عرض مشاركة واحدة
قديم 04-30-2010, 03:10 PM   رقم المشاركة : 8
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة

تبتسم مرادي كأنها تتذكر تلك الفترة بتفاصيلها، أو كأنها تشمّ رائحتها لتقول ‘’وأيُّ شرف لمسلم أن يسير خلف خيل الأنبياء! (...) كانت المعنويات مرتفعة جداً والصعوبات تزيدنا إصراراً وقوة إضافة إلى بعض من الأمور المساعدة والمساندة لنا، على اعتبار أننا اليوم في آخر الزمان وأننا غرباء والقابض على دينه كالقابض على الجمر (...) هذه الخصوصية كانت واحدة من دوافعنا الكبيرة للالتزام، ولعبت الأشرطة دوراً رئيساً في تشكيل الوعي الإسلامي المبكر (الصحوة) في تلك الفترة كأشرطة حميد المهاجر، حسن الصفار، فوزي السيف، سيد هادي المدرسي (الذي يعتبر الأب الروحي لجبهة التحرير الإسلامية)، إلى جانب الكتب التي تصل مجاناً من دار التوحيد في الكويت لكل من يراسل الدار’’.

مرادي الناشطة السياسية اليوم والتي خاضت تجربة الانتخابات البرلمانية في اكتوبر/ تشرين الأول ,2006 كانت جذورها الفكرية واضحة منذ صغرها. إحدى مجايلاتها تقول لنا ‘’مرادي والكتاب في يدها كالشامة التي على الجسم لا تنفك (...) كنا لا نراها في المدرسة إلا وهي ممسكة بكتاب صغير تبدو عليه آثار القراءة المتكررة والاستعمال المكثف وقد اهترأت أطرافه (...) هذه الصورة التي ترد كلما ورد اسم زهراء مرادي بعد كل هذه السنوات’’. هل هذا كل شيء بالنسبة لمرادي؟ يبدو أن الأمر أبعد من مجرد قماش يُلبس على الرأس، فقد تغلغلت ‘’الصحوة’’ في نطاق ضيّق، فتم إنشاء الصندوق الحسيني الخيري، فيما شكلت الفتيات حلقات و’’خلايا’’ لوضع برامج للقراءة والعرض على الأخريات، وممارسة الطقوس والأدعية والاستماع إلى الجديد من الأشرطة، كان الجدول متكاملاً وموزعاً على فتيات الحلقة التي تتسع.

عند مصطلح ‘’خلايا’’ توقفنا مع مرادي التي لم تتردد في القول إنها كانت منتمية إلى ‘’الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين’’، وكانت الخلايا قد بدأت في التكوّن في العام .1979 وفي الفترة اللاحقة التي سادت فيها فكرة تصدير الثورة الإسلامية في إيران إلى دول المنطقة ‘’انتظمنا في الخلايا وأدينا القسم أن نكون جنوداً مخلصين للجبهة وأن نحفظ أسرارها(...) كنت في الرابعة عشرة حينها، لكن أهلي لم يكونوا مترددين في انضمامي إلى الجبهة على رغم من الاعتقالات وعمليات التسفير التي طالت الكثير من الأقارب والجيران في منطقتنا في فريق البنعلي (المحرق) وكنا نتوقع أن يأتينا الدور في أي لحظة’’.

تتابع ‘’كانت ثيابنا ومتعلقاتنا موضوعة في حقائب سفر تحسباً لأي طارئ (...) التوجس هو ما ننام عليه كل ليلة، خصوصاً وأنني أفتقد والداً لم أره مذ كنت في الرابعة من عمري إذ توفاه الله حينها وبقيت والدتي هي المعنيّة بأمرنا (...) في فترة لاحقة عُرض علينا جواز سفر آخر للخروج من البحرين بسلام لكننا تمسكنا بأرضنا.. (تضحك) لا أقوى على مغادرة المحرق، فكيف بالبحرين كلها؟!’’.

هكذا رآنا المجتمع
ظاهرة جديدة في المجتمع، كيف يمكن قبولها؟ ككل الظواهر الحافرة في عمق المجتمع الذاهبة إلى تغييره، قاوم المجتمع البحريني هذا التوجه الجديد، خصوصاً لارتباط بداياته بالإخوان المسلمين (على الجانب السني)، وفي مناطق كثيرة هنا ما إن يرد اسم الإخوان المسلمين حتى تتهاوى القصص والوصوف لما وقع بينهم وبين جمال عبدالناصر، وفي تلك الفترة لا تزال الكثرة الكثيرة في المناطق المدينية تدين لعبدالناصر بالكثير الكثير من الرفعة والصحوة القومية والاستنهاض العربي والكرامة والعزة. ولا يزال الرجل بعد 37 عاماً من رحيله رمزاً في البحرين وفي غيرها من الدول، وبالتالي، لم تستسغ قطاعات عريضة في المجتمع هذا التوجه الجديد.. أطلقت عليهن مسميات تنال من أشكالهن ووصوفاً أقل ما يقال فيها إنها جارحة، تصل إلى أسماع البعض منهن مسمى ‘’غراش الآجار’’ (برطمانات المخلل).
تضحك مرادي وهي تقول ‘’بعض النسوة في الحي اعتقدن أننا نلبس الحجاب لعلة فينا، أو مرض في شعر رأسنا مثلا (...) اعتقدت البعض أننا أصبنا بالصلع ولذا نتستر بالمناديل إذ لم تكن معروفة في تلك الفترة، فكانت الفتاة المحافظة تكتفي بلبس العباءة على رأسها وحسب’’.

فيما كانت سعاد المير تشعر ببعض المرارة من تلك الفترة، تعبّر عنها بقولها ‘’بعد أن تحجبنا، كنا نمشي في الطرقات، فينظر إلينا الناس باستغراب متسائلين: ما هذا الزي؟ ولماذا تبلسه هؤلاء الفتيات؟’’.
كانت الفتيات المتحجبات مطالبات بالكثير من الثقافة والرد على كل سؤال. تقول المير ‘’كانت الأسئلة تدور بين الناس وتصل إلينا أحيانا، وأحيانا يسألوننا هذه الأسئلة بشكل مباشر، ويدور حوار بيننا حول الحجاب المفروض من الله تعالى وهذا ما نعتقده، ويردون علينا أن المجتمع لم يعرف إلا العباءة وليس هذا الملبس الجديد الذي نلبسه..’’.

في صحيفة محلية، كتب عنا أحد الصحافيين يقول ‘’هناك ظاهرة ظهرت عندنا في البحرين وهي أن بعض النساء يلبسن لباساً كأن الواحدة منهن (أمّ حمار)’’.

لكن الوقع يبدو أخفّ بعض الشيء لدى هيفاء محمود، فكانت تشير إلى تعرضها وزميلاتها إلى بعض الوصوف القاسية في البداية ‘’واجهنا صعوبات، وتأثرت والدتي بمقولات المعلمات، ولكنها كانت فترة قصيرة وانتهت بلبس والدتي نفسها الحجاب الملتزم، وكان هذا منوال الجميع في البحرين في تلك الفترة’
ستدرك ‘’لكن ليس جميع الفتيات تعرضن للمشاكل والصعوبات، وفي الحقيقة لم تكن تلك الصعوبات بالغة أو مؤثرة كثيراً فينا، فقد حُرمت من الذهاب في تلك الفترة إلى التجمعات المختلطة (...) بل امتنعت من تلقائي عن الذهاب إليها حتى لا أؤذي والدي بأن أعرّضه لأسئلة الفضوليين والتي ربما يُحرج منها’’. تسبح قليلاً في ذكرياتها وتستطرد ‘’عندما ألتفت ورائي في الصف أرى الطالبات من دون حجاب وأنا وحدي أحياناً أكون المحجبة في الفصل، الأمر كان معاناة يومية (...) هذا كثير علينا، أحياناً أفكر مع نفسي: كيف فعلتها؟ (...) بدأت أتخطى الأمر بسهولة عندما وصلت إلى الصف الثالث الإعدادي، فقد انتشر الحجاب إلى غير رجعة’’.



«أسماء» قد تصبح أول نائب متحجبة في أوروبا
تثير أسماء عبدالحميد (25 عاما) الدانمركية من أصل فلسطيني جدلا على الساحة السياسية ولدى الرأي العام الدنماركي منذ أن أعلنت نيتها في الترشح لمقعد نيابي، كونها امرأة ترتدي الحجاب وترفض مصافحة الرجال. ومن المحتمل جدا أن تصبح هذه الشابة أول امرأة محجبة تشغل مقعدا في برلمان دولة أوروبية بعد أن تم تعيينها مرشحة عن حزبها ‘’لائحة الوحدة’’ (يسار متطرف) في السادس من مايو/ أيار الجاري.

وصلت أسماء المولودة من أبوين فلسطينيين إلى الدنمارك وهي في الخامسة من عمرها. والآن هي مستشارة للشؤون الاجتماعية عن مدينة اودينسي. وقد برزت شخصيتها من خلال التزامها ‘’الحق في الاختلاف’’ إزاء منتقديها الذين يرون فيها امرأة مقموعة.

وبحسب استطلاع للرأي، فقد احتلت أسماء المرتبة الثانية في قائمة المرشحين عن حزبها في كوبنهاغن للانتخابات التشريعية التي ستجرى في مطلع فبراير/ شباط 2009 ما يعني أنها قد تنتخب بسهولة.

وكانت أسماء قد شكلت سابقة في العام 2006 حين أصبحت أول مقدمة برامج متحجبة على التلفزيون الدنماركي.

واعترضت زعيم ‘’حزب الشعب الدنماركي’’ بيا كييرسغارد - التي بنت نجاح حزبها على رفض المهاجرين المسلمين - على هذا الترشيح معتبرة أن الحجاب ‘’غالبا ما يفرض على فتيات بريئات من رجال متسلطين’’. وقالت إنها تشعر ‘’بنوع من الشفقة’’ على امرأة ‘’تحاول أن تقنعنا أن الحجاب يحررها’’.
أما أسماء، فترد على هذا الهجوم بالقول ‘’إنني حرة حين أضع هذه القطعة من القماش على رأسي. انه خيار صائب بالنسبة لي. وإنني أفضل إلقاء التحية على الرجال بوضع اليد على قلبي لأظهر صدقي واحترامي. لكنني لن اطلب أبدا من (نساء) أخريات أن يقمن بالمثل’’.

وترى أن البرلمان ‘’هو وسيلة لمسلمة دنماركية للنضال في سبيل أفكارها مثل المساواة بين الرجل والمرأة’’.

وفي رد فعل آخر على انتقادات اليمين المتطرف، ظهرت النائب عن الحزب الراديكالي (معارضة) ووزير التربية السابقة اليسبيت غيرنير نيلسن، وهي ترتدي حجابا أمام المصورين والصحافيين. ودافعت عن ‘’الحق في الاختلاف وحرية التعبير والتسامح’’، وقالت ‘’المهم ليس ما ترتديه على رأسك إنما الأفكار التي تعبر عنها’’. (كوبنهاغن - ا ف ب)

السوق الذي أفسد المفاهيم

بدأ الحجاب بشكل ليس هو الشكل الذي نراه اليوم، وليس كما كان في السابق. اختلفت ألوانه وتغيرت اتجاهاته، دخل الحجاب في آليات دور الأزياء، وكان في أواسط الثمانينات الحجاب الذي يحمل في طرفه كلمة Golden من أشهر الأنواع، لكن سرعان ما دخلت دور الأزياء وتصميم خطوط الموضة في السباق في هذا الشأن أيضاً، وصار المنديل ماركة، واستجاب إلى التطورات التالية لما بعد الرمز الديني، انتقل إلى الشأن المجتمعي.

ورافقت هذه التحولات وربما سبقتها أشكال في لبس الحجاب ما بين الشكل المصري، الذي ينحو إلىضع ما يشبه العقال على الحجاب، مع ترك الرقبة والأذنين ظاهرتين.. الكويت مصدر التقليعات أيضاً لم تتوقف عن خلق أشكال للحجاب، الفضفاض حينا، والمتعدد الطبقات حينا، ذاك الذي تسبقه قبعه ويليه القماش، يرخينه الفتيات حيناً، ويشددن من إحكامه حيناً. بات الحجاب موضة، وتعددت النظرات إليه.

مريم عبدالغفور البائعة في محل للعباءات والحجب، تقول إنها شهدت في مدة عملها (23 عاماً) في هذا المجال الكثير من التغيرات التي رافقت الحجاب ‘’كانت الموضات تتغير ببطء في البداية، ولكنها اليوم سريعة التغيير، وهذا يلزمنا أن نرجع البضاعة (القديمة) إلى مصادرها ونأتي بالجديد إلى المحل’’.
لا تلبس مريم الحجاب بشكله التقليدي، لكنها تستعيض عنها بـ’’الملفع’’ الأسود الملفوف بإحكام على الرأس، وتقول مبتسمة ‘’لست مسؤولة عن الكيفية التي ترتدي بها فتيات اليوم هذه الحجب، أنا أبيعها وحسب..’’.

نظرات متغيرة لحُجُب متغيرة
رجوعاً إلى رائدات الحجاب في البحرين، أو لنقل بعضاً منهن اللاتي يشتركن معنا في هذا الملف، فإن لكل منهن أيضاً نظراتها المختلفة لما طرأ على الحجاب من تغيير على مر الزمان، فالنظرات تتفاوت بين ‘’التفهّم’’ لطبيعة التغيير، والرفض لأي مساس بهذا التغيير لأنه يخدش المعنى والفكرة من الحجاب في الأساس.

سعاد المير، المعلمة التي أخذت على عاتقها نشر فكرة الحشمة والتدين في نطاقها، ترى أن هذه الموضات خدش للحجاب المتلزم ‘’من المؤسف أن البعض في أيامنا هذه تلبس الحجاب كتقليد أو موضة أو عادة اجتماعية، وليس من باب إرضاء الله وطاعته’’.

تضيف ‘’نجد أشكالاً للحجاب كأن ترتدي الواحدة ملابس ضاغطة على جسمها بأكمله ثم ترتدي على رأسها غطاء (...) أو ترتدي أخرى أحدث صيحات الموضة لافتة النظر، وتتخذ من الاكسسوارات المالئة لصدرها ويديها الشيء الكثير اللافت، وتخرج بماكياج كامل ثم تغطي شعرها، أو جزءاً منه بغطاء، ما معنى هذا الغطاء؟’’ هكذا تتساءل المير.

يقفز الألم من كلمات المير التي تود أن ترى المتحجبة متحجبة عن قناعة كاملة والتزام حرفي بما تعتقده من أوامر الستر كما فسّرها العلماء، أما هذا الوضع المتأرجح في منزلة بين المنزلتين فلا مكان له.
تقول ‘’فإما أن يكون الحجاب بشكله الشرعي بألا يصف ولا يشف ولا يكون لباس شهرة (أي ملفت للنظر) وإما تركه كاملاً (...) فليس هناك نصف مسلم أو رُبع مسلم أو عُشر مسلم’’ حسب تعبيرها.

حسن.. أليس من تلبس ‘’ما يشبه الحجاب’’ أفضل بالنسبة لك ممن لا تلبسه بالكامل، إذ إنها بلغت منتصف المسافة بين الستر والسفور، وهنا تسهل مهمة إقناعها من قبل الناشطات الإسلاميات؟ هكذا تساءلنا، فتقول المير ‘’هذا النوع من الحجاب إساءة إلى الحجاب، وعادة اجتماعية مستحدثة وليست من التدين في شيء’’.


وتزيد ‘’صحيح أن بعض المتحجبات تلبس الحجاب كعادة اجتماعية وليس التزاما دينيا، في حين أن هذه النوعية من المتحجبات عندما تقوم بأعمال مخلة للآداب أو القيم أو الدين، فإن هذه المخالفات يجب ألا تحسب على الدين والتدين، لأنها لو كانت لبست الحجاب عن تدين وإرضاء لله، لما استطاعت أن تعصي الله في أمور أكبر’’.


وتؤكد ‘’الحجاب الصحيح هو الذي يدفع المسلمة إلى عمل كل ما تستطيع لإرضاء الله وكسب جنته، ويدفعها أيضاً إلى اجتناب كل ما يغضب الله ويكسبها سخطه’’.

‘’شيء أفضل من لا شيء’’، هذا ما تراه زهراء مرادي في شأن الموضة والحجاب، مستطردة أن هناك من الفتيات من يرتدين الحجاب عن غير قناعة، أو مسايرة للوضع الاجتماعي اليوم، لكن هؤلاء يجب ألا يحسبن على المتديِّنات. تقول ‘’أعتقد أن بعض الديكورات الطارئة على الحجاب رفعاً وخفضاً، إزاحة وإماطة ربما تسيء إلى المعنى الأساسي للحجاب الرامي إلى حماية المرأة ورمزاً لعفافها وسترها (...) يلتقط مناهضو الحجاب هذه الموضات والأشكال المتغيرة حجة للنيل منه وممن ترتديه عن قناعة والتزام، متخذين النماذج غير الملتزمة به كلياً معياراً لهذا النقد، ولكنني أرى في الوقت نفسه أن شيئاً أفضل من لا شيء (...) فكما لا يمكن لأحد أن يقول لمصلي لا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر أن يتوقف عن أداء الصلاة، كذلك لا يمكن القول لمرتدية حجاب ليس كما توافق عليه علماء الشرع أن تنزعه لأنها غير ملتزمة به بشكل كامل، فهذا سيكون إجحافاً(...) لترتديه اليوم لعلها تتوصل إلى قناعة بارتدائه بشكل كامل ذات يوم’’.

هنا تبدو تلميذة سعاد المير بالأمس هيفاء محمود بنظرة أقل حدة، فهي تعلم أن ليس من الواقعية أن تجبر فتيات اليوم على ملابس لا تتماشى مع هذا العصر، فهناك مغريات كثيرة أمامهن، لذا تفصح عن رأيها بقولها ‘’أتقبل موضات الحجاب، وأتصور أن الوضع جيد، فالعالم يمر في طور لا يمكننا أن نقف في وجه التغيرات الحادثة، فليس من المنطق أن يصر البعض أن تلتزم المرأة المسلمة بلباسها ذاته الذي يقبله مجتمعها به هنا عندما تذهب إلى مجتمعات أخرى’’.

تضيف ‘’ما دامت هي ملتزمة بشروط اللباس الإسلامي الأساسية، فليكن بعد ذلك اختيارها كما تشاء وتشتهي من الملابس والأزياء والألوان (...) ليس هناك شكل واحد فقط للباس الإسلامي لا يخرج عنه، هناك أمور أساسية، وما بعدها لكل فتاة حريتها الخاصة فيما تختار.. ما دام محتشماً’’.
الحداثة في طريقها إلينا

أعدنا السؤال على هيفاء محمود بشأن نظرتها اليوم بعد كل ما بذلته مع ‘’أخواتها’’ في سبيل نشر الحجاب الملتزم، إلى الفتيات اللاتي يلبسن الحجاب ولا يلبسنه كما كنّ يرجون له، فتقول ‘’في هذه المرحلة، أحاول ألتمس العذر للفتيات اللاتي هن في منزلة بين المنزلتين في مرحلة الحجاب غير الكامل إن صح التعبير (...) هذه الأسواق مليئة بالألبسة التي لا تتناسب مع ما ينص عليه الشرع’’.
تضيف ‘’الأجيال الجديدة سريعة التأثر (...) هناك حد يجب الانتباه إليه بين ما يتماشى مع فتاة اليوم المعاصرة والمتحجبة في آن، بحيث لا تكون غريبة عن مجتمعها، لكنها في الوقت نفسه محافظة على أساسيات الحجاب (...) هنا لا أتحدث عن متحجبة وغير متحجبة، أتحدث عما يناسب المجتمع، فهناك ملابس لا تناسب بحرينية أياً كانت توجهاتها (...) فهذا مجتمع مسلم عربي شرقي، مهما حاول التنصل من هذه الحدود..’’.

وتؤكد ‘’نحن لا نضغط على الأجيال، حتى العباءات التي يراها البعض أنها سوداء كئيبة (...) لكن لنقترب منها سنراها أيضاً جميلة ودخلتها الموضة وهي تغيرت كثيراً (...) وماذا فيها؟ لنترك للمجتمع حريته في اختيار ما يريده فلا أحد يدري ما الذي سيجري عليه الأمر في المستقبل’’.

لا تختلف مرادي كثيراً مع رأي محمود في شأن ما طرأ على الحجاب من تغيرات ربما طوّحت بفكرته بعيداً عن تلك الأيام التي بدأن بها هذا الدرب، إذ تشير ‘’كانت الموضة في الماضي قبل الانترنت والقنوات الفضائية تتغير ببطء بالنسبة لنا (...) ‘’لم تكن الصحف ولا وسائل الإعلام متوحشة في تدخلها في حياتنا الخاصة كما هو الحال اليوم، لكننا اليوم لم نعد نقوى على صد هذا الهجوم الكاسح، لا نستطيع أن نسد أعين أبنائنا وبناتنا لئلا يروا كل هذا الكم الهائل من المنتجات الاستهلاكية الغربية تتدفق على عقولهم وقلوبهم الطرية..’’.

تصارحنا مرادي ‘’أشعر بألم حقيقي لما وصل إليه حال الأجيال الصاعدة من الأمة الإسلامية، ولكنها في الحقيقة تتساوق مع منظومة القيم المزدوجة التي نعانيها جميعاً -ربما- في هذه الأمة (...) إنه انفصام الشخصية التي تظهر أمام المجتمع بشكل كما يريده المجتمع، وتعود في انفرادها بذاتها لتمارس ما كانت تنهى عنه، أو بعضه على الأقل’’.

تُنزل مرادي الأمر إلى نفسها أكثر، ولتطبق ما تقول ‘’أعتقد أن هناك ثوابت في الدين الإسلامي فيما يخص الحجاب والملابس عموما، فصّل فيها العلماء والمختصون كثيراً (...) ربما ما كان يناسبني في زمني لا يناسب ابنتي في زمانها، فأنا لا أتدخل فيما تلبس ما دام في الإطار العام للبس الشرعي، فلا ألزمها بما ألزمت به نفسي (...) هناك تغيرات هائلة اليوم لم تكن موجودة من ذي قبل في المجتمع، وبالتالي فإن الإصرار على طريقة واحدة ووحيدة للملبس سيكون مدمراً للجيل الجديد من الفتيات’’.
جيل جديد

جيل جديد تخاف الناشطات في هذا المجال أن ‘’يكفر’’ بأسلوب الأمر والزجر، بأسلوب ‘’البس ولا تلبس’’، خصوصاً وهنّ يرين هذه الهالات البراقة التي تحيط بالمشاهير ومستقطبي الإعلام، وعليها مكابدة البقاء في الظل وإقناع نفسها أنها كلما مالت إلى الزهد كلما تحقق رضاها عن نفسها بإرضاء خالقها.
هناك ‘’توحش’’ كما تقول مرادي من قبل الإعلام الغربي أحياناً، الأميركي خصوصاً (والذي تشتكي منه المجتمعات الأوروبية في غزوه لقيمها أيضاً) يشكل وعي الجيل الجديد من الشباب، فإما التساوق معه بوجود الكوابح والضوابط الخاصة، وإما الوقوع في شرك الانفصام والازدواجية غير المأمونة، خصوصاً للصف المحافظ والملتزم من هذا المجتمع.

إلا أن رأي المير أكثر حسماً وحزماً في هذا الموضوع عندما سألناها عن رأيها في تكاثر المتحجبات خشية من المجتمع عن غير قناعة تامة بما يرتدينه، وبالتالي تتسبب تصرفاتهم الذاتية في خدش الصورة الذهنية لما يجب أن تكون عليه المتحجبة الملتزمة، لتقول ‘’هذه النوعية من الأفضل لها خلع حجاب الموضة عنها حتى تُعرف بشخصيتها الحقيقية ولا تظهر بمظهر المتدينة في أعمال تنافي الدين’’.
تعود محمود للقول في هذا التفصيل ‘’أعتقد أن الحجاب مثله مثل قيادة السيارة مثلا أو أي شيء آخر تتعدد استخداماته (...) المشكلة أننا في بعض الأحيان ننسى أننا بشر ونفترض ألا تخطئ من تتحجب أو لا يخرج عن جادة الصواب من هو متدين (...) المتدين ليس إلها وليس معصوماً، ولكن الخطأ عندما يأتي منه يكون بارزاً ومدوياً’’. وتزيد ‘’لنعُد أدراجنا بعض الشيء ونتذكر أننا بشر، نخطئ ونصيب، وخير الخطائين التوابون.. وبالتالي لا يمكننا أن نعزو أي خطأ إلى الحجاب، ولكن إلى من ترتديه (...) قطعة القماش لا تمنع الخطأ ولكنه (الحجاب) ربما يذكر الفتاة بأنها اختارت الالتزام الديني’’.


تضرب مثلاً بنفسها ‘’تعلمت من أساتذة غير مسلمين كيف يكون الإسلام لأنهم يتمثلون كل المبادئ الإسلامية الحقة من دون ركوع أو سجود، من دون النطق بالشهادتين، وهذا ما احترمته فيهم.. لنكن واقعيين أكثر لنحكم على المرء من جملة سيرته، وليس لهفوة أو زلة أو ضعف.. وليس لمجرد مظهر وزيٍّ يتزيا به’’.

أعتاب أزمة؟
يمكن إعادة صوغ هذا السؤال بشكل آخر: هل ما أسمي بالصحوة الإسلامية على أعتاب أزمة من نوع جديد لم تحسب حسابه، وذلك بعدما ارتخت بفعل تفردها بالساحة المجتمعية إلى حد كبير في العقدين الماضيين؟. أزمة ترتبط بقدرة خطابها -وإن تطور بعض الشيء واستخدم بعض التقنيات الحديثة تكنولوجيا- على جذب المزيد من الشباب اليوم والإبقاء على خزان الدماء المتجددة مليئاً كما كان في بداية هذه ‘’الصحوة’’؟.

مرادي تقول ‘’الجمعيات الإسلامية تواجه اليوم سؤالاً محورياً: ما الذي يستقطب الشباب ليصبح ملتزماً بدينه؟’’. هل هو سؤال الجمعيات الإسلامية وحدها أم سؤال كل الجمعيات الفكرية والسياسية التي تعاني كثيراً اليوم في الإبقاء على جذوة فكرها متقدة بين الأجيال الطالعة؟ فالكثير من هذه الجمعيات تسعى اليوم إلى استقطاب الشباب ومحاولة تقديم بدائل لهم بجعل خطابهم لا يقل ألقاً عن الخطابات الأخرى سواء الفكرية أو الاستهلاكية، وفي المقابل، تغيير المفاهيم والمصطلحات وتطوير القضايا التي يمكنهم من خلالها الاستحواذ على تفكير الشباب و’’إغرائهم’’ بالمضي قدما في المشروع السابق ولكن بأوجه جديدة.

ترى مرادي أن الأمر ‘’لن يعود إلى سابق عهده من التوهج بالنسبة للإسلاميين إلا بمواجهة تحدٍّ جديد’’ موضحة ‘’تحد يفعل فعل الصدمة فينا من أجل الرجوع إلى الالتزام، ربما مواجهة مع الولايات المتحدة، ربما مواجهة مع إسرائيل كما حدث في يوليو/تموز الماضي عندما شنت حرباً على حزب الله، فتحولت الشعارات والصور والمقولات والأخبار والاهتمامات إلى حزب الله ورمزه القيادي الشيخ حسن نصر الله..’’. ليس هذا لأن الجمعيات الإسلامية كانت قد أبلت بلاء حسناً من وجهة نظرها، فها هي تقول ‘’أعود لأرجع الأمر إلى الأداء السيئ للجمعيات الدينية والقائمين عليها في السنوات العشرين الماضية، إذ لم يستطيعوا تربية جيل مرتبط بربه وبقضاياه، فانشغلوا بالخلافات المذهبية، والخلافات المرجعية (في البيت الشيعي)، وهذا ما أنهك هذه الجمعيات وكوادرها، ولم يتم في هذه الفترة الطويلة الحرجة إشعار الشباب إلى وجود التحديات التي تحيطهم من كل جانب’’، قبل أن تستدرك ‘’نعم، كان هناك عمل أهلي، لكنه لم يرتق إلى العمل المؤسساتي المتكامل والمتصاعد بخطة ومنهجية واضحتين’’.

الحجاب المرتبط بالمرأة، واجهت به المجتمع الذي استغربها، رفضها في بعض الأحيان، تقصّدها في لقمة عيشها مرة، وتقصدت بعض المؤسسات - أيضاً - غير المتحجبات في أرزاقهن مرة في المقابل. ركزت الخطابات على الحجاب وأهملت في كثير من الأحيان من تحمل الحجاب، اتخذها البعض حصان طروادة للولوج بها إلى المعارك الحاسمة، وما إن انتهت تلك المعارك كان مصيرها الإهمال أو الحرق أو النسيان. هذا على المستوى الذكوري، فأين النساء اللاتي قدمن الكثير لمبادئهن - بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معهن فيما قدّمن - من الواقع السياسي والمكاسب التي تأتت للتيار الإسلامي طوال هذه العقود المنصرمة؟.

تجيب مرادي ‘’هناك بالفعل قحط على المستوى الفكري والإبداعي في الحركة الإسلامية النسوية (...) أكثر النساء الملتزمات فضّلن أن يكنّ وقوداً لمبادئهن، سنداً لرجالهن في الملمات، فقدمت المرأة البحرينية الكثير في أحلك الظروف، لكنها توارت في الصفوف الخلفية لحظة الاستحقاق’’.
تضيف ‘’لدينا عدد من النماذج التي لم تتمكن من خوض غمار الانتخابات، إما لحسابات خاصة بجمعياتهن، وإما لأنهن زوجات لشخصيات قيادية ولامعة، وبالتالي، قدّمن أزواجهن عليهن في هذا الاستحقاق واكتفين بالدعم’’.

علمـنـــــــــي الحــجـــــــــاب

مريم «24 عاماً:كنت مغرمة كثيراً بسماع الأغاني، كل كلمة تتحدث بها إحدى زميلاتي تكون الأغنية جاهزة على لساني، قد يكون هذا راجعاً إلى الوسط الذي أعيش فيه، فأخواتي وإخوتي دائماً يحبون سماع الأغاني. عندما كنت في الصف الرابع الابتدائي كنت أستمتع بأخذ أحجبة زميلاتي وارتدائها، كن يقلن لي ‘’تبدين أجمل بالحجاب’’، مع أنني لم أكن أرتديه بالشكل الصحيح، إحدى زميلاتي قالت لي مرة ‘’لماذا أنت هكذا؟ لم لا تلبسين الحجاب، وتبتعدين عن الأغاني كي لا تدخلي النار؟’’. عقل الطفلة في داخلي خاف من كلمة ‘’النار’’.

حين أصبحت في الصف الخامس، بدأت أرتدي الحجاب لكني أخلعه في المدرسة، ارتديته لأنني خفت النار، لاسيما أني عرفت أن سن (التكليف) يبدأ عند الفتاة إذا بلغت التاسعة، كذلك الفتيات من حولي كن يلححن في مسألة ارتداء الحجاب، والشيء الآخر أني كنت أرى الحجاب يجعلني أبدو كبيرة.. أحببت هذا الشعور.

لم أكن أرتديه بطريقة صحيحة تماماً، حيث كان شعري يظهر أحيانا، لكني حين كبرت أكثر (14 عاماً تقريباً)، بدأت أقرأ بعض الكتب حول الحجاب، مثل ‘’كلمة التقوى’’ لمحمد أمين زين الدين، ‘’روضة التائبين’’ لعبدالله الكرزكاني وكتيبات مختلفة، عرفت من خلال القراءة أن ما يجب أن يظهر من الفتاة هو الوجه والكفان فقط، وماعدا ذلك حرام، ويعتبر عورة. تتأثر أمي بكلام أختي كثيراً، فقامتا بشراء قماش لمريول قصير (كنت في الصف الرابع أو الخامس) وقالتا لي ‘’من المستحيل أن نتركك تدخلين المدرسة بحجاب’’، كانت أختي أكثر المعارضين لارتدائي الحجاب مع إنها كانت ترتديه حينها، كان اعتراضها ينصب على كونها معلمة في المدرسة ذاتها التي أتعلم فيها، ومنظري بالحجاب يحرجها.. كانت تعنفني وتؤلمني كثيراً، كنت أتضايق من كلامها ‘’دفنتِ طفولتكِ.. كبّرتِ نفسك كثيراً.. كأنك عجوز..’’ وغيرها من التعليقات الفظة، على الرغم من ذلك كنت في داخلي أشعر بسعادة غريبة لثقتي بأنني على صواب.

تغضب مني أمي لغضب أختي مني.. لاسيما حين نعتزم الخروج لحضور دعوة أو حفل زواج، فتقول أمي ‘’لن تأتي معنا بهذا المنظر، اذهبي وارفعي هذا القماش عن رأسك’’، كنت أبكي كثيراً، لكني في كل مرة كنت أفضل البقاء وحيدة في المنزل، على الخروج من دون الحجاب. مازلت أتعرض من أسرتي إلى الكثير، والفرق الآن أني تزوجت وزوجي سعيد بحجابي الذي يصونني ويصونه، وما أسمعه الآن ينقسم إلى قسمين: قسم مزاح وقسم آخر مبطن باستهزاء أكرهه لكني أتغاضى رغم ألمي.

غيّرني الحجاب كثيراً، كنت كثيرة المزاح إلى حد عدم مراعاة الآخرين لكن الحجاب علمني حقوق الآخرين. لم أعد أغتاب أحداً، صرت أراقب نفسي أثناء الكلام، لم أعد أكذب وألتمس لنفسي الأعذار، لم أعد أدبر المقالب وأهزأ من غيري. أصبحت مختلفة، أكثر اتزاناً، وصرت الآن أرى الناس من خلال حديثهم، وعقلهم ومنطقهم الذي يتكلمون به لا من خلال أشكالهم.

لا شك أن هناك ثمة فتيات يرتدين الحجاب ولا يلتزمن به لأنهن يرينه مجرد قطعة قماش، ولا يدركن أن الحجاب يجب أن يكون شاملاً، ليس شكلاً وحسب، لأن الحجاب النفسي والأخلاقي هو الأهم، أولئك هن اللاتي يشوّهن الحجاب ويحرّفن معناه. كثيراً ما أجد فتيات غير متحجبات لكنهن محترمات وخلوقات.
الكثير من الناس فقدوا ثقتهم في شريحة من رجال الدين، بسبب الممارسات غير المقبولة التي يأتي بها عدد منهم في الكثير من المسائل الأخلاقية على وجه التحديد.

يجب أن تكون هناك توعية أكبر موازية للعصر الذي نعيش فيه، وأن نبتعد في توعيتنا عن الشدة والعنف، اللذان لا يعملان إلا على نفور الكثير من الناس من بعض الأمور حتى وإن كانوا يدركون صحتها.
أحب حجابي كثيراً، وما زاد عليه اليوم (الغشوة والقفازات) إنما كان نتيجة للتعرض لبعض المواقف اللاأخلاقية من قبل بعض الفتيات والنسوة.

الحجــــــاب لــم يعـــــد طوعــــاً.. بـل تكليــــف

حتى وإن أخذ الحجاب في البحرين صفة الشمولية والعمومية بين طائفة كبيرة من الفتيات، وصار ينتشر بينهن بسرعة كبيرة، إلا أنه كان خياراً بالنسبة للكثير منهن، لم يكن إجباراً بنص القانون، إذ كان المتدينون والدعاة يدعون إليه وينصحون، يرغّبون ويرهّبون في شأنه، ويتمنون أن يستر الله على بنات المسلمين بستره.

إلا أنه في السنوات الأخيرة صار ملمحاً اجتماعياً دينياً مهماً تمارسه الطائفة الجعفرية بشكل منظم، وعلى أعلى المستويات الدينية. وذلك عن طريق تنظيم احتفالات ''التكليف'' ببلوغ الفتاة سن التاسعة. هذه الاحتفالات أخذت تتكرر وتتسع، والأعداد الداخلة فيها تزداد، ذلك لأن الأمر لم يعد خياراً، بل جزءاً أصيلاً من الدين الإسلامي، وأن إيمان المرأة لا يكتمل، وواجباتها لا تكون تماماً إلا بسترها ولبسها الحجاب الشرعي الذي يكمل هذه المسيرة ويتوّجها منذ سن الطفولة. تكون بذلك ملتزمة بالزي الذي توافق عليه معظم الفقهاء من الطائفتين.

وفي حين أن المذاهب الأربعة السنية لا يقيم أتباعها هذا الاحتفال، ويختلف سن التكليف لدى بعضهم في تحديده متى يكون بالنسبة للفتاة، إلا أنه لدى الشيعة (في البحرين والعراق ولبنان مثلا) يرَّجح أنه ما أن تبلغ الفتاة عامها التاسع، فإنها تكون قد دخلت إلى ''التكليف'' بصورة رسمية، وإن لم تلحق بالنساء.
لسنا في وارد البحث الفقهي في هذه المسألة، غير أن التكليف كما يراه الفقهاء الشيعة ''يبدأ للفتاة بانتهاء تسع سنين قمرية والدخول في السنة العاشرة. أفضل كل شيء هو تعليمها الواجبات: بأن عليها أن تقلّد مرجعاً لتعمل حسب فتاواه في أداء التكاليف الدينية من صلاة وصيام، وإرشادها إلى الالتزام بالحجاب وعدم ارتكاب المحرّمات، وسائر الأمور الدينية من الطهارة والنجاسة وتعليمها الأغسال الواجبة وهكذا''[1]. ربما يفصّل السيد محمد حسين فضل الله في هذا المجال بقوله ''أمّا الأنثى فالمشهور أنَّها تبلغ مرحلة التكليف بالسنّ، وهو إكمال التسع''.

ويضيف ''لكن الظاهر من الأدلة المتعددة أنَّها تبلغ بالحيض، حتى أنَّ بعض الرِّوايات التي تحدّثت عن التسع، جاء فيها.. وذلك أنَّها تحيض لتسع (...) كما أنَّه قد ورد في روايات العدَّة حول من لا عدّة لها، قال.. (عُدَّ منها التي لا تحيض ومثلها لا تحيض، قال: وما حدّها؟ قال: التي لـم تبلغ التسع''، ممّا يوحي بأنَّ التسع ملحوظة من حيث حصول الحيض فيها، إلاَّ لطارئ مرضي، بنحو يدور فيه أمر البلوغ مدار الحيض وجوداً أو عدماً، ولكن الأحوط وجوباً كون سن التكليف عند الأنثى هو بلوغها تسع سنوات هجرية، وهو يساوي بالميلادي: ثمان سنوات وتسعة أشهر"[2].

الانتقال الكبير
منذ أن تعي الفتاة الصغيرة كونها أنثى وهي تحلم بالانتقال إلى عالم النساء، وأن تكون واحدة منهن. وفي مجتمعات يسودها التدين تنظر هذه الفتاة بلهفة إلى الموعد الذي تكون فيه امرأة بزّيها الذي يقرّبها من المجتمع وتكون فيه فتاة ذات اعتبار. هذا شأن عام كالفتاة التي تسرق اللحظات لتتزيا بزي والدتها وتمد يديها إلى أدوات زينتها، إن كانت والدتها من اللاتي يبرزن أنوثتهن بهذه الطريقة.

حفلٌ أقيم أخيراً في إحدى القرى شاركت فيه جموع من الأمهات وبناتهن اللاتي بلغن هذه السن، تقول إحدى الأمهات "كانت المرة الأولى التي أسمع فيها بما يسمى بـ (حفل التكليف) على الرغم من كوني ولدت وتربيت في قرية (...) لكن هذه القرية مختلفة انتقلت إليها بعد الزواج، كأني أدخل عالماً مختلفاً، كان الفضول يؤرقني لمعرفة ما وراء هذا الاحتفال، ما الذي يحدث فيه؟ وماذا يكمن وراءه؟ إذ آخذ ابنتي لأعبر بها من عالم إلى عالم''.

تضيف هذه الأم ''هذه الفتاة الصغيرة التي كانت ولا تزال تلهو بالألعاب البريئة وتجلس مع أقربائها وأترابها، عليها اليوم أن تنتقل فجأة إلى عالم آخر (...) عليها منذ اليوم أن تضع الحدود والحواجز مع الآخرين من الفتيان، فما عادت فتاة (..)ابنتي صارت (مكلَّفة) اليوم (..) أي أن عليها التحفظ كثيراً وعليها أن تراعي حجابها ولا تنسى أنها منذ الآن قد أنهت علاقتها بالطفولة''. تتابع ''ربما سيستغرق الأمر فترة من الزمن حتى تتمكن من التفرقة بين ما كانت تفعله قبل أيام من (حفل التكليف) وما ستفعله بعد الحفل (...) أدرك معاناتها التي ستتولد والأسئلة التي لن تنتهي جراء بلوغها سن التكليف (...) ذلك قبل أن تعتاد وضعها الجديد الذي سيلازمها طوال حياتها فيما بعد''.

هذه الأم (دنيا - 32 عاماً) تدخل هذه التجربة مع ابنتها لأول مرة، ربما هي ''بروفة'' فلديها ابنة أخرى ستحتاج بضع سنوات حتى تصل إلى هذه السن. لقد تحجبت دنيا وعمرها 14 عاماً من دون حفل ولا اجتماع عام كهذا، من دون دروس وحوزات. تقول ''وجدت نفسي أتحجب من دون ضغط، كانت بعض أخواتي متحجبات وبعضهن لا (...) حتى والدتي تأخر حجابها بعض الشيء وإن كانت العباءة لا تنزل عن رأسها سابقاً لكنها أضافت لها الحجاب تالياً (...) لم يكن الحجاب بالنسبة لنا في الأسرة على رغم كوننا في قرية يشكل هذا الهاجس القوي، كان شبه اختيار، وإن كان مجتمع القرية ربما أكثر تحفظاً في شأن من لا ترتديه''.

مراسم «التكليف»
في تلك القرية، دُعيت جميع الأمهات اللائي بلغت بناتهن التاسعة من العمر إلى هذا الحفل، وتصف دنيا تلك اللحظات الخاصة ''دخلت وكفي تحتضن كف ابنتي إلى بهو (مأتم الديرة الكبير) نسوة كثر، وسواد العباءات والأحجبة يغطي الزوايا (...) انطلقت ابنتي بحكم معرفتها بالفتيات الأخريات تمرح معهن وتستعد للاحتفال (...) بقيت وحدي في غربة المكان حتى التقيت عمتها وجلست أحادثها والفضول في داخلي يشتد (..) لا أخفي قلقي أيضاً ولو حاولت''.

حفل منظم اعتادت عليه القائمات على المأتم، فقد مررن بالتجربة ذاتها مرات عدة من قبل. بدأ الحفل بآيات من القرآن الكريم تلتها إحدى الفتيات، ثم كلمة لمسؤولة لجنة التعليم، ومن ثم بدأت الأناشيد تنطلق أنشودة تلو الأخرى. معاني الأناشيد كانت تدور حول التكليف معناه وواجباته، ثم توجيه الحديث للأمهات بالحفاظ على حجابهن ليكنّ قدوة لبناتهن. توالت الفقرات التي أعدت ونظمت بإتقان شديد، واختتم الحفل بتوزيع أحجبة سوداء على الفتيات، وطلب منهن ارتداؤها في الوقت نفسه، ثم التقطت لهن صورة جماعية. كانت الهدية تحتوي - بالإضافة إلى الحجاب - صورة الفتاة نفسها منفردة مرتدية حجابها الأسود بطريقة ''إسلامية'' صحيحة كانت قد التقطت لها قبل أيام من الحفل.
حفل بسيط وأنيق، ولكنه حمل إلى الأم معاني أخرى، تقول لنا ''قبل تلك الليلة لم أكن ألقي بالاً إلى

التكليف أو ماهيته، لكن هذا الاحتفال ترك في نفسي الكثير. صرت أتساءل بيني وبين نفسي: ما لتكليف وما البلوغ وما الفرق بينهما؟''.

تتابع أسئلتها ''هل يستلزم مني ذلك أن أكبت جزءاً من طفولة ابنتي البريئة وأغلفها بالسواد منذ الآن؟ (...) ألا يجب عليّ أن أضع (النجدين) أمامها: الصحيح والخاطئ من الأمور من وجهات نظر متعددة، وأنتظر؟ أليس عليها هي أن تختار؟ حتى تكون مسؤولة تماماً عن خيارها في المستقبل؟''.
دنيا ليست منفردة في هذا الأمر عن أمهات كثيرات، فما أن تتشكل الفتاة حتى يخالطهن القلق الطبيعي فيما يجب أن يقال لها وما لا يجب، وما الذي تعيه ابنة التسع سنوات من الأوامر والنواهي، وكيف ستصارع كل هذه المغريات التي لا تلتفت إلا وتراها أمامها في كل مكان، تقفز إليها من محطات التلفزة والانترنت وغيرها من الأبواب المشرّعة؟

تقول دنيا ''لم أرد لابنتي أن تتعرض لحرج أو استهجان من قبل قريناتها إن هي تخلفت عن حفل التكليف (...) لا أود أن يُنظر إليها أو إلى أسرتها أنها أسرة غير منتمية إلى وسطها أو أنها معاندة أو متكبرة عما يسير عليه المجتمع (...) كل ما كنت أرجوه هو أن أترك لها بعض الفرصة ليس أكثر لتقول لي من ذاتها: أمي.. لقد قررت أن أرتدي الحجاب (...) حينها سيكون ذلك قرارها الذي لن أقف أمامه''. تختم دنيا بقولها ''كل ذلك دار في ذهني حينئذ (..) لم أدرك إلا شيئا واحدا: هو أن ابنتي قد كبرت، وأن مسؤوليتي تجاهها قد تفاقمت، عليّ أن أجتهد في تعليمها وتأديبها، ربما بعد ذلك أجد إجابات لتساؤلاتي..''.
هل من شرعية للأسئلة؟

يرى الكثير من الملتزمين دينياً أنه لا مكان للتساؤلات مع الفتاوى الصادرة من أئمة معتبرين، غير أن أمهات يقلن إن المسألة لا تتعلق بالأمر الإلهي ولا بالفتاوى ذاتها، ولكنه أمر أمومي بحت ''وددنا لو كان الحجاب قناعة خاصة لا دفع مجتمعي (..) أن تؤمن الفتاة بأنها يجب أن تأخذ هذا الأمر فإنها ستأخذه بقوة، وهذا يستلزم بعض الوقت'' كما تقول آية عن ابنتها فاطمة التي تدرج اليوم في الثامنة من عمرها قبل أن تضيف ''ففاطمة اليوم عمرها ثمانية أعوام (..) لا أتخيل أنها ستتخلى العام المقبل فقط عن ملابسها وألعابها ومحطاتها التلفزيونية التي ارتبطت بها التي تود أن تقلد فيها الممثلين والمغنين وسط ضحكاتنا من أحلامها الصغيرة وبراءتها المفرطة''.

في المدن حيث يقل فيها الارتباط الاجتماعي والمتطلبات التي قد تنشأ في القرى، تجد بعض الأمهات
مخرجاً مؤقتاً من إحضار بناتهن إلى حفل ''التكليف''، ربما تحاول بعضهن تأخير الأمر سنة أو اثنتين، فتيات أخريات في مرحلة المراهقة يشرن إلى أنهن في طريقهن إلى الحجاب، ولكن بعد أن ''يستمتعن'' بشبابهن بعض الشيء.. ومن دون تحديد المدة الزمنية أو نوع المتع التي يرغبن فيها في هذه الفترة الفاصلة.


رد مع اقتباس