عرض مشاركة واحدة
قديم 11-20-2004, 12:25 AM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

abo _mohammed

المشــرف العــــام

abo _mohammed غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









abo _mohammed غير متواجد حالياً


وهذا هو الداء الدوي، لأنَّ صلاح الفرد إنما يعود على نفسه أو على عائلته بالفائدة، وربما يكون في جانبٍ فيه مفيداً لكل المجتمع، بأن يكون ذلك الفرد الصالح نقطةً حياديةً لا تحتاج علاجاً أو اهتماماً زائداً، وهذه إيجابية لكنها محدودة، أما الولاء والتعاون مع علماني ومشبوه فإنه يؤدي إلى تمكينهم من السلطة، ومن موطن التسلط يباشرون الإفساد العريض عبر مناهج الدراسة ووسائل الإعلام والفساد الإداري ونهب الثروات واستقدام جيوش العولمة، في سيئاتٍ عديدة أخرى ليس لها آخر، وهذا هو سبب جسامة خطر الولاء لغير المؤمنين ، فإنه من الواضح لو أجرينا المقابلة وانعكاس المعنى لوجدنا أنَّ ولاء المسلم لدعاة الإسلام وسعيه إلى تمكينهم من مقعد البرلمان ووظائف الدولة والنقابات وجمعيات المجتمع المدني سيكون بالغ الأثر والوسيلة الفعالة لتحقيق العدل والقسمة السوية وعمران الأخلاق ورفض التطبيع مع يهودي ومحتل، ومن هذه المقارنة البسيطة تظهرُ مكانة خطة تعميم الولاء للمؤمنين والبراءة من الفسقة والكافرين، ويظهرُ أثر الصوت الانتخابي الواحد أو الكلمة الطيبة المفردة العابرة أو اللسان المـُنصف، ويظهرُ أثر هذه الخيريات الصغيرة في تحقيق الخير الكبير والتفوق الإسلامي على محاولات الاندساس العلماني، وظاهرٌ هنا أنَّ الصوت الواحد قد انضم إلى مثيلٍ له وإلى ألوف أصوات ليكون في النهاية ترجيحاً لعابدٍ لله على حليف لشيطان، فقضية الولاء والبراء قضية فردية في أصلها وهي مسؤولية شخصية، لكنها حقيقة جماعية في نهايتها ، وتُقاسُ باقي مظاهر العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي على هذا المثال ليبدو في الصورة الختامية أنَّ مجموعة أفعال الفرد الواحد مهما كانت صغيرة لها قابلية عظيمة أن تـتكثف وتنظم إلى بعضها لتكون عاملاً حاسماً في إيصال المؤمن إلى الحكم ومركز صناعة القرار وتقنين الدستور والقوانين وتنظيف الوزارات والدواوين وتفعيل النقابات والجمعيات، وهذا يوضح أنَّ الإيمان في أصلهِ مسؤولية فردية لا يصحُ فيها توكيل الغير ولا التبرع بحمل تكاليف الإيمان نيابةً عن الغير، بل كلُ امرئٍ بما كسب رهين، كما نطق القرآن الكريم، فمن طلب العدل والمساواة والأمن والاستقرار والحرية وحفظ مصالح البلاد الكبرى: فليصلح نفسه أولاً ثمَّ ليترجم ذلك في صورة انحياز شامل لخطط المؤمنين وأحزابهم وتنظيماتهم، وتلك هي حقيقة الولاء والبراء، ولا يصحُ أبداً أن يبخس المؤمن دورهُ الذاتي الشخصي في عملية الإصلاح، فإنه دورٌ كبير وحاسم ما دام يوالي ويبرأ، وواهمٌ هذا الذي يُصلي ثمَّ يبيع صوته أو جهدهُ أو كلمته لمنحرف ووكيلٍ لمحتل، لأنَّ البركة الربانية هي التي تجعله ينعم ويرفل برزقٍ من السماء تحملهُ الملائكة إذا باع واشترى وتعامل مع الله، وأما ملايين تأتي بها الشبهات فإنها محرومة من البركة، فتزول سريعاً ويبقى وزرها ، وهذا التفريق يشهدهُ كل قلب سليم، ولا حاجة لكي نستطرد في الشرح والبيان، وكل امرئٍ فقيهُ نفسه، وعند الله تجتمع النوايا، وسيخيبُ من افترى كذباً وحادَّ ومالَ ومشى برجلٍ عرجاء، لكنَّ الراكض نحو أرض البراء والجهاد هو الفائز، وكفى.

وهذا المرض ليس بالجديد في أمتنا، بل هو قديمٌ منذ أيام التراجع بعد القرون الفاضلة الأولى، فقد نقل ابن مفلح عن ابن عقيل الحنبلي أنه قال :
( إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة)( 1 ).
فإسلام المسلم عنده: ليس السباق إلى المسجد ومكة، ولكن هو الولاء السياسي والفكري لله ولرسوله ولأئمة الإسلام في عصره، من الدعاة العاملين وأحزاب الله، ثمَّ البراء من أئمة السوء وأحزاب الشيطان، وكأنه ينقد زماننا، فكم من حزبٍ علماني يسنده حاجٌ وراكع، وكم من داعيةٍ مؤمنٍ أول مَن يكذبه الساجدون، لقلة الفقه وانحراف القلب وانقلاب الموازين- والعياذ بالله - ، ( وهذا يدلُ على برودة الدينِ في القلب ) كما قال ابن عقيل معقباً، ولسنا نقول بكفر مخلط جمع بين التكبير والهتاف لزعيمٍ ماجن، ولكنه افتقاد حرارة الإيمان والذهول عن موازين الشرع، والسبب في ذلك هو إلهام الفجور في النفس حين يكون صاحبها هيناً ليناً ليس لهُ صبرٌ على ضرائب ما تُلهمه التقوى، من التضحية والصبر والزهد بالمال والمنصب والجاه، وتزداد ظواهر وآثار هذه المحنة إذا كان من لهُ طرفٌ من العلم الشرعي عامي المزاج والسلوك والأمنيات ، فإنه يوجد رهطٌ من مثل هؤلاء في كل جيل ومع كل حاكم، حتى رصد ابن الجوزي أنهم : ( ترخصوا، وتأولوا، وخالطوا السلاطين، فذهبت بركة العلم )( 2 )، وهي تفسيرُ بعض قصة جفاف العراق، فإنَّ البعض خالطوا السلطان" صدام " ، ووجدوا لهم في التأول سنداً، ثمَّ نزلوا ثانيةً فخالطوا نائب السلطان، فخمدت الجذوة، ودخلوا الكهف البارد، وارتفعت بركة القول الشرعي، وذهبت حرارة آيات يتلونها، ولولا أنَّ الشباب الدعاة كانوا قد تلقفوا الراية لساء الحال، ولكنهم رفعوا الآذان بنبرةٍ عفيفة ورداءٍ نظيف، فعادت الحياة إلى قلوب الجيل.

وإنما ذلك من النفاق، وقد قال الله تعالى في وصف المنافقين: ( كأنهم خُشبٌ مُسنّدة ) .
قال ابن عقيل النحوي الحنبلي:
( أي مقطوعة مُمالة إلى الحائط ، لا تقوم بنفسها ، ولا هي ثابتـة ، إنما كانوا يستندون إلى مَن ينصرهم ، وإلى مَن يتظاهرون به )( 3 ).
ومع ذلك فإنَّ نفوسنا لها عزاءٌ أحياناً عبرَ التأول بأنهم لم يبعدوا جداً، لأنهم إنما يواكبون جهالات مسلم ظالم، ولكن ما بالُ أقوامٍ يبعد بهم التأول إلى أقاصي المنطق البارد فيطلبون من ينصرهم من ضباط الاحتلال الاستعماري والساسة الذين أغروه بغزو ديار الإسلام؟ بل غزو عاصمة الإسلام، عاصمة الرشيد؟!
ويكاد السائب الذي لا يحملُ الروح الدعوية الواثقة بأنَّ المستقبل محتكر لدين الإسلام وأهله: أن يـيأس ويناله الإحباط حين يرى مثل هؤلاء المترخصين المقارفين للشبهات والمعاصي السياسية الغليظة، ولكن رجال الإيمان الوعاة وشباب الصحوة الإسلامية يعرفون ويميزون جيداً أنَّ أصحاب الاختيارات الواطئة والمقاييس الدنيوية العمياء إنما هم العراة عن الفقه، ووعاة المؤمنين تغشاهم سكينة يعلمون بها أنَّ التعويل والاستناد والأمل لا يقومُ على ثلةٍ قليلة منحرفة، وإنما ينتظرونه من وعاةٍ دعاةٍ علماء عاشوا في ظلال القرآن، وتخيلوا الجنة فاستراحوا تحت أفياء أغصانها، وهم عصبةٌ تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وترفع راية الولاء للإسلام وتصيح صيحة البراء من الكافر المستعمر.
وذلك ميزانٌ دعوي ثابت، الدعاة اليوم بحاجة ماسة إلى استذكاره بعدما روّج دعاة الواقعية معنى تجويز التقرب من الأميركان عندما استعمروا العراق وأفغانستان، مؤداه أنَّ انتماء العراقي إلى حملة الأميركان: دَنَس ووسخ ونجاسة، وكل ذلك ينافي عزة النفس، ولا يستثنى من ذلك غير مسلم جيد الإيمان له وعي في السياسة، يقبل منهم المنصب من أجل أن يقلل شرهم ويحفظ حقوق المسلمين، ويكون قد تقرّب منهم بقرار جماعي، ويمارس تحت رقابة جماعية.
المظنون: أنه ينتظرنا يوم أشد من يوم التعامل مع الأميركان، كأنه محتوم على العراق، وهو التعامل مع إسرائيل عبر معاهدة سلام، والتطبيع مع يهود، والحل إنما يكون عبر اللواذ بقاعدة الولاء والبراء وشرحها بأسانيدها القرآنية والحديثية وشواهدها من السيرة المصطفوية المطهرة وتاريخ الأمة، واستذكار قصص العلماء الوعاة، كمثل ما كان من الفقيه الليبي أحمد بن إبراهيم بن سحبان التاجوري المتوفى سنة 1276هـ الذي جدد إرساء هذه القاعدة من قواعد الوعي الدعوي حين شدّد على قضية تمحيض الولاء للمؤمنين، والبراء والبُعد عن اليهود والأجانب وأعداء الدين، وذلك لما استـُفـتي حول النظام القانوني الجديد الذي صدر في عهد السلطان العثماني محمود خان الثاني، ومنح الامتيازات للأجانب واليهود وملل أخرى، ولم يخضعهم للمحاكم الشرعية، وإضفاء عصمة لكل مسلم يدخل تحت حماية السفارات الأجنبية، فقال ابن سحبان-رحمه الله-:
( وأعجب العجب من المفاتي الفاتنين المفتونين من الديار التونسية الزاعمين أنهم حنفية " * " ، المادحين لهذا النظام، الذين هدموا بذلك دين الإسلام بقصيدة طويلة طويلة مطلعها:

نظامك أيها الملك الهُمام *** به للدينِ قدْ ظهر ابتسامُ

فقلتُ في الرد عليه:

الحمد لله الذي أمرنا بالاقـتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأفعال…ونهانا عن التشبه بالكفار، فكان بسبب ذلك النجاة من الضلال، فقال : ((من تشبهَ بقومٍ فهو منهم))، ولذا قلتُ نظماً:

نظامكَ أيها الغمر الرغامُ *** بدى منه إلى الدينِ انهدامُ ).
ولهُ رسالة مؤرخة في 19 ذي القعدة 1267هـ يشدد النكير فيها على مواطنيه من المسلمين ممن يستأمنون اليهود ويكلون إليهم قضاء حوائجهم، فيقول:
( فكيف يا خير فرقة من خير أمة تستأمنون اليهود، وقد قال الله تبارك وتعالى في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه { لتجدنَّ أشدَّ النَّاسِ عداوةً للذينَ آمنوا اليهود.. } المائدة، فكـيف بعد هذا التحذير يطمع مؤمن من يهودي خيراً؟ وعلى أنهم أعداء الأنبياء…فكيف لمن آمن بالكتاب والرسول صلى الله عليه وسلم أن يركن لهؤلاء أو يرضى بمخالطتهم أو يأمن مكرهم، هذا من الخطأ الفاحش والغفلة الكبيرة.
نعم… وإلى يومنا هذا مهما أمكنهم قتل مؤمن أو غشه لا يتركونه، لأنهم يتعبدون ويتقربون بذلك على زعمهم وقبحهم…فانظروا بارك الله فيكم آخر الشفاء " ** " وكلام صاحب المدخل على الأطباء…فإذا كان يا أعز الأخوان الأمان قلّ في أهل الإيمان: فكيف يكون حال اليهود البهت أهل الجحود والخسران، وقد علمتَ يا أخي أنَّ نصح المسلمين متعين، لا سيما على من علمهُ الله شيئاً من العلم، ويتأكد ذلك في أوقات الغفلات والتهاون بأمور الديانات…فتنبهوا…أمة النبي صلى الله عليه وسلم …فهذا وما بعده من المتأكد عليكم، وبينوه للعامة تبياناً كلياً)( 4 ).



رد مع اقتباس