز اليهما من تولى ذلك وهما الملك المنصور أبو بكر ورمضان فتنكر الامير بسبب ذلك قالوا هذا يريد ان يجتاح هذا البيت ليتمكن هو من أخذ المملكة فحموا لذلك وبايعوا ابن استاذهم وجاءوا في الذهاب خلف الجيش ليكونوا عونا للأمير سيف الدين طشتمر نائب حلب ومن معه وقد كتبوا إلى الامراء يستميلونهم إلى هذا ولما نزلوا بظاهر دمشق خرج إليهم من بدمشق من الاكابر والقضاة والمباشرين مثل والي البر ووالي المدينة وابن سمندار وغيرهم فلما كان الصباح خرج أهالي دمشق عن بكرة ابيهم على عادتهم في قدوم السلاطين ودخلو الحجاج بل أكثر من ذلك من بعض الوجوه وخرج القضاة والصاحب والاعيان والولاة وغيرهم ودخل الامير سيف الدين قطلوبغا في دست نيابة السلطنة التي فوضها إليه الملك الناصر الجديد وعن يمينه الشافعي وعن شماله الحنفي على العادة والجيش كله محدق به في الحديد والعقارات والبوقات والنشابة السلطانية والسناجق الخليفية والسلطانية تخفق والناس في الدعاء والثناء للفخري وهم في غاية الاستبشار والفرح وربما نال بعض جهلة الناس من النائب الآخر الذي ذهب إلى حلب ودخلت الأطلاب بعده على ترتيبهم وكان يوما مشهودا فنزل شرقي دمشق قريبا من خان لاجين وبعث في هذا اليوم فرسم على القضاة والصاحب وأخذ من أموال الايتام وغيرها خمسمائة ألف وعوضهم عن ذلك بقرية من بيت المال وكتب بذلك سجلات واستخدم جيدا وانضاف إليه من الأمراء الذين كانوا قد تخلفوا بدمشق جماعة منهم تمر الساقي مقدم وابن قراسنقر وابن الكامل وابن المعظم وابن البلدي وغيرهم وبايع هؤلاء كلهم مع مباشري دمشق للملك الناصر بن الناصر وأقام الفخري على خان لاجين وخرج المتعيشون بالصنائع إلى عندهم وضربت البشائر بالقلعة صبيحة يوم الثلاثاء سادس عشر الشهر ونودي بالبلد إن سلطانكم الملك الناصر احمد بن الناصر محمد بن قلاوون ونائبكم سيف الدين قطلوبغا الفخري وفرح كثير من الناس بذلك وانضاف اليه نائب صغد وبايعه نائب بعلبك واستخدموا له رجالا وجندا ورجع إليه الأمير سيف الدين سنجر الجمقدار رأس الميمنة بدمشق وكان قد تأخر في السفر عن تائب دمشق علاء الدين الطنبغا بسبب مرض عرض له فلما قدم الفخري رجع اليه وبايع الناصر ابن الناصر ثم كاتب نائب حماة تغردمر الذي ناب بمصر للملك المنصور فأجابه إلى ذلك وقدم على العسكر يوم السبت السابع والعشرين من الشهر المذكور في تجمل عظيم وخزائن كثيرة وثقل هائل
وفي صبحية يوم الاحد الثامن والعشرين من الشهر المذكور كسفت الشمس قبل الظهر وفي صبيحة يوم الاثنين التاسع والعشرين من جمادي الآخرة قدم نائب غزة الأمير آق سنقر في جيش غزة وهو قريب من ألفين فدخلوا دمشق وقت الفجر وغدوا إلى معسكر الفخري فانضافوا إليهم ففرحوا بهم كثيرا وصار في قريب من خمسة آلاف مقاتل أو يزيدون
استهل شهر رجب الفرد والجماعة من أكابر التجار مطلوبون بسبب أموال طلبها منهم الفخري يقوى بها جيشه الذي معه ومبلغ ذلك الذي أراده منهم ألف ألف درهم ومعه مرسوم الناصر بن الناصر ببيع املاك الامير سيف الدين قوصون إتابك الملك الاشرف علاء الدين كجك ابن الناصر التي بالشام بسبب إبائه عن مبايعة أحمد بن الناصر فأشار على الفخري من أشار بأن يباع للتجار من أملاك الخاص ويجعل مال قوصون من الخاص فرسم بذلك وأن يباع للتجار قرية دوية قومت بألف ألف وخمسمائة ألف ثم لطف الله وأفرج عنهم بعد ليلتين او ثلاث وتعوضوا عن ذلك بحواصل قوصون واستمر الفخري بمن معه ومن اضيف إليه من الأمراء والاجناد مقيمين بثنية العقاب واستخدم من رجال البقاع جماعة كثيرة أكثر من ألف رام واميرهم يحفظ افواه الطرق وأزف قدوم الامير علاء الدين طنبغا بمن معه من عساكر دمشق وجمهور الحلبيين وطائفة الطرابلسيين وتأهب هؤلاء لهم فلما كان الحادي من الشهر اشتهر ان الطتبغا وصل إلى القسطل وبعث طلائعه فالتقت بطلائع الفخري ولم يكن بينهم قتال ولله الحمد والمنة وأرسل الفخري إلى
القضاة ونوابهم وجماعة من الفقهاء فخرجوا ورجع الشافعي من اثناء الطريق فلما وصلوا أمرهم بالسعي بينه وبين الطنبغا في الصلح وأن يوافق الفخري في أمره وأن يبايع الناصر بن الناصر فأبى فردهم إليه غير مرة وكل ذلك يمتنع عليهم فلما كان يوم الاثنين رابع عشرة عند العصر جاء يريد إلى متولي البلد عند العصر من جهة الفخري يأمره بغلق أبواب البلد فغلقت الأبواب وذلك لان العساكر توجهوا وتواقفوا للقتال فإنا لله وإنا أليه راجعون
وذلك أن الطنبغا لما علم أن جماعة قطلوبغا على ثنية العقاب دار الذروة من ناحية المعيصرة وجاء بالجيوش من هناك فاستدار له الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري بجماعته إلى ناحيته ووقف له في طريقه وحال بينه وبين الوصول إلى البلد وانزعج الناس انزعاجا عظيما وغلقت القياسر والاسواق وخاف الناس بعضهم من بعض أن يكون نهب فركب متوولي البلد الامير ناصر الدين بن بكباشي ومعه أولاده ونوابه والرجالة فسار في البلد وسكن الناس ودعوا له فلما كان قريب المغرب فتح لهم باب الجابية ليدخل من هو من أهل البلد فجرت في الباب على ما قيل زحمة عظيمة وتسخط الجند على الناس في هذه الليلة واتفق انها ليلة الميلاد وبات المسلمون مهمومون بسبب العسكر واختلافهم فأصبحت أبواب البلد مغلقة في يوم الثلاثاء سوى باب الجابية والأمر على ما هو عليه فلما كان عشية هذا اليوم تقارب الجيشان واجتمع الطنبغا وأمراؤه واتفق أمراء دمشق وجمهورهم الذين هم معه على أن لا يقاتلو مسلما ولا يسلوا في وجه الفخري وأصحابه سيفا وكان قضاة الشام قد ذهبوا اليه مرارا للصلح فيأبي عليهم إلا الاستمرار على ما هو عليه وقويت نفسه عليه انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
*3* عجيبة من عجائب الدهر
@ فبات الناس متقابلين في هذه الليلة وليس بين الجيشين إلا مقدار ميلين او ثلاثة وكانت ليلة مطيرة فما أصبح الصبح إلا وقد ذهب من جماعة الطنبغا إلى الفخري خلق كثير من أجناد الحلفاء ومن الأمراء والاعيان وطلعت الشمس وارتفعت قليلا فنفذ الطنبغا القضاة وبعض الأمراء إلى الفخري يتهدده ويتوعده ويقوى نفسه عليه فما ساروا عنه قليلا إلا ساقت العساكر من الميمنة والميسرة ومن القلب ومن كل جانب مقفرين إلى الفخري وذلك لما هم فيه من ضيق العيش وقلة ما بأيديهم من الاطعمة وعلف الدواب وكثرة ما معهم من الكلف فرأوا أن هذا حال يطول عليهم ومقتوا أمرهم غاية المقت وتطايبت قلوبهم وقلوب اولئك مع أهل البلد على كراهته لقوة نفسه فيما لا يجدي عليه ولا عليهم شيئا فبايعوا على المخامرة عليه فلم يبق معه سوى حاشيته في أقل من ساعة واحدة فلما رأى الحال على هذه الصفة كر راجعا هاربا من حيث جاء وصحبته الأمير سيف الدين رقطبة نائب طرابلس وأميران آخران والتقت العساكر والأمراء وجاءت البشارة إلى دمشق قبل الظهر ففرح الناس فرحا شديدا جدا الرجال والنساء والولدان حتى من لا نوبة له ودقت البشائر بالقلعة المنصورة فأرسلوا في طلب من هرب وجلس الفخري هنالك بقية اليوم يحلف الأمراء على أمره الذي جاء له فحلفوا له ودخل دمشق عشية يوم الخميس في أبهة عظيمة وحرمة وافرة فنزل القصر الأبلق ونزل الامير تغردمر بالميدان الكبير ونزل عماري بدار السعادة وأخرجوا الموساوي الذي كان معتقلا بالقلعة وجعلوه مشدا على حوطات حواصل الطنبغا وكان قد تغضب الفخري على جماعةمن الامراء منهم الامير حسام الدين السمقدار أمير حاجب بسبب أنه صاحب لعلاء الدين الطنبغا فلما وقع ما وقع هرب فيمن هرب ولكن لم يأت الفخري بل دخل البلد فتوسط في الامر لم يذهب مع ذاك ولا جاء مع هذا ثم إنه استدرك ما فاته فرجع من البار إلى الفخري وقيل بل رسم عليه حين جاء وهو مهموم جدا ثم إنه اعطى منديل الامان وكان معهم كاتب السر القاضي شهاب الدين بن فضل الله ثم أفرج عنهم ومنهم الامير سيف الدين حفطية كان شديد الحنق عليه فأطلقه من يومه وأعاده إلى الحجوبية وأظهر مكارم أخلاق عظيمة ورياسة كبيرة وكان للقاضي علاء الدين بن المنجا قاضي قضاة الحنابلة في هذه الكائنة سعى مشكور ومراجعة كبيرة للأمير علاء الدين الطنبغا حتى خيف عليه منه وخاطر بنفسه معه فأنجح الله مقصده وسلمه منه وكبت عدوه ولله الحمد والمنة
وفي يوم السبت السادس والعشرين منه قلد قضاء العساكر المنصورة الشيخ فخر الدين بن الصائغ عوضا عن القاضي الحنفي الذي كان مع النائب المنفصل وذلك أنهم نقموا عليه إفتاءه الطنبغا بقتال الفخري وفرح بولايته أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وذلك لأنه من أخص من صحبه قديما وأخذ عنه فوائد كثيرة وعلوما
وفي يوم الأربعاء سلخ رجب آخر النهار قدم الامير قماري من عند الملك الناصر بن الناصر من الكرك وأخبره بما جرى من أمرهم وأمر الطنبغا ففرح بذلك واخبر قماري بقدوم السلطان ففرح الناس بذلك واستعدوا له بآلات المملكة وكثرت مطالبته أرباب الاموال والذمة بالجزية وفي مستهل رجب من هذه السنة ركب الفخري في دست النيابة بالموكب المنصور وهو أول ركوبه فيه وإلى جانبه قماري وعلى قماري خلعة هائلة وكثر دعاء الناس للفخري يومئذ وكان يوما مشهودا وفي هذا اليوم خرج جماعة من المقدمين الالوف إلى الكرك بأخبار ابن السلطان بما جرى منهم تغردمر وإقبغا عبدا لواحد وهو الساقي وميكلي بغا وغيرهم وفي يوم السبت ثالثة ستدعى الفخري القاضي الشافعي وألح عليه في أحضار الكتب في سلة الحكم التي كانت أخذت من عند الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله من القلعة المنصورة في أيام جلال الدين القزويني فأحضرها القاضي بعد جهد ومدافعة وخاف على نفسه منه فقبضها منه الفخري بالقصر وأذن له في الانصراف من عنده وهو متغضب عليه وربما هم بعزله لممانعته إياها وربما قال قائل هذه فيها كلام يتعلق بمسألة الزيارة فقال الفخري كان الشيخ أعلم بالله وبرسوله منكم واستبشر الفخري باحضارها إليه واستدعى بأخي الشيخ زين الدين عبد الرحمن وبالشيخ شمس الدين عبدالرحمن بن قيم الجوزية وكان له سعي مشكور فيها فهنأهما باحضاره الكتب وبيت الكتب تلك الليلة في خزانته للتبرك وصلى به الشيخ زين الدين اخو الشيخ صلاة المغرب بالقصر وأكرمه الفخري إكراما زائدا لمحبته الشيخ رحمه الله
وفي يوم الاحد رابعة دقت البشائر بالقلعة وفي باب الميدان لقدوم بشير بالقبض على قوصون بالديار المصرية واجتمع الناس لذلك واستبشر كثير منهم بذلك وأقبل جماعة من الامراء إلى الكرك لطاعة الناصر بن الناصر واجتمعوا مع الامراء الشاميين عند الكرك وطلبوا منه أن ينزل إليهم فابى وتوهم أن هذه الامور كلها مكيدة ليقبضوه ويسلموه إلى قوصون وطلب منهم أن ينظر في أمره وردهم إلى دمشق وفي هذه الايام وما قبلها وما بعدها أخذ الفخري من جماعة التجار بالاسواق وغيرها زكاة أموالهم سنة فتحصل من ذلك زيادة على مائة ألف وسبعة آلاف وصودر أهل الذمة بقريب من ذلك زيادة على الجزية التي اخذت منهم عن ثلاث سنين سلفا وتعجيلا ثم نودي في البلد يوم الاثنين الحادي والعشرين من الشهر مناداة صادرة من الفخري برفع الظلامات والطلبات واسقاط ما تبقى من الزكاة والمصادرة غير انهم احتاطوا على جماعة من المشاة المكثرين ليشتروا منهم بعض أملاك الخاص والبرهان بن بشارة الحنفي تحت المصادرة والعقوبة على طلب المال الذي وجده في طميرة وجدها فيما ذكر عنه والله أعلم
وفي يوم الجمعة الرابع والعشرين منه بعد الصلاة دخل الامراء الستة الذين توجهوا نحو الكرك لطلب السلطان أن يقدم إلى دمشق فأبى عليهم في هذا الشهر ووعدهم وقتا آخر فرجعوا وخرج الفخري لتلقيهم فاجتمعوا قبلي جامع القبيبات الكريمي ودخلوا كلهم إلى دمشق في جمع كثير من الاتراك الامراء والجند وعليهم خمدة لعدم قدوم السلطان أيده الله وفي يوم الاحد قدم البريد خلف قماري وغيره من الامراء يطلبهم إلى الكرك واشتهر أن السلطان رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يأمره بالنزول من الكرك وقبول المملكة فانشرح الناس لذلك
وتوفي الشيخ عمر بن أبي بكر بن اليثمي البسطي يوم الاربعاء التاسع والعشرين كان رجلا صالحا كثير التلاوة والصلاة والصدقة وحضور مجالس الذكر والحديث له همة وصولة على الفقراء المتشبهين بالصالحين وليسوا منهم سمع الحديث من الشيخ فخر الدين بن البخاري وغيره وقرأت عليه عن ابن البخاري مختصر المشيخة ولازم مجالس الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وانتفع به ودفن بمقابر باب الصغير
وفي شهر رمضان المعظم أوله يوم الجمعة كان قد نودي في الجيش آن الرحيل لملتقى السلطان في سابع الشهر ثم تأخر ذلك إلى بعد العشر ثم جاء كتاب من السلطان بتأخر ذلك إلى بعد العيد وقدم في عاشر الشهر علاء الدين بن تقي الدين الحنفي ومع ولاية من السلطان الناصر بنظر البيمارستان النوري ومشيخة الربوة ومرتب على الجهات السلطانية وكان قد قدم قبله القاضي شهاب الدين بن البارزي بقضاء حمص من السلطان أيده الله تعالى ففرح الناس بذلك حيث تكلم السلطان في المملكة وباشر وأمر وولي ووقع ولله الحمد وفي يوم الاربعاء ثالث عشره دخل الامير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الاخضر من البلاد الحلبية إلى دمشق المحروسة وتلقاه الفخري والأمراء والجيش بكماله ودخل في أبهة حسنة ودعا له الناس وفرحوا بقدومه بعد شتاته في البلاد وهربه من بين يدي الطنبغا حين قصده إلى حلب كما تقدم ذكره
وفي يوم الخميس رابع عشرة خرجت الجيوش من دمشق قاصدين إلى غزة لنظرة السلطان حين يخرج من الكرك السعيد فخرج يومئذ مقدمان تغردمر واقبغا عبد الواحد فبرزا إلى الكسوة فلما كان يوم السبت خرج الفخري ومعه طشتمر وجمهور الامراء ولم يقم بعده بدمشق إلا من احتيج لمقامهم لمهمات المملكة وخرج مع القضاة الاربعة وقاضي العساكر والموقعين والمصاحب وكاتب الجيش وخلق كثير
وتوفي الشيخ الصالح العابد الناسك احمد بن الملقب بالقصيدة ليلة الاحد الرابع والعشرين من رمضان وصلى عليه بجامع شكر ودفن بالصوفية قريبا من قبر الشيخ جمال الدين المزي تغمدهما الله برحمته وكان فيه صلاح كثير ومواظبة على الصلاة في جماعة وأمر بمعروف ونهى عن منكر مشكورا عند الناس بالخير وكان يكثر من خدمة المرضى بالمارستان وغيره وفيه إيثار وقناعة وتزهد كثير وله أحوال مشهورة رحمه الله وإيانا
واشتهر في أواخر الشهر المذكور أن السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد خرج من الكرك المحروس صحبة جماعة من العرب والاتراك قاصدا إلى الديار المصرية ثم تحرر خروجه منها في يوم الاثنين ثامن عشر الشهر المذكور فدخل الديار المصرية بعد ايام هذا والجيش صامدون اليه فلما تحقق دخوله مصر حثوا في السير إلى الديار المصرية وبعث يستحثهم أيضا واشتهر أنه لم يجلس على سرير الملك حتى يقدم الامراء الشاميون صحبة نائبه الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري ولهذا لم تدق البشائر بالقلاع الشامية ولا غيرها فيما بلغنا وجاءت الكتب والاخبار من الديار المصرية بان يوم الاثنين عاشر شوال كان إجلاس السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد على سرير المملكة صعد هو والخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن المستكفي فوق المنبر وهما لابسان السواد والقضاة تحتهما على درج المنبر بحسب منازلهم فخطب الخليفة وخلع الاشرف كجك وولى هذا الناصر وكان يوما مشهودا وأظهر ولايته لطشتمر نيابة مصر والفخري دمشق وأيد غمش حلب فالله أعلم ودقت البشائر بدمشق ليلة الجمعة الحادي والعشرين من الشهر المذكور واستمرت إلى يوم الاثنين مستهل ذي القعدة وزينت البلد يوم الاحد ثالث عشرين منه واحتفل الناس بالزينة
وفي يوم الخميس المذكور دخل الامير سيف الدين الملك أحد الرؤس المشهورة بمصر إلى دمشق في طلب نيابة حماة حرسها الله تعالى فلما كان يوم الجمعة بعد الصلاة ورد البريد من الديار المصرية فأخبر أن طشتمر الحمص الاخضر مسك فتعجب الناس من هذه الكائنة كثيرا فخرج من بدمشق من أعيان الامراء أمير الحج وغيره وخيم بوطأة برزة وخرج إلى الحج امير فأخبره بذلك وامروه عن مرسوم السلطان أن ينوب بدمشق حتى يأتي المرسوم بما يعتمد أمير الحج فأجاب إلى ذلك وركب في الموكب يوم السبت السادس منه وأما الفخري فإنه لما تنسم هذا الخبر وتحققه وهو بالزعقة فرفى طائفة من مماليكه قريب من ستين أو أكثر فاحترق وساق سوقا حثيثا وجاءه الطلب من روائه من الديار المصرية في نحو من ألف فارس صحبة الاميرين الطنبغا المارداني ويبلغا التحتاوي ! ففاتهما وسبق واعترض له نائب غزة في جنده فلم يقدر عليه فسلطوا عليه العشيرات ينهبوه فلم يقدروا عليه إلا في شيء يسير وقتل منهم خلقا وقصد نحو صاحبه فيما يزعم الامير سيف الدين ايدغمش نائب حلب راجيا منه أن ينصره وأن يوافقه على ما قام بنفسه فلما وصل أكرمه وانزله وبات عنده فلما أصبح قبض عليه وقيده ورده على البريد إلى الديار المصرية ومعه التراسيم من الأمراء وغيرهم
ولما كان يوم الاثنين سلخ ذي القعدة خرج السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد بن الناصر محمد بن المنصور من الديار المصرية في طائفة من الجيش قاصدا إلى الكرك المحروس ومعه أموال جزيلة وحواصل واشياء كثيرة فدخلها يوم الثلاثاء من ذي الحجة وصحبته طشتمر في محفة ممرضا والفخري مقيدا فاعتقلا بالكرك المحروس وطلب السلطان آلات من أخشاب ونحوها وحدادين وصناع ونحوها لاصلاح مهمات بالكرك وطلب أشياء كثيرة من دمشق فحملت اليه ولما كان يوم الاحد السابع والعشرين من ذي الحجة ورد الخبر بأن الامير ركن الدين بيبرس الاحمدي النائب بصغد ركب في مماليكه وخدمه ومن أطاعه وخرج منها فارا بنفسه من القبض عليه وذكر ان نائب غزة قصده ليقبض عليه بمرسوم السلطان ورد عليه من الكرك فهرب الاحمدي بسبب ذلك ولما وصل الخبر الى دمشق وليس بها نائب انزعج الامراء لذلك واجمتعوا بدار السعادة وضربوا في ذلك مشورة ثم جردوا إلى ناحية بعلبك اميرا ليصدوه عن الذهاب إلى البرية فلما أصبح الصباح من يوم الاثنين جاء الخبر بأنه في نواحي الكسوة ولامانع من خلاصة فركبوا كلهم ونادى المنادي من تأخر من الجند عن هذا النفير ! شنق واستوثقوا في الخروج وقصدوا ناحية الكسوة وبعثوا الرسل اليه فذكر اعتذارا في خروجه وتخلص منهم وذهب يوم ذلك ورجعوا وقد كانوا ملبسين في يم حار وليس معهم من الازواد مايكفيهم سوى يومهم ذلك فلما كانت ليلة الثلاثاء ركب الامراء في طلبه من ناحية ثنية العقاب فرجعوا في اليوم الثاني وهو في صحبتهم ونزل في القصور التي بناها تنكز رحمه الله في طريق داريا فأقام بها واجروا عليه مرتبا كاملا من الشعير والغنم وما يحتاج إليه مثله ومعه مماليكه وخدمه فلما كان يوم الثلاثاء سادس المحرم ورد كتاب من جهة السلطان فقرئ على الأمراء بدار السعادة يتضمن إكرامه واحترامه والصفح عنه لتقدم خدمة على السلطان الملك الناصر وابنه الملك المنصور ولما كان يوم الأربعاء سابع المحرم جاء كتاب إلى الأمير ركن الدين بيبرس نائب الغيبة ابن الحاجب المش بالقبض على الاحمدي فركب الجيش ملبسين يوم الخميس وأوكبوا بسوق الخيل وراسلوه وقد ركب في مماليكه بالعدد وأظهر الامتناع فكان جوابه أن لا أسمع ولا أطيع إلا لمن هو ملك الديار المصرية فاما من هو مقيم بالكرك ويصدر عنه ما يقال عنه من الافاعيل التي قد سارت بها الركبان فلا فلما بلغ الامراء هذا توقفوا في أمره وسكنوا ورجعوا إلى منازلهم ورجع هو إلى قصره
*2* ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة المباركة وسلطان المسلمين الملك الناصر ناصر الدين محمد بن الملك المنصور قلاوون وهو مقيم بالكرك قد حاز الحوصال السلطانية من قلعة الجبل إلى قلعة الكرك ونائبه الديار المصرية الامير سيف الدين آقسنقر السلارى الذي كان نائبا بغزة وقضاة الديار المصرية هم المذكورون في السنة الماضية سوى القاضي الحنفي وأما دمشق فليس لها نائب إلى حنيئذ غير ان الامير ركن الدين بيبرس الحاجب كان استنابه الفخري بدمشق نائب غيبته فهو الذي يسد الامور مع الحاجب ألمش وتمر المهمندار والامير سيف الدين الملقب بحلاوة والي البر والامير ناصر الدين ابن ركباس متولي البلد هؤلاء الذين يسدون الأشغال والامور السلطانية والقضاة هم الذين ذكرناها في السنة الخالية وخطيب البلد تاج الدين عبدالرحيم بن القاضي جلال الدين القزويني وكاتب السر القاضي شهاب الدين بن فضل الله واستهلت هذه السنة والأمير ركن الدين بيبرس الاحمدي نازل بقصر تنكز بطريق داريا وكتب السلطان واردة في كل وقت بالاحتياط عليه والقبض وأن يمسك ويرسل إلى الكرك هذا والأمراء يتوانون في أمره ويسوفون المراسيم وقتا بعد وقت وحينا بعد حين ويحملهم على ذلك أن الاحمدي لا ذنب له ومتى مسكه تطرف إلى غيره مع أن السلطان يبلغهم عنه احوال لا ترضيهم من اللعب والاجتماع مع الاراذل والاطراف ببلد الكرك مع قتله الفخري وطشتمر قتلا فظيعا وسلبه أهلهما وسلبه لما على الحريم من الثياب والحلى وإخراجهم في أسوإ حال من الكرك وتقريبه النصارى وحضورهم عنده فحمل الامراء هذه الصفات على أن بعثوا احدهم يكشف أمره فلم يصل اليه ورجع هاربا خائفا فلما رجع وأخبر الأمراء انزعجوا وتشوشوا كثيرا واجتمعوا بسوق الخيل مرارا وضربوا مشورة بينهم فاتفقوا على أن يخلعوه فكتبوا إلى المصريين بذلك واعلموا نائب حلب ايدغمش ونواب البلاد وبقوا متوهمين من هذا الحال كثيرا ومترددين ومنهم من يصانع في الظاهر وليس معهم في الباطن وقالوا لا سمع له ولا طاعة حتى يرجع إلى الديار المصرية ويجلس على سرير المملكة وجاء كتابه اليهم يعيبهم ويعنقهم في ذلك فلم يفد وركب الاحمدي في الموكب وركبوا عن يمينه وشماله وراحوا اليه إلى القصر فسلموا عليه وخدموه وتفاقم الامر وعظم الخطب وحملوا هموما عظيمة خوفا من أن يذهب الى الديار المصرية فيلف عليه المصريون فيتلف الشاميين فحمل الناس همهم فالله هو المسئول أن يحسن العاقبة فلما كان يوم الاحد السادس والعشرين من المحرم ورد مقدم البريدية ومعه كتب المصريين بأنه لم بلغهم خبر الشاميين كان عندهم من أمر السلطان اضعاف ما حصل عند الشاميين فبادروا إلى ما كانوا عزموا عليه ولكن ترددوا خوفا من الشاميين أن يخالفوهم فيه ويتقدموا في صحبة السلطان لقتالهم فلما أطمأنوا من جهة الشاميين صمموا على عزمهم فخلعوا الناصر أحمد وملكوا عليهم أخاه الملك الصالح إسماعيل ابن الناصر محمد بن المنصور جعله الله مباركا على المسلمين وأجلسوه على السرير يوم الثلاثاء العشرين من المحرم المذكور وجاء كتابه مسلما على أمراء الشام ومقدميه وجاءت كتب الامراء على الامراء بالسلام والاخبار بذلك ففرح المسلمون وأمراء الشام والخاصة والعامة بذلك فرحا شديدا ودقت البشائر بالقلعة المنصورة يومئذ ورسم بتزيين البلد فزين الناس صبيحة الثلاثاء السابع والعشرين منه ولما كان يوم الجمعة سلخ المحرم خطب بدمشق للملك الصالح عماد الدنيا والدين إسماعيل بن الناصر بن المنصور
وفي يوم الخميس سادس صفر درس بالصدرية صاحبنا الامام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الذرعي إمام الجوزية وحضر عنده الشيخ عز الدين بن المنجا الذي نزل له عنها وجماعة من الفضلاء وفي يوم الاثنين سادس عشر صفر دخل الامير سيف الدين تغردمر من الديار المصرية إلى دمشق ذاهبا إلى نيابة حلب المحروسة فنزل بالقابون
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشر صفر توفي الشيخ الامام العالم العامل الزاهد عبد الله بن أبي الوليد المقري المالكي إمام المالكية هو وأخوه أبو عمرو بالجامع الاموي بمحراب الصحابة توفي ببستان بقية السحف وصلى عليه بالمصلى ودفن عند ابيه رحمهما الله بمقابر باب الصغير وحضر جنازته الأعيان والفقهاء والقضاة وكان رجلا صالحا مجمعا على ديانته وجلالته رحمه الله
وفي يوم الخميس العشرين من صفر دخل الامير ايدغمش نائب السلطنة بدمشق ودخل اليها من ناحية القابون قادما من حلب وتلقاه الجيش بكماله وعليه خلعة النيابة واحتفل الناس له وأشعلوا الشموع وخرج أهل الذمة من اليهود والنصارى يدعون له ومعهم الشموع وكان يوما مشهودا وصلى يوم الجمعة بالمقصورة من الجامع الأموي ومعه الأمراء والقضاة وقرئ تقليده هناك على السدة وعليه خلعته ومعه الأمير سيف الدين ملكتم الرحولي وعليه خلعة ايضا
وفي يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من صفر دخل الامير علم الدين الجاولي دمشق المحروسة ذاهبا الى نيابة حماة المحروسة وتلقاه نائب السلطنة والأمراء إلى مسجد القدم وراح فنزل بالقابون وخرج القضاة والأعيان إليه وسمع عليه من مسند الشافعي فإنه يرويه وله فيه عمل ورتبه ترتيبا حسنا ورأيته وشرحه أيضا وله أوقاف عل الشافعية وغيرهم
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين منه عقد مجلس بعد الصلاة بالشباك الكمالي من مشهد عثمان بسبب القاضي فخر الدين المصري وصدر الدين عبدالكريم ابن القاضي جلال الدين القزويني بسبب العادلية الصغيرة فاتفق الحال على أن نزل صدر الدين عن تدريسها ونزل فخر الدين عن مائة وخمسين على الجامع وفي يوم الاحد سلخ الشهر المذكور حضر القاضي فخر الدين المصري ودرس بالعادلية الصغيرة وحضر الناس عنده على العادة وأخذ في قوله تعالى هذه بضاعتنا ردت الينا وفي آخر شهر ربيع الاول جاء المرسوم من الديار المصرية بأن يخرج تجريدة من دمشق بصحبة الامير حسام الدين السمقدار لحصار الكرك الذي تحصن فيه ابن السلطان احمد واستحوذ على ما عنده من الاموال التي أخذها من الخزائن من ديار مصر وبرز المنجنيق من القلعة إلى قبل جامع القبيبات فنصب هناك وخرج الناس للتفرج عليه ورمى به ومن نيتهم أن يستصحبوه معهم للحصار
وفي يوم الاربعاء ثاني ربيع الآخر قدم الامير علاء الدين الطنبغا المارداني من الديار المصرية على قاعدته وعادته وفي يوم االخميس عاشره دخل إلى دمشق الاميران الكبيران ركن الدين بيبرس الاحمدي من طرابلس وعلم الدين الجاولي من حماة سحرا وحضرا الموكب ووقفا مكتفين لنائب السلطنة الاحمدي عن يمينه والجاولي عن يساره ونزلا ظاهر البلد ثم بعد ايام يسيرة توجه
الاحمدي إلى الديار المصرية على عادته وقاعدته رأس مشورة وتوجه الجاولي إلى غزة المحروسة نائبا عليها وكان الامير بدر الدين مسعود بن الخطير على إمرة الطبلخانات بدمشق وفي يوم الخميس رابع عشرة خرجت التجريدة من دمشق سحرا إلى مدينة الكرك والامير شهاب الدين بن صبح والي الولاة بحوران مشد المجانيق وخرج الامير سيف الدين بهادر الشمس الملقب بحلاوة والي البر بدمشق الى ولاية الولاة بحوران وفي يوم الجمعة ثامن عشرة وقع بين النائب والقاضي الشافعي بسبب كتاب ورد من الديار المصرية فيه الوصاة بالقاضي السبكي المذكور ومعه التوقيع بالخطابة له مضافا إلى القضاء وخلعة من الديار المصرية فتغيظ عليه النائب لأجل اولاد الجلال لأنهم عندهم عائلة كثيرة وهم فقراء وقد نهاه عن السعي في ذلك فتقدم إليه يومئذ أن لا يصلي عنده في الشباك الكمالي فنهض من هناك وصلى في الغزالية وفي يوم الاحد العشرين منه دخل دمشق الامير سيف الدين اريغا زوج ابنة السلطان الملك الناصر مجتازا ذاهبا إلى طرابلس نائبا بها في تجمل وأبهة ونجائب وجنائب وعدة وسرك كامل وفي يوم الخميس الرابع والعشرين منه دخل الامير بدر الدين ابن الخطيري معزولا عن نيابة غزة المحروسة فأصبح يوم الخيمس فركب في الموكب وسير مع نائب السلطنة ونزل في داره وراح الناس للسلام عليه وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر صفر زينت البلد لعافية السلطان الملك الصالح لمرض أصابه ثم شفى منه وفي يوم الجمعة السادس عشرينه قبل العصر ورد البريد من الديار المصرية بطلب قاضي القضاة تقي الدين السبكي اليها حاكمها بها فذهب الناس للسلام عليه ولتوديعه وذلك بعد ما أرجف الناس به كثيرا واشتهر انه سينعقد له مجلس للدعوى عليه بما دفعه من مال الايتام إلى الطنبغا وإلي الفخري وكتبت فتوى عليه بذلك في تغريمه وداروا بها على المفتيين فلم يكتب لهم احد فيها غير القاضي جلال الدين بن حسام الدين الحنفي رأيت خطه عليها وحده بعدالصلاة وسئلت في الافتاء عليها فامتنعت لما فيها من التشويش على الحاكم وفي أول مرسوم نائب السلطان أن يتأمل المفتون هذا السؤال ويفتوا بما يقتضيه حكم الشرع الشريف وكانوا له في نية عجيبة ففرج الله عنه بطلبه إلى الديار المصرية فسار إليها صحبة البريد ليلة الأحد وخرج الكبراء والاعيان لتوديعه وفي خدمته استهل جمادي الاخرة والتجريدة عمالة الى الكرك والجيش المجردون من الحلقة قريب من ألف ويزيدون ولما كان يوم الثلاثاء رابعه بعد الظهر مات الأمير علاء الدين ايدغمش نائب السلطنة بالشام المحروس في دار وحده في دار السعادة فدخلوا عليه وكشفوا أمره وأحصروا وخشوا أن يكون اعتراه سكتة ويقال إنه شفى فالله أعلم فانتظروا به إلى الغد احتياطا فلما أصبح الناس اجتمعوا للصلاة عليه فصلى عليه خارج باب النصر حيث يصلى على الجنائر وذهبوا به إلى نحو القبلة ورام بعض اهله أن يدفن في تربة غبريال إلى جانب جامع القبيبات فلم يمكن ذلك فدفن قبلي الجامع على حافة الطريق ولم يتهيأ دفنه إلا إلى بعدالظهر من يومئذ وعملوا عنده ختمة ليلة الجمعة رحمه الله وسامحه
واشتهر في اوائل هذا الشهر أن الحصار عمال على الكرك وأن أهل الكرك خرجت طائفة منهم فقتل منهم خلق كثير وقتل من الجيش واحد في ! الصار فنزل القاضي وجماعة ومعهم شيء من الجوهر وتراضوا على أن يسلموا البلد فلما أصبح أهل الحصن تحصنوا ونصبوا المجانيق واستعدوا فلما كان بعد أيام رموا منجنيق الجيش فكسروا السهم الذي له وعجزوا عن نقله فحرقوه برأي أمراء المقدمين وجرت امور فظيعة فالله يحسن العاقبة
ثم وقعت في أواخر هذا الشهر بين الجيش وأهل الكرك وقعة أخرى وذلك أن جماعة من رجال الكرك خرجوا إلى الجيش ورموهم بالنشاب فخرج الجيش لهم من الخيام ورجعوا مشاة ملبسين بالسلاح فقتلوا من أهل الكرك جماعة من النصارى وغيرهم وجرح من العسكر خلق وقتل واحد أو اثنان وأسر الأمير سيف الدين أبو بكر بن بهادر آص وقتل امير العرب وأسر آخرون فاعتقلوا بالكرك وجرت أمور منكرة ثم بعدها تعرض العسكر راجعين إلى بلادهم لم ينالوا مرادهم منها وذلك انهم رقهم البرد الشديد وقلة الزاد وحاصروا أولئك شديدا بلا فائدة فإن البلد بريد متطاولة ومجانيق ويشق على الجيش الاقامة هناك في كوانين والمنجنيق الذي حملوه معهم كسر فرجعوا ليتأهبوا لذلك
ولما كان في يوم الأربعاء الخامس والعشرين منه قدم من الديار المصرية على البريد القاضي بدر الدين بن فضل الله كاتبا على السر عوضا عن أخيه القاضي شهاب الدين ومعه كتب بالاحتياط على حواصل أخيه شهاب الدين وعلى حواصل القاضي عماد الدين ابن الشيرازي المحتسب فاحتيط على أموالهما وأخرج من في ديارهما من الحرم وضربت الأخشاب على الابواب ورسم على المحتسب بالعذراوية فسأل أن يحول إلى دار الحديث الاشرفية فحلو إليها وأما القاضي شهاب الدين فكان قد خرج ليلتقي الامير سيف الدين تغردمر الحموي الذي جاء تقليده بنيابة الشام بدمشق وكان بحلب وجاء هذا الامر وهو في أثناء الطريق فرسم برجعته ليصادر هو والمحتسب ولم يدر الناس ما ذنبهما
وفي يوم الاحد ثامن شهر رجب آخر النهار رجع قاضي القضاء تقي الدين السبكي إلى دمشق على القضاء ومعه تقليد بالخطابة أيضا وذهب الناس اليه للسلام عليه ودخل نائب السلطنة الأمير سيف الدين تغردمر الحموي بعد العصر الخامس عشرينه من حلب فتلقاه الأمراء إلى طريق القابون ودعا له الناس دعاء كثيرا وأحبوه لبغضهم النائب الذي كان قبله وهو علاء الدين ايدغمش سامحه الله تعالى فنزل بدار السعادة وحضر الموكب صبيحة يوم الاثنين واجتمع طائفة من العامة وسألوه أن لا يغير عليهم خطيبهم تاج الدين عبد الرحيم ابن جلال الدين فلم يلتفت إليهم بل عمل على تقليد القاضي تقي الدين السبكي الخطابة لبس الخلعة واكثر العوام لما سمعوا بذلك الغوغاء وصاروا يجتمعون حلقا حلقا بعدالصلوات ويكثرون الفرحة في ذلك لما منع ابن الجلال ولكن بقي هذا لم يباشر السبكي في المحراب واشتهر عن العوام كلام كثير وتوعدوا السبكي بالسفاهة عليه إن خطب وضاق بذلك ذرعا ونهوا عن ذلك فلم ينتهوا وقيل لهم ولكثير منهم الواجب عليكم السمع والطاعة لأولي الامر ولو أمر عليكم عبد حبشي فلم يرعووا فلما كان يوم الجمعة العشرين منه اشتهر بين العامة بأن القاضي نزل عن الخطابة لابن الجلال ففرح العوام بذلك وحشدوا في الجامع وجاء نائب السلطنة إلى المقوصرة والأمراء معه وخطب ابن الجلال على العادة وفرح الناس بذلك وأكثروا من الكلام ووالهرج ولما سلم عليهم الخطيب حين صعد ردوا عليه ردا بليغا وتكلفوا في ذلك وأظهرا بغضة القاضي السبكي وتجاهروا بذلك وأسمعوه كلاما كثيرا ولما قضيت الصلاة قرئ تقليد النيابة على السدة وخرج الناس فرحى يخطيبهم لكونه استمر عليهم واجتمعوا عليه يسلمون ويدعون له
وفي يوم الاربعاء ثالث شعبان درس القاضي برهان الدين بن عبدالحق بالمدرسة العذراوية بمرسوم سلطاني بتوليته وعزل القفجاري وعقد لهما مجلس يوم الثلاثاء بدار العدل فرجح جانب القاضي برهان الدين لحاجته وكونه لا وظيفة له
وفي يوم الجمعة توفي الشيخ شهاب الدين احمد ابن الجزري احد المسندين المكثرين الصالحين مات عن خمس وتسعين سنة رحمه الله وصلى عليه يوم الجمعة بالجامع المظفري ودفن بالرواحية وفي يوم الاربعاء السابع عشر منه توفي الشيخ الامام العالم العابد الناسك الصالح الشيخ شمس الدين محمد بن الزرير خطيب الجامع الكريمي بالقبيبات وصلى عليه بعد الظهر يومئذ بالجامع المذكور ودفن قبلي الجامع المذكور إلى جانب الطريق من الشرق رحمه الله
واشتهر في أوائل رمضان ان مولودا ولد له رأسان وأربع أيد وأحضر إلى بين يدي نائب السلطنة وذهب الناس للنظر إليه في محلة ظاهر باب الفراديس يقال لها حكى الوزير وكنت فيمن ذهب إليه في جماعة من الفقهاء يوم الخميس ثالث الشهر المذكور بعد العصر فأحضره أبوه وأسم ابيه سعادة وهو رجل من أهل الجبل فنظرت إليه فإذا هما ولدان مستقلان فكل قد اشتبكت
افخاذهما بعضهما ببعض وركب كل واحد منهما ودخل في الآخر والتحمت فصارت جثة واحدة وهماميتان فقالوا احدهما ذكر الآخر أنثى وهما ميتان حال رؤيتي إليهما وقالوا إنه تأخر موت أحدهما عن الآخر بيومين او نحوهما وكتب بذلك محضر جماعة من الشهود
وفي هذا اليوم احتيط على اربعة من الامراء وهم ابناء الكامل صلاح الدين محمد امير طبلخانات وغياث الدين محمد امير عشرة وعلاء الدين علي وابن ايبك الطويل طبلخانات أيضا وصلاح الدين خليل بن بلبان طرنا طبلخانات أيضا وذلك بسبب أنهم اتهموا على ممالأة الملك احمد بن الناصر الذي في الكرك ومكاتبته والله أعلم بحالهم فقيدوا وحملوا إلى القلعة المنصورة من باب اليسر مقابل باب دار السعادة الثلاث الطبلخانات والغياث من بابها الكبير وفرق بينهم في الاماكن وخرج المحمل يوم الخميس خمس عشرة ولبس الخطيب ابن الجلال خلعة استقرار الخطابة في هذا اليوم وركب بها مع القضاة على عادة الخطباء
وفي هذا الشهر نصب المنجنيق الكبير على باب الميدان الاخضر وطول اكتافه ثمانية عشر ذراعا وطول سهمه سبعة وعشرون ذراعا وخرج الناس للفرجة عليه ورمى به في يوم السبت حجرا زنته ستين رطلا فبلغ إلى مقابلة القصر من الميدان الكبير وذكر معلم المجانيق أنه ليس في حصون الاسلام مثله وأنه عمله الحاج محمد الصالحي ليكون بالكرك فقدر الله انه خرج ليحاصر به الكرك فالله يحسن العاقبة وفي أواخره أيضا مسك أربعة أمراء وهم أقبغا عبد الواحد الذي كان مباشرا الاستدارية للملك الناصر الكبير فصودر في أيام ابنه المنصور وأخرج إلى الشام فناب بحمص فسار سيرة غير مرضية وذمه الناس وعزل عنها وأعطى تقدمة ألف بدمشق وجعل رأس الميمنة فلما كان في هذه الأيام اتهم بممالأة السلطان أحمد بن الناصر الذي بالكرك فمسك وحمل إلى القلعة ومعه الأمير سيف الدين بلو والأمير سيف الدين سلامش وكلهم بطبلخانات فرفعوا إلى القعلة المنصورة فالله يحسن العاقبة
وفي هذا الشهر خرج قضاء حمص عن نيابة دمشق بمرسوم سلطاني مجدد للقاضي شهاب الدين البارزي وذلك بعد مناقشة كثيرة وقعت بينه وبين قاضي القضاة تقي الدين السبكي وانتصر له بعض الدولة واستخرج له المرسوم المذكور وفيه أيضا افرد قضاء القدس الشريف أيضا باسم القاضي شمس الدين بن سالم الذي كان مباشرها مدة طويلة قبل ذلك نيابة ثم عزل عنها وبقي مقيما ببلده غزة ثم أعيد اليها مستقلا بها في هذا الوقت وفي هذا الشهر رجع القاضي شهاب الدين ابن فضل الله من الديار المصرية ومعه تقويع بالمرتب الذي كان له اولا كل شهر ألف درهم وأقام بعمارته التي أنشأها بسفح قاسيون شرقي الصالحية بقرب حمام النحاس
وفي صبيحة مستهل ذي القعدة خرج المنجنيق قاصدا إلى الكرك على الجمال والعجل وصحبته الامير صارم الدين إبراهيم المسبقي أمير حاجب كان في الدولة السكرية هو المقدم عليه يحوطه ويحفظه ويتولى تسييره بطلبه وأصحابه وتجهز الجيش للذهاب إلى الكرك وتأهبوا أتم الجهاز وبرزت أثقالهم إلى ظاهر البلد وضربت الخيام فالله يحسن العاقبة
وفي يوم الاثنين رابعه توفي الطوشي سبل الدولة كافور السكري ودفن صبيحة يوم الثلاثاء خامسة في تربته التي أنشاها قديما ظاهر باب الجابية تجاه تربة الطواشي ظهير الدين الخازن بالقلعة كان قبيل مسجد الدبان رحمه الله وكان قديما للصاحب تقي الدين توبة التكريتي ثم اشتراه تنكز بعد مدة طويلة من ابني أخيه صلاح الدين وشرف الدين بمبلغ جيد وعوضهما إقطاعا بزيادة على ما كان بأيديهما وذلك رغبة في أمواله التي حصلها من ابواب السلطنة وقد تعصب عليه استاذه تنكز رحمه الله في وقت وصودر وجرت عليه فصول ثم سلم بعد ذلك ولما مات ترك اموالا جزيلة وأوقافا رحمه الله وخرجت التجريدة يوم الاربعاء سادسة والمقدم عليها الامير بدر الدين بن الخطير ومعه مقدم آخر وهو الامير علاء الدين بن قراسنقر وفي يوم السبت سلخ هذا الشهر توفي الشاب الحسن شهاب الدين أحمد بن فرج المؤذن بمأذنة العروس وكان شهيرا بحسن الصوت ذا حظوة عظيمة عند اهل البلد وكان رحمه الله كما في النفس وزيادة في حسن الصوت الرخيم المطرب وليس في القراء ولا في المؤذنين قريب منه ولا من يدانيه في وقته وكان في آخر وقته على طريقة حسنة وعمل صالح وانقطاع عن الناس وإقبال على شأن نفسه فرحمه الله وأكرم مثواه وصلى عليه بعد الظهر يومئذ ودفن عند اخيه بمقبرة الصوفية
وفي يوم الخميس خامس ذي الحجة توفي الشيخ بدر الدين بن نصحان شيخ القراء السبع في البلد الشهير بذلك وصلى عليه بالجامع بعدالظهر يومئذ ودفن بباب الفراديس رحمه الله
وفي يوم الأحد تاسعة وهو يوم عرفة حضر الاقراء بتربة أم الصالح عوضا عن الشيخ بدر الدين ابن نصحان القاضي شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي وحضر عنده جماعة من الفضلاء وبعض القضاة وكان حضوره بغتة وكان متمرضا فألقى شيئا من القراءات والاعراب عند قوله تعالى ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرا لأنفسهم وفي أواخر هذا الشهر غلا السعر جدا وقل الخبز وازدحم الناس على الافران زحمة عظيمة وبيع خبز الشعير المخلوط بالزيوان والنقارة وبلغت الغرارة بمائة وستة وثمانين درهما وتقلص السعر جدا حتى بيع الخبز كل رطل بدرهم وفوق ذلك بيسير ودونه بحسب طيبه ورداءته فانا لله وإنا إليه راجعون وكثر السؤال وجاع العيال وضعف كثير من الأسباب والاحوال ولكن لطف الله عظيم فإن الناس مترقبون مغلا
هائلا لم يسمع بمثله من مدة سنين عديدة وقد اقترب أوانه وشرع كثير من البلاد في حصاد الشعير وبعض القمح مع كثرة الفول وبوادر التوت فلولا ذلك لكان غير ذلك ولكن لطف الله بعباده وهو الحاكم المتصرف الفعال لما يريد لا إله إلا هو
*2* ثم دخلت سنة أربع وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين الملك الناصر عماد الدنيا والدين إسماعيل ابن الملك الناصر ناصر الدين محمد بن الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي ونائبه بالديار المصرية الامير سيف الدين آقسنقر السلاري وقضاته هم هم المتقدم ذكرهم في العام الماضي ونائبه بدمشق الامير سيف الدين تغردمر الحموي وقضاته هم المتقدم ذكرهم وكذلك الصاحب والخطيب وناظر الجامع ولخزانة ومشد الاوقاف وولاية المدينة
استهلت والجيوش المصرية والشامية محيطة بحصن الكرك محاصرون ويبالغون في امره والمنجنيق منصوب وأنواع آلات الحصار كثيرة وقد رسم بتجريدة من مصر والشام أيضا تخرج إليها وفي يوم الخميس عاشر صفر دخلت التجريدة من الكرك إلى دمشق واستمرت التجريدة الجديدة على الكرك ألفان من مصر وألفان من الشام والمنجنيق منقوض موضوع عند الجيش خارج الكرك والأمور متوقفة على وبرد الحصار بعد رجوع الأحمدي إلى مصر
وفي يوم السبت ثاني ربيع الاول توفي السيد الشريف عماد الدين الخشاب بالكوشك في درب السيرجي جوار المدرسة العزية وصلى عليه ضحى بالجامع الأموي ودفن بمقابر باب الصغير وكان رجلا شهما كثير العبادة والمحبة للسنة وأهلها ممن واظب الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وانتفع به وكان من جملة أنصاره واعوانه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الذي بعثه إلى صيدنا يامع بعض القسيسين فلوث يده بالعذرة وضرب اللحمة التي يعظمونها هنالك واهانها غاية الاهانة لقوة إيمانه وشجاعته رحمه الله وإيانا
وفي يوم الخميس سابعه اجتمع الصاحب ومشد الدواوين ووكيل بيت المال ومشد الاوقاف ومباشر والجامع ومعهم العمالين بالقول والمعاول يحفرون إلى جانب السارية عند باب مشهد على تحت تلك الصخرة التي كانت هناك وذلك عن قول رجل جاهل زعم أن هناك مالا مدفونا فشاوروا نائب السلطنة فامرهم بالحفر واجتمع الناس والعامة فأمرهم فأخرجوا وأغلقت أبواب الجامع كلها ليتمكنوا من الحفر ثم حفروا ثانيا وثالثا فلم يجدوا شيئا إلا التراب المحض واشتهر هذا الحفير في البلد وقصده الناس للنظر إليه والتعجب من أمره وانفصل الحال على أن حبس هذا الزاعم لهذا المحال وطم الحفير كما كان
وفي يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الأول قدم قاضي حلب ناصر الدين بن الخشاب على البريد مجتازا إلى دمشق فنزل بالعادلية الكبيرة وأخبر أنه صلى على المحدث البارع الفاضل الحافظ شمس الدين محمد بن علي بن أيبك السروجي المصري يوم الجمعة ثامن هذا الشهر بحلب رحمه الله ومولده سنة خمس عشرة وسبعمائة وكان قد أتقن طرفا جيدا في علم الحديث وحفظ أسماء الرجال وجمع وخرج
وفي مستهل ربيع الآخر وقع حريق عظيم بسفح قاسيون احترق به سوق الصالحية الذي بالقرب من جامع المظفري وكانت جملة الدكاكين التي احترقت قريبا من مائة وعشرين دكانا ولم ير حريق من زمان أكبر منه ولا أعظم فانا لله وإنا إليه راجعون وفي يوم الجمعة سادسة رسم بأن يذكر بالصلاة يوم الجمعة في سائر مواذن البلد كما يذكر في مواذن الجامع ففعل ذلك وفي يوم الثلاثاء عاشره طلب من القاضي تقي الدين السبكي قاضي قضاة الشافعية أن يقرض ديوان السلطان شيئا من أموال الغياب التي تحت يده فامتنع من ذلك امتناعا كثيرا فجاء شاد الدواوين وبعض حاشية نائب السلطنة ففتحوا مخزن الأيتام وأخذوا منه خمسين ألف درهم قهرا ودفعوها إلى بعض العرب عما كان تأخر له في الديوان السلطان ووقع أمر كثير لم يعهد مثله
وفي يوم الأربعاء عاشر جمادي الأولى توفي صاحبنا الشيخ الامام العالم العلامة الناقد البارع في فنون العلوم شمس الدين محمد بن الشيخ عماد الدين أحمد بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي تغمده الله برحمته وأسكنه بحبوحة جنته مرض قريبا من ثلاثة أشهر بقرحة وحمى سل ثم تفاقم أمره وأفرط به إسهال وتزايد ضعفه إلى أن توفي يومئذ قبل أذان العصر فأخبرني والده أن آخر كلامه أن قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فصلى عليه يوم الخميس بالجامع المظفري وحضر جنازته قضاة البلد وأعيان الناس من العلماء والأمراء والتجار والعامة وكانت جنازته حافلة مليحة عليها ضوء ونور ودفن بالروضة إلى جانب قبر السيف ابن المجد رحمهما الله تعالى وكان مولده في رجب سنة خمس وسبعمائة فلم يبلغ الأربعين وحصل من العلوم مالا يبلغه الشيوخ الكبار وتفنن في الحديث والنحو والتصريف والفقه والتفسير والاصلين والتاريخ والقراءات وله مجاميع وتعاليق مفيدة كثيرة وكان حافظا جيدا لأسماء الرجال وطرق الحديث عارفا بالجرح والتعديل بصيرا بعلل الحديث حسن الفهم له جيد المذاكرة صحيح الذهن مستقيما على طريقة السلف واتباع الكتاب والسنة مثابرا على فعل الخيرات
وفي يوم الثلاثاء سلخه درس بمحراب الحنابلة صاحبنا الشيخ الامام العلامة شرف الدين بن القاضي شرف الدين الحنبلي في حلقة الثلثاء عوضا عن القاضي تقي الدين بن الحافظ رحمه الله وحضر عنده القضاء والفضلاء وكان درسا حسنا أخذ في قوله تعالى إن الله يأمر بالعدل والاحسان وخرج إلى مسألة تفضيل بعض الأولاد وفي يوم الخميس ثاني شهر جمادي الأولى خرجت التجريدة إلى الكرك مقدمان من الامراء وهما الامير شهاب الدين بن صبح والامير سيف الدين قلاوون في أبهة عظيمة وتجمل وجيوش وبقارات وإزعاج كثيرة
وفي صبيحة يوم الأثنين الحادي والعشرين منه قتل بسوق الخيل حسن بن الشيخ السكاكيني على ما ظهر منه من الرفض الدال على الكفر المحض شهد عليه عند القاضي شرف الدين المالكي بشهادات كثيرة تدل على كفره وأنه رافضي جلد فمن ذلك تكفير الشيخين رضي الله عنهما وقذفه أمي المؤمنين عائشة وحفصة رضي الله عنهما وزعم أن جبريل غلط فأوحى إلى محمد وإنما كان مرسلا إلى على وغير ذلك من الأقوال البالطة القبيحة قبحه الله وقد فعل وكان والده الشيخ محمد السكاكيني يعرف مذهب الرافضة والشيعة جيدا وكانت له اسئلة على مذهب اهل الخير ونظم في ذلك قصيدة أجابه فيها شيخنا الامام العلامة شيخ الاسلام بن يتيمة رحمه الله وذكر غير واحد من أصحاب الشيخ أن السكاكيني مامات حتى رجع عن مذهبه وصار إلى قول أهل السنة فالله أعلم وأخبرت أن ولده حسنا هذا القبيح كان قد اراد قتل أبيه لما أظهر السنة
وفي ليلة الاثنين خامس شهر رجب وصل بدن الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام كان إلى تربته التي الى جانب جامعة الذي أنشأه ظاهر باب النصر بدمشق نقل من الاسكندرية بعد ثلاث سنين ونصف أو أكثر بشافعة ابنته زوجة الناصر عند ولده السلطان الملك الصالح فأذن في ذلك وأرادوا أن يدفن بمدرسته بالقدس الشريف فلم يمكن فجيء به إلى تربته بدمشق وعملت له الختم وحضر القضاة والأعيان رحمه الله

وفي يوم الثلاثاء حادي عشر شعبان المبارك توفي صاحبنا الامير صلاح الدين يوسف التكريتي ابن اخي الصاحب تقي الدين بن توبة الوزير بمنزلة بالقصاعين كان شابا من أبناء الأربعين ذا ذكاء وفطنة وكلام وبصيرة جيدة وكان كثير المحبة إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله ولأصحابه خصوصا ولكل من يراه من أهل العلم عموما وكان فيه إيثار وإحسان ومحبة الفقراء والصالحين ودفن بتربتهم بسفح قاسيون رحمه الله وفي يوم السبت الخامس عشر منه جاءت زلزلة بدمشق لم يشعر بها كثير من الناس لخفتها ولله الحمد والمنة ثم تواترت الاخبار بأنها شعثت في بلاد حلب شيئا كثيرا من العمران حتى سقط بعض الابراج بقلعة حلب وكثير من دورها ومساجدها ومشاهدها وجدرانها وأما في القلاع حولها فكثير جدا وذكروا ان مدينة منبج لم يبق منها إلا القليل وأن عامة السكانين بها هلكوا تحت الردم رحمهم الله
وفي اواخر شهر شوال خرجت التجاريد إلى الكرك وهما أميران مقدمان الأمير علاء الدين فراسنقر والأمير الحاج بيد مر واشتهر في هذه الأيام أن أمر الكرك قد ضعف وتفاقم عليهم الأمر وضاقت الارزاق عندهم جدا ونزل منها جماعات من رؤسائها وخاصكية الأمير أحمد بن الناصر مخامرين عليه فسيروا من الصبح الى قلاوون وصحبتهم مقدمون من الحلقة إلى الديار المصرية واخبروا أن الحواصل عند أحمد قد قلت جدا فالله المسئول أن يحسن العاقبة
وفي ليلة الأربعاء الثامن والعشرين من شهر ذي الحجة توفي القاضي الامام العلامة برهان الدين ابن عبدالحق شيخ الحنفية وقاضي القضاة بالديار المصرية مدة طويلة بعد ابن الحريري ثم عزل وأقام بدمشق ودرس في أيام تغردمر بالعذراوية لولده القاضي امين الدين فذكر بها الدرس يوم الاحد قبل وفاة والده بثلاثة أيام وكان موت برهان الدين رحمه الله ببستانه من أراضي الارزة بطريق الصالحية ودفن من الغد بسفح قاسيون بمقبرة الشيخ ابي عمر رحمه الله وصلى عليه بالجامع المظفري وحضر جنازته القضاة والاعيان والأكبار رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة خمس وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والديار الشامية وما يتعلق بذلك الملك الصالح بن إسماعيل بن السلطان الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وقضاته بالديار المصرية والشامية هم المذكورون في السنة المتقدمة ونائبه بمصر الحاج سيف الدين ووزيره المتقدم ذكره وناظر الخاص القاضي مكين الدين وناظر الجيوش القاضي علم الدين ابن القطب والمحتسب المتقدم وشاد الدواوين علم الدين الناصري وشاد الأوقاف الأمير حسام الدين النجيبي ووكيل بيت المال القاضي علاء الدين شرنوخ وناظر الخزانة القاضي تقي الدين بن أبي الطيب وبقية المباشرين والنظارهم المتقدم ذكرهم وكاتب السر القاضي بدر الدين بن فضل الله كاتب السر والقاضي أمين الدين ابن القلانسي والقاضي شهاب الدين بن القيسراني والقاضي شرف الدين بن شمس الدين بن الشهاب محمود والقاضي علاء الدين شرنوخ
شهر المحرم أول السبت استهل والحصار واقع بقلعة الكرك وأما البلد فأخذو استنيب فيه الأمير سيف الدين قبليه قدم اليها من الديار المصرية والتجاريد من الديار المصرية ومن دمشق محيطون بالقلعة والناصر احمد بن الناصر ممتنع من التسليم ومن الاجابة إلى الانابة ومن الدخول في طاعة أخيه وقد تفاقمت الامور وطالت الحروب وقتل خلق كثير بسبب ذلك من الجيوش ومن أهل الكرك وقد توجهت القضية إلى خير إن شاء الله وقبل ذلك بأيام يسيرة هرب من قلعة
الكرك الامير سيف الدين أبو بكر بن بهادرآص الذي كان أسر في أوائل حصار الكرك وجماعة من مماليك الناصر احمد كان اتهمهم بقتل الشهيب احمد الذي كان يعتنى به ويحبه واستبشر الجيوش بنزول أبي بكر من عنده وسلامته من يده وجهز إلى الديار المصرية معظما وهذا والمجانيق الثلاثة سلطة على القلعة من البلد تضرب عليها ليلا ونهارا وتدمر في بنائها من داخل فإن سورها لا يؤثر فيه شيء بالكلية ثم ذكر ان الحصار فتر ولكن مع الاحتياط على أن لا يدخل إلى القلعة ميرة ولا شيء مما يتسعينون به على المقام فيها فالله المسؤول أن يحسن العقابة وفي يوم الاربعاء الخامس والعشرين من صفر قدم البريد مسرعا من الكرك فأخبر بفتح القلعة وان بابها احرق وأن جماعة الأمير أحمد بن الناصر استغاثوا بالأمان وخرج أحمد مقيدا وسير على البريد إلى الديار المصرية وذلك يوم الاثنين بعدا لظهر الثالث والعشرين من هذا الشهر ولله عاقبة الأمور وفي صبيحة يوم الجمعة رابع ربيع الاول دقت البشائر بالقلعة وزينت البلد عن مرسوم السلطان الملك الصالح سرورا بفتح البلد واجتماع الكلمة عليه واستمرت الزينة إلى يوم الاثنين سابعه فرسم برفعها بعد الظهر فتشوش كثير من العوام وأرجف بعض الناس بأن أحمد قد ظهر أمره وبايعه الأمراء الذين هم عنده وليس لذلك حقيقة ودخلت الأطلاب من الكرك صبيحة يوم الأحد ثالث عشر ربيع الاول بالطبلخانات والجيوش واشتهر إعدام احمد بن الناصر
وفي يوم الجمعة حادي عشر ربيع الأول صلى بالجامع الأموي على الشيخ أمين الدين أبي حيان النحوي شيخ البلاد المصرية من مدة طويلة وكانت وفاته بمصر عن تسعين سنة وخمسة أشهر ثم اشتهر في ربيع الآخر قتل السلطان أحمد وحز رأسه وقطع يديه ودفن جثته بالكرك وحمل رأسه إلى أخيه الملك الصالح إسماعيل وحضر بين يديه في الرابع والعشرين من هذا الشهر ففرح الناس بذلك ودخل الشيخ أحمد الزرعي على السلطان الملك الصالح فطلب منه أشياء كثيرة من تبطيل المظالم ومكوسات وإطلاق طبلخانات للأمير ناصر الدين بن بكناش وإطلاق أمراء محبوسين بقلعة دمشق وغير ذلك فأجابه إلى جميع ذلك وكان جملة المراسيم التي أجيب فيها بضع وثلاثين مرسوما فلما كان آخر شهر ربيع الآخر قدمت المراسيم التي سألها الشيخ أحمد من الملك الصالح فأمضيت كلها أو كثير منها وافرج عن صلاح الدين بن الملك الكامل والامير سيف الدين بلو في يوم الخميس سلخ هذا الشهر ثم روجع في كثير منها وتوقف حالها
وفي هذا الشهر عملت منارة خارج باب الفرج وفتحت مدرسة كانت دارا قديمة فجعلت مدرسة للحنفية ومسجدا وعملت طهارة عامة ومصلى للناس وكل ذلك منسوب إلى الامير سيف الدين تقطم الخليلي أمير حاجب كان وهو الذي جدد الدار المعروفة به اليوم بالقصاعين
وفي ليلة الاثنين عاشر جمادي الآخرة ترفى صاحبنا المحدث تقي الدين محمد بن صدر الدين سليمان الجعبري زوج بنت الشيخ جمال الدين المزي والد شرف الدين عبد الله وجمال الدين إبراهيم وغيرهم وكان فقيها بالمدارس وشاهدا تحت الساعات وغيرها وعنده فضيلة جيدة في قراءة الحديث وشيء من العربية وله نظم مستحسن انقطع يومين وبعض الثالث وتوفي في الليلة المذكورة في وسط الليل وكنت عنده وقت العشاء الآخرة ليلتئذ وحدثني وضاحكني وكان خفيف الروح رحمه الله ثم توفي في بقية ليلته رحمه الله وكان أشهدني عليه بالتوبة من جميع ما يسخط الله عز وجل وأنه عازم على ترك الشهود أيضا رحمه الله صلى عليه ظهر يوم الاثنين ودفن بمقابر باب الصغير عند أبويه رحمهم الله
وفي يوم الجمعة ثاني عشرين شهر رجب خطب القاضي عماد الدين بن العز الحنفي بجامع تنكز خارج باب النصر عن نزول الشيخ نجم الدين علي بن داود القفجاري له عن ذلك وايضا نائب السلطنة الامير سيف الدين تغردمر وحضوره عنده في الجامع المذكور يومئذ
وفي يوم الجمعة تاسع عشرين رجب توفي القاضي الامام العالم جلال الدين أبو العباس أحمد ابن قاضي القضاة حسام الدين الرومي الحنفي وصلى عليه بعد صلاة الجمعة بمسجد دمشق وحضره القضاة والأعيان ودفن بالمدرسة التي أنشأها إلى جانب الزردكاش قريبا في الخاتونية الجوانية وكان قد ولى قضاء قضاة الحنفية في أيام ولاية أبيه الديار المصرية وكان مولده سنة أحدى وخمسين وستمائة وقدم الشام مع ابيه فأقاموا بها ثم لما ولى الملك المنصور لاجين ولى أباه قضاء الديار المصرية وولده هذا قضاء الشام ثم إنه عزل بعد ذلك واستمر على ثلاث مدراس من خيار مدارس الحنفية ثم حصل له صمم في آخر عمره وكان ممتعا بحواسه سواه وقواه وكان يذاكر في العلم وغير ذلك
وفي يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شعبان توفي الشيخ نجم الدين علي بن داود القفجاري خطيب جامع تنكز ومدرس الظاهرية وقد نزل عنها قبل وفاته بقليل للقاضي عماد الدين بن العز الحنفي وصلى عليه بالجامع المذكور بعد صلاة الظهر يومئذ وعند باب النصر وعند جامع جراح ودفن بمقبرة ابن الشيرجي عند والده وحضره القضاة والاعيان وكان استاذا في النحو وله علوم أخر لكن كان نهاية في النحو والتصريف
وفي هذا اليوم توفي الشيخ الصالح العابد الناسك الشيخ عبد الله الضرير الزرعي وصلى عليه بعد الظهر بالجامع الأموي وبباب النصر وعند مقابر الصوفية ودفن بها قريبا من الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله وكان كثير التلاوة حسنها وصحيحها كثير العبادة يقرئ الناس من دهر طويل ويقوم بهم العشر الأخير من رمضان في محراب الحنابلة بالجامع الأموي رحمه الله
وفي يوم الجمعة ثاني شهر رمضان المعظم توفي الشيخ الامام العالم العامل العابد الزاهد الورع أبو عمر بن أبي الوليد المالكي إمام محراب الصحابة الذي للمالكية وصلى عليه بعد الصلاة وحضر جنازته خلق كثير وجم غفير وتأسف الناس عليه وعلى صلاحه وفتاويه النافعة الكثيرة ودفن إلى جانب قبر أبيه واخيه إلى جانب قبر أبي الغندلاوي المالكي قريبا من مسجد التاريخ رحمه الله وولى مكانه في المحراب ولده وهو طفل صغير فاستنيب له إلى حين صلاحيته جبره ورحم اباه
وفي صبيحة ليلة الثلاثاء سادس رمضان وقع ثلج عظيم لم ير مثله بدمشق من مدة طويلة وكان الناس محتاجين إلى مطر فلله الحمد والمنة وتكاثف الثلج على الأسطحة وتراكم حتى أعيي الناس أمره ونقلوه عن الاسطحة إلى الأزقة يحمل ثم نودي بالأمر بازالته من الطرقات فإنه سدها وتعطلت معايش كثير من الناس فعوض الله الضعفاء بعملهم في الثلج ولحق الناس كلفة كبيرة وغرماة كثيرة فإنا لله وإنا اليه راجعون
وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من رمضان صلى بالجامع الأموي على نائب وهو الأمير علاء الدين الجاولي وقد تقدم شيء من ترجمته رحمه الله
وفي أول شوال يوم عيد الفطر وقع فيه ثلج عظيم بحيث لم يمكن الخطيب من الوصول إلى المصلى ولا خرج نائب السلطنة بل اجتمع الأمراء والقضاة بدار السعادة وحضر الخطيب فصل بهم العيد بها وكثير من الناس صلوا العيد في البيوت
وفي يوم الأحد الحادي والعشرين من ذي الحجة درس قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي بالشامية البرانية عن الشيخ شمس الدين ابن النقيب رحمه الله وحضر عنده القضاة والاعيان والأمراء وخلق من الفضلاء وأخذ في قوله تعالى قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب وما بعدها وفي ذي الحجة استفتى في قتل كلاب البلد فكتب جماعةمن أهل البلد في ذلك فرسم باخراجهم يوم الجمعة من البلد الخامس والعشرين منه لكن إلى الخندق ظاهر باب الصغير وكان الاولى قتلهم بالكلية وإحراقهم لئلا تنتن الناس بريحهم على ما أفتى به الامام مالك بن أنس من جواز قتل الكلاب ببلدة معينة للمصلحة إذا رأى الامام ذلك ولا يعارض ذلك النهي عن قتل الكلاب ولهذا كان عثمان بن عفان يأمر في خطبته بقتل الكلاب وذبح الحمام
*2* ثم دخلت س
*3* الشيخ نجم الدين القباني الحموي
@ عبد الرحمن بن الحسن بن يحيى اللخمي القباني قرية من قرى اشمون الرمان أقام بحماة في زاوية بزار ويلتمس دعاؤه كان عابدا ورعا زاهدا آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر حسن الطريقة إلى أن توفي بها آخر نهار الاثنين رابع عشر رجب عن ست وستين سنة وكانت جنازته حافلة هائلة جدا ودفن شمالي حماة كان عنده فضيلة واشتغل على مذهب الامام احمد بن حنبل وله كلام حسن يؤثر عنه رحمه الله
*3* الشيخ فتح الدين بن سيد الناس
@ الحافظ العلامة البارع فتح الدين بن أبي الفتح محمد بن الامام ابي عمرو محمد بن الامام الحافظ الخطيب ابي بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيد الناس الربعي اليعمري الاندلسي الاشبيلي ثم المصري ولد في العشر الاول من ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وستمائة وسمع الكثير وأجاز له الرواية عنهم جماعات من المشايخ ودخل دمشق سنة تسعين فسمع من الكندي وغيره واشتغل بالعلم فبرع وساد أقرانه في علوم شتى من الحديث والفقه والنحو من العربية وعلم السير والتواريخ وغير ذلك من الفنون وقد جمع سيرة حسنة في مجلدين وشرح قطعة حسنة من أول جامع الترمذي رأيت منها مجلدا بخطه الحسن وقد حرر وحبر وافاد وأجاد ولم يسلم من بعض الانتقاد وله الشعر الرائق الفائق والنثر الموافق والبلاغة التامة وحسن الترصيف والتصنيف وجودة البديهة وحسن الطوية وله العقيدة السلفية الموضوعة على الاي والاخبار ولااثار والاقتفاء بالاثار النبوية ويذكر عنه سوء أدب في أشياء أخر سامحه الله فيها وله مدائح في رسو الله صلى الله عليه وسلم حسان وكان شيخ الحديث بالظاهرية بمصر وخطب بجامع الخندق ولم يكن في مصر في مجموعة مثله في حفظ الاسانيد والمتون والعلل والفقه والملح والاشعار والحكايات توفي فجأة يوم السبت حادي عشر شعبان وصلى عليه من الغد وكانت جنازته حافلة ودفن عند ابن أبي جمرة رحمه الله
*3* القاضي مجد الدين بن حرمي
@ ابن قاسم بن يوسف العامري الفاقوسي الشافعي وكيل بيت المال ومدرس الشافعي وغيره كانت له همة ونهضة وعلت سنه وهو مع ذلك يحفظ ويشغل ويشتغل ويلقي الدروس من حفظه إلى ان توفي ثاني ذي الحجة وولى تدريس الشافعي بعده شمس الدين ابن القماح والقطبية بهاء الدين ابن عقيل والوكلة نجم الدين الاسعردي المحتسب
وهو كان وكيل بيت الظاهر
*2* ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها وناظر الجامع عز الدين ابن المنجا والمحتسب عماد الدين الشيرازي وغيرهم وفي مستهل المحرم يوم الخميس درس بأم الصالح الشيخ خطيب تبرور عوضا عن قاضي القضاة شهاب الدين ابن المجد وحضر عنده القضاة والاعيان وفي سادس المحرم رجع مهنا بن عيسى من عند السلطان فتلقاه النائب والجيش وعاد إلى أهله في عز وعافية وفيه أمر السلطان بعمارة جامع القلعة وتوسيعه وعمارة جامع مصر العتيق وقدم إلى دمشق القاضي جمال الدين محمد بن عماد الدين ابن الاثير كاتب سربها عوضا عن ابن الشهاب محمود ووقع في هذا الشهر والذي بعده موت كثير في الناس بالخانوق
وفي ربيع الاول مسك الامير نجم الدين بن الزيبق مشد الدواوين وصودر وبيعت خيوله وحوصاله وتولاه بعده سيف الدين ثمر مملوك بكتمر الحاجب وهو مشد الزكاة وفيه كملت عمارة حمام الامير شمس الدين حمزه الذي تمكن عند تنكز بعد ناصر الدين الدوادار ثم وقعت الشناعة عليه بسبب ظلمه في عمارة هذا الحمام فقابله النائب على ذلك وانتصف للناس منه وضربه بين يديه وضربه بالبندق بيده في وجهه وسائر جسده ثم أودعه القلعة ثم نقله إلى بحيرة طبرية فغرقه فيها وعزل الامير جمال الدين نائب الكرك عن نيابة طرابلس حسب سؤاله في ذلك وراح إليها طيغال وقد نائب الكرك إلى دمشق وقد رسم له بالاقامة في سلخد فلما تلقاه نائب السلطنة والجيش نزل في دار السعادة واخذ سيفه بها ونقل إلى القلعة ثم نقل إلى صفت ثم إلى الاسكندرية ثم كان آخر العهد به وفي جمادي الاولى احتيط على دار الامير بكتمر الحاجب الحسامي بالقاهرة ونبشت وأخذ منها شيء كثير جدا وكان جد أولاده نائب الكرك المذكور وفي يوم السبت تاسع جمادي الاخرة باشر حسام الدين أبو بكر ابن الأمير عز الدين أيبك التجيبي شد الاوقاف عوضا عن ابن بكتاش اعتقل وخلع على المتولي وهنأه الناس وفي منتصف هذا الشهر علق الستر الجديد على خزانة المصحف العثماني وهو من خز طوله ثمانية أذرع وعرضه أربعة أذرع ونصف غرم عليه أربعة آلاف وخمسمائة وعمل في مدة سنة ونصف
وخرج الركب الشامي يوم الخميس تاسع شوال وأميره علاء الدين المرسي وقاضيه شهاب الدين الظاهري وفيه رجع جيش حلب إليها وكانوا عشرة آلاف سوى من تبعهم من التركمان وكانوا في بلاد أذنة وطرسوس وإياس وقد خربوا وقتلوا خلقا كثيرا ولم يعدم منهم سوى رجل واحد غرق بنهر جاهان ولكن كان قتل الكفار من كان عندهم من المسلمين نحوا من ألف رجل يوم عيد الفطر فانا لله وإنا إليه راجعون
وفيه وقع حريق عظيم بحماة فاحترق منه أسواق كثيرة وأملاك وأوقاف وهلكت أموال لاتحصر وكذلك احترق أكثر مدينة أنطاكية فتألم المسلمون لذلك وفي ذي الحجة خرب المسجد الذي كان في الطريق بين باب النصر وبين باب الجابية عن حكم القضاة بأمر نائب السلطنة وبني غريبة مسجد حسن أحسن وأنفع من الاول وتوفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ الصالح المعمر رئيس المؤذنين بجامع دمشق
@ برهان الدين إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمد الواني ولد سنة ثلاث وأربعين وستمائة وسمع الحديث وروى وكان حسن الصوت والشكل محببا إلى العوام توفي يوم الخميس سادس صفر ودفن بباب الصغير وقام من بعده في الرياسة ولده أمين الدين محمد الواني المحدث المفيد وتوفي بعده ببضع وأربعين يوما رحمهما الله
*3* الكاتب المطبق المجود المحرر
@ بهاء الدين محمود ابن خطيب بعلبك محيي الدين محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب السلمي ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة واعتني بهذه الصناعة فبرع فيها وتقدم على أهل زمانه قاطبة في النسخ وبقية الأقلام وكان سحن الشكل طيب الاخلاق طيب الصوت حسن التودد توفي في سلخ ربيع الاول ودفن بتربة الشيخ ابي عمر رحمه الله
*3* علاء الدين السنجاري
@ واقف دار القرآن عند باب الناطفانيين شمالي الاموي بدمشق علي بن إسماعيل بن محمود كان احد التجار الصدق الاخيار ذوي اليسار المسارعين إلى الخيرات توفي بالقاهرة ليلة الخميس ثالث عشر جمادي الاخرة ودفن عند قبر القاضي شمس الدين بن الحريري
*3* العدل نجم الدين التاجر
@ عبد الرحيم بن أبي القاسم عبد الرحمن الرحبي باني التربة المشهورة بالمزة وقد جعل لها مسجدا ووقف عليها أوقافا دارة وصدقات هناك وكان من أخيار أبناء جنسه عدل مرضى عند جميع الحكام وترك اولادا وأموالا جمة ودارا هائلة وبساتين بالمزة وكان وفاته يوم الاربعاء سابع عشرين جمادي الاخرة ودفن بتربته المذكورة بالمزة رحمه الله
*3* الشيخ الامام الحافظ قطب الدين
@ ابو محمد عبدالكريم بن عبدالنور بن منير بن عبدالكريم بن علي بن عبدالحق بن عبدالصمد بن عبدالنور الحلبي الاصل ثم المصري أحد مشاهير المحدثين بها والقائمين بحفظ الحديث وروايته وتدوينه وشرحه والكلام عليه ولد سنة اربع وستين وستمائة بحلب وقرأ القرآن بالروايات وسمع الحديث وقرأ الشاطبية والألفية وبرع في فن الحديث وكان حنفي المذهب وكتب كثيرا وصنف شرحا لأكثر البخاري وجمع تاريخا لمصر ولم يكملهما وتكلم على السيرة التي جمعها الحافظ عبد الغني وخرج لنفسه أربعين حديثا متبانة الاسناد وكان حسن الاخلاق مطرحا للكلفة طاهر اللسان كثير المطالعة والاشتغال إلى أن توفي يوم الأحد سلخ رجب ودفن من الغد مستهل شعبان عند خاله نصر المنبجي وخلف تسعة أولاد رحمه الله
*3* القاضي الامام زين الدين أبو محمد
@ عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف السبكي قاضي المحلة ووالده العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي سمع من ابن الانماطي وابن خطيب المزة وحدث وتوفي تاسع شعبان وتبعته زوجته ناصرية بنت القاضي جمال الدين إبراهيم بن الحسين السبكي ودفنت بالقرافة وقد سمعت من ابن الصابوني شيئا من سنن النسائي وكذلك ابنتها محمدية وقد توفيت قبلها
*3* تاج الدين علي بن إبراهيم
@ ابن عبد الكريم المصري ويعرف بكاتب قطلبك وهو والد العلامة فخر الدين شيخ الشافعية ومدرسهم في عدة مدارس ووالده هذا لم يزل في الخدمة والكتابة إلى أن توفي عنده بالعادلية الصغيرة ليلة الثلاثاء ثالث عشر شعبان وصلى عليه من الغد بالجامع ودفن بباب الصغير
*3* الشيخ الصالح عبد الكافي
@ ويعرف بعبيد ابن أبي الرجال بن حسين بن سلطان بن خليفة المنيني ويعرف بابن أبي الازرق مولده في سنة أربع وأربعين وستمائة بقريته من بلاد بعلبك ثم أقام بقرية منين وكان مشهورا بالصلاح وقرئ عليه شيء من الحديث وجاوز التسعين
*3* الشيخ محمد بن عبدالحق
@ ابن شعبان بن علي الأنصاري المعروف بالسياح له زاوية بسفح قاسيون بالوادي الشمالي مشهورة به كان قد بلغ التسعين وسمع الحديث وأسمعه كانت له معرفة بالامور وعنده بعض مكاشفة وهو رجل حسن توفي أواخر شوال من هذه السنة
*3* الامير سلطان العرب
@ حسام الدين مهنا بن عيسى بن مهنا أمير العرب بالشام وهم يزعمون أنهم من سلالة جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي من ذرية الولد الذي جاء من العباسة اخت الرشيد فالله أعلم
وقد كان كبير القدر محترما عند الملوك كلهم بالشام ومصر والعراق وكان دينا خيرا متحيزا للحق وخلف أولادا وورثة وأموالا كثيرة وقد بلغ سنا عالية وكان يحب الشيخ تقي الدين بن تيمية حبا زائدا هو وذريته وعربه وله عندهم منزلة وحرمة وإكرام يسمعون قوله ويمتثلونه وهو الذي نهاهم أن يغير بعضهم على بعض وعرفهم أن ذلك حرام وله في ذلك مصنف جليل
وكان وفاة مهنا هذا ببلاد سلمية في ثامن عشر ذي القعدة ودفن هناك رحمه الله
*3* الشيخ الزاهد فضل العلجوني
@ فضل بن عيسى بن قنديل العجلوني الحبنلي المقيم بالمسمارية أصله من بلاد حبراحي كان متقللا من الدنيا يلبس ثيابا طوالا وعمامة هائلة وهي بأرخص الاثمان وكان يعرف تعبير الرؤيا ويقصد لذلك وكان لا يقبل من أحد شيئا وقد عرضت عليه وظائف بجوامك كثيرة فلم يقبلها بل رضي بالرغيد الهني من العيش الخشن إلى ان توفي في ذي الحجة وله تحو تسعين سنة ودفن بالقرب من قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهما الله وكانت جنازته حافلة جدا
*2* ثم دخلت سنة ست وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الجمعة والحكام هم المذكورون في التي قبلها وفي أول يوم منها ركب تنكز إلى قلعة جعبر ومعه الجيش والمناجنيق فغابوا شهرا وخمسة ايام وعادوا سالمين وفي ثامن صفر فتحت الخانقاه التي أنشأها سيف الدين قوصون الناصري خارج باب القرافة وتولى مشيختها الشيخ شمس الدين الأصبهاني المتكلم وفي عاشر صفر خرج ابن جملة من السجن بالقلعة وجاءت الاخبار بموت ملك التتار أبي سعيد بن خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكوبن تولى بن جنكزخان في يوم الخميس ثاني عشر ربيع الاخر بدار السلطنة بقراباغ وهي منزلهم في الشتاء ثم نقل إلى تربته بمدينته التي أنشاها قريبا من السلطانية مدينة أبيه وقد كان من خيار ملوك التتار واحسنهم طريقة واثبتهم على السنة واقومهم بها وقد عز اهل السنة بزمانه وذلت الرافضة بخلاف دولة أبيه ثم من بعده لم يقم للتتار قائمة بل اختلفوا فتفرقوا شذر مذر إلى زماننا هذا وكان القائم من بعده بالأمر ارتكاوون من ذرية أبغا ولم يستمر له الأمر إلا قليلا
وفي يوم الاربعاء عاشر جمادي الأولى درس بالناصرية الجوانية بدر الدين الأردبيلي عوضا عن كمال الدين ابن الشيرازي توفي وحضر عنده القضاة وفيه درس بالظاهرية البرانية الشيخ الامام المقري سيف الدين أبو بكر الحريري عوضا عن بدر الدين الأردبيلي تركها لما حصلت له الناصرية الجوانية وبعده بيوم درس بالنجيبية كاتبه إسماعيل ابن كثير عوضا عن الشيخ جمال الدين ابن قاضي الزبداني تركها حين تعين له تدريس الظاهرية الجوانية وحضر عنده القضاة والاعيان كان درسا حافلا أثنى عليه الحاضرون وتعجبوا من جمعه وترتيبه وكان ذلك في تفسير قوله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء وإنساق الكلام إلى مسألة ربا الفضل وفي يوم الاحد رابع عشرة ذكر الدرس بالظاهرية المذكورة ابن قاضي الزبداني عوضا عن علاء الدين ابن القلانسي توفي وحضر عنده القضاة والأعيان وكان يوما مطيرا
وفي أول جمادي الاخرة وقع غلاء شديد بديار مصر واشتد ذلك إلى شهر رمضان وتوجه خلق كثير في رجب إلى مكة نحوا من ألفين وخمسمائة منهم عز الدين ابن جماعة وفخر الدين النويري وحسن السلامي وأبو الفتح السلامي وخلق وفي رجب كملت عمارة جسر باب الفرج وعمل عليه باسورة ورسم باستمرار فتحه إلى بعد العشاء الآخرة كبقية سائر الأبواب وكان قبل ذلك يغلق من المغرب وفي سلخ رجب أقيمت الجمعة بالجامع الذي أنشاه نجم الدين ابن خيلخان تجاه باب كيسان من القبلة وخطب فيه الشيخ الامام العلامة شمس الدين ابن قيم الجوزية وفي ثاني شعبان باشر كتابة السر بدمشق القاضي علم الدين محمد بن قطب الدين أحمد بن مفضل عوضا عن كمال الدين ابن الأثير عزل وراح إلى مصر وفي يوم الأربعاء رابع رمضان ذكر الدرس بالأمينية الشيخ بهاء الدين ابن إمام المشهد عوضا عن علاء الدين بن القلانسي وفي العشرين منه خلع على الصدر نجم الدين بن أبي الطيب بنظر الخزانة مضافا إلىما بيده من وكالة بيت المال بعد وفاة ابن القلانسي بشهور وخرج الركب الشامي يوم الاثنين ثامن شوال واميره قطلودمر الخليلي وممن حج فيه قاضي طرابلس محيي الدين بن جهبل والفخر المصري وأبن قاضي الزبداني وابن العز الحنفي وابن غانم والسخاوي وابن قيم الجوزية وناصر الدين بن البربوه الحنفي وجاءت الأخبار بوقعة جرت بين التتار قتل فيها خلق كثير منهم وانتصر على باشا وسلطانه الذي كان قد أقامه وهو موسى كاوون على اربا كاوون وأصحابه فقتل هو ووزيره ابن رشيد الدولة وجرت خطوب كثيرة طويلة وضربت البشائر بدمشق
وفي ذي القعدة خلع على ناظر الجامع الشيخ عز الدين بن المنجا بسب إكماله البطائن في الرواق الشمالي والغربي والشرقي ولم يكن قبل ذلك له بطائن وفي يوم الاربعاء سابع الحجة ذكر الدرس بالشبلية القاضي نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الطرسوسي الحنفي وهو ابن سبع عشرة سنة وحضر عنده القضاة والأعيان وشكروا من فضله ونباهته وفرحوا لأبيه فيه وفيها عزل ابن النقيب عن قضاء حلب ووليها ابن خطيب جسرين وولى الحسبة بالقاهرة ضياء الدين يوسف بن أبي بكر بن محمد خطيب بيت الأبار خلع عليه السطان وفي ذي القعدة رسم السلطان باعتقال الخليفة المستكفي وأهله وأن يمنعوا من الاجتماع فآل أمرهم كما كان أيام الظاهر والمنصور وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* السلطان أبو سعيد ابن خربندا
@ وكان اخر من اجتمع شمل التتار عليه ثم تفرقوا من بعده
*3* الشيخ البندنيجي
@ شمس الدين علي بن محمد بن ممدود بن عيسى البندنيجي الصوفي قدم علينا من بغداد شيخنا كبيرا راويا لأشياء كثيرة فيها صحيح مسلم والترمذي وغير ذلك وعنده فوائد ولد سنة اربع وأربعين وستمائة وكان والده محدثا فأسمعه أشياء كثيرة على مشايخ عدة وكان موته بدمشق رابع المحرم
*3* قاضي قضاة بغداد
@ قطب الدين أبو الفضائل محمد بن عمر بن الفضل التبريزي الشافعي المعروف بالأحوس سمع شيئا من الحديث واشتغل بالفقه والأصول والمنطق والعربية والمعاني والبيان كان بارعا في فنون كثيرة ودرس بالمستنصرية بعد العاقولي وفي مدارس كبار وكان حسن الخلق كثير الخير على الفقراء والضعفاء متواضعا يكتب حسنا أيضا توفي في آخر المحرم ودفن بتربة له عند داره ببغداد رحمه الله
*3* الامير صارم الدين
@ ابراهيم بن محمد بن أبي القاسم بن أبي الزهر المعروف بالمغزال كانت له مطالعة وعنده شيء من التاريخ ويحاضر جيدا ولما توفي يوم الجمعة وقت الصلاة السادس والعشرين من المحرم دفن بتربة له عند حمام العديم
*3* الامير علاء الدين مغلطاي الخازن
@ نائب القلعة وصاحب التربة تجاه الجامع المظفري من الغرب كان رجلا جيدا له أوقاف وبر وصدقات توفي يوم الجمعة بكرة عاشر صفر ودفن بتربته المذكورة
*3* القاضي كمال الدين
@ أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن هبة الله بن الشيرازي الدمشقي ولد سنة سبعين وسمع الحديث وتفقه على الشيخ تاج الدين الفزاري الشيخ زين الدين الفارقي وحفظ مختصر المزني ودرس في وقت بالبادرائية وفي وقت بالشامية البرانية ثم ولي تدريس الناصرية الجوانية مدة سنين إلى حين وفاته وكان صدرا كبيرا ذكر لقضاء قضاة دمشق غير مرة وكان حسن المباشرة والشكل توفي في ثالث صفر ودفن بتربتهم بسفح قاسيون رحمه الله
*3* الامير ناصر الدين
@ محمد بن الملك المسعود جلال الدين عبد الله بن الملك الصالح إسماعيل بن العادل كان شيخا مسنا قد اعتنى بصحيح البخاري يختصره وله فهم جيد ولديه فضيلة وكان يسكن المزة وبها توفي ليلة السبت خامس عشرين صفر وله أربع وسبعون سنة ودفن بتربتهم بالمزة رحمه الله
*3* علاء الدين
@ علي بن شرف الدين محمد بن القلانسي قاضي العسكر ووكيل بيت المال وموقع الدست ومدرس الامينية والظاهرية وغير ذلك من المناصب ثم سلبها كلها سوى التدريسين وبقي معزولا إلى حين أن توفي بكرة السبت خامس وعشرين صفر ودفن بتربتهم
*3* عز الدين أحمد بن الشيخ زين الدين
@ محمد بن أحمد بن محمود العقيلي ويعرف بابن القلانسي محتسب دمشق وناظر الخزانة كان محمود المباشرة ثم عزل الحسبة واستمر بالخزانة إلى أن توفي يوم الاثنين تاسع عشر جمادي الاولى ودفن بقاسيون
*3* الشيخ علي بن أبي المجد بن شرف بن أحمد الحمصي
@ ثم الدمشقي مؤذن البربوة خمسا وأربعين سنة وله ديوان شعروتعاليق وأشياء كثيرة مما ينكر أمرها وكان محلولا في دينه توفي جمادي الاولى أيضا
*3* الامير شهاب الدين بن برق
@ متولي دمشق شهد جنازته خلق كثير توفي ثاني شعبان ودفن بالصالحية واثنى عليه الناس
*3* الأمير فخر الدين ابن الشمس لؤلؤ
@ متولى البر كان مشكورا أيضا توفي رابع شعبان وكان شيخا كبيرا توفي ببستانه ببيت لهيا ودفن بتربته هناك وترك ذرية كثيرة رحمه الله
*3* عماد الدين إسماعيل
@ ابن شرف الدين محمد بن الوزير فتح الدين عبد الله بن محمد بن أحمد بن خالد بن صغير بن القيسراني أحد كتاب الدست وكان من خيار الناس محببا إلى الفقراء والصالحين وفيه مروءة كثيرة وكتب بمصر ثم صار إلى حلب كاتب سرها ثم انتقل إلى دمشق فأقام بها إلى أن مات ليلة الاحد ثالث عشر القعدة وصلى عليه من الغد بجامع دمشق ودفن بالصوفية عن خمس وستين سنة وقد سمع شيئا من الحديث على الابرقوهي وغيره
وفي ذي القعدة توفي شهاب الدين ابن القديسة المحدث بطريق الحجاز الشريف وفي ذي الحجة توفي الشمس محمد المؤذن المعروف بالنجار ويعرف بالبتي وكان يتكلم ونشد في المحافل والله سبحانه أعلم
*2* ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الجمعة والخليفة المستكفي بالله قد اعتقله السلطان الملك الناصر ومنعه من الاجتماع بالناس ونائب الشام تنكز بن عبد الله الناصري والقضاة والمباشرون هم المذكورون في التي قبلها سوى كاتب السر فإنه علم الدين بن القطب ووالي البر الأمير بدر الدين بن قطلوبك ابن شنشنكير ووالي المدينة حسام الدين طرقطاي الجوكنداري
وفي أول يوم منها يوم الجمعة وصلت الاخبار بأن على باشا كسر جيشه وقيل إنه قتل ووصلت كتب الحجاج في الثاني والعشرين من المحرم تصف مشقة كثيرة حصلت للحجاج من موت الجمال وإلقاء الأحمال ومشى كثير من النساء والرجال فإنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله على كل حال
وفي آخر المحرم قدم إلى دمشق القاضي حسام الدين حسن بن محمد الغوري قاضي بغداد وكان والوزير نجم الدين محمود بن علي بن شروان الكردي وشرف الدين عثمان بن حسن البلدي فأقاموا ثلاثة أيام ثم توجهوا إلى مصر فحصل لهم قبول تام من السلطان فاستقضى الاول على الحنفية كما سيأتي واستوزر الثاني وأمر الثالث وفي يوم عاشوراء احضر شمس الدين محمد بن الشيخ شهاب الدين بن اللبان الفقيه الشافعي إلى مجلس الحكم الجلالي وحضر معه شهاب الدين بن فضل الله مجد الدين الاقصرائي شيخ الشيوخ وشهاب الدين الأصبهاني فادعى عليه بأشياء منكرة من الحلول والاتحاد والغلو في القرمطة وغير ذلك فأقر ببعضها فحكم عليه بحقن دمه ثم توسط في أمره وأبقيت عليه جهاته ومنع من الكلام على الناس وقام في صفه جماعة من الأمراء والأعيان وفي صفر احترق بقصر حجاج حريق عظيم أتلف دورا ودكاكين عديدة وفي ربيع الاول ولد للسلطان ولد فدقت البشائر وزينت البلد أياما وفي منتصف ربيع الاخر أمر الامير صارم الدين إبراهيم الحاجب الساكن تجاه جامع كريم الدين طبلخاناه وهو من كبار أصحاب الشيخ تقي الدين رحمه الله وله مقاصد حسنة صالحة وهو في نفسه رجل جيد وفيه أفرج عن الخليفة المستكفي وأطلق من البرج في حادي عشرين ربيع الاخر ولزم بيته وفي يوم الجمعة عشرين جمادي الاخرة اقيمت الجمعة في جامعين بمصر أحدهما أنشاه الأمير عز الدين أيدمر بن عبد الله الخطيري مات بعد ذلك باثني عشر يوما رحمه الله والثاني أنشأته امرأة يقال لها الست حدق دادة السلطان الناصر عند قنطرة السباع وفي شعبان سافر القاضي شهاب الدين أحمد بن شرف بن منصور النائب في الحكم بدمشق إلى قضاء طرابلس وناب بعده الشيخ شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي وفيه خلع على عز الدين بن جماعة بوكالة بيت المال بمصر وعلى ضياء الدين ابن خطيب بيت الابار بالحسبة بالقاهرة مع ما بيده من نظر الاوقاف وغيره وفيه أمر الأمير ناظر القدس بطبلخاناه ثم عاد إلى القدس
وفي عاشر رمضان قدمت من مصر مقدمتان ألفان إلى دمشق سائرة إلى بلاد سيس وفيهم علاء الدين فاجتمع به أهل العلم وهو من افاضل الحنفية وله مصنفات في الحديث وغيره
وخرج الركب الشامي يوم الاثنين عاشر شوال وأميره بهادر قبجق وقاضية محيي الدين الطرابلسي مدرس الحمصية وفي الركب تقي الدين شيخ الشيوخ وعماد الدين ابن الشيرازي ونجم الدين الطرسوسي وجمال الدين المرداوي وصاحبه شمس الدين ابن مفلح والصدر المالكي والشرف ابن القيسراني والشيخ خالد المقيم عند دار الطعم وجمال الدين بن الشهاب محمود
وفي ذي القعدة وصلت الاخبار بان الجيش تسلموا من بلاد سيس سبع قلاع وحصل لهم خير كثير ولله الحمد وفرح المسلمون بذلك وفيه كانت وقعة هائلة بين التتار انتصر فيها الشيخ وذووه وفيها نفي السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون الخليفة وأهله وذويه وكانوا قريبا من مائة نفس إلى بلاد قوص ورتب لهم هناك ما يقوم بمصالحهم فإنا لله وإنا إليه راجعون وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ علاء الدين بن غانم
@ أبو الحسن علي بن محمد بن سليمان بن حمائل بن علي المقدسي أحد الكبار المشهورين بالفضائل وحسن الترسل وكثرة الادب والاشعار والمروءة التامة مولده سنة إحدى وخمسين وستمائة وسمع الحديث الكثير وحفظ القرآن والتنبيه وباشر الجهات وقصده الناس في الامور المهات وكان كثير الاحسان إلى الخاص والعام توفي مرجعه في الحج في منزلة تبوك يوم الخميس ثالث عشر المحرم ودفن هناك رحمه الله ثم تبعه أخوه شهاب الدين أحمد في شهر رمضان وكان اصغر منه سنا بسنة وكان فاضلا أيضا بارعا كثير الدعابة
*3* الشرف محمود الحريري
@ المؤذن بالجامع الموي بنى حماما بالنيرب ومات في آخر المحرم
*3* الشيخ الصالح العابد
@ ناصر الدين بن الشيخ إبراهيم بن معضاد بن شداد بن ماجد بن مالك الجعبري ثم المصري ولد سنة خمسين وستمائة بقلعة جعبر وسمع صحيح مسلم وغيره وكان يتكلم على الناس ويعظهم ويستحضر أشياء كثيرة من التفسير وغيره كان فيه صلاح وعبادة توفي في الرابع والعشرين من المحرم ودفن بزاويتهم عند والده خارج باب النصر
*3* الشيخ شهاب الدين عبدا لحق الحنفي
@ أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن يوسف بن قاضي ! الحنفيين ويعرف بابن عبدالحق الحنفي شيخ المذهب ومدرس الحنفية وغيرها وكان بارعا فاضلا دينا توفي في ربيع الاول
*3* الشيخ عماد الدين
@ إبراهيم بن علي بن عبدالرحمن بن عبدالمنعم بن نعمة المقدسي النابلسي الحنبلي الامام العالم العابد شيخ الحنابلة بها وفقيههم من مدة طويلة توفي في ربيع الاول
*3* الشيخ الامام العابد الناسك
@ محب الدين عبد الله بن احمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم بن أحمد بن عبدالرحمن بن إسماعيل بن منصور المقدسي الحنبلي سمع الكثير وقرأ بنفسه وكتب الطباق وانتفع الناس به وكانت له مجالس وعظ من الكتاب والسنة في الجامع الاموي وغيره وله صوت طيب بالقراءة جدا وعليه روح وسكينة ووقار وكانت مواعيده مفيدة ينتفع بها الناس وكان شيخ الاسلام تقي الدين ابن تيمية يحبه ويحب قراءته توفي يوم الاثنين سابع ربيع الاول وكانت جنازته حافلة ودفن بقاسيون وشهد الناس له بخير رحمه الله تعالى وبلغ خمسا وخسمين سنة
*3* المحدث البارع المحصل المفيد المخرج المجيد
@ ناصر الدين محمد بن طغربل بن عبد الله الصيرفي أبوه الخوارزمي الاصل سمع الكثير وقرأ بنفسه وكان سريع القراءة وقرأ الكتب الكبار والصغار وجمع وخرج شيئا كثيرا وكان بارعا في هذا الشأن رحل فأدركته منيته بحماة يوم السبت ثاني ربيع الاول ودفن من الغد بمقابر طيبة رحمه الله
*3* شيخنا الامام العالم العابد
@ شمس الدين أبو محمد عبد الله بن العفيف محمد بن الشيخ تقي الدين يوسف بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي النابلسي الحنبلي إمام مسجد الحنابلة بها ولد سنة سبع واربعين وستمائة وسمع الكثير وكان كثير العبادة حسن الصوت عليه البهاء والوقار وسحن الشكل والسمت قرأت عليه عام ثلاث وثلاثين وسبعمائة مرجعنا من القدس كثيرا من الأجزاء والفوائد وهو والد صاحبنا الشيخ جمال الدين يوسف أحد مفتية الحنابلة وغيرهم والمشهورين بالخير والصلاح توفي يوم الخميس ثاني عشرين ربيع الاخر ودفن هناك رحمه الله
*3* الشيخ محمد بن عبد الله بن المجد
@ إبراهيم المرشدي المقيم بمنية مرشد يقصده الناس للزيارة ويضيف الناس على حسب مراتبهم وينفق نفقات كثيرة جدا ولم يكن يأخذ من أحد شيئا فيما يبدو للناس والله أعلم بحاله وأصله من قرية دهروط وأقام بالقاهرة مدة واشتغل بها ويقال إنه قرأ التنبيه في الفقه ثم انقطع بمنية مرشد واشتهر أمره في الناس وحج مرات وكان إذا دخل القاهرة يزدحم عليه الناس ثم كانت وفاته يوم الخميس ثامن رمضان ودفن بزاويته وصلى عليه بالقاهرة ودمشق وغيرها
*3* الامير أسد الدين
@ عبد القادر بن المغيث عبدالعزيز بن الملك المعظم عيسى بن العادل ولد سنة ثنتين وأربعين وستمائة وسمع الكثير وأسمع وكان يأتي كل سنة من مصر إلى دمشق ويكرم أهل الحديث ولم يبق من بعده من بني أيوب أعلا سنا منه توفي بالرملة في سلخ رمضان رحمه الله
*3* الشيخ الصالح الفاضل
@ حسن بن إبراهيم بن حسن الحاكي الحكري إمام مسجده هناك ومذكر الناس في كل جمعة ولديه فضائل وفي كلامه نفع كثير إلى أن توفي في العشرين من شوال ولم ير الناس مثل جنازته بديار مصر رحمه الله تعالى
*2* ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الاربعاء والخليفة المستكفي منفي ببلاد قوص ومعه أهله وذووه ومن يلوذ به وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن الملك المنصور ولا نائب بديار مصر ولا وزير ونائبه بدمشق تنكز وقضاة البلاد ونوابها ومباشروها هم المذكورون في التي قبلها وفي ثالث ربيع الاول رسم السلطان بتسفير علي ومحمد ابني داود بن سليمان بن داود بن العاضد آخر خلفاء الفاطميين إلى الفيوم يقيمون به وفي يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر عزل القاضي علم الدين بن القطب عن كتابة السر وضرب وصودر ونكب بسببه القاضي فخر الدين المصري وعزل عن مدرسته الدولعية وأخذها ابن جملة والعادلية الصغيرة باشرها ابن النقيب ورسم عليه بالعذراوية مائة يوم وأخذ شيء من ماله
وفي ليلة الاحد ثالث عشرين ربيع الاول بعدالمغرب هبت ريح شديدة بمصر وأعقبها رعد وبرق وبرد بقدر الجوز وهذا شيء لم يشاهدوا مثله من أعصار متطاولة بتلك البلاد وفي عاشر جمادي الاولى استهل الغيث بمكة من أول الليل فلما انتصف الليل جاء سيل عظيم هائل لم ير مثله من دهر طويل فخرب دورا كثيرة نحوا من ثلاثين أو أكثر وغرق جماعة وكسر أبواب المسجد ودخل الكعبة وارتفع فيها نحوا من ذراع أو أكثر وجرى أمر عظيم حكاه الشيخ عفيف الدين الطبري وفي سابع عشرين من جمادي الاولى عزل القاضي جلال الدين عن قضاء مصر واتفق وصلو خبر موت قاضي الشام ابن المجد بعد أن عزل بيسير فولاه السلطان قضاء الشام فسار إليها راجعا عودا على بدء ثم عزل السلطان برهان الدين بن عبدالحق قاضي الحنفية وعزل قاضي الحنابلة تقي الدين ورسم على ولده صدر الدين بأداء ديون الناس إليهم وكانت قريبا من ثلاثمائة ألف فلما كان يوم الاثنين تاسع عشر جمادي الاخرة بعد سفر جلال الدين بخمسة أيام طلب السلطان أعيان الفقهاء إلى بين يديه فسألهم عن من يصلح للقضاء بمصر فوقع الاختيار على القاضي عز الدين ابن جماعة فولاه في الساعة الراهنة وولى قضاء الحنفية لحسام الدين حسن بن محمد الغوري قاضي بغداد وخرجا من بين يديه إلى المدرسة الصالحية وعليهما الخلع ونزل عز الدين بن جماعة من دار الحديث الكاملية لصاحبه الشيخ عماد الدين الدمياطي فدرس فيها واورد حديث إنما الاعمال النيات بسنده وتكلم عليه وعزل أكثر نواب الحكم واستمر بعضهم واستمر بالمنادي الذي أشار بتوليته ولما كان يوم خامس عشرين منه ولى قضاء الحنابلة الامام العالم موفق الدين ابو محمد عبدالله بن محمد بن عبد الملك المقدسي عوضا عن المعزول ولم يبق من القضاة سوى الاخنائي المالكي
وفي رمضان فتحت الصبابية التي أنشأها شمس الدين بن تقي الدين بان الصباب التاجر دار قرآن ودار حديث وقد كانت خربة شنيعة قبل ذلك وفي رمضان باشر علاء الدين علي ابن القاضي محيي الدين بن فضل الله كتابة السر بمصر بعد وفاة أبيه كما سيأتي ترجمته وخلع عليه وعلى أخيه بدر الدين ورسم لهما أن يحضرا مجلس السلطان وذهب أخوه شهاب الدين إلى الحج
وفي هذا الشهر سقط بالجانب الغربي من مصر بردكا لبيض وكالرمان فأتلف شيئا كثيرا ذكر ذلك البرزالي ونقله من كتاب الشهاب الدمياطي وفي ثالث عشرين رمضان درس بالقبة المنصورية بمشيخة الحديث شهاب الدين العسجدي عوضا عن زين الدين الكنائي توفي فأرود حديثا من مسند الشافعي بروايته عن الجاولي بسنده ثم صرف عنها بالحجة بالشيخ اثير الدين أبي حيان فساق حديثا عن شخيه ابن الزبير ودعا للسلطان وحضر عنده القضاة والاعيان وكان مجلسا حافلا وفي ذي القعدة حضر تدريس الشامية البرانية قاضي القضاة شمس الدين ابن النقيب عوضا عن القاضي جمال الدين ابن جملة توفي وحضر خلق كثير من الفقهاء والاعيان وكان مجلسا حافلا وفي ثاني ذي الحجة درس بالعادلية الصغيرة تاج الدين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة جلال الدين القزويني عوضا عن الشيخ شمس الدين بن النقيب بحكم ولايته الشامية البرانية وحضر عنده القضاة والاعيان وفي هذا الشهر درس القاضي صدر الدين بن القاضي جلال الدين بالاتابكية وأخوه الخطيب بدر الدين بالغزالية والعادلية نيابة عن أبيه انتهى والله اعلم وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الامير الكبير بدر الدين محمد بن فخر الدين عيسى بن التركماني
@ باني جامع المقياس بديار مصر في ايام وزارته بها ثم عزل أميرا إلى الشام ثم رجع إلى مصر إلى أن توفي بها في خامس ربيع الاخر وتوفي بالحسينية وكان مشكورا رحمه الله انتهى
*3* قاضي القضاة شهاب الدين
@ محمد بن المجد بن عبد الله بن الحسين بن علي الرازي الاربلي الاصل ثم الدمشقي الشافعي قاضي الشفاعية بدمشق ولد سنة ثنتين وستين وستمائة واشتغل وبرع وحصل وأفتى سنة ثلاث وتسعين ودرس بالاقبالية ثم الرواحية وتربة أم الصالح وولى وكلة بيت المال ثم صار قاضي قضاة الشام إلى أن توفي بمستهل جمادي الاولى بالمدرسة العادلية ودفن بمقابر باب الصغير رحمه الله
*3* الشيخ الامام العالم بن المرحل
@ زين الدين محمد بن عبد الله ابن الشيخ زين الدين عمر بن مكي بن عبدالصمد بن المرسل مدرس الشامية البرانية والعذراوية بدمشق وكان قبل ذلك بمشهد الحسين وكان فاضلا بارعا فقيها أصوليا مناظرا حسن الشكل طيب الاخلاق دينا صينا وناب في وقت بدمشق عن علم الدين الاخنائي فحمدت سيرته كانت وفاته ليلة الاربعاء تاسع عشر رجب ودفن من الغد عند مسجد الديان في تربة لهم هناك وحضر جنازته القاضي جلال الدين وكان قد قدم من الديار المصرية له يومان فقط وقدم بعده القاضي برهان الدين عبدالحق بخمسة أيام هو وأهله وأولاده أيضا وباشر بعده تدريس الشامية البرانية قاضي القضاة جمال الدين ابن جملة ثم كانت وفاته بعده بشهور وذلك يوم الخميس رابع عشر ذي القعدة وهذه ترجمته في تاريخ الشيخ علم الدين البرزالي
*3* قاضي القضاة جمال الدين الصالحي
@ جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن إبراهيم بن جملة بن مسلم بن همام بن حسين بن يوسف الصالحي الشافعي المحجي ! والده بالمدرسة السرورية وصلى عليه عقيب الظهر يوم الخميس رابع عشر ذي الحجة ودفن بسفح قاسيون ومولده في أوائل سنة ثنتين وثمانين وستمائة وسمع من ابن البخاري وغيره وحدث وكان رجلا فاضلا في فنون اشتغل وحصل وأفتى وأعاد ودرس وله فضائل جمة ومباحث وفوائد وهمة عالية وحرمة وافرة وفيه تودد وإحسان وقضاء للحقوق وولى القضاء بدمشق نيابة واستقلالا ودرس بمدارس كبار ومات هو مدرس الشامية البرانية وحضر جنازته خلق كثير من الاعيان رحمه الله
*3* شيخ الاسلام قاضي القضاة ابن البارري
@ شرف الدين أبو القاسم هبة الله ابن قاضي القضاة نجم الدين عبد الرحيم بن القاضي شمس الدين ابي الطاهر إبراهيم بن هبة الله بن مسلم بن هبة الله الجهيني الحموي المعرو بابن البارزي قاضي القضاة بحماة صاحب التصانيف الكثيرة المفيدة في الفنون العديدة ولد في خامس رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة وسمع الكثير وحصل فنونا كثيرة وصنف كتبا جما كثيرة وكان حسن الأخلاق كثير المحاضرة حسن الاعتقاد في الصالحين وكان معظما عند الناس وأذن لجماعة من البلد في الافتاء وعمى في آخر عمره وهو يحكم مع ذلك مدة ثم نزل عن المنصب لحفيده نجم الدين عبدالرحيم بن إبراهيم وهو في ذلك لا يقطع نظره عن المنصب وكانت وفاته ليلة الاربعاء العشرين من ذي القعدة بعد أن صلى العشاء والوتر فلم تفته فريضة ولا نافلة وصلى عليه من الغد ودفن بعقبة نقيرين وله من العمر ثلاث وتسعون سنة
*3* الشيخ الامام العالم
@ شهاب الدين أحمد بن البرهان شيخ الحنفية بحلب شارح الجامع الكبير وكان رجلا صالحا منقطعا عن الناس وانتفع الناس به وكانت وفاته ليلة الجمعة الثامن والعشرين من رجب وكانت له معرفة بالعربية والقراءات ومشاركات في علوم أخر رحمه الله والله اعلم
*3* القاضي محيي الدين بن فضل الله كاتب السر
@ هو ابو المعالي يحيى بن فضل الله بن المحلي بن دعجان بن خلف العدوى العمري ولد في حادي عشر شوال سنة خمس وأربعين وستمائة بالكرك وسمع الحديث وأسمعه وكان صدرا كبيرا معظما في الدولة في حياة أخيه شرف الدين وبعده وكتب السر بالشام وبالديار المصرية وكانت وفاته ليلة الاربعاء تاسع رمضان بديار مصر ودفن من الغد بالقرافة وتولى المنصب بعده ولده علاء الدين وهو أصغر أولاده الثلاثة المعينين لهذا المنصب
*3* الشيخ الأمام العلامة ابن الكتاني
@ زين الدين ابن الكتاني شيخ الشافعية بديار مصر وهو أبو حفص عمر بن أبي الحزم بن عبدالرحمن بن يونس الدمشقي الأصل ولد بالقاهرة في حدود سنة ثلاث خمسين وستمائة واشتغل بدمشق ثم رحل إلى مصر واستوطنها وتولى بها بعض الأقضية بالحكر ثم ناب عن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد فحمدت سيرته ودرس بمدارس كبار ولى ميشخة دار الحديث بالقبة المنصورية وكان بارعا فاضلا عنده فوائد كثيرة جدا غير أنه كان سيء الأخلاق منقبضا عن الناس لم يتزوج قط وكان حسن الشكل بهي المنظر ياكل الطيبات ويلبس اللين من الثياب وله فوائد وفوائد وزوائد على الروضة وغيرها وكان فيه استهتار لبعض العلماء فالله يسامحه وكانت وفاته يوم الثلاثاء المنتصف من رمضان ودفن بالقرافة رحمه الله انتهى
*3* الشيخ الامام العلامة ابن القويع
@ ركن الدين بن القريع أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبدالرحمن بن عبد الجليل الوسي الهاشمي الجعفري التونسي المالكي المعروف بابن القويع كان من اعيان الفضلاء وسادة الاذكياء ممن جمع الفنون الكثيرة والعلوم الاخروية الدينية الشرعية الطيبة وكان مدرسا بالمنكود مرية وله وظيفة في المارستان المنصوري وبها توفي في بكرة السابع عشر من ذي الحجة وترك مالا وأثاثا ورثه بيت المال
وهذا آخر ما أرخه شيخنا الحافظ علم الدين البرزالي في كتابه الذي ذيل به على تاريخ الشيخ شهاب الدين ابي شامة المقدسي وقد ذيلت على تاريخه إلى زماننا هذا وكان فراغي من الانتقاء من تاريخه في يوم الاربعاء العشرين من جمادي الاخرة من سنة إحدى وخمسين وسبعمائة احسن الله خاتمتها آمين وإلى هنا انتهى ما كتبته من لدن خلق آدم إلى زماننا هذا ولله الحمد والمنة وما أحسن ما قال الحريري
وإن تجد عيبا فسد الخللا * فجل من لا عيب فيه وعلا
كتبه إسماعيل بن كثير بن صنو القرشي الشافعي عفا الله تعالى عنه آمين
*2* ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت وسلطان الاسلام والمسلمين بالديار المصرية وما والاها والديار الشامية وما والاها والحرمين الشريفين الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون ولا نائب له ولا وزير أيضا بمصر وقاضة مصر أما الشافعي فقاضي القضاة عز الدين ابن قاضي القشاة صدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة وأما الحنفي فقاضي القضاة حسام الدين الغوري حسن بن محمد وأما المالكي فتقي الدين الاخنائي وأما الحنبلي فموفق الدين بن نجا المقدسي ونائب الشام الامير سيف الدين تنكز وقضاته جلال الدين القزويني الشافعي المعزول عن الديار المصرية والحنفي عماد الدين الطرسوسي والمالكي شرف الدين الهمداني والحنبلي علاء الدين بن المنجا التنوخي
ومما حدث في هذه السنة إكمال دار الحديث السكرية وباشر مشيخة الحديث بها الشيخ الامام الحافظ مؤرخ الاسلام محمد بن شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي وقرر فيها ثلاثون محدثا لكل منهم جراية وجامكية كل شهر سبعة دراهم ونصف رطل خبز وقرر للشيخ ثلاثون رطل خبز وقرر فيها ثلاثون نفرا يقرؤون القرآن لكل عشرة شيخ ولكل واحد من القراء نظير ما للمحدثين ورتب لها إمام وقارئ حديث ونواب ولقارئ الحديث عشرون درهما وثمان أواق خبز وجاءت في غاية الحسن في شكالاتها وبنائها وهي نجاه دار الذهب التي أنشأها الواقف الأمير تنكز ووقف عليها عدة أماكن منها سوق القشاشيين بباب الفرج طوله عشرون ذراعا شرقا وغربا سماه في كتاب الوقف وبندر زيدين وحمام بحمص وهو الحمام القديم ووقف عليها حصصا في قرايا أخر ولكنه تغلب على ما عدا القشاشيين وبندر زيدين وحمام حمص
وفيها قدم القاضي تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي من الديار المصرية حاكما على دمشق وأعمالها وفرح الناس به ودخل الناس يسلمون عليه لعلمه وديانته وأمانته ونزل بالعادلية الكبيرة على عادة من تقدمه ودرس بالغزالية والاتابكية واستناب ابن عمه القاضي بهاء الدين أبو البقاء ثم استناب ابن عمه أبا الفتح وكانت ولايته الشام بعد وفاة قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحيم القزويني الشافعي على ما سيأتي بيانه في الوفيات من هذه السنة
وممن توفي فيها من الاعيان في المحرم سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
*3* العلامة قاضي القضاة فخر الدين
@ عثمان بن الزين علي بن عثمان الحلبي ابن خطيب جسرين الشافعي ولي قضاء حلب وكان إماما صنف شرح مختصر ابن الحاجب في الفقه وشرح البديع لابن الساعاتي وله فوائد غزيرة ومصنفات جليلة تولى حلب بعد عزل الشيخ ابن النقيب ثم طلبه السلطان فمات هو وولده الكمال وله بضع وسبعون سنة وممن توفي فيها
*3* قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن
@ القزويني الشافعي قدم هو وأخوه أيام التتر من بلادهم إلى دمشق وهما فاضلان بعدالتسعين وستمائة فدرس إمام الدين في تربة أم الصالح وأعاد جلال الدين بالبادرائية عند الشيخ برهان الدين ابن الشيخ تاج الدين شيخ الشافعية ثم تقلبت بهم الاحوال إلى أن ولي إمام الدين قضاء الشفاعية بدمشق انتزع له من يد القاضي بدر الدين ابن جماعة ثم هرب سنة قازان إلى الديار المصرية مع الناس فمات هنالك وأعيد ابن جماعة إلى القضاء وخلت خطابة البلد سنة ثلاث وسبعمائة فوليها جلال الدين المذكور ثم ولي القضاء بدمشق سنة خمس وعشرين مع الخطابة ثم انتقل إلى الديار المصرية سنة سبع وعشرين بعد أن عجز قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة بسبب الضرر في عينيه فلما كان في سنة ثمان وثلاثين تعصب عليه السلطان اللمك الناصر بسبب أمور يطول شرحها ونفاه إلى الشام واتفق موت قاضي القضاة شهاب الدين بن المجد عبد الله كما تقدم فولاه السلطان قضاء الشام عودا على بدء فاستناب ولده بدر الدين على نيابة القضاء الذي هو خطيب دمشق كانت وفاته في أواخر هذه السنة ودفن بالصوفية وكانت له يد طولى في المعاني والبيان ويفتى كثيرا وله مصنفات في المعاني مصنف مشهور اسمه للتخليص اختصر فيه المفتاح للسكاكي وكان مجموع الفضائل مات وكان عمره قريبا من السبعين أو جاوزها وممن توفي فيها رابع الحجة يوم الاحد
*3* الشيخ الأمام الحافظ ابن البرزالي
@ علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد بن البرزالي مؤرخ الشام الشافعي ولد سنة وفاة الشيخ ابن أبي شامة سنة خمس وستين وستمائة وقد كتب تاريخا ذيل به على الشيخ شهاب الدين من حين وفاته ومولد البرزالي إلى أن توفي في هذه السنة وهو محرم فغسل وكفن ولم يستر رأسه وحمله الناس على نعشه وهم يبكون حوله وكان يوما مشهودا وسمع الكثير أزيد من ألف شيخ وخرج له المحدث شمس الدين ابن سعد مشيخة لم يكملها وقرأ شيئا كثيرا وأسمع شيئا كثيرا وكان له خط حسن وخلق حسن وهو مشكور عند القضاة ومشايخه أهل العلم سمعت العلامة ابن تيمية يقول نقل البرزالي نقر في حجر وكان أصحابه من كل الطوائف يحبونه ويكرمونه وكان له أولاد ماتوا قبله وكتبت ابنته فاطمة البخاري في ثلاثة عشر مجلدا فقابله لها كان يقرأ فيه على الحافظ المزي تحت القبة حتى صارت نسختها أصلا معتمدا يكتب منها الناس وكان شيخ حديث بالنورية
وفيها وقف كتبه بدار الحديث السنية وبدار الحديث القوصية وفي الجامع وغيره وعلى كراسي الحديث وكان متواضعا محببا إلى الناس متوددا إليهم توفي عن اربع وسبعين سنة رحمه الله
*3* المؤرخ شمس الدين
@ محمد بن إبراهيم الجوزي جمع تاريخا حافلا كتب فيه أشياء يستفيد منها الحافظ كالمزي والذهبي والبرزالي يكتبون عنه ويعتمدون على نقله وكان شيخا قد جاوز الثمانين وثقل سمعه وضعف خطه وهو والد الشيخ ناصر الدين محمد واخوه مجد الدين
*2* ثم دخلت سنة أربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين الملك الناصر وولاته وقضاته المذكورون في التي قبلها إلا الشافعي بالشام فتوفي القزويني وتولى العلامة السبكي ومما وقع الحوادث العظيمة الهائلة أن جماعة من رؤس النصارى اجتمعوا في كنيستهم وجمعوا من بيتهم مالا جزيلا فدفعوه إلى راهبين قدما عليها من بلاد الروم يحسنان صنعة النفط اسم أحدهما ملاني والاخر عازر فعملا كحطا من نفط وتلطفا حتى عملاه لا يظهر تأثيره لا بعد أربع ساعات وأكثر من ذلك فوضعا في شقوق دكاكين التجار في سوق الرجال عند الدهشة في عدة دكاكين من آخر النهار بحيث لا يشعر أحد بهما وهما في زي المسلمين فلما كان في أثناء الليل لم يشعر الناس إلا والنار قد عملت في تلك الدكاكين حتى تعلقت في دباربزينات المأذنة الشرقية المتجهة للسوق المذكور وأحرقت درابزينات وجاء نائب السلطنة تنكز والأمراء أمراء الألوف وصعدوا المنارة وهي تشعل نارا واحترسوا عن الجامع فلم ينله شيء من الحريق ولله الحمد والمنة وأما المأذنة فإنها تفجرت احجارها واحترقت السقالات التي تدل السلالم فهدمت وأعيد بناؤها بحجارة جدد وهي المنارة الشرقية التي جاء في الحديث أنه ينزل عليها عيسى ابن مريم كما سيأتي الكلام عليه في نزول عيسى عليه السلام والبلد محاصر بالدجال
والمقصود أن النصارى بعد ليال عمدوا إلىناحية الجامع من المغرب إلى القيسارية بكمالها وبما فيها من الأقواس والعدد فإنا لله وإنا إليه راجعون وتطاير شرر النار إلى ما حول القيسارية من الدور والمساكن والمدارس واحترق جانب من المدرسة الأمينية إلى جانب المدرسة المذكور وما كان مقصودهم الا وصول النار إلى معبد المسلمين فحال الله بينهم وبين ما يرومون وجاء نائب السلطنة والأمراء وحالوا بين الحريق والمسجد جزاهم الله خيرا ولما تحقق نائب السلطنة أن هذا من فعلهم أمر بمسك رؤس النصارى فأمسك منهم نحوا من ستين رجلا فأخذوا بالمصادرات والضرب والعقوبات وأنواع المثلات ثم بعد ذلك صلب منهم أزيد من عشرة على الجمال وطاف بهم في أرجاء البلاد وجعلوا يتماوتون واحدا بعد واحد ثم أحرقوا بالنار حتى صاروا رمادا لعنهم الله انتهى والله أعلم
*3* سبب مسك تنكز
@ لما كان يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من ذي الحجة جاء الامير طشتمر من صغد مسرعا وركب جيش دمشق ملبسا ودخل نائب السلطنة من قصره مسرعا إلى دار السعادة وجاء الجيش فوقفوا على باب النصر وكان أراد أن يلبس ويقابل فعذلوه في ذلك وقالوا المصلحة الخروج إلى السلطان سامعا مطيعا فخرج بلا سلاح فلما برز إلى ظاهر البلد التف عليه الفخري وغيره وأخذوه وذهبوا به إلى ناحية الكسوة فلما كان عند قبة يلبغا نزلوا وقيدوه وخصاياه من قصره ثم ركب البريد وهو مقيد وساروا به إلى السلطان فلما وصل أمر بمسيره إلى الاسكندرية وسألوا عن ودائعه فأقر ببعض ثم عوقب حتى أقر بالباقي ثم قتلوه ودفنوه بالاسكندرية ثم نقلوه إلى تربته بدمشق رحمه الله وقد جاوز الستين وكان عادلا مهيبا عفيف الفرج واليد والناس في أيامه في غاية الرخص والأمن والصيانة فرحمه الله وبل بالرحمة ثراه
وله أوقاف كثيرة من ذلك مرستان بصغد وجامع بنابلس وعجلون وجامع بدمشق ودار حديث بالقدس ودمشق ومدرسة وخانقاه بالقدس ورباط وسوق موقوف على المسجد الاقصى وفتح شباكا في المسجد انتهى والله تعالى أعلم وممن توفي فيها من الاعيان:
*3* أمير المؤمنين المستكفي بالله
@ أبو الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله بن العباس أحمد بن أبي علي الحسن بن أبي بكر بن علي ابن أمير المؤمنين المسترشد بالله الهاشمي العباسي البغدادي الأصل والمولد مولده سنة ثلاث وثمانين وستمائة أو في التي قبلها وقرأ واشتغل قليلا وعهد إليه أبوه بالأمر وخطب له عند وفاة والده سنة إحدى وسبعمائة وفوض جميع ما يتعلق به من الحل والعقد إلى السلطان الملك الناصر وسار إلى غزو التتر فشهد مصاف شقحب ودخل دمشق في شعبان سنة اثنتين وسبعمائة وهو راكب مع السلطان وجميع كبراء الجيش مشاة ولما أعرض السلطان عن الامر وانعزل بالكرك النمس الأمراء من المستكفي أن يسلطن من ينهض بالملك فقلد الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير وعقد له اللواء وألبسه خلعة السلطنة ثم عاد الناصر إلى مصر وعذر الخليفة في فعله ثم غضب عليه وسيره إلى قوص فتوفى في هذه السنة في قوص في مستهل شعبان
*2* ثم دخلت سنة إحدى واربعين وسبعمائة
@ استهلت يوم الاربعاء وسلطان المسلمين الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وقضاته بمصر هم المذكورون في التي قبلها وليس في دمشق نائب سلطنة وإنما الذي يسد الامور الامير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر الذي جاء بالقبض على الأمير سيف الدين تنكز ثم جاء المرسوم بالرجوع إلى صغد فركب من آخر النهار وتوجه إلى بلده وحواصل الأمير تنكز تحت الحوطة كما هي
وفي صبيحة يوم السبت رابع المحرم من السنة المذكورة قدم من الديار المصرية خمسة امراء الامير سيف الدين بشتك الناصري ومعه برصبغا الحاجب وطاشار الدويدار وبنعراوبطا فنزل بشتاك بالقصر الابلق والميادين وليس معه من مماليكه إلا القليل وإنما جاء لتجديد البيعة إلى السلطان لما توهموا من ممالأة بعض الأمراء لنائب الشام المنفصل وللحوطة على حواصل الأمير سيف الدين تنكز المنفصل عن نيابة الشام وتجهيزها للديار المصرية وفي صبيحة يوم الاثنين سادسه دخل الامير علاء الدين الطنبغا إلى دمشق نائبا وتلقاه الناس وبشتك والأمراء المصريون ونزلوا إلى عتبته فقبلوا العتبة الشريفة ورجعوا معه إلى دار السعادة وقرئ تقليده وفي يوم الاثنين ثالث عشرة مسك من الأمراء المقدمين أميران كبيران الجي بغا العادلي وطنبغا الحجي ورفعا إلى القعلة المنصورة واحتيط على حواصلهما وفي يوم الثلاثاء تحملوا بيت ملك الأمراء سيف الدين تنكز وأهله وأولاده إلى الديار المصرية وفي يوم الأربعاء خامس عشرة ركب نائب السلطنة الامير علاء الدين طنبغا ومعه الأمير سيف الدين بشتك الناصري والحاجة رقطية وسيف الدين قطلوبغا الفخري
وجماعة من الأمراء المقدمين واجتمعوا بسوق الخيل واستدعوا بمملوكي الأمير سيف الدين تنكز وهما جغاي وطغاي فأمر بتوسيطهما فوسطا وعلقا على الخشب ونودي عليهما هذا جزاء من تجاسر على السلطان الناصر
وفي يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من هذا الشهر كانت وفاة الامير سيف الدين تنكز نائب الشام بقلعة اسكندرية قيل مخنوقا وقيل مسموما وهو الأصح وقيل غير ذلك وتأسف الناس عليه كثيرا وطال حزنهم عليه وفي كل وقت يتذكرون ما كان منه من الهيبة والصيانة والغيرة على حريم المسلمين ومحارم الاسلام ومن إقامته على ذوي الحاجات وغيرهم ويشتد تأسفهم عليه رحمه الله وقد أخبر القاضي أمين الدين ابن القلانسي رحمه الله شيخنا الحافظ العلامة عماد الدين ابن كثير رحمه الله أن الامير سيف الدين تنكز مسك يوم الثلاثاء ودخل مصر يوم الثلاثاء ودخل الاسكندرية يوم الثلاثاء وتوفي يوم الثلاثاء وصلى عبيه بالاسكندرية ودفن بمقبرتها في الثالث والعشرين من المحرم بالقرب من قبر القباري وكانت له جنازة جيدة
وفي يوم الخميس سابع شهر صفر قدم الامير سيف الدين طشتمر الذي مسك تنكز إلى دمشق فنزل بوطأة برزة بجيشه ومن معه ثم توجه إلى حلب المحروسة نائبا بها عوضا عن الطنبغا المنفصل عنها وفي صبيحة يوم الخميس ثالث عشر ربيع الاول نودي في البلد بجنازة الشيخ الصالح العابد الناسك القدوة الشيخ محمد بن تمام توفي بالصالحية فذهب الناس إلى جنازته إلى الجامع المظفري واجتمع الناس على صلاة الظهر فضاق الجامع المذكور عن أن يسعهم وصلى الناس في الطرقات وأرجاء الصالحية وكان الجمع كثيرا جدا لم يشهد الناس جنازة بعد جنازة الشيخ تقي الدين بن تيمية مثلها لكثرة من حضرها من الناس رجالا ونساء وفيهم القضاة والاعيان والأمراء وجمهور الناس يقاربون عشرين ألفا وانتظر الناس نائب السلطنة فاشتغل بكتاب ورد عليه من الديار المصرية فصلى عليه الشيخ بعد صلاة الظهر بالجامع المظفري ودفن عند اخيه
في تربة بين تربة الموفق وبين تربة الشيخ ابي عمر رحمهم الله وإيانا وفي أول شهر جمادي الاولى توفيت الشيخة العابدة الصالحة العالمة قارئة القرآن أم فاطمة عائشة بنت إبراهيم بن صديق زوجة شيخنا الحافظ جمال الدين المزي عشية يوم الثلاثاء مستهل هذا الشهر وصلى عليها بالجامع صبيحة يوم الاربعاء ودفنت بمقابر الصوفية غربي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهم الله كانت عديمة النظير في نساء زمانها لكثرة عبادتها وتلاوتها وإقرائها القرآن العظيم بفصاحة وبلاغة وأداء صحيح يعجز كثير من الرجال عن تجويده وختمت نساء كثيرا وقرأ عليها من النساء خلق وانتفعن بها وبصلاحها ودينها وزهدها في الدنيا وتقللها منها مع طول العمر بلغت ثمانين سنة أنفقتها في طاعة الله صلاة وتلاوة وكان الشيخ محسنا إليها مطيعا لا يكاد يخالفها لحبه لها طبعا وشرعا فرحمها الله وقدس روحها ونور مضجها بالرحمة آمين
وفي يوم الاربعاء الحادي والعشرين منه درس بمدرسة الشيخ أبي عمر بسفح قاسيون الشيخ الامام شمس الدين محمد بن أحمد بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي في التدريس البكتمري عوضا عن القاضي برهان الدين الزرعي وحضر عنده المقادسة وكبار الحنابلة ولم يتمكن أهل المدينة من الحضور لكثرة المطر والوحل يومئذ وتكامل عمارة المنارة الشرقية في الجامع الأموي في العشر الاخير من رمضان واستحسن الناس بناءها وإتقانها وذكر بعضهم أنه لم يبن في الاسلام منارة مثلها ولله الحمد ووقع لكثير من الناس في غالب ظنونهم أنها المنارة البيضاء الشرقية التي ذكرت في حديث النواس بن سمعان في نزول عيسى ابن مريم على المنارة البيضاء في شرقي دمشق فلعل لفظ الحديث انقلب على بعض الرواة وإنما كان على المنارة الشرقية بدمشق وهذه المنارة مشهورة بالشرقية بمقابلتها أختها الغربية والله سبحانه وتعالى أعلم
وفي يوم الثلاثاء سلخ شهر شوال عقد مجلس في دار العدل بدار السعادة وحضرته يومئذ واجتمع القضاة والاعيان على العادة وأحضر يومئذ عثمان الدكاكي قبحه الله تعالى وادعى عليه بعظائم من القول لم يؤثر مثلها عن الحلاج ولا عن ابن أبي الغدافر السلقماني وقامت عليه البينة بدعوى الآلهية
لعنه الله وأشياء أخر من التنقيص بالانبياء ومخالطته أرباب الريب نم الباجريقية وغيرهم من الاتحادية عليهم لعائن الله ووقع منه في المجلس من إساءة الأدب على القاضي الحنبلي وتضمن ذلك تكفيره من المالكية أيضا فادعى أن له دوافع وقوادح في بعض الشهود فرد إلى السجن مقيدا مغلولا مقبوحا أمكن الله منه بقوته وتأييده ثم لما كان يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من ذي القعدة أحضر عثمان الدكاكي المذكور إلى دار السعادة واقيم إلى بين يدي الامراء والقضاة وسئل عن القوادح في الشهود فعجز فلم يقدر وعجز عن ذلك فتوجه عليه الحكم فسئل القاضي المالكي الحكم عليه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم حكم باراقة دمه وإن تاب فأخذ المذكور فضربت رقبته بدمشق بسوق الخيل ونودي عليه هذا جزءا من يكون على مذهب الاتحادية وكان يوما مشهودا بدار السعادة حضر خلق من الاعيان والمشايخ وحضر شيخنا جمال الدين المزي الحافظ وشيخنا الحافظ شمس الدين الذهبي وتكلما وحرضا في القضية جدا وشهدا بزندقة المذكور بالاستفاضة وكذا الشيخ زين الدين أخو الشيخ تقي الدين بن تيمية وخرجا القضاة الثلاثة المالكي والحنفي والحنبلي وهم نفذوا حكمه في المجلس فحضورا قتل المذكور وكنت مباشرا لجميع ذلك من أوله إلى آخره
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين من ذي القعدة أفرج عن الاميرين العقيلين بالقلعة وهما طنبغا حجا والجي بغا وكذلك افرج عن خزاندارية تنكز الذين تأخروا بالقلعة وفرح الناس بذلك
*3* ذكر وفاة الملك الناصر محمد بن قلاوون
@ في صبيحة يوم الاربعاء السابع والعشرين من ذي الحجة قدم إلى دمشق الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري فخرج نائب السلطنة وعامة الأمراء لتلقيه وكان قدومه على خيل البريد فأخبر بوفاة السلطان الملك الناصر كانت وفاته يوم الاربعاء آخره وأنه صلى عليه ليلة الجمعة بعد العشاء ودفن مع ابيه الملك المنصور على ولده ! اتوك وكان قبل موته أخذ العهد لابنه سيف الدين ابي بكر ولقبه بالملك المنصور فلما دفن السلطان يلية الجمعة حضره من الأمراء قليل وكان قد ولى عليه الأمير علم الدين الجاولي ورجل آخر منسوب إلى الصلاح يقال له الشيخ عمر بن محمد بن إبراهيم الجعبري وشخص آخر من الجبارية ودفن كما ذكرنا ولم يحضر ولده ولي عهده دفنه ولم يخرج من القلعة ليلتئذ عن مشورة الأمراء لئلا يتخبط الناس وصلى عليه القاضي عز الدين بن جماعة إماما والجاولي وايدغمش وأمير آخر والقاضي بهاء الدين بن حامد بن قاضي دمشق السبكي وجلس الملك المنصور سيف الدنيا والدين ابو المعالي أبو بكر على سرير المملكة وفي صبيحة يوم الخميس الحادي والعشرين من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة بايعه
الجيش المصري وقدم الفخري لأخذ البيعة من الشاميين ونزل بالقصر الابلق وبايع الناس للملك المنصور بن الناصر بن المنصور ودقت البشائر بالقلعة المنصورة بدمشق صبيحة يوم الخميس الثامن والعشرين منه وفرح الناس بالملك الجديد وترحموا على الملك ودعوا له وتاسفوا عليه رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة إثنتين وأربعين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الاحد وسلطان الاسلام بالديار المصرية والبلاد الشامية وما والاها الملك المنصور سيف الدين أبو بكر بن الملك السلطان الناصر ناصر الدين محمد بن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي ونائب الشام الامير علاء الدين طنبغا وقضاة الشام ومصرهم المذكورون في التي قبلها وكذا المباشرون سوى الولاة شهر الله المحرم
*3* ولاية الخليفة الحاكم بأمر الله
@ وفي هذا اليوم بويع بالخلافة أمير المؤمنين أبو القاسم أحمد بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان العباسي ولبس السواد وجلس مع الملك المنصور على سرير المملكة وألبسه خلعة سوداء أيضا فجلسا وعليهما السواد وخطب الخليفة يومئذ خطبة بليغة فصيحة مشتملة على أشياء من المواعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخلع يومئذ على جماعة من الأمراء والاعيان وكان يوما مشهودا وكان أبو القاسم هذا قد عهد إليه أبوه بالخلافة ولكن لم يمكنه الناصر من ذلك وولى أبا إسحاق إبراهيم ابن أخي أبي الربيع ولقبه الواثق بالله وخطب له بالقاهرة جمعة واحدة فعزله المنصور وقرر أبا القاسم هذا وأمضى العهد ولقبه المستنصر بالله كما ذكرنا
وفي يوم الاحد ثامن المحرم مسك الامير سيف الدين بشتك الناصري آخر النهار وكان قد كتب تقليده بنيابة الشام وخلع عليه بذلك وبرز ثقله ثم دخل على الملك المنصور ليودعه فرحب به واجلسه واحضر طعاما وأكلا ونأسف الملك على فراقه وقال تذهب وتتركني وحدي ثم قام لتوديعه وذهب بشتك من بين يديه ثماني خطوات أو نحوها ثم تقدم إليه ثلاثة نفر فقطع أحدهم سيفه من سوطه بسكين ووضع الاخر يده على فمه وكتفه الاخر وقيدوه وذلك كله بحضرة السلطان ثم غيب ولم يدر أحد إلى أين صار ثم قالوا لمماليكه اذهبوا انتتم فائتوا بمركوب الامير غدا فهو بائت عند السلطان وأصبح السلطان وجلس على سرير المملكة وأمر بمسك جماعة من الأمراء وتسعة من الكبار واحتاطوا على حواصله وأمواله وأملاكه فيقال إنه وجد عنده من الذهب ألف ألف دينار وسبعمائة الف دينار
*3* وفاة شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي
@ تمرض أياما يسيرة مرضا لا يشغله عن شهود الجماعة وحضور الدروس وإسماع الحديث فلما كان يوم الجمعة حادي عشر صفر أسمع الحديث إلى قريب وقت الصلاة ثم دخل منزله ليتوضأ ويذهب للصلاة فاعترضه في باطنه مغص عظيم ظن أنه قولنج وما كان إلا طاعون فلم يقدر على حضور الصلاة فلما فرغنا من الصلاة أخبرت بانه منقطع فذهبت إليه فدخلت عليه فإذا هويرتعد رعدة شديدة من قوة الالم الذي هو فيه فسألته عن حاله فجعل يكرر الحمد الله ثم أخبرني بما حصل له من المرض الشديد وصلى الظهر بنفسه ودخل إلى الطهارة وتوضأ على البركة وهو في قوة الوجع ثم اتصل به هذا الحال إلى الغد من يوم السبت فلما كان وقت الظهر لم أكن حاضره إذ ذاك لكن أخبرتنا بنته زينب زوجتي أنه لما أذن الظهر تغير ذهنه قليلا فقالت يا أبة أذن الظهر فذكر الله وقال اريد أن اصلي فتيمم وصلى ثم اضطجع فجعل يقرأ آية الكرسي حتى جعل لا يفيض بها لسانه ثم قبضت روحه بين الصلاتين رحمه الله يوم السبت ثاني عشر صفر فلم يمكن تجهيزه تلك الليلة فلما كان من الغد يوم الاحد ثالث عشر صفر صبيحة ذلك اليوم غسل وكفن وصلى عليه بالجامع الاموي وحضر القضاة والاعيان وخلائق لا يحصون كثرة وخرج بجنازته من باب النصر وخرج نائب السلطنة الامير علاء الدين طنبغا ومعه ديوان السلطان والصاحب وكاتب السر وغيرهم من الامراء فصلوا علي خارج باب النصر أمهم عليه القاضي تقي الدين السبكي الشافعي وهو الذي صلى عليه بالجامع الاموي ثم ذهب به إلى مقابر الصوفية فدفن هناك إلى جانب زوجته المرأة الصالحة الحافظة لكتاب الله عائشة بن إبراهيم بن صديق غربي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهم الله أجمعين
*3* كائنة غريبة جدا
@ قدم يوم الاربعاء الثلاثين من صفر أمير من الديار المصرية ومعه البيعة للملك الاشرف علاء الدين كحك بن الملك الناصر وذلك بعد عزل أخيه المنصور لما صدر عنه من الافعال التي ذكر أنه تعاطاها من شرب المسكر وغشيان المنكرات وتعاطى ما لا يليق به ومعاشرة الخاصكية من المردان وغيرهم فتمالأ على خلعه كبار الأمراء لما رأوا الأمر تفاقم إلى الفساد العريض فأحضروا الخليفة الحاكم بأمر الله أبي الربيع سليمان فأثبت بين يديه ما نسب إلى الملك المنصور المذكور من الامور فحينئذ خلعه وخلعه الأمراء الكبار وغيرهم واستبدلوا مكانه اخاه هذا المذكور وسيروه إذ ذاك إلى قوص مضيقا عليه ومع إخوة له ثلاثة وقيل أكثر وأجلسوا الملك الأشرف هذا على السرير وناب له الأمير سيف الدين قوصون الناصري واستمرت الامور على السداد وجاءت إلى الشام فبايعه الأمراء يوم الأربعاء المذكور وضربت البشائر عشية الخميس مستهل ربيع الاو وخطب له بدمشق يوم الجمعة بحضرة نائب السلطنة والقضاة والامراء
وفي يوم الاربعاء سابع عشر ربيع الاول حضر بدار الحديث الاشرفية قاضي القضاة تقي الدين السبكي عوضا عن شيخنا الحافظ جمال الدين المزي ومشيخة دار الحديث النورية عوضا عن ابنه رحمه الله وفي شهر جمادي الاولى اشتهر أن نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر قائم في نصرة ابن السلطان الامير أحمد الذي بالكرك وأنه يستخدم لذلك ويجمع الجموع فالله أعلم وفي العشر الثاني منه وصلت الجيوش صحبة الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري إلى الكرك في طلب ابن السلطان الامير أحمد وفي هذا الشهر كثر الكلام في امر الأمير أحمد بن الناصر الذي بالكرك بسبب محاصرة الجيش الذي صحبة الفخري له واشتهر أن نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر قائم بجنب اولاد السلطان الذين أخرجوا من الديار المصرية إلى الصعيد وفي القيام بالمدافعة عن الأمير أحمد ليصرف عنه الجيش وترك حصاره وعزم بالذهاب إلى الكرك لنصرة أحمد ابن استاذه وتهيأ له نائب الشام بدمشق ونادى في الجيش لملتقاه ومدافعته عما يريد من إقامة الفتنة وشق العصا واهتم الجند لذلك وتأهبوا واستعدوا ولحقهم في ذلك كلفة كثيرة وانزعج الناس بسبب ذلك وتخوفوا ان تكون فتنة وحسبوا إن وقع قتال بينهم أن تقوم العشيرات في الجبال وحوران وتتعطل مصالح الزراعات وغير ذلك ثم قدم من حلب صاحب السلطان في الرسلية إلى نائب دمشق الامير علاء الدين الطنبغا ومع مشافهة فاستمع لها فبعث معه صاحب الميسرة أمان الساقي فذهبا إلى حلب ثم رجعا في أواخر جمادي الآخرة وتوجها إلى الديار المصرية واشتهر أن الأمر على ما هو عليه حتى توافق على ما ذكر من رجوع أولاد الملك الناصر إلى مصر ما عدا المنصور وأن يخلى عن محاصرة الكرك
وفي العشر الأخير من جمادي الاولى توفي مظفر الدين موسى بن مهنا ملك العرب ودف بتدمر وفي صبيحة يوم الثلاثاء ثاني جمادي الاخرة عند طلوع الشمس توفي الخطيب بدر الدين محمد بن القاضي جلال الدين القزويني بدار الخطابة بعد رجوعه من الديار المصرية كما قدمنا فخطب جمعة واحدة وصلى بالناس إلى ليلة الجمعة الأخرى ثم مرض فخطب عنه أخوه تاج الدين عبدالرحيم على العادة ثلاثة جمع وهو مريض إلى أن توفي يومئذ وتأسف الناس عليه لحسن شكله وصباحة وجهه وحسن ملتقاه وتواضعه واجتمع الناس للصلاة عليه للظهر فتأخر تجهيزه إلى العصر فصلى عليه بالجامع قاضي القضاة تقي الدين السبكي وخرج به الناس إلى الصوفية وكانت جنازته حافلة جدا فدفن عند أبيه بالتربة التي أنشأها الخطيب بدر الدين هناك رحمه الله
وفي يوم الجمعة خامس الشهر بعد الصلاة خرج نائب السلطنة الأمير علاء الدين الطنبغا وجميع الجيش قاصدين للبلاد الحلبية للقبض على نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر لأجل ما أظهر من القيام مع ابن السلطان الأمير أحمد الذي في الكرك وخرج الناس في يوم شديد المطر كثير الوحل وكان يوما مشهدا عصيبا أحسن الله العقابة وأمر القاضي تقي الدين السبكي الخطيب المؤذنين بزيادة أذكار على الذي كان سنه فيهم الخطيب بدر الدين من التسبيح والتحميد والتهليل الكثير ثلاثا وثلاثين فزادهم السبكي قبل ذلك استغفر الله العظيم ثلاثا اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والاكرام ثم أثبت ما في صحيح مسلم بعد صلاتي الصبح والمغرب اللهم اجرنا من النار سبعا اعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثا وكانوا قبل تلك السنوات قد زادوا بعد التأذين الآية ليلة الجمعة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدئ الرئيس منفردا ثم يعيد عليه الجماعة بطريقة حسنة وصار ذلك سببا لاجتماع الناس في صحن الجامع لاستماع ذلك وكلما كان المتبدىء حسن الصوت كانت الجماعة أكثر اجتماعا ولكن طال بسبب ذلك الفصل وتأخرت الصلاة عن أول وقتها انتهى
*3* كائنة غريبة جدا
@ وفي ليلة الاحد عشية السبت نزل الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري بظاهر دمشق بين الجسورة وميدان الحصى بالاطلاب الذين جاءوا معه من البلاد المصرية لمحاصرة الكرك للقبض على ابن السلطان الأمير احمد بن الناصر فمكثوا على الثنية محاصرين مضيقين عليه إلى ان توجه نائب الشام إلى حلب ومضت هذه الأيام المذكورة فما درى الناس إلا وقد جاء الفخري وجموعه وقد بايعوا الأمير أحمد وسموه الناصر بن النصار وخلعوا بيعة أخيه الملك الأشرف علاء الدين كجك واعتلوا بصغره وذكروا إن أتابكة الامير سيف الدين قوصون الناصري قد عدى على ابني السلطان فقتلهما خنقا ببلاد الصعيد جهز اليهما من تولى ذلك وهما الملك المنصور أبو بكر ورمضان فتنكر الامير بسبب ذلك قالوا هذا يريد ان يجتاح هذا البيت ليتمكن هو من أخذ المملكة فحموا لذلك وبايعوا ابن استاذهم وجاءوا في الذهاب خلف الجيش ليكونوا عونا للأمير سيف الدين طشتمر نائب حلب ومن معه وقد كتبوا إلى الامراء يستميلونهم إلى هذا ولما نزلوا بظاهر دمشق خرج إليهم من بدمشق من الاكابر والقضاة والمباشرين مثل والي البر ووالي المدينة وابن سمندار وغيرهم فلما كان الصباح خرج أهالي دمشق عن بكرة ابيهم على عادتهم في قدوم السلاطين ودخلو الحجاج بل أكثر من ذلك من بعض الوجوه وخرج القضاة والصاحب والاعيان والولاة وغيرهم ودخل الامير سيف الدين قطلوبغا في دست نيابة السلطنة التي فوضها إليه الملك الناصر الجديد وعن يمينه الشافعي وعن شماله الحنفي على العادة والجيش كله محدق به في الحديد والعقارات والبوقات والنشابة السلطانية والسناجق الخليفية والسلطانية تخفق والناس في الدعاء والثناء للفخري وهم في غاية الاستبشار والفرح وربما نال بعض جهلة الناس من النائب الآخر الذي ذهب إلى حلب ودخلت الأطلاب بعده على ترتيبهم وكان يوما مشهودا فنزل شرقي دمشق قريبا من خان لاجين وبعث في هذا اليوم فرسم على القضاة والصاحب وأخذ من أموال الايتام وغيرها خمسمائة ألف وعوضهم عن ذلك بقرية من بيت المال وكتب بذلك سجلات واستخدم جيدا وانضاف إليه من الأمراء الذين كانوا قد تخلفوا بدمشق جماعة منهم تمر الساقي مقدم وابن قراسنقر وابن الكامل وابن المعظم وابن البلدي وغيرهم وبايع هؤلاء كلهم مع مباشري دمشق للملك الناصر بن الناصر وأقام الفخري على خان لاجين وخرج المتعيشون بالصنائع إلى عندهم وضربت البشائر بالقلعة صبيحة يوم الثلاثاء سادس عشر الشهر ونودي بالبلد إن سلطانكم الملك الناصر احمد بن الناصر محمد بن قلاوون ونائبكم سيف الدين قطلوبغا الفخري وفرح كثير من الناس بذلك وانضاف اليه نائب صغد وبايعه نائب بعلبك واستخدموا له رجالا وجندا ورجع إليه الأمير سيف الدين سنجر الجمقدار رأس الميمنة بدمشق وكان قد تأخر في السفر عن تائب دمشق علاء الدين الطنبغا بسبب مرض عرض له فلما قدم الفخري رجع اليه وبايع الناصر ابن الناصر ثم كاتب نائب حماة تغردمر الذي ناب بمصر للملك المنصور فأجابه إلى ذلك وقدم على العسكر يوم السبت السابع والعشرين من الشهر المذكور في تجمل عظيم وخزائن كثيرة وثقل هائل
وفي صبحية يوم الاحد الثامن والعشرين من الشهر المذكور كسفت الشمس قبل الظهر وفي صبيحة يوم الاثنين التاسع والعشرين من جمادي الآخرة قدم نائب غزة الأمير آق سنقر في جيش غزة وهو قريب من ألفين فدخلوا دمشق وقت الفجر وغدوا إلى معسكر الفخري فانضافوا إليهم ففرحوا بهم كثيرا وصار في قريب من خمسة آلاف مقاتل أو يزيدون
استهل شهر رجب الفرد والجماعة من أكابر التجار مطلوبون بسبب أموال طلبها منهم الفخري يقوى بها جيشه الذي معه ومبلغ ذلك الذي أراده منهم ألف ألف درهم ومعه مرسوم الناصر بن الناصر ببيع املاك الامير سيف الدين قوصون إتابك الملك الاشرف علاء الدين كجك ابن الناصر التي بالشام بسبب إبائه عن مبايعة أحمد بن الناصر فأشار على الفخري من أشار بأن يباع للتجار من أملاك الخاص ويجعل مال قوصون من الخاص فرسم بذلك وأن يباع للتجار قرية دوية قومت بألف ألف وخمسمائة ألف ثم لطف الله وأفرج عنهم بعد ليلتين او ثلاث وتعوضوا عن ذلك بحواصل قوصون واستمر الفخري بمن معه ومن اضيف إليه من الأمراء والاجناد مقيمين بثنية العقاب واستخدم من رجال البقاع جماعة كثيرة أكثر من ألف رام واميرهم يحفظ افواه الطرق وأزف قدوم الامير علاء الدين طنبغا بمن معه من عساكر دمشق وجمهور الحلبيين وطائفة الطرابلسيين وتأهب هؤلاء لهم فلما كان الحادي من الشهر اشتهر ان الطتبغا وصل إلى القسطل وبعث طلائعه فالتقت بطلائع الفخري ولم يكن بينهم قتال ولله الحمد والمنة وأرسل الفخري إلى
القضاة ونوابهم وجماعة من الفقهاء فخرجوا ورجع الشافعي من اثناء الطريق فلما وصلوا أمرهم بالسعي بينه وبين الطنبغا في الصلح وأن يوافق الفخري في أمره وأن يبايع الناصر بن الناصر فأبى فردهم إليه غير مرة وكل ذلك يمتنع عليهم فلما كان يوم الاثنين رابع عشرة عند العصر جاء يريد إلى متولي البلد عند العصر من جهة الفخري يأمره بغلق أبواب البلد فغلقت الأبواب وذلك لان العساكر توجهوا وتواقفوا للقتال فإنا لله وإنا أليه راجعون
وذلك أن الطنبغا لما علم أن جماعة قطلوبغا على ثنية العقاب دار الذروة من ناحية المعيصرة وجاء بالجيوش من هناك فاستدار له الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري بجماعته إلى ناحيته ووقف له في طريقه وحال بينه وبين الوصول إلى البلد وانزعج الناس انزعاجا عظيما وغلقت القياسر والاسواق وخاف الناس بعضهم من بعض أن يكون نهب فركب متوولي البلد الامير ناصر الدين بن بكباشي ومعه أولاده ونوابه والرجالة فسار في البلد وسكن الناس ودعوا له فلما كان قريب المغرب فتح لهم باب الجابية ليدخل من هو من أهل البلد فجرت في الباب على ما قيل زحمة عظيمة وتسخط الجند على الناس في هذه الليلة واتفق انها ليلة الميلاد وبات المسلمون مهمومون بسبب العسكر واختلافهم فأصبحت أبواب البلد مغلقة في يوم الثلاثاء سوى باب الجابية والأمر على ما هو عليه فلما كان عشية هذا اليوم تقارب الجيشان واجتمع الطنبغا وأمراؤه واتفق أمراء دمشق وجمهورهم الذين هم معه على أن لا يقاتلو مسلما ولا يسلوا في وجه الفخري وأصحابه سيفا وكان قضاة الشام قد ذهبوا اليه مرارا للصلح فيأبي عليهم إلا الاستمرار على ما هو عليه وقويت نفسه عليه انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
*3* عجيبة من عجائب الدهر
@ فبات الناس متقابلين في هذه الليلة وليس بين الجيشين إلا مقدار ميلين او ثلاثة وكانت ليلة مطيرة فما أصبح الصبح إلا وقد ذهب من جماعة الطنبغا إلى الفخري خلق كثير من أجناد الحلفاء ومن الأمراء والاعيان وطلعت الشمس وارتفعت قليلا فنفذ الطنبغا القضاة وبعض الأمراء إلى الفخري يتهدده ويتوعده ويقوى نفسه عليه فما ساروا عنه قليلا إلا ساقت العساكر من الميمنة والميسرة ومن القلب ومن كل جانب مقفرين إلى الفخري وذلك لما هم فيه من ضيق العيش وقلة ما بأيديهم من الاطعمة وعلف الدواب وكثرة ما معهم من الكلف فرأوا أن هذا حال يطول عليهم ومقتوا أمرهم غاية المقت وتطايبت قلوبهم وقلوب اولئك مع أهل البلد على كراهته لقوة نفسه فيما لا يجدي عليه ولا عليهم شيئا فبايعوا على المخامرة عليه فلم يبق معه سوى حاشيته في أقل من ساعة واحدة فلما رأى الحال على هذه الصفة كر راجعا هاربا من حيث جاء وصحبته الأمير سيف الدين رقطبة نائب طرابلس وأميران آخران والتقت العساكر والأمراء وجاءت البشارة إلى دمشق قبل الظهر ففرح الناس فرحا شديدا جدا الرجال والنساء والولدان حتى من لا نوبة له ودقت البشائر بالقلعة المنصورة فأرسلوا في طلب من هرب وجلس الفخري هنالك بقية اليوم يحلف الأمراء على أمره الذي جاء له فحلفوا له ودخل دمشق عشية يوم الخميس في أبهة عظيمة وحرمة وافرة فنزل القصر الأبلق ونزل الامير تغردمر بالميدان الكبير ونزل عماري بدار السعادة وأخرجوا الموساوي الذي كان معتقلا بالقلعة وجعلوه مشدا على حوطات حواصل الطنبغا وكان قد تغضب الفخري على جماعةمن الامراء منهم الامير حسام الدين السمقدار أمير حاجب بسبب أنه صاحب لعلاء الدين الطنبغا فلما وقع ما وقع هرب فيمن هرب ولكن لم يأت الفخري بل دخل البلد فتوسط في الامر لم يذهب مع ذاك ولا جاء مع هذا ثم إنه استدرك ما فاته فرجع من البار إلى الفخري وقيل بل رسم عليه حين جاء وهو مهموم جدا ثم إنه اعطى منديل الامان وكان معهم كاتب السر القاضي شهاب الدين بن فضل الله ثم أفرج عنهم ومنهم الامير سيف الدين حفطية كان شديد الحنق عليه فأطلقه من يومه وأعاده إلى الحجوبية وأظهر مكارم أخلاق عظيمة ورياسة كبيرة وكان للقاضي علاء الدين بن المنجا قاضي قضاة الحنابلة في هذه الكائنة سعى مشكور ومراجعة كبيرة للأمير علاء الدين الطنبغا حتى خيف عليه منه وخاطر بنفسه معه فأنجح الله مقصده وسلمه منه وكبت عدوه ولله الحمد والمنة
وفي يوم السبت السادس والعشرين منه قلد قضاء العساكر المنصورة الشيخ فخر الدين بن الصائغ عوضا عن القاضي الحنفي الذي كان مع النائب المنفصل وذلك أنهم نقموا عليه إفتاءه الطنبغا بقتال الفخري وفرح بولايته أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وذلك لأنه من أخص من صحبه قديما وأخذ عنه فوائد كثيرة وعلوما
وفي يوم الأربعاء سلخ رجب آخر النهار قدم الامير قماري من عند الملك الناصر بن الناصر من الكرك وأخبره بما جرى من أمرهم وأمر الطنبغا ففرح بذلك واخبر قماري بقدوم السلطان ففرح الناس بذلك واستعدوا له بآلات المملكة وكثرت مطالبته أرباب الاموال والذمة بالجزية وفي مستهل رجب من هذه السنة ركب الفخري في دست النيابة بالموكب المنصور وهو أول ركوبه فيه وإلى جانبه قماري وعلى قماري خلعة هائلة وكثر دعاء الناس للفخري يومئذ وكان يوما مشهودا وفي هذا اليوم خرج جماعة من المقدمين الالوف إلى الكرك بأخبار ابن السلطان بما جرى منهم تغردمر وإقبغا عبدا لواحد وهو الساقي وميكلي بغا وغيرهم وفي يوم السبت ثالثة ستدعى الفخري القاضي الشافعي وألح عليه في أحضار الكتب في سلة الحكم التي كانت أخذت من عند الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله من القلعة المنصورة في أيام جلال الدين القزويني فأحضرها القاضي بعد جهد ومدافعة وخاف على نفسه منه فقبضها منه الفخري بالقصر وأذن له في الانصراف من عنده وهو متغضب عليه وربما هم بعزله لممانعته إياها وربما قال قائل هذه فيها كلام يتعلق بمسألة الزيارة فقال الفخري كان الشيخ أعلم بالله وبرسوله منكم واستبشر الفخري باحضارها إليه واستدعى بأخي الشيخ زين الدين عبد الرحمن وبالشيخ شمس الدين عبدالرحمن بن قيم الجوزية وكان له سعي مشكور فيها فهنأهما باحضاره الكتب وبيت الكتب تلك الليلة في خزانته للتبرك وصلى به الشيخ زين الدين اخو الشيخ صلاة المغرب بالقصر وأكرمه الفخري إكراما زائدا لمحبته الشيخ رحمه الله
وفي يوم الاحد رابعة دقت البشائر بالقلعة وفي باب الميدان لقدوم بشير بالقبض على قوصون بالديار المصرية واجتمع الناس لذلك واستبشر كثير منهم بذلك وأقبل جماعة من الامراء إلى الكرك لطاعة الناصر بن الناصر واجتمعوا مع الامراء الشاميين عند الكرك وطلبوا منه أن ينزل إليهم فابى وتوهم أن هذه الامور كلها مكيدة ليقبضوه ويسلموه إلى قوصون وطلب منهم أن ينظر في أمره وردهم إلى دمشق وفي هذه الايام وما قبلها وما بعدها أخذ الفخري من جماعة التجار بالاسواق وغيرها زكاة أموالهم سنة فتحصل من ذلك زيادة على مائة ألف وسبعة آلاف وصودر أهل الذمة بقريب من ذلك زيادة على الجزية التي اخذت منهم عن ثلاث سنين سلفا وتعجيلا ثم نودي في البلد يوم الاثنين الحادي والعشرين من الشهر مناداة صادرة من الفخري برفع الظلامات والطلبات واسقاط ما تبقى من الزكاة والمصادرة غير انهم احتاطوا على جماعة من المشاة المكثرين ليشتروا منهم بعض أملاك الخاص والبرهان بن بشارة الحنفي تحت المصادرة والعقوبة على طلب المال الذي وجده في طميرة وجدها فيما ذكر عنه والله أعلم
وفي يوم الجمعة الرابع والعشرين منه بعد الصلاة دخل الامراء الستة الذين توجهوا نحو الكرك لطلب السلطان أن يقدم إلى دمشق فأبى عليهم في هذا الشهر ووعدهم وقتا آخر فرجعوا وخرج الفخري لتلقيهم فاجتمعوا قبلي جامع القبيبات الكريمي ودخلوا كلهم إلى دمشق في جمع كثير من الاتراك الامراء والجند وعليهم خمدة لعدم قدوم السلطان أيده الله وفي يوم الاحد قدم البريد خلف قماري وغيره من الامراء يطلبهم إلى الكرك واشتهر أن السلطان رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يأمره بالنزول من الكرك وقبول المملكة فانشرح الناس لذلك
وتوفي الشيخ عمر بن أبي بكر بن اليثمي البسطي يوم الاربعاء التاسع والعشرين كان رجلا صالحا كثير التلاوة والصلاة والصدقة وحضور مجالس الذكر والحديث له همة وصولة على الفقراء المتشبهين بالصالحين وليسوا منهم سمع الحديث من الشيخ فخر الدين بن البخاري وغيره وقرأت عليه عن ابن البخاري مختصر المشيخة ولازم مجالس الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وانتفع به ودفن بمقابر باب الصغير
وفي شهر رمضان المعظم أوله يوم الجمعة كان قد نودي في الجيش آن الرحيل لملتقى السلطان في سابع الشهر ثم تأخر ذلك إلى بعد العشر ثم جاء كتاب من السلطان بتأخر ذلك إلى بعد العيد وقدم في عاشر الشهر علاء الدين بن تقي الدين الحنفي ومع ولاية من السلطان الناصر بنظر البيمارستان النوري ومشيخة الربوة ومرتب على الجهات السلطانية وكان قد قدم قبله القاضي شهاب الدين بن البارزي بقضاء حمص من السلطان أيده الله تعالى ففرح الناس بذلك حيث تكلم السلطان في المملكة وباشر وأمر وولي ووقع ولله الحمد وفي يوم الاربعاء ثالث عشره دخل الامير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الاخضر من البلاد الحلبية إلى دمشق المحروسة وتلقاه الفخري والأمراء والجيش بكماله ودخل في أبهة حسنة ودعا له الناس وفرحوا بقدومه بعد شتاته في البلاد وهربه من بين يدي الطنبغا حين قصده إلى حلب كما تقدم ذكره
وفي يوم الخميس رابع عشرة خرجت الجيوش من دمشق قاصدين إلى غزة لنظرة السلطان حين يخرج من الكرك السعيد فخرج يومئذ مقدمان تغردمر واقبغا عبد الواحد فبرزا إلى الكسوة فلما كان يوم السبت خرج الفخري ومعه طشتمر وجمهور الامراء ولم يقم بعده بدمشق إلا من احتيج لمقامهم لمهمات المملكة وخرج مع القضاة الاربعة وقاضي العساكر والموقعين والمصاحب وكاتب الجيش وخلق كثير
وتوفي الشيخ الصالح العابد الناسك احمد بن الملقب بالقصيدة ليلة الاحد الرابع والعشرين من رمضان وصلى عليه بجامع شكر ودفن بالصوفية قريبا من قبر الشيخ جمال الدين المزي تغمدهما الله برحمته وكان فيه صلاح كثير ومواظبة على الصلاة في جماعة وأمر بمعروف ونهى عن منكر مشكورا عند الناس بالخير وكان يكثر من خدمة المرضى بالمارستان وغيره وفيه إيثار وقناعة وتزهد كثير وله أحوال مشهورة رحمه الله وإيانا
واشتهر في أواخر الشهر المذكور أن السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد خرج من الكرك المحروس صحبة جماعة من العرب والاتراك قاصدا إلى الديار المصرية ثم تحرر خروجه منها في يوم الاثنين ثامن عشر الشهر المذكور فدخل الديار المصرية بعد ايام هذا والجيش صامدون اليه فلما تحقق دخوله مصر حثوا في السير إلى الديار المصرية وبعث يستحثهم أيضا واشتهر أنه لم يجلس على سرير الملك حتى يقدم الامراء الشاميون صحبة نائبه الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري ولهذا لم تدق البشائر بالقلاع الشامية ولا غيرها فيما بلغنا وجاءت الكتب والاخبار من الديار المصرية بان يوم الاثنين عاشر شوال كان إجلاس السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد على سرير المملكة صعد هو والخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن المستكفي فوق المنبر وهما لابسان السواد والقضاة تحتهما على درج المنبر بحسب منازلهم فخطب الخليفة وخلع الاشرف كجك وولى هذا الناصر وكان يوما مشهودا وأظهر ولايته لطشتمر نيابة مصر والفخري دمشق وأيد غمش حلب فالله أعلم ودقت البشائر بدمشق ليلة الجمعة الحادي والعشرين من الشهر المذكور واستمرت إلى يوم الاثنين مستهل ذي القعدة وزينت البلد يوم الاحد ثالث عشرين منه واحتفل الناس بالزينة
وفي يوم الخميس المذكور دخل الامير سيف الدين الملك أحد الرؤس المشهورة بمصر إلى دمشق في طلب نيابة حماة حرسها الله تعالى فلما كان يوم الجمعة بعد الصلاة ورد البريد من الديار المصرية فأخبر أن طشتمر الحمص الاخضر مسك فتعجب الناس من هذه الكائنة كثيرا فخرج من بدمشق من أعيان الامراء أمير الحج وغيره وخيم بوطأة برزة وخرج إلى الحج امير فأخبره بذلك وامروه عن مرسوم السلطان أن ينوب بدمشق حتى يأتي المرسوم بما يعتمد أمير الحج فأجاب إلى ذلك وركب في الموكب يوم السبت السادس منه وأما الفخري فإنه لما تنسم هذا الخبر وتحققه وهو بالزعقة فرفى طائفة من مماليكه قريب من ستين أو أكثر فاحترق وساق سوقا حثيثا وجاءه الطلب من روائه من الديار المصرية في نحو من ألف فارس صحبة الاميرين الطنبغا المارداني ويبلغا التحتاوي ! ففاتهما وسبق واعترض له نائب غزة في جنده فلم يقدر عليه فسلطوا عليه العشيرات ينهبوه فلم يقدروا عليه إلا في شيء يسير وقتل منهم خلقا وقصد نحو صاحبه فيما يزعم الامير سيف الدين ايدغمش نائب حلب راجيا منه أن ينصره وأن يوافقه على ما قام بنفسه فلما وصل أكرمه وانزله وبات عنده فلما أصبح قبض عليه وقيده ورده على البريد إلى الديار المصرية ومعه التراسيم من الأمراء وغيرهم
ولما كان يوم الاثنين سلخ ذي القعدة خرج السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد بن الناصر محمد بن المنصور من الديار المصرية في طائفة من الجيش قاصدا إلى الكرك المحروس ومعه أموال جزيلة وحواصل واشياء كثيرة فدخلها يوم الثلاثاء من ذي الحجة وصحبته طشتمر في محفة ممرضا والفخري مقيدا فاعتقلا بالكرك المحروس وطلب السلطان آلات من أخشاب ونحوها وحدادين وصناع ونحوها لاصلاح مهمات بالكرك وطلب أشياء كثيرة من دمشق فحملت اليه ولما كان يوم الاحد السابع والعشرين من ذي الحجة ورد الخبر بأن الامير ركن الدين بيبرس الاحمدي النائب بصغد ركب في مماليكه وخدمه ومن أطاعه وخرج منها فارا بنفسه من القبض عليه وذكر ان نائب غزة قصده ليقبض عليه بمرسوم السلطان ورد عليه من الكرك فهرب الاحمدي بسبب ذلك ولما وصل الخبر الى دمشق وليس بها نائب انزعج الامراء لذلك واجمتعوا بدار السعادة وضربوا في ذلك مشورة ثم جردوا إلى ناحية بعلبك اميرا ليصدوه عن الذهاب إلى البرية فلما أصبح الصباح من يوم الاثنين جاء الخبر بأنه في نواحي الكسوة ولامانع من خلاصة فركبوا كلهم ونادى المنادي من تأخر من الجند عن هذا النفير ! شنق واستوثقوا في الخروج وقصدوا ناحية الكسوة وبعثوا الرسل اليه فذكر اعتذارا في خروجه وتخلص منهم وذهب يوم ذلك ورجعوا وقد كانوا ملبسين في يم حار وليس معهم من الازواد مايكفيهم سوى يومهم ذلك فلما كانت ليلة الثلاثاء ركب الامراء في طلبه من ناحية ثنية العقاب فرجعوا في اليوم الثاني وهو في صحبتهم ونزل في القصور التي بناها تنكز رحمه الله في طريق داريا فأقام بها واجروا عليه مرتبا كاملا من الشعير والغنم وما يحتاج إليه مثله ومعه مماليكه وخدمه فلما كان يوم الثلاثاء سادس المحرم ورد كتاب من جهة السلطان فقرئ على الأمراء بدار السعادة يتضمن إكرامه واحترامه والصفح عنه لتقدم خدمة على السلطان الملك الناصر وابنه الملك المنصور ولما كان يوم الأربعاء سابع المحرم جاء كتاب إلى الأمير ركن الدين بيبرس نائب الغيبة ابن الحاجب المش بالقبض على الاحمدي فركب الجيش ملبسين يوم الخميس وأوكبوا بسوق الخيل وراسلوه وقد ركب في مماليكه بالعدد وأظهر الامتناع فكان جوابه أن لا أسمع ولا أطيع إلا لمن هو ملك الديار المصرية فاما من هو مقيم بالكرك ويصدر عنه ما يقال عنه من الافاعيل التي قد سارت بها الركبان فلا فلما بلغ الامراء هذا توقفوا في أمره وسكنوا ورجعوا إلى منازلهم ورجع هو إلى قصره
*2* ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة المباركة وسلطان المسلمين الملك الناصر ناصر الدين محمد بن الملك المنصور قلاوون وهو مقيم بالكرك قد حاز الحوصال السلطانية من قلعة الجبل إلى قلعة الكرك ونائبه الديار المصرية الامير سيف الدين آقسنقر السلارى الذي كان نائبا بغزة وقضاة الديار المصرية هم المذكورون في السنة الماضية سوى القاضي الحنفي وأما دمشق فليس لها نائب إلى حنيئذ غير ان الامير ركن الدين بيبرس الحاجب كان استنابه الفخري بدمشق نائب غيبته فهو الذي يسد الامور مع الحاجب ألمش وتمر المهمندار والامير سيف الدين الملقب بحلاوة والي البر والامير ناصر الدين ابن ركباس متولي البلد هؤلاء الذين يسدون الأشغال والامور السلطانية والقضاة هم الذين ذكرناها في السنة الخالية وخطيب البلد تاج الدين عبدالرحيم بن القاضي جلال الدين القزويني وكاتب السر القاضي شهاب الدين بن فضل الله واستهلت هذه السنة والأمير ركن الدين بيبرس الاحمدي نازل بقصر تنكز بطريق داريا وكتب السلطان واردة في كل وقت بالاحتياط عليه والقبض وأن يمسك ويرسل إلى الكرك هذا والأمراء يتوانون في أمره ويسوفون المراسيم وقتا بعد وقت وحينا بعد حين ويحملهم على ذلك أن الاحمدي لا ذنب له ومتى مسكه تطرف إلى غيره مع أن السلطان يبلغهم عنه احوال لا ترضيهم من اللعب والاجتماع مع الاراذل والاطراف ببلد الكرك مع قتله الفخري وطشتمر قتلا فظيعا وسلبه أهلهما وسلبه لما على الحريم من الثياب والحلى وإخراجهم في أسوإ حال من الكرك وتقريبه النصارى وحضورهم عنده فحمل الامراء هذه الصفات على أن بعثوا احدهم يكشف أمره فلم يصل اليه ورجع هاربا خائفا فلما رجع وأخبر الأمراء انزعجوا وتشوشوا كثيرا واجتمعوا بسوق الخيل مرارا وضربوا مشورة بينهم فاتفقوا على أن يخلعوه فكتبوا إلى المصريين بذلك واعلموا نائب حلب ايدغمش ونواب البلاد وبقوا متوهمين من هذا الحال كثيرا ومترددين ومنهم من يصانع في الظاهر وليس معهم في الباطن وقالوا لا سمع له ولا طاعة حتى يرجع إلى الديار المصرية ويجلس على سرير المملكة وجاء كتابه اليهم يعيبهم ويعنقهم في ذلك فلم يفد وركب الاحمدي في الموكب وركبوا عن يمينه وشماله وراحوا اليه إلى القصر فسلموا عليه وخدموه وتفاقم الامر وعظم الخطب وحملوا هموما عظيمة خوفا من أن يذهب الى الديار المصرية فيلف عليه المصريون فيتلف الشاميين فحمل الناس همهم فالله هو المسئول أن يحسن العاقبة فلما كان يوم الاحد السادس والعشرين من المحرم ورد مقدم البريدية ومعه كتب المصريين بأنه لم بلغهم خبر الشاميين كان عندهم من أمر السلطان اضعاف ما حصل عند الشاميين فبادروا إلى ما كانوا عزموا عليه ولكن ترددوا خوفا من الشاميين أن يخالفوهم فيه ويتقدموا في صحبة السلطان لقتالهم فلما أطمأنوا من جهة الشاميين صمموا على عزمهم فخلعوا الناصر أحمد وملكوا عليهم أخاه الملك الصالح إسماعيل ابن الناصر محمد بن المنصور جعله الله مباركا على المسلمين وأجلسوه على السرير يوم الثلاثاء العشرين من المحرم المذكور وجاء كتابه مسلما على أمراء الشام ومقدميه وجاءت كتب الامراء على الامراء بالسلام والاخبار بذلك ففرح المسلمون وأمراء الشام والخاصة والعامة بذلك فرحا شديدا ودقت البشائر بالقلعة المنصورة يومئذ ورسم بتزيين البلد فزين الناس صبيحة الثلاثاء السابع والعشرين منه ولما كان يوم الجمعة سلخ المحرم خطب بدمشق للملك الصالح عماد الدنيا والدين إسماعيل بن الناصر بن المنصور
وفي يوم الخميس سادس صفر درس بالصدرية صاحبنا الامام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الذرعي إمام الجوزية وحضر عنده الشيخ عز الدين بن المنجا الذي نزل له عنها وجماعة من الفضلاء وفي يوم الاثنين سادس عشر صفر دخل الامير سيف الدين تغردمر من الديار المصرية إلى دمشق ذاهبا إلى نيابة حلب المحروسة فنزل بالقابون
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشر صفر توفي الشيخ الامام العالم العامل الزاهد عبد الله بن أبي الوليد المقري المالكي إمام المالكية هو وأخوه أبو عمرو بالجامع الاموي بمحراب الصحابة توفي ببستان بقية السحف وصلى عليه بالمصلى ودفن عند ابيه رحمهما الله بمقابر باب الصغير وحضر جنازته الأعيان والفقهاء والقضاة وكان رجلا صالحا مجمعا على ديانته وجلالته رحمه الله
وفي يوم الخميس العشرين من صفر دخل الامير ايدغمش نائب السلطنة بدمشق ودخل اليها من ناحية القابون قادما من حلب وتلقاه الجيش بكماله وعليه خلعة النيابة واحتفل الناس له وأشعلوا الشموع وخرج أهل الذمة من اليهود والنصارى يدعون له ومعهم الشموع وكان يوما مشهودا وصلى يوم الجمعة بالمقصورة من الجامع الأموي ومعه الأمراء والقضاة وقرئ تقليده هناك على السدة وعليه خلعته ومعه الأمير سيف الدين ملكتم الرحولي وعليه خلعة ايضا
وفي يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من صفر دخل الامير علم الدين الجاولي دمشق المحروسة ذاهبا الى نيابة حماة المحروسة وتلقاه نائب السلطنة والأمراء إلى مسجد القدم وراح فنزل بالقابون وخرج القضاة والأعيان إليه وسمع عليه من مسند الشافعي فإنه يرويه وله فيه عمل ورتبه ترتيبا حسنا ورأيته وشرحه أيضا وله أوقاف عل الشافعية وغيرهم
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين منه عقد مجلس بعد الصلاة بالشباك الكمالي من مشهد عثمان بسبب القاضي فخر الدين المصري وصدر الدين عبدالكريم ابن القاضي جلال الدين القزويني بسبب العادلية الصغيرة فاتفق الحال على أن نزل صدر الدين عن تدريسها ونزل فخر الدين عن مائة وخمسين على الجامع وفي يوم الاحد سلخ الشهر المذكور حضر القاضي فخر الدين المصري ودرس بالعادلية الصغيرة وحضر الناس عنده على العادة وأخذ في قوله تعالى هذه بضاعتنا ردت الينا وفي آخر شهر ربيع الاول جاء المرسوم من الديار المصرية بأن يخرج تجريدة من دمشق بصحبة الامير حسام الدين السمقدار لحصار الكرك الذي تحصن فيه ابن السلطان احمد واستحوذ على ما عنده من الاموال التي أخذها من الخزائن من ديار مصر وبرز المنجنيق من القلعة إلى قبل جامع القبيبات فنصب هناك وخرج الناس للتفرج عليه ورمى به ومن نيتهم أن يستصحبوه معهم للحصار
وفي يوم الاربعاء ثاني ربيع الآخر قدم الامير علاء الدين الطنبغا المارداني من الديار المصرية على قاعدته وعادته وفي يوم االخميس عاشره دخل إلى دمشق الاميران الكبيران ركن الدين بيبرس الاحمدي من طرابلس وعلم الدين الجاولي من حماة سحرا وحضرا الموكب ووقفا مكتفين لنائب السلطنة الاحمدي عن يمينه والجاولي عن يساره ونزلا ظاهر البلد ثم بعد ايام يسيرة توجه
الاحمدي إلى الديار المصرية على عادته وقاعدته رأس مشورة وتوجه الجاولي إلى غزة المحروسة نائبا عليها وكان الامير بدر الدين مسعود بن الخطير على إمرة الطبلخانات بدمشق وفي يوم الخميس رابع عشرة خرجت التجريدة من دمشق سحرا إلى مدينة الكرك والامير شهاب الدين بن صبح والي الولاة بحوران مشد المجانيق وخرج الامير سيف الدين بهادر الشمس الملقب بحلاوة والي البر بدمشق الى ولاية الولاة بحوران وفي يوم الجمعة ثامن عشرة وقع بين النائب والقاضي الشافعي بسبب كتاب ورد من الديار المصرية فيه الوصاة بالقاضي السبكي المذكور ومعه التوقيع بالخطابة له مضافا إلى القضاء وخلعة من الديار المصرية فتغيظ عليه النائب لأجل اولاد الجلال لأنهم عندهم عائلة كثيرة وهم فقراء وقد نهاه عن السعي في ذلك فتقدم إليه يومئذ أن لا يصلي عنده في الشباك الكمالي فنهض من هناك وصلى في الغزالية وفي يوم الاحد العشرين منه دخل دمشق الامير سيف الدين اريغا زوج ابنة السلطان الملك الناصر مجتازا ذاهبا إلى طرابلس نائبا بها في تجمل وأبهة ونجائب وجنائب وعدة وسرك كامل وفي يوم الخميس الرابع والعشرين منه دخل الامير بدر الدين ابن الخطيري معزولا عن نيابة غزة المحروسة فأصبح يوم الخيمس فركب في الموكب وسير مع نائب السلطنة ونزل في داره وراح الناس للسلام عليه وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر صفر زينت البلد لعافية السلطان الملك الصالح لمرض أصابه ثم شفى منه وفي يوم الجمعة السادس عشرينه قبل العصر ورد البريد من الديار المصرية بطلب قاضي القضاة تقي الدين السبكي اليها حاكمها بها فذهب الناس للسلام عليه ولتوديعه وذلك بعد ما أرجف الناس به كثيرا واشتهر انه سينعقد له مجلس للدعوى عليه بما دفعه من مال الايتام إلى الطنبغا وإلي الفخري وكتبت فتوى عليه بذلك في تغريمه وداروا بها على المفتيين فلم يكتب لهم احد فيها غير القاضي جلال الدين بن حسام الدين الحنفي رأيت خطه عليها وحده بعدالصلاة وسئلت في الافتاء عليها فامتنعت لما فيها من التشويش على الحاكم وفي أول مرسوم نائب السلطان أن يتأمل المفتون هذا السؤال ويفتوا بما يقتضيه حكم الشرع الشريف وكانوا له في نية عجيبة ففرج الله عنه بطلبه إلى الديار المصرية فسار إليها صحبة البريد ليلة الأحد وخرج الكبراء والاعيان لتوديعه وفي خدمته استهل جمادي الاخرة والتجريدة عمالة الى الكرك والجيش المجردون من الحلقة قريب من ألف ويزيدون ولما كان يوم الثلاثاء رابعه بعد الظهر مات الأمير علاء الدين ايدغمش نائب السلطنة بالشام المحروس في دار وحده في دار السعادة فدخلوا عليه وكشفوا أمره وأحصروا وخشوا أن يكون اعتراه سكتة ويقال إنه شفى فالله أعلم فانتظروا به إلى الغد احتياطا فلما أصبح الناس اجتمعوا للصلاة عليه فصلى عليه خارج باب النصر حيث يصلى على الجنائر وذهبوا به إلى نحو القبلة ورام بعض اهله أن يدفن في تربة غبريال إلى جانب جامع القبيبات فلم يمكن ذلك فدفن قبلي الجامع على حافة الطريق ولم يتهيأ دفنه إلا إلى بعدالظهر من يومئذ وعملوا عنده ختمة ليلة الجمعة رحمه الله وسامحه
واشتهر في اوائل هذا الشهر أن الحصار عمال على الكرك وأن أهل الكرك خرجت طائفة منهم فقتل منهم خلق كثير وقتل من الجيش واحد في ! الصار فنزل القاضي وجماعة ومعهم شيء من الجوهر وتراضوا على أن يسلموا البلد فلما أصبح أهل الحصن تحصنوا ونصبوا المجانيق واستعدوا فلما كان بعد أيام رموا منجنيق الجيش فكسروا السهم الذي له وعجزوا عن نقله فحرقوه برأي أمراء المقدمين وجرت امور فظيعة فالله يحسن العاقبة
ثم وقعت في أواخر هذا الشهر بين الجيش وأهل الكرك وقعة أخرى وذلك أن جماعة من رجال الكرك خرجوا إلى الجيش ورموهم بالنشاب فخرج الجيش لهم من الخيام ورجعوا مشاة ملبسين بالسلاح فقتلوا من أهل الكرك جماعة من النصارى وغيرهم وجرح من العسكر خلق وقتل واحد أو اثنان وأسر الأمير سيف الدين أبو بكر بن بهادر آص وقتل امير العرب وأسر آخرون فاعتقلوا بالكرك وجرت أمور منكرة ثم بعدها تعرض العسكر راجعين إلى بلادهم لم ينالوا مرادهم منها وذلك انهم رقهم البرد الشديد وقلة الزاد وحاصروا أولئك شديدا بلا فائدة فإن البلد بريد متطاولة ومجانيق ويشق على الجيش الاقامة هناك في كوانين والمنجنيق الذي حملوه معهم كسر فرجعوا ليتأهبوا لذلك
ولما كان في يوم الأربعاء الخامس والعشرين منه قدم من الديار المصرية على البريد القاضي بدر الدين بن فضل الله كاتبا على السر عوضا عن أخيه القاضي شهاب الدين ومعه كتب بالاحتياط على حواصل أخيه شهاب الدين وعلى حواصل القاضي عماد الدين ابن الشيرازي المحتسب فاحتيط على أموالهما وأخرج من في ديارهما من الحرم وضربت الأخشاب على الابواب ورسم على المحتسب بالعذراوية فسأل أن يحول إلى دار الحديث الاشرفية فحلو إليها وأما القاضي شهاب الدين فكان قد خرج ليلتقي الامير سيف الدين تغردمر الحموي الذي جاء تقليده بنيابة الشام بدمشق وكان بحلب وجاء هذا الامر وهو في أثناء الطريق فرسم برجعته ليصادر هو والمحتسب ولم يدر الناس ما ذنبهما
وفي يوم الاحد ثامن شهر رجب آخر النهار رجع قاضي القضاء تقي الدين السبكي إلى دمشق على القضاء ومعه تقليد بالخطابة أيضا وذهب الناس اليه للسلام عليه ودخل نائب السلطنة الأمير سيف الدين تغردمر الحموي بعد العصر الخامس عشرينه من حلب فتلقاه الأمراء إلى طريق القابون ودعا له الناس دعاء كثيرا وأحبوه لبغضهم النائب الذي كان قبله وهو علاء الدين ايدغمش سامحه الله تعالى فنزل بدار السعادة وحضر الموكب صبيحة يوم الاثنين واجتمع طائفة من العامة وسألوه أن لا يغير عليهم خطيبهم تاج الدين عبد الرحيم ابن جلال الدين فلم يلتفت إليهم بل عمل على تقليد القاضي تقي الدين السبكي الخطابة لبس الخلعة واكثر العوام لما سمعوا بذلك الغوغاء وصاروا يجتمعون حلقا حلقا بعدالصلوات ويكثرون الفرحة في ذلك لما منع ابن الجلال ولكن بقي هذا لم يباشر السبكي في المحراب واشتهر عن العوام كلام كثير وتوعدوا السبكي بالسفاهة عليه إن خطب وضاق بذلك ذرعا ونهوا عن ذلك فلم ينتهوا وقيل لهم ولكثير منهم الواجب عليكم السمع والطاعة لأولي الامر ولو أمر عليكم عبد حبشي فلم يرعووا فلما كان يوم الجمعة العشرين منه اشتهر بين العامة بأن القاضي نزل عن الخطابة لابن الجلال ففرح العوام بذلك وحشدوا في الجامع وجاء نائب السلطنة إلى المقوصرة والأمراء معه وخطب ابن الجلال على العادة وفرح الناس بذلك وأكثروا من الكلام ووالهرج ولما سلم عليهم الخطيب حين صعد ردوا عليه ردا بليغا وتكلفوا في ذلك وأظهرا بغضة القاضي السبكي وتجاهروا بذلك وأسمعوه كلاما كثيرا ولما قضيت الصلاة قرئ تقليد النيابة على السدة وخرج الناس فرحى يخطيبهم لكونه استمر عليهم واجتمعوا عليه يسلمون ويدعون له
وفي يوم الاربعاء ثالث شعبان درس القاضي برهان الدين بن عبدالحق بالمدرسة العذراوية بمرسوم سلطاني بتوليته وعزل القفجاري وعقد لهما مجلس يوم الثلاثاء بدار العدل فرجح جانب القاضي برهان الدين لحاجته وكونه لا وظيفة له
وفي يوم الجمعة توفي الشيخ شهاب الدين احمد ابن الجزري احد المسندين المكثرين الصالحين مات عن خمس وتسعين سنة رحمه الله وصلى عليه يوم الجمعة بالجامع المظفري ودفن بالرواحية وفي يوم الاربعاء السابع عشر منه توفي الشيخ الامام العالم العابد الناسك الصالح الشيخ شمس الدين محمد بن الزرير خطيب الجامع الكريمي بالقبيبات وصلى عليه بعد الظهر يومئذ بالجامع المذكور ودفن قبلي الجامع المذكور إلى جانب الطريق من الشرق رحمه الله
واشتهر في أوائل رمضان ان مولودا ولد له رأسان وأربع أيد وأحضر إلى بين يدي نائب السلطنة وذهب الناس للنظر إليه في محلة ظاهر باب الفراديس يقال لها حكى الوزير وكنت فيمن ذهب إليه في جماعة من الفقهاء يوم الخميس ثالث الشهر المذكور بعد العصر فأحضره أبوه وأسم ابيه سعادة وهو رجل من أهل الجبل فنظرت إليه فإذا هما ولدان مستقلان فكل قد اشتبكت
افخاذهما بعضهما ببعض وركب كل واحد منهما ودخل في الآخر والتحمت فصارت جثة واحدة وهماميتان فقالوا احدهما ذكر الآخر أنثى وهما ميتان حال رؤيتي إليهما وقالوا إنه تأخر موت أحدهما عن الآخر بيومين او نحوهما وكتب بذلك محضر جماعة من الشهود
وفي هذا اليوم احتيط على اربعة من الامراء وهم ابناء الكامل صلاح الدين محمد امير طبلخانات وغياث الدين محمد امير عشرة وعلاء الدين علي وابن ايبك الطويل طبلخانات أيضا وصلاح الدين خليل بن بلبان طرنا طبلخانات أيضا وذلك بسبب أنهم اتهموا على ممالأة الملك احمد بن الناصر الذي في الكرك ومكاتبته والله أعلم بحالهم فقيدوا وحملوا إلى القلعة المنصورة من باب اليسر مقابل باب دار السعادة الثلاث الطبلخانات والغياث من بابها الكبير وفرق بينهم في الاماكن وخرج المحمل يوم الخميس خمس عشرة ولبس الخطيب ابن الجلال خلعة استقرار الخطابة في هذا اليوم وركب بها مع القضاة على عادة الخطباء
وفي هذا الشهر نصب المنجنيق الكبير على باب الميدان الاخضر وطول اكتافه ثمانية عشر ذراعا وطول سهمه سبعة وعشرون ذراعا وخرج الناس للفرجة عليه ورمى به في يوم السبت حجرا زنته ستين رطلا فبلغ إلى مقابلة القصر من الميدان الكبير وذكر معلم المجانيق أنه ليس في حصون الاسلام مثله وأنه عمله الحاج محمد الصالحي ليكون بالكرك فقدر الله انه خرج ليحاصر به الكرك فالله يحسن العاقبة وفي أواخره أيضا مسك أربعة أمراء وهم أقبغا عبد الواحد الذي كان مباشرا الاستدارية للملك الناصر الكبير فصودر في أيام ابنه المنصور وأخرج إلى الشام فناب بحمص فسار سيرة غير مرضية وذمه الناس وعزل عنها وأعطى تقدمة ألف بدمشق وجعل رأس الميمنة فلما كان في هذه الأيام اتهم بممالأة السلطان أحمد بن الناصر الذي بالكرك فمسك وحمل إلى القلعة ومعه الأمير سيف الدين بلو والأمير سيف الدين سلامش وكلهم بطبلخانات فرفعوا إلى القعلة المنصورة فالله يحسن العاقبة
وفي هذا الشهر خرج قضاء حمص عن نيابة دمشق بمرسوم سلطاني مجدد للقاضي شهاب الدين البارزي وذلك بعد مناقشة كثيرة وقعت بينه وبين قاضي القضاة تقي الدين السبكي وانتصر له بعض الدولة واستخرج له المرسوم المذكور وفيه أيضا افرد قضاء القدس الشريف أيضا باسم القاضي شمس الدين بن سالم الذي كان مباشرها مدة طويلة قبل ذلك نيابة ثم عزل عنها وبقي مقيما ببلده غزة ثم أعيد اليها مستقلا بها في هذا الوقت وفي هذا الشهر رجع القاضي شهاب الدين ابن فضل الله من الديار المصرية ومعه تقويع بالمرتب الذي كان له اولا كل شهر ألف درهم وأقام بعمارته التي أنشأها بسفح قاسيون شرقي الصالحية بقرب حمام النحاس
وفي صبيحة مستهل ذي القعدة خرج المنجنيق قاصدا إلى الكرك على الجمال والعجل وصحبته الامير صارم الدين إبراهيم المسبقي أمير حاجب كان في الدولة السكرية هو المقدم عليه يحوطه ويحفظه ويتولى تسييره بطلبه وأصحابه وتجهز الجيش للذهاب إلى الكرك وتأهبوا أتم الجهاز وبرزت أثقالهم إلى ظاهر البلد وضربت الخيام فالله يحسن العاقبة
وفي يوم الاثنين رابعه توفي الطوشي سبل الدولة كافور السكري ودفن صبيحة يوم الثلاثاء خامسة في تربته التي أنشاها قديما ظاهر باب الجابية تجاه تربة الطواشي ظهير الدين الخازن بالقلعة كان قبيل مسجد الدبان رحمه الله وكان قديما للصاحب تقي الدين توبة التكريتي ثم اشتراه تنكز بعد مدة طويلة من ابني أخيه صلاح الدين وشرف الدين بمبلغ جيد وعوضهما إقطاعا بزيادة على ما كان بأيديهما وذلك رغبة في أمواله التي حصلها من ابواب السلطنة وقد تعصب عليه استاذه تنكز رحمه الله في وقت وصودر وجرت عليه فصول ثم سلم بعد ذلك ولما مات ترك اموالا جزيلة وأوقافا رحمه الله وخرجت التجريدة يوم الاربعاء سادسة والمقدم عليها الامير بدر الدين بن الخطير ومعه مقدم آخر وهو الامير علاء الدين بن قراسنقر وفي يوم السبت سلخ هذا الشهر توفي الشاب الحسن شهاب الدين أحمد بن فرج المؤذن بمأذنة العروس وكان شهيرا بحسن الصوت ذا حظوة عظيمة عند اهل البلد وكان رحمه الله كما في النفس وزيادة في حسن الصوت الرخيم المطرب وليس في القراء ولا في المؤذنين قريب منه ولا من يدانيه في وقته وكان في آخر وقته على طريقة حسنة وعمل صالح وانقطاع عن الناس وإقبال على شأن نفسه فرحمه الله وأكرم مثواه وصلى عليه بعد الظهر يومئذ ودفن عند اخيه بمقبرة الصوفية
وفي يوم الخميس خامس ذي الحجة توفي الشيخ بدر الدين بن نصحان شيخ القراء السبع في البلد الشهير بذلك وصلى عليه بالجامع بعدالظهر يومئذ ودفن بباب الفراديس رحمه الله
وفي يوم الأحد تاسعة وهو يوم عرفة حضر الاقراء بتربة أم الصالح عوضا عن الشيخ بدر الدين ابن نصحان القاضي شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي وحضر عنده جماعة من الفضلاء وبعض القضاة وكان حضوره بغتة وكان متمرضا فألقى شيئا من القراءات والاعراب عند قوله تعالى ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرا لأنفسهم وفي أواخر هذا الشهر غلا السعر جدا وقل الخبز وازدحم الناس على الافران زحمة عظيمة وبيع خبز الشعير المخلوط بالزيوان والنقارة وبلغت الغرارة بمائة وستة وثمانين درهما وتقلص السعر جدا حتى بيع الخبز كل رطل بدرهم وفوق ذلك بيسير ودونه بحسب طيبه ورداءته فانا لله وإنا إليه راجعون وكثر السؤال وجاع العيال وضعف كثير من الأسباب والاحوال ولكن لطف الله عظيم فإن الناس مترقبون مغلا
هائلا لم يسمع بمثله من مدة سنين عديدة وقد اقترب أوانه وشرع كثير من البلاد في حصاد الشعير وبعض القمح مع كثرة الفول وبوادر التوت فلولا ذلك لكان غير ذلك ولكن لطف الله بعباده وهو الحاكم المتصرف الفعال لما يريد لا إله إلا هو
*2* ثم دخلت سنة أربع وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين الملك الناصر عماد الدنيا والدين إسماعيل ابن الملك الناصر ناصر الدين محمد بن الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي ونائبه بالديار المصرية الامير سيف الدين آقسنقر السلاري وقضاته هم هم المتقدم ذكرهم في العام الماضي ونائبه بدمشق الامير سيف الدين تغردمر الحموي وقضاته هم المتقدم ذكرهم وكذلك الصاحب والخطيب وناظر الجامع ولخزانة ومشد الاوقاف وولاية المدينة
استهلت والجيوش المصرية والشامية محيطة بحصن الكرك محاصرون ويبالغون في امره والمنجنيق منصوب وأنواع آلات الحصار كثيرة وقد رسم بتجريدة من مصر والشام أيضا تخرج إليها وفي يوم الخميس عاشر صفر دخلت التجريدة من الكرك إلى دمشق واستمرت التجريدة الجديدة على الكرك ألفان من مصر وألفان من الشام والمنجنيق منقوض موضوع عند الجيش خارج الكرك والأمور متوقفة على وبرد الحصار بعد رجوع الأحمدي إلى مصر
وفي يوم السبت ثاني ربيع الاول توفي السيد الشريف عماد الدين الخشاب بالكوشك في درب السيرجي جوار المدرسة العزية وصلى عليه ضحى بالجامع الأموي ودفن بمقابر باب الصغير وكان رجلا شهما كثير العبادة والمحبة للسنة وأهلها ممن واظب الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وانتفع به وكان من جملة أنصاره واعوانه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الذي بعثه إلى صيدنا يامع بعض القسيسين فلوث يده بالعذرة وضرب اللحمة التي يعظمونها هنالك واهانها غاية الاهانة لقوة إيمانه وشجاعته رحمه الله وإيانا
وفي يوم الخميس سابعه اجتمع الصاحب ومشد الدواوين ووكيل بيت المال ومشد الاوقاف ومباشر والجامع ومعهم العمالين بالقول والمعاول يحفرون إلى جانب السارية عند باب مشهد على تحت تلك الصخرة التي كانت هناك وذلك عن قول رجل جاهل زعم أن هناك مالا مدفونا فشاوروا نائب السلطنة فامرهم بالحفر واجتمع الناس والعامة فأمرهم فأخرجوا وأغلقت أبواب الجامع كلها ليتمكنوا من الحفر ثم حفروا ثانيا وثالثا فلم يجدوا شيئا إلا التراب المحض واشتهر هذا الحفير في البلد وقصده الناس للنظر إليه والتعجب من أمره وانفصل الحال على أن حبس هذا الزاعم لهذا المحال وطم الحفير كما كان
وفي يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الأول قدم قاضي حلب ناصر الدين بن الخشاب على البريد مجتازا إلى دمشق فنزل بالعادلية الكبيرة وأخبر أنه صلى على المحدث البارع الفاضل الحافظ شمس الدين محمد بن علي بن أيبك السروجي المصري يوم الجمعة ثامن هذا الشهر بحلب رحمه الله ومولده سنة خمس عشرة وسبعمائة وكان قد أتقن طرفا جيدا في علم الحديث وحفظ أسماء الرجال وجمع وخرج
وفي مستهل ربيع الآخر وقع حريق عظيم بسفح قاسيون احترق به سوق الصالحية الذي بالقرب من جامع المظفري وكانت جملة الدكاكين التي احترقت قريبا من مائة وعشرين دكانا ولم ير حريق من زمان أكبر منه ولا أعظم فانا لله وإنا إليه راجعون وفي يوم الجمعة سادسة رسم بأن يذكر بالصلاة يوم الجمعة في سائر مواذن البلد كما يذكر في مواذن الجامع ففعل ذلك وفي يوم الثلاثاء عاشره طلب من القاضي تقي الدين السبكي قاضي قضاة الشافعية أن يقرض ديوان السلطان شيئا من أموال الغياب التي تحت يده فامتنع من ذلك امتناعا كثيرا فجاء شاد الدواوين وبعض حاشية نائب السلطنة ففتحوا مخزن الأيتام وأخذوا منه خمسين ألف درهم قهرا ودفعوها إلى بعض العرب عما كان تأخر له في الديوان السلطان ووقع أمر كثير لم يعهد مثله
وفي يوم الأربعاء عاشر جمادي الأولى توفي صاحبنا الشيخ الامام العالم العلامة الناقد البارع في فنون العلوم شمس الدين محمد بن الشيخ عماد الدين أحمد بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي تغمده الله برحمته وأسكنه بحبوحة جنته مرض قريبا من ثلاثة أشهر بقرحة وحمى سل ثم تفاقم أمره وأفرط به إسهال وتزايد ضعفه إلى أن توفي يومئذ قبل أذان العصر فأخبرني والده أن آخر كلامه أن قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فصلى عليه يوم الخميس بالجامع المظفري وحضر جنازته قضاة البلد وأعيان الناس من العلماء والأمراء والتجار والعامة وكانت جنازته حافلة مليحة عليها ضوء ونور ودفن بالروضة إلى جانب قبر السيف ابن المجد رحمهما الله تعالى وكان مولده في رجب سنة خمس وسبعمائة فلم يبلغ الأربعين وحصل من العلوم مالا يبلغه الشيوخ الكبار وتفنن في الحديث والنحو والتصريف والفقه والتفسير والاصلين والتاريخ والقراءات وله مجاميع وتعاليق مفيدة كثيرة وكان حافظا جيدا لأسماء الرجال وطرق الحديث عارفا بالجرح والتعديل بصيرا بعلل الحديث حسن الفهم له جيد المذاكرة صحيح الذهن مستقيما على طريقة السلف واتباع الكتاب والسنة مثابرا على فعل الخيرات
وفي يوم الثلاثاء سلخه درس بمحراب الحنابلة صاحبنا الشيخ الامام العلامة شرف الدين بن القاضي شرف الدين الحنبلي في حلقة الثلثاء عوضا عن القاضي تقي الدين بن الحافظ رحمه الله وحضر عنده القضاء والفضلاء وكان درسا حسنا أخذ في قوله تعالى إن الله يأمر بالعدل والاحسان وخرج إلى مسألة تفضيل بعض الأولاد وفي يوم الخميس ثاني شهر جمادي الأولى خرجت التجريدة إلى الكرك مقدمان من الامراء وهما الامير شهاب الدين بن صبح والامير سيف الدين قلاوون في أبهة عظيمة وتجمل وجيوش وبقارات وإزعاج كثيرة
وفي صبيحة يوم الأثنين الحادي والعشرين منه قتل بسوق الخيل حسن بن الشيخ السكاكيني على ما ظهر منه من الرفض الدال على الكفر المحض شهد عليه عند القاضي شرف الدين المالكي بشهادات كثيرة تدل على كفره وأنه رافضي جلد فمن ذلك تكفير الشيخين رضي الله عنهما وقذفه أمي المؤمنين عائشة وحفصة رضي الله عنهما وزعم أن جبريل غلط فأوحى إلى محمد وإنما كان مرسلا إلى على وغير ذلك من الأقوال البالطة القبيحة قبحه الله وقد فعل وكان والده الشيخ محمد السكاكيني يعرف مذهب الرافضة والشيعة جيدا وكانت له اسئلة على مذهب اهل الخير ونظم في ذلك قصيدة أجابه فيها شيخنا الامام العلامة شيخ الاسلام بن يتيمة رحمه الله وذكر غير واحد من أصحاب الشيخ أن السكاكيني مامات حتى رجع عن مذهبه وصار إلى قول أهل السنة فالله أعلم وأخبرت أن ولده حسنا هذا القبيح كان قد اراد قتل أبيه لما أظهر السنة
وفي ليلة الاثنين خامس شهر رجب وصل بدن الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام كان إلى تربته التي الى جانب جامعة الذي أنشأه ظاهر باب النصر بدمشق نقل من الاسكندرية بعد ثلاث سنين ونصف أو أكثر بشافعة ابنته زوجة الناصر عند ولده السلطان الملك الصالح فأذن في ذلك وأرادوا أن يدفن بمدرسته بالقدس الشريف فلم يمكن فجيء به إلى تربته بدمشق وعملت له الختم وحضر القضاة والأعيان رحمه الله
وفي يوم الثلاثاء حادي عشر شعبان المبارك توفي صاحبنا الامير صلاح الدين يوسف التكريتي ابن اخي الصاحب تقي الدين بن توبة الوزير بمنزلة بالقصاعين كان شابا من أبناء الأربعين ذا ذكاء وفطنة وكلام وبصيرة جيدة وكان كثير المحبة إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله ولأصحابه خصوصا ولكل من يراه من أهل العلم عموما وكان فيه إيثار وإحسان ومحبة الفقراء والصالحين ودفن بتربتهم بسفح قاسيون رحمه الله وفي يوم السبت الخامس عشر منه جاءت زلزلة بدمشق لم يشعر بها كثير من الناس لخفتها ولله الحمد والمنة ثم تواترت الاخبار بأنها شعثت في بلاد حلب شيئا كثيرا من العمران حتى سقط بعض الابراج بقلعة حلب وكثير من دورها ومساجدها ومشاهدها وجدرانها وأما في القلاع حولها فكثير جدا وذكروا ان مدينة منبج لم يبق منها إلا القليل وأن عامة السكانين بها هلكوا تحت الردم رحمهم الله
وفي اواخر شهر شوال خرجت التجاريد إلى الكرك وهما أميران مقدمان الأمير علاء الدين فراسنقر والأمير الحاج بيد مر واشتهر في هذه الأيام أن أمر الكرك قد ضعف وتفاقم عليهم الأمر وضاقت الارزاق عندهم جدا ونزل منها جماعات من رؤسائها وخاصكية الأمير أحمد بن الناصر مخامرين عليه فسيروا من الصبح الى قلاوون وصحبتهم مقدمون من الحلقة إلى الديار المصرية واخبروا أن الحواصل عند أحمد قد قلت جدا فالله المسئول أن يحسن العاقبة
وفي ليلة الأربعاء الثامن والعشرين من شهر ذي الحجة توفي القاضي الامام العلامة برهان الدين ابن عبدالحق شيخ الحنفية وقاضي القضاة بالديار المصرية مدة طويلة بعد ابن الحريري ثم عزل وأقام بدمشق ودرس في أيام تغردمر بالعذراوية لولده القاضي امين الدين فذكر بها الدرس يوم الاحد قبل وفاة والده بثلاثة أيام وكان موت برهان الدين رحمه الله ببستانه من أراضي الارزة بطريق الصالحية ودفن من الغد بسفح قاسيون بمقبرة الشيخ ابي عمر رحمه الله وصلى عليه بالجامع المظفري وحضر جنازته القضاة والاعيان والأكبار رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة خمس وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والديار الشامية وما يتعلق بذلك الملك الصالح بن إسماعيل بن السلطان الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وقضاته بالديار المصرية والشامية هم المذكورون في السنة المتقدمة ونائبه بمصر الحاج سيف الدين ووزيره المتقدم ذكره وناظر الخاص القاضي مكين الدين وناظر الجيوش القاضي علم الدين ابن القطب والمحتسب المتقدم وشاد الدواوين علم الدين الناصري وشاد الأوقاف الأمير حسام الدين النجيبي ووكيل بيت المال القاضي علاء الدين شرنوخ وناظر الخزانة القاضي تقي الدين بن أبي الطيب وبقية المباشرين والنظارهم المتقدم ذكرهم وكاتب السر القاضي بدر الدين بن فضل الله كاتب السر والقاضي أمين الدين ابن القلانسي والقاضي شهاب الدين بن القيسراني والقاضي شرف الدين بن شمس الدين بن الشهاب محمود والقاضي علاء الدين شرنوخ
شهر المحرم أول السبت استهل والحصار واقع بقلعة الكرك وأما البلد فأخذو استنيب فيه الأمير سيف الدين قبليه قدم اليها من الديار المصرية والتجاريد من الديار المصرية ومن دمشق محيطون بالقلعة والناصر احمد بن الناصر ممتنع من التسليم ومن الاجابة إلى الانابة ومن الدخول في طاعة أخيه وقد تفاقمت الامور وطالت الحروب وقتل خلق كثير بسبب ذلك من الجيوش ومن أهل الكرك وقد توجهت القضية إلى خير إن شاء الله وقبل ذلك بأيام يسيرة هرب من قلعة
الكرك الامير سيف الدين أبو بكر بن بهادرآص الذي كان أسر في أوائل حصار الكرك وجماعة من مماليك الناصر احمد كان اتهمهم بقتل الشهيب احمد الذي كان يعتنى به ويحبه واستبشر الجيوش بنزول أبي بكر من عنده وسلامته من يده وجهز إلى الديار المصرية معظما وهذا والمجانيق الثلاثة سلطة على القلعة من البلد تضرب عليها ليلا ونهارا وتدمر في بنائها من داخل فإن سورها لا يؤثر فيه شيء بالكلية ثم ذكر ان الحصار فتر ولكن مع الاحتياط على أن لا يدخل إلى القلعة ميرة ولا شيء مما يتسعينون به على المقام فيها فالله المسؤول أن يحسن العقابة وفي يوم الاربعاء الخامس والعشرين من صفر قدم البريد مسرعا من الكرك فأخبر بفتح القلعة وان بابها احرق وأن جماعة الأمير أحمد بن الناصر استغاثوا بالأمان وخرج أحمد مقيدا وسير على البريد إلى الديار المصرية وذلك يوم الاثنين بعدا لظهر الثالث والعشرين من هذا الشهر ولله عاقبة الأمور وفي صبيحة يوم الجمعة رابع ربيع الاول دقت البشائر بالقلعة وزينت البلد عن مرسوم السلطان الملك الصالح سرورا بفتح البلد واجتماع الكلمة عليه واستمرت الزينة إلى يوم الاثنين سابعه فرسم برفعها بعد الظهر فتشوش كثير من العوام وأرجف بعض الناس بأن أحمد قد ظهر أمره وبايعه الأمراء الذين هم عنده وليس لذلك حقيقة ودخلت الأطلاب من الكرك صبيحة يوم الأحد ثالث عشر ربيع الاول بالطبلخانات والجيوش واشتهر إعدام احمد بن الناصر
وفي يوم الجمعة حادي عشر ربيع الأول صلى بالجامع الأموي على الشيخ أمين الدين أبي حيان النحوي شيخ البلاد المصرية من مدة طويلة وكانت وفاته بمصر عن تسعين سنة وخمسة أشهر ثم اشتهر في ربيع الآخر قتل السلطان أحمد وحز رأسه وقطع يديه ودفن جثته بالكرك وحمل رأسه إلى أخيه الملك الصالح إسماعيل وحضر بين يديه في الرابع والعشرين من هذا الشهر ففرح الناس بذلك ودخل الشيخ أحمد الزرعي على السلطان الملك الصالح فطلب منه أشياء كثيرة من تبطيل المظالم ومكوسات وإطلاق طبلخانات للأمير ناصر الدين بن بكناش وإطلاق أمراء محبوسين بقلعة دمشق وغير ذلك فأجابه إلى جميع ذلك وكان جملة المراسيم التي أجيب فيها بضع وثلاثين مرسوما فلما كان آخر شهر ربيع الآخر قدمت المراسيم التي سألها الشيخ أحمد من الملك الصالح فأمضيت كلها أو كثير منها وافرج عن صلاح الدين بن الملك الكامل والامير سيف الدين بلو في يوم الخميس سلخ هذا الشهر ثم روجع في كثير منها وتوقف حالها
وفي هذا الشهر عملت منارة خارج باب الفرج وفتحت مدرسة كانت دارا قديمة فجعلت مدرسة للحنفية ومسجدا وعملت طهارة عامة ومصلى للناس وكل ذلك منسوب إلى الامير سيف الدين تقطم الخليلي أمير حاجب كان وهو الذي جدد الدار المعروفة به اليوم بالقصاعين
وفي ليلة الاثنين عاشر جمادي الآخرة ترفى صاحبنا المحدث تقي الدين محمد بن صدر الدين سليمان الجعبري زوج بنت الشيخ جمال الدين المزي والد شرف الدين عبد الله وجمال الدين إبراهيم وغيرهم وكان فقيها بالمدارس وشاهدا تحت الساعات وغيرها وعنده فضيلة جيدة في قراءة الحديث وشيء من العربية وله نظم مستحسن انقطع يومين وبعض الثالث وتوفي في الليلة المذكورة في وسط الليل وكنت عنده وقت العشاء الآخرة ليلتئذ وحدثني وضاحكني وكان خفيف الروح رحمه الله ثم توفي في بقية ليلته رحمه الله وكان أشهدني عليه بالتوبة من جميع ما يسخط الله عز وجل وأنه عازم على ترك الشهود أيضا رحمه الله صلى عليه ظهر يوم الاثنين ودفن بمقابر باب الصغير عند أبويه رحمهم الله
وفي يوم الجمعة ثاني عشرين شهر رجب خطب القاضي عماد الدين بن العز الحنفي بجامع تنكز خارج باب النصر عن نزول الشيخ نجم الدين علي بن داود القفجاري له عن ذلك وايضا نائب السلطنة الامير سيف الدين تغردمر وحضوره عنده في الجامع المذكور يومئذ
وفي يوم الجمعة تاسع عشرين رجب توفي القاضي الامام العالم جلال الدين أبو العباس أحمد ابن قاضي القضاة حسام الدين الرومي الحنفي وصلى عليه بعد صلاة الجمعة بمسجد دمشق وحضره القضاة والأعيان ودفن بالمدرسة التي أنشأها إلى جانب الزردكاش قريبا في الخاتونية الجوانية وكان قد ولى قضاء قضاة الحنفية في أيام ولاية أبيه الديار المصرية وكان مولده سنة أحدى وخمسين وستمائة وقدم الشام مع ابيه فأقاموا بها ثم لما ولى الملك المنصور لاجين ولى أباه قضاء الديار المصرية وولده هذا قضاء الشام ثم إنه عزل بعد ذلك واستمر على ثلاث مدراس من خيار مدارس الحنفية ثم حصل له صمم في آخر عمره وكان ممتعا بحواسه سواه وقواه وكان يذاكر في العلم وغير ذلك
وفي يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شعبان توفي الشيخ نجم الدين علي بن داود القفجاري خطيب جامع تنكز ومدرس الظاهرية وقد نزل عنها قبل وفاته بقليل للقاضي عماد الدين بن العز الحنفي وصلى عليه بالجامع المذكور بعد صلاة الظهر يومئذ وعند باب النصر وعند جامع جراح ودفن بمقبرة ابن الشيرجي عند والده وحضره القضاة والاعيان وكان استاذا في النحو وله علوم أخر لكن كان نهاية في النحو والتصريف
وفي هذا اليوم توفي الشيخ الصالح العابد الناسك الشيخ عبد الله الضرير الزرعي وصلى عليه بعد الظهر بالجامع الأموي وبباب النصر وعند مقابر الصوفية ودفن بها قريبا من الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله وكان كثير التلاوة حسنها وصحيحها كثير العبادة يقرئ الناس من دهر طويل ويقوم بهم العشر الأخير من رمضان في محراب الحنابلة بالجامع الأموي رحمه الله
وفي يوم الجمعة ثاني شهر رمضان المعظم توفي الشيخ الامام العالم العامل العابد الزاهد الورع أبو عمر بن أبي الوليد المالكي إمام محراب الصحابة الذي للمالكية وصلى عليه بعد الصلاة وحضر جنازته خلق كثير وجم غفير وتأسف الناس عليه وعلى صلاحه وفتاويه النافعة الكثيرة ودفن إلى جانب قبر أبيه واخيه إلى جانب قبر أبي الغندلاوي المالكي قريبا من مسجد التاريخ رحمه الله وولى مكانه في المحراب ولده وهو طفل صغير فاستنيب له إلى حين صلاحيته جبره ورحم اباه
وفي صبيحة ليلة الثلاثاء سادس رمضان وقع ثلج عظيم لم ير مثله بدمشق من مدة طويلة وكان الناس محتاجين إلى مطر فلله الحمد والمنة وتكاثف الثلج على الأسطحة وتراكم حتى أعيي الناس أمره ونقلوه عن الاسطحة إلى الأزقة يحمل ثم نودي بالأمر بازالته من الطرقات فإنه سدها وتعطلت معايش كثير من الناس فعوض الله الضعفاء بعملهم في الثلج ولحق الناس كلفة كبيرة وغرماة كثيرة فإنا لله وإنا اليه راجعون
وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من رمضان صلى بالجامع الأموي على نائب وهو الأمير علاء الدين الجاولي وقد تقدم شيء من ترجمته رحمه الله
وفي أول شوال يوم عيد الفطر وقع فيه ثلج عظيم بحيث لم يمكن الخطيب من الوصول إلى المصلى ولا خرج نائب السلطنة بل اجتمع الأمراء والقضاة بدار السعادة وحضر الخطيب فصل بهم العيد بها وكثير من الناس صلوا العيد في البيوت
وفي يوم الأحد الحادي والعشرين من ذي الحجة درس قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي بالشامية البرانية عن الشيخ شمس الدين ابن النقيب رحمه الله وحضر عنده القضاة والاعيان والأمراء وخلق من الفضلاء وأخذ في قوله تعالى قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب وما بعدها وفي ذي الحجة استفتى في قتل كلاب البلد فكتب جماعةمن أهل البلد في ذلك فرسم باخراجهم يوم الجمعة من البلد الخامس والعشرين منه لكن إلى الخندق ظاهر باب الصغير وكان الاولى قتلهم بالكلية وإحراقهم لئلا تنتن الناس بريحهم على ما أفتى به الامام مالك بن أنس من جواز قتل الكلاب ببلدة معينة للمصلحة إذا رأى الامام ذلك ولا يعارض ذلك النهي عن قتل الكلاب ولهذا كان عثمان بن عفان يأمر في خطبته بقتل الكلاب وذبح الحمام
*2* ثم دخلت سنة ست وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين بالديار المصرية والشامية والحرمين والبلاد الحلبية وأعمال ذلك الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن الناصر بن المنصور وقضاته بالديار المصرية والشامية هم المذكورون أيضا وفي يوم الجمعة سادس عشر محرم كملت عمارة الجامع الذي بالمزة الفوقانية الذي جدده وأنشأه الأمير بهاء الدين المرجاني الذي بنى والده مسجد الخيف بمنى وهو جامع حسن متسع فيه روح وإنشراح تقبل الله من بانيه وعقدت فيه الجمعة بجمع كثير وجم غفير من أهل المزة ومن حضر من أهل البلد وكنت أنا الخطيب يعني الشيخ عماد الدين المصنف تغمده الله برحمته ولله الحمد والمنة ووقع كلام وبحث في اشتراط المحلل في المسابقة وكان سببه أن الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صنف فيه مصنفا من قبل ذلك ونصر فيه ما ذهب اليه الشيخ تقي الدين بن تيمية في ذلك ثم صار يفتى به جماعة من الترك ولا يعزوه إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية فاعتقد من اعتقد أنه قوله وهو مخالف للأئمة الاربعة فحصل عليه إنكار في ذلك وطلبه القاضي الشافعي وحصل كلام في ذلك وانفصل الحال على أن أظهر الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية الموافقة للجمهور
نة ست وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين بالديار المصرية والشامية والحرمين والبلاد الحلبية وأعمال ذلك الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن الناصر بن المنصور وقضاته بالديار المصرية والشامية هم المذكورون أيضا وفي يوم الجمعة سادس عشر محرم كملت عمارة الجامع الذي بالمزة الفوقانية الذي جدده وأنشأه الأمير بهاء الدين المرجاني الذي بنى والده مسجد الخيف بمنى وهو جامع حسن متسع فيه روح وإنشراح تقبل الله من بانيه وعقدت فيه الجمعة بجمع كثير وجم غفير من أهل المزة ومن حضر من أهل البلد وكنت أنا الخطيب يعني الشيخ عماد الدين المصنف تغمده الله برحمته ولله الحمد والمنة ووقع كلام وبحث في اشتراط المحلل في المسابقة وكان سببه أن الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صنف فيه مصنفا من قبل ذلك ونصر فيه ما ذهب اليه الشيخ تقي الدين بن تيمية في ذلك ثم صار يفتى به جماعة من الترك ولا يعزوه إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية فاعتقد من اعتقد أنه قوله وهو مخالف للأئمة الاربعة فحصل عليه إنكار في ذلك وطلبه القاضي الشافعي وحصل كلام في ذلك وانفصل الحال على أن أظهر الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية الموافقة للجمهور


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس