الموضوع: موضوع للبحث
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-07-2010, 08:14 PM   رقم المشاركة : 5
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


رد: موضوع للبحث



توسعة الحرمين الشريفين في الألفية الثالثة

شهادة مؤرخ


الدكتور مصطفى عبد الغني

كاتب ومؤرخ بالأهرام - القاهرة

وقبل قدومنا إلى مكة بأيام، كنا قد شاهدنا فيلماً تسجيلياً بعنوان "الطريق إلى مكة"، تم تصويره في الثلاثينيّات من القرن العشرين. ورحت مع تداعي الصور أستعيد من الذاكرة قراءاتي الأولى وأعقد مقارنة بين ما أشاهده عبر الشاشة وما عشته في بدايات الألفية الثالثة ما بين الحرمين الشريفين الآن وما تحكيه الصورة القديمة، وشتان الفرق.


وحينما دخلت مكة نهاراً من باب "المعلاة"، فبدت الصورة على نقيض ما شاهدت: كانت أكثر بهاء وجلالاً. رأيت المسجد الحرام وقد أضيف إليه جزء جديد من الناحية الغربية في منطقة السوق الصغيرة بين باب العمرة وباب الملك تبلغ مساحته 76.000 م2 موزعة على الدور الأول والقبو (البدروم) والسطح تتسع لنحو 125.000 مصلٍّ.

كما شمل هذا المشروع الذي بدأه خادم الحرمين الملك فهد بن عبد العزيز تجهيز الساحات الخارجية وتبليطها بالرخام الأبيض، ومنها الساحة المتبقية من جهة السوق الصغيرة؛ والساحة جهة الشامية؛ والساحة الواقعة شرقي المسعى بمساحة إجمالية تبلغ 85.800 م2 تكفي لاستيعاب 190.000 مصلٍّ. وبذلك أصبحت مساحة المسجد الحرام شاملة مبنى المسجد بعد التوسعة الحالية والأسطح وكامل الساحات 356.000 تتسع لنحو 773.000 مصل في الأيام العادية، وفي موسم الحج والعمرة ورمضان تتسع لأكثر من مليون مصلّ.

وبتفقد مبنى التوسعة الجديد، وجد أنه يضم مدخلاً رئيساً جديداً وثمانية عشر مدخلاً عادياً بالإضافة إلى مداخل المسجد الحرام القائمة من قبل البالغ عددها ثلاثة مداخل رئيسة وسبعة وعشرين مدخلاً عادياً. وقد روعي في التصميم إنشاء مدخلين جديدين للقبو إضافة إلى المداخل الأربعة الموجودة من قبل. ويشمل مبنى التوسعة مئذنتين جديدتين بارتفاع تسعة وثمانين متراً تتشابهان في تصميمهما المعماري وفي المواد المستخدمة مع المآذن السبع القائمة. ولتسهيل وصول أفواج المصلين إلى سطح التوسعة في المواسم، تمت إضافة مبنيين للسلالم المتحركة، أحدهما في شمالي مبنى التوسعة والآخر في جنوبيه، مساحة كل منهما 375 م2. ويحتوي على مجموعتين من السلالم المتحركة، طاقة كل منهما الاستيعابية 15.000 شخص في الساعة الواحدة إضافة إلى مجموعتين من السلالم المتحركة داخل حدود المبنى على جانبي المدخل الرئيس للتوسعة. ويبلغ عدد السلالم الكهربائية بمبنى التوسعة 56 سلماً؛ وكذلك يحتوي المبنى على مصعدين كهربائيين رئيسين ومصعدين داخل المآذن ومصعدي خدمة، إضافة إلى ثماني وحدات سلالم داخلية. وقد صممت السلالم المتحركة بحيث تستطيع بالإضافة إلى وحدات الدرج الثابت الثماني خدمة حركة الحجاج والمصلين في أوقات الذروة، ولا سيما كبار السن منهم دون عناء. وبذلك يصبح إجمالي عدد مباني السلالم المتحركة سبعة تنتشر حول محيط الحرم والتوسعة لخدمة رواد الدور الأول والسطح.

ويبلغ عدد الأعمدة بالتوسعة 1453 عمود. وكلها مكسوة بالرخام، منها 1120 ذو تاج وقاعدة من الرخام بها فتحات تكييف و333 عامود عاديٍّ. ويبلغ ارتفاع الأعمدة بالطابق الأرضي 405 م، وبالطابق الأول 407 م. أما قواعد الأعمدة، فهي مسدسة الشكل ويبلغ ارتفاع الواجهات الخارجية للتوسعة 2.205 م وجميعها محلاة بالزخارف الإسلامية ومكسوة بتداخلات من الرخام والحجر الصناعي. وبإلقاء نظرة شاملة على الحرام من أعلى كما تصورها الكاميرا، نرى أن المسجد الحرام يشتمل الآن على ثلاثة طوابق وارتفاعه 4 أمتار و30 سم والطابق الأرضي 9 أمتار و80 سم، والأول 9 أمتار و64 سم. وقد تم تبليط سطح المسجد جميعه بالرخام، وهو يستخدم للمصلين.

وثمة ثلاث قباب للتوسعة تقع جميعها بالنصف تقريباً بموازاة المدخل الرئيس، وهي مكسوة بالسيراميك. وارتفاع كل منها ثلاثة عشر متراً وتحتوي على فتحات بكامل محيطها، وشكلها الخارجي يمائل القباب الموجودة على سطح الحرم من قبل. ولا شك في أن التوسعة الحالية التي قام بها اللك فهد بن عبد العزيز ما هي إلا امتداد أفقي للطوابق الموجودة من قبل، وهي القبو والدور الأرضي والأول السطح. وحيث إن القبو يقع بكامل ارتفاعه تحت منسوب سطح الأرض، فقد جرت تهويته ميكانيكياً. أما الطابقان الأرضي والأول، فيقعان فوق منسوب سطح الأرض؛ ولذلك جعلت لهما تهوية طبيعية من خلال الفتحات المتقابلة للشبابيك مع تركيب مراوح تقلب هواء على الأعمدة من ناحية. ومن ناحية أخرى، فقد استحدث نظام جديد لتلطيف الهواء يعتمد على مبدإ دفع الهواء البارد خلال أرض مرتفعة وتوزيعه على مستوى مرتفع حول الأعمدة المربعة. وقد أقيمت من أجل ذلك محطة مركزية في منطقة أجياد تحتوي على عدد من ماكينات التبريد ومضخات المياه المثلجة ومركز تشغيل وتحكم أوتوماتيكي بطاقة 13,500 طن تبريد.

وتم إنشاء نفق (كبري) ارتبط بنفق جديد للخدمات يربط بين المحطة المركزية والحرم الشريف: يمتد على طول الطرق المكشوف من المحطة المركزية حتى مدخل نفق (كبري)، ثم يتابع سيره حتى مبنى الحرم حيث يرتفع إلى جزأين يلتقيان حول مبنى الحرم لتكوين حلقة دائرية متكاملة. ويبلغ طول النفق الممتد بين المحطة المركزية والحرم حوالي ثلاثة كيلومترات ونصف. أما الحلقة الدائرية، فيبلغ طولها حوالي كيلومترين. ويحتوي النفق على مواسير معزولة ناقلة للمياه، وهو مجهز بجميع وسائل الإضاءة والتهوية وأجهزة السيطرة والتحكم الأوتوماتيكي.

أما تجهيزات الإنارة بالتوسعة، فهي مستقلة عن التجهيزات السابقة حيث زودت بـ 71 نجفة كبيرة و160 فانوس وحوالي 718 وحدة إضاءة على الحائط. وجميعها مصنوعة من النحاس والكريستال وكذلك حوالي 5135 وحدة إضاءة فلورسنت وحوالي 174 كشاف بقدرة 400 وات، وبـ 672 لمبة زئبق قدره 250 وات.

وقد نُفِّذت شبكة إذاعة داخلية تتناسب مع مساحة التوسعة دُمِجَتْ مع الشبكة القديمة؛ كما تم تنفيذ ثلاث حلقات للدروس وكذلك تزويد التوسعة بعدد من الساعات تتصل بالنظام المركزي للساعات الموجودة في الحرم من قبل. هذا، بالإضافة إلى نظام الإنذار من الحريق ونظام الهاتف ونظام التحكم الأوتوماتيكي. وقد تم إعادة تصميم وتوزيع الخدمات ضمن المناطق الفاصلة بين المسجد الحالي ومبنى التوسعة يسمح بأداء أفضل، بما في ذلك تصريف مياه الأمطار وتوفير مصادر الشرب (ماء زمزم) وشبكات لإطفاء الحريق ومخارج لمياه التنظيف.

ويأتي مشروع تحويل أنفاق السيارات والمشاة وتهيئة الساحات المحيطة بالمسعى للصلاة متمماً بهذه المشروعات؛ إذ تم تعديل الطريق الدائري الأول ما بين شارع "اجياد" ومنطقة "شعب علي" و"القشاشية" بترحيل مساره شرقاً مع المحافظة على المقطع العرضي النموذجي للطريق الذي يتكون من مسارين بكل اتجاه مع زيادة مساحة إضافية لتأمين الحركة المرورية عند التقاطعات. وقد تم عمل أربعة جسور لتأمين الحركة على الطريق الدائري، بالإضافة إلى عدة منحدرات لتأمين حركة الالتفاف الأساسية.


وعندما وقعت عيني على الكعبة، تذكرت حديث الرسولr: »تفتح أبواب السماء، ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن: عند التقاء الصفوف ونزول الغيث وإمامة الصلاة ورؤية الكعبة«. فرفعت يدي قائلاً: »لا إله إلا الله والله أكبر اللهم أنت السلام ومنك السلام ودارك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. اللهم إن هذا بيتك عظمته وكرمته وشرفته، اللهم فزده تشريفاً وتكريماً ومهابة وبرّاً وزد من شرفه ممن حجه أو اعتمره تعظيماً وتشريفاً وتكريماً ومهابة وبرّاً«.

نظرت إلى الكعبة: كانت في بهائها وجمالها بعد الانتهاء من ترميمها الذي استغرق عدة شهور قبل ذلك. وهو ترميم لم يحدث منذ أكثر من 377 عامٍ، أي منذ 1040 هـ/ 1620 م. وشمل الترميم والتجديد »سقف الكعبة والأعمدة الثلاثة وحوائط الكعبة من الداخل ومن الخارج والأرضيات ورخام السطح والسلم الداخلي والحوائط والشاذوران وجدار الحجر وميزاب الكعبة«.

وكانت الكعبة مكسوة بالحرير الطبيعي الخالص المصبوغ باللون الأسود المنقوش عليه بطريقة الجاكارد عبارات »لا إله إلا الله محمد رسول الله جل جلاله سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم«. ويبلغ ارتفاع الثوب 14 متراً عليه آيات قرآنية ومحاط بإطار من الزخارف الإسلامية ومطرزاً بتطريز بارز مغطى بسلك فضي مطلي بالذهب. ويبلغ طول الحزام 47 متراً؛ كما تشمل الكسوة ستارة باب الكعبة. ويبلغ ارتفاعها 6,5 أمتار، وبعرض 3,5 أمتار مكتوب عليها آيات من القرآن وزخارف إسلامية مطرزة تطريزاً بارزاً مغطى بأسلاك الفضة المطلية بالذهب وتبطين الكسوة كلها بقماش خام متين، بما في ذلك ستارة الباب. وتتكون الكسوة من خمس قطع تغطي كل قطعة منها وجهاً من أوجه الكعبة؛ والقطعة الخامسة هي الستارة التي توضّع على الباب ويتم تجميع هذه القطع بتوصيلها معاً على الكعبة نفسها بعد خلع الثوب القديم. ويستهلك الثوب الواحد 670 كيلو جراماً من الحرير الطبيعي الخالص. وتبلغ التكلفة الإجمالية لثوب الكعبة المشرفة حوالي 18 مليون ريال. وتقيم وزارة الحج السعودية احتفالاً سنوياً بمقر المصنع الذي أنشأه الملك عبد العزيز عام 1346 هـ خصيصاً لتصنيع كسوة الكعبة لتسليم الكسوة الجديدة لكبير سدنة بيت الله الحرام حيث تركب الكسوة على الكعبة الشريفة في التاسع من شهر ذي الحجة من كل عام.

وقبل الطواف ببيت الله الحرام، قصدت الحجر الأسود فقبلته من دون صوت واستلمته بيدي وقلت: »باسم الله وبالله والله أكبر اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد «r. وعندما اقتربت من باب الكعبة الخارجي، لاحظت أن هناك انسجاماً بين ستارة الكعبة المشرفة وبابها الذي تزينت حوافه وسطحه بآيات قرآنية مسطورة بخط الثلث مع الزخارف محفورة ومنقوشة بالذهب ونسبة قليلة من الفضة. ولما سألت عن التكلفة، قيل لي إن مؤسسة النقد العربي السعودي قامت بتأمين كميات الذهب اللازمة لصنع هذا الباب والتي بلغت 280 كيلو جرام من عيار 999,9 %، وكلّفت 13,420,000 ريال. أما الباب الداخلي للكعبة المشرفة - ويدعى "باب التوبة" -، فهو مطابق للباب الخارجي من حيث الزخرفة والخطوط والنقوش. كذلك صنع قفل جديد للكعبة المشرفة، بحيث إن القفل القديم يعود عهده إلى أكثر من سبعين سنة. وبذلك استكمل تجديد وتجميل كل ما يتعلق بقبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم أشرعت في الطواف حول البيت سبعاً بعدها صعدت إلى الصفا والمروة. والمعروف أن المسعى بني في التوسعة السعودية الأولى من طابقين انطلاقاً من نظرة مستقبلية أخذت في الاعتبار تزايد أعداد الحجيج عاماً بعد عام. ويبلغ طول المسعى 394,5 متر، وعرضه 20 متراً، وارتفاع الطبقة الأولى منه 12 متراً، وارتفاع الطبقة الثانية 9 أمتار، مما ساعد على تيسير السعي وتوفير مساحات واسعة تستوعب عدداً كبيراً من المصلين. ولتخفيف الزحام في المسجد، أنشئ الطابق الثاني للمسعى استناداً إلى فتوى شرعية بجواز ذلك.

كما أقيم في وسط المسعى بتقسيمه إلى قسمين متوازيين أحدُهُما للسعي باتجاه الصفا والثاني للسعي باتجاه المروة. وأنشئ وسط القسمين ممرضتان ذوتا اتجاهين لسعي العاجزين وغير القادرين على المشي والنزول. وبني درج قسم إلى قسمين في كل من الصفا والمروة، ولكل منهما جانبان، أحدهما للصعود والثاني للهبوط؛ كما أنشئ 16 باباً للمسعى تنتشر على الواجهة الشرقية للمسجد. وعند الطبقة العليا، أنشئ مدخلان خارج الحرم، أحدهما عند الصفا وثانيهما عند المروة. وهذان المدخلان يرتفعان عن سطح الأرض بما يساوي السطح المخصص للصلاة. وفي داخل المسجد أقيم للطبقة العليا سلّمان، أحدهما عند باب الصفا والثاني عند باب السلام. وتحت الطبقة الأولى أنشئت طبقة من الأقبية سطحها بمستوى الأرض وارتفاعها ثلاثة أمتار ونصف المتر.

وحماية للمسعى والمسجد من مياه الأمطار والسيول، أنشئ مجرى خاص يمتد تحت رصيف الجهة الجنوبية من شارع "القشاشية" ويمر أسفل منطقة الصفا ثم أسفل رصيف الشارع الجديد. وبلغ عرض هذا المجرى خمسة أمتار وارتفاعه بين أربعة وستة أمتار؛ كذلك تم تعديل أنفاق المشاة المواصلة إلى الصفا حيث تم تعديل مسار هذه الأنفاق في الجزء الآخر منها بحيث يكون مخرجها جنوب أنفاق الطريق الدائري الأول بمنطقة "شعب علي" مع المحافظة على نفس المقطع العرضي لهذه الأنفاق والذي يبلغ 11 متراً و40 سم لكل منها مع تأمين نفس المستوى ونوعية الإنارة والتهوية ووسائل السلامة.

وبعد السعي، خرجنا إلى "منىً" فرأينا أعمال تحسين جسر الجمرات والمنطقة المحيطة به، بحيث تم هدم وإزالة المنحدر السابق الشرقي جهة منىً وإنشاء منحدر جديد للصعود بعرض 45 متراً بعد تعديل المسار وجعل المنحدر مواجهاً لمشاة القادم من منىً والجمرة الصغرى؛ كما أزيل المنحدران الجانبيان المؤديان للجمة الصغرى من الشمال والجنوب، وتم استبدال الجزء المغطى من بلاط الجسر بأجزاء خرسانية يتناسب منسوبها مع أجزاء الجسر المحيط به.

كذلك أنشئ منحدران بعرض 15 متراً لكل منهما للنزول ومن الجسر ما بين الجمرة الكبرى والجمرة الوسطى مع زيادة منطقة اتصال الجسر بالمنحدرين إضافة إلى توسعة منحدر النزول الغربي باتجاه الحرم من 20 متراً إلى 40 متراً وإزالة العوائق الأرضية أيضاً. وقد تم إنشاء خمسة مبان لمراكز الخدمات والطوارئ موزعة على طول الجسر تحتوي على المصاعد والسلالم اللازمة لتوفير خدمات الإسعاف الأولى في حالات الطوارئ؛ كما أنشئ برج للمراقبة، وذلك ببناء ثلاثة أدوار إضافية على جزء من مساحة سطح مركز الخدمات الواقع شمال الجمرة الوسطى. وإضافة إلى ذلك، تم إنشاء أربعة مراكز أمنية موزعة عند مداخل المنحدرات الرئيسة والفرعية ومهاجع الجنود والأمن العام. وفي إطار أعمال التحسينات، نفذ نظام إشارات عادية معلقة لإرشاد الحجاج مع إنارتها وتركيب وسادات هوائية لتوجيه حركة المشاة بالقرب من الجمرة الكبرى أعلى الجسر. ومن أجل توفير خدمات إضافية لضيوف الرحمن، تم تنفيذ نظام لتبريد المياه حيث ركب خمسون ومئة صنبورٍ للمياه المبردة ما بين الجمرة الكبرى والجمرة الصغرى أعلى الجسر مع نظام تصريف خاص بها. وكذلك تم تحسين وتجديد نظام الإنارة بمضاعفة عدد وحداتها وتغييرها إلى اللون الأبيض بدلاً من الأصفر مع إعادة توزيع الوحدات القديمة. وإضافة إلى ذلك، فقد تم تحسين وزيادة فعالية نظام التهوية أسفل الجسر بزيادة مراوح السقف لجميع مواقع الجسر وتركيب ثمانية عشر مروحة نقاشة موزعة بواقع ستِّ مراوح لكل جمرة من الجمرات الثلاث. أيضاً تم تحسين وتنظيم المنطقة حول الجسر بتمهيد جميع المساحات المحيطة به وتبليطها، وفصل حركة السيارات عن حركة المشاة، وذلك بتركيب حواجز خرسانية متباعدة تمنع دخول السيارات وتسمح بعبور المشاة. وفي نطاق توفير الخدمات اللازمة وتوصيلها للجسر، تم تنفيذ نظام تغذية المياه وصرف صحي وهاتف وكهرباء وتصريف المياه السطحية وتزويد المباني ومراكز الأمن والساحات المحيطة بالجسر. وقد تم تركيب نظام مراقبة تلفزيونية أسفل وأعلى الجسر وربطه مع مبنى الأمن العام "بمبنى"، وتركيب سلم حديدي للطوارئ في الجهة الشمالية أمام الجمرة الصغرى. كذلك تم تنفيذ الطريق الشمالي للجسر من شارع سوق العرب إلى شارع "مجرة الكبش" بعرض 20 متراً. ويتكون هذا الطريق من ست مسارات. وتم تسوية وتمهيد الساحات التي نتجت عن الهدمات الإضافية بالجهتين الشمالية والجنوبية للجسر. إضافة إلى ذلك، تم تنفيذ درج بطول حوالي ثمانين متراً بالجهة الجنوبية من الجسر يصل ما بين شارع الملك فيصل وساحة الجسر الجنوبية مع تسوير التلة الجبلية الواقعة جنوب الجسر بسياج حديدي على طول محيطها، وعند النزول بـ»مزدلفة« للمبيت بها. وقد شملت التحسينات تنفيذ موقعين جديدين لمواقف السيارات يقع الأول منهما على الطريق رقم 2 جنوب غرب المزدلفة. وفيه تم إنشاء مواقف للحافلات من صفين مختلفي الطول وموازيين للمواقف الحالية في هذا الموقع. أما الثاني، فيقع غرب جسر الملك فيصل بين الطريق رقم 3 وطريق العزيزية. وفيه تم إنشاء مواقف للحافلات من ثلاثة صفوف متوازية ومختلفة الطول.

وتتضمن أعمال الموقفين الجديدين تنفيذ القطع الصخري والردم والتسوية والرصف والحواجز الخرسانية والبردوزات وتصريف مياه الأمطار ودهان إشارات الطرق وأعمال الإنارة باستعمال الأبراج. ومن أعمال هذه التحسينات إنشاء طريق على جسر الملك فيصل تسهيلاً لحركة مرور حافلات الحجاج بين عرفات ومزدلفة ولفك الاختناقات المرورية في المنطقة. وهذا الطريق يربط امتداد جسر الملك فيصل من جهته الجنوبية مع الطريق الطائف مروراً بالطريق رقم 2، وذلك بطول حوالي 2500 متر وعرض 40 متراً عمل تقاطعات أرضية على الطريقتين المذكورتين.

وبعد الانتهاء من مناسك الحج، ذهبنا إلى المدينة المنورة لزيارة النبي r. فبدت المدينة المنورة في هذا اليوم كعروس يصنع تاريخها المعاصر من جديد بمشروعات معمارية وعمرانية استهدفت عمارة وتوسعة الحرم النبوي الشريف وإعادة تخطيط المدينة المنورة وتحسينها وتجميلها بما يليق وما تحتله من مكانة في عقول المسلمين وقلوبهم.

وتضمنت هذه المشروعات إضافة مبنى جديد إلى مبنى المسجد المحيط، ويتصل به من الشمال والشرق والغرب بمساحة قدرها 82.000 م2 تستوعب 150.000 مصلٍّ. وبذلك تصبح المساحة الإجمالية للمسجد بعد التوسعة 98.500م2 تستوعب 180.000 مصلٍّ. وقد تمت الاستفادة من سطح التوسعة للصلاة بعد تغطيته بالرخام وبمساحة قدرها 67.000 م2 تستوعب 90.000 مصلّ. وبذلك أصبح المسجد النبوي الشريف بعد التوسعة يستوعب أكثر من 270.000 مصلّ ضمن مساحة إجمالية تبلغ 165.500 م2. وتضمنت أعمال التوسعة إنشاء دور سفلي (بدروم) بمساحة الدور الأرضي للتوسعة، وذلك لاستيعاب تجهيزات التكييف والتبريد والخدمات الأخرى.

ساحات المسجد النبوي

ويشتمل مشروع التوسعة على إحاطة المسجد النبوي الشريف بمساحات تبلغ 235.000 م2، منها 45.000 م2 أرضيتها مكسوة برخام أبيض بارد عاكس للحرارة؛ والباقي مساحته 190.000 م2 أرضيتها مكسوة بالجرانيت وفق أشكال هندسية بطرز إسلامية وألوان متعددة. وهي مخصصة للصلاة تستوعب 430.000 مصلّ في حال استخدام كامل المساحة، مما يجعل الطاقة الاستيعابية لكامل المسجد والساحات المحيطة به تزيد عن 700.000 مصلّ لتصل إلى مليون مصلّ في أوقات المواسم.

وتضم هذه الساحات مداخل للمواضئ بها 6800 وحدة وضوء و2500 دورة مياه و560 نافورة مياه شرب وأماكن لاستراحة الزوار تتصل بمواقف السيارات التي توجد في دورين تحت الأرض، وهي مخصصة للمشاة ومحاطة بأسوار وبوابات من كل جانب تم إضاءتها بواسطة وحدات إضاءة خاصة مثبتة على واحد وخمسين ومئة عامود مكسوة بالجرانيت والحجر الصناعي.

أما الحصوتان المكشوفتان الواقعتان بين المسجد القديم والتوسعة السعودية الأولى، فقد تم إقامة اثنتي عشرة مظلة ضخمة فيهما بنفس ارتفاع السقف تظلل كل منها مساحة 306 م2 يتم فتحها وغلقها أوتوماتيكياً، وذلك لحماية المصلين من وهج الشمس ومياه الأمطار وللاستفادة من الجو الطبيعي حينما تسمح الظروف المناخية بذلك.

الخصائص المعمارية

صمم الطابق الأرضي للتوسعة بارتفاع 12.55م والدور السفلي للخدمات بارتفاع 4 م. ويبلغ عدد الأعمدة بالطابق الأرضي 2028 عامود مكسوة بالرخام، وبها تيجان نحاسية تحتوي على سماعات الصوت ولكل عامود قاعدة رخامية بها فتحات التكييف النحاسية. وتتباعد هذه الأعمدة عن بعضها بمسافة 6 م أو 18 م تشكل أروقة وأفنية داخلية تنسجم مع الإطار العام للتوسعة.

القباب المتحركة

كما زود المسجد بسبع وعشرين قبة متحركة بقطر 18 متراً زنة الواحدة 80 طناً تغطي مساحة 324 م وتتوافر لها خاصية الانزلاق على مخدات حديدية مثبتة فوق سطح التوسعة، ويتم فتحها وغلقها بطريقة كهرو أوتوماتيكية عن طريق التحكم عن بعد بما يتيح الاستفادة من التهوية الطبيعية في الفترات التي تسمح فيها الأحوال الجوية بذلك.

المداخل والمآذن

تحتوي التوسعة على سبعة مداخل رئيسة بالجهات الشمالية والشرقية والغربية. ويحتوي كل مدخل رئيس بدوره على خمس بوابات متجاورة بالإضافة إلى بوابتين جانبيتين. وهناك أيضاً مدخلان رئيسان بالجهة الجنوبية للتوسعة يحتوي كل مدخل منها على ثلاث بوابات متجاورة، بالإضافة إلى عشر بوابات جانبية واثنتي عشرة بوابة أخرى لمداخل ومخارج السلالم الكهربائية المتحركة التي تخدم سطح التوسعة، علماً بأن عدد البوابات الخشبية الخارجية للتوسعة 142 بوابة، منها 65 بوابة كبيرة. وإلى جانب ذلك، هناك ثمانية عشر سلماً داخلياً؛ كما يوجد بالتوسعة 6 مباني للسلالم الكهربائية المتحركة تحتوي على 24 سلماً كهربائية. وفي وسط الناحية الشمالية للتوسعة يوجد مدخل الملك فهد بن عبد العزيز، وهو المدخل الرئيس للتوسعة. ويعلو هذا المدخل ويميزه بشكل خاص سبع قباب، ويحده من كل جانب مئذنة بارتفاع 105 م. وبذلك يكون للمسجد بما فيه التوسعة عشر (10) مآذن، ست (6) منها جديدة. ويبلغ ارتفاع الواحدة 105 م بزيادة 33 م عن ارتفاع المآذن الموجودة بالتوسعة السعودية الأولى. وتوجد المآذن بالأركان الأربعة للتوسعة مع مئذنتين على جانبي المدخل الرئيس.

أعمال الزخرفة

وقد صممت أعمال الزخرفة بالتوسعة بحيث تحقق التناسق والانسجام مع نظيراتها بالتوسعة السعودية الأولى، وذلك لإبراز الجانب الجمالي في الفن المعماري الإسلامي.

ويشمل ذلك أعمال الحليات والزخارف والكرانيش لتجميل الحوائط والكمرات والكينارات والمآذن وأعمال الخشب المشغول كالمشربيات والشبابيك والأبواب الخشبية المطعمة بالنحاس وأعمال النحاس كالدربزينات وتيجان الأعمدة والثريات المطلية بالذهب وأعمال التكسية بالرخام المزخرف على كامل الجدران الداخلية على علو ثلاثة أمتار والأعمدة الدائرية المكسوة بالرخام المستديرة. وقواعدها أيضاً مكسوة برخام مزخرف بأشكال هندسية جميلة، وبها تجويفات خاصة لوضع المصاحف الشريفة بطريقة منظمة.

الأعمال الكهربائية

وتشمل الإنارة التي تتضمن 68 نجفة كبيرة و111 نجفة أصغر حجماً، وكلها مصنوعة من النحاس والكريستال؛ وكذلك 20450 وحدة إنارة، منها 7330 نحاسية ومكبرات الصوت ونظام التحكم الأوتوماتيكي ودوائر تلفزيونية مغلقة للمراقبة تغطي جميع أجزاء المسجد والساحات الخارجية ونظام إنارة للطوارئ باستخدام بطاريات شحن خاصة وأنظمة كشف الحرائق ومكافحتها وغرف خاصة للوحات المفاتيح وتركيبات الإنارة وشبكات التوزيع، وذلك في الدور السفلي (البدروم) من التوسعة.

تلطيف الهواء

وقد صممت أعمال التهوية لتحافظ على الناحية الجمالية والمعمارية للمسجد، بحيث تم إدخال فتحات خاصة ضمن تصميم قواعد الأعمدة مغطاة بالنحاس لدفع الهواء البارد إلى المبنى من خلالها حيث يتم دفع الهواء إلى مخارج الهواء بقواعد الأعمدة بالدور الأرضي من حوالي 143 وحدة مناولة للهواء مركبة في البدروم عبر مجار معزولة حرارياً.

وتعتبر عملية تلطيف هواء المسجد النبوي الشريف من أكدّ الأعمال في العالم؛ إذ تمر مواسير التبريد عبر نفق للخدمات بطول سبعة (7) كيلومترات لتصل ما بين المحطة المركزية للخدمات التي توجد بها أجهزة التبريد ومعدات ومولدات الكهرباء وبين دور التسوية بالتوسعة. وبالإضافة إلى ذلك، فقد تم تلطيف هواء المسجد القديم وفق أسس معمارية وهندسية تحول دون إجراء أي تعديلات في المبنى القائم أو المساس به والمحافظة على شكله، وذلك عن طريق دفع الهواء البارد من خلال فتحات النوافذ الموجودة في الجدار القبلي للمسجد. وهكذا يكون مسجد الرسول r قد تم تلطيف هوائه بالكامل.

نفق الخدمات (العبارة الخرسانية)

وهو الذي يتم عن طريق نقل المياه المبردة من محطة التبريد إلى قبو المسجد، وهو بمثابة عَبَّارة من الخرسانة المسلحة بارتفاع داخلي يبلغ 401 م وعرض 6,2 وبطول سبعة كيلومترات. ويحتوي هذا النفق على أنبوبتين لنقل المياه المبردة، قطر كل منهما 90 سم. وقد أخذ في الاعتبار إمكان إضافة أنبوبتين أخريين داخل النفق نفسه إذا ما دعت الحاجة مستقبلاً؛ كما زود هذا النفق بإحدى وثلاثين غرفة تهوية مزودة بالمراوح اللازمة لذلك ومزودة أيضاً بمحولات كهربائية. وبمحاذاة نفق الخدمات يوجد مجرى كابلات ضغط متوسط جهد (13,8 ك. ف) يتكون من تسعة أنانيب بقطر 12,5 سم لكل منهما. وقد تم حفره بعمق كاف تحت مستوى الشارع كي لا يشكل عقبة أو عائقاً للخدمات العامة التي يتوقع إنشاءها مستقبلاً؛ كما يمر هذا النفق تحت »نفق المناخة« ومن خلال مشروع مواقف السيارات تحت الساحات المحيطة بالمسجد النبوي الشريف.

أما خارجه، فإن الأبنية الضخمة العالية حالت بيني وبين وصف خارج المسجد النبوي الشريف. فقد كانت آثار »العولمة« ورجال الأعمال من الفخامة والعلو ما جعلني أنظر إلى الخلف أكثر. أثيرت الصور كل مرة إلى الحرمين، المسجد النبوي والمسجد الحرام. ففي خارجها من التغيرات ما يدفع القارئ إلى العودة إلى المدينة ويستفيد من توسعة الحرمين من جديد.

لا ينكر أحد دور الملك عبد العزيز في تأسيس المملكة السعودية معتمداً على الدين الحنيف قواماً ومنهاجاً. فقد بدأ استعادة مدينة الرياض وتوحيد أجزاء الجزيرة المتناثرة والمتنازعة، فأعاد إليها مكانتها التي كادت تخبو وحمل أبناؤه من بعده رسالته مؤسِّساً بانياً؛ فأضحت المملكة بهم كياناً حضارياً شامخاً اختصر الكثير من المسافات والعقود الزمنية الحضارية. وتخطى معهم الحدود ليعنى بشؤون المسلمين في كل بقاع الدنيا.

كان الملك عبد العزيز يعرف أن خدمة المسلمين ستكون أولى أوليات الدولة السعودية الجديدة... ولعل أبرز اهتمامات المملكة يتمثل في خدمتها للحرمين الشريفين.





رد مع اقتباس