عرض مشاركة واحدة
قديم 11-08-2008, 02:56 AM   رقم المشاركة : 18
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: البداية والنهاية الجزء الاول


*2* ذكر مهاجرة إبراهيم بابنة اسماعيل وأمه هاجر إلى جبال فاران

@ وهي أرض مكة وبنائه البيت العتيق


قال البخاري قال عبدالله بن محمد هو أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن أيوب السختياني وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة يزيد أحدهما على الآخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم اسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة ثم جاء بها إبراهيم وبابنها اسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت يا ابراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنس ولا شيء فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها فقالت له الله أمرك بهذا قال نعم قالت إذا لا يضيعنا ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه فقال ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند

بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون وجعلت أم إسماعيل ترضع اسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يلتوي أو قال يتلبط فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هلى ترى أحدا فلم تر أحدا فهبطت ممن الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف ذراعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى إذا جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك سعى الناس بينهما فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت صه تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تخوضه وتقول بيدها هكذا وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهي تفور بعد ما تغرف قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم يرحم الله أم اسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك لا تخافي الضيعة فإن ههنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كذا فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا فقالوا إن هذا الطائر ليدور على الماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا قال وأم اسمعيل عند الماء فقالوا تأذنين لنا أن ننزل عندك قالت نعم ولكن لا حق لكم في الماء قالوا نعم قال عبدالله بن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فألقى ذلك أم اسمعيل وهي تحب الانس فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب فلما أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم اسمعيل فجاء إبراهيم بعد ما تزوج اسمعيل يطالع تركته فلم يجد اسمعيل فسأل امرأته فقالت خرج يبتغي لنا ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بشر في ضيق وشدة وشكت إليه قال فإذا جاء زوجك أقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه فلما جاء اسمعيل كأنه آنس شيئا فقال هل جاءكم من أحد فقالت نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة قال فهل أوصاك بشيء قالت نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول لك غير عتبة بابك قال ذاك أبي وأمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك فطلقها وتزوج منهم أخرى ولبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت خرج يبتغي لنا قال كيف أنتم وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بخير وسعة وأثنت على الله فقال ما طعامكم قالت اللحم قال فما شرابكم قالت الماء قال اللهم بارك لهم في اللحم والماء
قال النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم حب لدعا لهم فيه فهما لا يخلو عليهما أحد بعين مكة الا لم يوافقاه قال فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه فلما جاء اسمعيل قال هل أتاكم من أحد قالت نعم أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير قال فأوصاك بشيء قالت نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك قال ذاك أبي وأمرني أن أمسكك ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك واسمعيل يبري نبلالة تحت دوحة قريبا من زمزم فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الولد بالوالد والوالد بالولد ثم قال يا اسمعيل إن الله أمرني بأمر قال فاصنع ما أمرك به ربك قال وتعينني قال وأعينك قال فإن الله أمرني أن أبني ههنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل اسمعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني واسمعيل يناوله الحجارة وهما يقولان ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم قال وجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم ثم قال حدثنا عبدالله بن محمد حدثنا أبو عامر عبدالله بن عمرو حدثنا إبراهيم بن نافع عن كثير بن كثير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما كان من إبراهيم وأهله ما كان خرج باسمعيل وأم اسمعيل ومعهم شنة فيها ماء وذكر تمامه بنحو ما تقدم وهذا الحديث من كلام ابن عباس وموشح برفع بعضه وفي بعضه غرابة وكأنه مما تلقاه ابن عباس عن الإسرائيليات وفيه أن اسمعيل كان رضيعا إذ ذاك وعند أهل التوراة أن إبراهيم أمره الله بأن يختن ولده اسمعيل وكل من عنده من العبيد وغيرهم فختنهم وذلك بعد مضي تسع وتسعين سنة من عمره فيكون عمر اسمعيل يومئذ ثلاث عشرة سنة وهذا امتثال لأمر الله عز وجل في أهله فيدل على أنه فعله على وجه الوجوب ولهذا كان الصحيح من أقوال العلماء أنه واجب على الرجال كما هو مقرر في موضعه

وقد ثبت في الحديث الذي رواه البخاري حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا مغيرة بن عبدالرحمن القرشي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم اختتن إبراهيم النبي عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم تابعه عبدالرحمن بن اسحق عن أبي الزناد وتابعه عجلان عن أبي هريرة ورواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وهكذا رواه مسلم عن قتيبة به وفي بعض الألفاظ اختتن إبراهيم بعد ما أتت عليه ثمانون سنة واختتن بالقدوم والقدوم هو الآلة وقيل موضع وهذا
اللفظ لا ينافي الزيادة على الثمانين والله أعلم لما سيأتي من الحديث عند ذكر وفاته عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال اختتن إبراهيم وهو ابن مائة وعشرين سنة وعاش بعد ذلك ثمانين سنة رواه ابن حبان في صحيحه وليس في هذا السياق


*2* ذكر قصة الذبيح

@ وأنه اسمعيل ولم يذكر في قد مات إبراهيم عليه السلام الا ثلاث مرات أولاهن بعد أن تزوج اسمعيل بعد موت هاجر وكيف تركهم من حين صغر الولد على ما ذكر إلى حين تزويجه لا ينظر في حالهم وقد ذكر أن الأرض كانت تطوى له وقيل إنه كان يركب البراق إذا سار إليهم فكيف يتخلف عن مطالعة حالهم وهم في غاية الضرورة الشديدة والحاجة الأكيدة وكان بعض هذا السياق متلقى من الإسرائيليات ومطرز بشيء من المرفوعات ولم يذكر فيه قصة الذبيح وقد دللنا على أن الذبيح هو اسمعيل على الصحيح في سورة الصافات

قصة الذبيح

قال الله تعالى وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا انا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى اسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين يذكر تعالى عن خليله إبراهيم أنه لما هاجر من بلاد قومه سأل ربه أن يهب له ولدا صالحا فبشره الله تعالى بغلام حليم وهو اسماعيل عليه السلام لأنه أول من ولد على رأس ست وثمانين سنة من عمر الخليل وهذا ما لا خلاف فيه بين أهل الملل لأنه أول ولده وبكره وقوله فلما بلغ معه السعي أي شب وصار يسعى في مصالحه كأبيه قال مجاهد فلما بلغ معه السعي أي شب وارتحل وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل فلما كان هذا رئى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يؤمر بذبح ولده هذا وفي الحديث عن ابن عباس مرفوعا رؤيا الأنبياء وحي قاله عبيد ابن عمير أيضا وهذا اختبار من الله عز وجل لخليله في أن يذبح هذا الولد العزيز الذي جاءه على كبر وقد طعن في السن بعد ما أمر بأن يسكنه هو وأمه في بلاد قفر وواد ليس به حسيس ولا أنيس ولا زرع ولا ضرع فامتثل أمر الله في ذلك وتركهما هناك ثقة بالله وتوكلا عليه فجعل الله لهما فرجا ومخرجا ورزقهما من حيث لا يحتسبان ثم لما أمر بعد هذا كله بذبح ولده هذا الذي قد أفرده عن أمر ربه وهو بكره ووحيده الذي ليس له غيره أجاب ربه وامتثل أمره وسارع إلى طاعته ثم عرض ذلك على ولده ليكون أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قسرا ويذبحه قهرا قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر
ماذا ترى فبادر الغلام الحليم سر والده الخليل إبراهيم فقال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين وهذا الجواب في غاية السداد والطاعة للوالد ولرب العباد قال الله تعالى فلما أسلما وتله للجبين قيل أسلما أي استسلما لأمر الله وعزما على ذلك وقيل هذا من المقدم والمؤخر والمعنى تله للجبين أي ألقاه على وجهه قيل أراد أن يذبحه من قفاه لئلا يشاهده في حال ذبحه قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك وقيل بل أضجعه كما تضجع الذبائح وبقي طرف جبينه لاصقا بالأرض وأسلما أي سمى إبراهيم وكبر وتشهد الولد للموت قال السدي وغيره أمر السكين على حلقه فلم تقطع شيئا ويقال جعل بينها وبين حلقه صفيحة من نحاس والله أعلم فعند ذلك نودي من الله عز وجل أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا أي قد حصل المقصود من اختبارك وطاعتك ومبادرتك إلى أمر ربك وبذلك ولدك للقربان كما سمحت ببدنك للنيران وكما مالك مبذول للضيفان ولهذا قال تعالى إن هذا لهو البلاء المبين أي الاختبار الظاهر البين وقوله وفديناه بذبح عظيم أي وجعلنا فداء ذبح ولده ما يسره الله تعالى له من العوض عنه والمشهور عن الجمهور أنه كبش أبيض أعين أقرن رآه مربوطا بسمرة في ثبير قال الثوري عن عبدالله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا وقال سعيد بن جبير كان يرتع في الجنة حتى تشقق عنه ثبير وكان عليه عهن أحمر وعن ابن عباس هبط عليه من ثبير كبش أعين أقرن له ثغاء فذبحه وهو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل منه رواه ابن أبي حاتم
قال مجاهد فذبحه بمنى وقال عبيد بن عمير ذبحه بالمقام فأما ما روى عن ابن عباس أنه كان وعلا وعن الحسن أنه كان تيسا من الأروى واسمه جرير فلا يكاد يصح عنهما ثم غالب ما ههنا من الآثار مأخوذ من الإسرائيليات وفي القرآن كفاية عما جرى من الأمر العظيم والاختبار الباهر وأنه فدى بذبح عظيم وقد رود في الحديث أنه كان كبشا قال الإمام أحمد حدثنا سفيان حدثنا منصور عن خاله نافع عن صفية بنت شيبة قالت أخبرتني إمرأة من بني سليم ولدت عامة أهل دارنا قالت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن طلحة وقال مرة إنها سألت عثمان لم دعاك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني كنت رأيت قرني الكبش حين دخلت البيت فنسيت أن آمرك أن تخمرهما فخمرهما فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي قال سفيان لم تزل قرنا الكبش في البيت حتى احترق البيت فاحترقا وهذا روى عن ابن عباس أن رأس الكبش لم يزل معلقا عند ميزاب الكعبة قد يبس وهذا وحده دليل على أن الذبيح اسمعيل لأنه كان وهو المقيم بمكة واسحق لا نعلم أنه قدمها في حال صغره والله أعلم
وهذا هو الظاهر من القرآن بل كأنه نص على أن الذبيح هو اسمعيل لأنه ذكر قصة الذبيح ثم قال
بعده وبشرناه باسحق نبيا من الصالحين ومن جعله حالا فقد تكلف ومستنده أنه اسحق إنما هو اسرائيليات وكتابهم فيه تحريف ولا سيما ههنا قطعا لا محيد عنه فإن عندهم أن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده وفي نسخة من المعربة بكره اسحق فلفظه اسحق ههنا مقحمة مكذوبة مفتراة لأنه ليس هو الوحيد ولا البكر ذاك اسمعيل وإنما حملهم على هذا حسد العرب فإن اسمعيل أبو العرب الذين يسكنون الحجاز الذين منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واسحق والد يعقوب وهو إسرائيل الذين ينتسبون إليه فأرادوا أن يجروا هذا الشرف إليهم فحرفوا كلام الله وزادوا فيه وهم قوم بهت ولم يقروا بأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء وقد قال بأنه اسحق طائفة كثيرة من السلف وغيرهم وإنما أخذوه والله أعلم من كعب الأحبار أو صحف أهل الكتاب وليس في ذلك حديث صحيح عن المعصوم حتى نترك لأجله ظاهر الكتاب العزيز ولا يفهم هذا من القرآن بل المفهوم بل المنطوق بل النص عند التأمل على أنه اسمعيل وما أحسن ما استدل محمد بن كعب القرظي على أنه اسمعيل وليس باسحق من قوله فبشرناها بإسحاق ومن وراء اسحق يعقوب قال فكيف تقع البشارة باسحق وأنه سيولد له يعقوب ثم يؤمر بذبح اسحق وهو صغير قبل أن يولد له هذا لا يكون لأنه يناقض البشارة المتقدمة والله أعلم
وقد اعترض السهيلي على هذا الاستدلال بما حاصله أن قوله فبشرناها بإسحاق جملة تامة وقوله ومن وراء إسحاق يعقوب جملة أخرى ليست في حيز البشارة قال لأنه لا يجوز من حيث العربية أني كون مخفوضا إلا أن يعاد معه حرف الجر فلا يجوز أن يقال مررت بزيد ومن بعده عمرو حتى يقال ومن بعده بعمر وقال فقوله ومن وراء إسحق يعقوب منصوب بفعل مضمر تقديره ووهبنا لاسحق يعقوب وفي هذا الذي قاله نظر ورجح أنه إسحاق واحتج بقوله فلما بلغ معه السعي قال واسماعيل لم يكن عنده إنما كان في حال صغره هو وأمه بحيال مكة فكيف يبلغ معه السعي وهذا أيضا فيه نظر لأنه قد روى أن الخليل كان يذهب في كثير من الأوقات راكبا البراق إلى مكة يطلع على ولده وابنه ثم يرجع والله أعلم فمن حكى القول عنه بأنه اسحق كعب الأحبار وروى عن عمر والعباس وعلي وابن مسعود ومسروق وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء والشعبي ومقاتل وعبيد بن عمر وأبي ميسرة وزيد بن أسلم وعبدالله بن شقيق والزهري والقاسم وابن أبي بردة ومكحول وعثمان بن حاضر والسدي والحسن وقتادة وأبي الهذيل وابن سابط وهو اختيار ابن جرير وهذا عجب منه وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس ولكن الصحيح عنه وعن أكثر هؤلاء أنه إسماعيل عليه السلام قال مجاهد وسعيد الشعبي ويوسف بن مهران وعطاء وغير واحد عن ابن عباس هو إسماعيل عليه السلام وقال ابن جرير حدثني يونس أنبأنا ابن وهب أخبرني عمرو بن قيس عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أنه قال المفدى اسماعيل وزعمت اليهود أنه اسحق وكذبت اليهود وقال عبدالله بن الامام أحمد
عن أبيه هو اسماعيل وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عن الذبيح فقال الصحيح أنه اسماعيل عليه السلام قال ابن أبي حاتم وروى عن علي وابن عمر وأبي هريرة وأبي الطفيل وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد والشعبي ومحمد بن كعب وأبي جعفر محمد بن علي وأبي صالح أنهم قالوا الذبيح هو اسماعيل عليه السلام وحكاه البغوي أيضا عن الربيع بن أنس والكلبي وأبي عمرو بن العلاء قلت وروى عن معاوية وجاء عنه أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن الذبيحين فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وإليه ذهب عمر بن عبدالعزيز ومحمد بن اسحاق بن يسار وكان الحسن البصري يقول لا شك في هذا وقال محمد بن اسحاق عن بريدة عن سفيان بن فروة الأسلمي عن محمد بن كعب أنه حدثهم أنه ذلك ذلك لعمر بن عبدالعزيز وهو خليفة إذ كان معه بالشام يعني استدلاله بقوله بعد العصمة فبشرناه بإسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب فقال له عمر إن هذا الشيء ما كنت أنظر فيه وإني لأراه كما قلت ثم أرسل إلى رجل كان عنده بالشام كان يهوديا فأسلم وحسن إسلامه وكان يرى أنه من علمائهم قال فسأله عمر بن عبدالعزيز أي ابني إبراهيم أمر بذبحه فقال اسماعيل والله يا أمير المؤمنين وإن اليهود لتعلم بذلك ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه والفضل الذي ذكره الله منه لصبره لما أمر به فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه اسحق لأن اسحق أبوهم وقد ذكرنا هذه المسئلة مستقصاة بأدلتها وآثارها في في كتابنا التفسير ولله الحمد والمنة

*2* مولد اسحاق

@ قال الله تعالى وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى اسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين وقد كانت البشارة به من الملائكة لإبراهيم وسارة لما مروا بهم مجتازين ذاهبين إلى مدائن قوم لوط ليدمروا عليهم لكفرهم وفجورهم كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى قال الله تعالى ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ فلما رأى أيديهم لا تصل إليهم نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد وقال تعالى ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون قالوا لا توجل انا نبشرك بغلام عليم قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون قالوا بشرناك بالحق فلا

تكن من القانطين قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون وقال تعالى هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم يذكر تعالى أن الملائكة قالوا وكانوا ثلاثة جبريل وميكائيل واسرافيل لما وردوا على الخليل حسبهم أضيافا فعاملهم معاملة الضيوف شوى لهم عجلا سمينا من خيار بقره فلما قربه إليهم وعرض عليهم لم ير لهم همة إلى الأكل بالكلية وذلك لأن الملائكة ليس فيهم قوة الحاجة إلى الطعام فنكرهم إبراهيم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط أي لندمر عليهم فاستبشرت عند ذلك سارة غضبا لله عليهم وكانت قائمة على رؤس الأضياف كما جرت به عادة الناس من العرب وغيرهم فلما ضحكت استبشارا بذلك قال الله تعالى فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب أي بشرتها الملائكة بذلك فأقبلت امرأته في صرة أي في صرخة فصكت وجهها أي كما يفعل النساء عند التعجب وقالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا أي كيف يلد مثلي وأنا كبيرة وعقيم أيضا وهذا بعلي أي زوجي شيخا تعجبت من وجود ولد والحالة هذه ولهذا قالت إن هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد وكذلك تعجب إبراهيم عليه السلام استبشارا بهذه البشارة وتثبيتا لها وفرحا بها قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين أكدوا الخبر بهذه البشارة وقرروه معه فبشروهما بغلام عليم وهو اسحق وأخوه اسماعيل غلام حليم مناسب لمقامه وصبره وهكذا وصفه ربه بصدق الوعد والصبر وقال في الآية الأخرى فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب وهذا مما استدل به محمد بن كعب القرظي وغيره على أن الذبيح هو اسماعيل وأن اسحق لا يجوز أن يؤمر بذبحه بعد أن وقعت البشارة بوجوده ووجود ولده يعقوب المشتق من العقب من بعده

وعند أهل الكتاب أنه أحضر مع العجل الحنيذ وهو المشوي رغيفا من مكة فيه ثلاثة اكيا وسمن ولبن وعندهم أنهم أكلوا وهذا غلط محض وقيل كانوا يودون أنهم يأكلون والطعام يتلاشي في الهواء وعندهم أن الله تعالى قال لإبراهيم أما سارا امرأتك فلا يدعى اسمها سارا ولكن اسمها سارة وأبارك عليها وأعطيك منها ابنا وأباركه ويكون الشعوب وملوك الشعوب منه فخر إبراهيم على وجهه يعني ساجدا وضحك قائلا في نفسه أبعد مائة سنة يولد لي غلام أو سارة تلد وقد أتت عليها تسعون سنة وقال إبراهيم لله تعالى ليت اسماعيل يعيش قدامك فقال الله لإبراهيم بحقي إن امرأتك سارة

تلد لك غلاما وتدعو اسمه اسحق إلى مثل هذا الحين من قابل وأوثقه ميثاقي إلى الدهر ولخلفه من بعده وقد استجبت لك في اسماعيل وباركت عليه وكبرته ونميته جدا كثيرا ويولد له اثنا عشر عظيما وأجعله رئيسا لشعب عظيم وقد تكلمنا على هذا بما تقدم والله أعلم فقوله تعالى فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب دليل على أنها تستمتع بوجود ولدها اسحق ثم من بعده بولد ولده يعقوب أي يولد في حياتهما لتقر أعينهما به كما قرت بولده ولو لم يرد هذا لم يكن لذكر يعقوب وتخصيص التنصيص عليه من دون سائر نسل اسحق فائدة ولما عين بالذكر دل على أنهم يتمتعان به ويسران بولده كما سرا بمولد أبيه من قبله وقال تعالى ووهبنا له اسحق ويعقوب كلا هدينا وقال تعالى فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له اسحق ويعقوب وهذا إن شاء الله ظاهر قوي ويؤيده ما ثبت في الصحيحين من حديث سليمان بن مرهان الأعمش عن إبراهيم بن يزيد التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول قال المسجد الحرام قلت ثم أي قال المسجد الأقصى قلت كم بينهما قال أربعون سنة قلت ثم أي قال ثم حيث أدركت الصلاة فصل فكلها مسجد وعند أهل الكتاب أن يعقوب عليه السلام هو الذي أسس المسجد الأقصى وهو مسجد ايليا بيت المقدس شرفه الله وهذا متجه ويشهد له ما ذكرناه من الحديث فعلى هذا يكون بناء يعقوب وهو اسرائيل عليه السلام بعد بناء الخليل وابنه اسماعيل المسجد الحرام بأربعين سنة سواء وقد كان بناؤهما ذلك بعد وجود اسحق لأن إبراهيم عليه السلام لما دعا قال في دعائه كما قال تعالى وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل واسحق إن ربي لسميع الدعاء رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب وما جاء في الحديث من أن سليمان بن داود عليهما السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله خلالا ثلاثا كما ذكرناه عند قوله رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي وكما سنورده في قصته فالمراد من ذلك والله أعلم أنه جدد بناءه كما تقدم من أن بينهما أربعين سنة ولم يقل أحد إن بين سليمان وإبراهيم أربعين سنة سوى ابن حبان في تقاسيمه وأنواع وهذا القول لم يوافق عليه ولا سبق إليه


رد مع اقتباس