عرض مشاركة واحدة
قديم 09-14-2008, 03:08 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

د.سكينة بن عامر

الاعضاء

د.سكينة بن عامر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









د.سكينة بن عامر غير متواجد حالياً


إرسال رسالة عبر مراسل Yahoo إلى د.سكينة بن عامر

مرفوعة من الخدمة

سيارتي بلغت عمرها الافتراضي ولابد من تغييرها بأخرى جديدة كي لا تبدأ عيوبها تفاجئني دون سابق تخطيط, ثم أن هناك الآن سيارات جديدة وحديثة وفي متناول الجميع، هكذا قيل لي، وبكل بساطة اصدر القرار فمن المنطقي والعقلاني أن نفكر دائما في المستقبل ونخطط له، فالمستقبل للجديد دائما، ولأول مرة أري سيارتي علي حقيقتها، فسيارتي ليست حديد وبنزين فقط، إذ أن سنوات العشرة الجميلة معها تزدحم بذكريات عذبة، فهي فريبة من نفسي، ولها أفضال كثيرة ، ولولاها لما استطعت تحقيق نجاحات عدة، لقد كانت بشكل ما تفهم ما أريد، لذلك فهي تقودني في لحظات الحنين إلي بيتنا الأول، صدقوني لم أكن أنا التي أقودها، بل هي تقرأ أفكاري وتحس بأشواقي فتنعطف من الشارع الرئيسي وتتدرج عبر الشارع الضيق، ثم تتسلق "العلوة" وتقف بخشوع أمام بيتنا القديم بالبركة لاتفاجأ ببابه مشرعا يستقبلني بفرح، وبكل امتنان كنت أركنها تحت ظل النخلة الوحيدة المتبقية من أثر بيتنا القديم، فتستكين وتنتظرني إلي أن أنهي تجوال أشواقي بين جنبات البيت، حينها تحضنني مواسية في كرسيها، وتمسح أدمع حنيني وتعود بي من جديد، لم تخذلني يوما، وحتى حينما يعتريها الوهن كانت تتماسك إلي أن أصل إلي أقرب مكان يمكنني أن أجد فيه معونة، فتستسلم وتقف لتعلن لي عن تعب مشاويرها، قنوعة كانت هي وهادئة، إذ لم يكن لها مطالب أو شطحات، ومازالت، وحتى عندما كنت أقسو عليها أو أتركها دون صيانة أو غسيل ما كانت تتذمر بل كانت تجد لي العذر دائما وتصبر صبر المنتظرين، لم تزعجني في أي يوم، ولم تزعج الآخرين، وحتى جهاز الإنذار الخاص بها كان هادئا، ولم يصدر عنه صخبا يزعج الجيران، وكم كنت امتلئ فرحا حينما يشتعل هذا الجهاز لحظة قدومي، عندها تتحول مصابيحها إلي عينين عاشقتين تشعان فرحا مرحبا، وتنفتح أبوابها حنانا لتحضنني بداخلها، كانت بحق خير رفيق لي وخير صديق، فكيف يقولون لي الآن بأنها قد بلغت "عمرها الافتراضي" وهي مازالت في خير حال ومن الممكن أن تظل أعواما أخري في خير حال؟ إنكم تنظرون إليها تماما مثلما تنظرون إلي المتقاعدين وكبار السن من الأهل الذين نجبرهم علي الراحة بشكل مزعج خوفا عليهم وعلي صحتهم دون أن نفكر ولو للحظة في حاجتهم إلي ممارسة حياتهم واستقلاليتهم، ومثلما نتعامل مع سياراتنا باعتبارها حديد وبنزين، نتعامل معهم وكأنهم لا يعرفون مصلحتهم ولا طريقهم، لذلك نتقمص دائما دور الأوصياء عليهم، ونفكر بدلا منهم، ونتخذ القرارات عوضا عنهم، ونقرر أن نرفعهم من الخدمة رغم أنهم مازالوا في قمة عطائهم وإبداعهم، ورغم حاجتنا الي حكمة سنين عمرهم والي الاستعانة بخبرتهم وتجاربهم وإتاحة الفرصة لهم لممارسة العمل كمستشارين وخبراء وحكماء يضيئون لنا الطريق ويهدوننا الي الصواب، فهم مثلهم مثل سيارتي مازالوا في قمة العطاء، إلا أن خوفنا عليهم وعلي صحتهم، فرض علينا أن نحيلهم إلي التقاعد، ومن ثم نفرض عليهم حياة الرتابة والخمول والجمود، ونتعامل معهم مثلما يفترض أن أتعامل أنا الآن مع سيارتي باعتبار مهمتها انتهت حتى لو كانت جديدة ومازالت قادرة علي العطاء، فهي حتما في المستقبل القريب ستبدي لي أعطال خفية لن تظهر لي الآن، ولابد أن أفكر جديا في إحالتها إلي التقاعد طالما مازالت جديدة وفي خير حال وهي مازالت غير مرفوعة من الخدمة.


رد مع اقتباس