أدب .. المتنبي : قصيدة على قدر أهل العزم تأتي العزائم
1 مرفق
أدب .. المتنبي : قصيدة على قدر أهل العزم تأتي العزائم يمدح فيها سيف الدولة الحمداني عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ * وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها * وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ يُكَلّفُ سيفُ الدّوْلَةِ الجيشَ هَمّهُ * وَقد عَجِزَتْ عنهُ الجيوشُ الخضارمُ وَيَطلُبُ عندَ النّاسِ ما عندَ نفسِه * وَذلكَ ما لا تَدّعيهِ الضّرَاغِمُ هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لوْنَها * وَتَعْلَمُ أيُّ السّاقِيَيْنِ الغَمَائِمُ سَقَتْها الغَمَامُ الغُرُّ قَبْلَ نُزُولِهِ * فَلَمّا دَنَا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ بَنَاهَا فأعْلى وَالقَنَا يَقْرَعُ القَنَا * وَمَوْجُ المَنَايَا حَوْلَها مُتَلاطِمُ وَكانَ بهَا مثْلُ الجُنُونِ فأصْبَحَتْ * وَمِنْ جُثَثِ القَتْلى عَلَيْها تَمائِمُ وكيفَ تُرَجّي الرّومُ والرّوسُ هدمَها * وَذا الطّعْنُ آساسٌ لهَا وَدَعائِمُ أتَوْكَ يَجُرّونَ الحَديدَ كَأَنَّهُمْ * سَرَوْا بِجِيَادٍ ما لَهُنّ قَوَائِمُ إذا بَرَقُوا لم تُعْرَفِ البِيضُ منهُمُ * ثِيابُهُمُ من مِثْلِها وَالعَمَائِمُ وَقَفْتَ وَما في المَوْتِ شكٌّ لوَاقِفٍ * كأنّكَ في جَفنِ الرّدَى وهْوَ نائِمُ تَمُرّ بكَ الأبطالُ كَلْمَى هَزيمَةً * وَوَجْهُكَ وَضّاحٌ وَثَغْرُكَ باسِمُ تجاوَزْتَ مِقدارَ الشّجاعَةِ والنُّهَى * إلى قَوْلِ قَوْمٍ أنتَ بالغَيْبِ عالِمُ ضَمَمْتَ جَناحَيهِمْ على القلبِ ضَمّةً * تَمُوتُ الخَوَافي تحتَها وَالقَوَادِمُ نَثَرْتَهُمُ فَوْقَ الأُحَيْدِبِ كُلّهِ * كمَا نُثِرَتْ فَوْقَ العَرُوسِ الدّراهمُ تدوسُ بكَ الخيلُ الوكورَ على الذُّرَى * وَقد كثرَتْ حَوْلَ الوُكورِ المَطاعِمُ تَظُنّ فِراخُ الفُتْخِ أنّكَ زُرْتَهَا * بأُمّاتِها وَهْيَ العِتاقُ الصّلادِمُ ألا أيّها السّيفُ الذي لَيسَ مُغمَداً * وَلا فيهِ مُرْتابٌ وَلا منْهُ عَاصِمُ هَنيئاً لضَرْبِ الهَامِ وَالمَجْدِ وَالعُلَى * وَرَاجِيكَ وَالإسْلامِ أنّكَ سالِمُ وَلِم لا يَقي الرّحمنُ حدّيك ما وَقى * وَتَفْليقُهُ هَامَ العِدَى بكَ دائِمُ مناسبة قصيدة على قدر أهل العزم: أنشد المتنبي قصيدته الرائعة على إثر مناسبة عظيمة وحدث أعظم ، حيث دارت معركة كبيرة وتاريخية بين المسلمين بقيادة الأمير سيف الدولة ، والروم بقيادة الدمستق ، وذلك على مشارف قلعة الحدث التي كانت خاضعة للروم . وقد كان جيش الروم آنذاك يتفوق بشكل كبير جدا من ناحية العدد على جيش سيف الدولة الذي لم يكن مستعدا لهذه المعركة ، إذ كان هدفه إعادة إعمار وبناء تلك القلعة .ففاجأه جنود الرومان ، فوقعت المعركة التي أبان فيها الأمير وجنوده عن صبر وشجاعة فاقت التصور ، حتى أن المتنبي أطلق عليها اسم الحدث الحمراء ، لكثرة الدماء التي أريقت فيها . معجم كلمات قصيدة على قدر أهل العزم الضراغم : الأسود . الحدث : قلعة بناها سيف الدولة في بلاد الروم . السرى : سير الليل . البيض : السيوف . الخميس : الجيش . الجوزاء : نجمان في السماء . الزمازم : صوت الرعد . الصارم : السيف القاطع . الضبارم : الشجاع الجريء . الردى : الهلاك . كلمى : جرحى الثغر : مقدم الفم الهامات : الرؤوس الردينيات : الرموح الأحيدب : جبل الحدث . الأراقم : جمع أرقم وهو الحية فيها بياض وسواد . المشرفية : السيوف . الغماغم : جلبة الحرب . شرح وتحليل قصيدة المتنبي على قدر أهل العزم ( 1 ) عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ * وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها * وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ في مقدمة تشحذ الهمم وتذكي العزائم ، يمهد المتنبي قصيدته بما يليق لاستقبال الأمير المظفر سيف الدولة ، هذا الاستقبال له تبعات تاريخية حافلة بانتصارات الأمير وشهرته بين الأمصار والبلدان . يُكَلّفُ سيفُ الدّوْلَةِ الجيشَ هَمّهُ * وَقد عَجِزَتْ عنهُ الجيوشُ الخضارمُ وَيَطلُبُ عندَ النّاسِ ما عندَ نفسِه * وَذلكَ ما لا تَدّعيهِ الضّرَاغِمُ يُفَدّي أتَمُّ الطّيرِ عُمْراً سِلاحَهُ * نُسُورُ الفَلا أحداثُها وَالقَشاعِمُ يشيد المتنبي بهمة سيف الدولة العالية في أمور تنظيم الجيش ، وهو لوحده قادر على القيام بكل شيء ، وكأنه أمة بحد ذاتها ، وهذا غاية في التعظيم والمديح . بل إن النسور صغارها وكبارها تقول لأسلحة الأمير : نفديك بأنفسنا لأنها كفتها التعب في طلب القوت ، وهذا وصف وتعبير غاية في الجمال والبراعة ، حيث جعل للأمير مقاما أرفع وصل صداه للطير والبشر . هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لوْنَها * وَتَعْلَمُ أيُّ السّاقِيَيْنِ الغَمَائِمُ سَقَتْها الغَمَامُ الغُرُّ قَبْلَ نُزُولِهِ * فَلَمّا دَنَا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ بَنَاهَا فأعْلى وَالقَنَا يَقْرَعُ القَنَا * وَمَوْجُ المَنَايَا حَوْلَها مُتَلاطِمُ يتحدث عن القلعة التي تحول لونها إلى الأحمر جراء الدماء ، حيث سقتها الغمام مطرا قبل المعركة ، ليسقيها الأمير بعد المعركة جثثا وجماجم . وَقَفْتَ وَما في المَوْتِ شكٌّ لوَاقِفٍ * كأنّكَ في جَفنِ الرّدَى وهْوَ نائِمُ تَمُرّ بكَ الأبطالُ كَلْمَى هَزيمَةً * وَوَجْهُكَ وَضّاحٌ وَثَغْرُكَ باسِمُ تجاوَزْتَ مِقدارَ الشّجاعَةِ والنُّهَى * إلى قَوْلِ قَوْمٍ أنتَ بالغَيْبِ عالِمُ شرح وتحليل قصيدة المتنبي على قدر أهل العزم ( 2 ) يصور الشاعر ، الأمير وهو واقف غير متهيب من هول الحرب ، ومقدم غير متوقع الموت ، ومتقدم بكل شجاعة ، حتى أن الهلاك قّدر بسالته وإقدامه فأعرض عنه وغفل عنه بالنوم ، فسلم ولم يهلك . وتمر الجرحى من الأبطال منهزمين ومستسلمين ، لكن ذلك لا يثني عزم الأمير ، ولا يضعف نفسه ، بل يتبسم مستبشرا وواثقا من الله بنصره . حَقَرْتَ الرُّدَيْنِيّاتِ حتى طَرَحتَها * وَحتى كأنّ السّيفَ للرّمحِ شاتِمُ وَمَنْ طَلَبَ الفَتْحَ الجَليلَ فإنّمَا * مَفاتِيحُهُ البِيضُ الخِفافُ الصّوَارِمُ يشيد الشاعر بترك الأمير للرماح التي لا تضرب بها إلا يد غدر متربصة ، وتقلده للسيوف التي لا يملكها إلا الشجعان المقبلين على المواجهة المباشرة في الحروب . نَثَرْتَهُمُ فَوْقَ الأُحَيْدِبِ كُلّهِ * كمَا نُثِرَتْ فَوْقَ العَرُوسِ الدّراهمُ استعارة رائعة وطريفة في آن واحد ، حيث يشبه فتك الأمير بجنود العدو ، كالدراهم المنثورة والمتفرقة على العروس ، كل درهم مرمي في جهة ، وكذلك كان حال الجنود المتناثرة جثتهم على جبل الأحيدب . تَظُنّ فِراخُ الفُتْخِ أنّكَ زُرْتَهَا * بأُمّاتِها وَهْيَ العِتاقُ الصّلادِمُ إذا زَلِقَتْ مَشّيْتَها ببُطونِهَا * كمَا تَتَمَشّى في الصّعيدِ الأراقِمُ أراد الشاعر أن يبين منظر الخيل وهي تركض وسط الهضاب والأدغال الوعرة في سهولة ويسر كما هي طيور العقبان الكاسرة ، حتى أن فراخها ظنت أن الأمير قادم إليها يحييها وقد جاءت معه العقبان فرحة راضية ، فالجثث مغانم لها . أفي كُلّ يَوْمٍ ذا الدُّمُسْتُقُ مُقدِمٌ * قَفَاهُ على الإقْدامِ للوَجْهِ لائِمُ أيُنكِرُ رِيحَ اللّيثِ حتى يَذُوقَهُ * وَقد عَرَفتْ ريحَ اللّيوثِ البَهَائِمُ وَقد فَجَعَتْهُ بابْنِهِ وَابنِ صِهْرِهِ * وَبالصّهْرِ حَمْلاتُ الأميرِ الغَوَاشِمُ مضَى يَشكُرُ الأصْحَابَ في فوْته الظُّبَى * لِمَا شَغَلَتْهَا هامُهُمْ وَالمَعاصِمُ يسخر الشاعر من قائد الروم الذي ورط نفسه في حرب جنى فيها على نفسه وأهله وجنده ، داعيا إياه أن يشكر أصحابه الذي انشغلت السيوف بهم فسلم رأسه ونجى من الهلاك . شرح وتحليل قصيدة المتنبي على قدر أهل العزم ( 3 ) وَيَفْهَمُ صَوْتَ المَشرَفِيّةِ فيهِمِ * على أنّ أصْواتَ السّيوفِ أعَاجِمُ يقول : السيوف لا يفهم أصواتها أحد ، لأن أصواتها أعاجم غير مفهومة ، والقائد الدمستق يفهم صوتها في أصحابه ، لأنه يستدل بذلك على قتلهم . وَلَسْتَ مَليكاً هازِماً لِنَظِيرِهِ * وَلَكِنّكَ التّوْحيدُ للشّرْكِ هَازِمُ لا يعتبر المتنبي أن هذا الانتصار هو انتصار أمير على أمير بقدر ما يعتبره انتصارا للإسلام على الشرك ، وبالتالي فإن انتصارات سيف الدولة ليست انتصارات شخصية عابرة ولكنها انتصارات تمثل كبرياء الإسلام والمسلمين . لَكَ الحَمدُ في الدُّرّ الذي ليَ لَفظُهُ * فإنّكَ مُعْطيهِ وَإنّيَ نَاظِمُ وَإنّي لَتَعْدو بي عَطَايَاكَ في الوَغَى * فَلا أنَا مَذْمُومٌ وَلا أنْتَ نَادِمُ عَلى كُلّ طَيّارٍ إلَيْهَا برِجْلِهِ * إذا وَقَعَتْ في مِسْمَعَيْهِ الغَمَاغِمُ انتصارات سيف الدولة هي انتصار للمتنبي أيضا حيث تشحذ ملكته الشعرية وتفجرها ، أي أنه شاعر كبير يتغنى بانتصارات أمير كبير ، كما أن موهبته الشعرية لا تقل عن بسالته في المعارك أيضا ، وفي ذلك مدح للشاعر نفسه . ألا أيّها السّيفُ الذي لَيسَ مُغمَداً * وَلا فيهِ مُرْتابٌ وَلا منْهُ عَاصِمُ هَنيئاً لضَرْبِ الهَامِ وَالمَجْدِ وَالعُلَى * وَرَاجِيكَ وَالإسْلامِ أنّكَ سالِمُ وَلِم لا يَقي الرّحمنُ حدّيك ما وَقى * وَتَفْليقُهُ هَامَ العِدَى بكَ دائِمُ يقول الشاعر مخاطبا الأمير : أنت السيف الذي لا ينبو له حد ، ولا يتضمنه غمد ، ولا تعتصم منه جثة ، لأن مقاصده موصولة بالنصر ، ومساعيه مكنوفة بجميل الصنع . ولذلك فعناية الرحمان تشمله بالصون والحفظ أينما حل وارتحل ، لأنه يدافع عن دين الحق ، وينشر كلمة التوحيد ، ويبطش بكل معتد ومدنس لديار الإسلام . Cant See Links |
الساعة الآن 07:18 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir