الموضوع: فتوح الغيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-17-2011, 10:21 AM   رقم المشاركة : 96
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: فتوح الغيب


بسم الله الرحمن الرحيم


المقالة الثامنة والسبعون

فـي أهـل الـمـجـاهـدة و الـمـحـاســبـة و أولـى الـعـزم
و بـيـان خـصـالـهـم


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : لأهل المجاهدة و المحاسبة و أولى العزم عشر خصال جربوها، فإذا أقاموها و أحكموها بإذن الله تعال وصلوا إلى المنازل الشريفة :

( الأولـى ) أن لا يحلف بالله عزّ و جلّ صادقاً و لا كاذباً عامداً و لا ساهياً، لأنه إذا أحكم ذلك من نفسه و عود لسانه رفعه ذلك إلى ترك الحلف ساهياً و عامداً، فإذا اعتاد ذلك فتح الله له باب من أنواره يعرف منفعة ذلك في قلبه، و رفعه في درجة و قوة في عزمه و في صبره و الثناء عند الإخوان، و الكرامة عند الجيران حتى يهتم به من يعرفه و يهابه من يراه.

( الـثـانـيـة ) يجتنب الكذب لا هازلاً و لا جاداً، لأنه إذا فعل ذلك و أحكمه من نفسه و اعتاده لسانه شرح الله تعالى به صدره و صفا به علمه، كأنه لا يعرف الكذب، و إذا سمعه من غيره عاب ذلك عليه و عيره به في نفسه، و إن دعا له بزوال ذلك كان له ثواب.

( الـثـالـثـة ) أن يحذر أن يعد أحداً شيئاً فيخلفه، و يقطع العدة البتة فإنه أقوى لأمره و أقصد بطريقه، لأن الخلف من الكذب فإذا فعل ذلك فتح له باب السخاء و درجة الحياء و أعطى مودة في الصادقين و رفعة عند الله جل ثناؤه.

( الـرابـعـة ) أن يجتنب أن يلعن شيئاً من الخلق، أو يؤذى ذرة فما فوقها، لأنها من أخلاق الأبرار و الصديقين، و له عاقبة حسنة في حفظ الله تعالى في الدنيا مع ما يدخر له من الدرجات، و يستنقذ من مصارع الهلاك، و يسلمه من الخلق، و يرزقه رحمة العباد، و يقربه منه عزّ و جلّ.

( الـخـامـسـة ) أن يجتنب الدعاء على أحد من الخلق و إن ظلمه فلا يقطعه بلسانه، و لا يكافئه بقول و لا فعل، فإن هذه الخصلة ترفع صاحبها إلى الدرجات العلى. و إذا تأدب بها ينال منزلة شريفة في الدنيا و الآخرة، و المحبة و المودة في قلوب الخلق أجمعين من قريب و بعيد، و إجابة الدعوة و الغلوة في الخلق، و عز في الدنيا في قلوب المؤمنين.

( الـسـادسـة ) أن لا يقطع الشهادة على أحد من أهل القبلة بشرك و لا كفر و لا نفاق، فإنه أقرب للرحمة، و أعلى في الدرجة و هي تمام السنة، و أبعد عن الدخول في علم الله، و أبعد من مقت الله و أقرب إلى رضاء الله تعالى و رحمته، فإنه باب شريف كريم على الله تعالى يورث العبد الرحمة للخلق أجمعين.

( الـســابـعـة ) أن يجتنب النظر إلى المعاصي و يكف عنها جوارحه، فإن ذلك من أسرع الأعمال ثواباً في القلب و الجوارح في عاجل الدنيا، مع ما يدخره الله له من خير الآخرة. نسأل الله أن يمن علينا أجمعين و يعلمنا بهذه الخصال، و أن يخرج شهواتنا عن قلوبنا.

( الـثـامـنـة ) يجتنب أن يجعل على أحد من الخلق منه مؤنة صغيرة و لا كبيرة، بل يرفع مؤنته عن الخلق أجمعين مما أحتاج إليه و استغنى عنه، فإن ذلك تمام عزة العابدين و شرف المتقين، و به يقوى على الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، و يكون الخلق عنده أجمعين بمنزلة واحدة، فإذا كان كذلك نقله الله إلى الغناء و اليقين و الثقة به عزّ و جلّ، و لا يرفع أحداً سواه، و تكون الخلق عنده في الحق سواء، و يقطع بأن هذه الأسباب عز المؤمنين و شرف المتقين، و هو أقرب باب الإخلاص.

( الـتـاســعـة ) ينبغي له أن يقطع طعمه من الآدميين، و لا يطمع نفسه فيما في أديهم، فإنه العز الأكبر، و الغنى الخاص، و الملك العظيم، و الفخر الجليل، و اليقين الصافي، و التوكل الشافي الصريح و هو باب من أبواب الثقة بالله عزّ و جلّ، و هو باب من أبواب الزهد، و به ينال الورع و يكمل نسكه، و هو من علامات المنقطعين إلى الله عزّ و جلّ.

( الـعـاشــرة ) التواضع لأنه به يشيد محل العابد و تعلو منزلته، و يستكمل العز و الرفعة عند الله سبحانه و عند الخلق، و يقدر على ما يريد من أمر الدنيا و الآخرة و هذه الخصلة أصل الخصال و كلها و فرعها و كمالها، و بها يدرك العبد منازل الصالحين الراضين من الله تعالى في السراء و الضراء و هي كمال التقوى.

و الـتـواضـع : هو أن لا يلقى العبد أحداً من الناس إلا رأى له الفضل عليه، و يقول عسى أن يكون عند الله خيراً مني و أرفع درجة، فإن كان صغيراً قال هذا لم يعص الله تعالى و أنا قد عصيت فلا شك أنه خير مني، و إن كان كبيراً قال هذا عبد الله قبلي، و إن كان عالماً هذا أعطي ما لم أبلغ، و نال ما لم أنل، و علم ما جهلت، و هو يعمل بعلمه و إن كان جاهلاً قال هذا عصى الله بجهل و أنا عصيته بعلم، و لا أدرى بما يختم لي و بما يختم له، و إن كان كافراً قال لا أدرى عسى أن يسلم فيختم له بخير العمل، و عسى أن أكفر فيختم لي بسوء العمل، و هذا باب الشفقة و الوجل، و أولى ما يصحب و آخر ما يبقى على العباد، فإذا كان العبد كذلك سلمه الله تعالى من الغوائل، و بلغ به منازل النصيحة لله عزّ و جلّ و كان من أصفياء الرحمن و أحبائه، و كان من أعداء إبليس عدو الله لعنه الله و هو باب الرحمة ومع ذلك يكون قطع باب الكبر و جبال العجب، و رفض درجة العلو في نفسه في الدين و الدنيا و الآخرة، و هو مخ العبادة، و غاية شرف الزاهدين، و سيما الناسكين، فلا شئ منه فضل، و مع ذلك يقطع لسانه عن ذكر العالمين و ما لا يعنى، فلا يتم له عمل إلا به، و يخرج الغل و الكبر و البغي من قلبه في جميع أحواله، و كان لسانه في السر و العلانية واحداً، و مشيئته في السر و العلانية واحدة، و كلامه كذلك، و الخلق عنده في النصيحة واحد، و لا يكون من الناصحين، و هو يذكر أحداً من خلق الله بسوء أو يعيره بفعل، أو يحب أن يذكره عنده واحدا بسوء. و هذه آفة العابدين، و عطب النساك، و هلاك الزاهدين إلا من أعانه الله تعالى و حفظ لسانه و قلبه برحمته و فضله و إحسانه.


رد مع اقتباس