عرض مشاركة واحدة
قديم 09-02-2006, 12:30 AM   رقم المشاركة : 19
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

*2* ثم دخلت سنة أربع وخمسين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الاسلام بالديار المصرية والبلاد الشامية والمملكة الحلبية وما والاها والحرمين الشريفين الملك الصالحي صلاح الدين صالح بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصاحلي ونائبه بالديار المصرية الامير سيف الدين قبلاي والمشار إليهم في تدبير المملكة الامراء سيف الدين شيخون وسيف الدين طار وسيف الدين صرغتمش الناصري وقضاة القضاة وكاتب السر هناك هم المذكورون في السنة الماضية ونائب حلب الامير سيف الدين أرغون الكاملي لأجل مقاتلة اولئك الامراء الثلاثة يلبغا وامير احمد وبكلمش الذين فعلوا ما ذكرنا في رجب من السنة الماضية ثم لجأوا إلى بلاد البلبيسين في خفارة زلغادر التركماني ثم إنه احتال عليهم من خوفه من صاحب مصر وأسلمهم إلى قبضة نائب حلب المذكور ففرح المسلمون بذلك فرحا شديدا ولله الحمد والمنة ونائب طرابلس الامير سيف الدين أيتمش الذي كان نائب دمشق كما ذكرنا تقلبت به الأحوال حتى استنيب في طرابلس حين كان السلطان بدمشق كما تقدم
واستهلت هذه السنة وقد تواترت الاخبار بأن الامراء الثلاثة يلبغا وبكلمش وامير أحمد قد حصلوا في قبضة نائب حلب الامير سيف الدين أرغون وهم مسجونون بالقلعة بها ينتظر ما يرسم به فيهم وقد فرح المسلمون بذلك فرحا شديدا وفي يوم السبت سابع عشر المحرم وصل إلى دمشق الأمير عز الدين مغلطاي الدويدار عائدا من البلاد الحلبية وفي صحبته رأس يلبغا الباغي أمكن الله منه بعد وصول صاحبيه بكلمش الذي كان نائبا بطرابلس وأمير احمد الذي كان نائب حماة فقطعت رؤسهما بحلب بين يدي نائبها سيف الدين ارغون الكاملي وسيرت إلى مصر ولما وصل يلبغا بعدهما فعل به كفعلهما جهرة بعد العصر بسوق الخيل بين يدي نائب السلطنة والجيش برمته والعامة على الاحاجير يتفرجون ويفرحون بمصرعة وسر المسلمون كلهم ولله الحمد والمنة
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين من شهر ربيع الاول أقيمت جمعة جيدة بمحلة الشاغور بمسجد هناك يقال له مسجد المزار وخطب فيه جمال الدين عبد الله بن الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية ثم وقع في ذلك كلام فأفضى الحال أن أهل المحلة ذهبوا إلى سوق الخيل يوم موكبه وحملوا سناجق خليفتين من جامعهم ومصاحف واشتملوا إلى نائب السلطنة وسألوا منه أن تستمر الخطبة عندهم فأجابهم إلى ذلك في الساعة الراهنة ثم وقع نزاع في جواز ذلك ثم حكم القاضي الحنبلي لهم بالاستمرار وجرت خطوب طويلة بعد ذلك وفي يوم الاحد سابع ربيع الآخر توفي الأمير الكبير سيف الدين الجي بغا العادلي ودفن بتربته التي كان أنشأها قديما ظاهر باب الجابية وهي مشهورة تعرف به وكان له في الامرة قريبا
من ستين سنة وقد كان أصابه في نوبة أرغون شاه وقضيته ضربة أصابت يده اليمنى واستمر مع ذلك على إمرته وتقدمته محترما معظما إلى ان توفي رحمه الله تعالى عليه
*3* ذكر أمر غريب جدا
@ لما ذهبت لتهنئة الامير ناصر الدين ابن الاقوس بنيابة بعلبك وجدت هنالك شابا فذكر لي من حضر أن هذا هو الذي كان أنثى ثم ظهر له ذكر وقد كان أمره اشتهر ببلاد طرابلس وشاع بين الناس بدمشق وغير ذلك وتحدث الناس به فلما رأيته وعليه قبعة تركية استدعيته إلى وسالته بحضرة من حضر فقلت له كيف كان أمرك فاستحيي وعلاه خجل يشبه النساء فقال كنت امرأة مدة خمس عشرة سنة وزوجوني بثلاثة أزواج لا يقدرون على وكلهم يطلق ثم اعترضني حال غريب فغارت ثدياي وصغرت وجعل النوم يعتريني ليلا ونهارا ثم جعل يخرج من محل الفرج شيء قليل قليلا ويتزايد حتى برز شبه ذكر وأنثيان فسألته أهو كبير أم صغير فاستحيي ثم ذكر أنه صغير بقدر الأصبغ فسألته هل احتلم فقال احتلم مرتين منذ حصل له ذلك وكان له قريبا من ستة أشهر إلى حين أخبرني وذكر أنه يحسن صنعة النساء كلها من الغزل والتطريز والزركاش وغير ذلك فقلت له ما كان اسمك وانت على صفة النساء فقال نفيسة فقلت واليوم فقال عبد الله وذكر انه لما حصل له هذا الحال كتمه عن أهله حتى عن أبيه ثم عزموا على تزويجه على رابع فقال لأمه إن الامر ما صفته كيت وكيت فلما اطلع أهله على ذلك أعلموا به نائب السلطنة هناك وكتب بذلك محضرا واشتهر أمره فقدم ددمشق ووقف بين يدي نائب السلطنة بدمشق فسأله فأخبره كما أخبرني فأخذه الحاجب سيف الدين كحلن ابن الاقوس عنده والبسه ثياب الاجناد وهو شاب حسن على وجهه وسمته ومشيته وحديثه أنوثة النساء فسبحان الفعال لما يشاء فهذا أمر لم يقع مثله في العالم إلا قليلا جدا وعندي أن ذكره كان غائرا في جوزة طير فافرخا ثم لما بلغ ظهر قليلا قليلا حتى تكامل ظهروه فتبينوا أنه كان ذكرا وذكر لي أن ذكره برز مختونا فسمى ختان القمر فهذا يوجد كثيرا والله أعلم
وفي يوم الثلاثاء خامس شهر رجب قدم الأمير عز الدين بقطية الدويدار من الديار الحلبية وخبرعما اتفق عليه العساكر الحلبية من ذهابهم مع نائبهم ونواب تلك الحصون وعساكر خلف بن زلغادر التركماني الذي كان اعان يلبغا وذويه على خروجه على السلطان وقدم معه إلى دمشق وكان من أمره ما تقدم بسطه في السنة الماضية وأنهم نهبوا أمواله وحواصله وأسروا خلقا من بنيه وذويه وحريمه وأن الجيش أخذ شيئا كثيرا من الاغنام والابقار والرقيق والدواب والامتعة وغير ذلك وأنه لجأ إلى ابن أرطنا فاحتاط عليه واعتقله عنده وراسل السلطان بامره ففرح الناس براحة الجيش الحلبي وسلامته بعدما قاسوا شديدا وتعبا كثيرا وفي يوم الاربعاء ثالث عشرة كان قدوم الامراء الذين كانوا مسجونين بالاسكندرية من لدن عود السلطان إلى الديار المصرية ممن كان اتهم بممالأة يلبغا او خدمته كالأمير سيف الدين ملك اجي وعلاء الدين علي السيمقدار وساطلمس الجلالي ومن معهم
وفي أول شهر رمضان اتفق أن جماعة من المفتيين أفتوا باحد قولي العلماء وهما وجهان لأصحابنا الشافعي وهو جواز استعادة ما استهدم من الكنائس فتعصب عليهم قاضي القضاة تقي الدين السبكي فقرعهم في ذلك ومعهم من الافتاء وصنف في ذلك مصنفا يتضمن المنع من ذلك سماه الدسائس في الكنائس وفي خامس شهر رمضان قدم بالامير ابو الغادر التركماني الذي كان مؤازرا ليلبغا في العام الماضي على تلك الافاعيل القبيحة وهو مضيق عليه فأحضر بين يدي النائب ثم اودع القلعة المنصورة في هذا اليوم
*2* ثم دخلت سنة خمس وخمسين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والبلاد الشامية وما يتبع ذلك والحرمين الشريفين وما والاهما من بلاد الحجاز وغيرها الملك الصالح صلاح الدين بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي وهو ابن بنت تنكز نائب الشام وكان في الدولة الناصرية ونائبه بالديار المصرية الأمير سيف الدين قبلاي الناصري ووزيره القاضي موفق الدين وقضاة مصرهم المذكورون في العام الماضي ومنهم قاضي القضاة عز الدين بن جماعة الشافعي وقد جاور في هذه السنة في الحجاز الشريف والقاضي تاج الدين المناوي يسد المنصب عنه وكاتب السر القاضي علاء الدين ابن فضل الله العدوي ومدبروا المملكة الامراء الثلاثة سيف الدين شيخون وصرغتمش الناصري والأمير الكبير الدوادار عز الدين مغلطاي الناصري ودخلت هذه السنة والأمير سيف الدين شيخون في الاحداث من مدة شهر أو قريب ونائب دمشق الامير علاء الدين أمير على المارداني وقضاة دمشق هم المذكورون في التي قبلها وناظر الدواوين الصاحب شمس الدين موسى بن التاج إسحاق وكاتب السر القاضي ناصر الدين بن الشرف يعقوب وخطيب البلد جمال الدين محمود بن جملة ومحتسبه الشيخ علاء الدين الانصاري قريب الشيخ بهاء الدين بن إمام المشهد وهو مدرس الأمينية مكانه أيضا
وفي شهر ربيع الآخر قدم الأمير علاء الدين مغلطاي الذي كان مسجونا بالاسكندرية ثم أفرج عنه وقد كان قبل ذلك هو الدولة وأمر بالمسير إلى الشام ليكون عند حمزة أيتمش نائب طرابلس وأما منجك الذي كان وزيره بالديار المصرية وكان معتقلا بالاسكندرية مع مغلطاي فإنه صار إلى صغد مقيما بها بطالا كما أن مغلطاي أمر بالمقام بطرابلس بطالا إلى حين يحكم الله عز وجل
انتهى والله أعلم
*3* نادرة من الغرائب
@ في يوم الاثنين السادس عشر من جمادي الأولى اجتاز رجل من الروافض من أهل الحلة بجامع دمشق وهو يسب أول من ظلم آل محمد ويكرر ذلك لايفتر ولم يصل مع الناس ولا صلى على الجنازة الحاضرة على أن الناس في الصلاة وهو يكرر ذلك ويرفع صوته به فلما فرغنا من الصلاة نبهت عليه الناس فأخذوه وإذا قاضي القضاة الشافعي في تلك الجنازة حاضر مع الناس فجئت إليه واستنطقته من الذي ظلم آل محمد فقال أبو بكر الصديق ثم قال جهرة والناس يسمعون لعن الله ابا بكر وعمر وعثمان ومعاوية ويزيد فأعاد ذلك مرتين فأمر به الحاكم إلى السجن ثم استحضره المالكي وجلده بالسياط وهو مع ذلك يصرح بالسب واللعن والكلام الذي لا يصدر إلا عن شقى واسم هذا اللعين على بن أبي الفضل بن محمد بن حسين بن كثير قبحه الله وأخزاه ثم لما كان يوم الخميس سابع عشره عقد له مجلس بدار السعادة وحضر القضاة الاربعة وطلب إلى هنالك فقدر الله أن حكم نائب المالكي بقتله فأخذ سريعا فضرب عنقه تحت القلعة وحرقه العامة وطافوا برأسه البلد ونادوا عليه هذا جزءا من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ناظرت هذا الجاهل بدار القاضي المالكي وإذا عنده شيء مما يقوله الرافضة العلاة وقد تلقى عن أصحاب ابن مطهر اشياء في الكفر والزندقة قبحه الله وإياهم وورد الكتاب بالزام أهل الذمة بالشروط العمرية
وفي يوم الجمعة ثامن عشر رجب الفرد قرئ بجامع دمشق بالمقصورة بحضرة نائب السلطنة وأمراء الأعراب وكبار الأمراء وأهل الحل والعقد والعامة كتاب السلطان بالزام أهل الذمة بالشروط العمرية وزيادات أخر منها أن لايستخدموا في شيء من الدواوين السلطانية والأمراء ولا في شيء من الاشياء وأن لا تزيد عمامة أحدهم عن عشرة أذرع ولا يركبوا الخيل ولا البغال ولكن الحمير بالكف عرضا وأن لا يدخلوا إلا بالعلامات من جرس أو بخاتم نحاس أصفر أو رصاص ولا تدخل نساؤهم مع المسلمات الحمامات وليكن لهن حمامات تختص بهن وأن يكون إزار النصرانية من كتان أزرق واليهودية من كتان أصفر وأن يكون أحد خفيها أسود والآخر أبيض وان يحكم حكم مواريثهم على الاحكام الشرعية واحترقت باسورة باب الجابية في ليلة الاحد العشرين من جمادي الاخرة وعدم المسلمون تلك الاطعمات والحواصل النافعة من الباب الجواني إلى الباب البراني وفي مستهل شهر رمضان عمل الشيخ الامام العالم البارع شمس الدين بن النقاش المصري الشافعي ورد دمشق بالجامع الاموي نجاه محراب الصحابة ميعادا للوعظ واجتمع عنده خلق من الأعيان والفضلاء والعامة وشكروا كلامه وطلاقه عبارته من غير تلعثم ولا تخليط ولا توقف وطال ذلك إلى قريب العصر
وفي صبيحة يوم الأحد ثالثه صلى بجامع دمشق بالصحن تحت النسر على القاضي كمال الدين حسين ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي ونائبه وحضر نائب السلطنة الامير علاء الدين علي وقضاة البلد والأعيان والدولة كثير من العامة وكانت جنازته محسودة وحضر والده قاضي القضاة وهو يهادي بين رجلين فظهر عليه الحزن والكآبة فصلى عليه إماما وتأسف الناس عليه لسماحة اخلاقه وأنجماعه على نفسه لا يتعدى شره إلى غيره وكان يحكم جيدا نظيف العرض في ذلك وكان قد درس في عدة مدارس منها الشامية البرانية والعذراوية وأفتى وتصدر وكانت لديه فضيلة جيدة بالنحو والفقه والفرائض وغير ذلك ودفن بسفح قاسيون في تربة معروفة لهم رحمهم الله
*3* عودة الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاوون
@ وذلك يوم الاثنين ثاني شهر شوال اتفق جمهو الامراء مع الامي شيخون وصرغتمش في غيبة طاز في الصيد على خلع الملك الصالح صالح بن الناصر وأمه بنت تنكز وإعادة أخيه الملك الناصر حسن وكان ذلك يومئذ وألزم الصالح بيته مضيقا عليه وسلم إلى أمه خوندة بنت الامير سيف الدين تنكز نائب الشام كان وقطلبوطار وأمسك أخوه سنتم وأخو السلطان الصالح لأمه عمر بن أحمد بن بتكتمر الساقي ووقعت خطبة عظيمة بالديار المصرية ومع هذا فلم يقبل البريد إلى الشام وخبر البيعة إلا يوم الخميس الثالث عشر من هذا الشهر قدم بسببها الامير عز الدين أيدمر الشمسي وبايع النائب بعدما خلع عليه خلعة سنية والامراء بدار السعادة على العادة ودقت البشائر وزين البلد وخطب له الخطيب يوم الجمعة على المنبر بحضرة نائب السلطنة والقضاة والدولة وفي صبيحة يوم الخميس تاسع عشر شوال دخل دمشق الامير سيف الدين منجك على نيابة طرابلس ونزل القصر الابلق مع الأمير عز الدين أيدمر فأقام أياما عديدة ثم سار إلى بلده بعد ايام وفي صبيحة يوم الخميس السادس والعشرين منه دخل الامير سيف الدين طاز من الديار المصرية في جماعة من اصحابه مجتازا إلى نيابة حلب المحروسة فتلقاه نائب السلطنة إلى قريب من جامع كريم الدين بالقبيبات وشيعه إلى قريب من باب الفراديس فسار ونزل بوطأة برزة فبات هنالك ثم أصبح غاديا وقد كان نظير الامير شيخون ولكن قوى عليه فسيره إلى بلاد حلب وهو محبب إلى العامة لما له من السعي المشكور في أمور كبار كما تقدم
*2* ثم دخلت سنة ست وخمسين وسبعمائة
@
استهلت هذه السنة وسلطان الاسلام والمسلمين السلطان الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي وليس بالديار المصرية نائب ولا وزير وقضاتها هم المذكورون في التي قبلها ونائب دمشق الأمير علي المارداني والقضاة والحاجب والخطيب وكاتب السرهم
المذكورون في التي قبلها ونائب حلب الأمير سيف الدين طاز ونائب طرابلس منجك ونائب حماة استدمر العمري ونائب صغد الامير شهاب الدين بن صبح ونائب حمص الامير ناصر الدين ابن الاقوس ونائب بعلبك الحاج كامل
وفي يوم الاثنين تاسع صفر مسك الامير أرغون الكاملي الذي ناب بدمشق مدة ثم بعدها بحلب ثم طلب إلى الديار المصرية حين وليها طاز فقبض عليه وأرسل إلى الاسكندرية معتقلا وفي يوم السبت من شهر صفر قدم تقليد قضاء الشافعية بدمشق وأعمالها لقاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي على قاعدة والده وذلك في حياة أبيه وذهبت الناس للسلام عليه
وفي صبيحة يوم الاحد السادس والعشرين من ربيع الآخر توجه قاضي القضاة تقي الدين السبكي بعد استقلال ولده تاج الدين عبد الوهاب في قضاء القضاة ومشيخة دار الحديث الاشرفية مسافرا نحو الديار المصرية في محفة ومعه جماعة من أهله وذويه منهم سبطه القاضي بدر الدين بن أبي الفتح وآخرون وقد كان الناس ودعوه قبل ذلك وعنده ضعف ومن الناس من يخاف عليه وعثاء السفر مع الكبر والضعف
ولما كان يوم الجمعة سادس شهر جمادي الآخرة صلى بعد الظهر على قاضي القضاة تقي الدين ابن علي بن عبد الكافي بن تمام السبكي المصري الشافعي توفي بمصر ليلة الاثنين ثالثة ودفن من صبيحة ذلك اليوم وقد أكمل ثلاثا وتسعين سنة ودخل في الرابعة أشهرا وولى الحكم بدمشق نحوا من سبع عشرة سنة ثم نزل عن ذلك لولده قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب ثم رحل في محفة إلى الديار المصرية كما ذكرنا ولما وصل مصر أقام دون الشهر ثم توفي كما ذكرنا وجاءت التعزية ومرسوم باستقرار ولده في مدرسته اليعقوبية والقيمرية وبتشريف تطييبا لقلبه وذهب الناس إلى تعزيته على العادة وقد سمع قاضي القضاة السبكي الحديث في شبيبته بديار مصر ورحل إلى الشام وقرأ بنفسه وكتب وخرج وله تصانيف كثيرة منتشرة كثيرة الفائدة وما زال في مدة القضاء يصنف ويكتب إلى حين وفاته وكان كثير التلاوة وذكر لي أنه كان يقوم من الليل رحمه الله
وفي شهر جمادي الاولى من هذه السنة أشتهر أخذ الفرنج المخذولين لمدينة طرابلس المغرب وقرأت من كتاب لقاضي قضاة المالكية أن اخذهم إياها كان ليلة الجمعة مستهل ربيع الاول من هذه السنة ثم بعد خمسة عشر يوما استعادها المسلمون وقتلوا منهم أضعاف ما قتلوا أولا من المسلمين ولله الحمد والمنة وأرسل الدولة إلى الشام يطلبون من اموال أوقاف الاساري ما يستنقذون به من بقي في أيديهم من المسلمين وفي يوم الاربعاء حادي عشر رجب الفرد من هذه السنة حكم القاضي المالكي
وهو قاضي القضاة جمال الدين السملاتي بقتل نصراني من قرية الرأس من معاملة بعلبك اسمه داود بن سالم ثبت عليه بمجلس الحكم في بعلبك انه اعترف بما شهد عليه أحمد بن نور الدين علي بن غازي من قرية اللبوة من الكلام السيء الذي نال به من رسول الله
ص وسبه وقذفه بكلام لا يليق ذكره فقتل لعنه الله يومئذ بعد أذان العصر بسوق الخيل وحرقه الناس وشفى الله صدور قوم مؤمنين ولله الحمد والمنة
وفي صبيحة يوم الأحد رابع عشر شعبان درس القاضي بهاء الدين أبو البقاء السبكي بالمدرسة القيمرية نزل له عنها ابن عمه قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب ابن قاضي القضاة تقي السبكي وحضر عنده القضاة والاعيان وأخذ في قوله تعالى ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة وصلى في هذا اليوم بعد الظهر على الشيخ الشاب الفاضل المحصل جمال الدين عبد الله بن العلامة شمس الدين بن قيم الجوزية الحنبلي ودفن عند أبيه بمقابر باب الصغير وكانت جنازته حافلة وكانت لديه علوم جيدة وذهنه حاضر خارق أفتى ودرس وأعاد وناظر وحج مرات عديدة رحمه الله وبل بالرحمة ثراه
وفي يوم الاثنين تاسع عشر شوال وقع حريق هائل في سوق القطانين بالنهار وذهب إليه نائب السلطنة والحجبة والقضاة حتى اجتهد الفعول والمتبرعون في إخماده وطفيه حتى سكن شره وذهب بسببه دكاكين ودور كثيرة جدا فانا لله وإنا اليه راجعون وقد رأيته من الغد والنار كما هي عمالة والدخان صاعد والناس يطفونه بالماء الكثير الغمر والنار لا تخمد لكن هدمت الجدران وخربت المساكن وانتقل السكان انتهى والله أعلم
*2* ثم دخلت سنة سبع وخمسين وسبعمائة
@
استهلت هذه السنة وسلطان البلاد بالديار المصرية والشامية والحرمين وغير ذلك الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي ولا نائب ولا وزير بمصر وإنما يرجع تدبير المملكة إلى الامير سيف الدين شيخون ثم الامير سيف الدين صرغتمش ثم الآمير عز الدين مغلطاي الدوايدار وقضاة مصرهم المذكورون في التي قبلها سوى الشافعي فإنه ابن المتوفي قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي ونائب حلب الامير سيف الدين طاز وطرابلس الامير سيف الدين منجك وبصغد الامير شهاب الدين بن صبح وبحماة يدمر العمري وبحمص علاء الدين بن المعظم وببعلبك الامير ناصر الدين الاقوس
وفي العشر الاول من ربيع الاول تكامل إصلاح بلاط الجامع الاموي وغسل فصوص المقصورة والقبة وبسط بسطا حسنا وبيضت أطباق القناديل وأضاء حاله جدا وكان
المستحث على ذلك الأمير علاء الدين ايدغمش أحد أمراء الطبلخانات بمرسوم نائب السلطنة له في ذلك
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين من ربيع الاخر من هذه السنة صلى على الأمير سيف الدين براق أمير أرجو بجامع تنكز ودفن بمقابر الصوفية وكان مشكور السيرة كثير الصلاة والصدقة محبا للخير وأهله من أكبر أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى وقد رسم لولديه ناصر الدين محمد وسيف الدين أبي بكر كل منهما بعشرة أرماح ولناصر الدين بمكان أبيه في الوظيفة باصطبل السلطان وفي يوم الخميس رابع شهر جمادي الأولى خلع على الأميرين الأخوين ناصر الدين محمد وسيف الدين أبي بكر ولدي الأمير سيف الدين براق رحمه الله تعالى بأميرين عشرتين
ووقع في هذا الشهر نزاع بين الحنابلة في مسألة المناقلة وكان ابن قاضي الجبل الحنبلي يحكم بالمناقلة في قرار دار الأمير سيف الدين طيدمر الاسماعيلي حاجب الحجاب إلى أرض أخرى يجعلها وقفا على ما كانت قرار داره عليه ففعل ذلك بطريقة ونقذه القضاة الثلاثة الشافعي والحنفي والمالكي فغضب القاضي الحنبلي وهو قاضي القضاة جمال الدين المرداوي المقدسي من ذلك وعقد بسبب ذلك مجالس وتطاول الكلام فيه وادعى كثير منهم أن مذهب الامام احمد في المناقلة إنما هو في حال الضرورة وحيث لا يمكن الانتفاع بالموقوف فأما المناقلة لمجرد المصلحة والمنفعة الراجحة فلا وامتنعوا من قبول ما قرره الشيخ تقي الدين ابن تيمية في ذلك ونقله عن الامام أحمد من وجوه كثيرة من طريق ابنيه صالح وحرب وأبي داود وغيرهم انها تجوز للمصلحة الراجحة وصنف في ذلك مسألة مفردة وقفت عليها يعني الشيخ عماد الدين ابن كثير فرأيتها في غاية الحسن والافادة بحيث لا يتخالج من اطلع عليها ممن يذوق طعم الفقه انها مذهب الامام احمد رحمه الله فقد احتج أحمد في ذلك في رواية ابنه صالح بما رواه عن يزيد بن عوف عن المسعودي عن القاسم بن محمد أن عمر كتب إلى ابن مسعود أن يحول المسجد الجامع بالكوفة إلى موضع سوق التمارين ويجعل السوق في مكان المسجد الجامع العتيق ففعل ذلك فهذا فيه أوضح دلالة على ما استدل به فيها من النقل بمجرد المصلحة فإنه لا ضرورة إلى جعل المسجد العتيق سوقا على أن الاسناد فيه انقطاع بين القاسم وبين عمر وبين القاسم وابن مسعود ولكن قد جزم به صاحب المذهب واحتج به وهو ظاهر واضح في ذلك فعقد المجلس في يوم الاثنين الثامن والعشرين من الشهر
وفي ليلة الاربعاء الرابع والعشرين من جمادي الاولى وقع حريق عظيم ظاهر باب الفرج احترق فيه بسببه قياسير كثيرة لطازويلبغا وقيسرية الطوشاي لبنت تكز واخر كثيرة ودور ودكاكين وذهب للناس شيء كثير من الامتعة والنحاس والبضائع وغير ذلك مما يقاوم ألف
ألف وأكثر خارجا عن الاموال فإنا لله وإنا اليه راجعون وقد ذكر كثير من الناس أنه كان في هذه القياسير شر كثير من الفسق والربا والزغل وغير ذلك
وفي السابع والعشرين من جمادي الاولى ورد الخبر بأن الفرنج لعنهم الله استحوذوا على مدينة صغد قدموا في سبعة مراكب وقتلوا طائفة من أهلها ونهبوا شيئا كثيرا واسروا أيضا وهجموا على الناس وقت الفجر يوم الجمعة وقد قتل منهم المسلمون خلقا كثيرا وكسروا مركبا من مراكبهم وجاء الفرنج في عشية السبت قبل العصر وقدم الوالي وهو جريح مثقل وأمر نائب السلطنة عند ذلك بتجهيز الجيش إلى تلك الناحية فساروا تلك الليلة ولله الحمد وتقدمهم حاجب الحجاب وتحدر إليهم نائب صغد الامير شهب الدين بن صبح فسبق الجيش الدمشقي ووجد الفرنج قد برزوا بما غنموا من الأمتعة والأسارى إلى جزيرة تلقاء صيدا في البحر وقد أسر المسلمون منهم في المعركة شيخا وشابا م نأبناء أشرافهم وهو الذي عاقهم عن الذهاب فراسلهم الجيش في إنفكاك الاساري من ايديهم فبادرهم عن كل رأس بخمسائة فأخذوا من ديوان الاسارى مبلغ ثلاثين ألفا ولم يبق معهم ولله الحمد أحد واستمر الصبي من الفرنج مع المسلمين وأسلم ودفع إليهم الشيخ الجريح وعطش الفرنج عطشا شديدا وارادوا أن يرووا من نهر هناك فبادرهم الجيش إليه فمنعوهم أن ينالوا منه قطرة واحدة فرحلوا ليلة الثلاثاء منشمرين بما معهم من الغنائم وبعثت رؤس جماعة من الفرنج ممن قتل في المعركة فنصبت على القلعة بدمشق وجاء الخبر في هذا الوقت بأن إيناس قد أحاط بها الفرنج وقد أخذوا الربيض وهم محاصرون القلعة وفيها نائب البلد وذكروا أنهم قتلوا خلقا كثيرا من أهلها فإنا لله وإنا اليه راجعون وذهب صاحب حلب في جيش كثيف نحوهم والله المسئول ان يظفرهم بحوله وقوته وشاع بين العامة أيضا أن الاسكندرية محاصرة ولم يتحقق ذلك إلى الان وبالله المستعان وفي يوم السبت رابع جمادي الاخرة قدم رؤس من قتلى الفرنج على صيدا وهي بضع وثلاثون رأسا فنصبت على شرافات القلعة ففرح المسلمون بذلك ولله الحمد
وفي ليلة الأربعاء الثاني والعشرين من جمادي الآخرة وقع حريق عظيم داخل باب الصغير من مطبخ السكر الذي عند السويقة الملاصقة لمسجد الشناشين فاحترق المطبخ وما حوله إلى حمام أبي نصر واصتل بالسويقة المذكورة وما هنالك من الاماكن فكان قريبا أو أكثر من الحريق ظاهر باب الفرج فإنا لله وإنا اليه راجعون وحضر نائب السلطنة وذلك أنه كان وقت صلاة العشاء ولكن كان الريح قويا وذلك بتقدير العزيز العليم
وتوفي الشيخ عز الدين محمد بن إسماعيل بن عمر الحموي احمد مشايخ الرواة في ليلة الثلاثاء الثامن والعشرين من جمادي الآخرة وصلى عليه من الغد بالجامع الأموي بعد الظهر ودفن بمقابر
باب الصغير وكان مولده في ثاني ربيع الاول سنة ثمانين وستمائة فجمع الكثير وتفرد بالرواية عن جماعة في آخر عمره وانقطع بوته سماع السنن الكبير للبيهقي رحمه الله
ووقع حريق عظيم ليلة الجمعة خامس عشر رجب بمحلة الصالحية من سفح قاسيون فاحترق السوق القبلي من جامع الحنابلة بكماله شرقا وغربا وجنوبا وشمالا فإنا لله وإنا اليه راجعون
وفي يوم الجمعة خامس شهر رمضان خطب بالجامع الذي أنشاه سيف الدين يلبغا الناصري غربي سوق الخيل وفتح في هذا اليوم وجاء في غاية الحسن والبهاء وخطب الشيخ ناصر الدين بن الربوة الحنفي وكان قد نازعه فيه الشيخ شمس الدين الشافعي الموصلي وأظهر ولاية من واقفه يلبغا المذكور ومراسيم شريفة سلطانية ولكن قد قوى عليه ابن الربوة بسبب أنه نائب عن الشيخ قوام الدين الاتقاني الحنفي وهو مقيم بمصر ومعه ولاية من السلطان متأخرة عن ولاية الموصلي فرسم لابن الربوة فلبس يومئذ الخلعة السوداء من دار السعادة وجاؤا بين يديه بالسناجق السود الخليفية والمؤذنون يكبرون على العادة وخطب يومئذ خطبة حسنة أكثرها في فضائل القرآن وقرأ في المحراب بأول سورة طه وحضر كثير من الأمراء والعامة والخاصة وبعض القضاة وكان يوما مشهودا وكنت ممن حضر قريبا منه والعجب أني وقفت في شهر ذي القعدة على كتاب أرسله بعض الناس إلى صاحب له من بلاد طرابلس وفيه والمخدوم يعرف الشيخ عماد الدين بما جرى في بلاد السواحل من الحريق من بلاد طرابلس إلى آخر معاملة بيروت إلى جميع كسروان أحرق الجبال كلها ومات الوحوش كلها مثل النمور والدب والثعلب والخنزير من الحريق ما بقي للوحوش موضع يهربون فيه وبقي الحريق عليه أياما وهرب الناس إلى جانب البحر من خوف النار واحترق زيتون كثير فلما نزل المطر أطفأه باذن الله تعالى يعني الذي وقع في تشرين وذلك في ذي القعدة من هذه السنة قال ومن العجب أن ورقة من شجرة وقعت في بيت من مدخنته فاحرقت جميع ما فيه من الاثاث والثياب وغير ذلك ومن حلية حرير كثير وغالب هذه البلاد للدرذية والرافضة نقلته من خط كاتبه محمد بن يلبان إلى صاحبه وهما عندي بقبان فيالله العجب
وفي هذا الشهر يعني ذي القعدة وقع بين الشيخ إسماعيل بن العز الحنفي وبين أصحابه من الحنفية مناقشة سبب اعتدائه على بعض الناس في محاكمة فاقتضى ذلك إحضاره إلى مجلس الحكم ثلاثة أيام كمثل المتمرد عندهم فلما لم يحضر فيها حكم عليه القاضي شهاب الدين الكفري نائب الحنفي باسقاط عدالته ثم ظهر خبره بأنه قصد بلاد مصر فأرسل النائب في اثره من يرده فعنفه ثم أطلقه إلى منزله وشفع فيه قاضي القضاة الحنفي فاستحسن ذلك ولله الحمد والمنة
*2* ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة والخليفة أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو بكر بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان العباسي وسلطان الاسلام بالديار المصرية وما يتبعها وبالبلاد الشامية وما والاها والحرمين الشريفين وغير ذلك الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي وليس له بمصر نائب ولا وزير وإنما ترجع الامور إصدارا وإيرادا إلى الاميرين الكبيرين سيف الدين شيخون وصرغتمش الناصريين وقضاة مصرهم المذكورون في التي قبلها ونائب الشام بدمشق الامير علاء الدين أمير علي المارداني وقضاة دمشق هم المذكورون في التي قبلها انتهى
*3* كائنة غريبة جدا
@ لما كان يوم الاربعاء الرابع والعشرين من رجب من هذه السنة نهدت جماعة من مجاوري الجامع بدمشق من مشهد على وغيره واتبعهم جماعة من الفقراء والمغاربة وجاؤا إلى أماكن متهمة بالخمر وبيع الحشيش فكسروا أشياء كثيرة من أواني الخمر وأراقوا ما فيها واتلفوا شيئا كثيرا من الحشيش وغيره ثم انتقلوا إلى حكر السماق وغيرهم فثار عليهم من البارذارية والكلابرية وغيرهم من الرعاع فتناوشوا وضربت عليهم ضرابات بالايدي وغيرهم وربما سل بعض الفسار السيوف عليهم كما ذكر وقد رسم ملك الامراء لوالي المدينة ووالي البر أن يكونوا عضدا لهم وعونا على الخمارين والحشاشة فنصروهم عليهم غير انه كثر معهم الضجيج ونصبوا راية واجتمع عليهم خلق كثير ولما كان في أواخر النهار تقدم جماعة من النقباء والخزاندارية ومعهم جنازير فأخذوا جماعة من مجاوري الجامع وضربوا بالمقارع وطيف بهم في البلد ونادوا عليهم هذا جزاء من يتعرض لما لا يعنيه تحت علم السلطان فتعجب الناس من ذلك وأنكروه حتى أنه أنكر اثنان من العامة على المنادية فضرب بعض الجند احدهم بدبوس فقتله وضرب الآخر فيقال إنه مات أيضا فإنا لله وإنا اليه راجعون
وفي شعبان من هذه السنة حكى عن جارية من عتيقات الامير سيف الدين تمر المهمندار أنها حملت قريبا من سبعين يوما ثم شرعت تطرح ما في بطنها فوضعت في قرب من أربعين يوما في أيام متتالية ومتفرقة أربع عشرة بنتا وصبيا بعدهن قل من يعرف شكل الذكر من الأنثى
وجاء الخبر بأن الأمير سيف الدين شيخون مدبر الممالك بالديار المصرية والشامية ظفر عليه مملوك من مماليك السلطان فضربه بالسيف ضربات فجرحه في أماكن في جسده منها ما هو في وجهه ومنها ما هو في يده فحمل إلى منزله صريعا طريحا جريحا وغضب لذلك طوائف من الامراء حتى قيل إنهم ركبوا ودعوا إلى المبارزة فلم يجي اليهم وعظم الخطب بذلك جدا واتهمو به الأمير سيف الدين صرغتمش وغيره وأن هذا إنما فعل عن ممالأة منهم فالله أعلم
*3* وفاة أرغون الكاملي باني البيمارستان بحلب
@ كانت وفاته بالقدس الشريف في يوم الخميس السادس والعشرين من شوال من هذه السنة ودفن بتربة أنشأها غربي المسجد بشماله وقد ناب بدمشق مدة بعد حلب ثم جرت الكائنة التي أصلها يلبغا قبحه الله في أيامه ثم صار إلى نيابة حلب ثم سجن بالاسكندرية مدة ثم أفرج عنه فأقام بالقدس الشريف إلى أن كانت وفاته كما ذكرنا في التاريخ المذكور عزره الشريف ابن زريك والله أعلم
*3* وفاة الأمير شيخون
@ ورد الخبر من الديار المصرية بوفاة الأمير شيخون ليلة الجمعة السادس والعشرين من ذي القعدة ودفن من الغد بتربته وقد ابتنى مدرسة هائلة وجعل فيها المذاهب الأربعة ودار للحديث وخانقاه للصوفية ووقف عليها شيئا كثيرا وقرر فيها معاليم وقراءة دارة وترك أموالا جزيلة وحواصل كثيرة ودواوين في سائر البلاد المصرية والشامية وخلف بنات وزوجة وورث البقية أولاد السلطان المذكور بالولاء ومسك بعد وفاته أمراء كثيرون بمصر كانوا من حزبه من أشهرهم عز الدين بقطاي والدوادار وابن قوصون وأمه أخت السلطان خلف عليها شيخون بعد قوصون انتهى والله أعلم
*2* ثم دخلت سنة تسع وخمسين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الاسلام بالبلاد المصرية والشامية والحرمين الشريفين وما يتبع ذلك الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون بن عبد الله الصالحي وقد قوى جانبه وحاشيته بموت الأمير شيخون كما ذكرنا في سادس عشرين ذي القعدة من السنة الماضية وصار إليه من ميراثه من زهرة الحياة شيء كثير من القناطير المنقطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث وكذلك من المماليك والأسلحة والعدة والبرك والمتاجر ما يشق حصره ويتعذر إحصاؤه ها هنا وليس في الديار المصرية فيما بلغنا إلى الآن نائب ولا وزير والقضاة هم المذكورون في التي قبلها وأما دمشق فنائبها وقضاتها هم المذكورون في التي قبلها سوى الحنفي فإنه قاضي القضاة شرف الدين الكفري عوضا عن نجم الدين الطوسي توفي في شعبان من السنة الماضية ونائب حلب سيف الدين طاز وطرابلس منجك وحماة استدمر العمري وصغد شهاب الدين بن صبح وبحمص صلاح الدين خليل بن خاض برك وببعلبك ناصر الدين الاقوس
وفي صبيحة يوم الاثنين رابع عشر المحرم خرجت أربعة آلاف مع أربع مقدمين إلىناحية حلب نصرة لجيش حلب على مسك طاز ان امتنع من السلطنة كما أمر ولما كان يوم الحادي والعشرين من المحرم نادى المنادي من جهة نائب السلطنة أن يركب من بقي من الجند في الحديد ويوافوه إلى سوق الخيل فركب معهم قاصدا ناحية ثنية العقاب ليمنع الامير طاز من دخول البلد لما تحقق مجيئه في جيشه قاصدا إلى الديار المصرية فانزعج الناس لذلك وأخليت دار السعادة من الحواصل والحريم إلى القلعة وتحصن كثير من الامراء بدورهم داخل البلد وأغلق باب النصر فاستوحش الناس من ذلك بعض الشيء ثم غلقت أبواب البلد كلها إلا بأبي الفراديس والفرج وباب الجابية أيضا لأجل دخول الحجاج ودخل المحمل صبيحة يوم الجمعة الثالث والعشرين من المحرم ولم يشعر به كثير من الناس لشغلهم بما هم فيه من أمر طاز وأمر العشير بحوران وجاء الخبر بمسك الامير سيف الدين طيدمر الحاجب الكبير بأرض حوران وسجنه بقلعة صرخد وجاء سيفه صحبة الامير جمال الدين الحاجب فذهب به إلى الوطاق عند الثنية وقد وصل طاز بجنوده إلى باب القطيفة وتلاقى شاليشه بشاليش نائب الشام ولم يكن منهم قتال ولله الحمد ثم تراسل هو والنائب في الصلح على أن يسلم طاز نفسه ويركب في عشرة سروج إلى السلطان وينسلخ مما هو فيه ويكاتب فيه النائب وتلطفوا بأمره عند السلطان وبكل ما يقدر عليه فأجاب إلى ذلك وأرسل يطلب من يشهده على وصيته فأرسل إليه نائب السلطنة القاضي شهاب الدين قاضي العسكر فذهب إليه فأوصى لولده ! وأم ولده ولوالده نفسه وجعل الناظر على وصيته الأمير علاء الدين أمير على المارداني نائب السلطنة وللأمير صرغتمش ورجع النائب من الثنية عشية يوم السبت بين العشاءين الرابع والعشرين منه وتضاعفت الادعية له وفرح الناس بذلك فرحا شديدا ودعوا إلى الامير طاز بسب إجابته إلى السمع والطاعة وعدم مقاتلته مع كثرة من كان معه من الجيوش وقوة من كان يحرضه على ذلك من اخويه وذويه وقد اجتمعت بنائب السلطنة الامير علاء الدين أمير علي المارداني فأخبرني بملخص ما وقع منذ خرج إلى أن رجع ومضمون كلامه أن الله لطف بالمسلمين لطفا عظيما غذ لم يقع بينهم قتال فإنه قال لما وصل طاز إلى القطيفة وقد نزلنا نحن بالقرب من خان لاجين أرسلت إليه مملوكا من مماليكي أقول له إن المرسوم الشريف قد ورد بذهابك إلى الديار المصرية في عشرة سروج فقط فإذا جئت هكذا فأهلا وسهلا وإن لم تفعل فأنت أصل الفتنة وركبت ليلة الجمعة طول الليل في الجيش وهو ملبس فرجع مملوكي ومعه مملوكه سريعا يقول إنه يسأل أن يدخل بطلبه كما خرج يطلبه من مصر فقلت لا سبيل إلى ذلك إلا في عشرة سروج كما رسم السلطان فرجع وجاءني الأمير الذي جاء من مصر بطلبه فقال إنه يطلب منك أن يدخل في مماليكه فإذا جاوز دمشق إلى الكسوة نزل جيشه هناك وركب هو في عشرة سروج كما رسم فقلت لا سبيل إلى أن يدخل دمشق ويتجاوز بطلبه أصلا وإن كان عنده خيل ورجال وعدة فعندي أضعاف ذلك فقال لي الأمير يا خوند لا يكون تنسى قيمته فقلت لا يقع إلا ما تسمع فرجع فما هو إلا أن ساق مقدار رمية سهم وجاء بعض الجواسيس الذين لنا عندهم فقال ياخوندها قد وصل جيش حماة وطرابلس ومن معهم من جيش دمشق
الذين كانوا قد خرجوا بسببه وقد اتفقوا هم وهو قال فحينئذ ركبت في الجيش وأرسلت طليعتين أمامي وقلت تراءوا للجيوش الذين جاءوا حتى يروكم فيعلموا أنا قد أحطنا بهم من كل جانب فحينئذ جاءت البرد من جهته بطلب الامان ويجهرون بالاجابة إلى ان يركب في عشرة سروج ويترك طلبه بالقطيفة وذلك يوم الجمعة فلما كان الليل ركبت أنا والجيش في السلاح طول الليل وخشيت أن تكون مكيدة وخديعة فجاءتنا الجواسيس فأخبرونا أنهم قد أوقدوا نشابهم ورماحهم وكثيرا من سلاحهم فتحققنا عند ذلك طاعته وإجابته لكل ما رسم به فلما أصبح يوم السبت وصى وركب في عشرة سروج وسار نحو الديار المصرية ولله الحمد والمنة
وفي يوم الاثنين الرابع والعشرين من صفر دخل حاجب الحجاب الذي كان سجن في قلعة صرخد مع البريدي الذي قدم بسبه من الديار المصرية وتلقاه جماعة من الأمراء والكبراء وتصدق بصدقات كثيرة في داره وفرحوا به فرحا شديدا وهو والناس يقولون إنه ذاهب إلى الديار المصرية معظما مكرما على تقدمة الف ووظائف هناك فلما كان يوم الخميس السابع والعشرين منه لم يفجأ الناس إلا وقد دخل القلعة المنصورة معتقلا بها مضيقا عليه فتعجب الناس من هذه الترحة من تلك الفرحة فما شاء الله كان
وفي يوم الاربعاء رابع ربيع الاول عقد مجلس بسبب الحاجب بالمشهد من الجامع وفي يوم الخميس أحضر الحاجب من القلعة إلى دار الحديث واجتمع القضاة هناك بسبب دعاوي لطبون منه حق بعضهم ثم لما كان يوم الاثنين تاسعه قدم من الديار المصرية مقدم البريدية بطلب الحاجب المذكور فأخرج من القلعة السلطانية وجاء إلى نائب السلطنة فقبل قدمه ثم خرج إلى منزله وركب من يومه قاصدا إلى الديار المصرية مكرما وخرج بين يديه خلق من العوام والحرافيش يدعون له وهذا أغرب ما أرخ فهذا الرجل نالته شدة عظيمة بسبب سجنه بصرخد ثم أفرج عنه ثم حبس في قلعة دمشق ثم أفرج عنه وذلك كله في نحوشهر
ثم جاءت الاخبار في يوم الاحد ثاني عشر جمادي الاولى بعزل نائب السلطنة عن دمشق فلم يركب في الموكب يوم الاثنين ولا حضر في دار العدل ثم تحققت الاخبار بذلك وبذهابه إلى نيابة حلب ومجيء نائب حلب إلى دمشق فتأسف كثير من الناس عليه لديانته وجوده وحسن معاملته لأهل العلم ولكن حاشيته لا ينفذون أوامره فتولد بسبب ذلك فساد عريض وحموا كثيرا من البلاد فوقعت الحروب بين أهلها بسبب ذلك وهاجت العشيرات فإنا لله وإنا اليه راجعون وفي صبيحة يوم السبت الخامس والعشرين خرج الامير علي المارداني من دمشق في طلبه مستعجلا في أبهة النيابة قاصدا إلى حلب المرحوسة وقد ضرب وطاقه بوطأة برزة فخرج الناس للتفرج على طلبه وفي هذا اليوم بعد خروج النائب بقليل دخل الامير سيف الدين طيدمر الحاجب من الديار المصرية عائدا إلى وظيفة الحجوبية في أبهة عظيمة وتلقاه الناس بالشموع ودعوا له ثم ركب من يومه إلى خدمة ملك الامراء إلى وطأة برزة فقبل يده وخلع عليه الأمراء واصطلحا انتهى والله أعلم
*3* دخول نائب السلطنة منجك إلى دمشق
@ كان ذلك في صبيحة يوم الخميس الرابع والعشرين من جمادي الاخرة من ناحية حلب وبين يديه الامراء والجيش على العادة وأوقدت الشموع وخرج الناس ومنهم من باب على الاسطحة وكان يوما هائلا
وفي أواخر شهر رجب برز نائب السلطنة إلى الربوة وأحضر القضاة وولاة الامور ورسم باحضار المفتيين وكنت فيمن طلب يومئذ إلى الربوة فركبت إليها وكان نائب السلطنة عزم يومئذ على تخريب المنازل المبنية بالربوة وغلق الحمام من اجل هذه فيما ذكر أنها بنيت ليقضي فيها وهذا الحمام أوساخه صائرة إلى النهر الذي يشرب منه الناس فاتفق الحال في آخر الأمر على إبقاء المساكن ورد المرتفقات المسلطة على نوره وناس ويترك ما هو مسلط على بردى فانكف الناس عن الذهاب إلى الربوة بالكلية ورسم يومئذ بتضييق أكمام النساء وأن تزال الاجراس والركب عن الحمير التي للمكارية
وفي أوائل شهر شعبان ركب نائب السلطنة يوم الجمعة بعد العصر ليقف على الحائط الرومي الذي بالرحبية فخاف أهل الأسواق وغلقوا دكاكينهم عن آخرهم واعتقدوا أن نائب السلطنة أمر بذلك فغضب من ذلك وتنصل منه ثم إنه أمر بهدم الحائط المذكور وأن ينقل إلى العمارة التي استجدها خارج باب النصر في دار الصناعة التي إلى جانب دار العدل أمر ببنائها خانا ونقلت تلك الاحجار اليها انتهى والله أعلم
*3* عزل القضاة الثلاثة بدمشق
@ ولما كان يوم الثلاثاء تاسع شعبان قدم من الديار المصرية بريدي ومعه تذكرة ورقة فيها السلام على القضاة المستجدين وأخبر بعزل القاضي الشافعي والحنفي والمالكي وأنه ولى قضاة الشافعية القاضي بهاء الدين أبو البقا السبكي وقضاء الحنفية الشيخ جمال الدين بن السراج الحنفي وذهب الناس إلى السلام عليهم والتهنئة لهم واحتفلوا بذلك وأخبروا أن القاضي المالكي سيقدم من الديار المصرية ولما كان يوم السبت السابع والعشرين من شعبان وصل البريد من الديار المصرية ومعه تقليدان وخلعتان للقاضي الشافعي والقاضي الحنفي فلبسا الخلعتين وجاءا من دار السعادة إلى الجامع الأموي وجلسا في محراب المقصورة وقرأ تقليد قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء الشافعي الشيخ نور الدين بن الصارم المحدث على السدة تجاه المحراب وقرا تقليد قاضي القضاة جمال الدين بن السراج الحنفي الشيخ عماد الدين بن السراج المحدث أيضا على السدة ثم حكما هنالك ثم جاء أيضا إلى الغزالية فدرس بها قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء وجلس الحنفي إلى جانبه عن يمينه وحضرت عنده فأخذ في صيام يوم الشك ثم جاء معه إلى المدرسة النورية فدرس بها قاضي القضاة جمال الدين المذكور وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدين وذكروا أنه أخذ في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط الآية ثم انصرف بهاء الدين إلى المدرسة العادلية الكبيرة فدرس بها قوله تعالى إن الله يأمرك أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل الآية وفي صبيحة يوم الأربعاء ثامن شهر رمضان دخل القاضي المالكي من الديار المصرية فلبس الخلعة يومئذ ودخل المقصورة من الجامع الاموي وقرئ تقليده هنالك بحضرة القضاة والأعيان قرأه الشيخ نور الدين بن الصارم المحدث وهو قاضي القضاة شرف الدين أحمد بن الشيخ شهاب الدين عبدالرحمن بن الشيخ شمس الدين محمد بن عسكر العراقي البغدادي قدم الشام مرارا ثم استوطن الديار المصرية بعد ما حكم ببغداد نيابة عن قطب الدين الاخوي ودرس بالمستنصرية بعد أبيه وحكم بدمياط أيضا ثم نقل إلى قضاء المالكية بدمشق وهو شيخ حسن كثير التودد ومسدد العبارة حسن البشر عند اللقاء مشكور في مباشرته عفة ونزاهة وكرم الله يوفقه ويسدده
*3* مسك الأمير طرغتمش أتابك الامراء بالديار المصرية
@ ورد لخبر إلينا بمسكه يوم السبت الخامس والعشرين من رمضان هذا وأنه قبض عليه بحضرة السلطان يوم الاثنين العشرين منه ثم اختلفت الرواية عن قتله غير أنه احتيط على حواصله وأمواله وصودر أصحابه وأتباعه فكان فيمن ضرب وعصر تحت المصادرة القاضي ضياء الدين ابن خطيب بيت الابار واشتهر أنه مات تحت العقوبة وقد كان مقصدا للواردين إلى الديار المصرية لا سيما أهل بلدة دمشق وقد بشار عدة وظائف وكان في آخر عمره قد فوض اليه نظر جميع الاوقاف ببلاد السلطان وتكلم في أمر الجامع الاموي وغيره فحصل بسبب ذلك قطع أرزاق جماعات من الكتبة وغيرهم ومالأ الامير صرغتمش في أمور كثيرة خاصة وعامة فهلك بسببه وقد قارب الثمانين انتهى
*3* إعادة القضاة
@ وقد كان صرغتمش عزل القضاة الثلاثة بدمشق وهم الشافعي والحنفي والمالكي كما تقدم وعزل قبلهم ابن جماعة وولى ابن عقيل فلما مسك صرغتمش رسم السلطان باعادة القضاة على ما كانوا عليه ولما ورد الخبر بذلك إلى دمشق امتنع القضاة الثلاثة من الحكم غير أنهم حضروا ليلة العيد لرؤيةالهلال بالجامع الأموي وركبوا مع النائب صبيحة العيد إلى المصلى على عادة القضاة وهم على وجل وقد انتقلوا من مدارس الحكم فرجع قاضي القضاة أبو البقاء الشافعي إلى بستانه بالزعيفرية ورجع قاضي القضاة ابن السراج إلى داره بالتعديل وارتحل قاضي القضاة شرف الدين المالكي إلى الصالحية داخل الصمصامية وتألم كثير من الناس بسببه لأنه قد قدم غريبا من الديار المصرية وهو فقير ومتدين وقد باشر الحكم جيدا ثم تبين بآخرة أنه لم يعزل وأنه مستمر كما سنذكره ففرح أصحابه وأحبابه وكثير من الناس بذلك فلم كان يوم الأحد رابع شوال قدم البريد وصحبته تقليد الشافعي قاضي القضاة تاج الدين ابن السبكي وتقليد الحنفي قاضي القضاة شرف الدين الكفري واستمر قاضي القضاة شرف الدين المالكي العراقي على قضاء المالكية لأن السلطان تذكر أنه كان شافهه بولاية القضاء بالشام وسيره بين يديه إلى دمشق فحمدت سيرته كما حسنت سريرته إن شاء الله وفرح الناس له بذلك
وفي ذي القعدة توفي المحدث شمس الدين محمد بن سعد الحنبلي يوم الاثنين ثالثة ودفن من الغد بالسفح وقد قارب الستين وكتب كثيرا وخرج وكانت له معرفة جيدة بأسماء الاحرار ورواتها من الشيوخ المتأخرين وقد كتب للحافظ البرزالي قطعة كبيرة من مشايخه وخرج له عن كل حديثا أو أكثر وأثبت له ما سمعه عن كل منهم ولم يتم حتى توفي البرزالي رحمه الله
وتوفي بهاء الدين ابن المرجاني باني جامع الفوقاني وكان مسجدا في الاصل فبناه جامعا وجعل فيه خطبة وكنت أول من خطب فيه سنة ثمان واربعين وسبعمائة وسمع شيئا من الحديث وبلغنا مقتل الامير سيف الدين بن فضل بن عيسى بن مهنا أحد أمراء الاعراب الاجواد الانجاد وقد ولي إمرة آل مهنا غير مرة كما وليها أبوه من قبله عدا عليه بعض بني عمه فقتله من غير قصد بقتله كما ذكر لكن لما حمل عليه السيف أراد أن يدفع عن نفسه وبنفسه فضربه بالسيف برأسه ففلقه فلم يعش بعده إلا أياما قلائل ومات رحمه الله انتهى
*3* عزل منجك عن دمشق
@ ولما كان يوم الأحد ثاني ذي الحجة قدم امير من الديار المصرية ومعه تقليد نائب دمشق وهو الامير سيف الدين منجك بنيابة صغد المحروسة فأصبح من الغد وهو يوم عرفة وقد انتقل من دار السعادة إلى سطح المزة قاصدا إلى صغد المحروسة فعمل العيد بسطح المزة ثم ترحل نحو صغد وطمع كثيرمن المفسدين والخمارين وغيرهم وفرحوا بزواله عنهم وفي يوم العيد قرئ كتاب السلطان بدار السعادة على الامراء وفيه التصريح باستنابة أميره على المارداني عليهم وعوده إليه والامر بطاعته وتعظيمه واحترامه والشكر له والثناء عليه وقدم الامير شهاب الدين بن صبح من نيابة صغد ونزل بداره بظاهر البلد بالقرب من الشامية البرانية وصل البريد يوم السبت الحادي والعشرين من ذي الحجة بنفي صاحب الحجاب طيدمر الاسماعيلي إلى مدينة حماة بطالا من سرجين لا غير والله أعلم
*2* ثم دخلت سنة ستين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وملك الديار المصرية والشامية وما يتبع ذلك من الممالك الاسلامية الملك الناصر حسن بن السلطان الملك الناصر محمد بن السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي وقضاته بمصرهم المذكورون في السنة التي قبلها ونائبه بدمشق الامير علاء الدين أمير علي المارداني وقضاة الشام هم المذكورون في التي قبلها غير المالكي فإنه عزل جمال الدين المسلاتي بشرف الدين العراقي وحاجب الحجاب الامير شهاب الدين بن صبح وخطباء البلد كانت أكثرها المذكورون وفي صبيحة يوم الاربعاء ثالث المحرم دخل الامير علاء الدين أمير على نائب السلطنة إلى دمشق من نيابة حلب ففرح الناس به وتلقوه إلى أثناء الطريق وحملت له العمامة الشجوع في طرقات البلد وليس الأمير شهاب الدين بن صبح خلعة الحجابة الكبيرة بدمشق عوضا عن نيابة صغد
ووردت كتب الحجاج يوم السبت الثالث عشر منه مؤرخة سابع عشرين ذي الحجة من العلا وذكروا أن صاحب المدينة النبوية عدا عليه فداويان عند لبسه خلعة السلطان وقت دخول المحمل إلى المدينة الشريفة فقتلاه فعدت عبيدة على الحجيج الذين هم داخل المدينة فنهبوا من أموالهم وقتلا بعضهم وخرجوا وكانوا قد أغلقوا أبواب المدينة دون الجيش فحرق بعضها ودخل الجيش السلطاني فاستنقذوا الناس من ايدي الظالمين ودخل المحمل السلطاني إلى دمشق يوم السبت العشرين من هذا الشهر على عادته وبين يدي المحمل الفداويان اللذان قتلا صاحب المدينة وقد ذكرت عنه أمور شنيعة بشعة من غلوه في الرفض المفرط ومن قوله إنه لو تمكن لاخرج الشخين من الحجرة وغير ذلك من عبارات مؤدية لعدم إيمانه إن صح عنه والله أعلم
وفي صبيحة يوم الثلاثاء سادس صفر مسك الامير شهاب الدين بن صبح حاجب الحجاب وولداه الاميران وحبسوا في القلعة المنصورة ثم سافر به الامير ناصر الدين بن خاربك بعد أيام إلى الديار المصرية وفي رجل ابن صبح قيد وذكر انه فك من رجله في اثناء الطريق وفي يوم الاثنين ثالث عشر صفر قدم نائب طرابلس الامير سيف الدين عبد الغني فأدخل القلعة ثم سافر به الامير علاء الدين بن أبي بكر إلى الديار المصرية محتفظا به مضيقا عليه وجاء الخبر بأن منجك سافر من صغد على البريد مطلوبا إلى السلطان فلما كان بينه وبين غزة بريد واحد دخل بمن معه من خدمه التيه فارا من السلطان وحين وصل الخبر إلى نائب غزة اجتهد في طلبه فأعجزه وتفارط الامر انتهى والله اعلم
*3* مسك الامير علي المارداني نائب الشام
@ وأصل ذلك أنه في صبيحة يوم الاربعاء الثاني والعشرين من رجب ركب الجيش إلى تحت القلعة ملبسين وضربت البشائر في القلعة في ناحية الطارمة وجاء الامراء بالطبلخانات من كل جانب والقائم بأعباء الامر الامير سيف الدين بيدمر الحاجب ونائب السلطنة داخل دار السعادة والرسل مرددة بينه وبين الجيش ثم خرج فحمل على سروج يسيرة محتاطا عليه إلى ناحية الديار المصرية واستوحش من أهل الشام عند باب النصر فتباكى الناس رحمة له واسفة عليه لديانته وقلة أذيته واذية الرعية وإحسانه إلى العلماء والفقراء والقضاة
ثم في صبيحة يوم الخميس الثالث والعشرين منه احتيط على الأمراء الثلاثة وهم الأمير سيف الدين طيبفا حجي أحد مقدمي الالوف والامير سيف الدين فطليخا الدوادار أحد المقدمين أيضا والامير علاء الدين أيدغمش المارداني أحد أمراء الطبلخانات وكان هؤلاء مممن حضر نائب السلطنة المذكور وهم جلساؤه وسماره والذين بسفارته أعطوا الاجناد والطبلخانات والتقادم فرفعوا إلى القلعة المنصورة معتقلين بها مع من بها من الأمراء ثم ورد الخبر بأن الامير علي رد من الطريق بعد مجاوزته غزة وأرسل إليه بتقليد نيابة صغد المحروسة فتماثل الحال وفرح بذلك أصحابه وأحبابه وقدم متسلم دمشق الذي خلع عليه بنيابتها بالديار المصرية في يوم الخميس سادس عشر شهر رجب بعد أن استعفى من ذلك مرارا وباس الارض مرارا فلم يعفه السلطان وهو الامير سيف الدين استدمر اخو يلبغا البحناوي الذي كان نائب الشام وبنته اليوم زوجة السلطان قدم متسلمة إلى دمشق يوم الخميس سلخ الشهر فنزل في دار السعادة وراح القضاة والأعيان للسلام عليه والتودد إليه وحملت إليه الضيافات والتقادم انتهى والله أعلم
*3* كائنة وقعت بقرية حوران فأوقع الله بهم بأسا شديدا في هذا الشهر الشريف
@ وذلك أنهم أشهر أهل قرية بحروان وهي خاص لنائب الشام وهم حلبية يمن ويقال لهم بنو لبسه وبني ناشي وهي حصينة مينعة يضوى اليها كل مفسد وقاطع ومارق ولجأ اليهم أحد شياطين رويمن العشير وهو عمر المعروف بالدنيط فأعدوا عددا كثيرة ونهبوا ليغنموا العشير وفي هذا الحين بدرهم وإلى الولاة المعروف بشنكل منكل فجاء إليهم ليردهم ويهديهم وطلب منهم عمر الدنيط فأبوا عليه وراموا مقاتلته وهم جمع كثير وجم غفير فتأخر عنهم وكتب إلى نائب السلطنة ليمده بجيش عونا له عليهم وعلى أمثالهم فجهز له جماعة من أمراء الطبلخانات والعشراوات ومائة من جند الحلقة الرماة فلما بغتهم في بلدهم تجمعوا لقتال العسكر ورموه بالحجارة والمقاليع وحجزوا بينهم وبين البلد فعند ذلك رمتهم الاتراك بالنبال من كل جانب فقتلوا منهم فوق المائة ففروا على أعقابهم وأسر منهم والي الولاة نحوا من ستين رجلا وأمر بقطع رءوس القتلى وتعليقها في أعناق هؤلاء الأسرى ونهبت بيوت الفلاحين كلهم وسلمت إلى مماليك نائب السلطنة لم يفقد منها ما يساوي ثلاثمائة درهم وكر راجعا إلى بصرى وشيوخ العشيرات معه فاخبر ابن الامير صلاح الدين ابن خاص ترك وكان من جملة أمراء الطبلخانات الذين قاتلوهم بمبسوط ما يخصه وأنه كان إذا أعيا بعض تلك الاسرى من الجرحى أمر المشاعلي بذبحه وتعليق رأسه على بقية الاسرى وفعل هذا بهم غير مرة حتى أنه قطع رأس شاب منهم وعلق رأسه على أبيه شيخ كبير فإنا لله وإنا اليه راجعون حتى قدم بهم بصرى فشنكل طائفة من أوئلك المأسورين وشنكل آخرين ووسط الاخرين وحبس بعضهم في القلعة وعلق الرءوس على أخشاب نصبها حول قلعة بصرى فحصل بذلك تنكيل شديد لم يقع مثله في هذا الاوان بأهل حوران وهذا كله سلط عليهم بما كسبت أيديهم وما ربك بظلام للعبيد وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون فإنا لله وإنا اليه راجعون انتهى
*3* دخول نائب السطنة الامير سيف الدين استدمر البحناوي
@ في صبيحة يوم الاثنين حادي عشر شعبان من هذه السنة كان دخول الامير سيف الدين استدمر البحناوي نائبا على دمشق من جهة الديار المصرية وتلقاه الناس واحتلفوا له احتفالا زائدا وشاهدته حين ترجل لتقبيل العتبة وبعضده الأمير سيف الدين بيدمر الذي كان حاجب الحجاب وعين لنيابة حلب المحروسة فاستقبل القبلة وسجد عند القبلة وقد بسط له عندها مفارش وصمدة هائلة ثم إنه ركب فتعضده بيدمر أيضا وسار نحو الموكب فأركب ثم عاد إلى دار السعادة على عادة من تقدمه من النواب وجاء تقليد الامير سيف الدين بيدمر من آخر النهار لنيابة حلب المرحوسة وفي آخر نهار الثلاثاء بعدالعصر ورد البريد البشيري وعلى يديه مرسوم شريف بنفي القاضي بهاء الدين أبو البقاء وأولاده واهله إلى طرابلس بلا وظيفة فشق ذلك عليه وعلى أهليه ومن يليه وتغمم له كثير من الناس وسافر ليلة الجمعة وقد أذن له في الاستنابة في جهاته فاستناب ولده الكبير عز الدين واشتهر في شوال ان الامير سيف الدين منجك الذي كان نائب السلطنة بالشام وهرب ولم يطلع له خبر فلما كان في هذا الوقت ذكر أنه مسك ببلد بحران من مقاطعة ماردين في زي فقير وانه احتفظ عليه وأرسل السلطان قراره وعجب كثير من الناس من ذلك ثم لم يظهر لذلك حقيقة وكان الذين رأوه ظنوا انه هو فإذا هو فقير من جملة الفقراء يشبهه من بعض الوجوه واشتهر في ذي القعدة أن الامير عز الدين فياض بن مهنا ملك العرب خرج عن طاعة السلطان وتوجه نحو العراق فوردت المراسيم السلطانية لمن بأرض الرحبة من العساكر الدمشقية وهم أربعة مقدمين في أربعة آلاف وكذلك جيش حلب وغيره بتطلبه وإحضاره إلى بين يدي السلطان فسعوا في ذلك بكل ما يقدرون عليه فعجوا عن لحاقه والدخول وراءه إلى البراري وتفارط الحال وخلص إلى أرض العراق فضاق النطاق وتعذر اللحاق
*2* ثم دخلت سنة إحدى وستين وسبعمائة
@ استهلت وسلطان المسلمين الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وقضاة مصر والشام هم المذكورون في التي قبلها ونائب الشام الامير سيف الدين استدمر اخو يلبغا البحناوي وكاتب السر القاضي أمين الدين بن القلانسي
وفي مستهل المحرم جاء الخبر بموت الشيخ صلاح الدين العلائي بالقدس الشريف ليلة الاثنين ثالث المحرم وصلى عليه من الغد بالمسجد الاقصى بعد صلاة الظهر ودفن بمقبرة نائب الرحبة وله من العمر ست وستون سنة وكان مدة مقامه بالقدس مدرسا بالمدرسة الصلاحية وشيخا بدار الحديث السكرية ثلاثين سنة وقد صنف وألف وجمع وخرج وكانت له يد طولى بمعرفة العالي والنازل وتخريج الاجزاء والفوائد وله مشاركة قوية في الفقه واللغة والعربية والادب وفي كتابته ضعف لكن مع صحة وضبط لما يشكل وله عدة مصنفات وبلغني أنه وقفها على الخانقاه السمساطية بدمشق وقد ولى بعده التدريس بالصرخصية الخطيب برهان الدين ابن جماعة والنظر بها وكان معه تفويض منه متقدم التاريخ
وفي يوم الخميس السادس من محرم احتيط على متولي البر ابن بهادر الشيرجي ورسم عليه بالعذراوية بسبب أنه اتهم بأخذ مطلب من نعمان البلقاء هو وكحلن الحاجب وقاضي حسان والظاهر أن هذه مرافعة من خصم عدو لهم وأنه لم يكن من هذا شيء والله أعلم ثم ظهر على رجل يزور المراسيم الشريفة وأخذ بسببه مدرس الصارمية لأنه كان عنده في المدرسة المذكورة وضرب بين يدي ملك الامراء وكذلك على الشيخ زين الدين زيد المغربي الشافعي وذكر عنه أن يطلب مرسوما لمدرسة الاكرية وضرب أيضا ورسم عليه في حبس السد وكذلك حبس الامير شهاب الدين الذي كان متولي البلد لأنه كان قد كتب له مرسوما شريفا بالولاية فلما فهم ذلك كاتب السر أطلع عليه نائب السلطنة فانفتح عليه الباب وحبسوا كلهم بالسد وجاءت كتب الحجاج ليلة السبت الخامس عشر من المحرم وخبرت بالخصب والرخص والأمن ولله الحمد والمنة ودخل المحمل بعد المغرب ليلة السبت الحادي والعشرين منه ثم دخل الحجيج بعده في الطين والرمض وقد لقوا من ذلك من بلاد حوران عناء وشدة ووقعت جمالات كثيرة وسبيت نساء كثيرة فإنا لله وإنا إليه راجعون وحصل للناس تعب شديد ولما كان يوم الاثنين الرابع والعشرين قطعت يد الذي زور المراسيم واسمه السراج عمر القفطي المصري وهو شاب كاتب مطيق على ما ذكر وحمل في قفص على جمل وهو مقطعوع اليد ولم يحسم بعدو الدم ينصب منها واركب معه الشيخ زين الدين زيد على جمل وهو منكوس وجهه إلى ناحية دبر الجمل وهو عريان مكشوف الرأس وكذلك البدر الحمصي على جمل آخر واركب الوالي شهاب الدين على جمل آخر وعليه تخفيفه صغيرة وخف وقباء وطيف بهم في محال البلد ونودي عليهم هذا جزاء من يزور على السلطان ثم أودعوا حبس الباب الصغير وكانوا قبل هذا التعزير في حبس السد ومنه اخذوا وأشهروا فإنا لله وإنا اليه راجعون انتهى
*3* مسك منجك وصفة الظهرو عليه وكان مختفيا بدمشق حوالي سنة
@ لما كان يوم الخميس السابع والعشرين من المحرم جاء ناصح إلى نائب السلطنة الأمير سيف الدين استدمر فأخبره بأن منجك في دار الشرف الاعلى فأرسل من فوره إلى ذلك المنزل الذي هو فيه بعض الحجبة ومن عنده من خواصه فأحضر إلى بين يديه محتفظا عليه جدا بحيث إن بعضهم رزفه من ورائه واحتضنه فلما واجهه نائب السلطنة أكرمه وتلقاه وأجلسه معه على مقعدته وتلطف به وسقاه وأضافه وقد قيل إنه كان صائما فأفطر عنده واعطاه من ملابسه وقيده وأرسله إلى السلطان في ليلته ليلة الجمعة مع جماعة من الجند وبعض الامراء منهم حسام الدين أمير حاجب وقد كان ارسل نائب السلطنة ولده بسيف منجك من اوائل النهار وتعجب الناس من هذه القضية جدا وما كان يظن كثير من الناس إلا أنه قد عدم باعتبار انه في بعض البلاد النائية ولم يشعر الناس أنه في وسط دشمق وأنه يمشي بينهم متنكرا وقد ذكر أنه كان يحضر الجمعات بجامع دمشق ويمشي بين الناس متنكرا في لبسه وهيئته ومع هذا لن يغني حذر من قدر ولكل أجل كتاب وأرسل ملك الامراء بالسيف وبملابسه التي كان يتنكر بها وبعث هو مع جماعة من الأمراء الحجبة وغيرهم وجيش كثيف إلى الديار المصرية مقيدا محتفظا عليه ورجع ابن ملك الامراء بالتحف والهدايا والخلع والانعام لوالده ولحاجب الحجاب ولبس ذلك الامراء يوم الجمعة واحتفل الناس بالشموع وغيرها ثم تواترت الاخبار بدخول منجك إلى السلطان وعفوه عفه وخلعته الكاملة عليه وإطلاقه له الحسام والخيول المسومة والألبسة المفتخرة والاموال والامان وتقديم الامراء والاكبار له من سائر صنوف التحف وقدوم الامير على من صغد قاصدا إلى حماة لنيابتها فنزل القصر الابلق ليلة الخميس رابع صفر وتوجه ليلة الاحد سابعه
وفي يوم الخميس الثامن عشر من صفر قدم القاضي بهاء الدين أبو البقاء من طرابلس بمرسوم شريف ان يعود إلى دمشق على وظائفه المبقاة عليه وقد كان ولده ولي الدين ينوب عنه فيها فتلقاه كثير من الناس إلى أثناء الطريق وبرز إليه قاضي القضاة تاج الدين إلى حرستا وراح الناس إلى تهنئته إلى داره وفرحوا برجوعه إلى وطنه ووقع مطر عظيم في اول هذا الشهر وهو أثناء شهر شباط وثلج عظيم فرويت البساتين التي كانت لها عن الماء عدة شهور ولا يحصل لأحد من الناس سقى إلا بكلفة عظيمة ومشقة ومبلغ كثير حتى كاد الناس يقتتلون عليه بالأيدي والدبابيس وغير ذلك من البذل الكثير وذلك في شهور كانون الاول والثاني وأول شباط وذلك لقلة مياه الانهار وضعفها وكذلك بلاد حوران أكثرهم يروون من أماكن بعيدة في هذه الشهور ثم من الله تعالى فجرت الاودية وكثرت الامطار والثلوج وغزرت الانهار ولله الحمد والمنة توالت الامطار فكأنه حصل السيل في هذه السنة من كانون إلى شباط فكان شباط هو كانون وكانون لم يسل فيه ميزاب واحد ووصل في هذا الشهر الامير سيف الدين منجك إلى القدس الشريف ليبتني للسلطان مدرسةوخانقاه غربي المسجد الشريف وأحضر الفرمان الذي كتب له بماء الذهب إلى دمشق وشاهده الناس ووقعت على نسخته وفيها تعظيم زائد ومدح وثناء له وشكر على متقدم خدمة لهذه الدولة والعفو عما مضى من زلاته وذكر سيرته بعبارة حسنة
وفي أوائل شهر ربيع الآخر رسم على المعلم سنجر مملوك ابن هلال صاحب الاموال الجزيلة بمرسوم شريف قدم مع البريد وطلب منه ستمائة ألف درهم واحتيط على العمارة التي أنشاها عند باب النطافيين ليجعلها مدرسة ورسم بأن يعمر مكانها مكتب للأيتام وأن يوقف عليهم كتابتهم جارية عليهم وكذلك رسم بأن يجعل في كل مدرسة من مدارس المملكة الكبار وهذا مقصد جيد وسلم المعلم سنجر إلى شاد الدواوين يستخلص منه المبلغ المذكور سريعا فعاجل بحمل مائتي ألف وسيرت مع أمير عشرة إلى الديار المصرية
*3* الأحتياط على الكتبة والدواوين
@ وفي يوم الاربعاء خامس عشر ربيع الآخر ورد من الديار المصرية أمير معه مرسوم بالاحتياط على دواوين السلطان بسبب ما أكلوا من الاموال المرتبة للناس من الصدقات السلطانية وغير ذلك فرسم عليهم بدار العدل البرانية وألزموا بأموال جزيلة كثيرة بحيث احتاجوا إلى بيع أثاثهم وأقمشتهم وفرشهم وامتعتهم وغيرها حتى ذكر ان منهم من لم يكن له شيء يعطيه فأحضر بناته إلى الدكة ليبيعهن فتابكى الناس وانتحبوا رحمة ورقة لأبيهن ثم أطلق بعضهم وهم الضعفاء منهم والفقراء الذين لا شيء معهم وبقيت الغرامة على الكبراء منهم كالصاحب والمستوفيين ثم شدددت عليهم المطالبة وضربوا ضربا مبرحا وألزموا الصاحب بمال كثير بحيث إنه احتاج إلى أن سأل من الأمراء والأكابر والتجار بنفسه وباوراقه فأسعفوه بمبلغ كثير يقارب ما ألزم به بعد أن عرى ليضرب ولكن ترك واشتهر أنه قد عين عوضه من الديار المصرية انتهى
*3* موت فياض بن مهنا
@ ورد الخبر بذلك يوم السبت الثامن عشر منه فاستبشر بذلك كثير من الناس وارسل إلى السلطان مبشرين بذلك لأنه كان قد خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات موتة جاهلية بأرض الشقاق والنفاق وقد ذكرت عن هذا أشياء صدرت عنه من ظلم الناس والافطار في شهر رمضان بلا عذر وأمره أصحابه وذويه بذلك في هذا الشهر الماضي فإنا لله وإنا إليه راجعون جاوز السبعين انتهى والله أعلم
*3* كائنة عجيبة جدا هي المعلم سنجر مملوك بن هلال
@ في اليوم الرابع والعشرين من ربيع الآخر أطلق المعلم الهلالي بعد أن استوفوا منه تكميل ستمائة ألف درهم فبات في منزله عند باب النطافيين سرورا بالخلاص ولما أصبح ذهب إلى الحمام وقد ورد البريد من جهة السلطان من الديار المصرية بالاحتياط على أمواله وحواصله فأقبلت الحجبة ونقباء النقبة والأعوان من كل مكان فقصدوا داره فاحتاطوا بها وعليها بما فيها ورسم عليه وعلى ولديه وأخرجت نساؤه من المنزل في حالة صعبة وفتشوا النساء وانتزعوا عنهن الحلي والجواهر والنفائس واجتمعت العامة والغوغاء وحضر بعض القضاة ومعه الشهود بضبط الاموال والحجج والرهون وأحضروا المعلم ليستعلموا منه جلية ذلك فوجداو من حاصل الفضة أول يوم ثلثمائة ألف وسبعين ألفا ثم صناديق أخرى لم تفتح وحواصل لم يصلوا اليها لضيق الوقت ثم أصحبوا يوم الاحد في مثل ذلك وقد بات الحرس على الابواب والاسطحة لئلا يعدى عليها في الليل وبا هو وأولاده بالقلعة المنصورة محتفظا عليهم وقد رق له كثير من الناس لما أصابه من المصيبة العظيمة بعد التي قبلها سريعا
وفي أواخر هذا الشهر توفي الامير ناصر الدين محمد بن الدوادار السكري كان ذا مكانة عند استاذه ومنزلة عالية ونال من السعادة في وظيفته أقصاها ثم قلب الله قلب أستاذه عليه فضربه وصادره وعزله وسجنه ونزل قدره عند الناس وآل به الحال إلى أنه كان يقف على أتباعه بفرسه ويشتري منهم ويحاككهم ويحمل حاجته معه في سرجه وصار ممثلة بين الناس بعد أن كان في غاية ما يكون فيه الدويدارية من العز والجاه والمال والرفعة في الدنيا وحق على الله تعالى أن لا يرفع شيئا من أمر الدينا الاوضعة
وفي صبيحة يوم الاحد سابع عشرة أفرج عن المعلم الهلالي وعن ولديه وكانوا معتقلين بالقلعة المنصورة وسلمت اليهم دورهم وحواصلهم ولكن أخذ ما كان حاصلا في داره وهو ثلاثمائة ألف وعشرون ألفا وختم على حججه ليعقد لذلك مجلس ليرجع رأس ماله منها عملا بقوله تعالى وإن
تبتم فلكم رءوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ونودي عليه في البلد إنما فعل به ذلك لأنه لا يؤدي الزكاة ويعامل بالربا وحاجب السلطان ومتولى البلد وبقية المتعممين والمشاعلية تنادي عيه في أسواق البلد وارجائها
وفي اليوم الثامن والعشرين منه ورد المرسوم السلطاني الشريف باطلاق الدواوين إلى ديارهم وأهاليهم ففرح الناس بسبب ذلك لخلاصهم مما كانوا فيه من العقوبة والمصادرة البليغة ولكن لم يستمر بهم في مباشراتهم
وفي أواخر الشهر تكلم الشيخ شهاب الدين المقدسي الواعظم قدم من الديار المصرية تجاه محراب الصحابة واجتمع الناس إليه وحضر من قضاة القضاة الشافعي والمالكي فتكلم على تفسير آيات من القرآن وأشار إلى أشياء من إشارات الصوفية بعبارات طلقة معربة حلوة صادعة للقلوب فأفاد وأجاد وودع الناس بعوده إلى بلده ولما دعا استنهض الناس للقيام فقاموا في حال الدعاء وقد اجتمعت به بالمجلس فرايته حسن الهيئة والكلام والتأدب فالله يصلحه وإيانا آمين
وفي مستهل جمادي الآخرة ركب الامير سيف الدين بيدمر نائب حلب القصد غزو بلاد سيس في جيش لقاه الله النصر والتأييد وفي مستهل هذا الشهر أصبح أهل القلعة وقد نزل جماعة من أمراء الاعراب من أعالي مجلسهم في عمائم وحبال الى الخندق وخاضوه وخرجوا من عند جسر الزلابية فانطلق اثنان وأمسك الثالث الذي تبقى في السجن وكأنه كان يمسك لهم الحبال حتى تدلوا فيها فاشتد نكير نائب السلطنة على نائب القلعة وضرب ابنيه النقيب وأخاه وسجنهما وكاتب في هذه الكائنة إلى السلطان فرود المرسوم بعزل نائب القلعة وإخراجه منها وطلبه لمحاسبة ما قبض من الاموال السلطانية في مدة ست سني مباشرته وعزل ابنه عن النقابة ابنه الآخر عن استدرائه السلطان فنزلوا من عزهم إلى عزلهم
وفي يوم الاثنين سابع عشره جاء الأمير تاج الدين جبريل من عند الامير سيف الدين بيدمر نائب حلب وقد فتح بلدين من بلاد سيس وهما طرسوس وأذنة وأرسل مفاتيحهما صحبة جبريل المذكور إلى السلطان أيده الله ثم افتتح حصونا أخر كثيرة في أسرع مدة وأيسر كلفة وخطب القاضي ناصر الدين كاتب السر خطبة بليغة حسنة وبلغني في كتاب أن أبوبا كنيسة أذنة حملت إلى الديار المصرية في المراكب قلت وهذه هي أبواب الناصرية التي بالسفح أخذها سيس عام قازان وذلك في سنة تسع وتسعين وستمائة فاستنفذت ولله الحمد في هذه السنة
وفي أواخر هذا الشهر بلغنا أن الشيخ قطب الدين هرماس الذي كان شيخ السلطان طرد عن جناب مخدومه وضرب وصودر وخربت داره إلى الاساس ونفي إلى مصياف فاجتاز بدمشق ونزل بالمدرسة الجليلة ظاهر باب الفرج وزرته فيمن سلم عليه فإذاهو شيخ حسن عنده ما يقال ويتلفظ معربا جيدا ولديه فضيلة وعنده تواضع وتصوف فالله يحسن عاقبته ثم تحول إلى العذراوية
وفي صبيحة يوم السبت سابع شهر رجب توجه الشيخ شرف الدين أحمد بن الحسن بن قاضي الجبل الحنبلي إلى الديار المصرية مطلوبا على البريد إلى السلطان لتدريس الطائفة الحنبلية بالمدرسة التي أنشاها السلطان بالقاهرة المعزية وخرج لتوديعه القضاة والاعيان إلى اثناء الطريق كتب الله سلامته انتهى والله تعالى أعلم
*3* مسك نائب السلطنة استدمر البحناوي
@ وفي صبيحة يوم الاربعاء الخامس والعشرين من رجب قبض على نائب السلطنة الأمير سيف الدين استدمر أخي يلبغا البحناوي عن كتاب ورد من السلطان صحبة الدوادار الصغير وكان يومئذ راكبا بناحية ميدان ابن بابك فلما رجع إلى عند مقابر اليهود والنصارى احتاط عليه الحاجب الكبير ومن معه من الجيش والزموه بالذهاب إلى ناحية طرابلس فذهب من على طريق الشيخ رسلان ولم يمكن من المسير إلى دار السعادة ورسم عليه من الجند من أوصله إلى طرابلس مقيما بها بطالا فسبحان من بيده ملكوت كل شيء يفعل ما يشاء وبقي البلد بلا نائب يحكم فيه الحاجب الكبير عن مرسوم السلطان وعين للنيابة الامير سيف الدين بيدمر النائب بحلب
وفي شعبان وصل تقليد الامير سيف الدين بيدمر بنيابة دمشق ورسم له أن يركب في طائفة من جيش حلب ويقصد الامير خيار بن مهنا ليحضره إلى خدمة السلطان وكذلك رسم لنائب حماة وحمص أن يكونا عونا للأمير سيف الدين بيدمر في ذلك فلما كان يوم الجمعة رابعه التقوا مع خيار عند سلمية فكانت بينهم مناوشات فأخبرني الامير تاج الدين الدودار وكان مشاهد الوقعة أن الاعراب احاطوا بهم من كل جانب وذلك لكثرة العرب وكانوا نحو الثمانمائة وكانت الترك من حماة وحمص وحلب مائة وخمسين فرموا الاعراب بالنشاب فقتلوا منهم طائفة كثيرة ولم يقتل من الترك سوى رجل واحد رماه بعض الترك ظانا أنه من العرب بناشج فقتله ثم حجز بينهم الليل وخرجت الترك من الدائرة ونهبت أموال من الترك ومن العرب وجرت فتنة وجردت امراء عدة من دمشق لتدارك الحال وأقام نائب السلطنة هناك ينتظر ورودهم وقدم الامير عمر الملقب بمصمع بن موسى بن مهنا من الديار المصرية أميرا على الاعراب وفي صحبته الامير بدر الدين ابن جماز اميران على الاعراب فنزل مصمع بالقصر الابلق ونزل الامير رملة بالتوزية على عادته ثم توجها إلى ناحية خيار بمن معها من عرب الطاعة ممن أضيف اليهم من تجريدة دمشق ومن يكون معهم من جيش حماة وحمص لتحصيل الامير خيار وإحضاره إلى الخدمة الشريفة فالله تعالى يحسن العاقبة
*3* دخول نائب السلطنة الامير سيف الدين بيدمر إلى دمشق
@ وذلك صبيحة يوم السبت التاسع عشر من شعبان أقبل بجيشه من ناحية حلب وقد بات بوطأة برزة ليلة السبت وتلقاه الناس إلى حماة ودونها وجرت له وقعة مع العرب كما ذكرنا فلما كان هذا اليوم دخل في أبهة عظيمة وتجمل حافل فقبل العتبة على العادة ومشى إلى دار السعادة ثم أقبلت جنائبه في لبوس هائلة باهرة وعدد كثير وعدد ثمينة وفرح المسلمون به لشهامته وصرامته وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر والله تعالى يؤيده ويسدده
وفي يوم الجمعة ثاني شهر رمضان خطبت الحنابلة بجامع القبيبات وعزل عنه القاضي شهاب الدين قاضي العسكر الحنبلي بمرسوم نائب السلطان لأنهكان يعرف أنه كان مختصرا بالحنابلة منذ عين إلى هذا الحين
وفي يوم الجمعة السادس عشر نه قتل عثمان بن محمد المعروف بابن دبادب الدقاق بالحديد على ما شهد عليه به جماعة لا يمكن تواطؤهم على الكذب أنه كان يكثر من شتم الرسول ص فرفع إلى الحاكم المالكي وادعى عليه فأظهر التجابن ثم استقر امره على أن قتل قبحه الله وابعده ولا رحمه
وفي يوم الاثنين السادس والعشرين منه قتل محمد المدعو زبالة الذي بهتار لابن معبد على ما صدر منه من سب النبي ص ودعواه أشياء كفرية وذكر عنه انه كان يكثر الصلاة والصيام ومع هذا يصدر منه أحوال بشعة في حق أبي بكر وعمر وعائشة أم المؤمنين وفي حق النبي ص فضربت عنقه أيضا في هذا اليوم في سوق الخيل ولله الحمد والمنة
وفي ثالث عشر شوال خرج المحمل السلطاني وأميره الأمير ناصر الدين بن قراسنقر وقاضي الحجيج الشيخ شمس الدين محمد بن سند المحدث أحد المفتيين
وفي اواخر شهر شوال أخذ رجل يقال له حسن كان خياطا بمحلة الشاغور ومن شأنه أن ينتصر لفرعون لعنه الله ويزعم انه مات على الاسلام ويحتج بأنه في سورة يونس حين أدركه الغرق قال آمنت أنه لاإله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ولا يفهم معنى قوله الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ولا معنى قوله فأخذه الله نكال الاخرة والاولى ولا معنى قوله فأخذناه أخذا وبيلا إلى غير ذلك من الايات والاحاديث الكثيرة الدالة على أن فرعون أكفر الكافرين كما هو مجمع عليه بين اليهود والنصارى والمسلمين
وفي صبيحة يوم الجمعة سادس القعدة قدم البريد بطلب نائب السلطنة إلى الديار المصرية في تكريم وتعظيم على عادة تنكز فتوجه النائب إلى الديار المصرية وقد استصحب معه تحفا سنية وهدايا معظمة تصلح للايوان الشريف في صبيحة السبت رابع عشره خرج ومعه القضاة والأعيان من الحجبة والأمراء لتوديعه وفي أوائل ذي الحجة ورد كتاب من نائب السلطنة بخطه إلى قاضي القضاة تاج الدين الشافعي يستدعيه إلى القدس الشريف وزيارة قبر الخليل ويذكر فيه ما عامله به السلطان من الاحسان ولااكرام والاحترام والاطلاق والانعام من الخيل والتحف والمال والغلات فتوجه نحوه قاضي القضاة يوم الجمعة بعد الصلاة رابعه على ستة من خيل ابريد ومعه تحف وما يناسب من الهدايا وعاد عشية يوم الجمعة ثامن عشره إلى بستانه
ووقع في هذا الشهر والذي قبله سيول كثيرة جدا في أماكن متعددة من ذلك ما شاهدنا آثاره في مدينة بعلبك أتلف شيئا كثيرا من الاشجار واخترق أماكن كثيرة متعددة عندهم وبقي آثار سيحه على أماكن كثيرة من ذلك سيل وقع بأرض جعلوص اتلف شيئا كثيرا جدا وغرق فيه قاضي تلك الناحية ومع بعض الاخيار كانوا وقوفا على أكمة فدهمهم أمر عظيم ولم يستيطعوا دفعه ولا منعه فهلكوا ومن ذلك سيل وقع بناحية حسة جمال فهلك به شيء كثير من الاشجار والاغنام والاعناب وغيرها ومن ذلك سيل بأرض حلب هلك به خلق كثير من التركمان وغيرهم رجالا ونساء وأطفالا وغنما وإبلا قرأته من كتبا من شاهد ذلك عيانا وذكر أنه سقط عليهم برد وزنت الواحدة منه فبلغت زنتها سبعمائة درهم وفيه ما هو أكبر من ذلك وأصغر انتهى
*3* الامر بالزام القلندرية بترك حلق لحاهم وحواجبهم وشواربهم وذلك محرم بالاجماع حسب ما حكاه ابن حازم وإنما ذكره بعض الفقهاء بالكراهية
@ ورد كتاب من السلطان أيده الله إلى دمشق في يوم الثلاثاء خامس عشر ذي الحجة بالزامهم بزي المسلمين وترك زي الأعاجم والمجوس فلا يمكن أحد منهم من الدخول إلى بلاد السلطان حتى يترك هذا الزي المبتدع واللباس المستشنع ومن لا يلتزم بذلك يعزر شرعا ويقلع قراره قلعا وكان اللائق ان يؤمروا بترك أكل الحشيشة الخسيسة وإقامة الحد عليهم بأكلها وسكرها كما أفتى بذلك بعض الفقهاء واالمقصود انهم نودي عليهم بذلك في جميع أرجاء البلد ونواحيه في صبيحة يوم الاربعاء ولله الحمد والمنة
وبلغنا في هذا الشهر وفاة الشيخ الصالح الشيخ احمد بن موسى الزرعي بمدينة جبراص يوم الثلاثاء خامس ذي الحجة وكان من المبتلين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام في مصالح الناس عند السلطان والدولة وله وجاهة عند الخاص والعام رحمه الله والأمير سيف الدين كحلن بن الاقوس الذي كان حاجبا بدمشق وأميرا ثم عزل عن ذلك كله ونفاه السلطان إلى طرابلس فمات هناك
وقدم نائب السلطنة الامير سيف الدين بيدمر عائدا من الديار المصرية وقد لقى من السلطان إكراما وإحسانا زائدا فاجتاز في طريقه بالقدس الشريف فاقام به يوم عرفة والنحر ثم سلك على طريق غابة أرصوف يصطاد بها فأصابه وعك منعه عن ذلك فاسرع السير فدخل دمشق من صبيحة يوم الاثنين الحادي والعشرين منه في ابهة هائلة ورياسة طائلة وتزايد وخرج العامة للتفرج عليه والنظر إليه في مجيئه هذا فدخل وعليه قباء معظم ومطرز وبين يديه ما جرت به العادة من الحوفية والشاليشية وغيرهم ومن نيته الاحسان إلى الرعية والنظر في احوال الاوقاف وإصلاحها على طريقة تنكز رحمه الله انتهى والله أعلم
*2* ثم دخلت سنة إثنتين وستين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة المباركة وسلطان الاسلام بالديار المصرية والشامية والحرمين الشريفين وما يتبع ذلك ويلتحق به الملك الناصر حسن بن الملك النصار محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي ولا نائب له بالديار المصرية وقضاته بها هم المذكورون في العام الماضي ووزيره القاضي بن الخصيب ونائب الشام بدمشق الأمير سيف الدين بيدمر الخوارزمي والقضاة والخطيب وبقية الأشراف وناظر الجيش والمحتسب هم المذكورون في العام الماضي والوزير ابن قزوينه وكاتب السر القاضي امين الدين بن القلانسي ووكيل بيت المال القاضي صلاح الدين الصغدي وهو أحد موقعي الدست الاربعة وشاد الاوقاف الأمير ناصر الدين بن فضل الله وحاجب الحجاب اليوسفي وقد توجه إلى الديار المصرية ليكون بها امير جنهار ومتولي البلد ناصر الدين ونقيب النقباء بان الجشاعي وفي صبيحة يوم الاثنين سادس المحرم قدم الامير على نائب حماة منها فدخل دمشق مجتازا إلى الديار المصرية ونزل في القصر الابلق ثم تحول إلى دار دويداره يلبغا الذي جدد فيها مساكن كثيرة بالقصاعين وتردد الناس إليه للسلام عليه فأقام بها إلى صبيحة يوم الخميس تاسعة فسار إلى الديار المصرية
وفي يوم الاحد تاسع عشر المحرم أحضر حسن بن الخياط من محلة الشاغور إلى مجلس الحكم المالكي من السجن وناظر في إيمان فرعون وادعى عليه بدعاوي لانتصاره لفرعون لعنه الله وصدق ذلك باعترافه اولا ثم بمناظرته في ذلك ثانيا وثالثا وهو شيخ كبير جاهل عامي ذا نص لا يقيم دليلا ولا يحسنه وإنما قام في مخيلته شبهة يحتج عليها بقوله إخبارا عن فرعون حين أدركه الغرق وأحيط به ورأى بأس الله وعاين عذابه الاليم فقال حين الغرق إذا آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين قال الله تعالى الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية فاعتقد هذا العامي أن هذا الايمان الذي صدر من فرعون والحالة هذه ينفعه وقد قال تعالى فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون وقال تعالى إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون به ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الاليم قال قد اجيبت دعوتكما الاية ثم حضر في يوم آخر وهو مصمم على ضلاله فضرب بالسياط فأظهر التوبة ثم اعيد إلى السجن في زنجير ثم احضر يوما ثالثا وهو يستهل بالتوبة فيما يظهر فنودي عليه في البلد ثم أطلق
وفي ليلة الثلاثاء الرابع عشر طلع القمر خاسفا كله ولكن كان تحت السحاب فلما ظهر وقت العشاء وقد أخذ في الجلاء صلى الخطيب صلاة الكسوف قبل العشاء وقرأ في الاولى بسورة العنكبوت وفي الأخرى بسوة يس ثم صعد المنبر فخطب ثم نزل بعد العشاء وقدمت كتب الحجاج يخبرون بالرخص والأمن واستمرت زيادة الماء من أول ذي الحجة وقبلها إلى هذه الايام من آخر هذا الشهر والأمر على حاله وهذا شيء لم يعهد كما أخبر به عامة الشيوخ وسببه أنه جاء ماء من بعض الجبال أنهال في طريق النهر
ودخل المحمل السلطاني يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من المحرم قبل الظهر ومسك أمير الحاج شركتمر المارداني الذي كان مقيما بمكة شرفها الله تعالى وحماها من الاوغاد فلما عادت التجريدة مع الحجاج إلى دمشق صحبة القراسنقر من ساعة وصوله إلى دمشق فقيد وسير إلى الديار المصرية على البريد وبلغنا أن الامير سند أمير مكة غرر بجند السلطان الذين ساروا صحبة ابن قراسنقر وكبسهم وقتل من حواشيهم واخذ خيولهم وأنهم ساروا جرائد بغير شيء مسلوبين إلى الديار المصرية فإنا لله وإنا اليه راجعون وفي أول شوال اشتهر فيه وتواتر خبر الفناء الذي بالديار المصرية بسبب كثيرة المستنقعات من فيض انيل عندهم على خلاف المعتاد فبلغنا أنه يموت من أهلها كل يوم فوق الالفين فأما المرض فكثير جدا وغلت الاسعار لقلة من يتعاطى الأشغال وغلا السكر والامياه والفاكهة جدا وتبرز السلطان إلى ظاهر البلد وحصل له تشويش أيضا ثم عوفي بحمد الله
وفي ثالث ربيع الاخر قدم من الديار المصرية ابن الحجاف رسول صاحب العراق لخطبة بنت السلطان فأجابهم إلى ذلك بشرط ان يصدقها مملكة بغداد واعطاهم مستحقا سلطانيا وأطلق لهم من التحف والخلع والاموال شيئا كثيرا ورسم الرسول بمشترى قرية من بيت المال لتوقف على الخانقاه التي يريد أن يتخذها بدمشق قريبا من الطواويس وقد خرج لتلقيه نائب الغيبة وهو حاجب الحجاب والدولة والاعيان وقرأت في يوم الاحد سابع شهر ربيع الآخر كتابا ورد من حلب بخط الفقيه العدل شمس الدين العراقي من أهلها ذكر فيه أنه كان في حضرة نائب السلطنة في دار العدل يوم الاثنين السابع عشر من ربيع الاول وأنه أحضر رجل قد ولد له ولد عاش ساعة ومات وأحضره معه وشاهده الحضارون وشاهده كاتب الكتاب فإذا هو شكل سوى له على كل كتف رأس بوجه مستدير والوجهان إلى ناحية واحدة فسبحان الخلاق العليم
وبلغنا انه في هذا الشهر سقطت المنارة التي بنيت للمدرسة السلطانية بمصر وكانت مستجدة على صفة غريبة وذلك أنها منارتان على أصل واحد فوق قبو الباب الذي للمدرسة المذكورة فلما سقطت أهلكت خلقا كثيرا من الصناع بالمدرسة والمارة والصبيان الذين في مكتب المدرسة ولم ينج من الصبيان فيما ذكر شيء سوى ستة وكان جملة من هلك بسببها نحو ثلثمائة نفس وقيل أكثر وقيل أقل فإنا لله وإنا إليه راجعون وخرج نائب السلطنة الامير سيف الدين بيدمر الى الغيضة لاصلاحها وإزالة ما فيها من الاشجار والمؤذية والدغل يوم الاثنين التاسع والعشرين من الشهر وكان سلخه وخرج معه جميع الجيش من الأمراء وأصحابه وأجناد الحلقة برمتهم لم يتأخر منهم أحد وكلهم يعملون فيها بأنفسهم وغلمانهم وأحضر اليهم خلق من فلاحي المرج والغوطة وغير ذلك ورجع يوم السبت خامس الشهر الداخل وقد نظفوها من الغل والدغل والغش
واتفقت كائنة غريبة لبعض السؤال وهو أنه اجتمع جماعة منهم قبل الفجر ليأخذوا خبزا من صدقة تربة امرأة ملك الأمراء تنكز عند باب الخواصين فتضاربوا فيما بينهم فعمدوا إلى رجل منهم فخنقوه خنقا شديدا واخذوا منه جرابا فيه نحو من اربعة ألاف درهم وشيء الذهب وذهبوا على حمية وافاق هو من الغشي فلم يجدهم واشتكىأمره إلى متولي البلد فلم يظفر بهم إلى الان وقد أخبرني الذي أخذوا منه أنهم أخذوا منه ثلاثة آلاف درهم معاملة وألف درهم بندقية ودينارين وزنهما ثلاثة دنانير كذا قال لي إن كان صادقا
وفي صبيحة يوم السبت خامس جمادي الاولى طلب قاضي القضاة شرف الدين الحنفي للشيخ علي بن البنا وقد كان يتكلم في الجامع الاموي على العوام وهو جالس على الارض شيء من الوعظيات وما أشبهها من صدره فكأنه تعرض في غضون كلامه لأبي حنيفة رحمه الله فأحضر فاستتيب من ذلك ومنعه قاضي القضاة شرف الدين الكفري من الكلام على الناس وسجنه وبلغني أنه حكم باسلامه وأطلقه من يومه وهذا المذكور ابن البنا عنده زهادة وتعسف وهو مصري يسمع الحديث ويقرؤه ويتكلم بشيء من الوعظيات والرقائق وضرب أمثال وقد مال اليه كثير من العوام واستحلوه وكلامه قريب إلى مفهومهم وربما أضحك في كلامه وحاضرته وهو مطبوع قريب إلى الفهم ولكنه أشار فيما ذكر عنه في شطحته إلى بعض الاشياء التي لا تنبغي أن تذكر والله الموفق ثم إنه جلس للناس في يوم الثلاثاء ثامنه فتكلم على عادته فتطلبه القاضي المذكور فيقال إن المذكور تعنت انتهى والله أعلم
*3* سلطنة الملك المنصور صلاح الدين محمد
@ ابن الملك المظفر حاجي بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون بن عبد الله الصالحي وزوال دولة عمه الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون
لما كثر طمعه وتزايد شرهه وساءت سيرته إلى رعيته وضيق عليهم في معايشهم واكسابهم وبنى البنايات الجبارة التي لا يحتاج إلى كثير منها واستحوذ على كثير من أملاك بيت المال وامواله واشترى منه قرايا كثيرة ومدنا أيضا ورساتبق وشق ذلك على الناس جدا ولم يتجاسر أحد من القضاة ولا الولاة ولا العلماء ولا الصلحاء على الانكار عليه ولا الهجوم عليه ولا النصيحة له بما هو المصلحة له وللمسلمين انتقم الله نه فسلط عليه جنده وقلب قلوب رعيته من الخاصة والعامة عليه لما قطع من أرزاقهم ومعاليمهم وجوامكهم واخبازهم واضاف ذلك جميعه إلى خاصته فقلت الأمراء والاجناء والمقدمون والكتاب والموقعون ومس الناس الضرر وتعدى على جوامكهم وأولادهم ومن يلوذ بهم فعند ذلك قدر الله تعالى هلاكه على يد أحد خواصه وهو الامير الكبير سيف الدين يلبغا الخاصكي وذلك أنه أراد السلطان مسكه فاعتد لذلك وركب السلطان لمسكه فركب هو في جيش وتلاقيا في ظاهر القاهرة حيث كانوا نزولا في الوطاقات فهز السلطان بعد كل حساب وقد قتل من الفريقين طائفة ولجأ السلطان إلى قلعة الجبل كلاولاوزر ولن ينجي حذر من قدر فبات الجيش بكماله محدقا بالقلعة فهم بالهرب في الليل على هجن كان قد اعتدها ليهرب إلى الكرك فلما برز مسك واعتقل ودخل به إلى دار يلبغا الخاصكي المذكور وكان آخر العهد به وذلك في يوم الاربعاء تاسع جمادي الاولى من هذه السنة وصارت الدولة والمشورة متناهية إلى الامير سيف الدين يلبغا الخاصكي فاتفقت الاراء واجتعت الكلمة وانعقدت البيعة للملك المنصور صلاح الدين محمد بن المظفر حاجي وخطب الخطباء وضربت السكة وسارت البريدية للبيعة باسمه الشريف هذا وهو ابن ثنتي عشرة وقيل أربع عشرة ومن الناس من قال ست عشرة ورسم في عود الامور الى ما كانت عليه في أيام والده الناصر محمد بن قلاوون وأن يبطل جميع ما كان أخذه الملك الناصر حسن وأن تعاد المرتبات والجوامك التي كان قطعها وأمر باحضار طار وطاشتمر القاسمي من سجن اسكندرية إلى بين يديه ليكونا أنابكا وجاء الخبر إلى دمشق صحبة الامير سيف الدين بزلار شاد التربخاناة أحد أمراء الطبلخانات بمصر صبيحة يوم الاربعاء سادس عشر الشهر فضربت البشائر بالقلعة وطلبلخانات الأمراء على أبوابهم وزين البلد بكماله وأخذت البيعة له صبيحة يومه بدار السعادة وخلع عن نائب السلطنة تشريف هائل وفرح أكثر الامراء والجند والعامة ولله الأمر وله الحكم قال تعالى قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء
وتذل من تشاء الاية ووجد على حجر بالحميرية فقرئت للمأمون فإذا مكتوب
ما اختلف الليل والنهار ولا * دارت نجوم السماء في الفلك
إلا لنقل النعيم من ملك * قد زال سلطانه إلى ملك
وملك ذي العرش دائم أبدا * ليس بفان ولا بمشترك
وروى عن سليمان بن عبد الملك بن مروان انه خرج يوما لصلاة الجمعة وكان سوى الخلق حسنة وقد لبس حلة خضراء وهو شاب ممتلئ شبابا وينظر في اعطافه ولباسه فأعجبه ذلك من نفسه فلم بلغ إلى صرحة الدار تلقته جنية في صورة جارية من حظاياه فأنشدته
أنت نعم لو كنت تبقي * غير أن لا حياة للآنسان
ليس فيما علمت فيك عيب * يذكر غير أنك فإن
فصعد المنبر الذي في جامع دمشق وخطب الناس وكان جهوري الصوت يسمع أهل الجامع وهو قائم على المنبر فضعف صوته قليلا قليلا حتى لم يسمعه أهل المقصورة فلما فرغ من الصلاة حمل إلى منزله فاستحضر تلك الجارية التي تبدت تلك الجنية على صورتها وقال كيف انشدتيني تينك البيتين فقالت ما أنشدتك شيئا فقال الله أكبر نعيت والله إلى نفسي فأوصى أن يكون الخليفة من بعده ابن عمه عمر بن عبدالعزيز رحمه الله
وقدم نائب طرابلس المعزول عليلا والأمير سيف الدين استدمر الذي كان نائب دمشق وكانا مقيمان بطرابلس جميعا في صبيحة يوم السبت السادس والعشرين منه فدخلا دار السعادة فلم يحتفل بهما نائب السلطنة
وتكامل في هذا الشهر تجديد الرواق غربي باب الناطفانيين غصلاحا بداربزيناته وتبييضا لجدرانه ومحراب فيه وجعل له شبابيك في الدرابزينات ووقف فيه قراءة قرآن بعد المغرب وذكروا أن شخصا رأى مناما فقصه على نائب السلطنة فأمر باصلاحه وفيه نهض بناء المدرسة التي إلى جانب هذا المكان من الشباك وقد كان أسسها أولا علم الدين بن هلال فلما صودر أخذت منه وجعلت مضافة إلى السلطان فبنوا فوق الأساسات وجعلوا لها خمسة شبابيك من شرقها وبابا قبليا ومحرابا وبركة وعراقية وجعلوا حائطها بالحجارة البيض والسود وكملوا عاليها بالاجر وجاءت في غاية الحسن وقد كان السلطان الناصر حسن قد رسم بأن تجعل مكتبا للأيتام فلم يتم أمرها حتى قتل كما ذكرنا
واشتهر في هذا الشهر أن بقرة كانت تجيء من ناحية باب الجابية تقصد جراء لكلبة قد ماتت امهم وهي في ناحية كنيسة مريم في خرابة فتجيء إليهم فتنسطح على شقها فترضع اولئك الجراء
منها تكرر هذا منها مرارا وأخبرني في المحدث المفيد التقي نور الدين احمد بن المقصوص بمشاهدته ذلك
وفي العشر الاوسط من جمادي الاخرة نادى مناد من جهة نائب السلطنة حرسه الله تعالى في البلد أن النساء يمشين في تستر ويلبسن أزرهن إلى أسفل من سائر ثيابهم ولا يظهرن زينة ولا يدا فامتثلن ذلك ولله الحمد والمنة وقدم أمير العرب جبار بن مهنا في أبهة هائلة وتلقاه نائب السلطنة إلى أثناء الطريق وهو قاصد إلى الابواب الشريفة وفي أواخر رجب قدم الامير سيف الدين تمر المهمندار من نيابة غزة حاجب الحجاب بدمشق وعلى مقدمة رأس الميمنة وأطلق نائب السلطنة مكوسات كثيرة مثل مكس الحداية والخزل المرددن الحلب والطبابي وأبطل ما كان يؤخذ من المحتسبين زيادة على نصف درهم وما يؤخذ من أجرة عدة الموتى كل ميت بثلاثة ونصف وجعل العدة التي في القيسارية للحاجة مسبلة لا تنحجر على أحد في تغسيل ميت وهذا حسن جدا وكذلك منع التحجر في بيع البلح المختص به وبيع مثل بقية الناس من غير طرحان فرخص على الناس في هذه السنة جدا حتى قيل إنه بيع القنطار بعشرة وما حولها
وفي شهر شعبان قدم الامير جبار بن مهنا من الديار المصرية فنزل القصر الابلق وتلقاه نائب السلطنة واكرم كل منهما الآخر ثم ترحل بعد أيام قلائل وقدم الأمراء الذين كانوا بحبس الاسكندرية في صبيحة يوم الجمعة سابعة وفيهم الامير شهاب الدين بن صبح وسيف الدين طيدمر الحاجب وطيبرف ومقدم ألف وعمر شاه وهذا ونائب السلطنة الأمير سيف الدين بيدمر أعزه الله يبطل المكوسات شيئا بعد شيء مما فيه مضرة بالمسلمين وبلغني عنه أن من عزمه ان يبطل جميع ذلك إن أمكنه الله من ذلك آمين انتهى
*3* تنبيه على واقعة غريبة واتفان عجيب
@ نائب السلطنة الأمير سيف الدين بيدمر فيما بلغنا في نفسه عتب على أتابك الديار المصرية الامير سيف الدين يلبغا الحاصكي مدبر الدولة بها وقد توسم وتوهم منه أنه يسعى في صرفه عن الشام وفي نفس نائبنا قوة وصرامة شديدة فتنسم منه ببعض الاباء عن طاعة يلبغا مع استمراره على طاعة السلطان وأنه إن اتفق عزل من قبل يلبغا أنه لا يسمع ولا يطيع فعمل أعمالا واتفق في غضون هذا الحال موت نائب القلعة المنصورة بدمشق وهو الأمير سيف الدين برناق الناصري فأرسل نائب السلطنة من اصحابه وحاشيته من يتسلم القلعة برمتها ودخل هو بنفسه إليها وطلب الامير زين الدين زبالة الذي كان فقيها ثم نائبها وهو من أخبر الناس بها وبخطاتها وحواصلها فدار معه فيها وأراه حصونها وبروجها ومفاتحها واغلاقها ودورها وقصورها وعددها وبركتها وما هو معد فيها ولها وتعجب الناس من هذا الاتفاق في هذا الحال حيث لم يتفق ذلك لأحد من النواب قبله قط وفتح الباب الذي هو تجاه دار السعادة وجعل نائب السلطنة يدخل منه إلى القلعة ويخرج بخدمة وحشمه وأبهته يكشف امرها وينظر في مصالحها أيده الله
ولما كان يوم السبت خامس عشر شعبان ركب في الموكب على العادة واستدعى الامير سيف الدين استدمر الذي كان نائب الشام وهو في منزله كالمعتقل فيه لا يركب ولا يراه احد فأحضره إليه وركب معه وكذلك الأمراء الذين قدموا من الديار المصرية طبترق وهو أحد أمراء الألوف وطيدمر الحاجب كان وأما ابن صبح وعمر شاه فإنهما كانا قد سافرا يوم الجمعة عشية النهار والمقصود أنه سيرهم وجميع الأمراء بسوق الخيل ونزل بهم كلهم إلى دار السعادة فتعاهدوا وتعاقدوا واتفقوا على أن يكونوا كلهم كتفا واحدا وعصبة واحدة على مخالفة من أرادهم بسوء وأنهم يد على من سواهم ممن أراد عزل أحد منهم أو قتله وان من قاتلهم قاتلوه وان السلطان هو ابن اسناذهم الملك المنصورين حاجي بن الناصر بن المنصور قلاوون فطاوعوا كلهم لنائب السلطنة على ما أراد من ذلك وحلفوا له وخرجوا من عنده على هذا الجلف وقام نائب السلطنة على عادته في عظمة هائلة وأبهة كثيرة والمسئول من الله حسن العاقبة
وفي صبيحة يوم الأحد سادس عشر شعبان أبطل ملك الأمراء المكس الذي يؤخذ من الملح وأبطل مكس الافراح وأبطل أن لا تغني امرأة لرجال ولا رجل لنساء وهذا في غاية ما يكون من المصلحة العظيمة الشامل نفعها وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرة شرع نائب السلطنة سيف الدين بيدمر في نصف مجانيق على أعالي بروج القلعة فنصبت أربع مجانيق من جهاتها الأربع وبلغني أنه نصب آخر في أرضها عند البحرة ثم نصب آخر وآخر حتى شاهد الناس ستة مجانيق على ظهور الابرجة واخرج منها القلعية وأسكنها خلقا من الأكراد والتركمان وغيرهم من الرجال الانجاد ونقل اليها من الغلات والاطعمة والامتعة وآلات الحرب شيئا كثيرا واستعد للحصار إن حوصر فيها بما يحتاج إليه من جميع ما يرصد من القلاع بما يفوت الحصر ولما شاهد أهل البساتين المجانيق قد نصبت في القلعة انزعجوا وانتقل أكثرهم من البستاتين إلى البلد ومنهم من أودع عند أهل البلد نفائس أموالهم وأمتعتهم والعاقبة إلى خير إن شاء الله تعالى
وجاءتني فتيا صورتها ما تقول السادة العلماء في ملك اشترى غلاما فأحسن إليه وأعطاه وقدمه ثم إنه وثب على سيده فقتله وأخذ ماله ومنع ورثته منه وتصرف في المملكة وأرسل إلى بعض نواب البلاد ليقدم عليه ليقتله فهل له الامتناع منه وهل إذا قاتل دون نفسه وماله حتى يقتل يكون شهيدا أم لا وهل يثاب الساعي في خلاص حق ورثة الملك المقتول من القصاص والمال أفتونا مأجورين
فقلت للذي جاءني بها من جهة الامير إن كان مراده خلاص ذمته فيما بينه وبين الله تعالى فهو أعلم بينته في الذي يقصده ولا يسعى في تحصيل حق معين إذا ترتب على ذلك مفسدة راجحة على ذلك فيؤخر الطلب إلى وقت إمكانه بطريقة وإن كان مراده بهذا الاستفتاء أن يتقوى بها في جمع الدولة والأمراء عليه فلا بد أن يكتب عليها كبار القضاة والمشايخ أولا ثم بعد ذلك بقية المفتيين بطريقة والله الموفق للصواب
هذا وقد اجتمع على الامير نائب السلطنة جميع أمراء الشام حتى قيل إن فيهم من نواب السلطنة سبعة عشر أميرا وكلهم يحضر معه المواكب الهائلة وينزلون معه إلى دار السعادة ويمد لهم الأسمطة ويأكل معهم وجاء الخبر بأن الامير منجك الطرجاقسي المقيم ببيت المقدس قد أظهر الموافقة لنائب السلطنة فأرسل له جبريل ثم عاد فأخبر بالموافقة وأنه قد استحوذ إلى غزة ونائبه وقد جمع وحشد واستخدم طوائف ومسك على الجادة فلا يدع أحدا يمر إلا أن يفتش ما معه لاحتمال إيصال كتب من ها هنا إلى ها هنا ومع هذا كله فالمعدلة ثابتة جدا والأمن حاصل هناك فلا يخاف أحده وكذلك بدمشق وضواحيها لا يهاج أحد ولا يتعدى أحد على أحد ولا ينهب أحد لأحد شيئا ولله الحمد غير أن بعض أهل البساتين توهموا وركبوا إلى المدينة وتحولوا وأودع بعضهم نفائس ما عندهم وأقاموا بها على وجل ذلك لما رأوا المجانيق الستة منصوبة على رؤرس قلال الأبراج التي للقلعة ثم أحضر نائب السلطنة القضاة الاربعة والأمرءا كلهم وكتبوا مكتوبا سطره بينهم كاتب السر أنهم راضون بالسلطان كارهون ليلبغا وأنهم لا يريدونه ولا يوافقون على تصرفه في المملكة وشهد عليهم القضاة بذلك وأرسلوا المكتوب مع مملوك للأمير طيبغا الطويل نظير يلبغا بالديار المصرية وأرسل منجك إلى نائب السلطنة يستحثه في الحضور إليه في الجيش ليناجزوا المصريين فعين نائب الشام من الجيش طائفة يبرزون بين يديه وخرجت التجريدة ليلة السبت التاسع والعشرين من شعبان صحبة استدمر الذي كان نائب الشام مددا للأمير منجك في ألفين ويذكر الناس أن نائب السلطنة بمن بقي من الجيش يذهبون على إثرهم ثم خرجت أخرى بعدها ثلاثة آلاف ليلة الثلاثاء الثامن من رمضان كما سيأتي
وتوفي الشيخ الحافظ علاء الدين مغلطاي المصري بها في يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من شعبان من هذه السنة وفن من الغد بالزيدانية وقد كتب الكثير وصنف وجمع وكانت عنده كتب كثيرة رحمه الله
وفي مستهل رمضان أحضر جماعة من التجار إلى دار العدل ظاهر باب النصر ليباع شيء عليهم من القند والفولاذ والزجاج مما هو في حواصل يلبغا فامتنعوا من ذلك خوفا من استعادته منهم على تقدير فضرب بعضهم منهم شهاب الدين ابن الصواف بين يدي الحاجب وشاد الدواوين ثم أفرج عنهم في اليوم الثاني ففرج الله بذلك
وخرجت التجريدة ليلة الثلاثاء بعد العشاء صحبة ثلاثة مقدمين منهم عراق ثم ابن صبح ثم ابن طرغية ودخل نائب طرابلس الامير سيف الدين تومان إلى دمشق صبيحة يوم الاربعاء عاشر رمضان فتلقاه ملك الأمراء سيف الدين بيدمر إلى الأقصر ودخلا معا في أبهة عظيمة فنزل تومان في القصر الأبلق وبرز من معه من الجيوش إلى عند قبة يلبغا هذاوالقلعة منصوب عليها المجانيق وقد ملئت حرسا شديدا ونائب السلطنة في غاية التحفظ ولما اصبح يوم الخميس صمم تومان تمر على ملك الامراء في الرحيل إلى غزة ليتوافى هو وبقية من تقدمه من الجيش الشامي ومنجك ومن معه هنالك ليقضي الله أمرا كان مفعولا فأجابه إلى ذلك وامر بتقدم السبق بين يديه في هذا اليوم فخرج السبق وأغلقت القلعة بابها المسلوك الذي عند دار الحديث فاستوحش الناس من ذلك والله يحسن العاقبة
*3* خروج ملك الأمراء بيدمر من دمشق إلى غزة
@ صلى الجمعة بالمقصورة الثاني عشر من رمضان نائب السلطنة ونائب طرابلس ثم اجتمعا بالخطبة في مقصورة الخطابة ثم راح لدار السعادة ثم خرج طلبه في تجمل هائل على ما ذكر بعد العصر وخرج معهم فاستعرضهم ثم عاد إلى دار السعادة فبات إلى أن صلى الصبح ثم ركب خلف الجيش هو ونائب طرابلس وخرج عامة من بقي من الجيش من الأمراء وبقية الحلقة وسلمهم الله وكذلك خرج القضاة وكذا كاتب السر ووكيل بيت المال وغيرهم من كتاب الدست واصبح الناس يوم السبت وليس أحد من الجند بدمشق سوى نائب الغيبة الأمير سيف الدين بن حمزة التركماني وقربه والي البر ومتولي البلد الامير بدر الدين صدقة بن أوحد ومحتسب البلد ونواب القضاة والقلعة على حالها والمجانيق منصوبة كما هي ولما كان صبح يوم الاحد رجع القضاة بكرة ثم رجع ملك الأمراء في اثناء النهار هو وتومان تمر وهم كلهم في لبس وأسلحة تامة وكل منهما خائف من الآخر ان يمكسه فدخل هذا دار السعادة وراح الاخر إلى القصر الابلق ولما كان بعد العصر قدم منجك واستدمر كان نائب السلطنة بدمشق وهما مغلولان قد كسرهما من كان قدم على منجك من العساكر التي جهزها بيدمر إلى منجك وقوة له على المصريين وكان ذلك على يدي الامير سيف الدين تمر حاجب الحجاب ويعرف بالمهمندار قال لمنجك كلنا في خدمة من بمصر ونحن لا نطيعك على نصرة بيدمر فتقاولا ثم تقاتلا فهزم منجك وذهب تمر ومنجك ومن كان معهما كابن صبح وطيدمر ولما أصبح الصباح من يوم الاثنين خامس عشر لم يوجد لتومان تمر وطبترق
ولا أحد من أمراء دمشق عين ولا أثر قد ذهبوا كلهم إلى طاعة صاحب مصر ولم يبق بدمشق من أمرائها سوى ابن قراسنقر من الأمراء المتقدمين وسوى بيدمر ومنجك واستدمر والقلعة قد هيئت والمجانيق منصوبة على حالها والناس في خوف شديد من دخول بيدمر إلى القلعة فيحصل بعد ذلك عند قدوم الجيش المصري حصار وتعب ومشقة على الناس والله يحسن العاقبة
ولما كان في أثناء نهار الاثنين سادس عشره دقت البشائر في القلعة وأظهر أن يلبغا الخاصكي قد نفاه السلطان إلى الشام ثم ضربت وقت الغرب ثم بعد العشاء في صبيحة يوم الثلاثاء أيضا وفي كل ذلك يركب الأمراء الثلاثة منجك وبيدمر واستدمر ملبسين ويخرجون إلى خارج البلد ثم يعودون والناس فيما يقال ما بين مصدق ومكذب ولكن قد شرع إلى تستير القلعة وتهيء الحصار فإنا لله وإنا اليه راجعون
ثم تبين أن هذه البشائر لا حقيقة لها فاهتم في عمل ستائر القلعة وحمل الزلط والاحجار اليها الاغنام والحواصل وقد وردت الاخبار بأن الركاب الشريف السلطاني وصحبته يلبغا في جميع جيش مصر قد عدا غزة فعند ذلك خرج الصاحب وكاتب السر والقاضي الشافعي وناظر الجيش ونقابؤه ومتولي البلد وتوجهوا تلقاء حماة لتلقي الامير على الذي قد جاءه تقليد دمشق وبقي البلد شاغرا عن حاكم فيها سوى المحتسب وبعض القضاة والناس كغنم لا راعي لهم ومع هذا الاحوال صالحة والأمور ساكنة لا يعدو أحد على أحد فيما بلغنا هذا وبيدمر ومنجك واستدمر في تحصين القلعة وتحصيل العدد والاقوات فيها والله غالب على أمره أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة الستائر تعمل فوق الابرجة وصلى الامير بيدمر صلاة الجمعة تاسع عشر الشهر في الشباك الكمالي في مشهد عثمان وصلى عنده منجك إلى جانبه داخل موضع القضاة وليس هناك أحد من الحجبة ولا النقباء وليس في البلد أحد من المباشرين بالكلية ولا من الجند إلا القليل وكلهم قد سافروا إلى ناحية السلطان والمباشرون إلى ناحية حماة لتلقي الامير على نائب الشام المرحوس ثم عاد إلى القلعة
ولم يحضر الصلاة استدمر لأنه قيل كان منقطعا أو قد صلى في القلعة وفي يوم السبت العشرين من الشهر وصل البريد من جهة السلطان من أبناء الرسول إلى نائب دمشق يستعلم طاعته او مخالفته وبعث عليه فيما اعتمده من استحوذ على القلعة ويخطب فيها وادخار الالات والاطعمات فيها وعدم المجانيق والستائر عليها وكيف تصرف في الاموال السلطانية تصرف الملك والملوك فتنصل ملك الامراء من ذلك وذكر انه إنما أرصد في القلعة جنادتها وأنه لم يدخلها وأن أبوابها مفتوحة وهي قلعة السلطان وإنما له غريم بينه وبينه الشرع
والقضاة الاربعة يعني بذلك يلبغا وكتب الجواب وأرسله صحبة البريدي وهو كتكلدي مملوك بقطبة الدويدار وأرسل في صحبته الامير صارم الدين أحد أمراء العشرات من يوم ذلك
وفي يوم الاثنين الثاني والعشرين من رمضان تصبح أبواب البلد مغلقة إلى قريب الظهر وليس ثم مفتوح سوى باب النصر والفرج والناس في حصر شديد وانزعاج فإنا لله وإنا اليه راجعون ولكن قد اقترب وصول السلطان والعساكر المنصورة وفي صبيحة الاربعاء أصبح الحال كما كان وأزيد ونزل الامير سيف الدين يلبغا الخاصكي بقبة يلبغا وامتد طلبه من سيف داريا إلى القبة المذكورة في أبهة عظيمة وهيئة حسنة وتأخر الركاب الشريف بتأخره عن الصميين بعد ودخل بيدمر في هذا اليوم إلى القلعة وتحصن بها وفي يوم الخميس الخامس والعشرين منه استمرت الابواب كلها مغلقة سوى باب النصر والفرج وضاق النطاق وانحصر الناس جدا وقطع المصريون نهر بانياس والفرع الداخل اليها وإلى دار السعادة من القنوات واحتاجوا لذلك أن يقطعوا القنوات ليسدوا الفرع المذكور فانزعج اهل البلد لذلك وملؤا ما في بيوتهم من برك المدراس وبيعت القربة بدرهم والحق بنصف ثم أرسلت القنوات وقت العصر من يومئذ ولله الحمد والمنة فانشرح الناس لذلك واصبح الصباح يوم الجمعة والأبواب مغلقة ولم يفتح باب النصر والفرج إلى بعد طلوع الشمس بزمان فأرسل يلبغا من جهته أربعة أمراء وهم الأمير زين الدين زبالة الذي كان نائب القلعة والملك صلاح الدين ابن الكامل والشيخ علي الذي كان نائب الرحبة من جهة بيدمر وامير آخر فدخلوا البلد وكسروا أقفال أبواب البلد وفتحوا الابواب فلما رأى بيدمر ذلك أرسل مفاتيح البلد اليهم انتهى
*3* وصول السلطان لذلك المنصور إلى المصطبة غربي عقبة سجورا
@ كان ذلك في يوم الجمعة السادس والعشرين من شهر رمضان في جحافل عظيمة كالجبال فنزل عند المصطبة المنسوبة إلى عم ابنته الملك الاشرف خليل بن المنصور قلاوون وجاءت الأمراء ونواب البلاد لتقبيل يده والأرض بين يديه كنائب حلب ونائب حماة وهو الأمير علاء الدين المارداني وقد عين لنيابة دمشق وكتب بتقليده بذلك وارسل إليه وهو بحماة فلما كان يوم السبت السابع والعشرين منه خلع على الامير علاء الدين على المرداني بنيابة دمشق وأعيد اليها عودا على بدء ثم هذه الكرة الثالثة وقبل يد السلطان وركب عن يمينه وخرج أهل البلد لتهنئته هذا والقلعة محصنة بيد بيدمر وقد دخلها ليلة الجمعة واحتمى بها هو ومنجك واستدمر ومن معه من الاعوان بها ولسان حال القدر يقول أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة
ولما كان يوم الاحد طلب قضاة القضاة وأرسلوا إلى بيدمر وذويه بالقلعة ليصالحوه على شيء مميسور يشترطونه وكان ما ستذكره انتهى والله تعالى أعلم
*3* سبب خروج بيدمر من القلعة وصفة ذلك
@ لما كان يوم الاحد الثامن والعشرين منه أرسل قضاة القضاة ومعهم الشيخ شرف الدين ابن قاضي الجبل الحنبلي والشيخ سراج الدين الهندي الحنفي قاضي العسكر المصري للحنفية إلى بيدمر ومن معه ليتكلموا معهم في الصلح لينزلوا على ما يشترطون قبل أن يشرعوا في الحصار والمجانيق التي قد استدعى بها من صغد وبعلبك واحضر من رجال النقاعين نحو من ستة آلاف رام فلما اجتمع به القضاة ومن معهم واخبروه عن السلطان وأعيان الامراء بأنهم قد كتبوا له أمانا إن أناب إلى المصالحة فطلب أن يكون بأهله ببيت المقدس وطلب أن يعطى منجك كذا بناحية بلاد سيس ليسترزق هنالك وطلب استدمر ان يكون بشمقدارا للأمير سيف الدين يلبغا الخاصكي فرجع القضاة إلى السلطان ومعهم الامير زين الدين جبريل الحاجب كان فاخبروا السلطان والأمراء بذلك فأجيبوا إليه وخلع السلطان والأمراء على جبريل خلعا فرجع في خدمة القضاة ومعهم الامير استبغابن الابوبكري فدخلوا القلعة وباتوا هنالك كلهم وانتقل الامير بيدمر باهله واثاثه إلى داره بالمطرزين فلما اصبح يوم الاثنين التاسع والعشرين منه خرج الأمراء الثلاثة من القلعة ومعهم جبريل فدخل القضاة وسلموا القلعة بما فيها من الحواصل إلى الأمير استبغابن الابوبكري انتهى
*3* دخول السلطان محمد بن الملك امير حاج بن الملك محمد ابن الملك قلاوون إلى دمشق في جيشه وأمرائه
@ لما كان صبيحة يوم الإثنين التاسع والعشرين من رمضان من هذه السنة رجع القضاة إلى الوطاق الشريف وفي صحبتهم الأمراء لاذين كانوا بالقلعة وقد أعطوا الامان من جهة السلطان ومن معهم وذويهم فدخل القضاة وحجب الأمراء المذكورون فخلع على القضاة الاربعة وانصرفوا راجعين مجبورين وأما الأمراء المذكورون فإنهم أركبوا على خيل ضعيفة وخلف كل واحد منهم وساقي أخذ بوسطه قبل وفي يد كل واحد من الوساقية خنجر كبير مسلول لئلا يستنقذه منه أحد فيقتله بها فدخل جهرة بين الناس ليروهم ذلتهم التي قد لبستهم وقد أحدق الناس بالطريق من كل جانب فقام كثير من الناس الله أعلم بعدتهم إلا أنهم قد يقاربون المائة ألف أو يزيدون عليها فرأى الناس منظرا فظيعا فدخل بهم الوساقية الى الميدان الاخضر الذي فيه القصر فاجلسوا هنالك وهم ستة نفر الثلاثة النواب وجبريل وابن استدمر وسادس وظن كل منهم أن يفعل بهم فاقرة فانا لله وإنا إليه راجعون وأرسلت الجيوش داخلة إلى دمشق أطلابا في تجمل عظيم ولبس الحرب بنهر النصر وخيول وأسلحة روماح ثم دخل السلطان في آخر ذلك كله بعد العصر بزمن وعليه من أنواع الملابس قباز بخاري والقبة والطير يحملهما على رأسه الامير سيف الدين تومان نمر الذي كان نائب طرابلس والأمراء مشاة بين يديه والبسط تحت قدمي فرسه والبشائر تضرب خلفه فدخل القلعة المنصورة المنصورية لا البدرية ورأى ما قد ارصد بها من المجانيق والأسلحة فاشتد حنقه على بيدمر واصحابه كثيرا ونزل الطارمة وجلس على سرير المملكة ووقف الأمراء والنواب بين يديه ورجع الحق إلى نصابه وقد كان بين دخوله ودخول عمه الصالح صالح في أول يوم من رمضان وهذا في التاسع والعشرين منه وقد قيل إنه سلخه والله اعلم وشرع الناس في الزينة
وفي صبيحة يوم الثلاثاء سلخ الشهر نقل الأمراء المغضوب عليهم الذين ضل سعيهم فيما كانوا أبرموه من ضمير سوء للمسلمين إلى القلعة فأنزلوا في أبراجها مهانين مفرقا بينهم بعد ما كانوا بها آمنين حاكمين أصبحوا معتقلين مهانين خائفين فجاروا بعد ما كانوا رؤساء وأصبحوا بعد عزهم اذلاء ونقبت أصحاب هؤلاء ونودي عليهم في البلد ووعد من دل على أحد منهم بمال جزيل وولاية إمرة بحسب ذلك ورسم في هذا اليوم على الرئيس أمين الدين ابن القلانسي كاتب السر وطلب منه ألف ألف درهم وسلم إلى الامير زين الدين زبالة نائب القلعة وقد أعيد اليها وأعطى تقدمة ابن قراسنقر وأمره أن يعاقبه إلى ان يزن هذا المبلغ وصلى السلطان وأمراؤه بالميدان الاخضر صلاة العيد ضرب له خام عظيم وصلى به خطيبا القاضي تاج الدين الساوي الشافعي قاضي العسكر المنصورة للشافعية ودخل الأمراء مع السلطان للقلعة من باب المدرسة ومدلهم سماطا هائلا أكلوا منه ثم رجعوا إلى دورهم وقصورهم وحمل الطير في هذا اليوم على رأس السلطان الامير على نائب دمشق وخلع عليه خلعة هائلة
وفي هذا اليوم مسك الامير تومان تمر الذي كان نائب طرابلس ثم قدم على بيدمر فكان معه ثم قفل إلى المصريين واعتذر إليهم فعذروه فيما بيدو للناس ودخل وهو حامل الخبز على رأس السلطان يوم الدخول ثم ولوه نيابة حمص فصغروه وحقروه ثم لما استمر ذاهبا إليها فكان عند القابون أرسلوا إليه فأمسكوه وردوه وطلب منه المائة ألف التي كان قبضها من بيدمر ثم ردوه إلى نيابة حمص
وفي يوم الخميس اشتهر الخبر بأن طائفة من الجيش بمصر من طواشية وخاصكية ملكوا عليهم حسين الناصر ثم اختلفوا فيما بينهم واقتتلوا وأن الأمر قد انفصل ورد حسين للمحل الذي كان معتقلا فيه وأطفأ الله شر هذه الطائفة ولله الحمد
وفي آخر هذا اليوم لبس القاضي ناصر الدين بن يعقوب خلعة كتابة السر الشريفية والمدرستين ومشيخة الشيوخ عوضا عن الرئيس علاء الدين بن القلانسي عزل وصودر وراح الناس لتهنئته بالعود إلى وظيفته كما كان
وفي صبيحة يوم الجمعة ثالث شوال مسك جماعة من الامراء الشاميين منهم الحاجبان صلاح الدين وحسام الدين والمهمندار ابن أخي الحاجب الكبير تمر وناصر الدين ابن الملك صلاح الدين ابن الكامل وابن حمزة والطرخاني واثنان أخوان وهما طيبغا زفر وبلجات كلهم طبلخانات وأخرجوا خير وتمر حاجب الحجاب وكذلك الحجوبية أيضا لقاربي أحد أمراء مصر
وفي يوم الثلاثاء سابع شوال مسك ستة عشر أميرا من أمراء العرب بالقلعة المنصورة منهم عمر بن موسى بن مهنا الملقب المصمع الذي كان أمير العرب في وقت ومعيقل بن فضل بن مهنا وآخرون وذكروا أن سبب ذلك أن طائفة من آل فضل عرضوا للأمير سيف الدين الاحمدي الذي استاقوه على حلب وأخذوا منه شيئا من بعض الامتعة وكادت الحرب تقع بينهم وفي ليلة الخميس بعد المغرب حمل تسعة عشر أميرا من الاتراك والعرب على البريد مقيدين في الاغلال أيضا إلى الديار المصرية منهم بيدمر ومنجك واستدمر وجبريل وصلاح الدين الحاجب وحسام الدين أيضا وبلجك وغيرهم ومعهم نحو من مائتي فارس ملبسين بالسلاح متوكلين بحفظهم وساروا بهم نحو الديار المصرية وأمروا جماعة من البطالين مهم أولاد لاقوش وأطلق الرئيس أمين الدين بن القلانسي من المصادرة والترسيم بالقلعة بعد ما وزن بعض ما طلب منه وصار إلى منزله وهنأه الناس
*3* خروج السلطان من دمشق قاصدا مصر
@ ولما كان يوم الجمعة عاشر شهر شوال خرج طلب يلبغا الخاصكي صبيحته في تجمل عظيم لم ير الناس في هذه المدد مثله من تجائب وجنائب ومماليك وعظمة هائلة وكانت عامة الطلاب قد تقدمت قبله بيوم وحضر السلطان إلى الجامع الاموي قبل أذان الظهر فصلى في مشهد عثمان و ومن معه من أمراء المصريين ونائب الشام وخرج من فوره من باب النصر ذهبا نحو الكسوة والناس في الرقات والأسطحة على العادة كانت الزينة قد بقي أكثرها في الصاغة والخواصين وباب البريد إلى هذا اليوم فاستمرت نحو العشرة أيام
وفي يوم السبت حادي عشر شوال خلع على الشيخ علاء الدين الأنصاري باعادة الحسبة إليه وعزل عماد الدين ابن السيرجي وخرج المحمل يوم الخميس سادس عشر شوال على العادة والامير مصطفى البيري وتوفي يوم الخميس ويوم الجمعة أربعة أمراء بدمشق وهم طشتمر وفر وطيبغا القبل ونوروز أحد مقدمي الالوف وتمر المهمندار وقد كان مقدم ألف وحاجب الحجاب وعمل نيابة غزة في وقت ثم تعصب عليه المصريون فعزلوه عن الامرة وكان مريضا فاستمر مريضا إلى أن توفي يوم الجمعة ودفن يوم السبت بتربته التي أنشأها بالصوفية لكنه لم يدفن فيها بل على بابها كأنه مودع أو ندم على بنائها فوق قبور المسلمين رحمه الله
وتوفي الامير ناصر الدين بن لاقوش يوم الاثنين العشرين من شوال ودفن بالقبيبات وقد تاب ببعلبك وبحمص ثم قطع خبره هو وأخوه كحلن ونفوا عن البلد إلى بلدان شتى ثم رضى عنهم الامير يلبغا وأعاد عليهم أخبارا بطبلخانات فلما لبث ناصر الدين إلا يسيرا حتى توفي إلى رحمة الله تعالى وقد أثر آثارا حسنة كثيرة منها عند عقبة الرمانة خان مليح نافع وله ببعلبك جامع وحمام وخان وغير ذلك وله من العمر ست وخمسون سنة
وفي يوم الاحد السادس والعشرين منه درس القاضي نور الدين محمد بن قاضي القضاة بهاء الدين ابن ابي البقاء الشافعي بالمدرسة الاتابكية نزل له عنها والده بتوقيع سلطاني وحضر عنده القضاة والاعيان وأخذ في قوله تعالى الحج أشهر معلومات وفي هذا اليوم درس القاضي نجم الدين احمد بن عثمان النابلسي الشافعي المعروف بابن الجابي بالمدرسة العصرونية استنزل له عنها القاضي امين الدين بن القلانسي في مصادراته وفي صبيحة يوم الاثنين التاسع والعشرين من شوال درس القاضي ولي الدين عبد الله بن القاضي بهاء الدين أبي البقاء بالمدرستين الرواحية ثم القيمرية نزل له عنهما والده المذكور بتوقيع سلطاني وحضر عنده فيهما القضاة والأعيان
وفي صبيحة يوم الخميس سلخ شوال شهر الشيخ أسدد بن الشيخ الكردي على جمل وطيف به في حواضر البلد ونودي عليه هذا جزاء من يخامر على السلطان ويفسد ثواب السلطان ثم أنزل عن الجمل وحمل على حمار وطيف به في البلد ونودي عليه بذلك ثم ألزم السجن وطلب منه مال جزيل وقد كان المذكور من أعوان بيدمر المتقدم ذكره وأنصاره وكان هو المتسلم للقلعة في ايامه
وفي صبيحة يوم الاثنين حادي عشر ذي القعدة خلع على قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح بقضاء العسكر الذي كان متوفرا عن علاء الدين بن شمرنوخ وهنأه الناس بذلك وركب البغلة بالزناري مضافا إلى ما بيده من نيابة الحكم والتدريس وفي يوم الاثنين ثامن عشرة أعيد تدريس الركنية بالصالحية إلى قاضي القضاة شرف الدين الكفري الحنفي استرجعها بمرسوم شريف سلطاني من يد القاضي عماد الدين بن العز وخلع على الكفري وذهب الناس أليه للتهنئة بالمدرسة المذكورة
وفي شهر ذي الحجة أشتهر وقوع فتن بين الفلاحين بناحية عجلون وأنهم اقتتلوا فقتل من الفريقين اليمنى والقيسى طائفة وأن عين حيتا التي هي شرقي عجلون دمرت وخربت وقطع أشجارها ودمرت بالكلية وفي صبيحة يوم السبت الثاني والعشرين من ذي الحجة لم تفتح أباب دمشق إلى ما بعد طلوع الشمس فأنكر الناس ذلك وكان سببه الاحتياط على أمير يقال له كسبغا كان يريد
الهرب إلى بلاد الشرق فاحتيط عليه حتى امسكوه
وفي ليلة الأربعاء السادس والعشرين من ذي الحجة قدم الامير سيف الدين طاز من القدس فنزل بالقصر الابلق وقد عمى من الكحل حين كان مسجونا بالاسكندرية فأطلق كما ذكرنا ونزل ببيت المقدس مدة ثم جاءه تقليد بأنه يكون ظرخاناي نزل حيث شاء من بلاد السلطان غير أنه لا يدخل ديار مصر فجاء فنزل بالقصر الأبلق وجاء الناس إليه على طبقاتهم نائب السلطنة فمن دونه يسلمون عليه وهو لا يبصر شيئا وهو على عزم ان يشتري أو يستكري له دارا بدمشق يسكنها انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم
*2* ثم دخلت سنة ثلاث وستين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والشامية والحرمين الشريفين وما والاهما من الممالك الاسلامية السلطان الملك المنصور صلاح الدين محمد بن الملك المظفر أمير حاج بن الملك المنصور قلاوون وهو شاب دون العشرين ومدبر الممالك بين يديه الامير يلبغا ونائب الديار المصرية طشتمر وقضاتها هم المذكورون في التي قبلها والوزير سيف الدين قزوينه وهو مريض مدنف ونائب الشام بدمشق الامير علاء الدين المارداني وقضاته هم المذكورون في التي قبلها وكذلك الخطيب ووكيل بيت المال والمحتسب علاء الدين الانصاري عاد إليها في السنة المنفصلة وحاجب الحجاب قماري والذي يليه السليماني وآخر من مصر أيضا وكاتب السر القاضي ناصر الدين محمد بن يعقوب الحلبي وناظر الجامع القاضي تقي الدين بن مراجل وأخبرني قاضي القضاة تاج الدين الشافعي أنه جدد في أول هذه السنة قاضي حنفي بمدينة صغد المحروسة مع الشافعي فصار في كل من حماة وطرابلس وصغد قاضيان شافعي وحنفي
وفي ثاني المحرم قدم نائب السلطنة بعد غيبة نحو من خمسة عشر يوما وقد اوطأ بلاد فرير بالرعب وأخذ من مقدميهم طائفة فأودعهم الحبس وكان قد اشتهر انه قصد العشيرات المواسين ببلاد عجلون فسألته عن ذلك حين سلمت عليه فأخبرني أنه لم يتعد ناحية فرير وان العشيرات قد اصطلحوا واتفقوا وأن التجريدة عندهم هناك قال وقد كبس الاعراب من حرم الترك فهزمهم الترك وقتلوا منهم خلقا كثيرا ثم ظهر للعرب كمين فلجأ الترك إلى وادي صرح فحصروهم هنالك ثم ولت الاعراب فرارا ولم يقتل من الترك أحد وإنما جرح منهم أمير واحد فقط وقتل من الاعراب فوق الخمسين
نفسا وقدم الحجاج يوم الاحد الثاني والعشرين من المحرم ودخل المحمل السلطاني ليلة الاثنين بعد العشاء ولم يحتفل لدخوله كما جرت به العادة وذلك لشدة ما نال الركب في الرجعة من بريز إلى هنا من البرد الشديد بحيث إنه قد قيل إنه مات منهم بسبب ذلك نحو المائة فإنا لله وإنا اليه راجعون ولكن اخبروا برخص كثير وآمن وبموت نفسه أخي عجلان صاحب مكة وقد استبشر بموته أهل تلك البلاد لبغية على أخيه عجلان العادل فيهم انتهى والله أعلم
*3* منام غريب جدا
@ ورأيت يعني المصنف في ليلة الاثنين الثاني والعشرين من المحرم سنة ثلاث وستين وسبعمائة الشيخ محي الدين النواوي رحمه الله فقلت له يا سيدي الشيخ لم لا أدخلت في شرحك المهذب شيئا من مصنفات ابن حزم فقال ما معناه إنه لايحبه فقلت له أنت معذور فيه فإنه جمع بين طرفي النقيضين في اصوله وفروعه أما هو في الفروع فظارهي جامد يابس وفي الاصول تول مائع قرمطة القرامطة وهرس الهرائسة ورفعت بها صوتي حتى سمعت وأنا نائم ثم اشرت له إلى أرض خضرا تشبه النخيل بل هي أردأ شكلا نه لا ينتفع بها في استغلال ولا رعى فقلت له هذه أرض ابن حزم التي زرعها قال أنظر هل ترى فيها شجرا مثمرا أوشيئا ينتفع به فقلت إنما تصلح للجلوس عليها في ضوء القمر فهذا حاصل ما رأيته ووقع في خلدي أن ابن حزم كان حاضرنا عندما أشرت للشيخ محي الدين إلى الأرض المنسوبة لابن حزم وهو ساكت لا يتكلم
وفي يوم الخميس الثالث والعشرين من صفر خلع على القاضي عماد الدين بن الشيرجي بعود الحسبة إليه بسبب ضعف علاء الدين الانصاري عن القيام بها لشغله بالمرض المدنف وهنأه الناس على العادة وفي يوم السادس والعشرين من صفر توفي الشيخ علاء الدين الانصاري المذكور بالمدرسة الامينية وصلى عليه الظهر بالجامع الاموي ودفن بمقابر باب الصغير خلف محراب جامع جراح في تربة هنالك وقد جاوز الاربعين سنة ودرس في الامينية وفي الحسبة مرتين وترك اولادا صغارا واموالا جزيلة سامحه الله ورحمه وولى المدرسة بعده قاضي القضاة تاج الدين بن السبكي بمرسوم كريم شريف
وفي العشر الاخير من صفر بلغنا وفاة قاضي قضاة المالكية الاخنائي بمصر وتولية أخيه برهان الدين ابن قاضي القضاة علم الدين الاخنائي الشافعي أبوه قاضيا مكان أخيه وقد كان على الحسبة بمصر مشكور السيرة فيها واضيف اليه نظر الخزانة كما كان أخوه وفي صبيحة يوم الاحد رابع شهر ربيع الاول كان ابتداء حضور قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر عبدالوهاب ابن قاضي القضاة تقي الدين بن الحسن بن عبد الكافي السبكي الشافعي تدريس الامينية عوضا عن الشيخ علاء الدين المحتسب بحكم وفاته رحمه الله كما ذكرنا وحضر عنده خلق من العلماء والأمراء والفقهاء والعامة وكان درسا حافلا أخذ في قوله تعالى أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله الآية وما بعدها فاستنبط أشياء حسنة وذكر ضربا من العلوم بعبارة طلقة جارية معسولة أخذ ذلك من غير تلعثم ولا تلجلج ولا تكلف فأجاد وأفاد وشكره الخاصة والعامة من الحاضرين وغيرهم حتى قال بعض الاكابر إنه لم يسمع درسا مثله

وفي يوم الاثنين الخامس والعشرين منه توفي الصدر برهان الدين بن لؤلؤ الحوضي في داره بالقصاعين ولم يمرض إلا يوما واحدا وصلى عليه من الغد بجامع دشمق بعد صلاة الظهر وخرجوا به من باب النصر فخرج نائب السلطنة الامير على فصلى عليه إماما خارج باب النصر ثم ذهبوا به فدفنوه بمقابرهم بباب الصغير فدفن عند أبيه رحمه الله كان رحمه الله فيه مروءة وقيام مع الناس وله وجاهة عند الدولة وقبول عند نواب السلطنة وغيرهم ويحب العلماء وأهل الخير ويواظب على سماع مواعيد الحديث والخير وكان له مال وثروة ومعروف قارب الثمانين رحمه الله
وجاء البريد من الديار المصرية فأخبر بموت الشيخ شمس الدين محمد بن النقاش المصري بها وكان واعظا باهرا وفصيحا ماهرا ونحويا شاعرا له يد طولي في فنون متعددة وقدرة علىنسج الكلام ودخول على الدولة وتحصيل الاموال وهو من أبناء الاربعين رحمه الله
وأخبر البريد بولاية قاضي القضاة شرف الدين المالكي البغدادي الذي كان قاضيا بالشام للمالكية ثم عزل بنظر الخزانة بمصر فإنه رتب له معلوم وافر يكفيه ويفضل عنه ففرح بذلك من يحبه
وفي يوم الاحد السابع عشر من ربيع الآخر توفي الرئيس آمين الدين محمد بن الصدر جمال الدين أحمد بن الرئيس شرف الدين محمد بن القلانسي أحد من بقي من رؤساء البلد وكبرائها وقد كان باشر مباشرات كبار كأبيه وعمه علاء الدين ولكن فاق هذا على اسلافه فإنه باشر وكالة المال مدة وولى قضاء العساكر أيضا ثم ولى كتابة السر مع مشيخة الشيوخ وتدريس الناصرية والشامية الجوانية وكان قد درس في العصرونية من قبل سنة ست وثلاثين ثم لما قدم السلطان في السنة الماضية عزل عن مناصبه الكبار وصودر بمبلغ كثير يقارب مائتي ألف فباع كثيرا من أملاكه وما بقي بيده من وظائفه شيء وبقي خاملا مدة إلى يومه هذا فتوفي بغتة وكان قد تشوش قليلا لم يشعر به أحد وصلى عليه العصر بجامع دمشق وخرجوا به من باب الناطفاينين إلى تربتهم التي بسفح قاسيون رحمه الله
وفي صبيحة يوم الاثنين ثامن عشره خلع على القاضي جمال الدين بن قاضي القضاة شرف الدين الكفري الحنفي وجعل مع ابيه شريكا في القضاء ولقب في التوقيع الوارد صحبة البريد من جهة السلطان قاضي القضاة فلبس الخلعة بدار السعادة وجاء ومعه قاضي القضاة تاج الدين السبكي
إلى النورية فقعد في المسجد ووضعت الربعة فقرئت وقرئ القرآن ولم يكن ردسا وجاءت الناس للتهنئة بما حصل من الولاية له مع أبيه
وفي صبيحة يوم الثلاثاء توفي الشيخ الصالح العابد الناسك الجامع فتح الدين بن الشيخ زين الدين الفارقي إمام دار الحديث الاشرفية وخازن الاثر بها ومؤذن في الجامع وقد أتت عليه تسعون سنة في خير وصيانة وتلاوة وصلاة كثيرة وإنجماع عن الناس صلى عليه صبيحة يومئذ وخرج به من باب النصر إلى نحو الصالحية رحمه الله
وفي صبيحة يوم الاثنين عاشر جمادي الاولى ورد البريد وهو قرابغاد وأدار نائب الشام الصغير ومعه تقليد بقضاء قضاة الحنفية للشيخ جمال الدين يوسف بن قاضي القضاة شرف الدين الكفري بمتقضى نزول أبيه له عن ذلك ولبس الخلعة بدار السعادة وأجلس تحت المالكي ثم جاؤا إلى المقصورة من الجامع وقرئ تقليده هنالك قرأه شمس الدين بن السبكي نائب الحسبة واستناب اثنين من اصحابهم وهما شمس الدين بن منصور وبدر الدين بن الخراش ثم جاء معه إلى النورية فدرس بها ولم يحضره والده بشيء من ذلك انتهى والله أعلم
*3* موت الخليفة المعتضد بالله
@ كل ذلك في العشر الاوسط من جمادي الأولى بالقاهرة وصلى عليه يوم الخميس أخبرني بذلك قاضي القضاة تاج الدين الشافعي عن كتاب اخيه الشيخ بهاء الدين رحمهما الله
*3* خلافة المتوكل على الله
@ ثم بويع بعده ولده المتوكل على الله على أبو عبد الله محمد بن المعتضد ابي بكر أبي الفتح بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بامر الله أبي العباس أحمد رحم لله أسلافه
وفي جمادي الاولى توجه الرسول من الديار المصرية ومعه صناجق خليفية وسلطانية وتقاليد وخلع وتحف لصاحبي الموصل وسنجار من جهة صاحب مصر ليخطب له فيهما وولى قاضي القضاة تاج الدين الشافعي السبكي الحاكم بدمشق لقاضيهما من جهته تقليدين حسب ما أخبرني بذلك وأرسلا مع ما أرسل به السلطان إلى البلدين وهذا امر غريب لم يقع مثله فيما تقدم فيما أعلم والله أعلم
وفي جمادي الاخرة خرج نائب السلطنة إلى مرج الفسولة ومعه حجبته ونقباء النقباء وكاتب السر وذووه ومن عزمهم الاقامة مدة فقدم من الديار المصرية أمير على البريد فأسرعوا الاوبة فدخلوا في صبيحة الاحد الحادي والعشرين منه واصبح نائب السلطنة فحضر الموكب على العادة وخلع على الامير سيف الدين يلبغا الصالحي وجاء النص من الديار المصرية بخلعة دوادار عوضا عن سيف الدين كحلن وخلع في هذا اليوم على الصدر شمس الدين بن مرقي بتوقيع الدست وجهات أخر قدم بها من الديار المصرية فانتشر الخبر في هذا اليوم باجلاس قاضي القضاة شمس الدين الكفري الحنفي فوق قاضي القضاة المالكية لكن لم يحضر في هذا اليوم وذلك بعد ما قد امر باجلاس المالكي فوقه
وفي ثاني رجب توفي القاضي الامام العالم شمس الدين بن مفلح المقدسي الحنبلي نائب مشيخة قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن محمد المقدسي الحنبلي وزوج ابنته وله منها سبعة أولاد ذكرو وإناث وكان بارعا فاضلا متفننا في علوم كثيرة ولا سيما علم الفروع كان غاية في نقل مذهب الامام أحمد وجمع مصنفات كثيرة منها كتاب المقنع نحوا من ثلاثين مجلدا كما أخبرني بذلك عنه قاضي القضاة جمال الدين وعلق على محفوظة أحكام الشيخ مجد الدين بن تيمية مجلدين وله غير ذلك من الفوائد والتعليقات رحمه الله توفي عن نحو خمسين سنة وصلى عليه بعد الظهر من يوم الخميس ثاني الشهر بالجامع المظفري ودفن بمقبره الشيخ الموفق وكانت له جناز حافلة حضرها القضاة كلهم وخلق من الاعيان رحمه الله وأكرم مثواه
وفي صبيحة يوم السبت رابع رجب ضرب نائب السلطنة جماعة من أهل قبر عاتكة أساؤا الادب على النائب ومماليكه بسبب جامع للخطبة جدد بناحيتهم فأراد بعض الفقراء أن يأخذ ذلك الجامع ويجعله زاوية للرقاصين فحكم القاضي الحنبلي بجعله جامعا قد نصب فيه مبنر وقد قدم شيخ الفقراء على يديه مرسوم شريف بتسليمه اليه فأنفت أنفس أهله تلك الناحية من عوده زاوية بعد ما كان جامعا وأعظموا ذلك فتكلم بعضهم بكلام سيء فاستحضر نائب السلطنة طائفة منهم وضربهم بالمقارع بين يديه ونودي عليهم في البلد فأراد بعض العامة إنكارا لذلك وحدد ميعاد حديث يقرأ بعد المغرب تحت قبة النسر على الكرسي ألذي يقرأ عليه المصحف رتبة أحد اولاد القاضي عماد الدين بن الشيرازي وحدث فيه الشيخ عماد الدين بن السراج واجتمع عنده خلق كثير وجم غفير وقرأ في السيرة النبوية من خطى وذلك في العشر الاول من هذا الشهر
*3* أعجوبة من العجائب
@ وحضر شاب عجمي من بلاد تبريز وخراسان يزعم أنه يحفظ البخاري ومسلما وجامع المسانيد والكشاف للزمخشري وغير ذلك من محاضيرها في فنون أخر فلما كان يوم الاربعاء سلخ شهر رجب قرأ في الجامع الاموي بالحائط الشمالي منه عند باب الكلاسة من أول صحيح البخاري إلى أثناء كتاب العلم منه من حفظه وأنا أقابل عليه من نسخة بيدي فادى جيدا غير أنه يصحف بعضا الكلمات لعجم فيه وربما لحن أيضا في بعض الاحيان واجتمع خلق كثير من العامة والخاصة وجماعة من المحدثين فاعجب ذلك جماعة كثيرين وقال آخرون منهم إن سرد بقية
الكتاب على هذا المنوال لعظيم جدا فاجتمعنا في اليوم الثاني وهو مستهل شعبان في المكان المذكور وحضر قاضي القضاة الشافعي وجماعة من الفضلاء واجتمع العامة محدقين فقرأ على العادة غير أنه لم يطول كأول يوم وسقط عليه بعض الاحاديث وصحف ولحن في بعض الالفاظ ثم جاء القاضيان الحفني والمالكي فقرأ بحضرتهما أيضا بعض الشيء هذا والعامة محتفون به متعجبون من أمره ومنهم من يتقرب بتقبيل يديه وفرح بكتابتي له بالسماع على الاجازة وقال أنا ما خرجت من بلادي إلا إلى القصد إليك وأن تجيزني وذكرك في بلادنا مشهور ثم رجع إلى مصر ليلة الجمعة وقد كارمه القضاة والاعيان بشيء من الدراهم يقارب الألف
*3* عزل الامير علي عن نيابة دمشثق
@ في يوم الاحد حادي عشر شعبان ورد البريد من الديار المصرية وعلى يديه مرسوم شريف بعزل الامير على عن نيابة دمشق فأحضر الأمراء إلى دار السعادة وقرئ المرسوم الشريف عليهم بحضوره وخلع عليه خلعة وردت مع البريد ورسم له بقرية دومة واخرى في بلاد طرابلس على سبيل الراتب وأن يكون في أي البلاد شاء من دمشق أو القدس او الحجاز فانتقل من يومه من دار السعادة وبباقي أصحابه ومماليكه واستقر نزوله في دار الخليلي بالقصاعين التي جددها وزاد فيها دويداره يلبغا وهي دار هائلة وراح الناس للتأسف عليه والحزن له انتهى
*3* طلب قاضي القضاة تاج الدين عبدالوهاب ابن السيكي الشافعي إلى الديار المصرية
@ ورد البريد بطلبه من آخر نهار الاحد بعد العصر الحادي عشر من شعبان سنة ثلاث وستين وسبعمائة فأرسل إليه حاجب الحجاب قماري وهو نائب الغيبة أن يسافر من يومه فاستنظرهم إلى الغد فأمهل وقد ورد الخبر بولاية أخيه الشيخ بهاء الدين بن السبكي بقضاء الشام عوضا عن أخيه تاج الدين وأرسل يستنيب ابن أختهما قاضي القضاة تاج الدين في التأهب والسير وجاء الناس إليه ليودعوه ويستوحشون له وركب من بستانه بعد العصر يوم الاثنين ثاني عشر شعبان متوجها على البريد إلى الديار المصرية وبين يديه قضاة القضاة والاعيان حتى قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء السبكي حتى ردهم قريبا من الجسورة ومنهم من جاوزها والله المسؤل في حسن الخاتمة في الدنيا والآخرة انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
*3* اعجوبة اخرى غريبة
@ لما كان يوم الثلاثاء العشرين من شعبان دعيت إلى بستان الشيخ العلامة كمال الدين بن الشريشي شيخ الشافعية وحضر جماعة الاعيان منهم الشيخ العلامة شمس الدين بن الموصلي الشافعي والشيخ الامام العلامة صلاح الدين الصفدي وكيل بيت المال والشيخ الامام العلامة شمس الدين الموصلي الشافعي والشيخ الامام العلامة مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازي من ذرية الشيخ أبي إسحق الفيروزابادي من أئمة اللغويين والخطيب الامام العلامة صدر الدين بن العز الحنفي احد البلغاء الفضلاء والشيخ الامام العلامة نور الدين علي بن الصارم أحد القراء المحدثين البلغاء وأحضروا نيفا واربعين مجلدا من كتاب المنتهى في اللغة للتميمي البرمكي وقف الناصرية وحضر ولد الشيخ كمال الدين بن الشريشني وهو العلامة بدر الدين محمد واجتمعنا كلنا عليه وأخذ كل منا مجلدا بيده من تلك المجلدات ثم أخذنا نسأله عن بيوت الشعر المستشهد عليها بها فينشر كلا منها ويتكلم عليه بكلام مبين مفيد فجزم الحاضرون والسامعون انه يحفظ جميع شواهد اللغة ولا يشذ عنه منها إلا القليل الشاذ وهذا من أعجب العجائب وأبلغ الاعراب
*3* دخول نائب السلطنة سيف الدين تشتمر
@ وذلك في أوائل رمضان يوم الشبت ضحى والحجبة بين يديه والجيش بكماله فتقدم إلى سوق الخيل فأركب فيه ثم جاء ونزل عند باب السر وقيل العتبة ثم مشى الى دار السعادة والناس بين يديه وكان أول شيء حكم فيه أن أمر بصلب الذي كان قتل بالامس والي الصالحية وهو ذاهب الى صلاة الجمعة ثم هرب فتبعه الناس فقتل منهم آخر وجرح آخرين ثم تكاثروا عليه فمسك ولما صلب طافوا به على حمل الى الصالحية فمات هناك بعد أيام وقاسى أمرا شديدا من العقوبات وقد ظهر بعد ذلك على انه قتل خلقا كثيرا من الناس قبحه الله
*3* قدوم قاضي القضاة بهاء الدين احمد بن تقي الدين عوضا عن أخيه قاضي القضاة تاج الدين بن عبد الوهاب
@ قدم يوم الثلاثاء قبل العصر فبدأ بملك الامراء فسلم عليه ثم مشى الى دار الحديث فصلى هناك ثم مشى الى المدرسة الركنية فنزل بها عن ابن أخيه قاضي القضاة بدر الدين بن ابي الفتح قاضي العساكر وذهب الناس للسلام عليه وهو يكره من يلقبه بقاضي القضاة وعليه تواضع وتقشف ويظهر عليه تأسف على مفارقة بلده ووطنه وولده وأهله والله المسئول المأمول أن يحسن العاقبة
وخرج المحمل السلطاني يوم الخميس ثامن عشر شوال وأمير الحاج الملك صلاح الدين بن الملك الكامل بن السعيد العادل الكبير وقاضيه الشيخ بهاء الدين بن سبع مدرس الامينية ببعلبك وفي هذا الشهر وقع الحكم بما يخص المجاهدين من وقف المدرسة التقوية اليهم وأذن القضاة الاربعة إليهم بحضرة ملك الأمراء في ذلك
وفي ليلة الاحد ثالث شهر ذي القعدة توفي القاضي ناصر الدين محمد بن يعقوب كاتب السر وشيخ الشيوخ ومدرس الناصرية الجوانية والشامية الجوانية بدمشق ومدرس الاسدية بحلب وقد باشر كتابة السر بحلب أيضا وقضاء العساكر وأفتى بزمان ولاية الشيخ كمال الدين الزملكاني قضاء حلب أذن له هنالك في حدود سنة سبع وعشرين وسبعمائة ومولده سنة سبع وسبعمائة وقد قرأ التنبيه ومختصر ابن الحاجب في الاصول وفي العربية وكان عنده نباهة وممارسة للعلم وفيه جودة طباع وإحسان بحسب ما يقدر عليه وليس يتوسم منه سوء وفيه ديانة وعفة حلف لي في وقت بالايمان المغلظة أنه لم يمكن قط منه فاحشة اللواط ولا خطر له ذلك ولم يزن ولم يشرب مسكرا ولا أكل حشيشة فرحمه الله وأكرم مثواه صلى عليه بعد الظهر يومئذ وخرج بالجنازة من باب النصر فخرج نائب السلطنة من دار السعادة فحضر الصلاة عليه هنالك ودفن بمقبرة لهم بالصوفية وتأسفوا عيه وترحموا وتزاحم جماعة من الفقهاء بطلب مدارسة انتهى
*2* ثم دخلت سنة أربع وستين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الاسلام بالديار المصرية والشامية والحجازية وما يتبعهما من الاقاليم والرساتيق الملك المنصور صلاح الدين محمد بن الملك المنصور المظفري حاجي بن الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون الصالحي ومدير الممالك بين يديه وأتابك العساكر سيف الدين يلبغا وقضاة مصرهم المذكورون في التي قبلها غير أن ابن جماعة قاضي الشافعية وموفق الدين قاضي الحنابلة في الحجاز الشريف ونائب دمشق الامير سيف الدين قشتمر المنصوري وقاضي قضاة الشافعية الشيخ بهاء الدين ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي وأخوه قاضي القضاة الشافعية الشيخ بهاء الدين ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي وأخوه قاضي القضاة تاج الدين مقيم بمصر وقاضي قضاة الحنفية الشيخ جمال الدين ابن قاضي القضاة شرف الدين الكفري آثره والده بالمنصب وأقام على تدريس الركنية يتعبد ويتلو ويجمع على العبادة وقاضي قضاة المالكية جمال الدين المسلاتي وقاضي قضاة الحنابلة الشيخ جمال الدين المرداوي محمود بن جملة ومحتسب البلد الشيخ عماد الدين الشيرجي وكاتب السر جمال الدين عبد الله بن الاثير قدم من الديار المصرية عوضا عن ناصر الدين بن يعقوب وكان قدومه يوم سلخ السنة الماضية وناظر الدواوين بدر الدين حسن بن النابلسي وناظر الخزانة القاضي تقي الدين بن مراجل ودخل المحمل السلطاني يوم الجمعة الثاني والعشرين من المحرم بعد العصر خوفا من المطر وكان وقع مطر شديد قبل أيام فتلف منه غلات كثيرة بحوران وغيرها ومشاطيخ وغير ذلك فإنا لله وإنا اليه راجعون
وفي ليلة الاربعاء السابع والعشرين منه بعد عشاء الاخرة قبل دقة القلعة دخل فارس من ناحية باب الفرج إلى ناحية باب القلعة الجوانية ومن ناحية الباب المذكور سلسلة ومن ناحية باب النصر أخرى جددتا لئلا يمر راكب على باب القلعة المنصورة فساق هذا الفارس المذكور على السلسلة الواحدة فقطعها ثم مر على الاخرى فقطعها وخرج من باب النصر ولم يعرف لأنه ملثم وفي حادي عشر صفر وقبله بيوم قدم البريد من الديار المصرية بطلب الامير سيف الدين زبالة أحد أمراء الالوف إلى الديار المصرية مكرما وقد كان عزل عن نيابة القلعة بسبب ما تقدم وجاء البريد أيضا ومعه التواقيع التي كانت بأيدي ناس كثير زيادات على الجامع ردت إليهم واقروا على ما بأيديهم من ذلك وكان ناظر الجامع الصاحب تقي الدين بن مراجل قد سعى برفع ما زيد بعد التذكرة التي كانت في أيام صرغتمش فلم يف ذلك وتوجه الشيخ بهاء الدين بن السبكي قاضي قضاة الشام الشافعي من دمشق إلى الديار الصمرية يوم الاحد سادس عشر صفر من هذه السنة وخرج القضاة والاعيان لتوديعه وقد كان أخبرنا عند توديعه بان أخاه قاضي القضاة تاج الدين قد لبس خلعة القضاء بالديار المصرية وهو متوجه إلى الشام عند وصوله إلى ديار مصر وذكر لنا أن أخاه كاره للشام وأنشدني القاضي صلاح الدين الصفدي ليلة الجمعة رابع عشره لنفسه فيما عكس عن المتنبي في يديه من قصيدته وهو قوله
إذا اعتاد الفتى خوض المنايا * فأيسر ما يمر به الوصول
دخول دمشق يكسبنا نحولا * كأن لها دخولا في البرايا
إذا اعتاد الغريب الخوض فيها * فايسر ما يمر به المنايا
وهذا شعر قوي وعكس جلي لفظا ومعنى
وفي ليلة الجمعة الحادي والعشرين من صفر عملت خيمة حافلة بالمارستان الدقاقي جوار الجامع سبب تكامل تجديده قريب السقف مبنيا باللبن حتى قناطره الاربع بالحجارة البلق وجعل في أعاليه قمريات كبار مضيئة وفتق في قبلته إيوانا حسنا زاد في أغمافه أضعاف ما كان وبيضه جميعه بالجص الحسن المليح وجددت فيه خزائن ومصالح وفرش ولحف جدد واشياء حسنة فأثابه الله وأحسن جزاءه آمين وحضر الخيمة جماعات من الناس من الخاص والعوام ولما كانت الجمعة الأخرى دخله نائب السلطنة بعد الصلاة فأعجبه ما شاهده من العمارات وأخبره بما كانت عليه حاله قبل هذه العمارة فاستجاد ذلك م صنيع الناظر
وفي اول ربيع الاخر قدم قاضي القضاة تاج الدين السبكي من الديار المصرية على قضاء الشام عودا على بدء يوم الثلاثاء رابع عشره فبدأ بالسلام على نائب السلطنة بدار السعادة ثم ذهب إلى دار الامير علي بالقصاعين فسلم عليه ثم جاء إلى العادلية قبل الزوال ثم جاءه الناس من الخاص والعام يسلمون عليه ويهنونه بالعود وهو يتودد ويترحب بهم ثم لما كان صبح يوم الخميس سادس عشره لبس الخلعة بدار السعادة ثم جاء في أبهة هائلة لابسها إلى العادلية فقرئ تقليده بها بحضرة القضاة والاعيان وهنأه الناس والشعراء والمداح
وأخبر قاضي القضاة تاج الدين بموت حسين بن الملك الناصر ولم يكن بقي من بنيه لصلبه سواه ففرح بذلك كثير من الأمراء وكبار الدولة لما كان فيه من حدة وارتكاب أمور منكرة وأخبر بموت القاضي فخر الدين سليمان بن القاضي عماد الدين بن الشيرجي وقد كان اتفق له من الأمر أنه قلد حسبة دمشق عوضا عن أبيه نزل له عنها باختياره لكبره وضعفه وخلع عليه بالديار المصرية ولم يبق إلا أن يركب على البريد فتمرض يوما وثانيا وتوفي إلى رحمة الله تعالى فتألم والده بسبب ذلك تألما عظيما وعزاه الناس فيه ووجدته صابرا محتسبا باكيا مسترجعا موجعا انتهى
*3* بشارة عظيمة بوضع الشطر من مكس الغنم
@ مع ولاية سعد الدين ماجد بن التاج إسحاق من الديار المصرية على نظر الدواوين قبله ففرح الناس بولاية هذا وقدومه وبعزل الاول وانصرافه عن البلد فرحا شديدا ومع مرسوم شريف بوضع نصف مكس الغنم وكان عبرته أربعة دراهم ونصف فصار إلى درهمين وربع درهم وقد نودي بذلك في البلد يوم الاثنين العشرين من شهر ربيع الاخر ففرح الناس بذلك فرحا شديدا ولله الحمد والمنة وتضاعفت أدعيتهم لمن كان السبب في ذلك وذلك أنه يكثر الجلب برخص اللحم على الناس ويأخذ الديوان نظيرا ما ما كان يأخذ قبل ذلك وقد الله تعالى قدوم وفود بتجائر متعددة وأخذ منها الديوان السلطاني في الزكاة والوكالة وقدم مراكب كثيرة فأخذ منها في العشر أضعاف ما أطلق من المكس ولله الحمد والمنة ثم قرئ على الناس في يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة قبل العصر
وفي يوم الاثنين العشرين منه ضرب الفقيه شمس الدين بن الصفدي بدرا السعادة بسبب خانقاه الطواويس فإنه جاء في جماعة منهم يتظلمون من كاتب السر الذي هو شيخ الشيوخ وقد تكلم معهم فيما يتعلق بشرط الواقف مما فيه مشقة عليهم فتكلم الصفدي المذكور بكلام فيه غلظ فبطح ليضرب فشفع فيه ثم تكلم فشفع فيه ثم بطح الثالثة فضرب ثم أمر به إلى السجن ثم أخرج بعد ليلتين أو ثلاثة
وفي صبيحة يوم الاحد السادس والعشرين منه درس قاضي القضاة الشافعي بمدارسه وحضر درس الناصرية الجوانية بمقتضى شرط الواقف الذي أثبته أخوه بعد موت القاضي ناصر الدين كاتب السر وحضر عنده جماعة من الأعيان وبعض القضاة وأخذ في سورة الفتح قرئ عليه من تفسير والده في قوله إنا فتحنا لك فتحا مبينا
وفي مستهل جمادي الاولى يوم الجمعة بعد صلاة الفجر مع الامام الكبير صلى عليى القاضي قطب الدين محمد بن الحسن الحاكم بحمص جاء إلى دمشق لتلقي أخي زوجته قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي فتمرض من مدة ثم كانت وفاته بدمشق فصلى عليه بالجامع كما ذكرنا وخارج باب الفرج ثم صعدوا به إلى سفح جبل قاسيون وقد جاوز الثمانين بسنتين وقد حدث وروى شيئا يسيرا رحمه الله
وفي يوم الأحد ثالثه قدم قاضيا الحنفية والحنابلة بحلب والخطيب بها والشيخ شهاب الدين الاذرعي والشيخ زين الدين الباريني وآخرون معهم فنزلوا بالمدرسة الاقبالية وهم وقاضي قضاتهم الشافعي وهو كمال الدين المصري مطلوبون إلى الديار المصرية فتحرر ما ذكروه عن قاضيهم وما نقموه عليه من السيرة السيئة فيما يذكرون في المواقف الشريفة بمصر وتوجهوا إلى الديار المصرية يوم السبت عاشره
وفي يوم الخميس قدم الامير زين الدين زبالة نائب القلعة من الديار المصرية على البريد في تجمل عظيم هائل وتلقاه الناس بالشموع في أثناء الطريق ونزل بدار الذهب وراح الناس للسلام عليه وتهنئته بالعود إلى نيابة القلعة على عادته وهذه ثالث مرة وليها لأنه مشكور السيرة فيها وله فيها سعى محمود في أوقات متعددة
وفي يوم الخميس الحادي والعشرين صلى نائب السلطنة والقاضيان الشافعي والحنفي وكاتب السر وجماعة من الأمراء والأعيان بالمقصورة وقرئ كتاب السلطان على السدة بوضع مكس الغنم إلى كل رأس بدرهمين فتضاعفت الأدعية لولي الامر ولمن كان السبب في ذلك
*3* غريبة من الغرائب وعجيبة من العجائب
@ وقد كثرت المياه في هذا الشهر وزادت الانهار زيادة كثيرة جدا بحيث إنه فاض الماء في سوق الخيل من نهر بردى حتى عم جميع العرصة المعروفة بموقف الموكب بحيث إنه اجريت فيه المراكب بالكلك وركبت فيه المارة من جانب إلى جانب واستمر ذلك جمعا متعددة وامتنع نائب السلطنة والجيش من الوقوف هناك وربما وقف نائب السلطنة بعض الايام تحت الطارمة تجاه باب الاسطبل السلطاني وهذا أمر لم يعهد مثله ولا رأيته قط في مدة عمري وقد سقطت بسبب ذلك بنايات ودور كثيرة وتعطلت طواحين كثيرة غمرها الماء
وفي ليلة الثلاثاء العشرين من جمادي الاولى توفي الصدر شمس الدين عبد الرحمن ابن الشيخ عز الدين بن منجي التنوخي بعد العشاء الآخرة وصلى عليه بجامع دمشق بعد صلاة الظهر ودفن بالسفح وفي صبيحة هذا اليوم توفي الشيخ ناصر الدين محمد بن أحمد القونوي الحنفي خطيب جامع يلبغا وصلى عليه عقيب صلاة الظهر أيضا ودفن بالصوفية وقد باشر عوضه الخطابة والامامة
قاضي القضاة كمال الدين الكفري الحنفي وفي عصر هذا اليوم توفي القاضي علاء الدين بن القاضي شرف الدين بن القاضي شمس الدين بن الشهاب محمود الحلبي أحد موقعي الدست بدمشق وصلى عليه يوم الاربعاء ودفن بالسفح
وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين منه خطب قاضي القضاة جمال الدين الكفري الحنفي بجامع يلبغا عوضا عن الشيخ ناصر الدين بن القونوي رحمه الله تعالى وحضر عنده نائب السلطنة الامير سيف الدين قشتمر وصلى معه قاضي القضاة تاج الدين الشافعي بالشباك الغربي القبلي منه وحضر خلق من الامراء والاعيان وكان يوما مشهودا وخطب ابن نباتة بأداء حسن وفصاحة بليغة هذا مع علم أن كل مركب صعب وفي يوم السبت خامس عشر جمادي الاخرة توجه الشيخ شرف الدين القاضي الحنبلي إلى الديار المصرية بطلب الامير سيف الدين يلبغا في كتاب كتبه اليه يستدعيه ويستحثه في القدوم عليه
وفي يوم الثلاثاء ثاني شهر رجب سقط اثنان سكارى من سطح بحارة اليهود أحدهما مسلم والاخر يهودي فمات المسلم من ساعته وانقلعت عين اليهودي وانكسرت يده لعنه الله وحمل إلى نائب السلطنة فلم يحر جوابا
ورجع الشيخ شرف الدين بن قاضي الجبل بعد ما قارب غزة لما بلغه من الوباء بالديار المصرية فعاد إلى القدس الشريف ثم رجع إلى وطنه فأصاب السنة وقد وردت كتب كثيرة تخبر بشدة الوباء والطاعون بمصر وأنه يضبط من أهلها في النهار نحو الألف وأنه مات جماعة ممن يعرفون كولدي قاضي القضاة تاج الدين المناوي وكاتب الحكم ابن الفرات وأهل بيته أجمعين فإنا لله وإنا اليه راجعون
وجاء الخبر في اواخر شهر رجب بموت جماعة بمصر منهم أبو حاتم ابن الشيخ بهاء الدين السبكي المصري بمصر وهو شاب لم يستكمل العشرين وقد درس بعدة جهات بمصر وخطب ففقده والده وتأسف الناس عليه وعزوا فيه عمه قاضي القضاة تاج الدين السبكي قاضي الشافعية بدمشق وجاء الخبر بموت قاضي القضاة شهاب الدين أحمد الرباجي المالكي كان بحلب وليها مرتين ثم عزل فقصد مصر واستوطنها مدة ليتمكن من السعي في العودة فأدركته منيته في هذه السنة من الفناء وولدان له معه أيضا وفي يوم السبت سادس شعبان توجه نائب السلطنة في صحبة جمهور الامراء إلى ناحية تدمر لأجل الاعراب من أصحاب خيار بن مهنا ومن التف عليه منهم وقد دمر بعضهم بلد تدمر وحرقوا كثيرا من أشجارها ورعوها وانتهبوا شيئا كثيرا وخرجوا من الطاعة وذلك بسبب قطع إقطاعاتهم وتملك أملاكهم والحيلولة عليهم فركب نائب السلطنة بمن معه كما ذكرنا
لطردهم عن تلك الناحية وفي صحبتهم الأمير حمزة ابن الخياط أحد أمراء الطبلخانات وقد كان حاجبا لخيار قبل ذلك فرجع عنه وألب عليه عند الامير الكبير يلبغا الخاصكي ووعده إن هو امره وكبره أن يظفره بخيار وأن يأتيه برأسه ففعل معه ذلك فقدم إلى دمشق ومعه مرسوم بركوب الجيش معه إلى خيار وأصحابه فساروا كما ذكرنا فوصلوا إلى تدمر وهربت الاعراب من بين يدي نائب الشام يمينا وشمالا ولم يواجهوه هيبة له ولكنهم يتحرفون على حمزة بن الخياط ثم بلغنا أنهم يبتوا الجيش فقتلوا منه طائفة جرحوا آخرين وأسروا آخرين فإنا لله وإنا إليه راجعون
*3* سلطنة الملك الأشرف ناصر الدين
@ شعبان بن حسن بن الملك النصر محمد بن قلاوون في يوم الثلاثاء خامس عشر شعبان
لما كان عشية السبت تاسع عشر شعبان من هذه السنة أعني سنة أربع وستين وسبعمائة قدم أمير من الديار المصرية فنزل بالقصر الأبلق وأخبر بزوال مملكة الملك المنصور بن المظفر حاجي بن الملك الناصر محمد بن قلاوون ومسك واعتقل وبويع للملك الاشرف شعبان بن حسين الناصر بن المنصور قلاوون وله من العمر قريب العشرين فدقت البشائر بالقلعة المنصورة وأصبح الناس يوم الاحد في الزينة وأخبرني قاضي القضاة تاج الدين والصاحب سعد الدين ماجد ناظر الدواوين أنه لما كان يوم الثلاثاء الخامس عشر من شعبان عزل الملك المنصور وأودع منزله وأجلس الملك الاشرف ناصر الدين شعبان على سرير الملك وبويع لذلك وقد وقع رعد في هذا اليوم ومطر كثير وجرت المزاريب فصار غدرانا في الطرقات وذلك في خامس حزيران فتعجب الناس من ذلك هذا وقد وقع وباء في مصر في أول شعبان فتزايد وجمهوره في اليهود وقد وصلوا إلى الخمسين في كل يوم وبالله المستعان
وفي يوم الاثنين سابعه اشتهر الخبر عن الجيش بأن الاعراب اعترضوا التجريدة القاصدين إلى الرحبة وواقفوهم وقتلوا منهم ونهبوا وجرحوا وقد سار البريد خلف النائب والأمراء ليقدموا إلى البلد لأجل البيعة للسلطان الجديد جعله الله مباركا على المسلمين ثم قدم جماعة من الأمراء المنهزمين من الاعراب في أسوإ حال وذلة ثم جاء البريد من الديار المصرية بردهم إلى العسكر الذي مع نائب السلطنة على تدمر متوعدين بأنواع العقوبات وقطع الاقطاعات وفي شهر رمضان تفاقم الحال بسبب الطاعون فإنا لله وإنا اليه راجعون وجمهوره في اليهود لعله قد فقد منهم من مستهل شعبان إلى مستهل رمضان نحو الألف نسمة خبيثة كما أخبرني بذلك القاضي صلاح الدين الصفدي وكيل بيت المال ثم كثر ذلك فيهم في شهر رمضان جدا وعدة العدة من المسلمين والذمة بالثمانين
وفي يوم السبت حادي عشره صلينا بعد الظهر على الشيخ المعمر الصدر بدر الدين محمد ابن الرقاق المعروف بابن الجوجي وعلى الشيخ صلاح الدين محمد بن شاكر الليثي تفرد في صناعته وجمع تاريخا مفيدا نحوا من عشر مجلدات وكان يحفظ ويذاكر ويفيد رحمه الله وسامحه انتهى
*3* وفاة الخطيب جمال الدين محمود بن جمله ومباشرة تاج الدين بعده
@ كانت وفاته يوم الاثنين بعد الظهر قريبا من العصر فصلى بالناس بالمحراب صلاة العصر قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي عوضا عنه وصلى بالناس الصبح أيضا وقرأ بآخر المائدة من قوله يوم يجمع الله الرسل ثم لما طلعت الشمس وزال وقت الكراهة صلى على الخطيب جمال الدين عند باب الخطابة وكان الجمع في الجامع كثيرا وخرج بجنازته من باب البريد وخرج معه طائفة من العوام وغيرهم وقد حضر جنازته بالصالحية على ما ذكر جم غفير وخلق كثير ونال قاضي القضاة الشافعي بعض الجهلة إساءة أدب فاخذ منهم جماعة وأدبوا وحضر هو بنفسه صلاة الظهر يومئذ وكذا باشر الظهر والعصر في بقية الايام يأتي للجامع في محفل من الفقهاء والاعيان وغيرهم ذهابا وإيابا وخطب عنه يوم الجمعة الشيخ جمال الدين بن قاضي القضاة ومنع تاج الدين من المباشرة حتى يأتي التشريف
وفي يوم الاثنين بعد العصر صلى على الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الله البعلبكي المعروف بابن النقيب ودفن بالصوفية وقد قار السبعين وجاوزها وكان بارعا في القراءات والنحو والتصريف والعربية وله يد في الفقه وغير ذلك وولى مكانه مشيخة الاقراء بأم الصالح شمس الدين محمد بن اللبان وبالتربة الأشرفية الشيخ أمين الدين عبد الوهاب بن السلام وقدم نائب السلطنة من ناحية الرحبة وتدمر وفي صحبته الجيش الذين كانوا معه بسبب محاربته إلى اولاد مهنا وذويهم من الاعراب في يوم الاربعاء سادس شوال
وفي ليلة الأحد عاشره توفي الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك وكيل بيت المال وموقع الدست وصلى عليه صبيحة الاحد بالجامع ودفن بالصوفية وقد كتب الكثير من التاريخ واللغة والأدب وله الاشعار الفائقة والفنون المتنوعة وجمع وصنف وألف وكتب ما يقارب مئين من المجلدات

@ وحضر شاب عجمي من بلاد تبريز وخراسان يزعم أنه يحفظ البخاري ومسلما وجامع المسانيد والكشاف للزمخشري وغير ذلك من محاضيرها في فنون أخر فلما كان يوم الاربعاء سلخ شهر رجب قرأ في الجامع الاموي بالحائط الشمالي منه عند باب الكلاسة من أول صحيح البخاري إلى أثناء كتاب العلم منه من حفظه وأنا أقابل عليه من نسخة بيدي فادى جيدا غير أنه يصحف بعضا الكلمات لعجم فيه وربما لحن أيضا في بعض الاحيان واجتمع خلق كثير من العامة والخاصة وجماعة من المحدثين فاعجب ذلك جماعة كثيرين وقال آخرون منهم إن سرد بقية
@ وحضر شاب عجمي من بلاد تبريز وخراسان يزعم أنه يحفظ البخاري ومسلما وجامع المسانيد والكشاف للزمخشري وغير ذلك من محاضيرها في فنون أخر فلما كان يوم الاربعاء سلخ شهر رجب قرأ في الجامع الاموي بالحائط الشمالي منه عند باب الكلاسة من أول صحيح البخاري إلى أثناء كتاب العلم منه من حفظه وأنا أقابل عليه من نسخة بيدي فادى جيدا غير أنه يصحف بعضا الكلمات لعجم فيه وربما لحن أيضا في بعض الاحيان واجتمع خلق كثير من العامة والخاصة وجماعة من المحدثين فاعجب ذلك جماعة كثيرين وقال آخرون منهم إن سرد بقية
وفي يوم السبت عاشره جمع القضاة والاعيان بدار السعادة وكتبوا خطوطهم بالرضى بخطابة قاضي القضاة تاج الدين السبكي بالجامع الأموي وكاتب نائب السلطنة في ذلك
وفي يوم الأحد حادي عشره استقر عزل نائب السلطنة سيف الدين قشتمر عن نيابة دمشق وأمر بالمسير إلى نيابة صفد فأنزل أهله بدار طيبغا حجى من الشرق الاعلى وبرز هو إلى سطح المزة ذاهبا إلى ناحية صفد وخرج المحمل صحبة الحجيج وهم جم غفير وخلق كثير يوم الخميس رابع عشر شوال
وفي يوم الخميس الحادي والعشرين من شوال توفي القاضي أمين الدين أبو حيان ابن أخي قاضي القضاة تاج الدين المسلاتي المالكي وزوج ابنته ونائبه في الحكم ملطقا وفي القضاة والتدريس في غيبته فعالجته المنية
ومن غريب ما وقع في أواخر هذا لاشهر أنه اشتهر بين النساء وكثير من العوام أن رجلا رأى مناما فيه أنه رأى النبي ص عند شجرة توتة عند مسجد ضرار خارج باب شرقي فتبادر النساء إلى تخليق تلك التوتة وأخذوا اوراقها للاستشفاء من الوباء ولكن لم يظهر صدق ذلك المنام ولا يصح عمن يرويه
وفي يوم الجمعة سابع شهر ذي القعدة خطب بجامع دمشق قاضي القضاة تاج الدين السبكي خطبة بليغة فصيحة أداها أداء حسنا وقد كان يحس من طائفة من العوام أن يشوشوا فلم يتكلم أحد منهم بل ضجوا عند الموعظة وغيرها وأعجبهم الخطيب وخطبته وأداؤه وتبليغه ومهابته واستمر يخطب هو بنفسه
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره توفي الصاحب تقي الدين سليمان بن مراجل ناظر الجامع الأموي وغيره وقد باشر نظر الجامع في ايام تنكز وعمر الجانب الغربي من الحائط القبلي وكمل رخامه كله وفتق محرابا للحنفية في الحائط القبلي ومحرابا للحنابلة فيه أيضا في غربيه وأثر أشياء كثيرة فيه وكانت له هم وينسب إلى أمانة وصرامة ومبشارة مشكورة مشهورة ودفن بتربة أنشأها تجاه داره بالقبيبات رحمه الله وقد جاوز الثمانين وفي يوم الأربعاء تاسع عشرة توفي الشيخ بهاء الدين عبد الوهاب الاخميمي المصري إمام مسجد درب الحجر وصلى عليه بعد العصر بالجامع الاموي ودفن بقصر ابن الحلاج عند الطيوريين بزاوية لبعض الفقراء الخزنة هناك وقد كان له يد في أصول الفقه وصنف في الكلام كتابا مشتملا على أشياء مقبولة وغير مقبولة انتهى
*3* دخول نائب السلطنة منكلي بغا
@ في يوم الخميس السابع والعشرين من ذي القعدة دخل نائب السلطنة منكلي بغا من حلب إلى دمشق نائبا عليها في تجمل هائل ولكنه مستمرض في بدنه بسبب ما كان ناله من التعب في مصابرة الاعراب فنزل دار السعادة على العادة وفي يوم الاثنين مستهل ذي الحجة خلع على قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي للخطابة بجامع دمشق واستمر على ما كان عليه يخطب بنفسه كل جمعة وفي يوم الثلاثاء ثانية قدم القاضي فتح الدين بن الشهيد ولبس الخلعة وراح الناس لتهنئته
وفي يوم الخميس حضر القاضي فتح الدين بن الشهيد كاتب السر مشيخة السميساطية وحضر عنده القضاة والاعيان بعد الظهر وخلع عليه لذلك أيضا وحضر فيها من الغد على العادة وخلع في هذا اليوم على وكيل بيت المال الشيخ جمال الدين بن الرهاوي وعلى الشيخ شهاب الدين الزهري بفتيا دار العدل أنتهى
*2* ثم دخلت سنة خمس وستين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والشامية والحرمين وما يتبع ذلك الملك الاشرف ناصر الدين شعبان بن سيدي حسين بن السلطان الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون الصالحي وهو في عمر عشر سنين ومدبر الممالك بين يديه الامير الكبير نظام الملك سيف الدين يلبغا الخاصكي وقضاة مصرهم المذكورون في السنة التي قبلها ووزيرها فخر الدين بن قزوينه ونئاب دمشق الأمير سيف الدين منكلي بغا الشمس وهو مشكور السيرة وقضاتها هم المذكورون في السنة التي قبلها وناظر الدواوين بها الصاحب سعد الدين ماجد وناظر الجيس علم الدين داود وكاتب السر القاضي فتح الدين بن الشهيد ووكيل بيت المال القاضي جمال الدين بن الرهاوي
استهلت هذه السنة وداء الفناء موجود في الناس إلا أنه خف وقل ولله الحمد وفي يوم السبت توجه قاضي القضاة وكان بهاء الدين أبو البقاء السبكي إلى الديار المصرية مطلوبا من جهة الامير يلبغا وفي الكتاب إجابته له إلى مسائل وتوجه بعده قاضي القضاة تاج الدين الحاكم بدمشق وخطيبها يوم الاثنين الرابع عشر من المحرم على خيل البريد وتوجه بعدهما الشيخ شرف الدين ابن قاضي الجبل الحنبلي مطلوبا إلى الديار المصرية وكذلك توجه الشيخ زين الدين المنفلوطي مطلوبا
وتوفي في العشر الاوسط من المحرم صاحبنا الشيخ شمس الدين العطار الشافعي كان لديه فضيلة واشتغال وله فهم وعلق بخطه فوائد جيدة وكان إماما بالسجن من مشهد على بن الحسين بجامع دمشق ومصدرا بالجامع وفقيها بالمدارس وله مدرسة الحديث الوادعية وجاوز الخمسين بسنوات ولم يتزوج قط وقدم الركب الشامي إلى دمشق في اليوم الرابع والعشرين من المحرم وهم شاكرون مثنون في كل خير بهذه السنة أمنا ورخصا ولله الحمد
وفي يوم الاحد حادي عشر صفر درس بالمدرسة الفتحية صاحبنا الشيخ عماد الدين إسماعيل بن خليفة الشافعي وحضر عنده جماعة من الاعيان والفضلاء وأخذ في قوله تعالى إن عدة الشهور عند الله اثني عشر شهرا وفي يوم الخميس خامس عشره نودي في البلد على أهل الذمة بالزامهم بالصغار وتصغير العمائم وأن لا يستخدموا في شيء من الاعمال وأن لا يركبوا الخيل ولا البغال ويركبون الحمير بالأكف بالعرض وان يكون في رقابهم ورقاب نسائهم في الحمامات أجراس وأن يكون أحد النعلين أسود مخالفا للون الاخرى ففرح بذلك المسلمون ودعوا للآمر بذلك
وفي يوم الاحد ثالث ربيع الاول قدم قاضي القضاة تاج الدين من الديار المصرية مستمرا على القضاة والخطابة فتلقاه الناس وهنأوه بالعود والسلام وفي يوم الخميس سابعه لبس القاضي الصاحب البهنسي الخلعة لنظر الدواوين بدمشق وهنأه الناس وباشر بصرامة واستعمل في غالب الجهات من بناء السبيل
وفي يوم الاثنين جمادى عشره ركب قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح على خيل البريد إلى الديار المصرية لتوليه قضاء قضاة الشافعية بدمشق عن رضا من خالة قاضي القضاة تاج الدين ونزوله عن ذلك
وفي يوم الخميس خامس ربيع الاول احترقت الباسورة التي ظاهر باب الفرج على الجسر ونال حجارة الباب شيء من حريقها فاتسعت وقد حضر طفيها نائب السلطنة والحاجب الكبير ونائب القلعة والولاة وغيرهم وفي صبيحة هذا اليوم زاد النهر زيادة عظيمة سبب كثرة الأمطار وذلك في أوائل كانون الثاني وركب الماء سوق الخيل بكماله ووصل إلى ظاهر باب الفراديس وتلك النواحي وكسر جسر الخشب الذي عند جامع يلبغا وجاء فصدم به جسر الزلابية فكسره أيضا
وفي يوم الخميس ثاني عشره صرف حاجب الحجاب قماري عن المباشرة بدار السعادة وأخذت القضاة من يدة وانصرف إلى داره في أقل من الناس واستبشر بذلك كثير من الناس لكثرة ما كان يفتات على الأحكام الشرعية
وفي أواخره اشتهر موت القاضي تاج الدين المناوي بديار مصر وولاية قاضي القضاة بهاء الدين ابن أبي البقاء السبكي مكانه بقضاء العساكر بها ووكالة السلطان أيضا ورتب له مع ذلك كفايته وتولى في هذه الأيام الشيخ سراج الدين البلقيني إفتاء دار العدل مع الشيخ بهاء الدين أحمد بن قاضي القضاة السبكي بالشام وقد ولى هو أيضا القضاء بالشام كما تقدم ثم عاد إلى مصر موقرا مكرما وعاد أخوه تاج الدين إلى الشام وكذلك ولو مع البلقيني إفتاء دار العدل الحنفي شيخا يقال له الشيخ شمس الدين بن الصائغ وهو مفتي حنفي أيضا وفي يوم الاثنين سابع ربيع الأول توفي الشيخ نور الدين محمد بن الشيخ أبي بكر قوام بزوايتهم بسفح جبل قاسيون وغدا الناس إلى جنازته وقد كان من العلماء الفضلاء الفقهاء بمذهب الشافعي درس بالناصرية البرانية مدة سنين بعد أبيه وبالرباط الدويداري داخل باب الفرج وكان يحضر المدارس ونزل عندنا بالمدرسة النجيبية وكان يحب السنة ويفهمها جيدا رحمه الله
وفي مستهل جمادي الاولى ولى قاضي القضاة تاج الدين الشافعي مشيخة دار الحديث بالمدرسة التي فتحت بدرب القلبي وكانت دارا لوافقها جمال الدين عبد الله بن محمد بن عيسى التدمري الذي كان استاذا للأمير طاز وجعل فيها درس للحنابلة وجعل المدرس لهم الشيخ برهان الدين إبراهيم ابن قيم الجوزية وحضر الدرس وحضر عنده بعض الحنابلة بالدرس ثم جرت أمور يطول بسطها واستحضر نائب السلطنة شهود الحنابلة بالدرس واستفرد كلا منهم وسأله كيف شهد في أصل الكتاب المحضر الذي أثبتوا عليهم فاضطروا في الشهادات فضبط ذلك عليهم وفيه مخالفة كبيرة لما شهدوا به في أصل المحضر وشنع عليهم كثير من الناس ثم ظهرت ديون كثيرة لبيت طار على جمال الدين التدمري الواقف وطلب من القاضي المالكي أن يحكم بابطال ما حكم به الحنبلي فتوقف في ذلك وفي يوم الاثنين الحادي والعشرين منه قرئ كتاب السلطان بصرف الوكلاء من أبواب القضاة الأربعة فصرفوا
وفي شهر جمادي الاخرة توفي الشيخ شمس الدين شيخ الحنابلة بالصالحية يوعرف بالبيري يوم الخميس ثامنه صلى عليه بالجامع المظفري بعدا لعصر ودفن بالسفح وقد قارب الثمانين وفي الرابع عشر منه عقد بدار السعادة مجلس حافل اجتمع فيه القضاة الأربعة وجماعة من المفتيين وطلبت فحضرت معهم بسبب المدرسة التدمرية وقرابة الواقف ودعواهم أنه وقف عليهم الثلث فوقف الحنبلي في أمرهم ودافعهم عن ذلك أشد الدفاع
وفي العشر الاول من رجب وجد جراد كثير منتشر ثم تزايد وتراكم وتضاعف وتفاقم الامر بسببه وسد الارض كثرة وعاث يمينا وشمالا وأفسد شيئا كثيرا من الكروم والمقاني والزروعات النفيسة وأتلف للناس شيئا كثيرا فإنا لله وإنا اليه راجعون
وفي يوم الاثنين ثالث شعبان توجه القضاة ووكيل بيت المال إلى باب كيسان فوقفوا عليه وعلى هيئته ومن نية نائب السلطنة فتحه ليتفرج الناس به وعدم للناس غلات كثيرة وأشياء من أنواع الزروع بسبب كثرة الجراد فإنا لله وإنا اليه راجعون
*3* فتح باب كيسان بعد غلقه نحوا من مائتي سنة
@ وفي يوم الاربعاء السادس والعشرين من شعبان اجتمع نائب السلطنة والقضاة عند باب كيسان وشرع الصناع في فتحه عن مرسوم السلطان الوارد من الديار المصرية وأمر نائب السلطنة وإذن القضاة في ذلك واستهل رمضان وهم في العمل فيه وفي العشر الأخير من شعبان توفي الشريف شمس الدين محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني المحدث المحصل المؤلف لاشياء مهمة وفي الحديث قرأ وسمع وجمع وكتب أسماء رجال بمسند الامام احمد واختصر كتابا في أسماء الرجال مفيدا وولى مشيخة الحديث التي وقفها في داره بهاء الدين القاسم بن عساكر داخل باب توما وختمت البخاريات في آخر شهر رمضان
ووقع بين الشيخ عماد الدين بن السراج قارئ البخاري عند محراب الصحابة وبين الشيخ بدر الدين بن الشيخ جمال الدين الشريشني وتها ترا على رؤس الاشهاد بسبب لفظه يبتز بمعنى يدخر وفي نسخة يتير فحكى ابن السراج عن الحافظ المزي أن الصواب يبتز من قول العرب عزيز وصدق في ذلك فكأن منازعه خطأ ابن المزي فانتصر الآخر للحافظ المزي فقاد منه بالقول ثم قام والده الشيخ جمال الدين المشار اليه فكشف رأسه على طريقة الصوفية فكأن ابن السراج لم يلتفت اليه وتدافعوا إلى القاضي الشافعي فانتصر للحافظ المزي وجرت أمور ثم اصلطحوا غير مرة وعزم اولئك على كتب محضر على ابن السراج ثم انطفأت تلك الشرور
وكثر الموت في أثناء شهر رمضان وقاربت العدة المائة وربما جاوزت المائة وربما كانت اقل منها وهو الغالب ومات جماعة من الأصحاب والمعارف فإنا لله وإنا اليه راجعون وكثر الجراد في البساتين وعظم الخطب بسبب وأتلف شيئا كثيرا من الغلات والثمار والخضراوات وغلت الاسعار وقلت الثمار وارتفعت قيم الاشياء فبيع الدبس بما فوق المائتين القنطار والرز بأزيد من ذلك وتكامل فتح باب كيسان وسموه الباب القبلي ووضع الجسر منه إلى الطريق السالكة وعرضه أزيد من عشرة أذرع بالنجاري لأجل عمل الباسورة جنبتيه ودخلت المارة عليه من المشاة والركبان وجاء في غاية الحسن وسلك الناس في حارات اليهود وانكشف دخلهم وأمن الناس من دخنهم وغشهم ومكرهم وخبثهم وانفرج الناس بهذا الباب المبارك
واستهل شوال والجراد قد أتلف شيئا كثيرا من البلاد ورعى الخضروات والاشجار وأوسع أهل الشام في الفساد وغلت الأسعار واستمر الفناء وكثر الضجيج والبكاء وفقدنا كثيرا من الأصحاب والأصدقاء فلان مات وقد تناقص الفناء في هذه المدة وقل الوقع وتناقص للخمسين وفي شهر ذي القعدة تقاصر الفناء ولله الحمد ونزل العدد إلى العشرين فما حولها وفي رابعه دخل بالفيل والزرافة إلى مدينة دمشق من القاهرة فأنزل في الميدان الأخضر قريبا من القصر الأبلق وذهب الناس للنظر اليهما على العادة
وفي يوم الجمعة تاسعه صلى على الشيخ جمال الدين عبد الصمد بن خليل البغدادي المعروف بابن الخضري محدث بغداد وواعظها كان من أهل السنة والجماعة رحمه الله انتهى
*3* تجديد خطبة ثانية داخل سور دمشق منذ فتوح الشام
@ اتفق ذلك في يوم الجمعة الثالث ثم تبين أنه الرابع والعشرين من ذي القعدة من هذه السنة بالجامع الذي جدد بناءه نائب الشام سيف الدين متكلي بغا بدرب البلاغة قبلي مسجد درب الحجر داخل باب كيسان المجدد فتحه في هذا الحين كما تقدم وهو معروف عند العامة بمسجد الشاذوري وإنما هو في تاريخ ابن عساكر مسجد الشهرزوري وكان المسجد رث الهيئة قد تقادم عهده مدة دهر وهجر فلا يدخله أحد من الناس إلا قليل فوسعه من قبليه وسقفه جديدا وجعل له صرحة شمالية مبلطة ورواقات على هيئة الجوامع والداخل بأبوابه على العادة وداخل ذلك رواق كبير له جناحان شرقي وغربي بأعمدة وقناطر وقد كان قديما كنيسة فأخذت منهم قبل الخمسمائة وعملت مسجدا فلم يزل كذلك إلى هذا الحين فلما كمل كما ذكرنا وسيق اليه الماء من القنوات ووضع فيه منبر مستعمل كذلك فيومئذ ركب نائب السلطنة ودخل البلد من باب كيسان وانعطف على حارة اليهود حتى انتهى إلى الجامع المذكور وقد استكف الناس عنده من قضاة واعيان وخاصة وعامة وقد عين لخطابته الشيخ صدر الدين بن منصور الحنفي مدرس الناجية وإمام الحنفية بالجامع الأموي فلما أذن الأذان الاول تعذر عليه الخروج من بيت الخطابة قيل لمرض عرض له وقيل لغير ذلك من حصر أو نحوه فخطب الناس يومئذ قاضي القضاة جمال الدين الحنفي الكفري خدمة لنائب السلطنة
واستهل شهر ذي الحجة وقد رفع الله الوباء عن دمشق وله الحمد والمنة وأهل البلد يموتون على العادة ولا يمرض احد بتلك العلة ولكن المرض المعتاد انتهى
*2* ثم دخلت سنة ست وستين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة والسلطان الملك الاشرف ناصر الدين شعبان والدولة بمصر والشام هم هم ودخل المحمل السلطاني صبيحة يوم الاثنين الرابع والعشرين منه وذكروا انهم نالهم في الرجعة شدة شديدة من الغلاء وموت الجمال وهرب الجمالين وقدم مع الركب ممن خرج من الديار المصرية قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح وقد سبقه التقليد بقضاء القضاة مع خالد تاج الدين يحكم فيما يحكم فيه مستقلا معه ومنفردا بعده
وفي شهر الله المحرم رسم نائب السلطنة بتخريب قريتين من وادي التيم وهم مشعرا وتلبناثا وسبب ذلك أنهما عاصيان وأهلهما مفسدان في الارض والبلدان والأرض حصينان لا يصل إليهما إلا بكلفة كثيرة لا يرتقي إليهما إلا فارس فارس فخربتا وعمر بدلهما في أسفل الوادي بحث يصل اليهما حكم الحاكم والطلب بسهولة فأخبرني الملك صلاح الدين ابن الكالم أن بلدة تلبتاثا عمل فيها ألف فارس ونقل نقضها إلى أسفل الوادي خمسمائة حمار عدة أيام
وفي يوم الجمعة سادس صفر بعد الصلاة صلى على قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن قاضي القضاة شرف الدين احمد بن اقضى القضاة بن الحسين المزي الحنفي وكانت وفاته ليلة الجمعة المذكورة بعد مرض قريب من شهر وقد جاوز الاربعين بثلاث من السنين ولي قضاء قضاة الحنفية وخطب بجامع يلبغا وأحضر مشيخة النفيسية ودرس بأماكن من مدارس الحنفية وهو أول من خطب بالجامع المستجد داخل باب كيسان بحضرة نائب السلطنة
وفي صفر كانت وفاة الشيخ جمال الدين عمر بن القضاي عبدا لحي بن إدريس الحنبلي محتسب بغداد وقاضي الحنابلة بها فتعصبت عليه الروافض حتى ضرب بين يدي الوزارة ضربا مبرحا كانت سبب موته سريعا رحمه الله وكان من القائمين بالحق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من أكبر المنكرين على الروافض وغيرهم من أهل البدع رحمه الله وبل بالرحمة ثراه
وفي يوم الاربعاء تاسع صفر حضر مشيخة النفيسية الشيخ شمس الديب بن سند وحضر عنده قاضي القضاة تاج الدين وجماعة من الأعيان وأورد حديث عبادة بن الصامت لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب أسنده عن قاضي القضاة المشار إليه
وجاء البريد من الديار المصرية بطلب قاضي القضاة تاج الدين إلى هناك فسير أهله قبله على الجمال وخرجوا يوم الجمعة حادي عشر ربيع الاول جماعة من أهل بيتهم لزيارة أهاليهم هناك فاقام هو بعدهم إلى أن قدم نائب السلطنة من الرحبة وركب على البريد وفي يوم الاثنين خامس عشر جمادي الاخرة رجع قاضي القضاة تاج الدين السبكي من الديار المصرية على البريد وتلقاه الناس إلى أثناء الطريق واحتفلوا للسلام عليه وتهنئته بالسلامة انتهى والله اعلم
*3* قتل الرافضي الخبيث
@ وفي يوم الخميس سابع عشره أول النهار وجد رجل بالجامع الاموي اسمه محمود بن إبراهيم الشيرازي وهو يسب الشيخين ويصرح بلعنتهما فرفع إلى القاضي المالكي قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي فاستتابه عن ذلك وأحضر الضراب فأول ضربة قال لا إله إلا الله على ولي الله ولما ضرب الثانية لعن أبا بكر وعمر فالتهمه العامة فأوسعوه ضربا مبرحا بحيث كاد يهلك فجعل القاضي يستكفهم عنه فلم يستطع ذلك فجعل الرافضي يسب ويعلن الصحابة وقال كانوا على الضلال فعند ذلك حمل إلى نائب السلطنة وشهد عليه قوله بأنهم كانوا على الضلالة فعند ذلك حكم عليه القاضي باراقاة دمه فأخذ إلى ظهر البلد فضربت عنقه وأحرقته العامة قبحه الله وكان ممن يقرأ بمدرسة أبي عمر ثم ظهر عليه الرفض فسجنه الحنبلي أربعين يوما فلم ينفع ذلك وما زال يصرح في كل موطن يأمر فيه بالسب حتى كان يومه هذا أظهر مذهبه في الجامع وكان سبب قتله قبحه الله كما قبح من كان قبله وقتل بقتله في سنة خمس وخسمين
*3* استنابه ولي الدين ابن أبي البقاء السبكي
@ وفي آخر هذا اليوم أعني يوم الخميس ثامن عشره حكم أقضي القضاة ولي الدين بن قاضي القضاة بهاء الدين بن أبي البقاء بالمدرسة العادلية الكبيرة نيابة عن قاضي القضاة تاج الدين مع استنابة أقضى القضاة شمس الدين العزي وأقضى القضاة بدر الدين بن وهيبة وأما قاضى القضاة بدر الدين بن أبي الفتح فهو نائب أيضا ولكنه بتوقيع شريف أنه يحكم مستقلا مع قاضي القضاة تاج الدين
وفي يوم الاثنين الثاني والعشرين منه استحضر نائب السلطنة الامير ناصر الدين بن العاوي متولي البلد ونقم عليه أشياء وأمر بضربه فضرب بين يديه على أكتافه ضربا ليس بمبرح ثم عزله واستدعى بالأمير علم الدين سليمان أحد الأمراء العشراوات ابن الأمير صفي الدين بن أبي القاسم البصراوي أحد أمراء الطبلخانات كان قد ولي شد الدواوين ونظر القدس والخليل وغير ذلك من الولايات الكبار وهو ابن الشيخ فخر الدين عثمان بن الشيخ صفي الدين ابي القاء التميمي الحنفي وبأيديهم تدريس الامينية التي ببصرى والحكيمية ازيد من مائة سنة فولاه ابلد على تكره منه فألزمه بها وخلع عليه وقد كان وليها قبل ذلك فأحسن السيرة وشكر سعيه لديانته وأمانته وعفته وفرح الناس ولله الحمد
*3* ولاية قاضي القضاة بهاء الدين السبكي قضاء مصر بعد عزل عز الدين بن جماعة نفسه
@ ورد الخبر مع البريد من الديار المصرية بأن قاضي القضاة عز الدين عبدالعزيز ابن قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة عزل نفسه عن القضاء يوم الاثنين السادس عشر من هذا الشهر وصمم على ذلك فبعث الامير الكبير يلبغا اليه الأمراء يسترضونه فلم يقبل فركب اليه بنفسه ومع القضاة والاعيان فتلطفوا به فلم يقبل وصمم على الانعزال فقال له الامير الكبير فعين لنا من يصلح بعدك قال ولا أقول لكم شيئا غير انه لا يتولى رجل واحد ثم ولوا من شئتم فأخبرني قاضي القضاة تاج الدين السبكي أنه قال لا تولوا ابن عقيل فعين الامير الكبير قاضي القضاة بهاء الدين ابا البقاء فقيل إنه أظهر الامتناع ثم قبل ولبس الخلعة وباشر يوم الاثنين الثالث والعشرين من جمادي الاخرة قاضي القضاة الشيخ بهاء الدين بن قاضي القضاة تقي الدين السبكي قضاء العساكر الذي كان بيد أبي البقاء
وفي يوم الاثنين سابع رجب توفي الشيخ علي المراوحي خادم الشيخ أسد المرواحي البغدادي وكان فيه مروءة كثيرة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدخل على النواب ويرسل إلى الولاة فتقبل رسالته وله قبول عند الناس وفيه بر وصدقة وإحسان إلى المحاويج وبيده مال جيد يتجرله فيه تعلل مدة طويله ثم كانت وفاته في هذا اليوم فصلى عليه الظهر بالجامع ثم حمل إلى سفح قاسيون رحمه الله
وفي صبيحة يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شعبان قدم الامير سيف الدين بيدمر الذي كان نائب الشام فنزل بداره عند مأذنة فيروز وذهب الناس للسلام عليه بعد ما سلم على نائب السلطنة بدار السعادة وقد رسم له بطبلخانتين وتقدمة ألف وولاية الولاة من غزة إلى أقصى بلاد الشام وأكرمه ملك الامراء إكراما زائدا وفرحت العامة بذلك فرحا شديدا بعوده إلى الولاية وختمت البخاريات بالجامع الاموي وغيره في عدة أماكن من ذلك ستة مواعيد تقرأ على الشيخ عماد الدين ابن كثير في اليوم أولها بمسجد ابن هشام بكرة قبل طلوع الشمس ثم تحت النسر ثم بالمدرسة النورية وبعد الظهر بجامع تنكز ثم بالمدرسة العزية ثم بالكوشك لأم الزوجة الست أسماء بنت الوزير ابن السلعوس إلى اذان العصر ثم من بعد العصر بدار ملك الأمراء أمير علي بمحلة القضاعين إلى قريب الغروب ويقرأ صحيح مسلم بحراب الحنابلة داخل باب الزيارة بعد قبة النسر وقبل النورية والله المسئول وهو المعين الميسر المسهل وقد قرئ في هذه الهيئة في عدة أماكن اخر من دور الامراء وغيرهم ولم يعهد مثل هذا في السنين الماضية فلله الحمد والمنة

وفي يوم الثلاثاء عاشر شوال توفي الشيخ نور الدين على من أبي الهيجاء الكركي الشوبكي ثم الدمشقي الشافعي كان معنا في المقري والكتاب وختمت أنا وهو في سنة إحدى عشرة ونشأ في صيانة وعفاف وقرأ على الشيخ بدر الدين بن شيحان للسبع ولم يكمل عليه ختمة واشتغل في المنهاج للنواوي فقرأ كثيرا منه أو أكثر وكان ينقل منه ويستحضر وكان خفيف الروح تحبه الناس لذلك ويرغبون في عشرته لذلك رحمه الله كان يستحضر المتشابه في القرآن استحضارا حسنا متقنا كثيرا التلاوة له حسن الصلاة يقوم الليل وقرأ على صحيح البخاري بمشهد ابن هشام عدة سنين ومهر فيه وكان صوته جهوريا فصيح العبارة ثم ولى مشيخة الحلبية بالجامع وقرأ في عدة كراسي بالحائط الشمالي وكان مقبولا عند الخاصة والعامة وكان يداوم على قيام الشعر الاخير في محراب الصحابة مع عدة قراء يبتون فيه ويبيتون الليل ولما كان في هذه السنة أحيا ليلة العيد وحده بالمحراب المذكور ثم مرض خمسة أيام ثم مات بعد الظهر يوم الثلاثاء عاشر شوال بدرب العميد وصلى عليه العصر بالجامع الاموي ودفن بمقابر الباب الصغير عنده والده في تربة لهم وكانت جنازته حافلة وتأسف الناس عليه رحمه الله وبل بالرحمة ثراه وقد قارب خمسا وستين سنة وترك بنتا سباعية اسمها عائشة وقد أقرأها شيئا من القرآن إلى تبارك وحفظها الابعين النواوية جبرها ربها ورحم أباها آمين
وخرج المحمل الشامي والحجيج يوم الخميس ثاني عشرة وأمرهم الأمير علاء الدين علي بن علم الدين الهلالي أحد أمراء الطبلخانات
وتوفي الشيخ عبد الله الملطي يوم السبت رابع عشرة وكان مشهورا بالمجاورة بالكلاسة في الجامع الاموي له اشياء كثيرة من الطراريح والالات الفقرية ويلبس على طريقة الحريرية وشكله مزعج ومن الناس من كان يعتقد فيه الصلاح وكنت ممن يكرهه طبعا وشرعا أيضا
وفي يوم الخميس الخامس والعشرين من ذي القعدة قدم البريد من ناحية المشرق ومعهم قماقم ماء من عين هناك من خاصيته انه يتبعه طير يسمى السمرمر أصفر الريش قريب من شكل الخطاف من شأنه إذا قدم الجراد إلى البلد الذي هو فيه أنه يفنيه ويأكله أكلا سريعا فلا يلبث الجراد إلا قليلا حتى يرحل أو يؤكل على ما ذكر ولم أشاهد ذلك
وفي المنتصف من ذي الحجة كمل بناء القيسارية التي كانت معملا بالقرب من دار الحجارة قبلي سوق الدهشة الذي للرجال وفتحت وأكريت دهشة لقماش النساء وذلك كله بمرسوم ملك الأمراء ناظر الجامع المعمور رحمه الله وأخبرني الصدر عز الدين الصيرفي المشارف بالجامع أنه غرم عليها من مال الجامع قريب ثلاثين ألف درهم انتهى
*3* طرح مكس القطن المغزول البلدي والمجلوب
@ وفي أواخر هذا الشهر جاء المرسوم الشريف بطرح مكس القطن المغزول البلدي والجلب أيضا ونودي بذلك في البلد فكثرت الدعوات لمن أمر بذلك وفرح المسلمون بذلك فرحا شديدا ولله الحمد والمنة
*2* ثم دخلت سنة سبع وستين وسبعمائة
@ استهلت وسلطان البلاد المصرية والشامية والحرمين الشريفين وما يتبع ذلك من الاقاليم الملك الأشرف بن الحسين بن الملك الناصر محمد بن قلاوون وعمره عشر سنين فما فوقها وأتابك العساكر ومدبر ممالكه الامير سيف الدين يلبغا الخاصكي وقاضي قضاة الشافعية بمصر بهاء الدين أبو البقاء السبكي وبقية القضاة هم المذكورون في السنة الماضية ونائب دمشق الامير سيف الدين منكلي بغا وقضاة دمشق هم المذكورون في التي قبلها سوى الحنفي فإنه الشيخ جمال الدين بن السراج شيخ الحنفية والخطابة بيد قاضي القضاة تاج الدين الشافعي وكاتب السر وشيخ الشيوخ القاضي فتح الدين بن الشهيد ووكيل بيت المال الشيخ جمال الدين بن الرهاوي ودخل المحمل السلطاني يوم الجمعة بعد العصر قريب الغروب ولم يشعر بذل أكثر أهل البلد وذلك لغيبة النائب في السرحة مما يلي ناحية الفرات ليكون كالرد للتجريدة التي تعينت لتخريب الكبيسات اليت هي إقطاع خيار بن مهنا من زمن السلطان اويس ملك العراق انتهى
*3* استيلاء الفرنج لعنهم الله على الاسكندرية
@ وفي العشر الاخير من شهر الله المحرم احتيط على الفرنج بمدينة دمشق واودعوا في الحبوس في القلعة المنصورة واشتهر أن سبب ذلك أن مدينة الاسكندرية محاصرة بعدة شواين وذكر أن صاحب قبرص معهم وأن الجيش المصري صمدوا إلى حراسة مدينة الاسكندرية حرسها الله تعالى وصانها وحماها وسيأتي تفصيل أمرها في الشهر الاتي فإنه وضح لنا فيه ومكث القوم بعد الاسكندرية بأيام فيما بلغنا بعد ذلك حاصرها أمير من التتار يقال له مامية واستعان بطائفة من الفرنج ففتحوها قسرا وقتلوا من اهلها خلقا وغنموا شيئا كثيرا واستقرت عليها يدمامية ملكا عليها
وفي يوم الجمعة سلخ هذا الشهر توفي الشيخ برهان الدين إبراهيم بن الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية ببستانه بالمزة ونقل إلى عند والده بمقابر باب الصغير فصلى عليه بعد صلاة العصر بجامع جراح وحضر جنازته القضاة والاعيان وخلق من التجار والعامة وكانت جنازته حافلة وقد بلغ من العمر ثمانيا وأربعين سنة وكان بارعا فاضلا في النحو والفقه وفنون أخر على طريقة والده رحمهما الله تعالى وكان مدرسا بالصدرية والتدمرية وله تصدير بالجامع وخطابة بجامع ابن صلحان وترك مالا جزيلا يقارب المائة ألف درهم انتهى
ثم دخل شهر صفر وأوله الجمعة أخبرني بعض علماء السير أنه اجتمع في هذا اليوم يوم الجمعة مستهل هذا الشهر الكواكب السبعة سوى المريخ في برجا العقرب ولم يتفق مثل هذا من سنين متطاولة فأما المريخ فإنه كان قد سبق إلى برج القوس فيه ووردت الاخبار بما وقع من الأمر الفظيع بمدينة الاسكندرية من الفرنج لعنهم الله وذلك أنهم وصلو اليها في يوم الاربعاء الثاني والعشرين من شهر الله المحرم فلم يجدوا بها نائبا ولا جيشا ولا حافظا للبحر ولا ناصرا فدخلوها يوم الجمعة بكرة النهار بعد ما حرقوا أبوابا كبيرة منها وعاثوا في أهلها فسادا يقتلون الرجال ويأخذون الأموال ويأسرون النساء والاطفال فالحكم لله العلي الكبير المتعال واقاموا بها يوم الجمعة والسبت والاحد والاثنين والثلاثاء فلما كان صبيحة يوم الاربعاء قدم الشاليش المصري فأقلعت الفرنج لعنهم الله عنها وقد أسروا خلقا كثيرا يقاومون الاربعة آلاف واخذوا من الاموال ذهبا وحريرا وبهارا وغير ذلك مالا يحد ولا يوصف وقدم السلطان والأمير الكبير يلبغا ظهر يومئذ وقد تفارط الحال وتحولت الغنائم كلها إلى الشوائن بالبحر فسمع للأسارى من للعويل والبكاء والشكوى والجأر إلى الله والاستغاثة به وبالمسلمين ما قطع الاكباد وذرفت له العيون واصم الاسماع فإنا لله وإنا اليه راجعون ولما بغلت الاخبار إلى أهل دمشق شق عليهم ذلك جدا وذكر ذلك الخطيب يوم الجمعة على المنبر فتباكى الناس كثيرا فإنا لله وإنا اليه راجعون وجاء المرسوم الشريف من الديار المصرية إلى
نائب السلطنة بمسك النصارى من الشام جملة واحدة وأن يأخذ منهم ربع أموالهم لعمارة ما خرب من الاسكندرية ولعمارة مراكب تغزو الفرنج فأهانوا النصارى وطلبوا من بيوتهم بعنف وخافوا أن يقتلوا ولم يفهموا ما يراد بهم فهربوا كل مهرب ولم تكن هذه الحركة شرعية ولا يجوز اعتمادها شعا وقد طلبت يوم السبت السادس عشر من صفر إلى الميدان الاخضر للاجتماع بنائب السلطنة وكان اجتمعنا بعد العصر يومئذ بعد الفراغ من لعب الكرة فرأيت منه أنسا كثيرا ورأيته كامل الرأي والفهم حسن العبارة كريم المجالسة فذكرت له أن هذا لا يجوز اعتماده في النصارى فقال إن بعض فقهاء مصر أفتى للأمير الكبير بذلك فقلت له هذا مما لايسوغ شرعا ولا يجوز لأحد أن بفتي بهذا ومتى كانوا باقين على الذمة يؤدون إلينا الجزية ملتزمين بالذلة والصغار وأحكام الملة قائمة لا يجوز أن يؤخذ منهم الدرهم الواحد الفرد فوق ما يبذلونه من الجزية ومثل هذا لايخفى على الامير فقال كيف أصنع وقد ورد المرسوم بذلك ولا يمكنني أن أخالفه وذكرت له اشياء كثيرة مما ينبغي اعتماده في حق أهل قبرص من الارهاب ووعيد العقاب وأنه يجوز ذلك وإن لم يفعل ما يتوعدهم به كما قال سليمان بن داود عليهما السلام ائتوني بالسكين أشقه نصفين كما هو الحديث مبسوط في الصحيحين فجعل يعجبه هذا جدا وذكر أن هذا كان في قلبه وأني كاشفته بهذا وأنه كتب به مطالعة إلى الديار المصرية وسيأتي جوابها بعد عشرة أيام فتجيء حتى تقف على الجواب وظهر منه إحسان وقبول وإكرام زائد رحمه الله ثم اجتمعت به في دار السعادة في أوائل شهر ربيع الاول فبشرني أنه قد رسم بعمل الشواني والمراكب لغزو الفرنج ولله الحمد والمنة ثم في صبيحة يوم الاحد طلب النصارى الذين اجتمعوا في كنيستهم إلى بين يديه وهم قريب من أربعمائة فحلفهم كم أموالهم وألزمهم بأداء الربع من أموالهم فإنا لله وانا اليه راجعون وقد امروا إلى الولاة باحضار من في معالمتهم ووالي البر قد خرج إلى القرايا بسبب لك وجردت امراء إلى النواحي لاستخلاص الاموال من النصارى في القدس وغير ذلك
وفي أول شهر ربيع الاول كان سفر قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي إلى القاهرة وفي يوم الاربعاء خامس ربيع الاول اجتمعت بنائب السلطنة بدار السعادة وسألته عن جواب المطالعة فذكر لي أنه جاء المرسوم الشريف السلطاني بعمل الشواني والمراكب لغزو قبرص وقتال الفرنج ولله الحمد والمنة وأمر نائب السلطنة بتجهيز القطاعين والنشارين من دمشق إلى الغابة التي بالقرب من بيروت وأن يشرع في عمل الشواني في آخر يوم من هذا الشهر وهو يوم الجمعة وفتحت دار القرآن التي وقفها الشريف التعاداني إلى جانب حمام الكاس شمالي المدرسة البادرائية وعمل فيها وظيفة حديث وحضر واقفها يومية قاضي القضاة تاج الدين السبكي انتهى والله أعلم
*3* عقد مجلس بسبب قاضي القضاة تاج الدين السبكي
@ ولما كان يوم الاثنين الرابع والعشرين من ربيع الاول عقد مجلس حافل بدار السعادة بسبب ما رمى به قاضي القضاة تاج الدين الشافعي ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي وكنت ممن طلب اليه فحضرته فيمن حضر وقد اجتمع فيه القضاة الثلاثة وخلق من المذاهب الاربعة وآخرون من غيرهم بحضرة نائب الشام سيف الدين منكلي بغا وكان قد سافر هو إلى الديار المصرية إلى الابواب الشريفة واستنجز كتابا إلى نائب السلطنة لجمع هذا المجلس ليسأل عنه الناس وكان قد كتب فيه محضران متعاكسان احدهما له والاخر عليه وفي الذي عليه خط القاضيين المالكي والحنبلي وجماعة آخرين وفيه عظائم واشياء منكرة جدا ينبو السمع عن استماعه وفي الاخر خطوط جماعات من المذاهب بالثناء عيه وفيه خطى باني ما رأيت فيه إلا خيرا ولما اجتمعوا أمر نائب السلطنة بأن يمتاز هؤلاء عن هؤلاء في المجالس فصارت كل طائفة وحدها وتحاذوا فيما بينهم وتأصل عنه نائبه القاضي شمس الدين الغزي والنائب الآخر بدر الدين بن وهبة وغيرهما وصرح قاضي القضاة جمال الدين الحنبلي بأنه قد ثبت عنده ما كتب به خطه فيه وأجابه بعض الحاضرين منهم بدائم النفوذ فبادر القاضي الغزي فقال للحنبلي أنت قد ثبتت عداوتك لقاضي القضاة تاج الدين فكثر القول وارتفعت الأصوات وكثر الجدال والمقال وتكلم قاضي القضاة جمال الدين المالكي أيضا بنحو ما قال الحنبلي فأجيب بمثل ذلك أيضا وطال المجلس فانفصلوا عل مثل ذلك ولما بلغت الباب امر نائب السلطنة برجوعي إليه فإذا بقية الناس من الطرفين والقضاة الثلاثة جلوس فأشار نائب السلطنة بالصلح بينهم وبين قاضي القضاة تاج الدين يعني وأن يرجع القاضيان عما قالا فأشار الشيخ شرف الدين بن قاضي الجبل وأشرت أنا أيضا بذلك فلان المالكي وامتنع الحنبلي فقمنا والأمر باق على ما تقدم ثم اجتمعنا يوم الجمعة بعدا لعصر عند نائب السلطنة عن طلبه فتراضوا كيف يكون جواب الكتابات مع مطالعة نائب السلطنة ففعل ذلك وسار البريد بذلك إلى الديار المصرية ثم اجتمعنا أيضا يوم الجمعة بعد الصلاة التاسع عشر من ربيع الآخر بدار السعادة وحضر القضاة الثلاثة وجماعة آخرون واجتهد نائب السلطنة على الصلح بين القضاة وقاضي الشافعية وهو بمصر فحصل خلف وكلام طويل ثم كان الأمر أن سكنت أنفس جماعة منهم إلى ذلك على ما سنذكره في الشهر الاتي
وفي مستهل ربيع الآخر كانت وفاة المعلم داود الذي كان مباشرا لنظارة الجيش وأضيف اليه نظر الدواوين إلى آخر وقت فاجتمع له هاتان الوظيفتان ولم يجتمعا لأحد قبله كما في علمي وكان من أخبر الناس بنظر الجيش وأعلمهم بأسماء رجاله ومواضع الاقطاعات وقد كان والده نائبا لنظار الجيوش وكان يهوديا قرائيا فأسلم ولده هذا قبل وفاة نفسه بسنوات عشر او نحوها وقد كان ظاهره جيدا والله أعلم بسره وسريرته وقد تمرض قبل وفاته بشهر أو نحوه حتى كانت وفاته في هذا اليوم فصلى عليه بالجامع الأموي تجاه النسر بعد الصعر ثم حمل إلى تربة له أعدها في بستانه بحوش وله من العمر قريب الخمسين
وفي أوائل هذا الشهر ورد المسروم الشريف السلطاني بالرد على نساء النصارى ما كان أخذ منهن مع الجباية التي كان تقدم اخذها منهن وإن كان الجميع ظلما ولكن الأخذ من النساء أفحش وأبلغ في الظلم والله اعلم وفي يوم الاثنين الخامس عشر منه أمر نائب السلطنة أعزه الله بكبس بساتين أهل الذمة فوجد فيها من الخمر المعتصر من الخوابي والحباب فأريقت عن آخرها ولله الحمد والمنة بحيث جرت في الازقة والطرقات وفاض نهر توزا من ذلك وأمر بمصادرة أهل الذمة الذين وجد عندهم ذلك بمال جزيل وهم تحت الجباية وبعد ايام نودي في البلد بان نساء أهل الذمة لا تدخل الحمامت مع المسلمات بل تدخل حمامات تختص بهن ومن دخل من أهل الذمة الرجال مع الرجال المسلمين يكون في رقاب الكفار علامات يعرفون بها من أجراس وخواتيم ونحو ذلك وأمر نساء أهل الذمة بأن تلبس المرأة خفيها مخالفين في اللون بأن يكون احدهما أبيض والاخر أصفر أو نحو ذلك
ولما كان يوم الجمعة التاسع عشر من الشهر أعني ربيع الاخر طلب القضاة الثلاثة وجماعة من المفتيين فمن ناحية الشافعي نائباه وهما القاضي شمس الدين الغزي والقاضي بدر الدين بن وهبة والشيخ جمال الدين بن قاضي الزبداني والمصنف الشيخ عماد الدين بن كثير والشيخ بدر الدين حسن الزرعي والشيخ تقي الدين الفارقي ومن الجانب الآخر قاضيا القضاة جمال الدين المالكي والحنبلي والشيخ شرف الدين بن قاضي الجبل الحنبلي والشيخ جمال الدين ابن الشريشني والشيخ عز الدين بن حمزة بن شيخ السلامية الحنبلي وعماد الدين الحنائي فاجتمعت مع نائب السلطنة بالقاعة التي في صدر إيوان دار السعادة وجلس نائب السلطنة في صدر المكان وجلسنا حوله فكان أول ما قال كنا نحن الترك وغيرنا إذا اختلفنا واختصمنا نجيء بالعلماء فيصلحون بيننا فصرنا نحن إذا اختلفت العلماء واختصموا فيمن يصلح بينهم وشرع في تأنيب من شنع على الشافعي بما تقدم ذكره من تلك الاقوال والافاعيل التي كتبت في تلك الاوراق وغير وأن هذا يشفي الأعداء بنا واشار بالصلح بين القضاة بعضهم من بضع فصمم بعضهم وامتنع وجرت مناقشات من بعض الحاضرين فيما بينهم ثم حصل بحث في مسائل ثم قال نائب السلطنة أخيرا أما سمعتم قول الله تعالى عفا الله عما سلف فلانت القلوب عند ذلك وأمر كاتب السر أن يكتب مضمون ذلك في مطالعة إلى الديار المصرية ثم خرجنا على ذلك انتهى والله اعلم
*3* عودة قاضي القضاة السبكي إلى دمشق
@ في يوم الاربعاء التاسع والعشرين من جمادي الاولى قدم من ناحية الكسوة وقد تلقاه جماعةمن الاعيان إلى الصمين وما فوقها فلما وصل إلى الكسوة كثر الناس جدا وقاربها قاضي قضاة الحنفية الشيخ جمال الدين بن السراج فلما أشرف من عقبة شحورا تلقاه خلائق لا يحصون كثرة واشعلت الشموع حتى مع النساء والناس في سرور عظيم فلما كان قريبا من الجسورة تلقته الخلائق الخليفيين مع الجوامع والمؤذنون يكبرون والناس في سرور عظيم ولما قرب باب النصر وقع مطر عظيم والناس معه لا تسعهم الطرقات يدعون له ويفرحون بقدومه فدخل دار السعادة وسلم على نائب السلطنة ثم دخل الجامع بعد الصعر ومعه شموع كثيرة والرؤساء أكثر من العامة ولما كان يوم الجمعة ثاني شهر جمادي الاخرة ركب قاضي القضاة السبكي إلى دار السعادة وقد استدعى نائب السلطنة بالقاضيين المالكي والحنبلي فأصلح بينهم وخرج من عنده ثلاثتهم يتماشون إلى الجامع فدخلوا دار الخطابة فاجتمعوا هناك وضيفهما الشافعي ثم حضرا خطبته الحافلة البليغة الفصيحة ثم خرجوا ثلاثتهم من جوا إلى دار المالكي فاجتمعوا هنالك وضيفهم المالكي هنالك ما تيسر والله الموفق للصواب
وفي أوائل هذا الشهر وردت المراسيم الشريفة السلطانية من الديار المصرية بأن يجعل للأمير من إقطاعه النصف خاصا له وفي النصف الاخر يكون لأجناده فحصل بهذا رفق عظيم بالجند وعدل كثير ولله الحمد وأن يتجهز الاجناد ويحرصوا على السبق والرمي بالنشاب وأن يكونوا مستعدين متى استنفروا نفروا فاستعدوا لذلك وتأهبوا لقتال الفرنج كما قال الله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم الاية وثبت في الحديث أن رسول الله
ص قال على المنبر ألا إن القوة الرمي وفي الحديث الاخر ارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلي
وفي يوم الاثنين بعد الظهر عقد مجلس بدار السعادة للكشف على قاضي القضاة جمال الدين المرداوي الحنبلي بمقتضى مرسوم شريف ورد من الديار المصرية بذلك وذلك بسبب ما يعتمده كثير من شهود مجلسه من بيع اوقاف لم يستوف فيها شرائط المذهب وإثبات إعسارات أيضا كذلك وغير ذلك انتهى
*3* الوقعة بين الامراء بالديار المصرية
@ وفي العشر الأخير من جمادي الاخرة ورد الخبر بأن الأمير الكبير يلبغا الخاصكي خرج عليه جماعة من الامراء مع الامير سيف الدين طيبغا الطويل فبرز اليهم إلى قبة القصر فالقتوا معه هنالك فقتل جماعة وجرح آخرين وانفصل الحال على مسك طيبغا الطويل وهو جريح ومسك أرغون السعردي الدويدار وخلق من امراء الالوف والطبلخانات وجرت خبطة عظيمة استمر فيها الامير الكبير يلبغا على عزه وتأييده ونصره ولله الحمد والمنة وفي ثاني رجب يوم السبت توجه الأمير سيف الدين بيدمر الذي كان نائب دمشق إلى الديار المصرية بطلب الامير يلبغا ليؤكد أمره في دخول البحر لقتال الفرنج وفتح قبرص إن شاء الله انتهى والله تعالى أعلم
*3* مما يتعلق بأمر بغداد
@ اخبرني الشيخ عبد الرحمن البغدادي احد رؤساء بغداد وأصحاب التجارات والشيخ شهاب الدين العطار السمسار في الشرب بغدادي أيضا أن بغداد بعد أن استعادها اويس ملك العراق وخراسان من يد الطواشي مرجان واستحضره فأكرمه وأطلق له فاتفقا أن اصل الفتنة من الامير أحمد أخو الوزير فأحضره السلطان إلى بين يديه وضربه بسكين في كرشه فشقه وأمر بعض الامراء فقتله فانتصر أهل السنة لذلك نصرة عظيمة وأخذ خشبته أهل باب الازج فأحرقوه وسكنت الامور وتشفوا بمقتل الشيخ جمال الدين الانباري الذي قتله الوزير الرافضي فأهلكه الله بعده سريعا انتهى
*3* وفاة قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن حاتم الشافعي
@ وفي العشر الاول من شهر شعبان قدم كتاب من الديار المصرية بوفاة قاضي القضاة بدر الدين محمد ابن جماعة بمكة شرفها الله في العاشر من جمادي الآخرة ودفن في الحادي عشر في باب المعلى وذكروا أنه توفي وهو يقرأ القرآن وأخبرني صاحب الشيخ محيي الدين الرحبي حفظه الله تعالى أنه كان يقول كثيرا اشتهى أن اموت وأنا معزول وأن تكون وفاتي بأحذ الحرمين فأعطاه الله ما تمناه عزل نفسه في السنة الماضية وهاجر إلى مكة ثم قدم المدينة لزيارة رسول الله
ص ثم عاد إلى مكة وكانت وفاته بها في الوقت المذكور فرحمه الله وبل بالرحمة ثراه وقد كان مولده في سنة أربع وتسعين فتوفي عن ثلاث وسبعين سنة وقد نال العز عزا في الدنيا ورفعة هائلة ومناصب وتداريس كبار ثم عزل نفسه وتفرغ للعبادة والمجاورة بالحرمين الشريفين فيقال له ما قلته في بعض المراثي
فكأنك قد اعلمت بالموت حتى تزودت له من خيار الزاد
وحضر عندي في يوم الثلاثاء تاسع شوال البترك بشارة الملقب بميخائيل وأخبرني أن المطارنة بالشام بايعوه على أن جعلوه بتركا بدمشق عوضا عن البترك بانطاكية فذكرت له أن هذا أمر مبتدع في دنيهم فإنه لا تكون البتاركة إلا أربعة بالاسكندرية وبالقدس وبانطاكية وبرومية فنقل بترك رومية إلى اسطنبول وهي القسطنطينية وقد انكر عليهم كثير منهم إذ ذاك فهذا الذي ابتدعوه في هذا الوقت أعظم من ذلك لكن اعتذر بأنه في الحقيقة هو عن إنطاكية وإنما اذن له في المقام بالشام الشريف لأجل أنه أمره نائب السلطنة ان يكتب عنه وعن أهل ملتهم إلى صاحب قبرص يذكر له ما حل بهم من الخزي والنكال والجناية بسبب عدوان صاحب قبرص على مدينة الاسكندرية وأحضر لي الكتب اليه وإلى ملك اسطنبول وقرأها على من لفظه لعنه الله ولعن المكتوب إليهم أيضا وقد تكلمت معه في دينهم ونصوص ما يعتقده كل من الطوائف الثلاثة وهم الملكية واليعقوبية ومنهم الافرنج القبط والنسطورية فإذا هو يفهم بعض الشيء ولكن حاصله أنه حمار من أكفر الكفار لعنه الله
وفي هذا الشهر بلغنا استعادة السلطان أويس ابن الشيخ حسن ملك العراق وخراسان لبغداد من يد الطواشي مرجان الذي كان نائبه عليهما وامتنع من طاعة أويس فجاء إليه في جحافل كثيرة فهرب مرجان ودخل أويس إلى بغداد دخولا هائلا وكان يوما مشهودا
وفي يوم السبت السابع والعشرين من شعبان قدم الأمير سيف الدين بيدمر من الديار المصرية على البريد أمير مائة مقدم ألف وعلى نيابة يلبغا في جميع دواوينه بدمشق وغيرها وعلى إمارة البحر وعمل المراكب فلما قدم أمر بجمع جميع النشارين والنجارين والحدادين وتجهزيهم لبيروت لقطع الاخشاب فسيروا يوم الأربعاء ثاني رمضان وهو عازم على اللحاق بهم إلى هنالك وبالله المستعان ثم اتبعوا بآخرين من نجارين وحدادين وعتالين وغير ذلك وجعلوا كل من وجدوه من ركاب الحمير ينزلونه ويركبوا إلى ناحية البقاع وسخروا لهم من الصناع وغيرهم وجرت خطبة عظيمة وتباكى عوائلهم وأطفالهم ولم يسلفوا شيئا من أجورهم وكان من اللائق أن يسلفوه حتى يتركوه إلى أولادهم
وخطب برهان الدين المقدسي الحنفي بجامع يلبغا عن تقي الدين ابن قاضي القضاة شرف الدين الكفري بمرسوم شريف ومرسوم نائب صفد استدمر أخي يلبغا وشق ذلك عليه وعلى جده وجماعتهم وذلك يوم الجمعة الرابع من رمضان هذا وحضر عنده خلق كثير
وفي يوم الخميس الرابع والعشرين منه قرئ تقليد قاضي القضاة شرف الدين بن قاضي الجبل لقضاء الحنابلة عوضا عن قاضي القضاة جمال الدين المرداوي عزل هو والمالكي معه أيضا بسبب أمور تقدم نسبتها لهما وقرئ التقليد بمحراب الحنابلة وحضر عنده الشافعي والحنفي وكان المالكي معتكفا بالقاعة من المنارة الغربية فلم يخرج اليهم لأنه معزول أيضا برأي قاضي حماة وقد وقعت شرور وتخبيط بالصالحية وغيرها
وفي صبيحة يوم الاربعاء الثلاثين من شهر رمضان خلع على قاضي القضاة سرى الدين إسماعيل المالكي قدم من حماة علي قضاء المالكية عوضا عن قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي عزل عن المنصب وقرئ تقليده بمقصروة المالكية من الجامع وحضر عنده القضاة والاعيان
وفي صبيحة يوم الاربعاء سابع شوال قدم الامير خيار بن مهنا إلى دمشق سامعا مطيعا بعد ان جرت بينه وبين الجيوش حروب متطاولة كل ذلك ليطأ البساط فأبى خوفا من المسك والحبس او القتل فبعد ذلك كله قدم هذا اليوم قاصدا الديار المصرية ليصطلح مع الأمير الكبير يلبغا فتلقاه الحجبة والمهمندارية والخلق وخرج الناس للفرجة فنزل القصر الابلق وقدم معه نائب حماة عمر شاه فنزل معه وخرج معه ثاني يوم الى الديار المصرية وأقرأني القاضي ولي الدين عبد الله وكيل بيت المال كتاب والده قاضي القضاة بهاء الدين ابن ابي البقاء قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية أن الأمير الكبير جدد درسا بجامع ابن طولون فيه سبعة مدرسين للحنفية وجعل لك فقيه منهم في الشهر أربعين درهما واردب قمح وذكر فيه أن جماعة من غير الحنفية انتقلوا إلى مذهب ابي حنيفة لينزلوا في هذا الدرس
*3* درس التفسر بالجامع الاموي
@ وفي صبيحة يوم الاربعاء الثامن والعشرين من شوال سنة سبع وستين وسبعمائة حضر الشيخ العلامة الشيخ عماد الدين بن كثير درس التفسير الذي أنشأه ملك الأمراء نائب السلطنة الامير سيف الدين منكلي بغا رحمه الله تعالى من أوقاف الجامع الذي جددها في حال نظره عليه أثابه الله وجعل من الطلبة سائر المذاهب خمسة عشر طالبا لكل طالب في الشهر عشرة دراهم وللمعيد عشرون ولكاتب الغيبة عشرون وللمدرس ثمانون وتصدق حين دعوته لحضور الدرس فحضر واجتمع القضاة والأعيان وأخذ في أول تفسير الفاتحة وكان يوما مشهودا ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعفة انتهى قضاة الحنابلة الشيخ شرف الدين احمد بن الحسن بن قاضي الجبل المقدسي وناظر الدواوين سعد الدين بن التاج إسحاق وكاتب السر فتح الدين بن الشيهد وهو شيخ الشيوخ أيضا وناظر الجيوش الشامية برهان الدين بن الحلي ووكيل بيت المال القاضي ولي الدين بن قاضي القضاة بهاء الدين ابي البقاء انتهى
*3* سفر نائب السلطنة إلى الديار المصرية
@ لما كانت ليلة الحادي والعشرين قدم طشتمر دويدار يلبغا على البريد فنزل بدار السعادة ثم ركب هو ونائب السلطنة بعد العشاء الاخيرة في المشاعل والحجبة بين أيديهما والخلائق بدعون لنائبهم واستمروا كذلك ذاهبين إلى الديار المصرية فأكرمه يلبغا وأنعم عليه وسأله أن يكون ببلاد حلب فأجابه إلى ذلك وعاد فنزل بدار سنجر الاسماعيلي وارتحل منها إلى حلب وقد اجتمعت به هنالك وتأسف الناس عليه وناب في الغيبة الامير سيف الدين زبالة إى ان قدم النائب المعز السيفي قشتمر عبدالغني على ما سيأتي وتوفي القاضي شمس الدين بن منصور الحنفي الذي كان نائب الحكم رحمه الله يوم السبت السادس والعشرين من المحرم ودفن بالباب الصغير وقد قارب الثمانين
وفي هذا اليوم او الذي بعده توفي القاضي شهاب الدين أحمد ابن الوزوازة ناظر الاوقاف بالصالحية وفي صبيحة يوم الجمعة ثالث صفر نودي في البلد أن لا يتخلف احد من أجناد الحلقة عن السفر إلى بيروت فاجتمع الناس لذلك فبادر الناس والجيش ملبسين إلى سطح المزة وخرج ملك الامراء أمير على كان نائب الشام من داره داخل باب الجابية في جماعته ملبسين في هيئة حسن وتجمل هائل وولده الامير ناصر الدين محمد وطلبه معه وقد جاء نائب الغيبة والحجبة إلى بين يديه إلى وطاقه وشارووه في الامر فقال ليس لي ها هنا أمر ولكن إذا حضر الحرب والقتال فلى هناك أمر وخرج خلق من الناس متبرعين وخطب قاضي القضاة تاج الدين الشافعي بالناس يوم الجمعة على العادة وحرض الناس على الجهاد وقد ألبس جماعة من غلمانه اللأمة والخوذ وهو على عزم المسير مع الناس إلى بيروت ولله الحمد والمنة ولما كان من آخر النهار رجع الناس إلى منازلهم وقد ورد الخبر بأن المراكب التي رؤيت في البحر إنما هي مراكب تجار لا مراكب قتال فطابت قلوب الناس ولكن ظهر منهم استعداد عظيم ولله الحمد
وفي ليلة الاحد خامس صفر قدم بالأمير سيف الدين شرشي الذي كان إلى آخر وقت نائب حلب محتاطا عليه بعدالعشاء الآخرة إلى دار السعادة بدمشق فسير معزولا عن حلب إلى طرابلس بطالا وبعث في سرجين صحبة الأمير علاء الدين بن صبح
وبلغنا وفاة الشيخ جمال الدين بن نابتة حامل لواء شعراء زمانه بديار مصر بمرستان الملك المنصور قلاوون وذلك يوم الثلاثاء سابع صفر من هذه السنة رحمه الله تعالى وفي ليلة ثامنه هرب أهل حبس السد من سجنهم وخرج أكثرهم فأرسل الولاة صبيحة يومئذ في اثرهم فمسك كثير ممن هرب فضربوهم أشد الضرب وردوهم إلى شر المنقلب
وفي يوم الأربعاء خامس عشره نودي بالبلدان أن لا يعامل الفرنج بالبنادقة والحبوبة والكيتلان واجتمعت في آخر هذا اليوم بالأمير زين الدين زبالة نائب الغيبة النازل بدار الذهب فأخبرني أن البريدي أخبره أن صاحب قبرص رأى في النجوم أن قبرص مأخذوة فجهز مركبين من الاسرى الذي عنده من المسلمين إلى يلبغا ونادى في بلاده أن من كتم مسلما صغيرا أو كبيرا قتل وكان من عزمه أن لا لايبقى أحدا من الاسارى إلا أرسله
وفي آخر نهار الاربعاء خامس عشرة قدم من الديار المصرية قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي المالكي الذي كان قاضي المالكية فعزل في أواخر رمضان من العام الماضي فحج ثم قصد الديار المصرية فدخلها لعله يستغيث فلم يصادفه قبول فادعى عليه بعض الحجاب وحصل له ما يسوءه ثم خرج إلى الشام فجاء فنزل في التربة الكاملية شمالي الجامع ثم انتقل إلى منزل ابنته متمرضا والطلابات والدعاوي والمصالحات عنه كثيرة جدا فأحسن الله عاقبته
وفي يوم الاحد بعد العصر دخل الامير سيف الدين طيبغا الطويل من القدس الشريف إلى دمشق فنزل بالقصر الابلق ورحل بعد يومين أو ثلاثة إلى نيابة حماة حرسها الله بتقليد من الديار المصرية وجاءت الاخبار بتولية الامير سيف الدين منكلي بغا نيابة حلب عوضا عن نيابة دمشق وأنه حصل له من التشريف والتكريم والتشاريف بديار مصر شيء كثير ومال جزيل وخيول وأقمشة وتحف يشق حصرها وأنه قد استقر بدمشق الامير سيف الدين اقشتمر عبد الغني الذي كان حاجب الحجاب بمصر وعوض عنه في الحجوبية الامير علاء الدين طبغا أستاذ دار يلبغا وخلع على الثلاثة في يوم واحد وفي يوم الاحد حادي عشر ربيع الاول اشتهر في البلد قضية الفرنج أيضا بمدينة الاسكندرية وقدم بريدي من الديار المصرية بذلك واحتيط على من كان بدمشق من الفرنج وسجنوا بالقلعة وأخذت حواصلهم وأخبرني قاضي القضاة تاج الدين الشافعي يومئذ أن أصل ذلك أن سبعة مراكب من التجار من البنادقة من الفرنج قدموا إلى الاسكندرية فباعوا بها واشتروا وبلغ الخبر إلى الامير الكبير يلبغا أن مركبا من هذه السبعة إلى صاحب قبرص فأرسل إلى الفرنج يقول لهم أن يسلموا هذه المركب فامتنعوا من ذلك وبادروا إلىمراكبهم فأرسل في آثارهم ستة وشواني مشحونة بالمقاتلة فالتقوا هم والفرنج في البحر فقتل من الفريقين خلق ولكن من الفرنج أكثر وهربوا فارين بما معهم من البضائع فجاء الامير على الذي كان نائب دمشق أيضا في جيش مبارك ومعه ولده ومماليكه في تجمل هائل فرجع الامير علي واستمر نائب السلطة حتى وقف على بيروت ونظر في امرها وعاد سريعا وقد بلغني ان الفرنج جاؤا طرابلس غزاة وأخذوا مركبا للمسلمين من المينا وحرقوه والناس ينظرون ولا يستطيعون دفعهم ولا منعهم وأن الفرنج كروا راجعين وقد اسروا ثلاثة من المسلمين فإنا لله وإنا اليه راجعون انتهى والله أعلم
*3* مقتل يلبغا الامير الكبير
@ جاء الخبر بقتله الينا بدمشق في ليلة الاثنين السابع عشر من ربيع الاخر مع اسيرين جاءا على البريد من الديار المصرية فأخبرا بمقتله في يوم الاربعاء ثاني عشر هذا الشهر تمالأ عليه مماليكه حتى قتلوه يومئذ وتغيرت الدولة ومسك من أمراء الألوف والطبلخانات جماعة كثيرة واختبطت الامور جدا وجرت أحوال صعبة وقام بأعباء القضية الامير سيف الدين طيتمر النظامي وقوى جانب السلطان ورشد وفرح أكثر الامراء بمصر بما وقع وقدم نائب السلطنة إلى دمشق من بيروت فأمر بدق البشائر وزينت البلد ففعل ذلك وأطلقت الفرنج الذين كانوا بالقلعة المنصورة فلم يهن ذلك على الناس وهذا آخر ما وجد من التاريخ والحمد لله وحده وصلواته على نبينا محمد وآله


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس