عرض مشاركة واحدة
قديم 04-02-2010, 08:57 PM   رقم المشاركة : 5
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


رد: التراث الشعبي هي الحصيلة الانسانية لكافة الشعوب



المادة :: القيم التي يحاول المجتمع غرسها في الطفل

احترام الكبير :

أول شيء يتعلمه الابناء في سنواتهم الخمس الاولى هو احترام الأكبر منهم سنا، وخاصة كبار السن (الشياب) وكبيرات السن (العجائز)، ففي حضور الجد مثلا ينصب اهتمام الجميع نحو هذا الجد فلا يصح للصبي ان يلتصق بأبيه أو يكلمه أو يرد عليه الاب في حضور الجد، ولابد من تقدير هذا الكبير والاستحياء منه.

احترام الآباء :

إن احترام الابناء لوالدهم وأمهم تقليد وعادة راسخة في مجتمعنا مثلما كان الكبار في السن أي الجدات والأجداد يلقون احتراما خاصا يساعدهم على قضاء حياتهم على وتيرة العزة التي عاشوها خاصة وهم عند المشيب وقد ضعفوا جسديا وأحياناً ذهنيا. ويساعد احترام الكبير على ان يقدم لقبيلته ومجتمعه كل ما يملك من خبرة وحكمة ورأي سديد ومهارة، ويظل كذلك ما دام مستطيعا وتظل القبيلة وأبناؤها على احترام كبار السن في كل الظروف.
ولقد كان ولا يزال احترام الاب عادة مهمة من عادتنا الشعبية. وإذا كنا نشير إلى هذا الاحترام في الأسرة فإن اشخاصا آخرين في المجتمع يكون مقامهم كمقام الأب مثل اب القبيلة (شيخها) وأب العمل (صاحبه) يلقى هو الآخر احتراما لا يقل عن احترام الاب الاسري. كل ذلك عملا بالآية الكريمة هنا تبدأ من الاب وحتى شيخ القبيلةأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم أو الحاكم.

العقل :

وفي مجتمع الأمس وتراثه الشعبي كان العقل يعتمد كأساس مشترك لكل فرد من أفراده حيث منه يمكن تسوية الاختلافات ودمجها في الأساس (العاقل) للحياة.
والعقل هنا ليس دماغ الإنسان، وإنما هو الأسس الدينية والاجتماعية والأعراف والتقاليد التي بني عليها المجتمع القبلي والتي توزع بالتالي مكانته الاجتماعية سواء كانت هذه المكانة تنطلق من شيخ القبيلة إلى الرعية ام من الاب إلى الام إلى الولد. لهذا ارتبطت (الرجولة) أو (الحريمية) بالعقل. فيقال ان هذا رجل عاقل رزين (تكانة) و (النعم) متى ما امتثل إلى العقل المجتمعي ونهته الاخلاق عن النوازع التي تهدم تكوين الجماعة.
ومن هنا كان العقل الرزين لأهل البادية والحضر خلقا عاليا يحاول الجميع تحقيقه، إلا ان هذا العقل لم ينس أن هنالك في الحياة أهواء وعواطف ونزوات فابتكر عبر أشعاره العديد من القصص التي تعبر عن الهوى الجارف، ولدينا في تراثنا الشعبي قصائد عذبة تعبر عن الحب. هذا إلى جانب ان الهوى عند البدوي عالم آخر يستطيع ان يعبر من خلاله عن النواحي الغامضة في شخصيته.

الصبر :

يتعلم الطفل في البادية والحضر الصبر على العطش، والصبر على الجوع والأكل الخفيف، ويتعود الطفل آلا يأكل قبل الناس، وأن يجلس على المائدة آخر الناس، وأن يأكل مما هو موجود أمامه، وأن يقلل الوجبة في حال وجوده عند جماعة غير جماعته وألا يطلب الأكل من أمه أمام أحد.


الفروسية :

كان ركوب الجمل من الأساسيات في مجتمع الحضر والبادية فهو ضروري لتنقلهم، ولذلك يعلمون الطفل ركوب الإبل منذ الصغر، حتى إن الفتاة في البادية كانت تركب الجمل وتتعلم ركوبه منذ الصغر ليساعدها على أداء بعض مهامها وخاصة في غياب الرجل ويركب الطفل الصغير الجمل ويجري به ويسابق عليه في سباق الهجن. وإذا كان للاب فرس، تدرب الطفل على ركوبه وشجعه والده على ذلك، وإذا خاف الطفل الركوب أو السقوط، شجعه أبوه على أن يعيد الكرة ويحاول ان يطمئنه بأنه لن يصاب بمكروه.
كذلك يدرب الأطفال على فنون القتال والتنشين والصيد، ويدربون على اقتفاء الأثر كي يستطيعوا الوصول إلى المكان المراد وتتبع حيواناتهم إذا فقدت في البر، ولا بد أن يعرف الطفل الدروب ومسالكها دون ان يصل حتى في الليل، وذلك عن طريق النجوم.

الشجاعة :

يتعلم الطفل الشجاعة من والده، وذلك عن طريق خوض تجارب قد تكون قاسية، إلا أنها ضرورية لغرس هذه الصفة في الأبناء، كأن يطلب منه الذهاب ليلا لقضاء طلب، وإذا أبدى شعورا بالخوف فإنه يكون عرضة للسخرية والشتم والاستهزاء. ويحاول الاب في البادية ان يدرب أبناءه على المبيت خارج إقامتهم أي في البر، كما تحاول الام ان تصطحب ولدها معها عند ذهابها للرعي وعمره 4-6 سنوات وتدربه على الرعي، وهكذا يربى على قوة البأس والخشونة والصلابة فكلها صفات ضرورية ليواجه البيئة القاسية التي يعيش فيها، فالضعف والجبن والخوف وإظهار العواطف من الصفات المبنوذة في المجتمع سواء للفتى أو للفتاة.
كذلك يدرب الفتى على القتال وعلى استخدام الأسلحة، وكثيرا ما يتعمد الاب ان يطلق بندقيته في وجود أبنه، فإذا خاف الصغير وبخه وعاقبه حتى ينزع الخوف من قلبه، لان الحياة وخاصة البدوية كانت قاسية تفرض على أهلها قوة الاحتمال والقلب القوي الشجاع.

السمعة الطيبة والأخلاق الحميدة :

كانت ولا تزال حياة الإنسان سمعته، فإذا ما كان ذا سمعة طيبة يعتبر حياً ويعد صاحب السمعة السيئة ميتا. لذا كانت سيرة الأولين حسنة، فهم يتصفون بعزة النفس، لذا كانوا طموحين دائماً إلى السمعة الطيبة ويتنافسون عليها بتجنب الرذيلة، وعندما يسمعون عن متعاط للخمور والفساد يشتركون في مكافحته وليس الحاكم وحده. وكان الدنيء لا يستطيع الجلوس بينهم، والأجنبي إذا ما اتهم بتناول الخمور أو غيرها من أشكال الانحراف فإنه يجلد في ساحة عامة ثم يطرد من البلاد، وكذلك يؤدب المواطن المنحرف بالجلد والمحاربة والمقاطعة الاجتماعية مرة أو مرتين وثلاثاً فإذا عاد لأفعاله فإنه يطرد أيضا ويلجأ إلى إمارة أخرى، لذلك فإن سمعة الناس الحسنة كانت فوق كل اعتبار وقد قال المثل المنظوم شعراً :
(نفسي لوما حكرها ... إن كان عني عنت
عن القبيح أذكرها ... وانهاها لي عصت)

ان العناية الكبيرة من الآباء بأبنائهم كانت تتم بالرقابة المباشرة الملتزمة لتأدية الصلوات في مواعيدها واصطحابهم إلى المساجد والمجالس ثم الانتباه الحريص لسلوكهم وتنقلاتهم، وافعالهم خارج البيت، وكان لزاماً على الطفل أو الصبي العودة إلى البيت مع صلاة المغرب. ويكون النوم غالباً بعد صلاة العشاء حيث لابد من الاستيقاظ المبكر لصلاة الفجر ومن ثم التوجه إلى (المطوع) وهو رجل الدين – وهو عالم أيضا – للدراسة في الكتاتيب التي كانت تقوم مقام المدارس.
وعلى المستوى الأسري والاجتماعي، لم يعرف الماضي عوامل وظواهر ومؤثرات للانحراف، بل إن كل المعطيات والعادات والتقاليد كانت تجرى بطريقة فطرية وتلقائية، أو بإصرار موجه على تشكيل الشخصية المحلية الوطنية المنتجة والملتزمة. ويظل الطفل منذ طفولته يتوارث تلك العادات والتقاليد والأعراف والمفاهيم والمعتقدات والفنون والمعارف والمهارات والخبرات المهنية والصناعية.

المادة :: ابناء الشيوخ

كان بيت شيخ القبيلة ولا يزال يعد ويهيئ الابناء لمشيخة القبيلة. فالشيخ يشرك ابنه في مجلسه، ويدفعه إلى تعلم الفروسية والمنازلة، ويحيله إلى الشعراء ورواة الاشعار والامثال والحكم ليكتسب الحكمة والبصيرة، ويدفعه إلى معرفة مشاكل القبيلة ليقترب منها ومن ناسها، ويقحمه في خبرة الرحلة وفي مغامراتها ليكسبه قوة التحمل والصبر على الشدائد، فيما يحدث في بيت الشيخ وعلى نطاق القيادة والرئاسة، يحدث في البيوت الأخرى، وكل حسب اختصاصه.


المادة :: أبناء النواخذة والطواشين

بينما يكون ملاحو السفينة من الغواصين والسيوب والجلاليس والفلاليج وغيرهم منتشرين على أطراف ظهر السفينة ومنهمكين في (فلج المحار) أي فتحة واستخراج اللؤلؤ من باطنه، تكون هناك عيون بريئة لأطفال صغار تراقب الأيدي المنشغلة خشية ان تنحرف أو تتكاسل في أي لحظة. وعلى رأس أولئك الصبية المراقبين كان يجول في عرض السفينة وطولها طفل شامخ الرأس ذو هيبة ومكانة واحترام بين الكبار والصغار، وبينما كان نهار الجميع يبدأ وينتهي بأعمال شاقة مكثفة ومضنية وبعطاء كبير وأخذ قليل، كان هذا (الولد) ينام متى ما شعر بالنعاس ويستيقظ متى شاء، يأكل متى اشتهى، ويجلس ويقوم ويصمت ويتحدث كيفما ومتى رغب. إنه باختصار يتمتع بحرية تامة ويحظى بمكانة رفيعة، ليس هذا فحسب بل إن له كذلك نصيباً من محصول رحلة الغوص يتمثل في نوع من اللؤلؤ يسمونه (نقف) أو (خشرة)، فيجمع أكبر كمية منها ثم يأخذها بعد العودة إلى البلاد ليبيعها لحسابه الخاص في أسواق الطواشة المحلية، إنه (ولد النوخذة) أي ابن ربان السفينة. ولا يكلف بأي عمل إلزامي ولكن والده يحرص على تدريبه وإعداده.
ويتمثل هذا الإعداد في أن النوخذة يعطي ولده بعض اللؤلؤ لينظفه ويزنه، ومن خلال ذلك يتعلم بنفسه، وتكون عملية التدريب في هذا المجال على اللؤلؤ من نوع (المجهولة) التي تغطيها قشور سميكة بحاجة إلى إزالة، وبدوره يقوم الاب أو العم يتعريف الابن المتدرب كيفية عملية الإزالة، وبعد ممارسات عدة يبرع الابن في العملية بهمة الشباب وشغفه لتعلم هذه الصنعة، فيصبح عميلا من الدرجة الأولى، والعميل هو صنعة من يعمل في هذا المجال، الأمر الذي يؤهله لمساعدة أهله بكفاءة وجدارة. وقد يشترك مع تاجر آخر يخصص له ربع الدخل وله ثلاثة أرباع ثم يصبح شريكا مع بالنصف إلى ان يخوض عالم بيع وتجارة اللؤلؤ بنفسه.
لقد كان مثل هذا الولد يشب رجلا في سنوات قليلة، يجيد التحدث بطلاقة، والتعامل مع الناس بحنكة ودهاء وأخلاق، ويتمكن من الاعتماد على نفسه ويكون أهلا للاعتماد عليه.

المادة :: أبناء الغواصين

إنـي أنـا الغــــواص
اغوص جوف البحر
اسـتخــرج الـلآلـــي
فــي مــده والجــــزر
واركـــب الأخــطـــار
وافـدي بوالـي الأمـــر

هتافات جماعية وحماسية كانت ترن باعتزاز وافتخار في اذن المدينة الساحلية صباح كل يوم مدرسي جديد وبأنفاس وأصوات جماعية مشتركة لطلبة بعض أولى تلك المدارس شبه النظامية التي عرفتها الإمارات في النصف الأول من القرن العشرين. وبينما كان الآباء يخوضون غمار البحر للغوص أو الاسفار الخارجية البعيدة أو رحلات الصيد اليومية لضمان الرزق الحلال من الأعماق والآفاق، كان الأطفال أبناء الغواصين والنواخذة والملاحين وغيرهم، يجسدون الصورة في الهتافات الجماعية في نشيد مدرسي شهير، معبرين عن فخرهم واعتزازهم ببطولات الآباء في كفاحهم ضد أهوال البحر ومخاطره، وتحديهم لكل الظروف، وانتزاع اللؤلؤ الطبيعي الثمين من جوفه. وبنفس القدر من جدية الآباء وحماسهم واجتهادهم، وبدرجة أكبر من الاستعداد والاعتزاز، كان الأبناء يتغنون بفرص الدراسة وتلقي العلم التي حرم منها الآباء اللهم إلا ختم القرآن، وفقه العبادات البسيطة.
وفي مجال الألعاب الشعبية نجد ان إحدى أكثر الظواهر إثارة في حياة طفولة تلك الأيام هي اهتمامهم بصناعة القوارب الشراعية الصغيرة على اختلاف اشكالها وأسمائها وأحجامها وألوانها مستخدمين في ذلك قطع الصفائح المعدنية أو (كرب) النخيل، وغير ذلك من المواد التي توفرها البيئة. وبتلك الألعاب كان الأطفال ينتشرون على سواحل البحر في جماعات في كل الإمارات وخاصة في فصل الصيف، يتسابقون فيما بينهم وينظمون فنونا من الألعاب والعلاقات التقليدية بالبحر، وذلك من وحي ممارسات آبائهم العملية الاحترافية حتى يحين عمر مشاركتهم الرسمية في الرحلات البحرية ومن ثم الاحتراف. لقد كانت السنوات من بعد الخمس هي العمر القانوني عرفيا لإرسال الأبناء إلى مدرسة العمل، حيث يشد الطفل عدته التي تجهزها له أمه ويودعها مغتسلا بدموع حسرتها واستسلامها وحبها ليقفز إلى (سنبوك) الغوص أي سفينة الغوص، ويبحر برفقة آبائه وإخوته في رحلات البحث عن اللؤلؤ في أعماق الخليج، بل عن الرزق الحلال، وهي الرحلات التي استمرت حتى الخمسينيات من القرن العشرين تقريبا. وكان الشوق والشغف واللهفة تغمر نفوس الأطفال من اجل مرافقة آبائهم إلى المغاصات لإشباع حب الاستطلاع والتنافس والسفر والبحر، وكان الولد منهم يبكي ويتوسل إلى والده لاصطحابه معه.
ولأن الآباء كانوا يعاملون الأبناء بما يشعرهم برجولتهم في ذلك العمر، فإن مشاركتهم في رحلات الغوص لم تكن تدريبا فقط بل كانت عملا. فقد كانوا (جلاليس) جمع (جلاس) أي الجالس ومهمتهم (الفلج) أي فتح المحار طوال النهار على ظهر السفينة واستخراج اللؤلؤ منه. فمنذ الصباح الباكر وحتى غروب الشمس كان الغواصون يجمعون المحار التي تجمع كمياته في المساء في مؤخرة السفينة لينهض (الجلاليس) الصغار في الصباح الباكر ويمسكون (بالمفالج) جمع (مفلجة) أي مفلقة، ليفلقوا المحار ويستخرجوا من داخله اللؤلؤ، وهكذا كل يوم وعلى المركب الواحد كان هناك مجموعة من (الجلاليس) يزيد عددهم وينقص حسب حجم العمل.
و(للجلاليس) من الصبيان ربع الحاصلة، والكبار منهم (نص) حاصلة، أما (التبابون) جمع تباب منهم فهم الصغار الذين يكتفون بالتعرف والاستطلاع على ظروف العمل في البحر، وكثيراً ما كان هؤلاء يعبثون بين كميات (المحار) التي تم (فلجها) للحصول على محارة منسية لم تفلج بعد. وليس (للتباب) أخذ أو عطاء.
وببلوغهم السن العرفي كان الصبيان ملزمين بالخروج في كل رحلة غوص وفي مختلف المواسم والمراحل والمدد الطويلة منها والقصيرة، والمتفاوتة بين ثلاثة أشهر للغوص الكبير وشهر واحد (لغوص الردة)، وأقل (لغوص الرديدة) وهناك غوص (الفحة) القريب من الساحل.
وحين يبلغ الولد العاشرة أو الثانية عشرة من العمر فإنه يخير بين تخصصين إما (غيص) أي غواص أو (سيب) أي مساعد للغواص الذي يمسك بيده الحبل ليسحب الغواص لكن الغالبية كانوا يختارون مهنة الغيص لكونها أكثر حرية وشجاعة، وأكثر نصيبا في توزيع الدخل، وأكثر اعتباراً وتقديرا في المجتمع، بعكس السيب المجبر على الجلوس في مكان واحد وبيده حبل (الغواص) فإن دخله المالي أقل. وقبل ان يصبح العضو الجديد (غواصا) يسمى (المطري) حيث يمر بمرحلة إعداد وتدريب حيث يؤتى له (بحصى) ثقيلة الوزن وتخرم ثم تربط برجله، ويطلب منه التنفس العميق ثم يقفز إلى البحر لتسحبه (الحصاة) إلى القاع وإذا ما انسدت أذناه نتيجة الضغط فإنه يفك رباط الحصاة ويخرج إلى السطح. وما إن يصعد إلى السفينة حتى يصفق له الجماعة ويقال له : (خلاص انت الحين وصلت)، وذلك كتشجيع، ثم ينزل مرة ثانية وثالثة ورابعة، حتى يتمكن من الوصول إلى القاع ليأتي بمحارة وهكذا إلى ان يتعلم ويتمكن، ليكون حاله من حال الجماعة (الغاصة) أي الغواصين.
وهكذا كان اصطحاب الصغار في رحلات الغوص مع آبائهم أمرا شائعا لا بد منه من اجل إعداد الطفل للعمل المبكر والتعود على حياة البحر وظروفها وتقلباتها، ذلك ان ركوب البحر والعمل فيه في السنوات اللاحقة من العمر أمر في غاية الصعوبة كما كان يحدث مع بعض من شباب البادية غير المتدربين من الصغر وكانوا يعدونهم للعمل (كسيوب) ولكن الواحد منهم يبقى عاجزاً عن الوقوف والمشي على ظهر السفينة إذ سرعان ما يتعرض للصداع و(الهدم) أي الإغماء.
ولما كانت هناك أعداد غفيرة من العائلات الساحلية ترحل في شهور صيف كل عام إلى الواحات الزراعية للاصطياف بين النخيل وعيون المياه العذبة وبيوت السعف والطقس المنعش، فإنه في خضم تلك الرحلات تقوى الروابط والعلاقات التفاعلات الحميمة بين ابناء المدن الساحلية وابناء المناطق الزراعية والبدوية. وتتجلى تلك الروابط اصدق ما يكون في الألعاب المرتبطة والنابعة من البيئة البدوية والزراعية أو القروية التي يتعلمها أبناء السواحل والتي كانت تتمثل في صناعة نماذج صغيرة للإبل من مشتقات النخيل، واللعب بها من وحي ملاحظاتهم ومشاهداتهم للآباء من أبناء البادية في حلهم وترحالهم، ليس هذا فحسب، بل إن فرقاً من الأطفال كانت تتسلى بألعاب المبارزات الحربية، والرقصات المعبرة عنها فيما بينهم متأثرين بما غرسته الظاهرة الاجتماعية في نفوسهم تماما كترديدهم جماعات أو فرادى أبياتاً وأناشيد وأقوالا وأمثالا مأثورة لا فرق بين ابن الساحل وابن البادية وأبناء القرى الزراعية.
وبالإضافة إلى تلك الظواهر والنماذج من ألعاب الأطفال، فإن الفتيات الصغيرات كن يقلدن في ألعابهن أمهاتهن في الاستعدادات والعادات المتبعة في المنزل لاستقبال الضيوف مثلا، وذلك بصنع قدور من الطين وتعاونهن على الطبخ وإعداد موائد عامرة معبرة عن الكرم إلى آخر تلك الإجراءات التقليدية لأمهاتهن.
وإذا كان تحفيظ القرآن الكريم عند (المطاوعة) في حلقات الكتاتيب ظاهرة حتمية متوارثة وإلزامية في حياة أولاد وبنات تلك الزمان، فإن ثمة فرصة إيجابية مهمة كانت قد تجلت إتاحتها في بداية القرن العشرين وخلال سنوات النصف الأول منه وتمثلت في بعض تلك المدارس شبه النظامية التي اخذت تستقطب عددا كبيرا من أبناء المدن الساحلية في الإمارات لتعلم القراءة والكتابة والإملاء والحساب والفقه.

المادة :: أبناء الصيادين

لابناء صيادي الأسماك دورات تدريبية ومهام تربطهم بالبحر والحرفة، فإذا كان الأب صاحب مركب الصيد فإنه يصطحب ابنه في رحلاته التي تبدأ فجر كل يوم وتنتهي عند الغروب، ولم يكن للأطفال في سن الخامسة والسنوات اللاحقة من عمر الطفولة مهمة غير الاستطلاع والتأمل والاستكشاف على ظهر قارب الصيد. ولكن ما إن تدر (الألياخ) أي شباك الصيد حصيلة من أسماك (العوم) – وهو (السردين) – الصغيرة فإنه سرعان ما يدور شراع المركب بواسطة (المراوح) ليصل إلى الساحل البري، حيث تنشر الأسماك على الرمال تحت لهيبة أشعة الشمس للتجفيف. وهنا تبدأ مهام الأولاد الذين يمكثون بجانبها تحت ذلك اللهيب الحارق للحراسة فقط. فمنذ صباح كل يوم وحتى غروب شمس النهار تتم حراسة (العوم) من الطيور البحرية التي ترى فيها غذاء سهل الالتهام. لكنهم وقد استوعبوا تلك الجاذبية من أسماك العوم للطيور فإنهم ينصبون لها (القفاطات) واحدتها (قفاطة). أي الفخ، حيث توضع فيها كمية من (العوم) طعما للطيور التي سرعان ما كانت تسقط أسيرة في الفخ. ولم يكن يمر يوم واحد دون أن يأسر الطفل منهم عشرة أو خمسة عشر طيرا يحملها معه في آخر النهار إلى البيت ليباع الطير الواحد (ببيزتين) وهي العملة التي كانت متداولة في بعض السنوات ومنها (بيزة برغش)، كما كان الأطفال يشوون السمك ويأكلونه مع الخبز والتمر وهم في مهام حراسة كميات (العوم) التي تعد للتصدير. وخلال اليوم يقضون الوقت في لعب (الكبة) أي الكرة، والسباحة في البحر، إذا كان عدد الأولاد الحراس كبيرا، حيث جرت العادة ألا يقل عددهم عن ثلاثة على ظهر كل مركب صيد. وبعد أن يكبر ابن الصياد ويبلغ فوق العاشرة وحتى الخامسة عشرة من عمره فإنه يتولى مسؤولية إدارة (محمل) الصيد أي سفينة الصيد عن والده (كنوخذة) أي ربان، كما يشارك أيضا في رحلات الغوص على اللؤلؤ.

المادة :: أبناء الأرياف الزراعية والجبال

ضمن فعاليات دورة الحياة اليومية في المناطق والواحات الزراعية ينتشر الاولاد خاصة أولئك الذين أنهوا تعليم القرآن لدى المطاوعة، ليشتركوا مع آبائهم في تفقد أحوال الزرع من نخيل وذرة و(غليون) أي التبغ تجهز لفترات الحصاد التي تعني لهم تتويج الجهد والتعب والكد المتواصل لجميع أفراد الأسرة من تنظيف وسقي وتلقيح ورعاية لأشجار النخيل قبل بدء الموسم ومن حرث وبذر ومتابعة للذرة والغليون التي تعتمد في الري على الأمطار وجريان المياه في الأدوية في مواسم معينة من السنة. وهناك أيضا اشتراك الأبناء مع آبائهم في رحلات القنص بالبنادق لصيد الظباء والوعول والغزلان وبعض أنواع الطيور المستقرة أو المهاجرة. ولما كانت أشهر الشتاء تشهد القنص وهجرة الطيور من الشمال (إيران وتركيا وأطراف روسيا) إلى مناطق الإمارات وغيرها بحثاً عن الدفء فإن الأبناء قد يشاركون آباءهم في هذه الرحلات وفي تدريب الصقور والصيد بها. ويكون التدريب بربط الطير على (المنقلة) أي القاعدة التي يقف عليها الطائر وإطعامه والنداء باسم معين لتعويده على الاصوات حتى يستأنس الجو الجديد، وذلك لعدة أيام، ثم يبدأ يدربه (بالتلواح) وهو جناح حبارى مربوط بخيط، حيث (يوارش) بها الصقر أي يلوح له بجناح الحبارى أو الحمامة ليأتي عليها ويكرر ذلك وهو مربوط. وبعد ذلك بالتدريج يبعد التلواح عنه مسافة أبعد ويطول الخيط المربوط به الصقر ويكرر هذا ايضا ثم يترك في منطقة بها قنص، وذلك بعد الوثوق من إتمام تدريبه، وبهذا يكون قد تم تعليمه على الصيد. على ان يكون الطائر القانص من مختلف الانواع جائعاً قبل القنص أو أثناء التدريب. وكانت ولا تزال رياضة الصيد بالصقور مشهورة بين أبناء الحضر والبادية في الموسم.
إن أبناء المزارعين في الأرياف والجبال والواحات هم أطفال مهرة كآبائهم في تتبع خلايا النحل وجني العسل، وكذلك في الاعتناء بالابل والرعي والحطابة والتعامل مع مياه الأودية والأفلاج والينابيع وصخور الجبال ونمورها وذئابها وحيواناتها المفترسة.
ويشارك الاولاد والبنات آباءهم وأمهاتهم والأسر الزراعية الأخرى في عمليات (الفزعة) أي التعامل الجماعي على حصاد المحاصيل الزراعية وخاصة الذرة والبر أي (القمح) والغليون (التبغ) والتي تتم بالتناوب ولمدة يومين أو ثلاثة أيام في كل مزرعة، ومن مظاهر التعاون الجماعي التي يشترك فيها الرجال والنساء والأطفال هي مكافحة غزوات الجراد أو إبعاده في مواسم زحفه الجماعي الذي كثيراً ما كان يهدد ثرواتهم الزراعية.
ما بين الثامنة إلى العاشرة من عمره يكون الابن ملزما شأنه شأن غيره من أبناء المناطق الزراعية بتولي (المكدة) أي العمل وطلب الرزق عن والده ويمتطي (الكداد) من (الكد) حمار أبيه وينضم إلى قافلة الجمال والحمير المحملة بالمنتجات الزراعية الموسمية والعسل والسمن والمنتجات الحيوانية. وتنطلق القافلة فجرا في رحلة البحث عن الزرق الحلال والتي قد تمتد إلى أكثر من أسبوع لتصل أسواق المدن الساحلية المعروفة (بالعرصة)، وتقطع القافلة في رحلتها الشاقة المطولة ذهابا وعودة والمحفوفة بالمخاطر، الدروب الجبلية والوديان وكثبان الرمال في الصحارى القاحلة بهدف تسويق منتجاتها الزراعية المحدودة الكمية وتعود باحتياجاتها من الأرز والقهوة والبهارات والثياب والضروريات الأخرى. ويحتاج الولد لمجرد رحلتين يعتمد فيها على رجال القافلة لمساعدته في عمليات البيع والشراء، أما بعد ذلك وعلى مدى المواسم والسنوات الزراعية اللاحقة يصبح ابن المزارع خبيرا أو مسؤولا عن تدبير شؤون رحلته، وتصريف بضاعته، وشراء احتياجات أسرته. وكانت هذه الرحلات تتم مرتين إلى ثلاث مرات في الشهر حسب بُعد المنطقة الزراعية عن أسواق (العرصة) الساحلية.

المادة :: تنشئة البنات

لا يعد أمر تربية البنت أقل اهمية من مجتمع الإمارات وتراثه الشعبي عن تربية الولد، بل إن الذاكرة الشعبية تشير إلى شعور الأهل بخطورة مثل هذه التربية وهذا ما كان يدفع إلى تزويج البنت وهي صغيرة وذلك للتخلص من عبء مسؤوليتها. ولعل ما كان يرعب الأب هو ان يموت عنها في غزوة أو رحلة غوص وعندها قد تتعرض لما لا يرضاه لها.
وتتقاسم البنت مع الولد الخبرات البدوية في التربية الاولى إلا أنها حينما تكبر وتبدأ في تشكيل خصوصياتها ينصرف البيت إلى وضع نظام كامل من المشاعر والمعارف والخبرات لنقله إليها، ذلك النظام المرتبط بالاسم (حرمة) أي ما لا يجوز انتهاكه، وما وجب القيام به من حقوق الله، وحُرمة الرجل حرمه وأهله.
ونظام (الحرمة) الذي فقد الكثير من مكوناته ومظاهره اليوم، لم يكن يحافظ على التزام المرأة بأعراف القبيلة وتمسكها بدينها فقط، وإنما يتيح لها أيضاً مدى واسعاً لاحتفاظها بأنوثتها من جهة ولمشاركتها في فعالية الحياة من جهة أخرى.
يراعى في أسلوب تنشئة الفتاة ان تكون زوجة ناجحة وراعية بيت ماهرة، كما تدرب على الاعمال التي سوف تناط بها مستقبلا، فالفتاة يدخل في تقييمها عند الزواج بجانب الاعتبارات الأساسية أي القرابة والاصل وسلوك الأم .. الخ، ان تكون راعية بيت ماهرة في أداء أعمالها، لذا تدربها الأم على الأعمال المنزلية. وفي البادية والأرياف تصاحبها عند الرعي ونقل الماء لكي تروي البيت والانعام وتحطب وتغزل. كما يقول المثل الشعبي: (إن بغيت تضمها انشد عن أمها).
وتتلقى الفتاة في الصغر التعليم الديني، ويحتفل ويحتفى بها عندما تختم القرآن في مدرسة المطاوعة أو المطوعات. وللفتيات الصغيرات ألعابهن الشعبية المعبرة عن خصوصيات حياة المرأة وبيئاتهن الساحلية أو الصحراوية أو الريفية أو الجبلية ولهن أدوارهن في مساعدة أمهاتهن.
وكان الأم تحرص على تعليم ابنتها كل الأعمال المنزلية منذ الصغر وتعدها لك احتياجات وواجبات بيت الزوجية، ولذلك كانت البنات يتنافسن فيما بينهن على إجادة أكثر أشكال التدبير المنزلي من طبخ الأكلات المختلفة والخياطة وغيرها.
وكانت البنت تسأل صديقتها عما تطبخه غدا فإذا قالت الصديقة محلى)، وهو نوع من الخبز الشعبي، قالت الأخرى : (أنا سأعد لقيمات). وكل من تنهي طبخها أولا تركض إلى صديقتها لتثبت شطارتها وكفاءتها وأسبقيتها متفاخرة. وكانت المرأة تلوم نفسها إذا ما قصرت في شؤون بيتها وعيالها وزوجها، كما ان الناس يعايرونها. وإذا أكملت البنت سن البلوغ ترتدي البرقع ولكنها في سن السادسة تمنع من الخروج وحدها بعكس الولد فهذه سن الخروج بالنسبة إليه. وتحرم البنت كذلك من مجالسة الكبار وخاصة النساء المتزوجات، وقد تخرج عند حديثهن عن الزواج والزوجية لحيائهن، وقد تذهب الابنة مع الام لزيارة الاقارب، أما لزيارة الغرباء فتمنع من ذلك.
وهناك الكثير من الواجبات التي تنشأ عليها الطفلة منذ نعومة أظفارها كحلب البقر والنوق والطبخ و(الخض) أي تحضير الألبان والتنظيف وتجهيز التنور للخبز والفحم ومسح الفنر أي (المصباح)، وقد يكون عمرها سبع سنوات وتتقن القيام بكل هذه المهام، إضافة إلى ذلك فهي تقوم بتجهيز الأكل والشاي والقهوة. ومن الأعمال المنتجة للفتيات رعي الأغنام، وحش الحشيش، وجلب الماء من الآبار، وصناعة الحصر، وأعمال الخياطة والتطريز (التلي). وتكون الام هي المشرفة على أداء الفتاة لهذه الأدوار.
وتشمل عملية التنشئة الاجتماعية للبنت ايضا آداب الحديث والمعاملة مع الآخرين، ويدخل ضمن ذلك توقير الكبير والانتباه إلى أهمية فارق السن والنوع عند المخاطبة والمعاملة، وتعلم الاعتناء بنفسها كامرأة، ويشمل ذلك : النظافة وطريقة اللبس والاحتشام في المظهر، وتعلم الطريقة الصحيحة لأداء العبادات والشعائر الدينية. وتبدأ تلك العملية في محيط الاسرة وتتخذ شكلا رسميا عند المطوع أو المطوعة. وإعداد البنت – بوصفها أم المستقبل – لتربية أبنائها على أساس من القيم الدينية والاجتماعية الأصيلة. وهناك العديد من القيم التي يتركز عليها اهتمام المجتمع ويسعى لغرسها في نفوس البنات والبنين على حد سواء مثل حب الخير والتضامن والأمانة والصدق والكرم والعفة والرحمة ... الخ، ويتم تأصيل هذه القيم من خلال التعليم الرسمي وشبه الرسمي عند المطوع أو المطوعة.

المادة :: التعليم والتوجيه الديني

يتدرج الأهل مع الطفل في تعليمه فروض دينه الإسلامي حسب سن الطفل وقدراته الإدراكية والحركية المتنامية، ويحاول الطفل تقليد الأب أو الأم في الصلاة وهو في عمر السنتين، فمجتمع العائلة يعد بيئة إسلامية ينشأ فيها الطفل متلقيا التعاليم الدينية بشيء من التفهم والشرح والتدريب والتقلين. وترتبط بهذه التنشئة الدينية للطفل كيفية تنظيف الجسم والوضوء والتأهيل النفسي لتقريب العلاقة بينه وبين الخالق سبحانه وتعالى. وفي داخل الأسرة تبدا قراءة القرآن الكريم عندما يقرأ الاب أو الام أمام الأطفال.
وبين سن الرابعة والسادسة أو العاشرة يتم إلحاق الاطفال بحلقات أو مدارس تعليم القرآن في بيوت المطاوعة والمطوعات. ومن السابعة أو قبلها يتعلم الطفل الصلاة ويكون قد أتقن قراءة بعض قصار السور، وترديد الشهادتين، ويقوم بزيارة المسجد بمفرده أو بمرافقة ابيه أو جده.
والتعليم الديني في الإمارات، كما يسجله لنا كتاب التعليم التقليدي للاستاذ عبدالله الطابور بدأ بسيطا على يد المطاوعة الذين كانوا ينشئون الكتاتيب في زوايا من بيوتهم السكنية ضمن التجمعات المستقرة. وكان التعليم لا يتعدى في أحوال كثيرة قراءة القرآن وتحفيظه للتلاميذ، ونادرا ما كان التلميذ يصل إلى ما بعد ختم القرآن وتلقي شيء من العلوم الأخرى كمبادئ الكتابة والحساب وبعض النصوص الفقهية، إذ ان (المطوع) أي المعلم نفسه كان في أغلب الاحيان شبه أمي، فتسمية المطوع نفسها كانت ترمز إلى من هم دون شيخ العلم منزلة ومعرفة. ولم تكن تزيد معلومات هذا المطوع إلا نادرا عن تعليم قراءة القرآن والأذان وإمامة الناس في الصلاة، ما عدا صلاة الجمعة التي تحتاج إلى معرفة أوسع كإعداد الخطب وإلقائها.
وأما إذا تعدت معرفة المطوع قراءة القرآن إلى المسائل الفقهية ومعرفة الكتابة والحساب والأحاديث النبوية وعقد العقود الشرعية من معاملات زواج وإمامة للجماعة فعندئذ يكون المطوع (شيخ علم) ويدعى من الجميع بالشيخ، ويصبح هذا اللقب مرادفاً لاسمه بين الناس ولا يقبل إلا ان يدعى به ويرفض مناداته بالمطوع. ومثل هذا الشيخ يكون تلاميذه عادة من الكبار الذين يواصلون الدراسة المنحصرة غالبا في الفقه واللغة العربية والعلوم الدينية. وكان هؤلاء التلاميذ يلازمون الشيخ وينتقلون معه من مكان إلى مكان، ويأتون إلى منزله في أوقات مختلفة حيث يجلس ويلقي الدروس على الطلبة. ونتيجة لوجود هؤلاء المشايخ من أبناء الإمارات ومن ضيوفيها نشأت بعض المدارس التي اختلفت عن كتاتيب المطاوعة كمدرستي الأحمدية والفلاح في دبي، والتيمية المحمودية ثم الإصلاح في الشارقة، والعتيبية في ابوظبي، ومدارس أخرى أقل شهرة أنشئت في بقية الإمارات على يد المحسنين وبعض التجار.
والحقيقة ان التعليم في الإمارات مر بثلاث مراحل هي مرحلة الكتاتيب التي تشرف عليها المطاوعة والمطوعات. وهذا الشكل من التعليم البدائي والبسيط معروف في مختلف الدول العربية والاسلامية على مر العصور، لانه مرتبط بالاحساس والواجب الديني، ومن الصعب جدا ان يؤرخ احد زمنا محددا لنشأة الكتاتيب في مجتمع الإمارات. وقد وجدت التجمعات الحضرية في بعض مناطق الإمارات منذ عهد بعيد، إضافة إلى الصلة والاحتكاك بسواحل فارس ونجد والحجاز، حيث كان كثير من المطاوعة وشيوخ العلم يأتون من تلك الانحاء إلى الإمارات يعلّمون ويدرسون. وللتدليل على أن التعليم الأكثر تقدما من كتاتيب المطاوعة كان موجودا منذ زمن بعيد، نشير إلى الكتب التي كتبها أهل الامارات والتي وصلتنا في صورة مخطوطات يعود بعضها إلى القرن التاسع الهجري أو الخامس عشر الميلادي مثل كتب البحار المشهور أحمد بن ماجد والربان أو النوخذة سعيد بن أحمد بن مطر في أوائل القرن التاسع عشر، وبعض المخطوطات في علم الفقه وأوزان اللؤلؤ وغيرها، والتي تعود إلى منتصف القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
وللإشارة إلى حظ المرأة من التعليم قديما في مجتمع الإمارات فإننا نتوقف على خبر أورده أحد الرحالة الأجانب في مستهل عام (1901) وهو المبشر الأمريكي (صموئيل زويمر) حين ذكر في كتابه (الخطوط المتعرجة في مناطق الرمال) ما ترجمته ... إن ربان السفينة التي نقلته من البحرين إلى الإمارات، دعاه إلى تناول الطعام في منزله بدبي، وكان هذا الربان أو النوخذة يدعى عبدالله بن قمبر، وهناك في منزله التقى بزوجة النوخذة وتحدث معها فوجدها امرأة عالمة بالقرآن، وتفسيره، وعلى جانب كبير من الفهم. ولكن على العموم فإنه حسب المفاهيم التي كانت سائدة في الماضي فإن تعليم المرأة لم يكن يتجاوز قراءة القرآن أو ختمه في الكتاتيب المختلطة للاولاد والبنات، وكانت فرصة مواصلة التعليم على أيدي شيوخ العلم نادرة. ومع ذلك فإن المرأة كانت تتولى التدريس في الكتاتيب ويضاف إلى اسمها لقب (المطوعة) إذا أبدت شيئاً من الذكاء والفهم في قراءة القرآن الكريم ونصوص الأحاديث النبوية الشريفة.
عندما يبلغ الطفل الخامسة من العمر يقوم الأدب بأخذه مع أخوته إلى (الكتاب) كمستمع في اول الأمر، ورسوم الدخلة روبية واحدة وتسمى (دخلة البيت). وهناك رسوم أسبوعية تدفع كل خميس تسمى (خميسية) وقدرها ربع روبية إضافة إلى الإكراميات الاخرى كلما قطع الطفل مرحلة من التعليم. وقد يختم الطفل القرآن أي يحفظه في عام واحد فقط أو عامين بحسب ذكاء الطفل وأحياناً قد يختم الطفل القرآن في أربعة أشهر فقط. وتجدر الإشارة إلى أنه في بعض المناطق الصحراوية والريفية لم يكن يتعلم الاطفال سوى قصار السور للصلاة فقط، وقلما كان لديهم مطاوعة حسب بعض الروايات، لكن رحلات العائلات الصيفية المعتادة من المدن الساحلية إلى الواحات والمناطق الزراعية كانت توفر حلقات التعليم لأطفالها.
لقد كانت مدرسة المطوع أو المطوعة المؤسسة الوحيدة التي نشأت في ذلك المجتمع وقامت بدور التنظيم الحقيقي لتعليم فروض الدين، وحفظ القرآن، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة وبعض الحساب أحيانا. في هذه المدرسة يبدأ الطفل، ذكرا كان ام أنثى التعلم عن طريق ترديد الآيات بصوت جماعي من سورة (الفاتحة)، وحين يصل إلى سورة (الكافرون) يحضر والد الطفل أو الطفلة أكلة معدة للمطوع أو المطوعة وقطعاً من الحلوى للاطفال زملاء الطفل وإكرامية مالية حسب استطاعته، ويعطي المطوع في ذلك اليوم إجازة نصف يوم للاطفال احتفالا بزميلهم الذي أنهى سورة (الكافرون). وعندما يبلغ الدارس من الاولاد أو البنات سورة الفجر تتم نفس الاحتفالية والاحتفاء وهكذا عندما ينهي جزء عم. وبعد ان يختم الطفل أو الطفلة المصحف الكريم يكون الاحتفال الكبير المعروف (بالتومينة) حيث يطلب ولي الأمر من المطوع أو المطوعة إقامة التحاميد وهي عبارة عن تواشيح دينية، وفي اليوم الذي يحدد للاحتفال يستعد أهل الطفل بإقامة وليمة كبيرة تنحر فيها الذبائح ويلبس الأطفال أحسن ما عندهم من ملابس وحلي وكأنه العيد. ويبدأ الحفل من منزل المطوع أو المطوعة وبعد ذلك يخرج الموكب متجهاً إلى منزل الطفل أو الطفلة المحتفى به وهناك يتناول الصغار طعام الافطار مع الطفل، وبعد ذلك تتحرك جموع الاطفال للمرور على منازل (الفريج) أي الحي وهم يرددون التحاميد مستمرين حتى الظهر حيث يعودون لتناول الغداء في منزل أهل الطفل المحتفل به. وتحتوي أناشيد التومينة التي تردد يوم الاحتفال بختم القرآن في مجموعها على كل القيم والمبادئ التي نظمت عملية التنشئة الاجتماعية في ذلك الوقت ورسخت ثقافة شعبية ذات وعي حقيقي متسقة مع طبيعة هذا المجتمع. ومن تلك الاناشيد التي تردد في التومينة ما يلي :

نماذج من التحاميد :

ما حلت إن نسجت بالدر والذهب
ألا وأحلى من العلم والأدب

من علم اولاده العلم والادب
يكون أجره على الرحمن قد وجب
يا والدي أيا من أحسنتمو أدبي
ونلتم من المال غاية الطلب
وسلمتموني إلى الاستاذ علمني
فضل العلوم وفقهني على الكتب
العلم اوله من مذاقته
لكن آخره أحلى من العسل
العلم في الصغر كالنقش على الحجر
والعلم في الكبر كالنقش في الترب
علموا أبناءكم صغارا قبل كبرهم
وليس ينفع العلم في الكبر
ان القصور إذا قومتها اعتدلت
ولا تلين إذا صارت من الخشب
لا تطلب الجود إلا من معادنه
ومن معدن الجود للطلاب لم يخب
ففيه تفاحا تأتي بحنظلة
وهي علقمه تنبت بالعتب
الحر حر ما يرتضي بالذل في بلد
لو كانت الأرض تنبت بالذهب
الحر حرا لو خابت محاسنه
والعبد عبدا لو طوقته بالذهب
ترحلوا عن دار فيها مذلة
إياك تسكن فيها ثم تنزل
تجنبها لو كنت قديما
ولو كنت تسمع قول مثله
سيروا على التوحيد سيروا وبادروا
ترى ملة الشرك ملة أبي جهل
ترى هادم اللذات يطلبك راكبا
ويأتيك حتى الأجل يكمل

ويتضح مما سبق أن الفرحة يتعلم القرآن كانت عظيمة في هذا المجتمع، إذ تبدأ مراسم الاحتفال من منزل الطفل أو الطفلة الخاتمة للقرآن بكامل العدد من زملاء المدرسة الاسلامية مرورا ببيوت الحي أو الحارة لتعلن الفرحة للجميع وليشارك الاهالي الجيران في هذا الاحتفال الكبير، ويدفع كل مشارك قدراً من المساهمة الإكرامية والتقديرية للمطوع وللطفل الذي حقق النجاح فتبدو صورة الاحتفال اجتماعية وإنسانية.
وعليه في إطار مدرسة المطوع يبدأ صقل الشخصية وهناك ينمو الفكر والوعي ويخرج الطفل من أحضان الأسرة ليلتقي بمجتمعه الأكبر، ولينهل من التنشئة المجتمعية بقدر استطاعته، إذ في ذلك المكان يبدأ الطفل بتكوين الصورة لمجتمعه وربما لخارج مجتمعه إذا كان في أسرته من يمارس نشاط السفر والتجارة فتتسع رؤية الكون لدى الطفل وتضاف له أعباء جديدة ومسؤوليات أخرى أهمها مسؤولية ان يفهم ما يدور حوله.
وجدير بنا قبل التطرق إلى الأدوار الاجتماعية والتدريب والتعليم المهني للأطفال في مجتمع الإمارات الإشارة إلى ان المرحلة الثانية من قصة بدايات التعليم في الإمارات المرتبطة بالشوق الكبير والرغبة العارمة التي اجتاحت النفوس للانعتاق من آثار الجهل والتخلف ولكي يلحقوا بإخوانهم العرب الذي سبقوهم في هذا المجال الحيوي والمهم هي مرحلة المدارس المتفرقة والصغيرة والتي لم يتجاوز التدريس فيها المرحلة الابتدائية. وقد بدأت في بداية القرن العشرين بسبب ازدهار الاقتصاد المحلي الذي أنعشته تجارة اللؤلؤ الرائجة آنذاك، فقام التجار الذين تحمسوا للتعليم ببناء وتمويل المدارس، واستقدموا لها المدرسين من الدول الخليجية المجاورة، وفي بداية الأربعينيات ضعفت أحوالها وأغلق بعضها بسبب انهيار تجارة اللؤلؤ وبسبب الانعكاسات السيئة للحرب العالمية الثانية.
وتمثلت المرحلة الثالثة في التعليم النظامي، ذلك التعليم الذي ساهمت فيه بشكل أساسي مساعدات الدول العربية الشقيقة وعلى رأسها البعثات المصرية والكويتية والقطرية، وقد بدأت هذه المرحلة في الخمسينيات واستمرت إلى أن قامت دولة الإمارات الفتية وحملت لواء الإشراف على التعليم والانفاق عليه حتى أصبح اليوم مواكباً لأحدث نظم التعليم في العالم.

المادة :: المجلس

المجلس هو ديوان للزوار والضيوف ويسمى باللهجة المحلية (البرزة)، ففي وقت لم تعرف فيه المدينة الفنادق والمطاعم، كانت هذه المجالس مشرعة الابواب ليلا ونهارا لاستضافة القادمين إليها من الإمارات الاخرى أو من خارجها.
ويجري الحرص على ان يكون المجلس أنيقا، ويتسم بناؤه بالزخرفة والنقوش الجميلة، ويتميز بأن نواخذه مفتوحة على الشارع العام، ويجلس الرجال في جنبات المجلس متكئين على مساند توضع على الأرض. وكلما دخل شخص أو خرج قام الجميع لتحيته.
وكانت المجالس مكاناً لتبادل الاخبار وتجاذب اطراف الحديث وتسوية الخلافات، وفي بعضها تقرأ الأشعار وسير الأنبياء والصالحين. وانعكست طبيعة المهن التي مارسها السكان سابقا على طبيعة مجالسهم، فوجدت مجالس لتجار اللؤلؤ أي (الطواشين). وأخرى للصيادين، وثالثة للمهتمين بالقنص. كما تخصصت بعض المجالس في أداء الفنون والرقصات الشعبية. ومن أشهر المجالس الموسمية، مجالس رمضان التي يمتد فيها السهر حتى موعد السحور، وتقدم فيها المأكولات الشهية. وللمجالس آداب لابد من مراعاتها، فكبار السن ووجهاء القوم يجلسون في صدارة المجلس ويعطون الأولوية في التحدث. وتقدم القهوة للزائرين، ويعاد تقديمها لهم بين فترة وأخرى، كما يدار على الضيوف بالبخور ويعطرون بماء الورد.
واشتهرت مجالس الحكام، وخاصة مجالس المغفور له الشيخ راشد بن سعيد المكتوم بتعددها، فكانت تعقد في أماكن مختلفة عدة مرات في اليوم الواحد، صباحاً وبعد الظهر وفي المساء، حيث تحل فيها قضايا الناس ومشكلاتهم بأسلوب الشورى.

المادة :: الختان

الختان أو الختانة هي عملية قطع الجلدة الزائدة في عضو الذكر أي الحشفة بآلة حادة وتعرف الحشفة محليا باسم (القلفة) أو (الغلفوطة). وختان الأولاد سنة إسلامية يمارسها المسلمون في العالم أجمع وتسمى هذه العادة في بعض الدول العربية (الطهارة) أو (الطهور) من التنظيف والتطهير، وهو واجب ديني ويجرى للصبي عادة في سن السابعة أو الثامنة، حيث يتجمع الآباء من (الفريج) الواحد وعادة ما يكونون من نفس الأسرة، ويأتون بأولادهم ثم يأتي (المحسن) الحلاق والذي يكون في نفس الوقت مختنا من ذوي الخبرة والمهارة في هذا الامر يحمل معه (الشنطة) وهي حقيبة جلدية صغيرة لحفظ الأدوات والادوية التي يستخدمها المختن.
تتكون الادوات من موس ومرص ومرود ومسن. أما الموس فهي نفس السكين الكبيرة المستعملة في حلاقة الذقون حتى اليوم ولكنها للختانة تكون ثقيلة وكبيرة نوعا ما. و(المرص) عبارة عن كلاّب من الحديد للضغط على جلدة أو حشفة عضو الذكورة حتى يقطع الموس الجانب البارز منها. و(المرود) قضيب رفيع من الفضة بطول حوالي 12 – 14 سم صقيل أملس، رفيع مدبب في المقدمة ويعرض كلما اتجه إلى المؤخرة ويكون ممسك المرود مزينا بزخارف منقوشة ويستخدم عادة في تكحيل العيون ويستخدمه المختن لقياس الجلدة المراد قطعها وللتأكد من ان الجلد غير ملتصق بالحشفة من الداخل. اما (المسن) فهو قطعة من حجر خاص تستعمل لصقل طرف الموسى.
أما الأدوية فهي عبارة عن إسعافات اولية للجروح وتتكون من (بيلسان) وهو محلول دوائي اسمه الطبي (Balsam) يستخدم عادة لمعالجة الجروح ذات النزف، ويستخدم مباشرة بعد القطع في عملية الختان. و(الآمبي) وهو مسحوق أقراص دوائية، والتسمية اختصار لاسم الشركة المنتجة لهذا الدواء الذي كان يستخدم للوقاية من مضاعفات الجروح ولمقاومة الجراثيم. و(آيدين) وهي صبغة يود تستخدم لتجفيف الجرح في الأيام التالية. و(الضماد) قطن لمسح الدم ولف مكان القطع ثم استعمل الشاش الطبي لسهولته وعدم التصاقه بالجروح.
وتبدأ الختانة بوصول المختن حاملا شنطته الصغيرة. ويهيأ فناء البيت بوضع (سحارة) أي صندوق خشبي مناسب ليجلس عليه الصبي المراد تختينه وأخرى أقصر من الاولى للمختن. بينما يكون المدعوون في المجلس أو (الحوش) أي فناء المنزل يكون الاولاد في غرفة خاصة بهم وبصحبة ذويهم من النساء والاطفال. ويتم إحضارهم واحداً تلو الآخر. وعادة يمسك الأب أو الأخوان الطفل المراد ختانه خلال إجراء العملية ويلاعبونه ثم يقول له المختن (اكو الطير) أي هاهو الطير فينظر إلى الأعلى بحثاً عن الطير في حين ينهي المختن العملية، وخلال ذلك يعلو صوت الرجال الوقوف حول المختن والمختون بالصلاة والسلام على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وببعض مقاطع من الشعر مثل (طالع فوق يا مختون) بشكل متتال قبل لحظات من قطع الجلدة، وعندما ينقل الطفل إلى غرفة في المنزل تطلق النساء الزغاريد بوصوله ويقمن بتهدئته والتخفيف عنه.
وتجدر الإشارة إلى ان قطع الجلد (الغلفوطات) تجمع وتدفن خارج البيت. ويقوم صاحب المنزل بتجهيز الفطور أو الفوالة للمدعوين، وبعد الأكل يستأذنون ويغادرون ومعهم المختن. وعادة ما يزور المختن الصبيان بعد ثلاثة أيام لمعاينة الجرح وتبديل الضماد. وخلال اسبوع واحد تشفى الجروح وبشكل نهائي يكون خلاله الطفل في البيت ولا يخرج.
كان من المستحب الختان في الربيع أو عند انتهاء الشتاء وفي أيام الخميس أو الجمعة أو الاثنين أو في مناسبة دينية كالمولد النبوي الشريف أو ذكرى الهجرة النبوية أو الاسراء والمعراج. وإذا كان الطفل لا يختن وهو رضيع فإنه لا يمكن ان يبقى بين سن السادسة وحتى الثامنة دون ختان لاسباب دينية وصحية وبيئية. ولا يستطيع الطفل الذهاب إلى المسجد غلا بعد تختينه إذ يعتقد عدم جواز دخوله المسجد وهو لم يختن بعد. وبإتمام عملية الختان يتم إدماج الطفل الذكر إلى مجتمع الذكور وإدماج الطفلة الأنثى إلى مجتمع الإناث.
ويشير بعض الباحثين إلى أن الذكورة والأنوثة تبرز هنا كظاهرتين رئيسيتين يتم بناء عليهما الفصل التام بين الذكر والأنثى، فينشأ الطفل الذكر كرجل جديد يضم إلى مجتمع الرجال وهو راكب على ناقة تهدى له في يوم ختانه ويلبس الملابس الحريرية الخضراء وتحتفل القبيلة وتوزع الهدايا وتقام افخر الموائد وتذبح الذبائح ويعلن الختان على الملأ، ويتفاخر الأب بذلك ويراقب ابنه أثناء عملية الختان والجلوس معه وتهدئته. أما ختان الأنثى ويسمى (التحليل) فيجرى للطفلة وبدون علم الناس، ويبتعد الاب أو يسافر، ولا تعطى المرأة المختنة إلا الأجر البسيط، في حين يعطى المختن أعلى الأجور.
وحسب رأي بعض الباحثين انه عند هذه المرحلة تبدأ سيادة الرجل وبالمقابل خضوع المرأة. فإنه بقدر إيجابية التراث بمضامينه التعليمية التي عرفناها فيما يتعلق بالرجل، بقدر قلة هذا الاعتبار والتقييم الذي يقدمه للمرأة. ولقد استطاعت هذه القيم السابقة التي اتسمت بها عملية التنشئة الاجتماعية الخاصة بالطفلة في هذا الجانب ان تستمر وتحدد معظم العلاقات الاجتماعية حتى الآن، وذلك باستمرار الاختلاف والتباين في النظرة إلى الجنسين في مجتمع الإمارات.


المادة :: الفصل الثالث - عادات الزواج والوفاة

الزواج كمتطلب حيوي وإنساني :


الزواج هو اقتران بين ذكر وأنثى بطريقة شرعية يبيحها المجتمع وفقاً لدينه ومعتقداته وعاداته، فالزواج هو العلاقة التي تنظم الروابط الجنسية والنسل وتحافظ عليه وتعطيه شرعية الوجود والاستمرار لقوله تعالى : . ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة  والزواج ليس مجرد التقاء رجل بامرأة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج) فهو يحض على الزواج لأنه مدعاة للاستقرار والطمأنينة والسكن، فالمودة والرحمة مطلبان نتيجتهما ما تقدم، والاستطاعة مفهوم غير مجبر، بل محرض ودافع. ولكننا أيضاً ينبغي ألا نغفل ان الإنسان يحتاج إلى العاطفة، كونها دافعاً يدعو إلى الفهم الذي يعبر عن صدق الاحتياج، فنحن كبشر لا نستغني بأي حال من الاحوال عن الحب، لانه اصل العاطفة، ولان المودة من الود، وهو صدق الشعور بالاحتياج المتبادل بين الإثنين، وهذا لا يأتي من فراغ، ولا يتعلم المرء ذلك في العادة، بل يغرس فيه منذ طفولته، ذكراً كان أو أنثى وبشكل إيجابي، إذ يتمثل في الرضاعة ثم الاحتياج إلى الصدر والحنان، هذه المشاعر تكبر مع الطفل، وعندما ينفصل عن الأم يبدأ في الاحتياج إليها بقرين، والقرين هنا أنثى ايضا، ولكنها تتحول وظيفياً إلى الزوجة، أي شريكة الحياة، بحلوها ومرها، بمعاناتها وآلامها، إضافة إلى عملية التناسل، لقوله صلى الله عليه وسلم : (وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ..) إذاً، فالحياة الزوجية مطلب حيوي لا يمكن المساس به أو القفز عليه، وتجاهله فهذا يمثل نوعا من الخرق للفطرة البشرية.

الزواج كمتطلب ديني

الدين الإسلامي يحث على الزواج ليس من أجل النسل فحسب، وإنما لكونه عبادة يثاب عليها المسلم، فالوظيفة الاجتماعية للزواج تخفض معدلات الجريمة والانحراف، وتؤدي إلى بناء أسرة متماسكة، وينتج عن هذا التماسك تربية صالحة، لتنشأ الاجيال بصورة يمكن ان تؤدي إلى بناء نسيج سليم من العلاقات المشتركة، وفوق كل ذلك يحافظ الزواج على شجرة النسب، وينظم عملية الميراث، كما أنه يربط الزوجين والأصهار والغرباء أيضاً داخل المجتمع الواحد، وذلك ضمن أمور إيجابية عديدة أخرى.
والدين الإسلامي يدعو كل ذي لب راشد إلى ان يختار حليلة وفق الأصول والقواعد، فسير المسلم على هذه الصورة تكسبه الحسنات، فالزواج عملية يثاب المرء عليها، وإلا ما فائدة وجود القيم والولي وعقود الزواج والشهود والدعوة إلى العدل بين الازواج لمن هو متزوج بأكثر من واحدة ؟ كل ذلك فقط من اجل تحقيق غرض ديني يؤدي إلى التماسك الأسري، وبالتالي النقاء الاجتماعي في السلوك والمآرب والأهداف.

الزواج في الإمارات

للزواج في مجتمع الإمارات تقاليد وقيم خاصة به مستمدة من العادات العربية الاصيلة والمفاهيم الاسلامية السمحة، وقد تميز الزواج في الماضي باحتفالاته ومراسمه البسيطة الرائعة، وخلوه من التعقيدات والصعوبات التي أملتها الظروف الاجتماعية والاقتصادية الحالية، التي جعلت الزواج مشكلة ومعضلة تواجه الشباب المقبلين عليه وتهدد استقرارهم الأسري والاجتماعي.
وككل مجتمع في الدنيا، يعتبر مجتمع الإمارات العربية المتحدة، الزواج أحد المتطلبات الاساسية التي يوليها اهتماما كبيرا، وككل المجتمعات ايضا له شروطه وعاداته وتقاليده التي يسير عليها، لانها تمثل وجهته الثقافية والحضارية، التي يحاول المحافظة عليها، حتى لا يختل ميزان وجودها. فالاماراتي، في المجتمع القديم يتزوج من الاماراتية، بنت العم أو بنت العمة، بنت الخال أو بنت الخالة أو بنت الجيران، وربما من منطقة أخرى ولكنها تدور في نفس الفلك الجغرافي والتاريخي والثقافي، والاصل ان تكون بنت العم لابن عمها، ويشذ عن القاعدة من يختار غير ابنة عمه أو قريبته بإرادة ذاتية خاصة إن كان الزواج متأخرا، وهذا في غالب الاحيان يتم وفق وسيط يقوم بهذا الدور (الخطابة)، وتخرج بعض العائلات ايضا عن هذه القاعدة أي قاعدة الزواج من الاقارب من منطلق الاختيار الحر.
يميل الزواج في الإمارات في أكثريته إلى الزواج المبكر، سواء على مستوى الذكور أو الإناث، لأنه يمثل حصانة دينية لدفع المرء إلى الممارسة الحلال، وحصانة اجتماعية من الزيغ والانحراف، وحصانة أسرية لدفع الرجل إلى الكد والعمل الصبور والمثابرة لإعالة بيته وعياله.


ما قبل الزواج


يدرك الاب العلامات البيولوجية الدالة على ان ولده قد دخل مرحلة البلوغ، وذلك إما بتخشن صوته أو بظهور الشعر على عارضيه أو نبت شعر الشوارب، هنا يدرك الاب ان لابد من البحث عن عروس لهذا الشاب الذي بلغ مبلغ الرجال، والآباء في المجتمع الإماراتي يتفننون في هذه الامور، لانهم يعلمون بالسنين والحساب والعرف ان الابن ان بلغ سن السادسة عشرة من العمر فقد أزفت ساعة اقترانه، لذلك يولون هذه النقطة أهمية قصوى، وقد يحدث ألا يكون للشباب رغبة في الزواج في المرحلة التي يحددها الآباء، ولكن لابد له من الرضوخ، خاصة إذا كان الاب مقتدرا على دفع كل تكاليف ومصاريف الزواج، فهو يريد لابنه ان يستقر من ناحية، وان يعاونه في امور الحياة من ناحية أخرى، فتحقيق الزواج له يعتبر نوعاً من التشجيع لا الترفيه كما قد يظن البعض، زد على ذلك ان ما يحتاجه الزواج لم يكن مكلفاً يومذاك، وهنا تندفع الرغبات في الوالد لتزويج الابن، من أجل ان يلد له حفيدا.
أما البنت فان امها أدرى بها، فالنساء قريبات من بعضهن بعضا، إذ ان الام وعاء سر ابنتها. يتراوح سن بلوغ الفتاة قديماً بين الرابعة عشرة والسادسة عشرة، وفي مراقبة دقيقة للتغيير الذي يحدث على البنت كدلالة على البلوغ، فان الأم تجس نبض بنتها في هذه الأمور بصورة سرية، فالبنت لا تثق إلا بأمها، لأنها الاقرب إليها دائما، بينما الشاب قريب من ابيه. وعندما تشعر الأم بالضرورة الملحة لتزويج ابنتها تقوم بتعليمها أصول سياسة البيت من طبخ ونفخ، وكنس وترتيب وتنظيم، وتدخلها في عالم المرأة الواسع، ولا يفوتها شيء إلا وعلمتها إياه، لأنه تربية البنت وأخلاقها دليل على أن أمها مربية صالحة، ولذلك تضمن الام ان ابنتها سترفع رأسها عاليا، وستتباهى بها، لأنها ربتها على العادات والتقاليد والعرف الذي يفهمه كل أفراد المجتمع.

اختيار الزوجة

حينما يعقد الاهل النية لتزويج ولدهم، فإنهم يبحثون له عن فتاة تنتمي إلى اسرة كريمة وقورة تتحلى بصفات الدين والأخلاق الحميدة والسمعة الطيبة. وكانت مهمة البحث عن الفتاة المنشودة تقع على كاهل الخاطبة أو الرسول، وهي امرأة ذات عقل وفكر ولباقة، لديها القدرة على تقييم الفتاة وأسرتها ومدى تحليهم بالصفات الحسنة التي كان المجتمع ولا يزال يعطيها اعتباراً خاصا. فبالنسبة للفتاة فإن الجمال والخلق والدين. صفات لابد منها لدى أهل الشباب المقبل على الزواج، كما أن سمعة عائلة الفتاة وأصالتها ونسبها، ومكانة الأب الاجتماعية أو منا يتمتع به من خلق كريم وسلوك حسن هي ايضا صفات تبحث عنها عائلة العريس وتشترط توافرها.
وقد لا يكون للخاطبة أي دور في عملية إتمام الزواج أو حدوثه إذا كان الزواج سيتم بين الاقارب، فقد حرص الناس سابقا على مصاهرة الاقارب، كأن يزوج الاب ابناءه من بنات اخيه واخته وابناء عمومته وذلك زيادة في الترابط الاسري وتماسك العائلة.
وفي حالة الاستعانة بالخاطبة فإنها تقوم بزيارة ودية لبيت أهل البنت، وقد تشاهد الفتاة على حين غفلة لانه من العسير الالتقاء بالبنت حين دخول امرأة أجنبية إلى بيت أهلها. وحين ترجع الخاطبة تبلغ كل ما رأته لأهل العريس وعلى ضوء ذلك فإنهم يتخذون قرارهم، إما بالتقدم لخطبة الفتاة أو للبحث عن أخرى.


الصداق والمهر


عند الوصول إلى اتفاق مبدئي بين اهل الشاب واهل البنت، يتم الاتفاق على الصداق، ولكل أهل بلد أو قبيلة قدر معين. لكن بشكل عام كان صداق الفتاة البكر يتراوح بين سبعة توامين وأربعين تومانا ويصل إلى سبعين تومانا ويرتفع إلى مئة تومان، ف ي وقت كان فيه التومان يساوي سبعة ريالات فارسية عند أهل البادية، وأربعة ريالات عند أهل المدن، أما المناطق الشرقية فالتومان عندهم يساوي خمسة ريالات فارسية.
وفي الماضي لم يتعد مهر العروس في البادية سبعة توامين في حين تراوح مقدار الصداق عند أهل المدن بين أربعين تومانا ومئة تومان. ويتكفل العريس بدفع (القطوعة) وهي دراهم محددة تدفع لجهاز البنت من ثياب وزينة وتختلف باختلاف حالة الناس المادية ومكانتهم الاجتماعية، كما يتكفل العريس بتجهيز متطلبات حفل الزواج وفي مقدمتها الوليمة. وقد اختلفت معظم عادات الزواج ومظاهره التقليدية عند أهل المدن مقارنة بأهل البادية والقرى في بعض التفاصيل.


الاستعداد للزواج


عندما تكون دائرة الاتفاق قد اكتملت تسعى العائلتان من اجل البدء بالاحتفال الجماعي لإشهار هذه المناسبة الجميلة، وذلك بعقد القران الذي يطلق عليه مصطلح (الملجة)، يقولون (فلان ملج فلانة) أي صارت ملكاً له، أي ان كتابها قد كتب، وعقد قرانها على يد (المطوع) أو رجل الدين، فالملجة هي الأذن الشرعي في مجتمع الإمارات بقيام علاقة شرعية بين رجل وامرأة، بعد هذه الخطوة تبدأ خطوات أخرى هي في الواقع ما يجعل بالعرس، الذي يضع الإثنين تحت سقف واحد.
يبقى ان نعرف كيف يستعد الشاب لهذا الزواج ويوم العرس على أحر من الجمر، إذ هناك فترة زمنية تستعد خلالها كلتا العائلتين للتحضير للزواج المبارك، الذي يباركه الأهل والاقارب والمعارف والاصدقاء، فكيف تتم هذه الاستعدادات؟


استعداد الرجل (العريس)


في مثل هذه المناسبة السعيدة، تبدأ عائلة العريس في استنفار جهودها وتكريسها من اجل ان يتم العرس خلال اسبوع أو شهر أو ثلاثة أشهر على الأكثر، خلال هذه المرحلة يتم جمع وتوفير نقود المهر الذي اتفق عليه بين العائلتين، وتكون الحركة على قدم وساق، فتجهز الأكلات التي تقدم بهذه المناسبة، وتجهز غرفة العروس وجهازها، في حين تقوم عائلة العروس بتجهيز العروس بتضافر جهود نساء الحي، إذ تجهز ملابسها من الاثواب مثل (الميزع والثوب المخور والكندورة المزرية أو المرزاية والمخورة)، أما أنواع القماش فهي تبة مدراس وصالحني وبوطيرة وبستان الياهلي والخارة والمزري بأنواعه، وقد كانت هذه الاقمشة تجلب عادة من الهند. في حين يكون للحلي حضور واسع حسب مقدرة العريس على توفيرها لعروسه، ومن أنواع الحلي (المرتعشة والدلال والسيتمي والمرية)، وهذه الانواع عبارة عن قلائد تزين صدر المرأة، أما زينة الرأس فهي (الحزام أو الحقب ذهبياً كان أو فضياً بالإضافة إلى الشناف والهيار)، في حين تضع العروس في معصمها (ابو الشرج وقرض الهيل)، وتلبس في كاحل القدم الحيول (الحجول)، أما (الفتخ والختم والشواهد) فهي خواتم لأصابع اليد، وهناك (الفتور والكواشي) وهي عبارة عن اقراط لزينة الأذنين. ولابد للعريس من أن يجهز هدية لزوجته في ليلة زفافها، وهي التي يحضرها أهله، وتسمى (الزهبة أو الزهاب)، وتعرض هذه الهدايا في حفل بهيج يطلقون عليها (المكسار).


استعداد المرأة (العروس)


تستعد عائلة العروس لهذا الحدث المنتظر بشتى أنواع الزينة، فالعروس تطيب بعدد من أنواع الطيب التي يعتقد المجتمع الإماراتي انها تدخل السرور والبهجة في ليلة الزفاف، فمن أنواع الطيب المعروفة (الياس والبضاعة والزعفرانية والمخمرية والعود)، بجانب (الدخون) بشتى أنواعها، مع دهانات عطرية هندية المصدر وزيتية النوع. وفي الايام التي تسبق ليلة الزفاف تقوم ام العروس بالتعاون مع نساء (الفريج) أي الحي بدهن جسد العروس بالنيل والورس. فهم يعتقدون بان البشرة ستأخذ لونا اقرب إلى الصفرة، وهو لون محبب إلى الرجال، بالإضافة إلى كونه يلين البشرة عند المرأة، إذ التليين يرطب البشرة ويلينها إذا كانت خشنة لاعتياد المرأة في مجتمع الإمارات قديما على القيام بأعمال شتى، قد تذهب بالرقة من أجسادهن، فيستعينن على ذلك بهذه الدهانات.
وتعتبر الحناء زينة للعروس، إذ تقوم بتخضيب كفيها وباطن قدميها، ولم تكن توجد عملية الزخرفة الموجودة الآن، ولكن وجود الحناء يعطي لونا مفارقا للون البشرة الحقيقي، مما يجعل لون العروس ذا لفتة بهيجة في تلك الليلة السعيدة.

الزواج في المدن
يستغرق الاحتفال بالزواج عند أهل المدن ثلاثة أيام متتالية، تبدأ يوم الاربعاء وتنتهي يوم الجمعة، تقدم خلالها الولائم للضيوف والمدعوين. وتتشكل الولائم من مختلف اصناف الحلوى والهريس والنقاع، أما الوليمة أو المائدة الرئيسية فهي (العيش) أي الأرز واللحم المشوي، في حين تحيي رقصات العيالة والرزفة الوهابية أيام العرس حتى ساعة متأخرة من الليل.
وتحتفل النسوة بالعرس داخل (المكسار). والمكسار قطعة من الشراع يؤتى بها وتنصب على اعمدة حطب الكندل وتتدلى الأطراف لتقي الجالسين حرارة الشمس، وينصب المكسار عادة وسط البيت حيث تتجمع داخله النسوة فيشاهدون ملابس العروس والمأكولات الشهية. وعادة ما يخصص يوم الاربعاء، أي اول أيام العرس، لاحتفالات النسوة وابتهاجهن. أما يوم الخميس فيكون حفلا عاما للجميع يقدم فيه العشاء للرجال، وقد يطول عرس أهل المدينة ليصل إلى سبعة أيام متتالية، وهذا عندما يكون الزواج بين طرفين من الاغنياء أو من الرؤساء فهناك المكسار الذي يبلغ أمده سبعة أيام فأقل، وتوضع أصناف الأطعمة وتذبح الأغنام والضأن وتنحر الإبل والبقر وتكون أيام العرس كلها أفراح تعج بالرقصات الشعبية (كالرزفة والعيالة ولعبة السيوف) ومن الألعاب الإفريقية (المكواري والويلية) وغيرها والرقصات الإفريقية والبلوشية. وتختم هذه الأفراح في ليلة دخول الزوج على زوجته وهي في الغالب ليلة الجمعة بقراءة المولد الشريف والصلاة على النبي.
والغالب عند أهل المدن إقامة وليمة تكون بعد قراءة المولد الشريف، وهي مكونة من (هريسة ونقاع وحلوى) ثم الدخول في الليلة نفسها ويسبق ذلك احتفال في المساء ثلاثة أيام برقصات (الرزفة والعيالة) ثم (ريوق) في الصباح مكون من الأكلات التي سبق ذكرها.


زواج أهل البادية


يتميز اهل البادية بتعاونهم وتآزرهم ومساعدتهم لبعضهم بعضا في إتمام الزواج والاحتفال به، حيث يستمر تقديم الطعام والولائم مدة أربعة أو خمسة أيام، وهو يعد لكل ضيف على حدة، فإذا جاء أحد المدعوين ومعه جمع من قبيلته أعدوا له طعاما خاصا وقدموه له ولمن معه، وإذا حضر أثناء تناوله هذه الجماعة طعامها مجموعة أخرى فإنها لا تتناول الطعام مع المجموعة الاولى ولكن تمكن حتى يعد لها طعام آخر وهكذا. وتكون وليمة العرس عند أهل البادية من (العيش) أي الأرز واللحم. وتقوم فرق (العيالة والرزفة) بإحياء أعراس البادية كما هو الحال عند أهل المدن وذلك طيلة أيام وليالي العرس. غير ان زواج أهل البادية يتميز بإقامة سباق للهجن العربية الأصيلة، يسمى بركض الإبل حيث يكرم الجمل السبوق بدلكه بالزعفران.
أما لدى أهل القرى، فإن عادات الزواج تكاد لا تختلف عن مثيلتها لدى أهل البادية غير أنه في زواج أهل القرى إذا كانت العروس من قرية أخرى، ركبوا الابل والحمير ونقلوها في موكب تزغرد فيه النساء، وتتصاعد أصوات الرجال وهم يؤدون (الرزفة) ويتخلل ذلك طلقات البنادق، وتهيأ للعروس ناقة تركبها اثناء الرحلة، وعند وصولهم تقدم الولائم وموائد الطعام ويبارك للعريس.
في القرى والبادية يدخل الزوج على الزوجة من اول الليل بعد انتهاء الاحتفال مباشرة وينالها ليلا، ويطلق ثلاث طلقات نارية في الهواء عند الصباح إذا كانت الزوجة بكرا أما الثيب فلا. وبدخول الزوج على الزوجة يقيم عندها (في منزل اهل عروسه) سبعة أيام ثم يرحل بها إلى منزله في موكب إما براً أو بحراً ويستعد أهله لضيافتها وإكرامهما، فإن كان منزلها قريبا من منزله جاءت بها النساء ليلا بعد انقضاء المدة في زجل وغناء وربما ضربت الدفوف بين أيديهن حتى يصل الجميع إلى منزل الزوج. وعكس ذلك أهل القرى في المنطقة الشرقية فبعد إقامة الزوجة سبعة أيام في بيت زوجها يخرج بها زائراً أباها وأمها أو من يقوم مقامهما كالأخ والعم والجدة والخالة ويمكثون يوما واحد فقط. ومن عادة أهل المدن ان يمكث العريس مدة سبعة أيام في بداية زواجه عند أهل عروسه كي تعتاد العروس على حياتها الجديدة بعيدا عن أسرتها.
أما أهل المنطقة الشرقية من الإمارات فهم كغيرهم من سكان مناطق الحجر والباطنة يحتفلون بالزواج برقصات شعبية في المساء ثلاث ليال أو سبع ليال يسبقها تقديم الطعام غداء بعد الظهر يسمى (الضيف) حيث يقوم أهل الزوج لمساعديهم (اعرفوا الضيف). فتقدم الصواني عليها اللحم والأرز ويقدم إلى الجيران بعضه. فإذا فرغوا من الطعام قالوا : (بكرك صبي ما معرس)، ولا يختلف الامر في البادية عن ذلك كثيرا إلا أن وجبة (الضيف) تكون عشاء.
ومن العادات الحسنة أن أهل القرى وسكان الصحراء يساعدون بعضهم بعضا في أمر الزواج مثل جمع حطب وإيقاد النار وتحضير طعام وذبح غنم أو بقر أو إبل وتوزيع الطعام على الحاضرين ونقل الماء على ظهور الإبل أو الحمير وغير ذلك. ولا يأتي المدعوون من غير سكان القرية أو البادية سواء للعرس أو للختان إلا ومعهم هدية مثل الأرز أو التمر أو الحب أو الذبائح أو القهوة. وهناك عادة خاصة بهم وهي إعداد وليمة لبنات القرية الأبكار زميلات المتزوجة. ومن العادات الحسنة (القطوعة) وهي دراهم محدودة تدفع لجهاز البنت من ثياب وزينة وتختلف باختلاف حالة الناس.
يسكن الرجل عندما يتزوج في بيت ابيه، ليتحول هذا البيت إلى البيت (العود) أي الكبير الذي فيه تكون الحياة أكثر اجتماعية، فإحساس الأب انه بين أبنائه وأحفاده يشعره بالفخر الكبير، فعدد الاسرة يكبر وهم يؤازرون بعضهم بعضا في الملمات، وناتج العمل يتقاسمونه مشتركا بينهم، أما البنت فتزف إلى بيت زوجها، الذي هو في الواقع بيت أبي زوجها.
إن مظاهر الزواج وعاداته الأصيلة التي التزم بها الآباء والأجداد، أصبحت تراثا اليوم يتغنى به أفراد المجتمع ويحنون إليه في جميع أفراحهم وأعراسهم. لقد كادت المدينة الحديثة التي جلبتها الطفرة الاقتصادية ان توجد مشكلة اجتماعية خطرة داخل مجتمع الإمارات ان لم تكن قد أوجدتها بالفعل، وهي صعوبة الزواج الذي يحقق الاستقرار الاسري وتكمن اسباب هذه المشكلة في غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج. لذا جاءت دعوة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة لكافة أفراد المجتمع وحثه لأبنائه المواطنين على العودة إلى الاصول ونبذ جميع العادات والمظاهر الضارة الدخيلة على حياة المجتمع وسلوك افراده، كما جاءت مكرمة سموه لأبناء شعبه بإنشاء صندوق الزواج الذي يقدم المساعدة والعون لكل مقبل على الزواج لتساهم بدور كبير في تذليل هذه المشكلة التي تفاقمت في السنوات الأخيرة، وستكون هذه الدعوة وهذه المكرمة بلسما شافيا بإذن الله لمشكلة صعوبة الزواج.

المادة :: الوفاة

فكرة الموت والبعث


كثرت الآراء عن بداية وجود فكرة المصير أو الموت في رأس الإنسان، ولكن المعلوم هو ان هذه الفكرة بدأت أول ما نزل الإنسان إلى الأرض. ويقترن الحديث عن الموت غالبا بذكر الله تعالى وإرادته ومشيئته، وذلك فيما يرى الإنسان من تقلبات الحياة وأثرها على الكائنات من حوله من البداية إلى النهاية خاصة عندما يصل كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفونالإنسان إلى مرحلة النهاية من العمر، فيعلم ان أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا .متاع الغرور
نجد في كثير من الشعر (النبطي) أي العامي في الإمارات أفكارا عن الموت والمصير والقبر وما يعقب ذلك من بعث ونشور وحساب وثواب وعقاب. فالشاعر الإماراتي حين يذكر الموت في شعره كأنه يخاطب شخصا موجودا يمكن ان يبعث في أي لحظة، ويتصوره قادما من كل مكان. ويحس به في كل ضغطة ألم وفي كل مرض ملم ونجد هذا في شعر ابن ظاهر جليا فالموت هنا مصور في صورة مذهلة بارعة. فالشاعر يتصوره ولا يريد ثباته في مخيلته، فتجد رائحة الموت منتشرة في شعر ابن ظاهر تتناثر فيه ألفاظ تزيد من حدة حضوره مثل (قبر – كفن – نعش – عذاب – منكر ونكير).
وعليه تقترن فكرة الموت في الادب الاماراتي بفكرة البعث والنشور أي في حياة جديدة ودنيا جديدة هي الدار الآخرة كما يصورها القرآن الكريم. وهي دنيا ثواب أو عقاب، منقسمة إلى عالمين عالم الجنة وعالم النار. وتبدأ الدار الآخرة حيث تنتهي الدنيا وتوضع الموازين وتنشر الصحف. وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تصور مشاهد القيامة تصويرا فنيا تناولها بالشرح بعض الكتاب بشكل بديع، فالأموات في الآخرة تعود إليهم أرواحهم التي تظل باقية بعد موتها إما معذبة أو هانئة. فهناك يحاسبون على ما علموا في هذه الدنيا. وليس القبر مستقرا اخيرا، بل هو مكان للانتظار حتى اليوم الذي ينفخ فيه في الصور، وهذا اليوم للمؤمن جنة وللكافر نار.
ويهيمن البعث على مشاعر الشعراء الإماراتيين وفيها انحدرت العادة الخاصة بالحزن والبكاء على الميت، حيث يعتقد الناس ان الميت ينتقل إلى عالم منفذه القبر لا يعود منه الراحل إليه، ولا حياة فيه كحياة هذه الدنيا ولا نجم ولا سماء ولا قمر ولا أي مظهر من مظاهر الحياة الدنيا، بل هو ظلام وتحلل ثم عدم يعقبه مصير لا يعلم به إلا الله وحده. وهذه الفكرة تعكس الإيمان بخلود الروح وبعثها من جديد في تكفين الموتى بعد غسلهم وبناء القبور أحيانا لهم وجعل المقابر اشبه بمدينة خاصة مستقلة منعزلة صامتة. ولا يتوانى الشاعر الإماراتي عن سرد الخصال التي يجب ان يتمتع بها الانسان المسلم في الدنيا لينال حسن الختام وتكون عاقبته خيرا.
(كل نفس ذائقة الموت) هذه هي الحقيقية الربانية التي يؤمن بها كل مسلم. وحين تؤذن للروح بالانتقال إلى بارئها مفارقة الجسد لابد من إكرام الميت بدفنه. فعندما يموت المرء يشهر أهل الميت الوفاة، ويتوقف الأهالي في تلك الأيام عن أعمالهم، ويجتمع الكل من أجل تجهيز الجنازة فيسجى الجسد على موقع مرتفع عن الأرض، ويغسل ثم يعطر، ويكفن وبعدها يصلى عليه ويدعو الإمام والمصلون مبتهلين وضارعين إلى الله تعالى ان يغفر للميت ويسكنه فسيح جناته ويعتقه من النار، ثم يوضع في قبره ليدفن.
والموت هو العبور الأخير في سلسلة حلقات دورة الحياة البشرية ولكنها ليست النهاية الابدية للحياة، فالإسلام يفرق بين (الدار الفانية) و (الدار الباقية) وبين الحياة الدنيا والآخرة. والمسلم مسؤول مسؤولية تامة عن إعداد نفسه لحياة البرزخ في القبر وليوم البعث والنشور يوم الحساب في الدار الآخرة.
والمجتمع المسلم يتعهد الفرد في حياته وفي مماته إذ إنه يلقى التوجيه والرعاية والتنشئة في حياته بالصورة التي تعده لهذه المرحلة المهمة من دورة الحياة البشرية، ويتعهده في مماته بالقيام بالشعائر الدينية على الوجه الأكمل الذي يحفظ للإنسان إنسانيته ويؤكد التزامه بقيمه الدينية حتى آخر لحظة من حياته ويؤمن عبوره للدار الآخرة. والى جانب ذلك فإن المجتمع المسلم يحرص على مساعدة أسرة المتوفى أو المتوفاة في الحفاظ على توازنها النفسي والاجتماعي.
وبعد الدفن يتجمع الاهالي في بيت المتوفى ولا يطبخ طعام في بيت المتوفى بل يحضر الجيران والاقارب كل مستلزمات البيت لإطعام المعزين على مدى ثلاثة أيام. وبالنسبة للأرامل ففي فترة العدة التي تبلغ اربعة أشهر وعشرة أيام تلزم المرأة التي يتوفى زوجها بيتها ولا تفارقه، ولا تلقى المحارم من الرجال ولا تتزين حتى تكمل عدتها.
وتهيمن الروح الاسلامية على عادات وطقوس الوفاة في مجتمع الإمارات وفي المجتمعات الاسلامية الاخرى، كما ان روح التكافل الاجتماعي والتآزر والمواساة تغلب كذلك على هذه المناسبة وتعطي أسرة المتوفى دعما نفسيا هم في أمس الحاجة إليه.
وعند الإحساس بدنو لحظة الوفاة أي في حال احتضار المريض فإن الاهل أو القريبين منه يحرصون على تلقينه الشهادة حتى تكون الكلمة الطيبة (شهادة ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) آخر كلمات حياته فيتوفاه الله مسلما مؤمنا على حسن الخاتمة. وفي حال عجزه عن ترديدها فإنهم يرددونها عنه ومن أجله أو يكتفي المحتضر برفع إصبع السبابة بيده اليمنى شاهدا بوحدانية الله ومفارقا الدار الفانية على حسن الخاتمة. وتقرأ سورة الفاتحة وسورة الاخلاص على روح المتوفى وتقرأ سورة يس لحظة الوفاة وعند الدفن لاعتقاد العديد من الناس في أنها تساعد في الخلاص وتهون على الميت عذاب القبر.
ويتم الإشعار عن الوفاة بسماع البكاء من منزل الفقيد فيهرع الاهل والجيران للمساعدة والمؤازرة كما يتم الارسال لإبلاغ النبا لاقارب الميت في حال بعد مساكنهم.
يغسل جثمان الميت في المنزل قديما وكذلك حديثا أو في المستشفى أو في المقبرة وأحياناً في المسجد. ويتولى هذه المهمة المطوع أو ابناء المتوفى أو بعض اقربائه واصدقائه، أما بالنسبة لغسل المرأة فإن بعض النساء قد تخصصن في الغسل والدعاء للمتوفاة ويعملن في مجموعات بحضور قريبات الفقيدة.
ويتم الغسل بطريقة طقسية معلومة ثم يكفن الميت وفقا للتعاليم والشعائر الإسلامية المعروفة في جو روحي تحفه رهبة الموت والاعداد للقاء المولى سبحانه وتعالى. ويستخدم في تجهيز الجثمان من العطور: الصندل ودهن العود وماء الورد والمسك إضافة إلى الكافور والزعفران وأحيانا يستعمل ورق السدر في الغسل وخاصة شعر المرأة وقد يدخن (أي يعطر بالدخون والبخور) الجثمان وهو داخل الكفن.
وبينما ينشغل بعض الأهل بغسل الجثمان وتجهيزه وتكفينه يتجه بعضهم نحو المقابر للمشاركة في حفر القبر. وكانت عملية حفر القبر والدفن مهمة تضامنية يؤديها افراد المجتمع طوعا وهي من حق المسلم على المسلم. وبعد غسل الجثمان وتكفينه يحمل النعش على الاكتاف إلى المقبرة ويتناوب الرجال في حمله طمعا في أجر هذا العمل الصالح. ويتبع الباقون موكب الجنازة في صمت ووقار يرددون الدعاء مبتهلين لله تعالى وطالبين الرحمة والمغفرة للمتوفى. وإذا كانت الفقيدة إمرأة فإن النساء اللاتي قمن بغسلها وتكفينها يشرفن على إخراج الجنازة للرجال بمعاونة أبنائها أو أقاربها ليحملها الرجال إلى المقبرة وقد تتبع النساء الجنازة لمسافة غير بعيدة خارج المنزل.
وتعتبر صلاة الجنازة من أهم الشعائر الدينية المتصلة بالوفاة إذ إنها وداع المجتمع لأحد افراده وتتم في جو من الرهبة والوقار. ويتم حضورها امتثالا للتعليمات الدينية ووفاء للصديق والجار والقريب وضرباً من ضروب التضامن الاجتماعي والدعم المعنوي لأهل المتوفاة. ومن يتعذر عليه حضورها يحرص على تقديم واجب العزاء لأهل المتوفى.
وإذا كان غسل الميت هو العملية التي يتم بموجبها التطهر فالصلاة على الميت والدعاء له هي الاجزاء التي يتم بموجبه الفراق، بينما الدفن إرادة الله تعالى التي يتم بموجبها الولوج في حياة أخرى وبها تنتهي دورة الحياة البشرية التي تحكي قصة الإنسان (من تراب والى تراب).
يشق اللحد حسب الطريقة الاسلامية المعروفة وبالمقاييس المحددة والمعهودة على الجانب الايمن من القبر ثم يوضع الجثمان بحيث يكون وجه المتوفى متجها نحو القبلة، وتتخلل العملية قراءة القرآن والدعاء للميت ولجميع موتى المسلمين طلبا للرحمة والمغفرة، ثم يوارى الجثمان الثرى وتسوى الأرض بصورة تجعل كل القبور متساوية متشابهة، اللهم إلا من علامة بسيطة على الأرض نسميها (نصيبة) تعين أهل المتوفى على تحديد مكان القبر.
يجتاح الحزن أسرة المتوفى ويسارع الاصدقاء والجيران من أهل (الفريج) أي الحي في اداء الواجبات المنزلية والاجتماعية نيابة عن الأسرة في استقبال المعزين وإطعامهم وجلب الضروريات والبقاء نساء ورجالا مع أهل المتوفى لفترات طويلة خلال الأيام الأولى، والتناوب في تحضير الإفطار والغداء والعشاء وخدمة المعزين والتخفيف على أهل المتوفى، وقد تشمل التكافل على بعض المساعدات النقدية والعينية، ويستمر العزاء لثلاثة أيام متواصلة وقد تزيد وتتواصل خلالها أفواج المعزين للترحم على المتوفى ولمواساة الأهل والاصدقاء. وقد يتم إطعام الفقراء والمساكين والترحم على روح المتوفى وقراءة الفاتحة له، ومن الممارسات الدينية، (ختمة القرآن الكريم) التي تتفق في شكلها ومضمونها في أغلب بلاد العالم الإسلامي حيث مشاركة المعزين بتلاوة آيات القرآن الكريم بأجزائه الثلاثين. يلي ذلك الدعاء والابتهال للمولى سبحانه وتعالى، وتوهب (الختمة) لروح المتوفى أو المتوفاة طلبا للرحمة والمغفرة.
وعادة ما تكون الختمة للرجال في اليوم الثالث في منزل المتوفى. فللنساء ختمة خاصة بهن داخل المنزل. وقد يبقى الاهل وبعض الاقارب بمنزل المتوفى أو المتوفاة لعدة أيام إضافية ترقبا لوصول معزين آخرين وحتى تهدأ نفوسهم على مصابها الجلل والنساء يمكثن بصورة أطول.
وتسمى عملية الحظر أو العزل التي تخضع لها الارملة بعد وفاة زوجها، فترة العدة، وهي اربعة أشهر وعشرة ايام وفقا للتعاليم الإسلامية والأعراف الاجتماعية المعروفة. وتقضي الارملة فترة (العدة) التي حددتها الشريعة الاسلامية داخل المنزل ولا تترك وحدها إذ يتناوب الاهل والاقارب والجيران على خدمتها وتوفير احتياجاتها. ولا ترى من الرجال غير المحارم ولفترات قصيرة للضرورة وتبتعد عن العطر والزينة. وهناك بعض العادات والممارسات والمعتقدات المتصلة بالأرملة من الرواسب البائدة التي عرفت على نطاق ضيق بين بعض شرائح المجتمع.
وبعد إكمال فترة العدة وبعد قيام الأرملة بطقوس التطهير وإزالة ما علق بها من شبح الموت تصبح جاهزة لإعادة استيعابها في المجتمع مزاولة حياتها الطبيعية داخل المنزل وخارجه بل يمكنها ان تتزوج إذا جاءها من يريدها. وكإشعار بإعادة وجودها في المجتمع تقدم (الفوالة) أو تقام وليمة بهذه المناسبة فيسمع الجميع بهذا الحديث ويشارك بعضهم فيه ويتم توزيع الطعام على أهل الفريج أو تقدم لهم الدعوة كإعلان بأن (فلانة) قد أكملت عدتها وأن (طلوعها) يوم (كذا)، إشهاراً بأن كل شيء قد تم وفقاً لشعائر المجتمع الدينية واعرافه الاجتماعية لتخرج الأرملة من منزلها لأول مرة بعد وفاة زوجها ولإعادة دخولها في المجتمع ومزاولة حياتها الطبيعية.





رد مع اقتباس