عرض مشاركة واحدة
قديم 01-31-2004, 03:19 AM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

الزوار


الملف الشخصي








وقفات تربوية في الحج

وقفات تربوية في الحج 25/11/1424


فهد السيف



هيّا بنا نسير وإياك سوياً في طريق الحج، ونقف وقفات تربوية مع رحلة الحج قبل بدايتها وحتى نهايتها، نأخذ العبرة والموقف، ثم ننطلق بها لسائر أمور حياتنا خارج الحج لتعطينا العظة والعبرة والتربية، فإلى هذه السوانح:

النية والعزيمة:
1- الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وبه يتم المسلم أركان دينه، ولهذا فإن على المسلم الذي يؤدي الحج الفريضة وقد أنعم الله عليه بإتمام سائر الأركان أن يستشعر هذه النعمة العظيمة، فيحرص على إقامة هذه الأركان تامة غير منقوصة، ويقيمها على أساس سليم مخلصاً لله _تعالى_ متابعاً لنبيه _صلى الله عليه وسلم_.
2- على المسلم حينما يريد الحج أن يعقد العزم جازماً بالحج دون تردد، وقد حذر العلماء من تأجيل الحج فإنه لا يدري ما يعرض له.
وإذا كان الأمر في الحج كذلك، فهو في سائر الخيرات كذلك، ولا يصح للمسلم أن يتردد في فعل الخيرات بل يبادر "بادروا بالأعمال..." والتردد من شأنه أن يضيع وقت المسلم دون إقدام، وربما عرض ما يمنع من إقامة هذا العمل ولات ساعة مندم.

التأهُّب والاستعداد:
1- يقرأ بعض الحجاج في فقه الحج، ويسألون العلماء عما يشكل عليهم قبل وقوعه، ويحرصون على اتباع السنة في ذلك، ويسألون عن دقائق،مثل: وجود الخيط في النعل والساعة، وهذا مما يحمد لهم، إلا أن مما ينبغي أن يحرص عليه الناس أن يكون السؤال واتباع السنة عادة ودَيْدَناً لهم في سائر حياتهم وأمور دينهم.
2- يحرص الحاج على اختيار أطيب ماله ليحج به، ولا تسوّل نفسه له أن يختار الحج بمال ربا مثلاً! أفلا نطيب أموالنا كلها، ونجعل كل مطعمنا وملبسنا ومشربنا طيباً، فلا تنبت أجسادنا إلا من الحلال الطيب؟

حان موعد الرحيل:
1- حينما يسافر الحاج إلى الديار المقدسة فإنه يرحل من دياره وعن أهله بطوعه واختياره، والإنسان في حال سفر ما دام حياً فلا يحط رحاله إلا في الآخرة، وفي سفر الحج عظة وذكرى بالسفر الطويل لدار الآخرة، والمتأهب لسفر الحج من مال وزاد وراحلة ونحوه أولى أن يتأهب للسفر بعدته التي تناسبه، قبل أن يصل إلى نهاية السفر وهو خال الوفاض لا يحمل من الزاد ما يبلغه دار السلام "وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى" (البقرة: من الآية197) وإن السفر الطويل لا اختيار للإنسان فيه، فهو سيصل حتماً، لكن مكان الوصول مرهون بالطريق الذي سلكه حال السفر.
2- ومع الانطلاق في السفر، وتخطي السهول والوهاد، وصعود المرتفعات والجبال والتلال وهبوط الأودية، ليتذكر المسلم أن يسير على طريق سار عليه الأنبياء والصالحون قبله، فكلهم من لدن إبراهيم _عليه السلام_ وحتى يومنا هذا مروراً بموسى ومحمد _عليهم الصلاة والسلام_ وكذا الصحابة الأخيار، وكأني بأحدهم قد امتطى راحلته محرماً ملبياً ومتجهاً صوب البيت العتيق كما تفعل أنت.
كما سرنا في طريقهم وصوب الكعبة التي قصدوها، فما أحوجنا أن نسير أيضاً على طريقهم وفق سنتهم لنبلغ ما بلغوه في الدار الآخرة.
3- قبل أن ينطلق الحجاج للحج فإنك تجدهم يسعون جاهدين لتأمين حجهم واختيار الحملة أو الصحبة، ويحرصون على ألا يضعوا أقدامهم في طريق إلا وهم يعرفون نهايته، فلا يدخلون الحج بمغامرة.
وهكذا المسلم يجب ألا يضع قدمه في سائر أموره إلا في موضع يعرف أين يصل به في النهاية، وكثير من شباب اليوم يعيشون حياتهم في مغامرات المراهقين، ويقضون أوقاتهم في تجارب تودي بهم في كثير من الأحيان إلى نهايات سيئة، قد يكون مصيرها في الدنيا ضياع الشرف أو المال أو العمر وربما الوفاة، ويكون مصيرها في الآخرة أسوأ مصير.
إن الحياة مرة واحدة فلا تعرضها للتجربة.

أداء المناسك:
1- يلبس الناس لباساً واحداً بمظهر واحد لا تفرق بينهم، ولا تكاد تعرف حتى بلدانهم، إلا أنهم رغم ذلك مختلفون تمام الاختلاف في القلوب، والله مطلع على قلوبهم، وربما كان بين بعضهم كما بين المشرق والمغرب، فالعبرة – إذن – بما تحمله قلوبهم لا ما تحمله متونهم.
2- يَسِّر الله أمر الحاج بأن جعله مخيراً بين ثلاثة أنساك: تمتع، إفراد، قِران، وقبل أن يشرع في الحج فإنه يحدد النية ويعرف النسك الذي يريد دخوله، فلا يصح له أن يدخل في النسك إلا ناوياً نوعه من تمتع أو إفراد أو قران، ومن الفوائد التربوية في الحج: مراعاة الفروق الفردية، حيث لم يجعل النسك واحداً، بل جعله تمتعاً وإفراداً وقراناً، فلكلٍ ما يناسبه ويصلح له، ولم يجعل الشارع طريق الحج واحداً لا محيص عنه.
وأنت - أخي القارئ – مطالَب بأن تحدد أهدافك في الحياة، سواء كانت قصيرة المدى أو طويلة قبل أن تخوض غمارها، فلا يكون لك شعبة من قلبك في كل وادٍ تمر به، وإذا أردت الوصول فالزم طريقاً واحداً ولا تتشعب بين الطرق.
3- وفي تنوع الأنساك الثلاثة أيضاً إشعار بأهمية الوصول للنهاية السعيدة بأي طريق كان ما دام هذا الطريق صحيحاً، وما دامت هذه الوسيلة سليمة، وإلا فإن نبل الغاية لا يبرر خُبثَ الوسيلة، فلا ينبغي على مريدي الخير أن ينكر بعضهم على بعض اختلاف الوسائل والطرق ما دامت مباحة، ولا ينبغي على الدعاة أن يُثَرِّبوا على بعضهم ما لم يَلَغوا في الحرام، فكلهم على خير وبر.

4- أثناء أداء المناسك ليستحضر الحاج قصص السابقين – إبراهيم، إسماعيل، هاجر، محمد _عليهم الصلاة والسلام_ ومواقفهم خلال المشاعر، ففيها من العبر ما يَنِدُّ عن الحصر، وقد أعرضنا عنها لوضوحها – إن شاء الله – وكثرة طَرْقها.
5- يظهر الجَلَد في العبادة جلياً في الحج، فرُغْم النَصَب الذي يلحق بالحاج، إلا أنه يتابع بين عبادات بدنية كثيرة، ومنها على سبيل المثال: الدعاء، فقد جمع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بين الظهر والعصر في عرفة للتفرغ للدعاء حتى قضى بقية يومه داعياً مبتهلاً متضرعاً، كل هذا وهو نبي مستجاب الدعوة، وفي هذا دلالة واضحة على أن المسلم الراغب في عبادة ربه يستطيع أن يزيد من قربه من الله لو أراد وبالإصرار والعزيمة الصادقة والإيمان الواثق تستطيع أن تعطي نفسك حقها من العبادة.
6- تأمل جيداً في (البُعْد الزماني – والبعد المكاني) في الحج فستجد أنّ محدودية مساحة عرفة لها أهميتها، فمن وقف خارج حدودها بأمتار لما صح وقوفه ولما تم حجه، وكذا ينقص حج من خرج منها قبيل غروب الشمس.
ولا يصح أن يتساهل أحدنا في أمور دينه فإن منها ما يخل بإسلامه، أو ترتبت عليه عقوبة كبيرة، ومنها ما يرفع المؤمن في الجنة درجات، فاستمسك بما أنزل الله على رسوله _صلى الله عليه وسلم_، فكله خير وبركة وصلاح لك، كما أن للزمان والمكان أهمية عظيمة في حياة المسلم ينبغي له مراعاتها.
7- كما سبق فإن الحاج يتعرض لأعمال شاقة، ورغم النصب الذي يلحق به فإنه يحرص على أداء حجه بالصورة الأتم، بل بعضهم يشق على نفسه في مواطن يتمكن فيها من سلوك سُبُل أقل كلفة ومشقة، وذلك رغبة في ثواب أكبر!!!.

أليس سلوك الصراط المستقيم وترك المرغوبات الدنيوية التي حرمها الله أولى بالتحري حتى لو شق على النفس أحياناً؟ أوليست مجاهدة النفس للرقي بها حتى لو شقت على النفس بالغة الأهمية في حياة المرء المسلم.
8- مناسك الحج مرتبة ترتيباً شرعياً وفق السنة النبوية، وينبغي مراعاة ذلك والاهتمام به، وكذلك في حياة الإنسان ينبغي له مراعاة الأولويات في حياته فيقدم الأهم ثم المهم ثم الأقل أهمية وهكذا، ولا يقدم المُلِحَّ بسبب الحاجة، أو السهل والهين فتأمل!
9- نص الفقهاء على وجود أمير للحج، وهذا ما سار عليه الناس.
وفي هذا ملحظ مهم للمسلم في أموره أن تكون جماعية مربوطة بأمير ينظم جماعة المسلمين فلا تصبح أمور المسلمين فوضى غير منظمة، كلٌ يعمل ما يريد في الوقت الذي يريد والزمن الذي يريد، ولهذا حتى المسافرون ينبغي لهم – ولو كانوا ثلاثة فقط – أن يُؤَمِّروا.
10- يراعي الحاج حتى لو كان رَجُلاً حال ضعف المرأة بين الحجاج، وأهمية حشمتها، ولهذا تجد المرأة لا يشرع لها رمل ولا إسراع بين العلمين ولا تصعد على الصفا والمروة ونحو ذلك، والرجال يراعون نساءهم في ذلك فلا يشرع لهم الرمل إذا كنَّ معهم.
ونحن إذ نذكر ذلك نبين أهمية مراعاة ضعف المرأة وحشمتها، فإذا كان الأمر كذلك في أمور العبادات فما بالك حياة الناس ومشاغلهم ومشاكلهم، كيف نقحمهن فيها؟



رد مع اقتباس