عرض مشاركة واحدة
قديم 12-16-2011, 08:04 PM   رقم المشاركة : 36
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: طريق الزهد و التقوي

بسم الله الرحمن الرحيم


من الرسالة القشيرية
للإمام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري



باب التوحيد


قال الله عزَّ جلَّ: " وإلهكم إله واحد " .
أخبرنا الإمام أبو بكر محمد بن الحسين بن فورك، رضي الله عنه، قال حدثنا أحمد بن محمود بن خرزاذ قال: حدثنا مسيح بن حاتم العكلي قال: حدثنا الحجبي عبد الله بن عبد الوهاب قال: حدثنا حماد بن زيد، عن سعيد بن سعد ابن حاتم العتكي، عن ابن أبي صدقة: عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
" بينا رجل فيمن كان قبلكم لم يعمل خيراً قط إلا التوحيد، فقال لأهله: إذا متَّ فاحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذروا نصفي في البرّ ونصفي في البحر في يوم ريح. ففعلوا.. فقال الله عزَّ وجلَّ للريح: أدَّى ما أخذتِ، فإذا هو بين يديه، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: أستحياءً منك، فغفر له " ..
التوحيد: هو الحكم بأن المه واحد، والعلم بأن الشيء واحد أيضاً توحيد، ويقال: وحدته: إذا وصفته بالوحدانية، كما يقال: شجعت فلاناً إذا نسبته إلى الشجاعة، يقال في اللغة: وَحَد يحد فهو واحد وَوَحدْ، ووحيد؛ كما يقال: فرد فهو فارد، وفَرْد، وفريد.
وأصل أحد وحد فقلبت الواو همزة، والواو المفتوحة قد تقلب همزة، كما تقلب المكسورة والمضمومة، ومنه امرأة أسماء، بمعنى وسماء، من الوسامة، ومعنى كونه، سبحانه، واحداً على لسان العلم، قيل: هو الذي لا يصحّ في وصفه الوضع والرفع، بخلاف قولك: إنسان واحد؛ لأنك تقول إنسان بلا يد ولا رجل، فيصح رفع شيء منه،واسحق، سبحانه، أحدى الذات، بخلاف الأسم الجملة الحاملة.
وقال بعض أهل التحقيق في معنى أنه واحد: نفى التقسيم لذاته، ونفى التشبيه عن حقه وصفاته، ونفى الشريك معه في أفعاله ومصنوعاته.
والتوحيد ثلاثة: توحيد الحق للحق، وهو علمه بأنه واحد وخيبره عنه بأنه واحد.
والثاني: توحيد الحق، سبحانه، للخلق، وهو حكمه، سبحانه، بأن العبد موحد، وخلقه توحيد العبد.
والثالث: توحيد الخلق للحق، سبحانه، وهو علم العبد بأن الله، عز وجل، واحد، وحكمه وإخباره عنه بأنه واحد.

فهذه جمة في معنى التوحيد علي شرط الإيجاز والتحديد.
واختلفت عبارات الشيوخ عن معنى التوحيد: سمعتالشيخ أبا عبد الرحمن السلمي رحمه الله، يقول: سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت يوسف ابن الحسين يقول: سمعت ذا النون المصري يقول: وقد سئل عن التوحيد. فقال: أن تعلم أن قدرة المه تعالى في الأشياء بلا مزاج، وصنعه للأشياء بلاعلاج، وعلةُ كلِّ شيء صَنَعه ولا علة لصُنعه، ومهما تصور في نفسك شيء فالله بخلافه.
وسمعته يقول: سمعت أحمد بن محمد بن زكريا يقول: سمعت أحمد بن عطاء يقول: سمعت عبد الله بن صالح يقول: قال الجريري: لبس لعلم التوحيد إلا لسان التوحيد.
وسئل الجنيد عن التوحيد فقال: إفراد الموحَّد بتحقيق وحدا نيته بكمال أحديته أنه الواحد الذي لم يلد ولم يولد، بنفي الأضداد والأنداد والأشياء بلا تشبيه ولا تكييف ولا تصوير ولا تمثيل: " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " .
وقال الجنيد: إذا تناهت عقول العقلاء في التوحيد تناهت إلى الحيرة.
سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبا الحسين بن مقسم يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: سمعت الجنيد يقول ذلك، وسئل الجنيد عن التوحيد،فقال: معنى تضمحل فيه الرسوم، وتندرج فيه العلوم ويكون الله تعالى كما لم يزل وقال الحصري: أصولنا في التوحيد خمسة أشياء.
رفع الحدث وإفراد القدم، وهجر الإخوان، ومفارقة الأوطان، ونسيان ما عُلم على وجُهل.
سمعت منصور بن خلف المغربي يقول: كنت في صحن الجامع ببغداد يعني جامع المنصور والحصري يتكلم في التوحيد، فرأيت ملكين يعرجان إلى السماء، فقال أحدهما لصاحبه: الذي يقول هذا الرجل علم التوحيد والتوحيد غيرُه، يعني كنت بين اليقظة والنوم.
وقال فارس التوحيد هو إسقاط الوسائط عند غلبة الحال والرجوع إليها عند الأحكام، وأن الحسنات لا تغير الأقسام من الشقاوة والسعادة.
سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبا بكر بن شاذان يقول: سمعت الشبلي يقول: التوحيد: صفة الموحَّد حقيقة وحلية الموَّحد رسماً.
وسئل الجنيد عن توحيد الخاص فقال: أن يكون العبد شبحاً بين يدي الله، سبحانه، تجري عليه تصاريف تدبيره في مجاري أحكام قدرته، في لجج بحار توحيده، بالفناء عن نفسه وعن دعوة الخلق له وعن استجابته بحقائق وجوده ووحدانيته، في حقيقة قربه بذهاب حسنه وحركته. لقيام الحق، سبحانه له فيما أراد منه، وهو أن يرجع آخر العبد إلى أوله، فيكون كما كان قبل أن يكون.
وسئل البوشنجي عن التوحيد فقال: غير مشبه الذوات ولا منفي الصفات.
سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا الحسين العنبري يقول: سمعت سهل بن عبد الله يقول، وقد سئل عن ذات الله، عزَّ وجلَّ. فقال: ذات الله تعالى موصوفة بالعلم، غيرُ مدركة بالإحاطة، ولا مرئية بالأبصار في دار الدنيا، وهي موجودة بحقائق الإيمان من غير حدِّ ولا إحاطة ولا حلول، وتراه العيون في العقي ظاهراً في ملكه وقدرته، قد حجب الخلق عن معرفة كنه ذاته، ودلهم عليه بآياته؛ فالقلوب تعرفه، والعقول لا تدركه،ينظر إليه المؤمنون بالآبصار من غير إحاطة ولا إدراك نهاية.
وقال الجنيد: أشرف كلمة في التوحيد: ما قاله أبو بكر الصديق، رضي الله عنه.
سبحان من لم يجعل لخلقه سبيلاً إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته.
قال الأستاذ أبو القاسم: ليس يريد الصّديق، رضي الله عنه، أنه لا يعرف؛ لأن عند المحققين: العجز عجز عن الموجود، دون المعدوم، كالمقعد عاجزٌ عن قعوده؛ إذ ليس بكسب له ولا فعل، والقعود موجود فيه، كذلك العارف عاجز عن معرفته، والمعرفة موجودة فيه؛ لأنها ضرورية.
وعند هذه الطائفة المعرفة به سبحانه في الانتهاء ضرورية.
فالمعرفة الكسبية في الابتداء، وإن كانت معرفة على التحقيق، فلم يعدّها الصديق رضي الله عنه شيئاً بالإضافة إلى المعرفة الضرورية، كالسراج عند طلوع الشمس وانبساط شعاعها عليه.
سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أحمد بن سعيد البصري بالكوفة يقول: سمعت ابن الأعرابي يقول: قال الجنيد: التوحيد الذي انفرد به الصوفي هو: إفراد القدم عن الحدث والخروج عن الأوطان، وقطع المحاب وترك ما علم وجهل، وأن يكون الحق، سبحانه، مكان الجميع.
وقال يوسف بن الحسين: من وقع في بحار التوحيد لايزداد على ممر الأوقات إلا عطشاً.
وقال الجنيد: علم التوحيد مباين لوجوده، ووجوده مفارق لعلمه.
وقال الجنيد أيضاً: علم التوحيد طوى بساطه منذ عشرين سنة، والناس يتكلمون في حواشيه!! سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت محمد بن أحمد الأصبهاني يقول: وقف رجل علي الحسين بن منصور، فقال: من الحق الذي يشيرون إليه؟ فقال: معل الأنام ولا يعتل.
وسمعته يقول: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت الشبلي يقول: من اطلع على ذرّة من علم التوحيد ضعف عن حمل بقة لثقل ما حمله.
سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: سمعت أبا نصر السراج يقول: سئل الشبلي؛ فقيل له أخبرنا عن توحيد مجرد وبلسان حق مفرد.
فقال: ويحك!! من أجاب عن التوحيد بالعبارة فهو ملحد، ومن أشار إليه فهو ثنوي، ومن أومأ إليه فهو عابد وثن، ومن نصدق فيه فهو غافل، ومن سكت عنه فهو جاهل، ومن توهم أنه واصل فليس له حاصل، ومن رأى أ،ه قريب فهو بعيد، ومن تواجد فهو فاقد، وكل ما ميزتموه بأوهامكم وأدركتوه بعقولكم في أتم معانيكم فهو مصروف مردود إليكم، محدث مصنوع مثلكم.
وقال يوسف بن الحسين: توحيد الخاصة أن يكون بسره ووجده وقلبه كأنه قائم بين يدي الله تعالى يجري علي تصاريف تدبيره وأحكام قدرته في بحار توحيده بالفناء عن نفسه وذهاب حسه، بقيام الحق سبحانه له في مراه منه، فيكون كما هو قيل أن يكون في جريان حكمه سبحانه عليه.
وقيل: التوحيد للحق سبحانه، والخلق طفيلي.
وقيل: التوحيد: إسقاط الياءات؛ لا تقول لي وبي ومني وإليّ.
وقيل: لأبيبكر الطمستاني: ما التوحيد؟ فقال: توحيد، وموحد، وموحَّد، هذه ثلاثة.
قال رويم: التوحيد هو آثار البشرية وتجرد الألوهية.
سمت أبا علي الدقاق يقول في آخر عمه، وكان قد اشتدت به العلة، فقال: من أمارات التأييد حفظ التوحيد فيأوقات الحكم، ثم قال؛ كالمفسر لقوله مشيراً إلى ما كان من حاله، هو: أن يقرضك بمقاريض القدرة في إمضاء الأحكام قطعةً وأنت شاكر حامد.

وقال الشبلي: ما شم روائح التوحيد من تصور عنده التوحيد.
وقال أبو سعيد الخراز: أول مقام لمن وجد علم التوحيد، وتحقق بذلك، فناء ذكر الأشياء عن قلبه، وانفراده بالله عزَّ وجلَّ.
وقال الشبلي لرجل: أتدري لم لا يصح توحيدك؟ فقال: لا!! فقال: لأنك تطلبه بك.
وقال ابن عطاء: علامة حقيقة التوحيد نسيان التوحيد، وهو أن يكون القائم به واحداً.
ويقال من الناس من يكون مكاشفاً بالأفعال، يرى الحادثات بالله تعالى، ومنهم من هو مكاشف بالحقيقة، فيضمحل إحساسه بما سواه، فهو يشاهد الجمع سراً بسرّ، وظاهره بوصف التفرقة.
سمعت محمد بن عبد الله الصوفي يقول: سمعت علي بن محمد القزويني يقول: سمعت القنفذ يقول: سئل الجنيد عن التوحيد، فقال سمعت قائلاً يقول:
وغنى لي من قلبي
وغنيت كما غنّى
وكنا حينما كانوا
وكانوا حينما كنا
فقال السائل: أهَلكَ القرآن والأخبار؟!! فقال: لا، ولكن الموحِّد يأخذ أعلى التوحيد من أدنى الخطاب وأيسره.


رد مع اقتباس