عرض مشاركة واحدة
قديم 03-29-2013, 08:21 PM   رقم المشاركة : 4
الكاتب

نداء البدوي

الاعضاء

نداء البدوي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








نداء البدوي غير متواجد حالياً


رد: مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة " الدكتور عبد المجيد عمر النجار

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أفاق : الاداره Cant See Links
مدخل إلى علم المقاصد (2/5)

د. فارس العزاوي
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/6/2009 ميلادي - 14/6/1430 هجري
زيارة: 8930

أهمية المقاصد:


تتجلى أهمية معرفة مقاصد الشريعة في عدة أمور، منها[1]:
- بيان الإطار العام للشريعة، والتصور الكامل للإسلام، وتوضيح الصورة الشاملة للتعاليم والأحكام، لتتكون النظرة الكلية الإجمالية للفروع، وبذلك يعرف الإنسان ما يدخل في الشريعة وما لا يدخل فيها.

- إبراز علل التشريع وحكمه وأغراضه ومراميه الجزئية والكلية العامة والخاصة في شتى مجالات الحياة وفي مختلف أبواب الشريعة.

- إبراز أهداف الدعوة الإسلامية التي ترمي إلى تحقيق مصالح الناس، ودفع المفاسد عنهم، وذلك يرشد إلى الوسائل والسبل التي تحقق السعادة في الدنيا والفوز برضوان الله في الآخرة.

- فهم النصوص وتفسيرها بشكل صحيح عند تطبيقها على الوقائع واستنباط الأحكام منها.

- تعين على ترجيح ما يحقق المقاصد ويتفق مع أهدافها في جلب المنافع ودفع المفاسد.

- التوفيق بين خاصيتي الأخذ بظاهر النص، والالتفات إلى روحه ومدلوله على وجه لا يخل فيه المعنى بالنص، ولا العكس، لتجري الشريعة على نظام واحد لا اختلاف فيه ولا تناقض.

- تأكيد خصائص صلاحية الشريعة ودوامها وواقعيتها ومرونتها وقدرتها على التحقق والتفاعل مع مختلف البيئات والظروف والأطوار.

- التقليل من الاختلاف والنزاع الفقهي والتعصب المذهبي، وذلك باعتماد علم المقاصد في عملية بناء الحكم، وتنسيق الآراء المختلفة، ودرء التعارض بينها.

- إدراك علماء الشريعة الإسلامية أن نصوصها وأحكامها معقولة المعنى، ومبنية على النظر والاستدلال، فالمسلم وإن كان يتلقى التكاليف بروح القناعة واليقين بأحقيتها، ويطبقها وهو تملؤه الثقة بخيريتها، إلا أن ذلك لا يمنع من التماس الحكمة من تشريعها.

قال ابن عاشور موضحاً أهمية المقاصد فيما عنون له: احتياج الفقيه إلى معرفة مقاصد الشريعة: "إن تصرف المجتهدين بفقههم في الشريعة يقع على خمسة أنحاء:
النحوالأول: فهم أقوالها، واستفادة مدلولات تلك الأقوال، بحسب الاستعمال اللغوي، وبحسب النقل الشرعي بالقواعد اللفظية التي بها عمل الاستدلال الفقهي. وقد تكفل بمعظمه علم أصول الفقه.

النحو الثاني: البحث عما يعارض الأدلة التي لاحت للمجتهد، والتي استكمل إعمال نظره في استفادة مدلولاتها، ليستيقن أن تلك الأدلة سالمة مما يبطل ويقضي عليها بالإلغاء والتنقيح. فإذا استيقن أن الدليل سالم عن المعارض أعمله، وإذا ألفى له معارضاً نظر في كيفية العمل بالدليلين معاً، أو رجحان أحدهما على الآخر.

النحو الثالث: قياس ما لم يرد حكمه في أقوال الشارع على حكم ما ورد حكمه فيه بعد أن يعرف علل التشريعات الثابتة بطريق من طرق مسالك العلة المبينة في أصول الفقه.

النحو الرابع: إعطاء حكم لفعل أو حادث حدث للناس لا يعرف حكمه فيما لاح للمجتهدين من أدلة الشريعة، ولا له نظير يقاس عليه.

النحو الخامس: تلقي بعض أحكام الشريعة الثابتة عنده تلقي من لم يعرف علل أحكامها ولا حكمة الشريعة في تشريعها. فهو يتهم نفسه بالقصور عن إدراك حكمة الشارع منها، ويستضعف علمه في جنب سعة الشريعة، فيسمي هذا النوع بالتعبدي.

فالفقيه بحاجة إلى معرفة مقاصد الشريعة في هذه الأنحاء كلها"[2] .

تعريف المقاصد:
المقاصد في اللغة جمع مقصد، مشتق من الفعل قصد يقصد قصداً، وأصل (ق ص د) ومواقعها في كلام العرب الاعتزام والتوجه والنهود والنهوض نحو الشيء على اعتدال كان ذلك أو جور، هذا أصله في الحقيقة وإن كان قد يخص في بعض المواضع بقصد الاستقامة دون الميل، والقصد يطلق ويراد به عدة معاني، ومنها: إتيان الشيء، استقامة الطريق، الاعتماد والأم، العدل، الكسر في أي وجه كان[3].

وأما في الاصطلاح فإننا نجد أن العلماء لم يحددوا معنى القصد أو المقصد اصطلاحاً على الرغم من أنهم نصوا على جملة من المقاصد في مصنفاتهم، وذكروا بعضاً من تقسيماتها: كذكرهم للكليات المقاصدية الخمس (حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال)، وذكر المصالح الضرورية والحاجية والتحسينية وبعض الحكم والأسرار والعلل[4]، كما أنهم عبروا عن المقاصد بألفاظ مختلفة وتعابير متباينة على الرغم من كونها دالة عليها وهذا يفهم من سياقها، فقد عبر بعضهم عنها بالحكمة المقصودة بالشريعة من الشارع، وبعضهم أطلق عليها لفظ المصلحة، وجاء البعض الآخر بلفظ نفي الضرر ورفعه وقطعه، ومنهم من عبر عنها بلفظ دفع المشقة ورفعها أو رفع الحرج والضيق وتقرير التيسير والتخفيف، وتارة يسمونها الكليات الخمس الكبرى كما أشرنا إليها سابقاً، وتارة أخرى بالعلل وغير ذلك[5].

وقد رجح بعض أهل العلم من المعاصرين أن أول من عني ببيان معنى المقاصد اصطلاحاً هو العلامة محمد الطاهر ابن عاشور في كتابه (مقاصد الشريعة الإسلامية)[6]، وسنسوق بعضاً من التعاريف التي وضعها العلماء للمقاصد حتى يتسنى لنا إدراك معناها ومفهومها لأن المفاهيم مفاتيح للفهم ولها تأثيرها في البناء المعرفي[7]:
- عرف المقاصد الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور بقوله: " مقاصد التشريع العامة هي: المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها، بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة. فيدخل في هذا أوصاف الشريعة وغايتها العامة والمعاني التي لا يخلو التشريع عن ملاحظتها، ويدخل في هذا أيضاً معان من الحكم ليست ملحوظة في سائر أنواع الأحكام، ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها "[8].

- وعرفها الأستاذ علال الفاسي بقوله: " بأنها الغاية منها، والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها "[9].

- وعرفها الأستاذ يوسف حامد العالم بقوله: "هي المصالح التي تعود إلى العباد في دنياهم وأخراهم، سواء أكان تحصيلها عن طريق جلب المنافع أو عن طريق دفع المضار"[10].

- وعرفها الدكتور يوسف القرضاوي بقوله: "الغايات التي تهدف إليها النصوص من الأوامر والنواهي والإباحات، وتسعى الأحكام الجزئية إلى تحقيقها في حياة المكلفين، أفراداً وأسراً وجماعات وأمة "[11].

- وعرفها الدكتور أحمد الريسوني بقوله: "هي الغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد"[12].

- وعرفها الدكتور نور الدين بن مختار الخادمي بقوله: " المقاصد هي المعاني الملحوظة في الأحكام الشرعية، والمترتبة عليها، سواء أكانت تلك المعاني حكماً جزئية أم مصالح كلية أم سمات إجمالية، وهي تتجمع ضمن هدف واحد هو تقرير عبودية الله ومصلحة الإنسان في الدارين "[13].

- وعرفها الدكتور عبد الرحمن إبراهيم الكيلاني بقوله: " المعاني الغائية، التي اتجهت إرادة الشارع إلى تحقيقها عن طريق أحكامه "[14].

وظاهر من التعاريف السابقة أن هناك اتفاقاً بين العلماء على كون المقاصد دائرة مع المصالح والغايات والحكم التي قصد الشارع تحقيقها عند وضعه الشريعة، وهذا شامل للمقاصد العامة والخاصة وسيأتي مزيد بيان في مباحث لاحقة حول هذا الأمر.

نشأة وتطور علم المقاصد:
عند حديثنا عن نشأة وتطور علم المقاصد فإننا نشير إلى المرحلة التاريخية التي أضحت فيها المقاصد قواعد وأسساً تستند عليها، وأصبحت علماً قائماً بذاته له دلالاته وحقائقه ومناهجه، وإلا فإن أساس هذا العلم ونشأته كانت مع نزول الوحي ووضع الشريعة، وعلى الرغم من أهمية علم المقاصد وتأكيد نصوص الشريعة عليه كتاباً وسنة، إلا أنه لم يأخذ مداه في الفضاء الفقهي والفكري الإسلامي - كغيره من العلوم وخاصة أصول الفقه - وإن وجد اهتماماً لدى ثلة من العلماء الذين تناولوا موضوعه بصورة نظرية، حيث ظلت قضية المقاصد أحد الأبعاد الغائبة عن الدراسات الإسلامية أزمنة طويلة، ويقف في مقدمة أسباب هذا الغياب هيمنة النظر الكلامي المجرد والاختلاف في التعليل والغائية[15] ، ولعلنا في إشارة سريعة بحاجة إلى استقراء المراحل التي مر بها هذا العلم، وتقديم نبذة مختصرة عن كتابات علماء المقاصد[16]:
- على الرغم من أن هناك إسهامات تقدمت في هذا الباب تمثل طليعة الكتابات في باب المقاصد كإسهام الحكيم الترمذي في كتبه التي أظهر فيها اهتمامه بالمقاصد ككتاب: الصلاة ومقاصدها، وكتابه علل الشريعة، وإسهام أبي بكر القفال الشاشي في كتابه محاسن الشريعة، وغيرهما من العلماء، إلا أن إسهام إمام الحرمين أبي المعالي الجويني (ت 478هـ) يمثل منطلقاً حقيقياً في باب المقاصد من خلال كتابه (البرهان في أصول الفقه) حيث خصص جزءاً من كتابه للحديث عن المقاصد وعنون له بقوله: في تقاسيم العلل والأصول التي بها تظهر المقاصد ويكشف عن المصالح. قال السبكي: " وضع إمام الحرمين في أصول الفقه كتاب البرهان على أسلوب غريب لم يقتد فيه بأحد "[17]، وقد تضمن كتاب البرهان شواهد على عناية الجويني بالأصول وبالمقاصد الشرعية[18] .

- ثم جاء من بعده تلميذه الغزالي (ت 505هـ)، حيث تعددت كتبه، وتميزت إسهاماته، وأظهر تصورات جديدة في علمي الأصول والمقاصد، يمكن تلمسها بصورة خاصة في كتبه: شفاء الغليل، والمنخول، والمستصفى الذي يمثل أنضج كتبه وأكثرها وضوحاً، ولعل من أبرز ما قدمه الغزالي في باب المقاصد حديثه عن المصالح التي جعلها ثلاث مراتب: ضرورية، وحاجية، وتحسينية.

- ثم يأتي جهد الإمام العز بن عبد السلام (ت 660هـ) ليضيف بعداً آخر لعلم المقاصد من خلال كتابه المميز: قواعد الأحكام في مصالح الأنام، فقد وضعه على أسلوب بديع جعل جماع القواعد الشرعية محصوراً في جلب المصالح ودرء المفاسد[19]، حتى كاد كتابه يكون خاصاً في مقاصد الشريعة سواء باعتبار كلامه الصريح في مقاصد الأحكام، أو باعتبار أن الكلام في المصالح والمفاسد إنما هو كلام عن المقاصد الشرعية[20].

- ثم أتى تلميذه الإمام شهاب الدين القرافي (ت 685هـ)، فقد اقتفى طريق شيخه في ضبط القواعد وتحرير المقاصد في جملة من كتبه، وبخاصة كتابه: الفروق، الذي مثل بياناً لأصول الشريعة في ضوء ما سماه بأسرار الشرع وحكمه، ومن إضافاته تمييزه بين المقامات المختلفة للتصرفات النبوية[21].

- أما شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ) فلا يخلو كلامه عن الشريعة وأحكامها وبيان مقاصدها، وكان يكثر من بيان تعليل الأحكام وإظهار مقاصدها الشرعية، فالشريعة عنده " جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين، وتحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما "[22]، ولابن تيمية استدراك على الأصوليين في حصرهم لمقاصد الشريعة الخمسة المعروفة إذ يقول: " وقوم من الخائضين في أصول الفقه وتعليل الأحكام الشرعية بالأوصاف المناسبة إذا تكلموا في المناسبة، وأن ترتيب الشارع للأحكام على الأوصاف المناسبة يتضمن تحصيل مصالح العباد ودفع مضارهم، ورأوا أن المصلحة نوعان أخروية، ودنيوية، جعلوا الأخروية ما في سياسة النفس وتهذيب الأخلاق من الحكم، وجعلوا الدنيوية ما تضمن حفظ الدماء والأموال والفروج والعقول والدين الظاهر، وأعرضوا عما في العبادات الباطنة والظاهرة من أنواع المعارف بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله، وأحوال القلوب وأعمالها، كمحبة الله، وخشيته، وإخلاص الدين له، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، ودعائه، وغير ذلك من أنواع المصالح في الدنيا والآخرة‏‏ وكذلك فيما شرعه الشارع من الوفاء بالعهود وصلة الأرحام، وحقوق المماليك والجيران، وحقوق المسلمين بعضهم على بعض، وغير ذلك من أنواع ما أمر به ونهى عنه، حفظًا للأحوال السنية، وتهذيب الأخلاق‏ ويتبين أن هذا جزء من أجزاء ما جاءت به الشريعة من المصالح‏ "[23].

- ثم جاء من بعده تلميذه ابن القيم (ت 751هـ) ليؤكد نهج شيخه وامتداد مدرسته المقاصدية، ومن أبرز كتبه في هذا الباب كتاب: إعلام الموقعين عن رب العالمين، إذ يقول فيه: " الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل "[24]، وقال في موضع آخر مبيناً مكانة القرآن الكريم وما فيه من تعليلات وأحكام: " وقد رتب الله سبحانه حصول الخيرات في الدنيا والآخرة وحصول الشرور في الدنيا والآخرة في كتابه على الأعمال ترتب الجزاء على الشرط والمعلول على العلة والمسبب على السبب وهذا في القرآن يزيد على ألف موضع "[25] .

- أما الإمام الشاطبي (ت 790ه-) فيعد شيخ علم المقاصد، حيث صنف فيه كتابه: الموافقات، تناول فيه موضوع المقاصد باستفاضة وعمق في القسم الثاني من الكتاب: تحت عنوان (كتاب المقاصد)، وصاغه بأسلوب أصولي فذ، لا يوجد في غيره من المصنفات التي سبقته، وإن من مظاهر الإبداع والتجديد التي أضافها الشاطبي إلى علم المقاصد، إيراده لكثير من القواعد العامة التي تعبر عن معان تشريعية مقاصدية، أي أنه صاغ المقاصد على شكل قواعد، بحيث تشكل المعالم الأساسية التي راعاها الشارع في تشريعه[26]، قال الشاطبي مبيناً الغاية من وضع الشريعة: " وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معاً... والمعتمد إنما هو أنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء.. فإن الله تعالى يقول في بعثه الرسل، وهو الأصل: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [27]، ويقول: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [28] ، وقال في أصل الخلقة: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [29]، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [30]، {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [31].

وأما التعاليل لتفاصيل الأحكام في الكتاب والسنة فأكثر من أن تحصى؛ كقوله بعد آية الوضوء: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ} [32] . وقال في الصيام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [33] ، وفي الصلاة: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [34]، وقال في القبلة: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} [35]، وفي الجهاد: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [36]، وفي القصاص: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [37]، وفي التقرير على التوحيد: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [38]، والمقصود التنبيه. وإذا دل الاستقراء على هذا، وكان في مثل هذه القضية مفيداً للعلم، فنحن نقطع بأن الأمر مستمر في جميع تفاصيل الشريعة "[39].

قال ابن عاشور: " والرجل الفذ الذي أفرد هذا الفن بالتدوين هو: أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي المالكي، إذ عني بإبراز القسم الثاني من كتابه المسمى عنوان التعريف بأصول التكليف في أصول الفقه، وعنون ذلك القسم ب كتاب المقاصد. ولكنه تطوح في مسائله إلى تطويلات وخلط، وغفل عن مهمات من المقاصد، بحيث لم يحصل منه الغرض المقصود، على أنه أفاد جد الإفادة. فأنا أقتفي آثاره "[40].

- وعلى الرغم من عظم الإسهام الذي قدمه الشاطبي في علم المقاصد، إلا أنه يصدق عليه ما قاله مالك بن نبي في ابن خلدون من أنه جاء متأخراً عن أوانه أو سابقاً عليه فلم تنطبع أفكاره في العقل المسلم، وكذلك لم تنطبع أفكار الشاطبي في العقل المسلم الذي كان يعيش بداية انحطاطه يومذاك، فظلت أفكاره مجهولة، وبعده أصيبت العلوم الإسلامية عامة والمقاصد خاصة بجمود كبير، وبما يشبه الغيبة في الإبداع والتجديد والاستمرار[41]، حتى اكتشفها علماء مصلحون معاصرون: الشيخ محمد عبده والشيخ رشيد رضا والدكتور عبد الله دراز في المشرق، والعلامتان محمد الطاهر ابن عاشور وعلال الفاسي في المغرب، فأشادوا بها وكتبوا حولها - خصوصاً المغاربة منهم - كتابات حللت وأصلت وأضافت المزيد.

ثم بنى على ذلك التراث علماء وباحثون معاصرون في دراسات جادة منها: المقاصد العامة للشريعة الإسلامية للدكتور يوسف العالم، ونظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي للدكتور أحمد الريسوني، ونظرية المقاصد عند الإمام محمد الطاهر ابن عاشور للدكتور إسماعيل حسني[42] .

طرق إثبات المقاصد:
يصطلح على تسمية هذا المبحث بمسالك الكشف عن المقاصد، أو سبل إثبات المقاصد، أو طرق كشف وتعيين المقاصد، وغيرها، وقد عنون الشاطبي لهذا المبحث بقوله: (فصل: بيان الجهات التي يعرف بها مقاصد الشارع)[43]، وعنون لها ابن عاشور بقوله: (طرق إثبات المقاصد الشرعية)[44]، ويحسن بنا في هذا الموضع أن نسوق كلام العلامة ابن عاشور في مقاصده فقد بين باستفاضة طرق إثبات المقاصد ولخص كلام الشاطبي في هذا المبحث، فكل من كتب فيه يعتبر عالة على ما قاله، قال - رحمه الله -: " الطريق الأول: وهو أعظمها، استقراء الشريعة في تصرفاتها، وهو على نوعين: أعظمهما: استقراء الأحكام المعروفة عللها، الآئل إلى استقراء تلك العلل المثبتة بطرق مسالك العلة[45]، فإن باستقراء العلل حصول العلم بمقاصد الشريعة بسهولة، لأننا إذا استقرينا عللاً كثيرة متماثلة في كونها ضابطاً لحكمة متحدة أمكن أن نستخلص منها حكمة واحدة، فنجزم بأنها مقصد شرعي، كما يستنتج من استقراء الجزئيات تحصيل مفهوم كلي حسب قواعد المنطق. مثاله: أننا إذا علمنا علة النهي عن المزابنة[46] الثابتة بمسلك الإيماء[47] في قول رسول الله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح لمن سأله عن بيع التمر بالرطب: (أينقص الرطب إذا جف ؟ قال: نعم، قال: فلا إذن).

فحصل لنا أن علة تحريم المزابنة، هي: الجهل بمقدار أحد العوضين، وهو الرطب منهما المبيع باليابس. وإذا علمنا النهي عن بيع الجزاف بالمكيل، وعلمنا أن علته جهل أحد العوضين بطريق استنباط العلة. وإذا علمنا إباحة القيام بالغبن، وعلمنا أن علته نفي الخديعة بين الأمة بنص قول الرسول عليه السلام للرجل - الذي قال له: إني أخدع في البيوع -: (إذا بايعت فقل لا خلابة). إذا علمنا هذه العلل كلها استخلصنا منها مقصداً واحداً، وهو: إبطال الغرر في المعاوضات. فلم يبق خلاف في أن كل تعاوض اشتمل على خطر أو غرر في ثمن، أو مثمن أو آجل فهو تعاوض باطل. ومثال آخر: وهو أننا نعلم النهي عن أن يخطب المسلم على خطبة مسلم آخر، والنهي عن أن يسوم على سومه، ونعلم أن علة ذلك هو ما في ذلك من الوحشة التي تنشأ عن السعي في الحرمان من منفعة مبتغاة، فنستخلص من ذلك مقصداً هو: دوام الأخوة بين المسلمين، فنستخدم ذلك المقصد لإثبات الجزم بانتفاء حرمة الخطبة بعد الخطبة والسوم بعد السوم، إذا كان الخاطب الأول والسائم الأول قد أعرضا عما رغبا فيه. النوع الثاني من هذا الطريق: استقراء أدلة أحكام اشتركت في علة، بحيث يحصل لنا اليقين بأن تلك العلة مقصد مراد للشارع. مثاله: النهي عن بيع الطعام قبل قبضه، علته طلب رواج الطعام في الأسواق.

والنهي عن بيع الطعام بالطعام نسيئة إذا حمل على إطلاقه عند الجمهور، علته أن لا يبقى الطعام في الذمة فيفوت رواجه. والنهي عن الاحتكار في الطعام لحديث مسلم عن معمر مرفوعاً: (من احتكر طعاماً فهو خاطئ)، علته إقلال الطعام من الأسواق. فبهذا الاستقراء يحصل العلم بأن رواج الطعام وتيسير تناوله مقصد من مقاصد الشريعة. فنعمد إلى هذا المقصد فنجعله أصلاً ونقول: إن الرواج إنما يكون بصور من المعاوضات، والإقلال إنما يكون بصور من المعاوضات، إذ الناس لا يتركون التبايع.

فما عدا المعاوضات لا يخشى معه عدم رواج الطعام. ولذلك قلنا: تجوز الشركة والتولية[48] والإقالة[49] في الطعام قبل قبضه. ومن هذا القبيل كثرة الأمر بعتق الرقاب الذي دلنا على أن من مقاصد الشريعة حصول الحرية. الطريق الثاني: أدلة القرآن الواضحة الدلالة التي يضعف احتمال أن يكون المراد منها غير ما هو ظاهرها بحسب الاستعمال العربي، بحيث لا يشك في المراد منها إلا من شاء أن يدخل على نفسه شكاً لا يعتد به. ألا ترى أنا نجزم بأن معنى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}: أن الله أوجبه.

ولو قال أحد: إن ظاهر هذا اللفظ أن الصيام مكتوب في الورق لجاء خطأً من القول. فالقرآن لكونه متواتر اللفظ قطعيه يحصل اليقين بنسبة ما يحتوي عليه إلى الشارع تعالى، ولكنه لكونه ظني الدلالة يحتاج إلى دلالة واضحة يضعف تطرق احتمال معنى ثان إليها. فإذا انضم إلى قطعية المتن قوة ظن الدلالة تسنى لنا أخذ مقصد شرعي منه يرفع الخلاف عند الجدل في الفقه، مثل ما يؤخذ من قوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}، وقوله: {أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}، وقوله: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، وقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ}، وقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}. ففي كل آية من هذه الآيات تصريح بمقصد شرعي أو تنبيه على مقصد.

الطريق الثالث: السنة المتواترة. وهذا الطريق لا يوجد له مثال إلا في حالين: الحال الأول: المتواتر المعنوي الحاصل من مشاهدة عموم الصحابة عملاً من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيحصل لهم علم بتشريع في ذلك يستوي فيه جميع المشاهدين. وإلى هذا الحال يرجع قسم المعلوم من الدين بالضرورة، وقسم العمل الشرعي القريب من المعلوم ضرورة، مثل مشروعية الصدقة الجارية المعبر عن بعضها بالحبس.

وهذا العمل هو الذي عناه مالك حين بلغه: أن شريحاً يقول بعدم انعقاد الحبس[50]، ويقول أن لا حبس عن فرائض الله. فقال مالك: (رحم الله شريحاً تكلم ببلاده - يعني الكوفة - ولم يرد المدينة، فيرى آثار الأكابر من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين بعدهم وما حبسوا من أموالهم [ لا يطعن فيها طاعن ]، وهذه صدقات رسول الله سبعة حوائط. وينبغي للمرء أن لا يتكلم إلا فيما أحاط به خبرة) اه-. وأمثلة هذا العمل في العبادات كثيرة، ككون خطبة العيدين بعد الصلاة.

الحال الثاني: تواتر عملي، يحصل لآحاد الصحابة من تكرر مشاهدة أعمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحيث يستخلص من مجموعها مقصداً شرعياً.

ففي صحيح البخاري: عن الأزرق بن قيس قال: (كنا على شاطئ نهر بالأهواز، قد نضب عنه الماء. فجاء أبو برزة الأسلمي على فرس، فقام يصلى وخلى فرسه، فانطلقت الفرس. فترك صلاته وتبعها حتى أدركها فأخذها، ثم جاء فقضى صلاته. وفينا رجل له رأي فأقبل يقول: انظروا إلى هذا الشيخ ترك صلاته من أجل فرس. فأقبل فقال: ما عنفني أحد منذ فارقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: إن منزلي متراخ، فلو صليت وتركت الفرس لما آت أهلي إلى الليل.

وذكر أنه صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأي من تيسيره). فمشاهدته أفعال رسول الله عليه السلام المتعددة استخلص منها أن من مقاصد الشرع التيسير. فرأي أن قطع الصلاة من أجل إدراك فرسه ثم العود إلى استئناف صلاته أولى من استمراره على صلاته مع تجشم مشقة الرجوع إلى أهله راجلاً. فهذا المقصد بالنسبة إلى أبي برزة مظنون ظناً قريباً من القطع، ولكنه بالنسبة إلى غيره - الذين يروي إليهم خبره - مقصد محتمل، لأنه يتلقى منه على وجه التقليد وحسن الظن به. ولقد جاء الشاطبي في آخر كتاب المقاصد من تأليفه الموافقات بكلام أرى من المهم إثبات خلاصته باختصار، قال: (بماذا يعرف ما هو مقصود للشارع مما ليس مقصوداً له ؟ والجواب: أن النظر بحسب التقسيم العقلي ثلاثة أقسام:

أحدها: أن يقال: إن مقصد الشارع غائب عنا حتى يأتينا النص الذي يعرفنا به. وحاصل على هذا الوجه الحمل على الظاهر مطلقاً. وهو رأي الظاهرية الذين يحصرون مظان العلم بمقاصد الشارع في الظواهر والنصوص.

الثاني: دعوى أن مقصد الشارع ليس في هذه الظواهر ولا ما يفهم منها، وإنما المقصود أمر آخر وراءه.

ويطرد ذلك في جميع الشريعة حتى لا يبقى في ظاهرها متمسك تعرف منه مقاصد الشارع. وهذا رأي كل قاصد لإبطال الشريعة وهم الباطنية.

الثالث: أن يقال باعتبار الأمرين جميعاً، على وجه لا يخل فيه المعنى بالنص ولا العكس، لتجري الشريعة على نظام واحد لا اختلاف فيه ولا تناقض. وهذا الذي أمه أكثر العلماء[51].

فنقول: إن مقصد الشارع يعرف من جهات:

إحداها: مجرد الأمر والنهي الابتدائي التصريحي. فإن الأمر كان أمراً لاقتضائه الفعل، فوقوع الفعل عنده مقصود للشارع، وكذلك النهي في اقتضاء الكف.

الثانية: اعتبار علل الأمر والنهي كالنكاح لمصلحة التناسل، والبيع لمصلحة الانتفاع بالمبيع.

الثالثة: أن للشارع في شرع الأحكام مقاصد أصلية ومقاصد تابعة. فمنها منصوص عليه، ومنها مشار إليه، ومنها ما استقرئ من المنصوص. فاستدللنا بذلك على أن كل ما لم ينص عليه مما ذلك شأنه هو مقصود للشارع). انتهى حاصل كلامه "[52]، وقد أضاف إلى هذه الطرق طريقة السلف في رجوعهم إلى مقاصد الشريعة مع ضبطها بغيرها، حيث قال: " وهذا المبحث يتنزل منزلة طريق من طرق إثبات المقاصد الشرعية، ولكني لم أعده في عدادها من حيث إني لم أجد حجة في كل قول من أقوال السلف، إذ بعضها غير مصرح صاحبه بأنه راعى في كلامه المقصد، وبعضها فيه التصريح أو ما يقاربه، ولكنه لا يعد بمفرده حجة لأن قصاراه أنه رأي من صاحبه في فهم مقصد الشريعة.

ولكن مناط الحجة لنا بأقوالهم أنها دالة على أن مقاصد الشريعة على الجملة واجبة الاعتبار، وأن أقوالهم أيضاً لما تكاثرت قد أنبأتنا بأنهم كانوا يتقصون بالاستقراء مقاصد الشريعة من التشريع"[53]، أما الدكتور يوسف القرضاوي فقد بين الوصول إلى المقاصد من خلال أكثر من طريقة[54] - ولم يأت إلا على ذكر طريقتين -:
أولاً: تتبع النصوص التي جاءت بتعليلات في القرآن والسنة، لنعرف منها مقاصد الإسلام وأهدافه.

ثانياً: استقراء الأحكام الجزئية، وتتبعها والتأمل فيها، وضم بعضها إلى بعض من أجل الوصول إلى مقصد كلي أو مقاصد كلية، قصدها الشارع الحكيم من تشريع هذه الأحكام[55] .

علاقة المقاصد بغيرها من المصطلحات ذات الصلة:
أولاً: علاقة المقاصد بالعلة:
قد تقدم معنا مفهوم العلة وأن لها معنيين عند الأصوليين، وكلاهما له ارتباطه الوثيق في تعليل الأحكام، وخاصة المعنى الأول - أعني الوصف الظاهر المنضبط الذي يتعلق الحكم به -، والمقاصد علاقتها بالعلة وثيقة، كون التعليل ظاهراً بيناً في الكثير من الآيات والأحاديث النبوية، ومن ذلك قوله تعالى معللاً إيجاد العباد: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [56] ، وقوله معللاً إرسال الرسل: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [57]، وعلل - سبحانه - تشريع القصاص بحفظ النفوس بقوله: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [58]، كما علل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أموراً كثيرة نصاً وإيماء، فمن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " كنت قد نهيتكم عن لحوم الأضاحي من أجل الدافة، فكلوا وادخروا "[59]، ومع ظهور قضية التعليل - كما في الأمثلة المتقدمة وغيرها مما لم يذكر - فإن هناك اختلافاً بين العلماء في إثباتها، وخلاصته:
- إن الأصل عدم التعليل، حتى يقوم الدليل عليه.

- إن الأصل التعليل بكل وصف صالح لإضافة الحكم عليه، حتى يوجد مانع عن البعض.

- إن الأصل التعليل بوصف، ولكن لا بد من دليل يميز الصالح من الأوصاف للتعليل وغير الصالح.

- إن الأصل في النصوص التعبد دون التعليل[60] .

ولسنا بصدد تفصيل القول في قبول أو رد هذه الأقوال، أو ترجيح الراجح منها، ولكن يكفي القول في مسألة التعليل: إن جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم ذهبوا: إلى أن أحكام الشرع معللة بجلب المصالح للعبد دنيوية أو أخروية، ودرء المفاسد عنه بكل أنواعها، سواء منها ما كان معقول المعنى، وما لم يكن كذلك، ولم يخالف في هذا إلا الظاهرية، وحتى هؤلاء عند التحقيق وتحرير موضع النزاع معهم بدقة، يؤول الخلاف معهم إلى اللفظ[61]، وقد وصف شيخ الإسلام ابن تيمية منكر التعليل بقوله: " قد أنكر ما جاءت به الشرائع من المصالح والمفاسد والمعروف والمنكر[62]، وأنكر ما في الشريعة من المناسبات بين الأحكام وعللها، وأنكر خاصة الفقه في الدين الذي هو معرفة حكمة الشريعة ومقاصدها ومحاسنها "[63]، وطالما أن المقاصد دائرة مع الحكم والغايات فإن علاقتها بالعلل وثيقة، كون التعليل مرتبطاً ببيان الغاية من التشريع، فلا وجه للفصل والتفريق بينهما.

ثانياً: علاقة المقاصد بالمصلحة:
اختلط مفهوم المقصد بالمصلحة في الاستعمال، فيذكر أحدهما بمعنى الآخر ولذلك عقد ابن عاشور فصلاً للتعريف بالمصلحة[64]، فعرف المصلحة بقوله: " وصف للفعل يحصل به الصلاح، أي النفع منه دائماً أو غالباً للجمهور أو للآحاد "[65]، وهو قريب من تعريف الشاطبي الذي استنبطه ابن عاشور في كتابه بقوله: " وعرفها[66] الشاطبي في مواضع من كتابه عنوان التعريف - بما يتحصل منه بعد تهذيبه - أنها ما يؤثر صلاحاً أو منفعة للناس عمومية أو خصوصية، وملاءمة قارة في النفوس في قيام الحياة "[67]، وأضاف قائلاً: " إن المصالح كثيرة متفاوتة الآثار قوة وضعفاً في صلاح أحوال الأمة أو الجماعة، وأنها أيضاً متفاوتة بحسب العوارض العارضة والحافة بها من معضدات لآثارها أو مبطلات لتلك الآثار كلاً أو بعضاً. وإنما يعتبر منها ما نتحقق أنه مقصود للشريعة، لأن المصالح كثيرة منبثة "[68].


وعرفها الغزالي بقوله: " أما المصلحة فهي عبارة في الأصل عن جلب منفعة أو دفع مضرة "[69]، وقد بين الغزالي مقصوده من هذا التعريف بقوله: " ولسنا نعني به ذلك فإن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الخلق وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم، لكنا نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع، ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة "[70]، وعرفها ابن قدامة بمثل تعريف الغزالي بقوله: " المصلحة هي جلب المنفعة أو دفع المضرة "[71]، وعرفها الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي تعريفاً جيداً بقوله: " المصلحة هي الوصف الذي يكون في ترتيب الحكم عليه جلب منفعة للناس أو درء مفسدة عنهم "[72]، وعرفها الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي بقوله: " والمصلحة فيما اصطلح عليه علماء الشريعة الإسلامية يمكن أن تعرف بما يلي (المنفعة التي قصدها الشارع الحكيم لعباده، من حفظ دينهم، ونفوسهم، وعقولهم، ونسلهم، وأموالهم، طبق ترتيب معين فيما بينها) "[73].


وارتباط الشرع بالمصلحة أمر ظاهر لا ينكر، كون الشريعة معللة بالمصالح التي تراعي مقاصد العباد في العاجل والآجل، قال ابن القيم مبيناً ارتباط الشريعة بالمصالح ورعايتها لها تحت عنوان: بناء الشريعة على مصالح العباد في المعاش والمعاد: " هذا فصل عظيم النفع جداً وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتى به، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ومصالح كلها وحكمة كلها "[74] ، وإذا كانت الشريعة تراعي مصالح العباد فإنها - بلا شك - تقصد هذه المصالح وتهدف إلى تحصيلها، فالشارع أراد هذه المصالح وقصدها بتشريعه الأحكام، وهي تعود على المكلف وتؤول إليه[75] ، ومما تقدم ندرك أن المقاصد علاقتها بالمصلحة علاقة وثيقة بل هي تمثل أساساً نظرياً لها تنبني عليه، وقد أقر فقهاء الإسلام على مر العصور بأن الشريعة مصلحة والمصلحة شريعة، فهي حاضرة في الأصول والقواعد التشريعية[76].

ثالثاً: علاقة المقاصد بالحكمة:
الحكمة عند الأصوليين: هي ما يترتب على ربط الحكم بعلته أو بسببه من جلب مصلحة أو دفع مضرة، أو تقليلها[77]، ولفظ (الحكمة) أكثر ما يستعمله الأصوليون لبيان المعنى المقصود من تشريع الحكم، وما يترتب عليه من جلب نفع أو دفع مضرة، كتحصيل مصلحة حفظ الأنساب بتحريم الزنى، وإيجاب الحد على الزاني، وكدفع المشقة بتشريع القصر والفطر للمسافر، والحفاظ على النفس الإنسانية من الاعتداء أو الإهدار بتشريع القصاص، وغير ذلك، وهو ما صرح به الطوفي بقوله: والحكمة غاية الحكم المطلوبة بشرعه[78].

وطالما أن المقاصد دائرة مع الحكم والغايات من التشريع، فالحكمة وفق المعنى المتقدم تتطابق مع المقصد الشرعي الذي أراده الحكم. قال ابن القيم عند قوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [79]: " والحكمة هي العلم النافع والعمل الصالح، وسمي حكمة لأن العلم والعمل قد تعلقا بمتعلقهما، وأوصلا إلى غايتهما، وكذلك لا يكون الكلام حكمة حتى يكون موصلاً إلى الغايات المحمودة والمطالب النافعة، فإذا كان المتكلم به لم يقصد مصلحة المخاطبين ولا هداهم ولا إيصالهم إلى سعادتهم ودلالتهم على أسبابها وموانعها، ولا كان ذلك هو الغاية المقصودة المطلوبة، ولا تكلم لأجلها، ولا أرسل الرسل وأنزل الكتب لأجلها، ولا نصب الثواب والعقاب لأجلها لم يكن حكيماً ولا كلامه حكمة "[80]، فكلام ابن القيم - رحمه الله - ظاهر في بيان معنى الحكمة، وربطها بمقاصد المتكلم - وهو الشارع سبحانه -، لتعبر عن مراده في وضع الشريعة، وهذا يثبت أن الشريعة لم توضع عبثاً ولا سدى، وأنها موضوعة كما قال الشاطبي في موافقاته: "لمصالح العباد في العاجل والآجل معاً"[81]، وهذا يجعل لفظ الحكمة متطابقاً مع لفظ المقصد.




ـــــــــــــــــ
[1] انظر : مقاصد الشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص36، علم المقاصد الشرعية، د. نور الدين بن مختار الخادمي، ص51، الاجتهاد المقاصدي، د. نور الدين بن مختار الخادمي، ج1 ص85، الأسس العامة لفهم النص الشرعي، د. عبد المجيد السوسوة، ص42، منهج التيسير المعاصر، عبد الله بن إبراهيم الطويل، ص24.
[2] مقاصد الشريعة الإسلامية، محمد الطاهر ابن عاشور، ص40.
[3] انظر باب ( قصد ) في تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي، ج 9، ص35، لسان العرب لابن منظور، ج3، ص353.
[4] علم المقاصد الشرعية، مرجع سابق، 15.
[5] الاجتهاد المقاصدي، مرجع سابق، ج1 ص48.
[6] بين علمي أصول الفقه و المقاصد، مرجع سابق، ص120.
[7] المفاهيم مفاتيح الفهم ومرايا الحضارة د. سيف الدين عبد الفتاح إسماعيل، مقال منشور في موقع إسلام أون لاين.
[8] مقاصد الشريعة الإسلامية، محمد الطاهر ابن عاشور، ص165.
[9] قواعد المقاصد عند الإمام الشاطبي، د. عبد الرحمن إبراهيم الكيلاني، ص46.
[10] المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص79.
[11] دراسة في فقه مقاصد الشريعة، د. يوسف القرضاوي، ص20.
[12] علم المقاصد الشرعية، مرجع سابق، ص16.
[13] الاجتهاد المقاصدي، مرجع سابق، ص52، علم المقاصد الشرعية، مرجع سابق، ص17.
[14] قواعد المقاصد عند الإمام الشاطبي، مرجع سابق، ص47.
[15] من التعليل إلى المقاصد القرآنية العليا الحاكمة، د. طه جابر العلواني، إسلامية المعرفة، العدد 46-47.
[16] انظر للتوسع : مقاصد الشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص47، وعلم المقاصد الشرعية، مرجع سابق، ص53، وبين علمي أصول الفقه والمقاصد، مرجع سابق، ص81.
[17] بين علمي أصول الفقه والمقاصد، مرجع سابق، ص84 نقلاً عن طبقات الشافعية للسبكي، ج5 ص192.
[18] المرجع السابق، ص85.
[19] المرجع السابق، ص89.
[20] مقاصد الشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص48.
[21] المرجع السابق، ص49.
[22] مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ج20 ص48.
[23] المرجع السابق، ج32 ص234.
[24] إعلام الموقعين عن رب العالمين، مرجع سابق، ج3 ص3.
[25] الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ابن القيم، ص16.
[26] قواعد المقاصد عند الإمام الشاطبي، مرجع سابق، ص14.
[27] النساء، آية 165.
[28] الأنبياء، آية 107.
[29] هود، آية 7.
[30] الذاريات، آية 56.
[31] الملك، آية 2.
[32] المائدة، آية 6.
[33] البقرة، آية 183.
[34] العنكبوت، آية 45.
[35] البقرة، آية 150.
[36] الحج، آية 39.
[37] البقرة، آية 179.
[38] الأعراف 172.
[39] الموافقات في أصول الشريعة، أبو إسحاق الشاطبي، ص200.
[40] مقاصد الشريعة الإسلامية، ابن عاشور، مرجع سابق، ص28.
[41] مقاصد الشريعة، مجموعة مؤلفين، تحرير عبد الجبار الرفاعي، ص199.
[42] من التعليل إلى المقاصد القرآنية العليا الحاكمة، مرجع سابق.
[43] الموافقات، مرجع سابق، ص442.
[44] علم المقاصد الشرعية، مرجع سابق، ص67.
[45] العلة عند الأصوليين يراد بها معنيان : الأول : الوصف الظاهر المنضبط المناسب الذي جعله الشارع موجباً للحكم ومعرفاً له، ومثاله : الزنى الذي جعله علة للرجم أو الجلد، والقتل العمد الذي جعله علة مناسبة للقصاص، وعقد النكاح الذي جعله الشارع علة لحل الاستمتاع، فهذه جميعها أوصاف ظاهرة غير خفية. كذلك فهي أوصاف منضبطة، أي أنها غير مضطربة، بحيث لم تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان، ولذا لم تجعل المشقة علة الفطر والتخفيف على المسافر بالقصر في رمضان، وإنما أناطه بالسفر، كونه منضبطاً ظاهراً. أما أن تلك الأوصاف مناسبة فمعناها : أن من شأن ترتب الحكم عليها أن تفضي إلى تحقيق مصلحة مقصودة للشارع. وأما أنها موجبة للحكم : فذاك لأنها تستدعي ما أناط الشارع بها من أحكام، وربط وجود الحكم بها، بحيث يدور الحكم معها وجوداً وعدماً، كالسرقة التي توجب حكم قطع اليد، والزنى الذي يوجب حكم الرجم إن كان محصناً، أو الجلد إن كان بكراً، والقتل العمد الذي يوجب القصاص. وأما المعنى الثاني للعلة : فهو المعنى المناسب لتشريع الحكم. وهو ما عبر عنه ( الشاطبي ) بقوله في تعريفه للعلة : " هي الحكم والمصالح التي تعلقت بها الأوامر أو الإباحة، والمفاسد التي تعلقت بها النواهي. فالمشقة علة في إباحة القصر والفطر في السفر؛ فالعلة هي المصلحة نفسها أو المفسدة نفسها مظنتها ظاهرة كانت أو غير ظاهرة، منضبطة أو غير منضبطة.
انظر : قواعد المقاصد عند الإمام الشاطبي، مرجع سابق، ص49. وللتوسع في معنى العلة : يراجع البحر المحيط للزركشي، ج4ص111.
أما مسالك العلة فهي الطرق التي تدل على كون الوصف علة، وهي متعددة ذكر منها الفتوحي : الإجماع، والنص، والمناسبة، والشبه، والدوران. وأضاف إليها الرازي : الإيماء، والتأثير، والسبر والتقسيم، والطرد، وتنقيح المناط.
انظر : شرح الكوكب المنير، الفتوحي، ج4ص115، والمحصول، الرازي، ج5، ص137.
[46] المزابنة : هي بيع الرطب بما كان يابساً. انظر : المجموع شرح النووي، ج10 ص585، ومغني المحتاج للخطيب الشربيني، ج2 ص504.
[47] الإيماء : هو دلالة النص على التعليل بالقرينة، لا بصراحة اللفظ. أو هو الذي يدل على العلية بالالتزام، لأنه يفهمها من جهة المعنى لا اللفظ.
انظر : البحر المحيط للزركشي، ج4، ص197، والموسوعة الفقهية، ج7 ص242.
[48] التولية : هي نقل جميع المبيع إلى المولى بمثل الثمن المثلي أو عين المتقوم القيمي بلفظ : وليتك أو ما يقوم مقامه. انظر : الموسوعة الفقهية، ج14ص196.
[49] الإقالة : هي رفع العقد، وإلغاء حكمه وآثاره بتراضي الطرفين. انظر الموسوعة الفقهية، ج5 ص324.
[50] وهي الأوقاف، والوقف : هو تحبيس الأصل وتسبيل المنافع.
[51] وهناك اتجاه رابع وهو اتجاه المتوسعين في المقاصد بغلو كبير إلى حد إهدار دلالات النصوص المحكمة وتجاوز ضروريات الدين ومبادئ الشريعة وأحكامها المؤكدة، وذلك بافتراضه لمصالح ومقاصد من خارج النصوص وتقديمها على نصوص الشريعة إذا تعارضت ولو كان النص قطعياً، كالذي يبيح الربا تحت مبرر المصلحة؛ مفسراً إياه في ضوء مقاصد التشريع، وهو في حقيقته تعسف في تفسير النصوص، وبناء المقاصد على مصالح موهومة.
انظر : الأسس العامة لفهم النص الشرعي، مرجع سابق، ص50.
[52] مقاصد الشريعة الإسلامية، ابن عاشور، مرجع سابق، ص56.
[53] المرجع السابق، ص66.
[54] دراسة في فقه مقاصد الشريعة، مرجع سابق، ص24.
[55] وهاتان الطريقتان قد دل عليهما كلام ابن عاشور المتقدم، وهو الذي دل عليه كلام الشاطبي في آخر كتاب المقاصد من الموافقات حين ختمه بطرق معرفة مقاصد الشريعة.
[56] الذاريات، آية 56.
[57] النساء، آية 165.
[58] المائدة، آية 32.
[59] أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، رقم 1971، والدافة : هم من يطرأ من المحتاجين.
[60] مقاصد الشريعة، د. طه جابر العلواني، ضمن كتاب : مقاصد الشريعة، مجموعة مؤلفين، تحرير عبد الجبار الرفاعي، ص69.
[61] المرجع السابق، ص76.
[62] يقصد التمييز بين المصالح والمفاسد والمعروف والمنكر.
[63] مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ج11 ص354.
[64] بين علمي أصول الفقه والمقاصد، مرجع سابق، ص132.
[65] مقاصد الشريعة الإسلامية، ص200. وهناك من انتقد تعريف ابن عاشور للمصلحة، وهو الدكتور محمد المختار السلامي بقوله : " ابن عاشور وضع المصلحة في إطار الفعل الإنساني. ولذا أخرج الذوات وأعراضها من ضابط المصلحة والمفسدة. إلا أنه جعل الوصف يتميز بأنه يحصل به الصلاح. والصلاح والمصلحة مادة واحدة. فأفضى تعريفه إلى أنه لا تفهم المصلحة إلا بفهم الصلاح. ولا يفهم الصلاح إلا بإدراك حد المصلحة. وهو دور مفسد للتعريف وكأنه استشعر هذه الصعوبة ففسر الصلاح بالمنفعة. فالمنفعة لفظ مساو للصلاح"، وهذا الذي دفع بعض الباحثين إلى القول : " إن المصلحة هو موضع الصلاح. وإذا تبين أن المصالح التي تعتبرها الشريعة هي المواضع المعنوية التي يحصل فيها الإنسان صلاحه، علمنا أن وظيفتها الأساسية وظيفة أخلاقية صريحة. إذ حد الصلاح أنه قيمة أخلاقية، بل هو رأس القيم الأخلاقية، وحد الأخلاق أنها تبحث في الصلاح ". انظر : مظاهر التجديد في المبحث المقاصدي، إبراهيم الكيلاني، ضمن كتاب : خطاب التجديد الإسلامي، مجموعة مؤلفين، ص258. ولا غرابة في هذا القول فإن النصوص قد أكدت عليه، وبينت المقصد من البعثة والتشريع، كما صح عن نبينا عليه الصلاة والسلام قوله : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ".
[66] أي المصلحة.
[67] مقاصد الشريعة الإسلامية، ابن عاشور، مرجع سابق، ص200.
[68] المرجع السابق، ص230.
[69] المستصفى، الغزالي، ج2ص481.
[70] المرجع السابق.
[71] روضة الناظر، ابن قدامة، ص169.
[72] أصول مذهب الإمام أحمد، د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، ص459.
[73] ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص27.
[74] إعلام الموقعين، مرجع سابق، ج3 ص3.
[75] علم المقاصد الشرعية، مرجع سابق، ص23.
[76] مظاهر التجديد في المبحث المقاصدي، مرجع سابق، ص251.
[77] الموسوعة الفقهية، ج18 ص67.
[78] قواعد المقاصد عند الإمام الشاطبي، مرجع سابق، ص48.
[79] البقرة، آية 269.
[80] شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، ابن القيم، ص190.
[81] الموافقات، مرجع سابق، ص200.

رابط الموضوع: Cant See Links
جازاك الله كل الخير الموضوع قيم جدا وأفادني كثيرا جعله الله في ميزان حسناتك


رد مع اقتباس