عرض مشاركة واحدة
قديم 04-02-2010, 08:08 PM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


رد: التراث الشعبي هي الحصيلة الانسانية لكافة الشعوب



المادة :: رابعاً : الثقافة المادية والفنون الشعبية

أولاً : الثقافة المادية

نستطيع القول ان التراث المادي يعتبر من أهم مجالات التراث الشعبي والسبب يرجع في ذلك كون هذا المجال مرتبطاً ارتباطاً مباشرا بالاحتياجات اليومية في الحياة العامة ولكن وعلى الرغم من أهميته إلا إنه لم يحظ كثيراً باهتمام الأكاديميين مقارنة ببعض ميادين التراث الشعبي الأخرى كالأدب الشعبي والعادات والتقاليد .. ولكننا وقبل أن نحدد ما المقصود بالثقافة المادية، لابد أن نتطرق اولا لتحديد مفهوم الثقافة، فالثقافة بشكل عام هي (مجمل الموروثات الإنسانية المادية منها وغير المادية محكومة بالبيئة الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية المحيطة بها وتدخل فيها كذلك الممارسات اليومية التي تكيف الحياة عامة والسلوك على وجه الخصوص). من خلال هذا التعريف نلاحظ ان الثقافة المادية ما هي إلا جزء من الثقافة العامة وتعرف الثقافة المادية بأنها (الشيء الملموس والمحسوس بوجه عام أو بمعنى آخر هو تحويل المادة الخام إلى شكل محدد يخدم غرضا لدى الإنسان)، يتضح لنا من خلال هذا التعريف ان محور الثقافة المادية يعتبر محوراً أساسياً في الفلكلور الإماراتي وذلك لأنه يشكل جانب الإبداع في هذه الثقافة الشعبية، فهو يغطي جميع إبداعات الفنون التشكيلية والتطبيقية التي منها على سبيل المثال الصناعات اليدوية بمختلف أنواعها والتي سنحاول ان نتطرق لتقديم شرح مبسط عن أهم أنواعها ...
(1) الصناعات اليدوية
(أ) المصنوعات الجلدية : وهي التي تعتمد على جلود بعض الحيوانات مثل البقر والغنم ومن أهم هذه الصناعات صناعة قرب الماء وقرب الحليب وصناعة النعال والحقائب وجلود الطبول.
(ب) الصناعات الصوفية : مثل صناعة الخيام والبشوت وبعض الملابس الشتوية والسجاد وغيرها.

(ج) الصناعات الخشبية : مثل الصناديق والأسرة وبقية أثاث البيت الخشبي وصناعة السفن.
(د) صناعة الفخار : وقد مارسها غالبا أهالي الجبال لتوفير الطين ومنها أواني الشرب والصحون وغيرها.
(هـ) الصناعات الحديدية : مثل صناعة السيوف والخناجر وصناعة قضبان النوافذ والأدوات والأواني المنزلية وأدوات العمل وغيرها.
(و) صناعة السعف : مثل صناعة المهفه (مروحة يدوية)، وصناعة الحصير، السرود (يفرش تحت مائدة الأكل)، المغطى (يستخدم غطاء للمائدة)، المكناس .... الخ.
(2) الخياطة والتطريز وأدوات الزينة :
(أ) الخياطة والتطريز : وتشمل نقوش الملابس النسائية وخياطتها مثل (المخور والمزراي والتلي) وغيرها كما تشمل ملابس الرجال والصغار.
(ب) أدوات الزينة : وهي التي تهتم بها المرأة سواء في يومها العادي أو عند خطوبتها أو زواجها أو زياراتها العائلية أو في المناسبات كالأعياد والافراح .. ومن أنواع الزينة الحناء وصناعة صبغة الشعر وصناعة الكحل العربي .. وغيرها ..

وبعد هذا العرض السريع لأهم الصناعات التقليدية التي يزخر بها التراث الإماراتي لا بد لنا من إيضاح نتيجة مهمة في هذا المضمار كشفت عنها إحدى الدراسات التي قام بها مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية فقد بينت هذه الدراسة عن وجود 23 حرفة شعبية يدوية ما زالت تمارس داخل مجتمع الإمارات وتمثل مورد رزق للعديد من الناس، وفي دراسة أخرى كشفت عن وجود 30 حرفة من الحرف النسائية التقليدية لا زالت تمارس في الدولة، وبهذه النتائج التي توصلت لها هذه الدراسات نتوصل إلى ان دولة الإمارات تعد اليوم في طليعة الدول الخليجية من حيث الاهتمام بالحرف والصناعات التقليدية الشعبية. كذلك مما يكشف لنا عن وجود الثقافة المادية في دولة الإمارات تلك الحصون والقلاع والبيوت القديمة أضف إلى ذلك الافلاج التي شقت المياه.

ثانياً : الفنون الشعبية

تعد فنون الاداء الشعبي من الميادين الأساسية المؤلفة للتراث الشعبي، فقد احتلت مكانة خاصة في حياة الآباء والأجداد وفي حياتنا كذلك نحن اليوم، فهي لا زالت تواكب مسيرة النمو الوجداني والعاطفي للإنسان في الإمارات وتعبر كذلك عن شجونه وأحاسيسه، إضافة إلى ذلك فإن محور الفنون الشعبية يعد من أوسع محاور التراث الشعبي وذلك لاشتماله عل ثلاثة فنون يعد كل منها عالماً قائماً بذاته (فن الموسيقى الشعبية، فن الغناء، فن الرقص)، إضافة إلى فن الألعاب الشعبية .. وسنتطرق أولاً لتحليل الفنون الشعبية في الإمارات ومن ثم سننتقل لمناقشة محور الألعاب الشعبية.

1. الفنون الشعبية

وتشمل هذه الفنون (فن الرقص وفن الموسيقى والغناء) ولقد تعمدنا جمع هذه الفنون في نقطة واحدة وذلك لكونها لا تأتي إلا مجتمعة، فيؤدى الرقص بمصاحبة الغناء على أنغام الموسيقى، وتنقسم هذه الفنون في دولة الإمارات في الواقع إلى قسمين رئيسين فنون أصلية وفنون وافدة للمنطقة.
(أ) الفنون الأصلية.
وهي التي بدأت أولا كنوع من الهواية وذلك للتعبير عن السعادة والفرحة أو التنفيس عن صعوبات الحياة وكذلك لشغل وقت الفراغ فقد كان الأفراد يمارسونها في المناسبات المختلفة، كالأعراس والختان والاعياد وغيرها من المواسم الاجتماعية والدينية، لكنها في وقتنا الحاضر نلاحظ أنها اقتصرت على حفلات الأعراس والمناسبات الوطنية فقط .. وهي كذلك تختلف باختلاف البيئة في دولة الإمارات فنلاحظ ان فنون أهل البحر تختلف عن فنون أهل البادية .. فمن أهم الفنون البحرية (العيالة، المالد، الأهل، العرضة، الدان، تقصيرة، هولو، العرضة على السفينة، النهمة، الخطيفة).
أما بالنسبة لأهل البادية (الونة، الرزيف، الحربية، الطازج، العازي، التغرودة، السامري، الردحة، ورقصة المناهيل).
(ب) الفنون الشعبية الوافدة
وهي التي وفدت للمنطقة نتيجة للاتصال التجاري مع الدول المجاورة لا سيما مع افريقيا وايران والهند وغيرها من الدول فقد ذابت هذه الفنون في الفولكلور المحلي بعد أن لاقت استحسان أهل المنطقة، وتعتمد هذه الفنون الوافدة على الآلات الموسيقية الوترية وآلات النفخ التي لم تكن معروفة في الفنون العربية الأصيلة، ومن أهم هذه الفنون الوافدة فن ( الليوه، الهبان، النوبان الفجرى، مكوارة سومة .. وغيرها).
ومن الملاحظ في دولة الإمارات حالياً ان الفنون الشعبية تحظى باهتمام بالغ من قبل المؤسسات التراثية سواء الرسمية منها أو الأهلية وذلك كون هذا الجانب من أكثر جوانب التراث حيوية، ولن نتتطرق في هذا المقام لمناقشة أهم الجهود المبذولة في هذا المضمار وذلك لانفراد الفصل الثاني بمناقشة هذا الموضوع.

2. الألعاب الشعبية :

يعتبر اللعب غريزة انسانية لدى الاطفال فهو ذو أهمية لا تقل عن الغذاء والهواء، وذلك لما تتمتع به الالعاب من مزايا إيجابية فهي تعد أهم الوسائل الترفيهية المتوفرة في ذلك العصر، وبجانب هذه الوظيفة الترفيهية تبرز وظائف أخرى لا تقل عنها أهمية، فهناك الوظائف الاجتماعية والنفسية والتربوية التي تقدمها الالعاب ليس للأطفال فحسب وإنما للكبار ايضا. وفي دولة الإمارات العربية يوجد الكثير من الألعاب الشعبية التي ابتدعها الشعب وحافظ عليها حتى أصبحت تشكل جزءا من ثقافته الشعبية، وقد كان يمارسها الأفراد على اختلاف مستوياتهم وطبقاتهم الاجتماعية.
أما عن أهم الألعاب الشعبية التي كانت تمارس في السابق، فكانت متنوعة ومختلفة وذلك بحسب اختلاف عمر الإنسان حيث كان لكل فئة عمرية نوعية من الألعاب التي تناسبها، فألعاب الاطفال كانت تختلف عن العاب الكبار التي كان يغلب عليها طابع الهدوء والاتزان والتفكير كما في لعبة الشطرنج على سبيل المثال. كما يمكننا تصنيف الالعاب حسب الجنس فألعاب الصبية التي تعتد على القوة الجسمية والعضلية كانت تختلف عن ألعاب الفتيات، كما يمكن تصنيف الألعاب الشعبية من حيث عدد لاعبيها إلى ألعاب فردية وأخرى جماعية. ولن نتطرق لتفصيل هذه الألعاب وذلك لانفراد فصل مستقل في الكتاب لمناقشتها.


رؤية تقييمية :

من خلال التحليل السابق لأهم مجالات التراث الشعبي، تتضح الأهمية الكبيرة التي يعلبها التراث الشعبي في حياة الشعوب، فكل عنصر من عناصر التراث الشعبي، بل كل قطعة أدبية شعبية أو معتقد شعبي أو مثل أو حكاية أو أهزوجة لها وظيفتها المعينة، فهذه العناصر كما بينا سابقاً تسعى لترسيخ القيم والمعارف الثقافية من خلال الأمثال والحكم والشعر، كما تساهم هذه العناصر التراثية بالتعبير عن أحوال شعوبها النفسية والعاطفية سواء في المناسبات السعيدة أو الحزينة وذلك من خلال الموسيقى والأغاني الشعبية والتقاليد والعادات المختلفة التي ترافق كل حالة من حالات الإنسان النفسية والعاطفية. كما يقوم التراث بوظيفة نقدية تربوية فالمجتمع أحياناً يوظف بعضاً من عناصر تراثه الشعبي في نقد السلوكيات التي تتعارض مع فلسفة المجتمع وكل ذلك يتم بطريقة غير مباشرة عن طريق النادرة والنكتة والحكاية.
ومما يجدر لفت الانتباه إليه أن موضوعات عناصر التراث الشعبي تشكل فيما بينها وحدة متآلفة ومتداخلة وعليه فإنه من الصعب الفصل بينها في عالم الواقع، وإنما قصد من التحليل والتصنيف الذي ورد في ثنايا الفصل، إبراز كل مجال على حدة وتوضيح أبعاده المختلفة وذلك تسهيلاً للقارئ أو المطلع ... ولنأخذ مثالا على ذلك إحدى المهن الشعبية المنتشرة بكثرة آنذاك في مجتمع الإمارات ألا وهي مهنة الغوص، فإذا حللنا مهنة الغوص ولاحظنا مدى انطباق صحة الشرط الذي افترضناه في تكامل لوحة عناصر التراث الشعبي، نلاحظ الآتي ... مهنة الغوص من المهن العريقة في التراث الإماراتي، كان ممارسوها يرددون أثناء عملية الغوص العديد من الأهازيج الشعبية، ومنها على سبيل المثال الأهزوجة التي يخاطب فيها الغواصون النوخذة :

والله يخليك، نوخذه بيت مكة يوديك. نوخذه

نلاحظ أن هذه الأهزوجة مستمدة من الادب الشعبي، كما ترتبط بهذه المهنة العديد من الفنون الشعبية البحرية كفن الأهل والعرضة والدان والتقصيرة والهولو ففي فن الهولو على سبيل المثال يبدأ النهام الغناء قائلا :

هولو .. يا سيد المرسلينا
هـولــو .. واشـفــع لــنـا
هـولــو .. فـي كـل حينـا

كما ترتبط بمهنة الغوص بعض من مظاهر الثقافة المادية كصناعة السفن وأدوات الغوص والصيد كالشباك (القرقور، الليخ، السنارة، البلاوة ... الخ). يتبين مما سبق أن جميع مجالات التراث الشعبي تشكل فيما بينها مجموعة من الحلقات المترابطة التي تشكل لنا في النهاية صورة عن واقع الحياة الشعبية في المجتمعات التقليدية والتي من بينها مجتمع الإمارات.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآِن هو كيف وصلت لنا هذه المفردات التراثية اليوم ولقد مرت عليها أحقاب من الزمن، هذا ما يقودنا للحديث عن حملة التراث وهم الذين يحفظون لنا التراث ويروونه، وبعض أدبيات التراث اعتبرت حملة التراث أحد مجالات التراث الشعبي .. أما بالنسبة للسؤال عن من هم حملة التراث، ففي الواقع يأتي على رأس هؤلاء : المعمرون وكبار السن (الشواب) والشعراء والمطاوعة ورجال البحر والغوص .. فهؤلاء يعتبرون في الواقع هم حفظة التراث الذين يتولون نشره ونقله فهم بمثابة مرجع للتراث، ولكن لا بد أن نضع في الاعتبار عند تعاملنا مع هؤلاء الرواة عوامل الأمزجة المختلفة لهذه الأجيال المتعاقبة فالأفراد عادة يميلون للانتقاء فيما يسمعونه أو يبصرونه من ممارسات وهذا ما يفسر لنا التباين بين التراث الذي يحمله أبناء الجيل الواحد، كذلك للوسط المحلي وللبيئة تاثيرها الجلي على حملة التراث.



المادة :: خاتمة الفصل الأول

ناقش هذا الفصل الذي يعد مدخلا لدراسة التراث الشعبي موضوعين رئيسين :

الموضوع الاول متمثل في تقديم تعريف لمصطلح التراث الشعبي، ولماذا آثرنا استخدامه على بقية المصطلحات التراثية الاخرى كالفلكلور والمأثورات الشعبية.

أما الموضوع الثاني فهو متمثل في مناقشة مجالات التراث الشعبي، وقد بينا ان الدارسين لم يتفقوا بعد على تقسيم معين لهذه المجالات، إلا أننا في هذه الدراسة اعتمدنا التقسيم الذي استحدثه الدكتور الجوهري والذي تأخذ به معظم الدراسات التراثية وقد ناقشنا هذه المجالات مع تقديم أمثلة تطبيقية عليها من التراث الإماراتي، وذلك مساهمة منا في إحياء تراث هذه الدولة وحث الاجيال الصاعدة على استيعابه وفهمه وممارسته في بعض أوجه الحياة.



المادة :: الفصل الثاني - مظاهر الاهتمام الرسمي والشعبي بالتراث الشعبي في دولة الإمارات


تمهيــد :

تركز البحث في الفصل السابق على تحديد مفهوم التراث والتراث الشعبي على وجه التحديد، فعرفنا ان التراث الشعبي هو كل ما ورثناه عن الآباء والأجداد، من عادات وتقاليد وقيم آداب وفنون وحرف وشتى المعارف الشعبية التي أبدعها وصاغها المجتمع عبر تجاربه الطويلة والتي يتداولها أفراده ويتعلمونها بطريقة عفوية، فهي في الأخيرة تعد أنماطاً ثقافية مميزة تصل الحاضر بالماضي. وبمعنى أدق نستطيع القول ان التراث الشعبي يساهم بشكل أو بآخر في صياغة هوية المجتمع وشخصيته الحضارية.
ونلاحظ في عالم اليوم تزايد الاهتمام العالمي بالتراث الشعبي سواء على مستوى كل دولة على حدة أو على المستوى الإقليمي أو على مستوى دول العالم مجتمعة، ويتبين لنا هذا من خلال المؤتمرات والندوات التي تعقد بين الحين والآخر، وكذلك من خلال الدوريات المتخصصة في هذا المجال، كذلك نستشف هذا الاهتمام من خلال وجود المؤسسات الرسمية والشعبية من منظمات ومجالس ومراكز متخصصة في الشؤون التراثية، فإذا أخذنا دولة الإمارات على سبيل المثال نلاحظ أن هناك مجموعة من المؤسسات الرسمية والجمعيات الشعبية التي تهتم بحفظ التراث وتدوينه ويأتي على رأسها مركز زايد للتراث والتاريخ ومركز الدراسات والوثائق التابع للمجمع الثقافي ومركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، وإذا وسعنا من نطاق الدائرة قليلا لنضم دولة مجلس التعاون الخليجي يأتي مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية والذي يتخذ من الدوحة مقراً له، كذلك دارة الملك عبد العزيز في المملكة العربية السعودية، وفي الكويت مركز الوثائق التاريخية، وفي البحرين فهناك مركز الوثائق والدراسات، ودائرة التراث في سلطنة عمان، أما على المستوى العربي فهناك المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة لجامعة الدول العربية (أليكسو)، وعلى مستوى الدول الإسلامية تطالعنا المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو) التي تتخذ من الرباط مقرا لها وكذلك مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (إيرسيكا) الذي يتخذ من استانبول مقراً له، أما على المستوى العالمي فتبرز لن المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) التي تنتهج خطة عمل تتلخص في ان الثقافة والتراث مقتنيات عالمية وعلى دول العالم مجتمعة حفظها وصيانتها والاهتمام بها .. وهذه الأمثلة التي أوردناها هي على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر، وكذلك لا نستطيع ان نفصل عمل هذه المنظمات عن بعضها حيث ان الجهود تأتي في كثير من الاحيان مشتركة فتراث أي قطر لا يمكن ان ينشأ بمعزل عن تراث الإقليم الموجود فيه وكذلك هذا التراث الذي يعتبر في النهاية جزءا من التراث العالمي.



المادة :: لماذا الاهتمام بالتراث الشعبي ....؟


لماذا هذا الاهتمام بالتراث الشعبي؟ والسعي لتدوينه وحفظه وإقامة المراكز المتخصصة لهذا الغرض، وقيام المؤتمرات وتقديم الابحاث العلمية المتخصصة لذلك. ما هي الاهمية التي ينطوي عليها حفظ التراث الشعبي في حياة الأمم في وقتنا الحاضرة؟ وما هو دوره كذلك مستقبلا؟، وما هي الأسباب التي تقف وراء ازدياد اهتمام دول العالم في يومنا هذا بحفظ تراثها وتدوينه؟
تنطلق أهمية التراث من كونه يشكل الهوية الثقافية التي تميز أي شعب عن غيره، فالهوية ما هي إلا تراكمات تفاعل الإنسان مع المتغيرات البيئية الاجتماعية والثقافية التي تشكل لنا في الأخيرة ما يسمى بالتراث. إضافة إلى ذلك يعد التراث الشعبي مصدراً مهماً لمعرفة العصور السابقة ودليلا حيويا على مراحل تطورها، كما يوضح لنا تركيب الامة الاجتماعي والاقتصادي ومؤشر تقدمها الحضاري، بل ان أهمية التراث تمتد إلى أكثر من ذلك، حيث يعتبر ذاكرة التاريخ الحية، وحلقة الوصل بين الماضي والحاضر، وهذا ما يؤكد لنا بأن فهم التاريخ وأحداثه لن يكتمل بدون دراسة التراث والتاريخ، فإذا كان التاريخ هو ذاكرة الامة، فالتراث روحها، فإذا حدث ان فقد شعب من الشعوب شيئاً من تاريخه المكتوب، فيكون الاعتماد في هذه الحالة على الممارسات التراثية السائدة في المنطقة للكشف عن التاريخ الاجتماعي والاقتصادي والفكري والسياسي لذلك الشعب، وهذه النقطة الاخيرة تصدق كثيرا على الحالة في دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل خاص والخليج العربي بشكل عام.
كما للتراث أهمية أخرى لا تقل أهمية عما ذكرناه، فقد دلت دراسات تراثية أجريت في العديد من الأقطار العربية على أن التراث الشعبي تظهر أهميته في أوقات الأزمات التي تمر بها الدول كوجود خطر خارجي – على سبيل المثال – يهدد كيان الدولة وفي هذه الحالة يمتلك التراث الشعبي من القدرة على تمكنه من استنفار وحشد طاقات الشعب وتأمين تكاتفها لمواجهة مثل هذه الأخطار، فالمجتمع شأنه شأن الكائن الحي الذي يتأثر سلبا وينتفض لدخول أي جسم غريب عليه، وعندئذ يسعى لحماية نفسه بالانكماش والاتجاه إلى داخله، وتجميع قواه استعدادا للدفاع.
ولكن التساؤل المهم الآن الذي يطرح نفسه، لماذا ارتفعت اصوات المنادين بحفظ التراث وتدوينه خاصة في السنوات الأخيرة من عمر الدولة؟ في الواقع ثمة أسباب مهمة توجب الاسراع بتدوين وتوثيق التراث، فمن خلال قراءة نقدية لأوضاع الدولة بعد ظهور النفط خاصة في خلال الثلاثة عقود الأخيرة، نلحظ جملة من المتغيرات التي طالت معظم جوانب الحياة، وإن كان التغير ضرورياً ولابد منه، إلا أنه يجب ان لا ينال من هوية وشخصية المجتمع، كما قال أحد الفلاسفة، (سأفتح نافذتي مشرعة أمام كل هواء نقي، ولكن لن اسمح للريح في أن تبعثر أوراقي الخاصة) ... والمتتبع للعوامل التي يخشى من نتائجها تشويه شخصية وملامح المجتمع، سوف يلاحظ انها تشمل متغيرات كثيرة، إلا أن من أبرزها وأكثرها وضوحاً :
1- الانفتاح العشوائي على أساليب حياة مختلفة وعلى مجتمعات وثقافات أخرى، فلم تشهد دولة في حجم الإمارات انفتاحا اقتصاديا واجتماعيا مذهلا كالذي هو قائم الآن على ارضها والذي كان من نتائجه، إفراز واقع سكاني جديد معقد وصعب أصبح فيه أبناء الإمارات يمثلون أقلية في مجتمعهم، إضافة إلى إفراز واقع ثقافي جديد ايضا نلمس فيه ابتعاده نوعا ما عن الموروث الشعبي الذي يعد في الواقع أحد أوعية الثقافة الجادة، ورافد التنمية الثقافية في المجتمع.
2- النزعة الاستهلاكية التي بدأت تجتاح مجتمع الإمارات خلا الثلاثين سنة الأخيرة، هذا التغير السريع على المستوى المادي لم يستطع أن يواكبه تغير على المستوى الفكري والقيمي، وكان من نتيجة ذلك بروز هوة ثقافية واضحة قد تؤدي أو قد أدت بالأحرى إلى قدر من الاضطراب في القيم وحدوث تباعد بين الأجيال المختلفة حتى بين أفراد الاسرة الواحدة.
3- التدفق الحر للمعلومات في اتجاه واحد وهيمنة وسائل الإعلام والتثقيف والترفيه الحديثة على حساب الوسائل التقليدية، الأمر الذي يؤثر على صياغة وجدان الاجيال الناشئة في المجتمع رجال المستقبل، بل من الممكن ان يتخطى ذلك فيسهم في تشكيل الرأي العام للراشدين من أفراد المجتمع.
4- فكرة النظام العالمي الجديد أو ما يسمى (بالعولمة) وهو تحويل العالم إلى قرية كونية صغيرة تذوب فيها ثقافات الشعوب، وتضمحل لغات أمم، وتنصهر موروثات ومعالم دول، لتظهر معالم المجتمع الكوني بثقافاته وموروثاته الجديدة، وبمفاهيمه ونظرياته الحديثة.
إن جملة هذه العوامل وغيرها الكثير افضت – بلا شك – إلى المزيد من ضمور الثقافة الشعبية عموما، والتراث الشعبي على نحو خاص، لكن ما يدعو للتفاؤل في مجتمع الإمارات، الموقف الرسمي والشعبي في التعامل مع كل ما يمت إلى التراث بصلة.



المادة :: الموقف الرسمي


يتمثل الموقف الرسمي للقيادة السياسية في دولة الإمارات والتي يأتي على رأسها صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة – حفظه الله – الذي يحرص بشكل دائم على الحفاظ على التراث الشعبي، ودعم الجهات والأنشطة التي تعنى بإحيائه وذلك من منطلق المحافظة على أصالة المنطقة وإبراز هويتها وخلق شخصية وطنية متميزة لابن الإمارات .. ونلمس هذا الاهتمام من سموه من خلال الأقوال التي يرددها دائما، ومنها على سبيل المثال ... (لقد ترك لنا الأسلاف من أجدادنا الكثير من التراث الشعبي الذي يحق لنا ان نفخر به ونحافظ عليه ونطوره، ليكون ذخرا لهذا الوطن وللأجيال القادمة).
وهذا ليس بغريب على شخص سموه، فهو عامل نشط فعال في إحياء التراث الشعبي وذلك بحكم نشأته البدوية وتبنيه شخصيا لأسلوب الحياة التقليدية الأصيلة وإلمام سموه بالمعارف الشعبية المتصلة بالحياة البدوية كرياضة تربية الصقور على سبيل المثال والتي يقول عنها .. (إن هذه الرياضة وسيلة للتخلص من هموم العمل اليومية وجلي النفس، فضلا عن أهميتها في اكتساب مهارات بدنية واجتماعية). والأمر لا يقتصر فقط على هذه الرياضة بل يمتد ليشمل رياضة تراثية أخرى كالفروسية وسباقات الهجن والسباقات البحرية.
إن هذا الاهتمام من قبل سمو الشيخ زايد بالتراث الشعبي وكذلك إخوانه حكام الإمارات قد ترجم إلى واقع عملي ملموس من خلال الشروع في إنشاء الهيئات والمؤسسات والاندية والقرى العاملة في مجال التراث، والأمر لا يقتصر فقط على ذلك بلد أمتد هذا الاهتمام ليشمل الناحية البحثية وذلك من منطلق تأصيل المنهج العلمي في مجال موضوعات التراث الشعبي، كإنشاء العديد من المراكز البحثية – سيرد ذكرها لاحقاً – التي سعت لإصدار العديد من الأبحاث والدوريات المحكمة، وتنظيم العديد من الندوات والمؤتمرات العلمية كالمؤتمرات التي احتضنها مركز زايد للتراث والتاريخ والتي كان من اهمها مؤتمر مناهج توثيق التراث الشعبي في دولة الإمارات.
ومما ينبغي الإشارة إليه في هذا الصدد ان الاهتمام بالتراث الشعبي من قبل القيادة العليا لم يقتصر فقط على النطاق المحلي بل سعت هذه القيادة لنشره على النطاق العالمي وذلك من خلال المشاركة في أجنحة المعارض الدولية، إضافة لتنظيم بعض الرياضات التراثية في عدد من عواصم العالم كسباق الهجن الذي تم تنظيمه في خلال الأعوام 1998، 1999، 2000 في كل من ألمانيا واستراليا وكان ذلك برعاية اتحاد سباقات الهجن، وكذلك سباقات الخيول التي يتم تنظيمها بشكل دوري في كل من باريس ولندن وامستردام بهدف التعريف بالحصان العربي ودوره في التاريخ والحضارة العربية.
مما تقدم يتبين مدى اهتمام القيادة السياسة في دولة الإمارات برعاية التراث الشعبي والعمل على إحيائه ونشره لأهميته في الحفاظ على الشخصية الثقافية والحضارية المتميزة لمجتمع الإمارات.



المادة :: الموقف الشعبي


يتمثل الموقف الشعبي في الإسهامات التي تصدر من قبل جمعيات الفنون الشعبية المنتشرة في أرجاء الدولة، ويحسب لهذه الجمعيات بأنها تعتبر أول مبادرة جادة لعرض التراث الشعبي. وسنتعرض لدورها أكثر من موضع آخر من البحث.
وقبل ان نرصد مظاهر الاهتمام بتدوين التراث والجهات القائمة على ذلك، لابد ان نتعرف على المراحل التي مر بها تدوين التراث الشعبي .. في دولة الإمارات، وهو كما نعتقد مر بثلاث مراحل رئيسية :
1- مرحلة السبعينات : وهي مرحلة تأسيس وبداية ظهور بعض المؤسسات الرسمية مثل الدوائر واللجان وافتتاح بعض المتاحف كمتحف العين ودبي، كما ظهرت بعض فرق وجمعيات الفنون الشعبية الأهلية كالفرقة الشعبية التي تأسست في الشارقة عام 1974، ويلاحظ على هذه الفترة أنها مرت على نفس الوتيرة حتى نهايتها، كما غلب على هذه الفترة كذلك اختفاء الدراسات والبحوث والدورات الدراسية فقد كانت شبه معدومة.
2- مرحلة الثمانينات : الملاحظ على هذه المرحلة كذلك متابعة ما بدئ به في المرحلة الاولى من حيث الاستمرار في إنشاء المؤسسات الرسمية وزيادة عدد ظهور الفرق الشعبية وظهور جمعيات مهتمة بإحياء التراث الشعبي، وازدياد عدد المتاحف التراثية، وفي هذه المرحلة بدأت الإرهاصات الاولى لظهور المراكز البحثية المتخصصة في مجال التراث، وبدأ الاهتمام بإعداد البحوث والدراسات المتخصصة في هذا المجال من قبل عدد من الباحثين من المواطنين والوافدين ويذكر في هذا الصدد الباحث فالح حنظل.
3- مرحلة التسعينات : وتعتبر هذه الفترة بحق فترة الاهتمام الرسمي والشعبي بالتراث في مجتمع الإمارات، ويرجع السبب في ذلك إلى ازدياد جملة التحديات التي تعرضت وما زالت تتعرض لها الدولة سواء أكانت تحديات اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية كما أشرنا إليها في مطلع هذا الفصل، مما أدى إلى ازدياد دعم الدولة مادياً ومعنوياً للجهود الشعبية في هذا المضمار للحفاظ على الهوية الثقافية والحضارية لمجتمعنا، ويغلب على أنشطة هذه الفترة الطابع العلمي وهو الذي يميزها عن الفترات السابقة، ومن أبرز نشاطات هذه الفترة إنشاء المراكز البحثية المتخصصة التي اعتبرت نشاطاتها تتويجاً لتأصيل البحث العلمي في الأعمال التراثية، فعلى سبيل المثال مركز زايد للتراث والتاريخ، ومركز الدراسات والوثائق التابع للمجمع الثقافي، كما شهدت هذه الفترة كذلك نشر العشرات من الكتب والدراسات التي تتناول شتى جوانب التراث الشعبي لمجتمع الإمارات، إضافة إلى إصدار العديد من الدوريات المتخصصة في الشؤون التراثية وكمثال على ذلك مجلة تراث التي تصدر عن نادي تراث الإمارات، وكذلك مجلة آفاق الثقافة والتراث التي تصدر عن مركز جمعة الماجد، كذلك مجلة الفن والتراث الشعبي التي تصدر عن جمعية النخيل للفنون الشعبية، وغيرها العديد من المجلات التراثية. كما تميز هذا العهد بعقد العديد من المؤتمرات والندوات والحلقات التدريبية الخاصة بالتراث الشعبي. أضف إلى ذلك إقامة القرى التراثية التي تعد شكلا من أشكال المتاحف المفتوحة، والاهتمام بالمتاحف وعمل الترميمات وأعمال الصيانة للمباني التقليدية وهذا كله يصب في إطار الاهتمام بتدوين التراث المادي الذي يعد أحد الأفرع الرئيسة للتراث الشعبي.
وفي إطار إبراز دور الأفراد والمؤسسات في هذا المجال، سنعتمد التقسيم الذي أورده الأستاذ ناصر العبودي في الورقة التي طرحها في ندوة التاريخ والتراث الشعبي في دولة الإمارات حيث حدد المهتمين بحفظ التراث وتدوينه في ثلاث مجموعات هم كالآتي :
1. على مستوى الافراد.
2. على مستوى المؤسسات الشعبية.
3. على مستوى المؤسسات الرسمية وهي تنقسم بدورها إلى :
أ- مؤسسات خدمية.
ب- مؤسسات بحثية.



المادة :: أولاً : على مستوى الأفراد


ظهرت في بادئ الأمر فكرة تدوين التراث وحفظه من الضياع على أيدي مجموعة من الأفراد، لذلك نستطيع القول ان الافراد هم أول من نادى بضرورة الاهتمام بالتراث الشعبي، ويمكن لنا ان ندرج اربعة فئات رئيسية تحت مستوى الافراد المعنيين بحفظ التراث وهم كالآتي : فئة كبار السن المخضرمين ممن عاصروا فترة ما قبل النفط، وفئة المتعلمين وخريجي الجامعات، وفئة الهواة، وفئة المثقفين العرب الذي كان لهم دور جلي في هذا الميدان.
بالنسبة لفئة كبار السن وهم في الواقع شخصيات من اصحاب الخبرة الحياتية لاقت إصداراتهم قبولا من قبل أفراد المجتمع، والسبب يرجع في ذلك، إلى ان معظم هؤلاء الافراد عاصروا جانباً من الحياة الماضية، فكتبوا من خلال معايشة ورؤية مباشرة، ويطالعنا في هذا الصدد الوالد محمد الجروان صاحب كتاب (أميرة الصحراء) وايضاً الشاعر المعروف الراحل حمد بوشهاب صاحب المساهمات والجهود الحافلة والجلية في جمع وتوثيق تراثنا من الشعر الشعبي وأيضاً معالي الشيخ محمد بن أحمد الخزرجي صاحب كتاب (العادات والتقاليد في دولة الإمارات العربية المتحدة).
أما بالنسبة للفئة للفئة الثانية وهي فئة المتعلمين فإن مساهماتهم تتمثل معظمها في الجمع والتوثيق والبحث الوصفي الميداني، وتبرز لنا في هذا الصدد مجموعة من الأعمال للأستاذ محمد ناصر العبودي وكذلك أعمال أخرى مثل (الإمارات في سفينة الماضي) للأستاذ نجيب الشامسي وأيضاً كتاب (الألعاب الشعبية) لعبدالله الطابور وغيرهم العديد من الباحثين.
أما بالنسبة للفئة الثالثة وهي المتمثلة في فئة الهواة سواء في جمع أو حفظ بعض القطع الأثرية المحلية المتوارثة وذلك من خلال إقامة معارض ودور خاصة لهذه الأعمال القيمة، وعادة ما يتجه لهذه الهواية من فئة الموسرين ماديا وذلك لما تتطلبه من نفقات خاصة ويبرز لنا في هذا المجال مجموعة من أبناء الإمارات فهناك الوالد المرحوم محمد بن مطر السويدي صاحب أكبر متحف نموذجي شامل وحافل في دبي، وكذلك السيد جمعة الماجد الذي قام بتأسيس مركز بحثي علمي متخصص يبحث في علم المخطوطات والشؤون التراثية والذي يعتبر أحد المراكز البحثية المتخصصة في الدولة، وسيأتي ذكره لاحقاً. أما من جيل الشباب المهتمين بهذا المجال يبرز لنا سعادة احمد بن حسين لوتاه ورجل الأعمال محمد بن عبد الجليل الفهيم الذي اقام في أبوظبي معرضا للمقتنيات النادرة.
أما بالنسبة لجهود الباحثين العرب، فلهم كل التقدير والامتنان لاهتمامهم وحرصهم بتدوين جزء من تراث المنطقة ومأثوراتها الشعبية، وذلك لأنهم أيقنوا ان هذا التراث المحلي جزء لا يتجزأ من التراث العربي الإسلامي ومن هؤلاء الدكتور فالح حنظل الذي صدر له أكثر من عشرين مؤلفا عن تراث وتاريخ الإمارات ويبرز لنا على قائمة هذه الأعمال (معجم الألفاظ العامية في دولة الإمارات) الذي جاء في حوالي 700 صفحة والذي استغرق من المؤلف مدة ست سنوات من العمل والجمع والتدوين، وتبرز أهميه هذا المعجم في كونه يثبت ان لهجة أهل الإمارات تحتوي على الكثير من الفصيح، كما يعتبر هذا المعجم بوابة لمن يريد أن يخوض غمار جمع مواد التراث الشعبي، وهناك أعمال لباحثين آخرين مثل الدكتور غسان الحسن الذي ألف (الشعر النبطي في منطقة الخليج والجزيرة العربية) وغيرهم، أما بالنسبة لجهود الأكاديميين فتبرز لنا أعمال الدكتور السيد حريز الذي قام بدراسة نقدية لتراث الإمارات خلال العقد الأخير من القرن العشرين وهي بمثابة مرجع مهم لتقييم مسيرة تدوين التراث في الإمارات خلال العشر سنوات الأخيرة، إضافة لأعمال آخرين من الأكاديميين العرب.
مما تقدم تعرفنا على أهم الفئات التي تشكل الاهتمام الفردي بحفظ التراث وتدوينه، وسنناقش في الفقرة التالية أهم أشكال هذا الاهتمام، وفي الواقع فقد اختلفت تلك الجهود من فئة لأخرى كما لاحظنا سابقاً، ولكن تدور معظم هذه الجهود حول إصدار الكتب والنشرات والكتيبات التراثية وإعداد الأبحاث العلمية ولكن هذا الجانب اقتصر على الأكاديميين كما رأينا سابقا، كما يترجم هذا الاهتمام أحيانا إلى إعداد برامج إذاعية وتلفزيونية على سبيل المثال البرامج التي يقدمها عبيد راشد صندل، وأحيانا نرى المعارض والقرى التراثية المختلفة، وأحياناً نلاحظ الاهتمام بالتراث عن طريق القيام بتسجيل المرويات على أشرطة كاسيت وفيديو بهدف حفظها.



المادة :: ثانيـاً : على مستوى المؤسسات الشعبية


يمكن لنا ان نذكر في هذا الإطار، جمعيات الفنون الشعبية المنتشرة في معظم أرجاء الدولة إضافة إلى ذلك جمعيات النهضة النسائية وبعض المراكز التنمية الاجتماعية. أما بالنسبة لسير عمل هذه الجمعيات فهي في الواقع تخضع لإشراف وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، كما أنها تلقى بعض الاهتمام والتوجيهات من وزارة الإعلام والثقافة.
وتضطلع جمعيات الفنون الشعبية بأنشطة عديدة منها على سبيل المثال المشاركة في الاحتفالات الوطنية كما تشارك في فعاليات الرياضات التراثية الأصيلة كسباق الهجن وفي السباقات البحرية، كما نرى دورها يبرز بفاعلية في أسابيع الترويج السياحي وفي الأسابيع الثقافية والمهرجانات الفنية المختلفة سواء التي تقام داخل الدولة ام خارجها، كما تقوم هذه الجمعيات بإقامة بعض المتاحف الفنية التراثية، ويمتد نشاط بعضها في أحيان كثيرة لإصدار الكتيبات التراثية، إضافة لتنظيم بعض الدورات التدريبية لطلبة المدارس وعقد المحاضرات ودعوة كبار المهتمين بالتراث الشعبي.
وتعتبر جمعية الشارقة للفنون الشعبية أول جمعية أهلية تأسست لإحياء التراث والفلكلور الشعبي وكان ذلك في عام 1974 وبعد ذلك توالى تأسيس مثل هذه الجمعيات في مختلف أرجاء الدولة إلى ان بلغ عددها في الوقت الحالي 29 جمعية متوزعة في مختلف إمارات الدولة، وتصدرت إمارة رأس الخيمة باقي الإمارات في عدد الجمعيات حيث بلغ عددها تسع جمعيات وقد كانت أول جمعية تأسست في رأس الخيمة جمعية شمل للفنون والتراث والمسرح وكان ذلك في عام 1981، وتأتي إمارة الشارقة وإمارة أبوظبي في المرتبة الثانية وذلك برصيد خمس جمعيات لكل منهما، وقد كانت جمعية الشارقة للفنون الشعبية أول جمعية تأسست – كما سبق الإشارة إليها – أما في إمارة ابوظبي فقد كانت جمعية ابوظبي للفنون الشعبية أول جمعية تأسست وكان ذلك في عام 1978، وبالنسبة لإمارة دبي فقد تبوأت المركز الثالث وذلك بواقع أربع جمعيات، وقد تأسست فيها أول جمعية عام 1977 وكانت جمعية دبي للفنون الشعبية، أما عجمان وأم القيوين والفجيرة ففي كل منها جمعيتان، وقد كانت جمعية عجمان للفنون الشعبية أول جمعية تأسست وكان ذلك في عام 1976، أما في إمارة أم القيوين فقد كانت جمعية الفنون الشعبية في عام 1977، وجمعية الفجيرة للفنون الشعبية في إمارة الفجيرة ف ي عام 1978.
وسنأخذ نادي تراث الإمارات كمثال على هذه الجمعيات الشعبية لنتناوله بشيء من الشرح والتفصيل وذلك لنبين دور مثل هذه الجمعيات الشعبية في خدمة التراث.



المادة :: نادي تراث الإمارت


يعود إنشاء نادي تراث الإمارات إلى عام 1993 بفضل توجيهات صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – رئيس الدولة حفظه الله – وقد تم إشهاره عام 1997 بمرسوم أميري، كهيئة مستقلة تابعة لحكومة أبوظبي، برئاسة سمو الشيخ سلطان بن زايد، نائب رئيس مجلس الوزراء.
وفي الواقع وقع اختيارنا على نادي تراث الامارات بالذات وذلك لضخامة هذه المؤسسة الشعبية حيث تتبعها لوحدها عشر إدارات مختلفة كلها تصب جميعا في حماية التراث ونشره خاصة بين جيل الشباب وتشمل هذه الإدارات :
 إدارة الأنشطة والفروع : وهي المسؤولة عن قيام وتنظيم البرامج والمناشط والدورات المختلفة للطلبة والاعضاء لممارسة هواياتهم التراثية.
 إدارة العلاقات العامة والإعلام : وهي الإدارة التي تتولى كافة مهام العلاقات العامة اللازمة للإعداد والتنسيق لمختلف أنشطة النادي إضافة للاتصال بالعديد من الجهات ذات العلاقة وذلك كله بقصد بناء العلاقات والترويج للنادي وأنشطته. كما تصدر عن هذه الإدارة مجلة (تراث) وهي مجلة شهرية تعنى بتراث الإمارات والتراث بصفة عامة.
 مركز زايد للتراث والتاريخ : وسيأتي ذكره لاحقا.
 وحدة التنمية الإدارية : وهي الإدارة التي تسعى لتطوير ورفع كفاءة الموظفين وذلك من خلال عقد البرامج والدورات المطلوبة.
 إدارة الشؤون المالية والإدارية.
 مدرسة الإمارات للشراع.
 إدارة الجزر والقرى التراثية : إيمانا من نادي تراث الإمارات بأهمية مزاولة الأنشطة الرياضية والتراثية وتعليمها للشباب، فقد قام بتأسيس محمية طبيعية وهي المتمثلة بجزيرة السمالية، فهذه الجزيرة التي تبلغ مساحتها 35 كم مربع، والتي تقع على بعد 12 كم شمال شرق مدينة أبوظبي، تعد المقر الرئيسي لمزاولة الانشطة التراثية. وقد تم تأهيلها لهذا الغرض عن طريق تزويدها بكافة الملاعب الرياضية على اختلاف أنواعها، إضافة لميادين الرماية مع ملحقاتها، كما تم كذلك إضافة عدد من الرياضات المختلفة مثل القوارب الشراعية والقوارب الرملية.
وقد توجت هذه الإدارة أعمالها التراثية مؤخرا بافتتاح القرية التراثية على كورنيش ابوظبي التي تعتبر شكلا من أشكال المتاحف المفتوحة التي تتوافق مع طبيعة الحياة التقليدية في هذه المنطقة.
 لجنة البحوث البيئية في جزيرة السمالية : وقد انشئت في عام 1996 وذلك بهدف المحافظة على الحياة الفطرية والنباتية والحيوانية في جزيرة السمالية، والعمل على المحافظة على التوازن البيئي فيها، وقد امتد نشاط هذه اللجنة ليشمل إعداد مجموعة من الدراسات والأبحاث عن الحياة الطبيعية في الجزيرة، وذلك المساهمة في إنشاء المشاريع البيئية والحيوية، كما امتد نشاط هذه اللجنة للمشاركة في المحافل والفعاليات البيئية المحلية والدولية.
 إدارة السباقات والأنشطة البحرية : وهي الإدارة التي تشرف على تنظيم السباقات البحرية وقد نظمت هذه الإدارة ما يقارب (11) سباقا بحريا، شارك فيها (919) قاربا متنوعا ما بين القوارب التراثية وقوارب التجديف والقوارب الشراعية.
 رابطة هواة الفلك : تأسست هذه الرابطة عام 1998 وذلك بهدف ربط علوم الفلك التراثية بعلوم الفضاء الحديثة، كما تهدف هذه الرابطة إلى تعريف الطلاب بالدور المتميز الذي لعبه العرب في هذا الميدان، كما تهدف إلى تعريفهم بمواسم الزراعة والحصاد ومواعيد سقوط الامطار وهبوب الرياح، وتملك الرابطة في سبيل تحقيق هذه الاهداف العديد من الأجهزة الفلكية المتطورة والمواد الإعلامية وكتب الفلك.

هذا بالنسبة للإدارات التي تتبع النادي، كما يتبع هذه المؤسسة الشعبية خمسة فروع منتشرة بين أرجاء مدينة أبوظبي، وهذه الفروع هي : البطين، السمحة، الزعفرانة، العين، والفرع النسائي في ابوظبي، وتقدم هذه الفروع أنشطة تراثية متنوعة تناسب جميع المستويات العمرية وتشمل الأنشطة التعليمية، والسباقات، والدورات التدريبية، والمؤتمرات، والمعارض والمهرجانات الثقافية إضافة إلى الانشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية.
عموماً، يحسب لهذه الجمعيات الشعبية بأنها تعد أول بداية جادة لعرض التراث الشعبي للأجيال الناشئة، ومن خلال مسيرتها العملية نلاحظ أنها قطعت شوطا كبيرا في مجال إحياء التراث الفلكلوري ونقله للأجيال الناشئة، وخلق حلقة من التواصل ما بين الجيل السابق الذي عاصر المرحلة الماضية وأخذ من ملامحها وبين الاجيال الحديثة، إلا أنه يؤخذ على هذه الجمعيات إهمالها الجانب البحثي وعدم استطاعتها تلبية احتياجات من يريد ان يبحث أو ان يكتب في تراث الإمارات، وإن بدأ يطرأ عليها نوع من التغير في الفترة الأخيرة، حيث لاحظنا أن بعض هذه الجمعيات الشعبية أنشأت مراكز بحثية كنادي تراث الإمارات وبعض الجمعيات بدأت تصدر بعض الكتب المضطلعة بالشؤون التراثية كجمعية النخيل للفنون الشعبية، فضلا عن إصدار المجلات التراثية .



المادة :: ثالثاً : على مستوى المؤسسات الرسمية


وهي تنقسم بدورها إلى قسمين : مؤسسات خدمية وأخرى بحثية

أ- المؤسسات الرسمية البحثية
تزايدت في الأونة الاخيرة المراكز العلمية المتخصصة في البحث في الشؤون التراثية وهذا مؤشر إيجابي نحو تأصيل البحث العلمي في الأعمال التراثية.


رد مع اقتباس