عرض مشاركة واحدة
قديم 03-24-2012, 06:46 PM   رقم المشاركة : 6
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


رد: دعوووه لأهلّ القبّور ڤيّ هذه الساعه لأنهم انقطعوا عن هذه الدنيا وينتظرون دعواتنا

تمام العشرين: أن صدقة الفطر تجب عن الصغير وغيره ممن يمونه الرجل؛ فينتفع بذلك من يخرج عنه ولا سعي له فيها[23].

أما ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدا من حنطة»[24].

فذلك لا يصح أن يعارض ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها - قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»، لا سيما وأن لابن عباس - رضي الله عنهما - حديثا مرفوعا يثبت مشروعية قضاء الصوم عن الميت «أن امرأة أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، فقال: أرأيت لو كان عليها دين، أكنت تقضينه؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق بالقضاء»[25].

قال ابن القيم - رحمه الله: "فغاية هذا أن يكون الصحابي قد أفتى بخلاف ما رواه، وهذا لا يقدح في روايته؛ فإن روايته معصومة وفتواه غير معصومة، ويجوز أن يكون قد نسي الحديث أو تأوله أو اعتقد له معارضا راجحا في ظنه، أو لغير ذلك من الأسباب، على أن فتوى ابن عباس غير معارضة للحديث؛ فإنه أفتى في رمضان أنه لا يصوم أحد عن أحد، وأفتى في النذر أنه يصام عنه، وليس هذا بمخالف لروايته، بل حمل الحديث على النذر.

ثم إن حديث«من مات وعليه صيام صام عنه وليه» ثابت من رواية عائشة - رضي الله عنها -، فهب أن ابن عباس خالفه، فكان ماذا؟ فخلاف ابن عباس لا يقدح في رواية أم المؤمنين، بل رد قول ابن عباس برواية عائشة - رضي الله عنها - أولى من رد روايتها بقوله، وأيضا فإن ابن عباس - رضي الله عنهما - قد اختلف عنه في ذلك، وعنه روايتان، فليس إسقاط الحديث للرواية المخالفة أولى من إسقاطها بالرواية الأخرى بالحديث"[26].

حيث أورد أبو داود في سننه بسند صحيح عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: «إذا مرض الرجل في رمضان، ثم مات ولم يصح (ولم يصم)، أطعم عنه ولم يكن عليه قضاء، وإن نذر (وإن نذر نذرا) (وإن كان عليه نذر) قضى عنه وليه»[27].

قال الشوكاني في"نيل الأوطار" بعد ذكر حديث عائشة - رضي الله عنها: "وفيه دليل على أنه يصوم الولي عن الميت إذا مات وعليه صوم، أي صوم كان، وبه قال أصحاب الحديث وجماعة من محدثي الشافعية، وأبو ثور، ونقل البيهقي عن الشافعي أنه علق القول به على صحة الحديث، وقد صح، وبه قال الصادق والناصر والمؤيد بالله والأوزاعي وأحمد بن حنبل والشافعي في أحد قوليه، قال البيهقي في الخلافيات: هذه السنة ثابتة، لا أعلم خلافا بين أهل الحديث في صحتها"[28].

وخلاصة ما سبق أن الأحاديث الواردة في صحة انتفاع الأموات بسعي الأحياء أحاديث صحيحة ثابتة في أصح كتب السنة، لاسيما الصحيحين منها، وقد اتفق علماء الأمة على ما أفادته تلك الأحاديث؛ فقد أجمعوا على صحة انتفاع الإنسان بما تسبب به في حياته، وكذا ما ورد الدليل على مشروعية إهدائه للميت من السنة الصحيحة، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة في جواز إهداء ثواب الدعاء والصدقة والحج والصوم الواجب؛ فدل ذلك على مشروعية إهداء الثواب إلى الأموات.

ثانيا. لا تعارض بين أحاديث إهداء ثواب الأعمال للأموات وبين الآية الكريمة:

قال الله تعالى: )وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (39)( (النجم)، قال الطاهر ابن عاشور: "السعي هو: العمل والاكتساب، وأصل السعي المشي...، والمراد هنا عمل الخير...، والمعنى: لا تحصل لأحد فائدة عمل إلا ما عمله بنفسه، فلا يكون له عمل غيره، ولام الاختصاص يرجح أن المراد ما سعاه من الأعمال الصالحة، وبذلك يكون ذكر هذا تتميما لمعنى )ولا تزر وازرة وزر أخرى( (الأنعام: ١٦٤)؛ احتراسا من أن يخطر بالبال أن المدفوع من غير فاعله هو الوزر، وأن الخير ينال غير فاعله"[29].

ولا تعارض بين هذه الآية والأحاديث الثابتة السابقة في جواز إهداء ثواب الأعمال للأموات؛ إذ إن المراد من الآية هو أن الإنسان لا يملك سعي غيره، وليس فيها إشارة إلى أنه لا ينتفع بسعي غيره.

قال ابن تيمية - رحمه الله - "ولا يجوز أن يعارض هذا بقوله تعالى: )وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (39)( (النجم)؛ لوجهين:

أحدهما: أنه قد ثبت بالنصوص المتواترة وإجماع سلف الأمة أن المؤمن ينتفع بما ليس من سعيه؛ كدعاء الملائكة، واستغفارهم له، كما في قوله تعالى: )الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا( (غافر: ٧)، ودعاء النبيين والمؤمنين واستغفارهم؛ كما في قوله تعالى: )وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم( (التوبة: ١٠٣)، وقوله سبحانه: )ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول( (التوبة: ٩٩)، وقوله عز وجل: )واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات( (محمد: ١٩)، ودعاء المصلين للميت، ولمن زاروا قبره من المؤمنين.

الثاني: أن الآية ليست في ظاهرها إلا أنه ليس له إلا سعيه، وهذا حق، فإنه لا يملك ولا يستحق إلا سعي نفسه، وأما سعي غيره فلا يملكه ولا يستحقه، لكن هذا لا يمنع أن ينفعه الله ويرحمه به، كما أنه دائما يرحم عباده بأسباب خارجة عن مقدورهم، وهو -سبحانه وتعالى- بحكمته ورحمته يرحم العباد بأسباب يفعلها العباد؛ ليثيب أولئك على تلك الأسباب؛ فيرحم الجميع كما في الحديث الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة. عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل»[30]، وكما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- في الصحيح أنه قال: «من شهد الجنازة حتى يصلي فله قيراط، ومن شهد حتى تدفن كان له قيراطان". قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين»[31]، فهو قد يرحم المصلي على الميت بدعائه له، ويرحم الميت - أيضا - بدعاء هذا الحي له[32].

وقال - رحمه الله - أيضا: "ومن تأمل العلم وجد من انتفاع الإنسان بما لم يعمله ما لا يكاد يحصى، فكيف يجوز أن تتأول الآية على خلاف صريح الكتاب والسنة وإجماع الأمة"[33].

وقال الشنقيطي: "إن الآية إنما دلت على نفي ملك الإنسان لغير سعيه، ولم تدل على نفي انتفاعه بسعي غيره؛ لأنه لم يقل: وأن لن ينفع الإنسان إلا بما سعى، وإنما قال: وأن ليس للإنسان، وبين الأمرين فرق ظاهر؛ لأن سعي الغير ملك لساعيه، إن شاء بذله لغيره فانتفع به ذلك الغير، وإن شاء أبقاه لنفسه"[34].

وقال ابن عثيمين في تفسيره: "أما ما استدل به المانعون من إهداء القرب من مثل قوله تعالى: )وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (39)( (النجم) فإنه لا يدل على المنع، بل على أن سعي الإنسان ثابت له، وليس له من سعي غيره شيء، إلا أن يجعل ذلك له، ونظير هذا أن تقول (ليس لك إلا مالك)؛ فإنه لا يمنع أن يقبل ما تبرع به غيره من المال"[35].

وقال في موضع آخر: "المعنى أنه لا يمكن أن يأخذ من عمل غيره، لكن إذا أهدى إليه غيره من العمل فإنه لا بأس به، كما أن الإنسان ليس له التصرف في مال غيره، ولو أعطاه شخص مالا لتصرف فيه"[36].


وعلى فرض أن الآية على ظاهرها، فهي من قبيل العام الذي خصص بتلك الأحاديث الواردة في انتفاع الأموات بسعي الأحياء.

قال النووي في شرحه لأحاديث الباب: "وهذه الأحاديث مخصصة لعموم قوله تعالى)وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (39)( (النجم)[37].

وذكر الحافظ ابن حجر من فوائد حديث عائشة - رضي الله عنها - في إهداء ثواب الصدقة: "فيه جواز إهداء الصدقة عن الميت، وأن ذلك ينفعه بوصول ثواب الصدقة إليه، ولا سيما إن كان من الولد، وهو مخصص لعموم قوله تعالى: )وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (39)( "[38].

وقال الشوكاني: "يخصص بهذه الأحاديث عموم قوله تعالى: )وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (39)("[39].

وذاك ليس ببعيد؛ لأن من مهام السنة تبيين القرآن وتفسيره، بل روي عن مكحول - رحمه الله - قال: "القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن".


وقال يحيى بن أبي كثير: "السنة قاضية على الكتاب، وليس الكتاب بقاض على السنة".

وروي عن الفضل بن زياد قال: سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن الحديث الذي روي أن السنة قاضية على الكتاب؛ فقال: ما أجسر علي هذا أن أقوله، ولكن السنة تفسر الكتاب، وتعرف الكتاب وتبينه"[40].

وقد خصص الخطيب البغدادي في كتابه "الكفاية" بابا بعنوان: "باب تخصيص السنن لعموم محكم القرآن، وذكر الحاجة في المجمل إلى التفسير والبيان"، ثم ذكر أمثلة من هذا القبيل؛ فقال: قال الله تبارك وتعالى: )يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث( (النساء: ١١) فكان ظاهر هذه الآية يدل على أن كل والد يرث ولده، وكل مولود يرث والده، حتى جاءت السنة بأن المراد ذلك مع اتفاق الدين بين الوالدين والمولودين، وأما إذا اختلف الدينان فإنه مانع من التوارث، واستقر العمل على ما وردت به السنة في ذلك.

وعن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم»[41]. وقال الله تعالى في المرأة يطلقها زوجها ثلاثا )فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره( (البقرة: ٢٣٠)، واحتمل ذلك أن يكون المراد به عقد النكاح وحده، واحتمل أن يكون به العقد والإصابة معا، فبينت السنة أن المراد به الإصابة بعد العقد[42].

وعقب فقال: كل هذا ترك لظواهر الكتاب وتقديم للسنة عليه، ومثل ذلك لا يحصى كثرة"[43].

فلا غرو إذن أن تكون تلك الأحاديث التي تفيد جواز انتفاع الأموات بسعي الأحياء مخصصة لعموم قوله تعالى: )وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (39)( (النجم).

وخلاصة ما سبق أنه لا تعارض مطلقا بين تلك الأحاديث الثابتة في صحة إهداء ثواب الأعمال الصالحة إلى الأموات، وبين قوله تعالى: )وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (39)(؛ فليس فيهما ما يوحي بتعارض؛ فالمراد من الآية أن الإنسان ليس له إلا ما سعاه بنفسه؛ أي: ليس له سعي غيره؛ فإن أهداه غيره ثوابا جاز ذلك.

وإن بدا تعارض فهو ظاهري، والجمع بينهما يسير؛ إذ إن هذه الأحاديث مخصصة لتلك الآية، كما ذهب إلى ذلك النووي وابن حجر والشوكاني وغيرهم.

الخلاصة:

· إن الأحاديث الواردة في جواز إهداء ثواب الأعمال إلى الأموات، وكذا انتفاع الأموات بهذا الثواب أحاديث صحيحة ثابتة في أعلى درجات الصحة.

· لقد وردت الأحاديث الصحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في جواز إهداء ثواب كل من الصدقة والدعاء والحج والصوم الواجب إلى الأموات، وكذلك صح أن الأموات ينتفعون بهذا الثواب.

· لقد اتفق العلماء على أن الأموات ينتفعون من سعي الأحياء؛ فقد أجمعوا على وصول ثواب الصدقة والدعاء والحج والعمرة والصوم الواجب؛ لورود النصوص الصحيحة من السنة في ذلك، بل قد ذهب بعض العلماء إلى أن الميت ينتفع بكل قربة من خير تهدى إليه.

· لقد أثبت شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن الأموات ينتفعون من سعي الأحياء، وساق لذلك واحدا وعشرين دليلا.

· حديث عائشة - رضي الله عنها - في قضاء الصوم عن الميت «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» حديث صحيح، بل في أعلى درجات الصحة؛ فقد رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، ولا يصح أن يعارض هذا الحديث الثابت بما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد...، لا سيما وأن ابن عباس - رضي الله عنهما - روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يثبت مشروعية قضاء الصيام، فيكون غاية ذلك أنه قد أفتى بخلاف ما روى، وعلى ذلك؛ فلا تقدح فتواه في روايته؛ إذ إن روايته المرفوعة معصومة، بينما فتواه غير معصومة.

· يحتمل أن يكون الصوم المقضي هنا هو صوم النذر فقط - جمعا بين الأحاديث؛ ذلك لأن لابن عباس - رضي الله عنهما - فتوى أخرى تؤكد جواز قضاء صوم النذر عن الميت، وعلى ذلك يرتفع الخلاف ويتلاشى التعارض.

· إن قوله تعالى: )وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (39)( لا يعارض بحال من الأحوال تلك الأحاديث الغزيرة الثابتة في انتفاع الأموات بسعي الأحياء؛ إذ النفي في الآية نفي للملكية ليس إلا؛ أي: أن الإنسان لا يملك سعي غيره، أما إذا أهدي إليه هذا السعي فجائز؛ فالآية لم تنف الانتفاع بل نفت الملكية.

· ذهب بعض العلماء إلى أن الآية على ظاهرها، ولا تعارض بينها وبين الأحاديث؛ إذ إن هذه الأحاديث تعد مخصصة لهذه الآية، ذهب إلى ذلك النووي، وابن حجر، والشوكاني وغيرهم، وذاك جائز باتفاق الأصوليين.


رد مع اقتباس